قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية حلم السندريلا للكاتبة عليا حمدي الفصل الثالث

رواية حلم السندريلا للكاتبة عليا حمدي الفصل الثالث

رواية حلم السندريلا للكاتبة عليا حمدي الفصل الثالث

الناجحون يقدرون على النجاح لانهم يعتقدون انهم يقدرون. (اغسطس هير).

توقفت سيارتين امام ذلك المبنى الذى يعد من اهم شركات الاستيراد والتصدير و الذى يضم شراكه اربعه من اكبر العائلات بالقاهره..
يخرج منها شابين في ريعان شبابهم، ينظر كلا منهما للاخر ثم يدلفون للشركه، صعد كل منهما لمكتبه دون ان يدور اى حوار بينهما...

في مكتب الاول، شاب في اواخر العشرينات من عمره، خصلات بنيه داكنه و عينان بلون البندق، شخصيه سلسه بجذابيه خاصه، انهى دراسته بقسم ادراه الاعمال و اجتهد ليصبح رجل اعمال من الدرجه الاولى.
جلس على مكتبه و قبل ان يباشر ببدأ عمله او حتى طلب قهوته الصباحيه، صدع رنين هاتفه و عندما نظر للهاتف ابتسم بسعاده مجيبا بابتسامه مشرقه و هو يستند براحه على مقعده: يا صباح اللى بتغنى.

ليصله صوت ضحكه قصيره دفعت ابتسامته للاتساع اكثر و هى تتحدث بنبرتها الهادئه بمزاح: اسمها السلام عليكم يا حضره الاستاذ المحترم.
قهقه بصوت عالى ليحمحم قليلا قائلا بشبه اعتذار: خلاص نعيد تاني، السلام عليكم.
ابتسمت بحنان و هى تردف بعدها باشتياق بدا واضحا وضوح الشمس اليه: و عليكم السلام يا حبيبى، عامل ايه يا فارس؟ وحشتنى جدا.

تنهد فارس بحزن لنبرتها المشتاقه شاعرا بتقصيره في حقها فهو غاب عنها كثيرا هذه المره: انا بخير نحمد ربنا، و انتِ كمان وحشاني جدا يا لولو و الله.
اتسعت ابتسامتها و لكنها لابد ان تؤنبه قليلا و الا فكيف تستفز مشاعره ليركض اليها: انت بكاش، لاني لو وحشتك فعلا كنت جيت تزورني، ثم اضافت بحزن: عاوزه اشوفك و انت عارف اني مقدرش اجي تقوم انت تنساني كده!

محقه هى في عتابها بل و ان غضبت عليه محقه فتمتم بمحاوله لارضائها: انا غلطان و حقك عليا...
ثم صمت قليلا يفكر و اخذ قرارا عاجلا مردفا بثقه: انا بإذن الله هاجى ليكِ النهارده، في ايدى شغل مستعجل هخلصه و اعدى عليكِ، مرضيه كده؟
ابتسمت بخبث و همهمت كأنها تفكر ثم اجابت بحزم: لا، انت هتسيب كل اللى في ايدك و تطلع حالا تجى ليا، اشوفك و اطمن عليك و ارجع تانى لشغلك اللى مبيخلصش.

و من اين له ان يرفض طلبها و هى مستائه منه فابتسم موافقا مانحا اياها فرحه مختلفه اليوم: اوامرك يا ست الكل، انا عندى كام لولو يعنى!
اغلق الخط و نهض و على وجهه ابتسامه هادئه و خرج من غرفته متجها لغرفه الشريك الاخر، طرق الباب بأسلوبه المميز دائما فعرف الاخر على الفور من هو فاذن له بالدخول.

دلف فارس و قبل ان يتحدث اشار له بأن ينتظره لحظات فجلس على المقعد امام المكتب بانتظار انتهاء رفيقه، شابا يعد وسيما بشكلا ما، لا يوجد ما هو مميز بشكله شعر اسود، عينان بلون الليل، شخصيه عمليه لحد كبير، انهى دراسته بقسم اداره الاعمال ايضا ليلتحق بعدها بأكاديميه عسكريه، ليقضى سنوات عمره ما بين عمله كرجل عسكرى و مكتب العائله كرجل اعمال بعد حصوله على لقب القرصان الاول بجداره.

انتهي عاصم مما بيده و نظر لفارس مستندا بظهره على مقعده واضعا قدما فوق الاخرى قائلا بمراوغه: جاي هنا ليه يا ابن الشرقاوي!
حاول فارس اخفاء ابتسامته و استبدلها بوجه عابس و رفع احدى حاجبيه متمتما بنبره حاول اخراجها حاقده قدر استطاعته: جاي اخد حقي يا ابن الحصرى.
عقد عاصم حاجبيه مخفيا ابتسامته هو الاخر متسائلا بمشاغبه مستنكرا: حق! حق ايه ده اللى ليك هنا؟

نظر فارس بتلذذ لفنجان القهوه امام عاصم مبتلعا ريقه فاضحا ابتسامته اخيرا متمتما: حقي في القهوه اللي انت شربتها من غيري.
ابتسم عاصم هو الاخر رافعا كوب القهوه لفمه مرتشفا القليل منها رافعا احدى حاجبيه باستنكار قائلا بتوضيح اكثر منه سؤالا: بيبقى مزاجك رايق في حالتين اما وقعت صفقه ممتازه او ناوى تزور عمتك.
ثم داعب جانب فمه بخبث مكملا باقرار: و بما ان مفيش صفقات جديده الايام دى فيبدو انك ناوى تزور عمتك!

قهقه فارس بملأ صوته و هو يجذب كوب القهوه الخاصه بعاصم ليقول و بعينيه نظره مشاكسه: اعتقد انك بتقول مش بتسأل!
ثم تذوق القهوه لينكمش وجهه بنفور و هو يدفع بالكوب امام عاصم الذى ابتسم بسخريه قائلا بلامبالاه: ما انت عارف انى بشربها ساده عامل فيها عبيط ليه!
نظر اليه فارس بغيظ و تمتم وهو يضغط على اسنانه بقوه: انا عبيط!

ثم اندفع يلومه: طب و الله ما حد عبيط غيرك، يا بني انت نازل اجازه كان لازم تيجي الشركه مش كفايه شغلك و سفرك و غيره، على الاقل يومين الاجازه ارتاح فيهم..
زفر عاصم متجاوزا شعوره بالغضب من صوت فارس العالى فهذا اسوء ما يغضبه: هتغاضى عن الجزء الاول، بس انت عارف ان بابا بيستنى اجازتى علشان ياخد يومين اجازه، ف لازم اخد بالي من الشركه، اه معتز بيجي بس انت عارف ان معتز دماغه مش معاه اصلا.

نهض فارس مردفا بموافقه: معاك حق، طيب يا سيدي ربنا يعينك، مش هتيجى معايا تشوف عمك بالمره!
نفى عاصم برأسه محركا اياها يمينا و يسارا مردفا بصدق: ابعتله السلام و انا هبقى اعدى عليهم وقت تانى.
اومأ فارس ثم هندم ياقه بذلته متمتما بلهجه صعيديه نادرا ما يتحدث بها: هسيبك انا بجي جبل ما حد يجفشنا سوا و تجع العيلتين في بعض يا ولدي.

نظر عاصم اليه من اعلى لاسفل باستهزاء مردفا بهدوء و هو يعاود فتح الملف امامه: تصدق لايق عليك النجع، دا اخرك اصلا.
فابتسم فارس غامزا له قبل ان يتحرك للخارج متمتما بمكر: اصلنا واحد يا بن الحصرى.

في المكتبه تجلس جنه و بيدها كتاب عن التنميه البشريه تقرأه بتركيز و بين وقت و اخر تقوم باغلاق الكتاب و فتح دفتر ما تحمله معها دائما لتكتب بداخله شيئا ما.
حتى انتفضت على يد هاله التى جائت اليها فاستدارت لها فجلست هاله بجوارها قائله بابتسامه: معلش هقطع تركيزك.
ابتسمت جنه تاركه دفترها و انتبهت اليها متمتمه: و لا يهمك طبعا، اتفضلى.

وضعت هاله يدها على الدفتر متسائله باهتمام: عندي فضول اعرف كتبتِ ايه في الدفتر النهارده!
اتسعت ضحكه جنه و هى تفتح الدفتر لتعطيها اياه قائله بتوضيح: اكيد اتفضلي، بكتب اهم النقط اللى فهمتها من الكتاب.
ابتسمت هاله متناوله الدفتر منها لتقرأ ما خطته جنه بيدها و الذى نال اعجابها بكل تأكيد: ممتاز يا جنه، انا قرأت الكتاب ده و فعلا قدرتِ تلخصى اهم النقط فيه.

ابتسمت جنه بسعاده مردفه بحماس: بجد! بحاول اجمع كل اللى بستفيد منه بحيث اقدر ارجعله في اى وقت.
نظرت اليها هاله بحنان جارف و امسكت يدها ضاغطه عليها بخفه لتمنحها نظره تحاوطها بدفء فابتسمت جنه متمتمه بسعاده نادرا ما تزين وجهها بهذا الشكل: عارفه يا طنط انا فرحانه جدا النهارده، لان النهارده ذكرى جواز ماما و بابا.

ثم اخرجت صوره من بين طيات دفترها لتنظر اليها بابتسامه اوسع ثم عقدت حاجبيها حزنا متمتمه بصوت خفيض تلوم والدها: بغض النظر عن غضبى الشديد من بابا علشان اتجوز واحده تانيه و خصوصا كوثر هانم بس مهما كان انا هفضل بحب بابا و بحتفل بكل ذكرى مهمه تخصه.

عقدت هاله حاجبيها بصدمه و هى تتذكر تاريخ اليوم و شعرت بأن ما ستراه الان على وشك منحها اكبر صدمه بحياتها ان كان ما تفكر فيه حقيقه، امتدت اصابعها بارتجافه بسيطه تُمسك بالصوره لتنظر لوجهها الابيض قليلا تخشى ان تراها، حقا تخشى و لكنها حركت رأسها يمينا و يسارا تنفى تفكيرها المجنون هذا و نظرت للصوره و بمجرد ان رأتها اتسعت عينها بصدمه و شُلت حركتها تماما، فقط تنظر للصوره بذهول تام و عدم تصديق وعقلها يردد كلمه واحده غير معقول .

تعجبت جنه رد فعلها ظلت تراقبها قليلا ثم تمتمت باستغراب و هى تضع يدها على كتف هاله لتنظر اليها: مالك يا طنط؟ ايه اللى حصل!
لم ترد هاله بل لم تسمعها من الاساس و مازالت تنظر للصوره بصدمه شديده ثم قالت بارتباك واضح: انتِ اسمك جنه ايه؟
استغربت جنه عاقده حاجبيها بتعجب فهاله لم تسألها عن اسمها ابدا فلما الان و لكنها حاولت التغاضى عن الامر مجيبه: جنه ماجد الالفى.

ثم لم تمنع فضولها و تسائلت: حضرتك بتسألي ليه؟
لم تجيب هاله بل لم تنظر اليها و مازالت عينها مركزه على الصوره و القت بسؤال اخر زاد من تعجب جنه اضعاف: مامتك اسمها ايه؟
دُهشت جنه و بدأ القلق يتسرب اليها و قالت بتوجس و هى ترمق هاله بترقب: طنط هاله في ايه؟
و هنا رفعت هاله رأسها و عينها تلمع بالدموع وهتفت بحده لم تتعمدها: ردي عليا يا جنه، مامتك اسمها ايه!

توترت جنه و صمتت لبرهه تتأملها و هاله تحدق بها بانتظار اجابتها حتى منحتها جنه اياه: اسمها امل.
اتسعت عين هاله بلهفه متسائله بحماس رغم لمعه الحزن بعينها: امل ايه؟
و ايضا صمتت جنه و هذه المره لمده اطول و هى تحاول فهم ما يحدث بمفردها فأجابتها بترقب: امل مجدي عبد العزيز.

اغمضت هاله عينها مطلقه لزفره طويله تعبر بها عن وجع ما بداخلها لتفر تلك الدمعه العالقه بجفونها، لتنكمش ملامح جنه بدهشه صاحبها بعد الالم لمظهر هاله و التى نهضت مسرعه و هي تحمل الصوره بيدها بينما ظلت جنه تتابعها بعينها و هي في قمه استغرابها، لم تكن حتى بوعيها لتنهض خلفها بل ظلت تنظر لمكانها بدهشه قليلا ثم لملمت حاجاتها و نهضت لتعيد ما معها من كتب لتغادر و اصرت على فهم ما حدث من هاله قبل ان تغادر.

اتجهت هاله مسرعه لزوجها و وقفت امامه تأخذ انفاسها بصعوبه و تمتمت بصدمه: ماتوا.
نظر اليها اسامه بدهشه عاقدا ما بين حاجبيه و ما زاد تعجبه اكثر هو ملامحها و دموعها فنهض واقفا امامها مرددا بتعجب: ماتوا! مين دول؟
استندت بيدها على يده فأجلسها متمتما بقلق و هو يرى انهيارها و دموعها التى جرت بسرعه على وجنتيها: امل و ماجد، امل و ماجد ماتوا يا اسامه.

نظر اليها بصدمه تملكت منه و هو يبتعد عنها خطوه للخلف قبل ان يقترب منها لينظر اليها بحده هاتفا بصوت خانه ليخرج مهزوزا: انتِ بتقولى ايه! انتِ جبتِ الكلام دا منين؟
ازداد نحيبها و هى تتذكر كل ما مر بهما بالماضى.
كيف افترقت العائلات!
كيف تحولت سعادتهم لكابوس لم يستطيعا الاستيقاظ منه ابدا!
كيف تهدم جدار الحب بين الاربع العائلات ليُبنى الف جدار و جدار من كره و حقد!

وضع اسامه يده على كتفها ليحركها بحده صارخا: ردي عليا يا هاله، و فهميني عرفتِ الكلام ده ازاي؟
اعطته هاله الصوره فأمسكها ناظرا اليها و اتسعت عينه هو الاخر بدهشه و شريط حياتهم يمر امامه فتنهد بعمق قائلا بصوت متهدج: جيبتِ الصوره دي منين؟!
نظرت هاله اليه و مازالت تبكى لتشير للداخل باصبعها مردفه: جنه بنتهم، جنه ماجد الالفي.

حدق بها اسامه بصدمه اكبر ثم طأطأ راسه لاسفل لا يدري ما يقول حتى تذكر ما اخبرتهم به جنه فتمتم بذهول و هو يجلس امامها: بس جنه قالت انها عايشه مع مراه ابوها ازاي ماجد يتجوز تاني بعد كل اللي عمله علشان امل!
وضع يده على رأسه ليقول بحنق: انا مبقتش فاهم حاجه.

نظرت هاله للاشئ لتقول بابتسامه حزينه: انا مكنتش راضيه أسالها عن تفاصيل حياتها، مكنتش عاوزه اتصدم بحاجه تانيه، بس دلوقتى لازم افهم منها كل حاجه و لازم هي تعرف كل حاجه.
حرك اسامه رأسه نافيا بسرعه ليقول بتفكير: بلاش يا هاله، البنت كل اما نجيب سيره اهلها تتعصب و تقول انها بتكرههم، بلاش نبعدها عننا احنا كمان بدل ما نقربها.
قطع كلامهم صوت محبب اليهم من الخلف يهتف بمرح: السلام عليكم يا اهل المكان.

التفتت اليه هاله على الفور و هى تمحى دموعها واتسعت ابتسامتها صائحه و هى تتجه اليه: فارس.
احتضنها فارس بشوق و كذلك هي، لتترك لدموعها العنان مره اخرى فربت فارس على ظهرها متمتما بحزن: طيب ليه الدموع بس؟
حاولت هاله التماسك و ابتعدت عنه مبتسمه و هى تُزيل دموعها مره اخرى: وحشتني قوي يا حبيبي، اخبارك ايه؟ طمني عليك!

اجلسها فارس و جلس امامها و رفع يده يمسح على وجنتها بخفه قائلا بحنان: انا بخير الحمد لله و بعدين سيبك منى، انتِ وشك دبلان ليه كده؟
مسحت على خصلاته برفق و اتسعت ابتسامتها لتمنحه طمأنينه ربما هى ابعد ما يكون عنها: انا كويسه خالص متقلقش عليا، باباك اخباره ايه و مامتك و اخوك طمني عنكم!
امسك يدها ضاما اياها لصدره مقبلا وجنتها هاتفا بحماس: اطمني يا عمتو كلنا بخير و كلهم بيسلموا عليكِ كتير.

حمحم اسامه الذى وقف خلف فارس قائلا بعتاب مرح: واضح اني مليش لازمه هنا خالص.
نهض فارس مبتسما مصافحا اياه بقوه مجيبا بابتسامه اعتذار: ازاي بس يا عمي دا انت الخير والبركه، اخبار حضرتك ايه؟
اجابه اسامه بود وابتسامه ابويه خالصه: بخير يا بنى الحمد لله..
نظر فارس لكلاهما ثم وجه حديثه لاسامه قائلا: عاصم بيسلم على حضرتك كتير و بيعتذر مقدرش يجى معايا.

تحدثا قليلا بينما تنظر هاله لاسامه لتوضح نظراتها عن رغبتها في اخبار فارس عما وصلت ايه و لكن نظرات اسامه كانت تمنعها باصرار.
نهض فارس قائلا بشغف: هبص على الكتب بقى قبل ما امشى.
اومأت هاله فنهض تاركا اياهم فهتفت بضيق: عاوزه اقوله على جنه دي مهما كان تبقي بنت خ...

قاطعها اسامه ناظرا حوله بنبره متردده: بلاش عالطول كده يا هاله، خلينا نفكر في الموضوع بهدوء علشان نعرف نتصرف صح، اى غلط هيأذي الولاد اكتر مننا و انتِ عارفه ابويا و ابوكِ مش هيسكتوا و خصوصا لبنت ماجد و امل و البنت مش ناقصه.
زفرت هاله بضيق و هى تتمتم بدعاء خالص: يارب دبرها من عندك.

اتجه فارس لقسم التنميه البشريه و علم النفس فهو يعشق قراءه كتب كهذه و التى تجعله يفهم و لو قليلا من طبيعه الناس و كيفيه التعامل معهم، ظل يبحث في الصادرات الجديده و عندما ازاح احد الكتب كانت جنه تُزيح نفس الكتاب ايضا و لكن من الجهه الاخري فتلاقت الاعين تفاجأت هي و خرجت من فمها شهقه صغيره بينما ابتسم هو و لكن سرعان ما عقد حاجبيه متأملا اياها بينما وضعت جنه ما بيدها بتوتر مبتعده مسرعه من امامه فردد هو بتعجب: مش معقول فيها شبه كبير قوي منها.

حرك رأسه يمينا و يسارا متجاوزا الموضوع و اكمل بحثه في الكتب حتى وصل لمراده و اخذه و رحل..
خرجت جنه لهاله بعدما اعادت ما قد اخذت من كتب و اقتربت من هاله بهدوء لتهمس بحذر: ممكن الصوره!
ابتسمت هاله بأسف و هى تقول باعتذار: انا اسفه يا جنه، انا بس افتكرت حاجه كده فاتضايقت متزعليش منى علشان زعقت فيكِ.
ضيقت جنه عينها تتطالعها بترقب ثم قالت بفضول سؤال لم ترغب هاله بسماعه: هو حضرتك تعرفي بابا و ماما؟

تلعثمت هاله و اشاحت بوجهها عن جنه وهى تُحضر لها الصوره قائله بارتباك: لا، لا هعر، هعرفهم منين؟
اخذتها جنه و هى لا تدرى كيف تطمئن قلقها بعد موقف هاله الغريب هذا و لكن يبدو ان هناك ما لا تعرفه و مع ابتسامه هاله الهادئه بادلتها جنه اياها كاتمه تساؤلاتها و سرعان ما ألقت السلام و رحلت مسرعه لكى لا تتأخر..

و بمجرد رحيلها عاد فارس لعمته و استأذن منها ليرحل ولكنها فاجأته قبل ان يرحل بطلب جعله يطالعها بصدمه عندما قالت بحسم: فارس انا عاوزه اقابل مامتك ضرورى و كمان ليلى الالفى.
رفع فارس حاجبيه تعجبا متمتما ضاغطا على حروف كلماته: نهال العسوي و ليلي الالفي و هاله الشرقاوي، دا الموضوع كبير؟
ابتسمت بارتباك لم تستطع اخفاؤه و لكنها اصرت بثقه: ضرورى يا فارس هعتمد عليك، عاوزه اقابلهم بكره.

ضيق فارس عينيه قائلا بترقب حذر: في ايه يا عمتو ليه دا كله!
نظرت هاله امامها بثقه واقفه بشموخ: كل حاجه هتظهر في الوقت المناسب وصلهم رسالتى بس.
رمقها فارس بشك و لكنه امام صمتها و اصرارها عليه ألا يسألها عن شئ الان، نهض مودعا و هو يتسائل اى سبب هذا الذى سيجمع عائلات لم تلتقى منذ عشرات السنين.

الخوف يجعل الناس اكثر حذرا، اكثر طاعه و اكثر عبوديه. (سقراط)
انهت جنه تنظيف اخر غرفه بالمنزل و جلست ارضا تلتقط انفاسها بصعوبه فاليوم كان مرهقا بشكل قاسى عليها و لكنها لا تستطيع الاعتراض، نهضت بتعب و قامت باداء فريضتها ثم جلست تقرأ في كتاب الله قليلا حتى دلفت زهره بعدما طرقت الباب، جلست بجوار جنه وانتظرت حتى صدقت و اغلقت كتاب الله فربتت على ركبتيها قائله: تقبل الله يا حبيبتى..

اجابتها جنه بارهاق بادٍ بوضوح على ملامحها: منا و منكم ان شاء الله..
حاولت زهره جذب انتباهها بعيدا عن حزن عينيها هذا فلجأت لحديثها المعتاد و الذى يُسعد جنه كثيرا: ها قرأتِ ايه النهارده؟
وبالفعل لمعت عين جنه رغم ارهاقها بفرحه و اعتدلت لتبدأ حديثها المعتاد مع زهره و التى تخبرها فيه بكل تفاصيل يومها و اجابتها بحماس: قرأت تنميه بشريه و الكلام شدني واستفدت كتير جدا يا داده.

نظرت اليها زهره بحنان و بادلتها الحماس بمثله و ربما اكثر: و استفدتِ ايه بقي! قولى لي؟
اندمجت جنه معها بالحوار و اخذت تخبرها بما استفادته و زهره تنصت اليها بكل اهتمام حتى تنهدت جنه قائله بسعاده مرحه: احنا معقدين قوى يا داده.
ضحكت زهره وهى تتطالع ملامح وجهها المرحه و تمتمت بدعاء لها: ربنا يزيدك علم و يوقفلك ولاد الحلال اللي يساعدوكِ و ينورلك بصيرتك يا جنه يا بنتى يارب.

طالعتها جنه و هى تستمع لدعائها و الذى كان اشبه بدواء لداء روحها الذى لا خلاص منه: و الله يا داده انتِ اغلى ما في الدنيا دى ربنا يبارك لي فيكِ.
ابتسمت زهره وهى ترمقها بحزن وقالت هامسه بخبث: هقوم اجهز الاكل قبل ثلاثى الغجر ما يوصلوا.
ضحكت جنه بملأ صوتها و لكن ضحكتها انطفئت بمجرد وصول صوت كوثر لمسامعها: حلو جدا ده، قاعدين تتسامروا ولا كأن وراكم شغل.

نهضت زهره مسرعه مستنده على حرف السرير بجوارها و وقفت امامها هامسه بقلق: معلش يا ست كوثر الغلط عليا انا، ثوانى و يكون الاكل جاهز.
رمقتها كوثر بطرف عينها باستهزاء متمتمه: يكون افضل ليكِ، اخرجى.
خرجت زهره و هي تدعو عليها في سرها بينما اقتربت كوثر من جنه و جلست بجوارها على الفراش و ظلت تنظر اليها نظرات ثاقبه الا ان ادت باعصاب جنه للهلاك و ظهر ارتباكها جليا على وجهها.

نظرت كوثر للغرفه من حولها باشمئزاز ثم عادت ببصرها لجنه هاتفه بهدوء ينافى نظراتها الغاضبه و التى سببها ضحكه جنه و فرحتها مع زهره: عملتِ ايه طول اليوم!
ارتبكت جنه بشده و ظل عقلها يذهب و يجئ
هل علمت كوثر عن خروج جنه من المنزل!
و لكن كيف؟ و من اخبرها؟
والاهم ماذا ستفعل ان كانت بالفعل تعرف؟
وربما تسأل بصوره عاديه.

ابتلعت ريقها و كوثر تنظر اليها منتظره الاجابه فهمست بصوت بالكاد سمعته كوثر: الحمد لله كان يوم و عدي.
ضحكت كوثر بتهكم و هى ترمقها باستنكار متسائله: انتِ فاكره انى بطمن عليكِ و لا حاجه!
ثم اضافت بحده وملامحها تصرخ بالغضب: الصاله مش نظيفه ليه؟
حملقت جنه بوجهها بدهشه فكيف هذا و هى انهتها قبل ساعه فقط وعبرت عن دهشتها بنبره متعجبه: ازاى؟ انا لسه مخلصه تنظيفها!

رفعت كوثر حاجبها بانكار و نهضت واقفه لتشير بيدها بعشوائيه: مش نظيفه يا جنه، مش عاجبنى تنظيفها، اقولك على حاجه؟
نظرت اليها جنه بدهشه و ترقب فأكملت كوثر و هى تبتسم بقسوه متحركه للخارج: قومي اعمليها تانى.
شهقت جنه فجسدها يأن ألما و تمتمت بصدمه: تانى!
توقفت كوثر واستدارت لها لتردف ببرود: اه تانى، فيها مشكله و لا حاجه!

نهضت جنه واقفه هى الاخرى قبالتها و لاول مره تستجيب لضعف بنيتها و ألم جسدها: انا لسه مخلصه شغل و مش هقدر اعمل حاجه تاني.
ثم تهدل كتفاها بخوف و كوثر تطلق حمم بركانيه كادت تجعل جنه تتراجع و لكنها توسلتها بهدوء: ارجوكِ، افهمينى البيت كبير و انا تعبت فيه جدا النهارده بجد مش هقدر.
عادت كوثر لتقف امامها مباشره و قالت بغضب و تهديد واضح: انتِ ازاي تردي عليا كده؟ انتِ اتجننتِ! انا قولت يتعمل تانى.

نظرت جنه ارضا مجيبه بخفوت: انا اسفه بس و الله انا مش قادره.
صمتت كوثر قليلا تفكر ثم قالت بتوعد و هى تبتسم بحقد: ماشي يا بنت امل انا هعرفك ازاي ترفضي و تقولى ليا لأ.
ثم تحركت خارجه من الغرفه بينما القت جنه بجسدها على الفراش بتعب وعينها تلمع بالدموع ثم اعتدلت ممسكه بصوره والداها و قالت: انا اسفه بس غصب عنى، بعدكم عني كسرني، انا اسفه.
نهضت واخرجت احدي رسائل والدتها وقرأتها،.

ابنتي الصغيره اعلم انكِ افتقدتيني و لكني حبيبتي ارافقك دائما، انظري لقلبك ستجديني هناك، انا مازلت حيه بداخلك يا صغيرتي، لا تضعفي و لا تجزعي و استقوي دائما بالله، فهو الدائم لكِ، و كلما شعرتِ انكِ تحتاجي اليَّ بجوارك الجأي اليه سيريحك صدقيني، لا تخسري و لا تستسلمي ابدا، حاربي يا صغيرتي، اعلم ان والدك مصدر قوتك و لكن لا تجعليه هو مصدرها الوحيد و صدقيني كلما شعرتِ بالضعف ستجدي الله معك دائما، عليكِ فقط بالصلاه و القرأن يا جميلتي، استودعك الله الذي لا تضيع ودائعه.

اغلقت جنه الظرف و احتضنته و دموعها تنهمر بشده: اااه يا امي قد ايه كان نفسي تبقي جنبي و معايا؟
نهضت جنه و وضعت سجاده الصلاه و ارتدت اسدالها و صلت لله، صلت ترجوه الرحمه، ترجوه الصبر و القوه،
فما اصعب من الفراق، الاشيتاق.
فوجع الفراق يُنسى و لكن وجع الاشتياق يزداد كلما مرت الايام.
اصبحت فتاه في ريعان شبابها و لكن قلبها ما زال صغيرا خائفا منزويا في اعماقها.

اليوم رفضت، تمردت ربما بتوسل و لكن تمردت فماذا ستكون النتيجه!
ظلت تدعو و تدعو حتى انهت صلاتها ثم جلست تفكر حتى غفت مكانها لتذهب في نوم عميق كان جسدها في اشد حاجته اليه.

قبل ان يخرج فارس من الشركه اتجه لغرفه عاصم فوجده على وشك الرحيل هو الاخر فتسائل قائلا: هتروح المؤتمر!
اجابه عاصم و هو منشغل بجمع بالاوراق امامه بلامبالاه لاحظها فارس فعاصم لا يشغله كماليات العمل هذه: مؤتمر ايه؟

ادرك فارس ان عليه التوضيح فجلس على طرف المكتب يعبث بساعه زجاجيه موضوعه على جانب المكتب فهم بالحديث و لكنه عاد واطبق فمه قائلا: احنا هنروح يا عاصم، انا هروح و انت محتاج تغير جو فا هتيجى معايا.
رفع عاصم رأسه اليه بنظره ثاقبه فتحدث فارس مجددا بابتسامه هادئه: عندك رأى تانى!
صمت عاصم قليلا يُفكر ثم جال بخاطره فكره ربما تساعده فيما يريد فبادر فارس بسؤال: مين هيحضر المؤتمر ده!

حك فارس مؤخره عنقه قليلا ثم اضاف: اهم الشركات في كل المجالات بالاضافه لشركات مهمه من بره مصر، المؤتمر كبير.
اومأ عاصم برأسه موافقا و ابتسم متمتما: تمام هنروح.
خرج فارس في طريقه للمنزل ليستعد للذهاب و كذلك عاصم الذى خرج بعده بقليل..

دلفت زهره على جنه وجدتها نائمه على الارض فايقظتها بهدوء و لكن جنه انتفضت فزعه هاتفه بهلع: في ايه!
انتفضت زهره اثر انتفاضتها فابتسمت قائله بهدوء: بسم الله، يا بنتي بالراحه مفيش حاجه، بس كوثر هانم عاوزاكِ برا.
نهضت جنه مسرعه و هي تتمتم: استرها يارب.
خرجت إلى كوثر الجالسه بجوار ابنتيها و على وجهها ابتسامه عريضه اربكت جنه التى قالت بهدوء: نعم.

اعتدلت كوثر ناظره اليها بنظره لم تفهمها جنه ثم ابتسمت بود هاتفه بنبره جديده تعجبتها: انا عندي مؤتمر كمان ساعه اجهزي علشان هتيجي معايا.
حملقت جنه بها قليلا ثم اشارت باصبعها على صدرها مردده بدهشه: انا!
اتسعت ابتسامه كوثر الوديه صائحه: اه انتِ يا جنه، انجزي يلا.
تسائلت جنه بقلق و هى تنظر لكوثر تاره و للفتيات تاره اخرى: حاضر، بس ليه؟ انا هاجي اعمل ايه؟

اختفت الابتسامه الوديه لتظهر محلها ابتسامه صفراء لم تخطأها عين جنه و تأكدت ظنونها عندما همست كوثر بتوعد: هتعرفي متقلقيش و ان شاء الله هتفرحى، هتفرحى جدا!
نظرات كوثر و كذلك ابتسامات الفتيات اثارت قلقها و خصوصا ان كوثر توعدتها بعقاب ولكن ماذا من الممكن ان يكون عقابها في مؤتمر!

في مكتب اكرم، دلفت السكرتيره الخاصه به اليه بعدما طرقت الباب بخفه واستمعت لإذنه بالدخول متحدثه برسميه: حبيت افكر حضرتك يا بشهندس ان المؤتمر كمان ساعه..
ترك اكرم ما بيده ناظرا اليها باستغراب و سرعان ما هتف متذكرا ما تتحدث عنه: اااااااه المؤتمر، ثم اضاف متعللا: ملوش لازمه انا مش هروح.

تقدمت منه هبه متحدثه بعمليه مدركه جيدا لما تقول فانتبه اليها: بس المؤتمر مهم جدا لسمعه الشركه و كمان هيبقى فرصه كويسه انك تتعرف على رؤساء شركات تانيه و كمان ممكن تلاقى فرص لصفقات كويسه و مربحه للشركه، يعنى ساعتين من وقت حضرتك ممكن تلاقى قصادهم فرص كتير مهمه لاسم حضرتك و اسم الشركه في السوق خصوصا للمبتدأين اللى زى حالاتنا.

رمقها اكرم بنظره اعجاب متمتما بتساؤل مرح: انتِ قولتِ انك خريجه كليه ايه يا هبه؟
ابتسمت فكلما قدمت اقتراح مناسب و محفز له يسألها هذا السؤال و هى كالعاده تجيبه بابتسامه هادئه: هندسه يا بشمهندس.

لملم الاوراق امامه و هو يعقد حاجبيه فكلما ابتسم وجهه يتذكر جنه يتمنى ان يصل اليها بأسرع وقتا ممكن و لكن لا يدرى حتى الان كيف يتصرف فهو رغم مرور اعوام عده لا يستطيع الوصول، و كأن اسم الالفى مُحى تماما من السوق، استطاعت زوجه ابيه التخفى بالفعل.
افاق من تفكيره على صوت هبه مجددا و هى تقول: لو حضرتك قررت تروح فالمفروض تتحرك دلوقتى لان المؤتمر زى ما حضرتك عارف بعيد نوعا ما عن هنا.

أومأ موافقا مقتنعا تماما انه كلما تقدم بسمعه الشركه و اصبح معروفا كلما سهل هذا الامر عليه ليصل لما يريد.

و قد تكون الصدفه خير من ألف ميعاد.
داخل تلك القاعه التى عجت بالناس بشكل كبير و لكن منسق، انتشر الصحافيين في جميع انحاء القاعه و بمرور الوقت بدأ اصحاب الشركات بالتوافد ليعد هذا اكبر مؤتمر اُقيم في القاهره منذ سنوات...

حضر فارس اولا فكان اول ما تلقى الاسئله و لكنه بالطبع لم يروى فضول الصحافه مما جعلهم متعطشين للمزيد و لكنه سرعان ما استطاع التملص منهم بذكاء ليجلس على طاوله بعيده قليلا عن تمركز الصحافه..

وصل عاصم للقاعه و كم كره الامر فالضوضاء و الاماكن المزدحمه اخر ما يفضل ابن الحصرى و بالطبع تلقى العديد من الاسئله و التى لم يجيب على معظمها سوى بالاجابات سطحيه ليتملص منهم هو الاخر ليجلس على الطاوله المقابله لفارس و ابتسم كلاهما للاخر، وفى ذلك الوقت وصل اكرم للمكان ربما هذه المره الاولى او ربما الثانيه الذى يحضر بها مؤتمر كبير كهذا كان الاول بالخارج و هذا هو الثانى فالمؤتمرات اخر ما قد يشغل تفكيره الان..

التفت الصحافه من حوله و بمجرد ان عرف عن نفسه انتبه كلا من عاصم و فارس للاسم ليتبادل كلاهما النظرات قبل ان تتجه نظراتهم لاكرم مجددا بينما اندمج اكرم مع الاسئله ليجيب البعض و البعض يتجاوزه حتى فوجئ بسؤال احد الصحافيين: ماجد الالفى والد حضرتك، هو الابن الاكبر لعائله الالفى المعروفه و لا دا تشابه اسماء؟

عقد اكرم حاجبيه بدهشه و قبل ان يجيب تقدم عاصم منه ملفتا انتباه الصحافيين اليه حتى تجاوز الحوار سريعا و انفرد بأكرم على طاوله بمكان هادئ في القاعه..
تعجب اكرم ما فعله عاصم فهم بالتحدث و لكن بادره عاصم بالتعريف عنه نفسه باختصار ثم تسائل قائلا: والدك هو ماجد عبد الحميد الالفى!
عقد اكرم حاجبيه متعجبا ناظرا لعاصم باستنكار فعاود عاصم سؤاله بأخر اذهل اكرم تماما: والدتك اسمها امل مجدى العسوى!

اتسعت عين اكرم و هو يقف عن مقعده هاتفا بصدمه: انت عرفت الاسم ده منين؟ انت مين!
ابتسم عاصم بسخريه مداعبا جانب فمه بسخط متمتما: انا مين! ثم نظر اليه بجديه وهتف بهدوء: مش هيفرق كتير انا بس اكيد يهمك تعرف ان والدتي هي ليلي عبد الحميد الألفي.
صمت اكرم لحظات ثم همس ببطء: عمتي!

كان كلاهما مازال متعجبا من تلك الصدفه الغريبه و لكن انهى عاصم هذا التعجب بالصمت عندما قال حتى لا ينتبه عليهم احد: لينا كلام بعد نهايه المؤتمر بإذن الله..
وافقه اكرم معطيا اياه الكارت الخاص به ليتصل به بعدما ينتهى هذا اليوم لربما يكون الطريق لاخته هذا بدايته..

و هنا دخلت كوثر بخطوات واثقه ثابته، رأس مرفوعه، شعرها يتطاير مع كل خطوه تخطوها و صوت حذائها الرفيع يترك اثره ليلتفت الجميع اليها، فدائما تتعمد ان تكون اخر من يحضر فأى مناسبه حتى تلفت الانتباه التام بدخولها...

اجتمعت الصحافه حولها و انهالت عليها الاسئله بينما هي اشارت لرجالها بإخلاء الطريق لها حتى وصلت لطاوله في منتصف القاعه و جلست عليها بأناقه كبيره لتضع قدم فوق الاخري بينما تتابعها عيون الحاضرين و أولهم اكرم الذى تعرف عليها بمجرد ان رأها، فتأهبت كل عروقه دفعه واحده و هو على وشك النهوض للفتك بها فيبدو ان هبه محقه هذا المؤتمر اهم ما مر بحياته و لكن يد عاصم الذى امسكت بمعصمه اوقفته و هو يتسائل: انت تعرفها!

زفر اكرم بغضب و عيناه لا تحيد عنها ليجيبه بهدوء ساخر: كوثر هانم الحديدي، مرأه ابويا!
حدق عاصم به قليلا ثم تذكر ما يعرفه من معلومات عنها: ازاى! الكل يعرف انها مطلقه لكن مين جوزها مش معروف.
التفت اليه اكرم بحده هاتفا بسخط: مطلقه!
اما جنه فكانت كوثر قامت بمعاقبتها بجداره، فا بمجرد دخولهم الفندق اشارت لجنه على غرفه جانبيه قائله بابتسامه مصطنعه: ادخلي جوه هتلاقي هدوم البسيها و بعدين تعالي القاعه.

طالعتها جنه باستغراب متمتمه بعدم استيعاب: هدوم ايه مش فاهمه؟
اقتربت كوثر منها ضاحكه بسخريه صائحه بلؤم: ايه ده هو انا مقولتش ليكِ؟
نظرت اليها جنه بتساؤل، دهشه و الاسوء قلق و خوف بينما مالت كوثر على اذنها هامسه بنبره افعى وجدت الفرصه الملائمه للانقضاض على فريستها: اصل انتِ هتبقى الخادم الخاص بتاعى هنا، انا مش واثقه في طقم الخدم بتاع الفندق.
وكان وقع الكلماات اسوء من لدغه الافعى حتى.

فأى سم هذا الذى يجرى بدماءها!
اى قلب هذا الذى ينبض داخل صدرها!
اى امرأه هذه!َ!
بل هى حتى عارٍ على النساء.
حدقت بها جنه بتشتت و هى تشعر بدوار يصيب رأسها من فرط توترها: يعن، يعنى ايه! انا هعمل ايه!

اتسعت ابتسامه كوثر و هى تتحرك باصبعها على فستان جنه البسيط و الذى رغم بساطته منحها جمالا خاصا فهى شديده الشبه بوالدتها مما جعل حقد كوثر يزداد فهمست بغل: هتتدخلى تلبسى لبس طقم الضيافه بالفندق و تيجي تقفي جنبي زي الشاطره و اللي اقولك عليه تعمليه.
نظرت جنه ارضا و هى تشعر ان الارض تميد بها و هى تُحدث نفسها: ليه بتعملى كده!

تحركت كوثر لتدخل و لكنها عادت اليها قائله بتهديد صريح و واضح: مش انا يا بنت أمل اللى يتقال لها لا فاهمه؟!
وقبل ان تتحرك كوثر استوقفتها كلمه جنه و التى خرجت بخفوت شديد و بداخلها تدرك انها لن ترفض: و ان رفضت؟
صدعت ضحكه كوثر الساخطه و التى خالطها بعض الغضب: بسيطه، تبدأى تدورى لنفسك على شغل، و بيت و عائله جديده تعيشى معاهم، بالاضافه لانك هتبقى حته لحمه حمراء لكلاب الشوارع.

ثم نظرت اليها من اعلى لاسفل لتضيف بوقاحه تلائمت كثيرا مع نظراتها الدنيئه: و انتِ حلوه و جميله و تملى العين و ألف مين يتمناكِ، و انا هعمل عمل خير و اقول لكل جعان ان في لقمه سهله، فاهمه و لا افهمك اكتر!

ثم نظرت اليها بابتسامه مردفه: انا شوفت في حياتى اشكال و الوان و عارفه يعنى ايه ست تبقى لوحدها و عارفه ايه يكسرها و ايه يجيب مناخيرها الارض بلاش تشوفى وشى التانى، و نفذى اللى بقولك عليه علشان نرجع بيتنا سوا.
امتلئت عينها بالدموع و لعنه الخوف تلاحقها.
هل لها فرصه تفكير؟
اذا هل لها حق الهروب؟!
و حتى ان هربت اين تذهب بهذا الليل!

ربما لهاله و لكن هى لا تعرف عنها شيئا سوى انها صاحبه المكتبه و التى بالتأكيد ستكون مغلقه في هذا الوقت.
فهل لها سوى الاستسلام!
رأت هى من كوثر الكثير و لكنها لم تشعر بمثل هذا الشعور من قبل.
شعور اشبه بشعور الموت و ربما اسوء.
شعور جعلها تتمنى ان تنتهى حياتها الان.
تحركت باستسلام للغرفه لترتدى الملابس بينما كوثر ابتسمت ابتسامه نصر و تحركت باتجاه القاعه في حماس و ضحكه واثقه ترتسم على شفتيها.

دلفت جنه للقاعه منكسه الرأس ترتسم اشد علامات الحزن على وجهها، اول من لاحظها كان فارس الذي تذكرها على الفور رغم تعجبه لوجودها هنا الا انه و بدون سبب شعر بالفرحه لرؤيتها فابتسم يراقبها تقترب من كوثر و لكن ابتسامته اختفت عندما تبين الحزن الذي يغزو قسمات وجهها الرقيق، و في ذلك الوقت جاء لاكرم اتصال عاجل فاضطر للخروج من القاعه ليجيب و اثناء خروجه و عبثه بهاتفه بضيق اصطدم بجنه فارتدت هي خطوه للخلف و رفعت رأسها معتذره و لكن عندما نظرت اليه شعرت بشئ غريب يغزوها، ظلت تحدق بوجهه قليلا ملامحه شديده القرب لملامح اخيها، عيناه، ملامح وجهه، و كذلك هو بمجرد ان رفعت عينها حملق بابريقها العسلى لحظات كم هى شديده القرب لملامح والدتهم و لكن من اين لشعورهم هذا ان يُقنعهم بشئ ها هنا.

اخفضت رأسها مسرعه متمتمه باعتذار رغم ارتباكها: انا اسفه، ثم تحركت من امامه مسرعه.
و كذلك هو اخفض عيناه عنها ثم عاد ينظر اليها و لكن اهتزاز الهاتف بيده جعله ينفض تلك الافكار عن رأسه متحركا للخارج.
اقتربت جنه من كوثر و وقفت بجوارها و رأسها مُنكس، استدارت كوثر اليها آمره اياها ان تحضر لها شيئا تشربه بتعنت: هاتِ ليا عصير.

فذهبت جنه بقنوط و اتت لها بكوب من العصير و بمجرد ان اعطته لكوثر شهقت بحده و كوثر تلقيه عليها لتصرخ بها: انا طلبت مايه انتِ جايبه ليا عصير ليه؟!
التفت جميع من بالقاعه اليهم على صوت كوثر الحاد و بالطبع اعطى الجميع الحق لكوثر فكيف تخطئ الفتاه و هي تقوم بعملها.
ارتبكت جنه و شعرت بتوتر شديد جعل الارض تدور اسفل قدميها و الدموع تغزو عينها محاوله الدفاع عن نفسها هامسه: بس انتِ قو..

قاطع كلامها اصابع كوثر تطبع صفعه قاسيه على وجهها لتصرخ جنه بألم و كوثر تهتف بقوه صارخه بتكبر: انتِ تخرسي خالص، امشى من هنا امشى.
لم تستطع جنه كبح دموعها التى انهمرت على وجهها بغزاره.
اعتقد الجميع انها ألما فلم تكن صفعه كوثر بهينه..
ولكنها كانت تبكى نفسها، تبكى هوانها و ذُلها، تبكى تعنت و تكبر امرأه هى حاولت في يوما ما اعتبارها امها، تبكى قهرا و كسره.

رفعت عينها لكوثر التى رأت بوضوح علامات اصابعها على وجنة جنه فابتسمت و لكن ابتسامتها اختفت عندما حاولت استيعاب نظره جنه و التى كانت للمره الاولى غير مفهمومه، بينما تركتها جنه و خرجت ركضا من القاعه...

كان الجميع يتابع ما يحدث منهم من اشاد بفعلتها و منهم من استنكرها و منهم من غضب و اهمهم فارس و الذى ازداد غضبه بشكل سئ لا يدري سببه و لكن لم يروقه ما فعلته كوثر ابدا، وماذا ان اخطأت عامله! كيف و من اعطاها الحق بمعاملتها هكذا؟ بالاضافه لعاصم الذى يتابع الموقف بهدوء غاضب و عيناه لا تحيد عن كوثر و بدت نظراته كمن يتوعدها.

ركضت جنه و هى بالكاد تلتقط انفاسها و اثناء خروجها من باب القاعه اصطدمت باكرم الدالف للقاعه فقالت بصوت متقطع: انا، انا اسفه.
نظر اليها اكرم ليُصدم بوجهها الغارق بدموعه و عيناها الشاحبه شعر بقلق غريب يغزو قلبه فسألها بحذر: انتِ كويسه!

شهقت جنه دون اراده منها و ازدادت دموعها انهمارا مع دوران الارض بها حتى فقدت قدرتها على التقاط انفاسها و ترنحت لتسقط فاقده لوعيها بين يديه بينما صرخ هو بموظفه الاستقبال ان تساعده ليجلسها..
ركض اكثر من شخص باتجاههم و اتى احدهم بزجاجه ماء و بدأت تلك الموظفه بافاقتها حتى استعادت جنه وعيها رويدا و فتحت عينها بضعف فتمتمت الموظفه بقلق: انتِ كويسه؟!

حاولت جنه الاعتدال و ساعدتها الموظفه و قبل ان تجيبها وصل لاذنها صوت اكرم يهمس باهتمام قلق: انتِ كويسه و لا تحبي تروحي مستشفي؟
امتلئت عينها بالدموع مجددا و هى تحاول النهوض حتى وقفت هامسه بصوت بالكاد سمعه: انا كويسه شكرا...

وسرعان ما تحركت من امامهم متجاهله محاولاتهم في اجلاسها لترتاح قليلا مما جعل اكرم في اشد حالات الاستغراب بينما هي خرجت تركض كطفل تائه و دموعها تسبقها بالركض على وجنتيها و عادت مسرعه للمنزل و بداخلها قرار لن تتنازل عنه هذه المره ابدا.
اما بداخل القاعه انتهي المؤتمر و بعد معرفه كوثر بوجود عاصم و فارس والذى لا درايه لها بعلاقتهم بزوجها الراحل...

اقتربت منهما بابتسامه عمليه مشرقه قائله بترفع: قراصنه السوق، مكنش ينفع ينتهى المؤتمر بدون ما اُبدى اعجابى الشديد بنشاطتكم في مجالنا.
انهت كلماتها و مدت يدها باتجاه فارس مصافحه فمد يده بغضب و ظهر ذلك جليا في سلامه و لكنها تجاهلت ذلك ثم مدت يدها لعاصم الذي نظر ليدها ثواني ثم وضع يديه بجيب بنطاله بهدوء فأحست كوثر باحراج شديد فسحبت يدها و تعمدت تجاهل الامر ايضا رغم انه حقا اغضبها.

اتسعت ابتسامتها المصطنعه و هي تحاول التحكم بأعصابها متمتمه بغرور لم تتخلى عنه بعد: اتشرفت بمعرفتكم اكيد، و دى اهم فؤايد المؤتمر بيربط جهات كتير ببعض.
اخرج عاصم كفه من جيب بنطاله ليداعب جانب فمه قليلا و لمن يعرف عاصم جيدا يعلم ان هذه الحركه يفعلها قبل ثلاث اشياء المشاغبه، الغضب، التفكير ، ثم تحدث بهدوء شديد اخبر فارس عن كم الغضب بداخله: و انا ماتشرفتش، اعذرينى مبعرفش اجامل.

احتدت عين كوثر و بدأ الغضب يحتل صوتها و هى تهتف بحده لم تستطع التحكم بها: انت عارف بتتكلم مع مين!
ثم رفعت ذقنها لاعلى دلاله على فخرها قائله بشموخ: انا كوثر الحديدي.
ليقتل عاصم هذا الشموخ بكلمه واحده قالها ببرود اكبر و هو ينظر اليها من اعلى لاسفل: و اذا!
كتم فارس ضحكه كادت تفلت منه بينما اشتعلت اوداج كوثر صارخه بغضب: انت...

ثم اخذت نفسا عميقا قاطعه صياحها فالكاميرات تتركز عليهم الان فابتسم عاصم مائلا عليها بجذعه هامسا بجوار اذنها باستحقار اصابها بالجنون: هو انتِ فاكره علشان كعب و شنطه و شعرتين طايرين بقيتِ مهمه! غلطانه، انتِ و لا حاجه.
ثم منحها مفاجأه اخرى شلت تفكيرها تماما: فاهمه يا مراه خالى و لو انى اشك انك تفهمى!

ثم اعتدل و نظر اليها من اعلي لاسفل باحتقار مجددا ثم تركها راحلا بخطواته الثاقبه و نظراته الحاده و ابتسامه شفت غضبه قليلا لما صار لتلك الفتاه بيننا تبعه فارس مندهشا مما قاله عاصم اخيرا، كيف تكون كوثر امرأه خاله!
بينما وقفت كوثر تحدق بهم بصدمه ماذا يعنى بقوله امرأه خالى ؟
طليقها لم يكن له اخوه.
وزوجها الراحل لم يكن له عائله.
فمن اين اصبحت زوجه خاله؟

و لم تنتظر دقيقه واحده بل اخرجت هاتفها متصله بأحدهم حتى وصلها صوته فقالت آمره: عاوزه كل المعلومات عن عاصم عز الحصرى فورا.
عاد اكرم للداخل بعدما رحلت جنه يبحث عن كوثر لم يجدها، سأل بعض الحضور فأجابه احدهم بأنها رحلت، زفر بقوه و لكن ها هو امسك بطرف الخيط و لن يتركه حتى يصل لمراده.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة