قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية حلم السندريلا للكاتبة عليا حمدي الفصل الثالث والأربعون

رواية حلم السندريلا للكاتبة عليا حمدي الفصل الثالث والأربعون

رواية حلم السندريلا للكاتبة عليا حمدي الفصل الثالث والأربعون

حنين انا ماشيه..
صرخت بها حياه و هى في طريقها للخروج و لكنها توقفت لتُجيب على رنين هاتفها و الذى اضاء باسم مازن و لكن قبل ان تتحدث وصلها صوتا غريبا: السلام عليكم...
ابعدت الهاتف تنظر للشاشه لتتأكد ثم اعادته على اذنها مجيبه بتحفظ: و عليكم السلام، مين حضرتك؟
وصلها الصوت مجددا بتحفظ هو الاخر: حضرتك تعرفى صاحب الرقم دا؟!
اضطربت حياه و هتفت بلهفه: ايوه انا مراته، مين حضرتك؟ و فين مازن؟

حمحم بحذر ثم القى بما حدث على مسامعها مما جعل حياه تشهق بفزع: انا اسف بس الاستاذ هنا في المستشفى، عمل حادثه بس..
انتفض قلب حياه و صرخت باضطراب: حادثه! و مازن عامل ايه؟ هو كويس؟!
حاول تهدئتها هاتفا بما يُسكن قلبها: هو بخير الحمد لله انا لقيت تليفونه و قولت اكلم حد و كان رقم حضرتك اخر رقم، احنا في مستشفى
اغلقت الهاتف مسرعه و صرخت بعلو صوتها: حنيييييين، يا حنييييين.

خرجت حنين من الغرفه ركضا على صوتها و اقتربت منها مسرعه تجيبها بقلق: في ايه يا حياه؟ ايه حصل؟
دفعتها حياه للغرفه و هى تصيح بها: البسى بسرعه، مازن في المستشفى..
تجمدت حنين و استدارت لها صارخه بذعر: مستشفى!
امسكت بذراعها بقوه تصيح و قلبها يكاد يخرج من مكانه: مازن ماله يا حياه؟ قولى بالله عليكِ انه كويس.
استمرت حياه بدفعها مسرعه: انا معرفش حاجه، البسى علشان نروح له بسرعه..

ركضت حنين للعرفه و اخذت ترتدى ملابسها مسرعه و هى تتمتم بخوف وجل أرعب قلبها فلا قدره لها على فقد مره اخرى: يارب متحرمنيش منه، يارب مش هتحمل بعد تانى، يارب تحميه و تحفظه، يارب...
انتهت من ارتداء ملابسها و خرجت مسرعه و تحركت كلتاهما للخارج، و لاول مره تُغامر حنين و تستغل رخصتها و صعدت للسياره مسرعه باتجاه المشفى، بعد بعض الوقت كانت حنين تصف السياره و مازال لسانها يردد بالدعاء له..

دلفت للاستقبال و سألت بلهفه: مازن الشرقاوى، حادثه عربيه..
ابتسمت الممرضه و اشارت للخلف قائله: دا الاستاذ اللى جابه هنا..
اتجهت حنين اليه مسرعه و خلفها حياه تركض نظرت للرجل و عينها تنبض بالقلق تسأله بلهفه خائفه: مازن فين؟
ابتسم يطالع نظرات القلق في عينها متسائلا بهدوء: انتِ مراته؟
اومأت حنين مسرعه و هى تجيبه: ايوه انا هو فين؟ هو كويس؟

نظر لها ثم نظر لحياه و تحدث مطمئنا اياهم: متقلقوش هو بخير الحمد لله، الحادثه كانت بسيطه، الموضوع كان غصب عنى انا..
قاطعته حنين بغضب و هى تشير اليه باصبع اتهام تهدر صارخه: انت اللى خبطته!
حاول التحدث مبررا موقفه و لكن بمجرد ان تحدث قائلا: ايوه، بس ا..
قاطعته مجددا و هى تزمجر غاضبه معنفه اياه: انت بنى ادم مستهتر، كان المفروض تنتبه، دى ارواح ناس، و لا كل حاجه عندكم بقت بالساهل؟

حاولت حياه تهدأتها هامسه و هى تدرك سبب غضبها جيدا: اهدى يا حنين..
نظر الرجل لحياه مستغيثا بها و حاول تهدأه حنين هاتفا باعتذار: انا اسف بس و الله الوضع كان غصب عنى عربيته ك..

نظرت اليه من اعلى لاسفل و تركته راحله لتسأل الممرضه عن غرفته فاخبرتها بها فركضت للاعلى و همت حياه باللحاق بها و لكن اوقفها رنين هاتفها لتجدها صديقتها بالعمل فضربت جبهتها بيدها متذكره و فتحت الخط لتندفع الاخرى بها صارخه: انتِ فين يا حياه؟ اتأخرتِ ليه كده؟
حاولت حياه التحدث و لكن اندفعت صديقتها مره اخرى هاتفه: انتِ حره، لما المنحه تضيع منك متبقيش تزعلى، انا هقفل علشان عليا الدور.

و اغلقت الخط دون ان تستمع لحياه حتى، نظرت حياه لمدخل المشفى ثم نظرت للطريق، و كأنها تنظر لمازن، و في الجهه الاخرى حلمها، فزفرت بقوه و اخذت نفسا عميقا و خرجت من المشفى اوقفت سياره اجره و انطلقت باتجاه المقابله التى سيتحدد عليها مصير حلمها..

اندفعت حنين لغرفه مازن لتجده جالسا يحاول ارتداء قميصه و جسده مضمد بعده اربطه شملت كتفه الايسر مائله للامام على صدره ثم تحاوط جسده، بالاضافه لضماد ابيض حول رأسه و الاخر حول معصم يده اليمنى..

لمعت عينها بالدموع و اقتربت منه و دون كلمه اخذت تساعده بارتداء قميصه بينما هو استسلم لها ناظرا لوجهها بدهشه لتذهله دموعها االتى تهدد بالسقوط حتى انتهت فدفعت كتفه بيد للخلف قليلا حتى يتسطح على الفراش فطاوعها و بيدها الاخرى عدلت من وضع الوساده خلفه ليستند عليها ثم امسكت يده لتجعله يعتدل، و بالنهايه جلست بجواره دون ان تنتبه انها مازالت تمسك يده اقرت بنبره متألمه: انت مش كويس!

ابتسم بوهن و رأسه يكاد ينفجر من ذلك الصداع بالاضافه لدوار خفيف يلفه و حاول اخراج صوته طبيعيا مجيبا اياها: بالعكس انا كويس خالص، متقلقيش..
اردفت كأنها لم تستمع اليه و بدأت دموعها تنساب تعاتبه: انت ليه بتأذى نفسك؟، بتهمل نفسك لدرجه توجع كل اللى حواليك، ليه بتنسى ان في ناس محتاجه ليك..!

تعجب نبرتها الحزينه و الذى زاد تعجبه ضغطها على يده كأنها تخبره انها تقصد نفسها بما تقول، لم يستطع سوى ان يضم يدها بيده الاخرى لتنتبه اخيرا انها مازالت تحتضن يده ليتحدث بضعف و ارهاق: انا بقيت احسن صدقينى و هقوم و هبقى زى الحصان..
نظرت اليه و لاول مره تستسلم لدفء عينه لتمرر عينها عده مرات عليه و يزداد انهمار دموعها مغمغمه كأنها في حاله من اللاوعى: انا كنت هموت، مكنتش هتحمل ان حاجه تحصلك..

نظر لوجهها بذهول و كلماتها تصيبه في عمق قلبه، هو يدرك انها غير واعيه، يدرك انها تتذكر فارس الان و تهيم في ذكرى وفاته، و لكن كلماتها، نظراتها، و ارتجافه يدها، ارجفت قلبه، وجودها داخله خطأ، و لكن ماذا يفعل؟
دائما ما اختار قلبه كل صعب، دائما ما تعلق بما هو بعيد عنه،
و لكن شعوره بحنين ليس مجرد تعلق، ليس افتتان، و ليس حب..
بل هو اكبر من ذلك، و لكنه وصل بمشاعره لما هو ابعد من هذا.

شعر بروحه تختنق و انفاسه تضطرب فجذب يده من يدها و اشاح بنظره عنها مدركا ان احساسها الان ليس له و لن يكون ابدا له..
و لكن ما الحل؟ اخيه قالها من قبل هى خُلقت من حب و خُلقت لتُحَب
قطع تفكيرهم صوت الباب يفتح ففى الواقع لم ينتبه كلاهما للطرق، دلف الرجل محمحما: حمد لله على سلامتك..
اعتدل مازن ناظرا له مرددا بود: الله يسلمك، انا بعتذر جدا على...

نهضت حنين بغضب ترمق ذلك الرجل بحده و هدرت بعصبيه: المفروض هو اللى يعتذر على فكره مش انت..!؟
ابتسم مازن باحراج من اندفاعها فمازن المخطئ و لكن هى لم تعطيه الفرصه و اردفت بأسلوب اشبه بالطرد: متشكرين ان حضرتك ساعدته لحد هنا، كتر خيرك.

لم يستطع مازن الصمت امام الرجل الذى ابتسم بمكر ناظرا لكلاهما فجذب يد حنين لتنظر له و اشار بعينه لها ان تصمت و ضغط يدها علها تستجيب له و لكنها لم تفعل و همت بالتحدث عندما قال الرجل اخر ما يجب عليه قوله: ربنا يخليكم لبعض، واضح ان المدام بتحبك قوى، خافت جدا عليك ربنا يحميكم، و اه اخت حضرتك جالها تليفون تقريبا و خرجت، و حمدالله على السلامه مره تانيه، عن اذنكم..

تجمدت حنين و مازال مازن ممسكا ليدها لتنظر لوجهه بصدمه، ماذا سمعت للتو؟
شعر مازن بارتباكها فحاول تهدئتها فترك يدها و لا تدرى السبب و لكنها شعرت ببروده تجتاحها عندما قال و هو يُبعد عينه عنها: ياريت متتضايقيش انا عارف ان اللى وجعك مش خسارتى و اللى قلقك مش خوفك عليا، ذكرى فارس هتفضل وجعانا كلنا، و انا مقدر موقفك.
ازداد اتساع عينها بصدمه اكبر، هى لم تتذكر فقدانها لفارس هى خشت ان تفقده هو..

لم ترى به فارس هى رأت مازن، فقط مازن..
وضعت يدها على وجهها تمسح عليه بتوتر و قلبها اعلن الخطر، زلت قدمها في منحدر خاطئ، عقلها و قلبها يتجهان له، و لكن ذكرياتها تجذبها للخلف..
ابتسمت بتردد بوجهه و اومأت موافقه، مهلا لما كل هذا؟ هى تحبه كأخ لها، لو كان عاصم بمحله لتصرفت بنفس الشكل، هى تقدره كأخ و تعزه كصديق، لا اكثر ولا اقل..

قاطع افكارها عندما تسائل: فين حياه؟، ، ثم اشار باصبعه بدهشه متعجبا و ساخرا بالوقت ذاته: هو قصده بأختى حيااه! هى جات هنا و مشيت؟!
و هنا ادركت حنين للمره الثالثه مدى لهفتها لاجله فهى حتى لم تنتبه اين حياه؟ او ماذا تفعل؟
حركت راسها يمينا و يسارا بالنفى تجيبه: هى جات معايا بس مش عارفه راحت فين؟
ابتسم متذكرا و همس بصوت بالكاد يُسمع: اه صحيح عندها مقابله شغل، ربنا يوفقها.

حاول النهوض فوقفت امامه تسأله باهتمام: قايم ليه؟
ابعدها من امامه بهدوء و نهض فداهمه دوار و رأسه كاد ينفجر فترنح ثم سقط على الفراش مره اخرى فاقتربت تستفسر منه عما يريده: قولى محتاج ايه و انا اعمله؟!؟
وضع يده على رأسه متألما و هم بالتحدث و لكن قاطعه طرق الطبيب للباب دالفا: حمد الله على السلامه يا بشمهندس..
اجابه مازن مستسلما للطبيب و هو يتفحصه: الله يسلمك..

بدأ الطبيب يتفحصه بدقه مردفا بعمليه: الحمد لله جات سليمه مفيش اى اصابات داخليه هى شويه كدمات و مع الوقت و العنايه هتروح، و طبعا يُفضل تتجنب السواقه خالص الفتره الجايه، و يومين ثلاثه راحه و هتبقى كويس ان شاء الله..
اومأ مازن بلامبالاه و هتف بنفاذ صبر: ايوه يعنى هخرج امتى؟

نظر الطبيب اليه بخيبه امل فعاده الشباب الصغير مثله يتعاملون مع امورهم الصحيه باهمال ولامبالاه مثله تمام و كعادته دائما ابتسم قائلا بعمليه: تقدر تخرج دلوقتى لو حابب، بس..
اومأ مازن مسرعا و موافقا: حاضر ههتم بنفسى..
تركهم الطبيب و خرج بينما ساعدته حنين و حاول الهاء نفسه عن قربها منه بالاضافه ل لمساتها له و تسائل يشتت نفسه عنها: بابا و ماما عرفوا حاجه؟

اجابته و هى تتحرك بصعوبه فثقل جسده القاه عليها: لا، ماما كانت في الشغل و بابا خرج مع بابا عز تقريبا راحوا النادى..
اومأ برأسه و لم يجد بد من التفكير في وضعه الحالى معها و ربما توقف عقله عن التفكير حتى فاحساسه بها الان كافى...

بقيتِ احسن؟
تسائلت جنه و هى تعطى كوبا من العصير البارد لسلمى بغرفتها، فأخذته و اعتدلت جالسه و نظرت اليها متمتمه: الحمد لله..
نهضت جنه و اغلقت باب الغرفه و عادت جالسه امامها قائله بانصات: قوليلى الموضوع من اوله لاخره بالراحه و واحده واحده كده علشان افهم...
تركت سلمى الكوب من يدها و نظرت لجنه بترقب هاتفه بتوجس: مش هتحكى لحد؟
ابتسمت جنه وطمأنتها و هى تربت على يدها هامسه بسريه مرحه: و لا حتى لعاصم..

بدأت سلمى تسرد عليها ما حدث بدايه من اصرارها على التحاليل حتى اتهام امجد لها..
صمتت جنه بدهشه تطالعها بتفحص ثم هدرت بغضب: انتِ غلط يا سلمى...

اشتعل غضبها و اشاحت بيدها صائحه بانفعال: انا اللى غلط! غلطت في ايه بقى؟ امجد كان هيتنازل عنى اول ما عرف بموضوع عجزه، فضل اكتر من اسبوع بيعاملنى كأنى مش موجوده دا مكنش حتى بيقرب منى يا جنه، و لما امورنا بقت تمام بدأ يراقبنى، انتِ متخيله يعنى ايه يراقبنى؟ و في الاخر يشكك فيا و في اخلاقى و الاسوء في شرفي يا جنه...

امسكت جنه يدها وضغطتها بحنان و هدأتها تحاول توضيح ما يصعب عليها فهمه: اولا انا مش هقولك اى راجل، انا هتكلم عن امجد، طبيعى انه يتصرف كده، صعب قوى عليه انه يحس انه بيدمر احلامكم سوا، ثانيا بعده عنك، اكيد هو كان بيتعذب اكتر منك و انتِ اكيد عارفه ده، ثالثا و الاهم مراقبته ليكِ، و في دى انتِ غلط لانك انتِ اللى دفعتيه يعمل كده..

جذبت سلمى يدها لتعود اليها احدى نوبات غضبها لتنهض واقفه لتصرخ بحده و عقلها يتمرد على قلبها يمنعها منحه اى عذر: لا انا مش غلطانه يا جنه، مش غلطانه و هو اللى غلط، هو اللى كسرنى بكلامه و اتهامه، هو اللى حرمنى من فرحه انى هبقى أم، هو السبب في وجعنا احنا الاتنين، و كده خلاص كل حاجه بينا انتهت..

تحركت باتجاه الباب لتخرج و لكن يد جنه التى امسكت يدها بقوه اوقفتها، لتفاجأها جنه بجذبها بقوه لتجعلها تجلس على الفراش بعنف تعجبته سلمى و ازداد تعجبها عندما صاحت جنه: انا كلامى لسه مخلصش يا سلمى، و طالما مش فاهمه غلطك فين يبقى لازم تسمعى، هو منعك تروحى شقق سكنيه، صح؟
صمتت سلمى و اشاحت بوجهها فوضعت جنه يدها على ذقنها لتجعلها تنظر لها و هتفت بانفعال: ردى عليا؟ صح و لا غلط؟!
هتفت سلمى بغضب: صح..

اردفت جنه و هى ترمقها بحده و قسوه لاول مره تراها سلمى: و انتِ خبيتِ عليه و وافقتِ على الشغل من وراه و روحتِ، صح؟
هتفت سلمى مجددا و بدأت قوه غضبها تخمد: صح..
اكملت جنه بنفس القسوه و دون مرعاه لوجع سلمى فلا وقت للوجع الذى سيدمر كل شئ و هى اكثر من يُدرك معنى هذا: لما اكرم طلب منك وافقتِ بدون تفكير في امجد، و دا ادى انه لما طلب منك شهر عسل جديد رفضتِ، لأ و خلتيه غضب منك، صح؟

امتلئت عين سلمى بالدموع و انخفض صوتها و هى تهمس: صح..
نظرت جنه اليها لحظات و حاولت قتل عاطفه الحنان التى تتمنى اغراق سلمى بها الان و اردفت بنفس الحده: يوم ما روحتِ العماره كلمك و سألك انتِ فين و انتِ كدبتِ، صح؟
اختنق صوتها بدموعها التى انهمرت بضعف غريب عليها و مازالت اجاباتها ايجابيه: صح..

جلست جنه امامها على ركبتيها و امسكت يدها و خفضت من حده صوتها متمتمه بعتاب: حتى لو هو غلط بمراقبتك بس انتِ اللى اديتله الفرصه يا سلمى، كلنا و انتِ اولنا عارفه ان امجد بيحبك و بيحبك قوى كمان، بس الكذب و السكوت و الحاجات اللى بنعملها من ورا بعض دى فتح بينكم باب للشك و الشيطان استغلكم..

ضمت يدها بقوه و هى تنظر لها بابتسامه: انا عارفه انك بتحبى شغلك بس انك تفضليه على جوزك مش صح، افتكر انك قولتيلى ان هو قالك وقت ما تحبى تشتغلى اشتغلى بس متسمحيش لده يأثر على بيتك...
رفعت سلمى بصرها اليها و تسائلت بوجع: يعنى انا اللى غلطانه و هو لأ يا جنه؟ امجد وجعنى وجع مش هنساه، اتهمنى باتهام حطمنى، انتِ فاهمه يعنى ايه يشك انى خنته يا جنه..؟!

جذبت يدها من يد جنه لتنهض جنه مسرعه موضحه موقفها: انا مبدافعش عن امجد ابدا، لانه غلط، انا بس كنت بوضح لك صوره غايبه عنك، و انك لازم تسمعى امجد يا سلمى، لازم تسمعيه لانه ممكن يكون معذور...
استدارت لها سلمى بعنف صارخه: معذور! عذر ايه ده اللى يخليه يتهمنى كده؟! مهما كان عذره انا مش هسامحه ابدا..

وضعت جنه يديها على كتفيها جاذبه اياها لتجلس على الفراش امامها مجددا موافقه اياها: انا موافقه، بلاش تسامحيه، بس هسألك سؤال واحد يا سلمى و باجابته اتصرفى مع امجد زى ما تحبى..!

نظرت اليها سلمى مترقبه سؤالها و جنه تتطالعها لحظات ثم القت بسؤالها و حاولت ان تخرجه بكل حرص: حطى نفسك مكانه، لو راقبتيه في مره و لقتيه داخل عماره و منها لشقه واحده عازبه، كلمتيه تسأليه انت فين؟ كدب عليكِ رغم انك شايفاه بعينك، هتفكرى في ايه؟ و هتفكرى فيه ازاى؟ و ضيفى لكده نقطه انه عقيم و انتِ بقيتِ حامل...

نهضت جنه تاركه اياها بعدما وضعت الملح على الجرح و خرجت من الغرفه بعد ان قالت تطلب منها التفكير: فكرى يا سلمى، احيانا احنا اللى بنجبر اللى حوالينا يوجعونا، ممكن بخوف و ممكن بكدبه و ممكن بفعل، فكرى وافتكرى كل مواقف امجد معاكِ، و لما توزنى الامور بعقلك كويس اوعدك انى هبقى جنبك في اى قرار تاخديه، و خدى بالك عاصم لازم يعرف بس هسيبك تقوليله وقت ما تحبى..

خرجت جنه تاركه سلمى تكاد تفقد عقلها بسبب كلماتها، فحتى ان كانت محقه، هذا لا يمنحه حق اتهامها اتهام كهذا، وضعت يدها على رأسها بألم و انهمرت دموعها بغزاره و هى تلعن ذلك العمل الذى وافقت عليه.
يا ليتها رفضت او على اقل تقدير اخبرته بالحقيقه لربما كانت الان تحتفل معه بخبر حملها، و لكن بعد ما فعله هى لا تستطيع حتى التفكير..

مش هاجى يا عزت، مش هاجى دلوقتى خالص..
صرخت بها نجلاء في الهاتف عندما طالبها عزت بالقدوم مثلما فعل طوال الاشهر الماضيه منذ وفاه كوثر تحديدا و هى تستمر بالرفض...
هتف بحده هو الاخر و هو يشعر ان الطاوله تنقلب عليه: انا هفضل لامتى اقنع فيكِ؟ انتِ لازم تيجى و إلا قسما عظما، ما هتلاقينى في ظهرك و هبقى اول واحد ابيعك..

انتفض قلب نجلاء فعزت أفعى سامه و ان قرر لدغها ستموت حتما فصاحت بخوف: يعنى ايه؟ ها يعنى ايه؟ انت بتهددنى؟
صرخ بغضب هو الاخر و هو يضرب على مكتبه بقوه: و الله زى ما تفهميها بقى، ابن اخوكِ فتح و هيستعيد منصبه، فاهمه ايه ممكن يحصل؟ الورقه التانيه و اتحرقت، و مبقاش فاضل غيرى انا و انتِ و لو فكرتِ بس تتعشى بيا انا هتغدى بيكِ الاول، و انتِ عارفه عزت يا نوجه، و لا ايه؟

حاولت تهدأه نفسها لتحدثه بترجى: انا بقالى شهور هنا، بعدت عن بيت اهلى و بهرب منهم، ابويا عرف حاجه و مأجر ناس تلاقينى، لو اتحركت هتبهدل، عايزنى انزل القاهره و اروحلهم البيت برجلى، افهمنى يا عزت، هيموتونى.
اخفض صوته هو الاخر و هتف بعدم تقدير لما تقوله: كل دا ميهمنيش، انا يهمنى فلوسى، كل الشيكات و الوصلات و المجوهرات و الاراضى و الكاش اللى في خزنة بيتك يتقسموا بالنص و كل حى يروح لحاله..

هدرت به و هى تنهض من مجلسها فقد اقترب مما قتلت، كذبت و فرقت عائلات لاجله: نعم يا عزت، فلوس ايه دى اللى بتتكلم فيها؟ انت ملكش حاجه في الفلوس دى، دا انا بعت اهلى كلهم علشان الفلوس و انت تقولى النص، لا انسى..
ابتسم بغضب و هتف بتسائل حذر: دا اخر كلام عندك؟
صرخت بغضب و اندفاع: اه يا عزت و اللى عندك اعمله، و متنساش يا كبير انى اتعلمت منك مسبش ورايا ادله..

و اغلقت الخط بوجهه، نظر للهاتف و ضحك بغضب عاصف: بقى كده يا نوجه، طيب ورينى هتفرحى بالفلوس ازاى؟
مرت دقائق حتى طُرق باب الغرفه و دلفت العامله لتقول بتحفظ: في ضيف عاوز حضرتك بره يا فندم..
نظر اليها و عروق وجهه بازره بغضب جعلها ترتد خطوه للخلف خوفا و هو يسألها بحده: ضيف مين؟
تمتمت بخفوت و هى تنظر للارض باضطراب: معرفش يا فندم لما سألته قالى قوليله عميل خاص..

عقد ما بين حاجبيه متسائلا ثم اشاح بيده و قائلا بلا مبالاه: قوليله مش فاضى..
بس انا شايف انك فاضى!
قالها عاصم و هو يدلف بهدوء لداخل غرفه المكتب الخاصه به و استند بمرفقه على الحائط مداعبا جانب فمه بيده بابتسامه هادئه مخيفه، تسمر عزت مكانه ثم اشار للفتاه امامه بيده دون ان يحيد بنظره عن عاصم: اخرجى انتِ..

خرجت الفتاه و اغلقت الباب خلفها فنظر عزت لعاصم متمتما بقوه حاول استدعاءها بأقصى ما يملك: ايه اللى جابك هنا؟
اتسعت ابتسامه عاصم مشيرا عليه باصبعه قائلا ببطء: جميل، لا بجد جميل، توقعت انك هتنكر معرفتى، بحكم اننا اول مره نتقابل مثلا..
ارتبك عزت و استدار ليجلس خلف مكتبه هاتفا بمحاوله لاصلاح خطأه: عيب يا سياده النقيب حد يتوه عن النقيب عاصم الحصرى برده؟

ازدادت ابتسامته و هو يتحرك بخطوات متزنه حتى اقترب من المكتب فوضع قدمه على الطاوله الصغيره امام المكتب و اخرج سلاحه واضعا اياه على المكتب فاستند عزت بظهره على المقعد باضطراب، وجه عاصم فوهه المسدس لنفسه، ثم اداره قليلا ليوجهه لعزت، ثم مره اخرى لنفسه و ثبته على هذا الوضع، ثم جلس على سطح المكتب و مازالت قدمه على الطاوله متمتما بهدوء: تحب نتكلم و نجيب من الاخر، و لا نلف و ندور، انا معاك من هنا للصبح..!

نظر عزت للسلاح ثم اليه و هتف بارتباك بدى عليه بوضوح: انت عارف ايه ممكن يحصل لو استخدمت سلاح الخدمه في امر شخصى؟ و كمان لقتل لواء شرطه؟
بلل عاصم شفتيه ببطء محركا رأسه يمينا و يسارا بخيبه امل قائلا بسخريه حزينه: لا لا، دا مش تفكير اللواء عزت، خيبت ظنى! انا لو قتلتك هقتلك بسلاحك انت، عيب عليك.

و سحب مسدس عزت الذى كان موضوعا على الطاوله جانبا، فضرب عزت على المكتب و اعصابه تكاد تتلف من التوتر فمن امامه لا رحمه في قلبه و هو يعلم ذلك جيدا و لكنه لم يكن يتوقع ان يقف امامه يوما ما شخصيا، هتف بحده و ثبات مازال يحافظ عليهم: انت عاوز ايه؟
بكل برود و في الواقع يُحسد عليه تسائل مجددا بنبره هادئه اثارت القلق في نفس عزت بشكل اكبر: هنجيب من الاخر، و لا هتلف و تدور..؟!

اخذ عزت نفسا عميقا و حسنا طالما قررت التخلى عنه فلا داعى ليحافظ هو عليها، , اعتدل مستندا بمرفقيه على المكتب و هتف بثقه: هنجيب من الاخر...
فرقع عاصم اصابعه و حرك رأسه بموافقه و صاح باعجاب ساخر: هو ده الكلام..
نظر لعزت بتفحص و هو يرمقه بنظرات سوداء ثاقبه: مين السبب في موت ماجد الالفى؟ و ليه؟

صمت عزت قليلا ثم اخذ نفسا عميقا مقررا وضع النقاط على الاحرف فحتى ان كلفه الموضوع عمره لن يكتفى بعمره فقط ستكون معه بالتأكيد: نجلاء الحصرى..
عقد عاصم ما بين حاجبيه مطالعا اياه بغضب حارق فهو توقع كوثر و لكن نجلاء؟ لماذا؟!

واتته الاجابه فورا عندما اردف عزت بشرح ما حدث: علشان عرف انها بتسرق ابوها عن طريق محاميه اللى كان على تواصل مستمر بيه و طبعا بدون علم حد، هتقولى ايه السبب؟ هقولك معرفش، ماجد مات و ماتت معاه اسراره..
حاول عاصم بكل ما يملك من قوه كبت غضبه، و لم يساعده في هذا سوى رغبته بالبقيه فقال بصوت جاهد ليخرج طبيعيا: قولى كل اللى تعرفه و بدون كلمه نقص..

اومأ عزت برأسه و جمع نفسه ليسرد كل ما فعلته نجلاء و هذا في الحاضر فقط: هى اللى طلبت منى ادبر قتل ماجد، هى اللى حاولت تبعد مراتك عنكم، هى اللى دبرت فضيحه حياه عبد الرحمن انتقاما من ابوها، هى اللى بعتت راجل يهدد البشمهندسه سلمى، هى اللى دبرت قتل فارس الشرقاوى، و هى اللى دبرت جواز اخوه من اختك بفضيحه، هى اللى عملت خلاف بين ابنها و مراته، و هى اللى حرضت البت التانيه عليه علشان يتجوز، و الاهم هى اللى اتسببت في الحادثه و الضرب اللى حصل لك، باختصار هى السبب في كل مصيبه حصلت في عيلتكم، و ما خفى كان اعظم.

شعر عاصم برأسه يكاد ينفجر من شده اندفاع الدماء اليه و نهض واقفا بعدما برزت كل عروق وجهه و بحركه سريعه حمل مسدس عزت و اتجه لعزت ممسكا اياه من قميصه جاذبا اياه ليسقط على ركبتيه ارضا و وجه السلاح لرأسه و صدقا لم يكن يمزح او يهدد بل بالفعل وضع اصبعه على الزناد و هم باطلاق النار و لكن صرخه عزت المفزوعه: هتضيع نفسك، فكر في نفسك و منصبك و اهلك، فكر في حياتك، قتلك ليا و حتى ليها مش هيكسبك حاجه، صدقنى انت الخسران، انا هساعدك تاخد حقك، هقولك نقط ضعفها و انا متأكد انك هتعرف تستغلها..

داهم عقل عاصم بكاء جنه و سؤالها الخائف مش هتبعد عنى يا عاصم؟ انا مش حمل خساره تانيه،.

صرخ بأعلى ما يملك من صوت و جسده ينتفض غضبا كاد يحرقه حرقا فوجه المسدس لقدم عزت لتنطلق رصاصته و معها تنطلق صرخات عزت بوجع قاسى، و لكن عاصم لم يكتفى، دفع بالسلاح بعيدا و اقترب رافعا اياه عن الارض و هو بالكاد يلتقط انفاسه و اخذ يكيل له الضربات و زمجرته تعلو بشكل غاضب حتى اصبح عزت اشبه بخرده قديمه فدفعه عاصم ارضا و استند بيديه على المكتب امامه يأخذ انفاسه بصعوبه..
كيف لمخلوق ان يفعل كل هذا؟

كيف يمكن لعمته ان تكون بمثل هذا المستوى من الانحطاط؟
و ان كان هذا الحاضر فكيف يكون ماضيها؟
و ان كانت تكره ابنائها فكيف ستحب الغريب؟
من اى جنس هى؟ فهى ليست ببشر ابدا؟
مسح على فمه بقوه رافعا يده يشد خصلاته بعصبيه مفرطه و لكنه لم يستطع لجمها فاقترب من عزت و رفعه عن الارض هاتفا بانفعال: تعرف ايه تانى؟ انطق.
كان عزت يجاهد ليتحدث و لكنه لم يستطع، و بغضب شديد دفع عاصم رأسه للمكتب بشده صارخا: انطق، انطق،.

حاول عزت ايقافه بيده حتى ابتعد عاصم مدركا انه هكذا يقتله لا يستجوبه، استند عزت على المكتب بانفاس متقطعه و همس بتحشرج: شق، شقتها، شقتها، في، المعادى، فيه، فيها كل حاجه، نجلاء هدفها الفلوس و انتقام من اللى حصل زمان، عبد الرحمن السبب، هو السبب..
ارتكز عاصم على ركبتيه امامه و هتف و هو يُمسك بياقه قميصه: عبد الرحمن العيسوى! لييه عمل ايه؟

جاهد عزت ليتحدث و لكنه لم يستطع فضرب عاصم على وجهه ليجد انه لن يستطيع قول كلمه اخرى فضرب على وجنته هاتفا بتحذير: انا هرأف بحالك و هوديك مستشفى، تطلع باعاقه تطلع باتنين مش مشكله، لكن ان سمعت اسمى في التحقيق هخليهم اربعه و اظن انت دلوقتى عارفنى، سامعنى..

اوما عزت مسرعا بضعف فأمسك عاصم برأسه و دفعها بقدم المكتب فسقط عزت فاقدا وعيه، نهض هو و اخذ سلاحه و تحرك باتجاه خزينه الاموال الموضوعه في الخلف و جذب مفاتيح عزت من فوق المكتب و بعد عده محاولات استطاع فتحها ليُسقط بعض الاموال ارضا ليبدو الامر كسرقه، ثم اتجه لزجاج الغرفه و بظهر مسدسه دفعه ليسقط و تتناثر اشلائه حوله و للاسف اصابه بعضها و لكنه لم يكترث..

خرج من الغرفه ليجد العامله تقف باضطراب امام باب المطبخ فنظر اليها نظره جعلتها ترتجف فاقترب منها ناظرا اليها بعمق هاتفا و نبرته تخبرها انها ان خالفت ما يريده لن يصبح حالها افضل من حاله المسجى بالداخل: شوفتِ حاجه..
حركت رأسها نفيا فابتسم متسائلا مره اخرى: جميل، سمعتِ حاجه؟
حركت رأسها نفيا مجددا فاتسعت ابتسامته: اتصلى بالاسعاف و الشرطه، بسرعه قبل ما الحرميه يهربوا، و بصمات المسدس...

قاطعته مسرعه و كأنها كانت تتمنى ان يفعل احدهم ما فعله هو منذ زمن: اتمحت يا باشا متقلقش...
غمزها بعبث و انطلق خارجا فكانت الابتسامه من حقها هى ثم تحركت لداخل الغرفه لتجد عزت غارقا في دمائه فنظرت اليه باحتقار وتمتمت بسخريه: يا ريته كان قتلك..

ثم اتجهت للاموال المتساقطه ارضا و حملت بعضا منها و اخفته داخل ملابسها ثم رفعت سماعه الهاتف و فعلت مثلما اخبرها عاصم و هو تبتسم بتشفى، و بدأت بازاله اى اثر و كلها.
خرج عاصم من منزله و صعد لسيارته و تحرك بها مسرعا و عقله لا يستوعب ما سمعه للتو
قتل، قتلت، سرقه، سرقت، تدمير منازل و تخربها، فعلت!
لم ينجو احد من يدها، و لكن ان تحدث الان ستتدمر فرحه ابنتها...

هو يعرف مها جيدا منذ زمن و هو يعلم انها تكن مشاعر لاكرم ربما تتجاهلها هى، ان كانت والدتها من قتلت والده فهذه مصيبه، ماذا يفعل؟
لابد من التفكير جيدا فعاقبه الامر لن تكون هينه،
و لكن ما عرفه للتو جعله غير متزنا و غير قادرا حتى على التفكير، هو فقط يحتاج لهدنه.

يا ليت هناك من يفهم!
من ينظر للامور محاولا فهم رؤيه الاخرين بعيدا عن رؤيته،
من يستمع بصدر رحب لمشاعر غيره - و التى يعتقد انها تفاهات - لربما ادرك ما بداخل القلب حقا،
من ينوى الحكم بإنصاف و ليس كما يعتقد انه يجب،
من يُقدر ما نحتاج حقا و ليس ما يعتقدوا اننا نحتاجه،
يا ليت!

كان الجميع جالسا بالاسفل عندما دلف عاصم من الخارج ولم ينتظر ليتحدث مع احد بل صعد مباشره للاعلى بعدما القى السلام، تعجبت جنه موقفه و استأذنت منهم صاعده للاعلى خلفه..

بمجرد ان دلف للغرفه زفر بقوه و بدأ في نزع قميصه بعصبيه ادت لقله صبره مما دفعه ليمزق ازرار قميصه و من شده اندفاعه لم يستطع اكمال نزعه حتى فاتجه للطاوله المقابله له ليرفع الفازه الخشبيه المزخرفه اعلاها يدفعها ارضا بغضب شديد، ليصله شهقه جنه التى استقرت الفازه امام قدمها لتنظر اليها بذهول و صدرها يعلو و يهبط باضطراب..

استدار لها مسرعا و لرؤيه اضطرابها و خاصه بعدما رفعت عينها اليه ليغرق ابريقها العسلى بدهشه متوتره، تمتم بكلمات غير واضحه و هو يضغط اسنانه بقوه مشددا قبضته ثم اشاح بوجهه عنها فأغلقت الباب مبتلعه ريقها ببطء و اقتربت منه حتى وقفت امامه..

نظرت اليه بقلق غلف عينها و هى تتطلع لملامحه لتستقر على حصونه السوداء التى اشتعلت ببراكين غضب عاصفه و التى سرعان ما اخفاها عنها مديرا وجهه للجهه الاخرى، رأت هى نوبات غضبه من قبل، رأت اندفاعه و نظراته القاسيه و لكن مثل هذه المره لم يحدث، لم ترى عينيه بمثل هذه القسوه و لم ترى ملامحه بمثل هذا الجحيم من قبل، لن تنفى ارتباك اوصالها و لكنها تماسكت و وقفت امامه مجددا و لكن قبل ان تتحدث تحرك هو خطوتين متجاوزا اياها و حاول التحدث بهدوء فبعد كل شئ هى لا ذنب لها: اخرجى دلوقتى يا جنه و نتكلم بعدين.

اقتربت منه واقفه خلفه و هى تنظر لانتفاضه جسده الغاضبه و حركه قدمه المتتاليه و التى تدل على عصبيته الشديده و باستماته يحاول اخفائها و تمتمت بهدوء قلق: عاوزه اطمن عليك بس، فيك ايه يا عاصم؟
لاحظت هى اغلاقه لعينيه بمحاوله منه للهدوء ثم استدار لها صارخا بانفعال لم يستطع التحكم به: انا قولت اخرجى دلوقتى.

انتفضت و اتسعت عينها تحدق به و عينها تجوب ملامحه و التى ادركت منها انه ليس بوعيه الكامل فيبدو انه للمره المائه تغلب عليه غضبه...
و لكن كفى هى لم تعد تهرب، لم تعد تختبئ و ان كانت ستفعل سيكون به، و بحركه سريعه لفت يديها حول خصره مستنده بأنفها على صدره تخفى وجهها و انفاسها به، متمسكه بقوه لتغمغم ببطء تدرك تأثيره عليه جيدا: انا خايفه..

تجمدت يديه بجواره و هو يغلق عينه، متذكرا انها السبب بحمايه حياته الان، لولا وجودها و تمسكها به لربما كان تخلص من ذلك القذر لتخسره للابد، حبها و وعده لها هو من منعه من تدمير نفسه فقط لاجلها..
رفع يديه يحاوطها مستندا بذقنه على رأسها متمتما بيأس من هزيمته دائما امام غضبه: منى؟!
مرغت وجهها بصدره نافيه لتهمس بقلقها عليه و انفاسها تلفح بشره صدره: عليك...!

ازداد من ضمها له و شعرت هى بارتجافه صدره و انفاسه المتقطعه و التى تدل انه يحمل هما كبيرا، ليس كبيرا على ابن الحصرى بقدر ما هو قويا، قويا لدرجه جعله يخرج عن طوره و يهاجمها هى ايضا...

استندت بوجنتها على صدره و يدها على موضع قلبه كأنه تحدثه بعتاب: من كام ساعه بس قولتلى ان انا انت، و انت انا، ليه دلوقتى في تعبك و وجعك بتبعدنى عنك؟ ليه مصمم تحسسنى انى متاحه وقت ما يكون مزاجك مرتاح، ليه مصمم تسيب بينا فواصل يا عاصم؟

زفر بقوه و اخفض رأسه اكثر رافعا اياها ليدفن وجهه بين خصلاتها برائحتها التى تمنحه بعضا من الراحه و الامان و تمتم بنبره بقدر ما تحمل من ثقه تحمل من قلق: عارفه انك انتِ الوحيده اللى بتقوينى، الوحيده اللى بتقدر تمتص كل وجعى و غضبى بحضن، كل يوم عن اللى قبله بتأكد انى مقدرش استغنى عنك.
ابتعد عنها محاوطا وجهها بيده ليروعها ما رأت في عينيه من ألم،
ماذا حدث ألم روحه بهذا الشكل؟

ما الذى يحمله قلبه من وجع لتعكسه عينيه بهذا الحزن؟
ماذا يخفى عنها؟
دفعته من كتفه بهدوء لتُجلسه على الفراش و تجلس امامه و لكنها قبل ان تفعل جذب يدها ليجعلها تجلس بحضنه كطفله صغيره و رغم ما اجتاحها من حياء دفع الدماء لوجنتها بغزاره، لم تفكر سوى في وجعه الذى اصابها في مقتل...
اخفضت عينها على يده لتُمسك بها و لكنها شهقت بفزع و هى تنهض عنه لتصرخ بخوف: ايه ده يا عاصم؟ ايه اللى حصل؟

نظر ليده ليجد عده قطع زجاج منغرسه بها و خيوط من الدماء لونت يده، و ربما الان فقط شعر بألمها ففى ثوره غضبه تلك لم يشعر بشئ، جذب يده منها و احتدت عيناه متذكرا ما قاله عزت ليقبض يده بعنف ليزداد خروج الدماء منها، فجذبت جنه يده بقوه جعلته يناظرها بتعجب ثم نظرت اليه و لاول مره، لاول مره يرى بعينها مثل هذا الغضب و رمقته بنظرات متوعده بحده شديده، ثم اخفضت عينها و زمت شفتيها متمتمه بأمر: قوم معايا..

ارتفع حاجبيه تعجبا و لكنه انصاع لامرها و نوعا من التسليه يجتاح كيانه، فمهما مر من الزمن عليهم معا سيظل يكتشف بها شيئا جديدا، شيئا يجذبه بقوه و طغيان..

دلفت للمرحاض وضعت يده تحت الماء لترتجف بين يديها فور ملامسه الماء لها و لكنه لم يبالى بل ظل على صمته يراقب ما تفعله فقط، تحركت من امامه و اخرجت صندوق الاسعافات الاوليه من الخزانه فوق الحوض لتُخرج منها ملقط طبى و عادت لتقف امامه ثم رفعت يده و حاولت بحذر اخراج قطع الزجاج العالقه بيده و مع حركتها كانت يده ترتجف بألم و لكنه لم يطلق صوتا واحدا، انتهت و وضعت يده اسفل صنبور الماء فقرر ممازحتها لعلها تُبدى اى رد فعل فجذب يده بخفه متأوها بخفوت منتظرا لهفتها و لكن عينها لم ترمش حتى بل تمسكت بيده جيدا مثبته اياها اسفل المياه ثم رفعت عينها اليه لتطالعه بانفعال تبعته بالضغط على جرحه لينكمش وجهه ألما و يضيق عيناه متعجبا من تصرفها و لكنه يدرك انها تعاقبه و يا له من عقاب لذيذ..

اغلقت المياه و جذبت الصندوق و دفعته للخارج و هو مستسلم ليدها تماما اجلسته و جلست امامه ضمدت جرحه و هى تضغط عليه بقوه تؤلمه بحق و لكنه حافظ على ابتسامته التى تُزيدها استفزازا...
حتى انتهت فنهضت واقفه امامه و هى تعقد ذراعيها امام صدرها متسائله بحده لا تقبل النقاش: ايه اللى حصل؟

ظل يطالعها بتلاعب و هو يستند بكفيه على الفراش خلفه ناظرا اليها باستمتاع، فعقدت حاجبيها هى الاخرى و هى ترمقه بصمت منتظره الاجابه و عندما لم يفعل اومأت و تحركت لتخرج من الغرفه و لكنه امسك يدها يمنعها فجذبتها منه بحده تهدر به: هيفضل كبريائك و غضبك اهم منى يا عاصم..!

و همت بالخروج لكنه جذبها بقوه وافقا متملكا خصرها بينما هى تشيح بوجهها عنه لتلمع عينها بالدموع فرفع يده يزيلها فوجدها تلتفت اليه بحده و تصيح بعتاب: وعدتنى انك مش هتسمح انى اعيط تانى، و للاسف خلفت بوعدك في نفس اليوم، و كمان مش مستعد حتى تشاركنى وجعك..
رفع يده مسرعا مزيلا دموعها ثم ضمها اليه فهو لا يستطيع اخبارها، ماذا يقول؟
يقول لها ان كل ما حدث في حياتها عمته السبب به؟

يقول لها انها حُرمت من والدها بتدبير رخيص ادى بحياتها هى للجحيم؟
ماذا يقول؟
هو يمنع عنها الحزن الذى لن تتحمله ابدا، يمنع عنها وجع اشتعلت روحه هو به،
وعدها الا يحزنها فا هو يحافظ على وعده..
تنهد ليقول بصلابه و صوته يحمل قدرٍ متساوٍ من القسوه و اللين جعلها عاجزه عن تمييز اى منهم يطغى على الاخر: احيانا بنكسر وعد علشان ننفذ وعد تانى.

ثم ابعدها عنه محاوطا وجهها ناظرا بعمق ابريقها العسلى الذى لمع بخوفها عليه و حزنها لاجله و هتف بقوه عشقه لها: ثقى فيا يا جنه، و افهمى حاجه واحده بس، انى معنديش اغلى منك في حياتى..
نظرت لوجهه ليستقر صدقه بقلبها فرفعت يده مقبله اياها من فوق الضماد: لو مش عاوز توجعنى فعلا بلاش تأذى نفسك يا عاصم..

اومأ موافقا و غمغم بغموض و هو يحاوطها بأسهمه السوداء: محدش بينقذنى من نفسى و غضبى غيرك، انتِ بتحمينى وانتِ مش مدركه حتى.!
ابتسمت بارتياح مؤقتا و لكنها لن تهدأ حتى تعرف ما صار و لكن مهلا فالصبر يأتى بخير..

طبعت قبله على وجنته ثم بدأت بفك باقى ازرار قميصه و الذى مزق معظمها، نزعته عنه محاوله تجنب خجلها لتساعده في ارتداء ملابسه و لكن مهلا فهذا ابن الحصرى فكيف يتنازل عن هكذا فرصه، حاوط خصرها مقربا اياها منه بينما هى تحاول الفكاك من بين يديه و لكنه لم يمنحها الفرصه و يده تسبح في ملكوت خاص لا يعرفه سوى جسدها لتسرى رعشه لذيذه تجعلها ترفع عينها اليه ببطء لتسقط في قلاعه المتينه و التى احتوتها مسرعه بابتسامه خبيثه ثم امتدت يده بعبث ليتلاعب برباط بيجامتها و هو يهمس بدراميه محببه لقلبها يمنعها اكمال مساعدته ليرتدى: انا بقول ملوش داعى، الجو حر قوى.

ابتسمت بخجل و اخفضت عينها لتصطدم بصدره العارى، فأسبلت جفنيها متمتمه باخر ما توقعه منها بنبره دلال مثيره بنفس نبرته الدراميه المتلاعبه: متأكد انه الجو برده؟
قهقه بصوت عالى ارتجف له قلبها و ابتسامتها تتسع لتوبخ نفسها بشده على ما تفوهت به فضغط جسدها اليه اكثر فرفعت وجهها اليه لتغرق في ملامحه القريبه..
عيناه السوداء بحصونها المنيعه و التى دائما ما تحاوطها بتملك خاص به و لا يجوز الا لها،.

بشرته الداكنه و التى تمنحه جاذبيه خاصه تجعل قلبها يشتعل بمجرد ملامستها،
ذقنه المهندمه و التى اضفت ساحريه مهلكه على ملامحه القويه،
انفه الذى يستقيم بحده و كبرياء لا تليق سوى بابن الحصرى، شفتاه...

و عند هذا اخفضت بصرها بارتباك متنهده بحراره و لم تنتبه انه كان يراقب نظراتها المتفحصه و قبل ان تبتعد بعينها التى استقرت على شفتاه، اسر هو شفتيها ليمنحها وصف خاص بهما معا، وصف يخبرها انها له كما هو لها جمله و تفصيلا..
تاهت معه في عالم غير الذى يحاوطهم، عالم استغرقا الكثير ليصلا اليه..
ربما ليست المره الاولى التى يقبلها بها و لكن جمال هذا اللحظه و هذا المره لم يسبق له مثيل..

فاليوم لا يتحدا جسد بجسد فقط و لكن روح بروح و قلب بقلب..
قلبه الذى عرف الحب و ان تاه عنه قليلا فأخيرا استقر في فضاء قلبها.
تحرك بها يدفع جسدها للخلف حتى سقطت على الفراش و هو بجوارها، مال عليها ينظر لها من علو ثم انخفض يطبع قبلاته المشتعله على وجهها بالكامل، جبينها، عينيها، انفها، وجنتها الا ان استقر امام شفتيها لتندمج انفاسهما معا، ناظرا لملامحها بنهم، رغبه و عشق سكن عيناه طويلا..

ففتحت عينها ببطء لتواجهها شرارات عشقه و لهفته و التى اخبرتها انه بالفعل يحترق و لن يطفئه ايلاها...

ابتسمت بهدوء و هى تتذكر جميع ما مر بهم لتتحول ابتسامتها لضحكه فطالعها بتساؤل فمنحته الاجابه بحنين جارف اسر قلبه بين شفتيها مراقبا حديثها و ربما فتنتها: كل مره ابص في عينيك اشوف عاصم القديم، عاصم اللى كان مجرد ما بسمع اسمه بترعب، بفتكر ضحكاتك القليله و مواقفنا سوا، بفتكر كل مره قريت حبى في عينيك بس تصرفاتك كانت العكس تماما، ذكرياتنا كتير قوى يا عاصم، كتير لدرجه انى على استعداد اعيش افتكرها باقى عمرى كل اما ابص في عينيك، كأنها دفتر ذكرياتى، سجلت فيه كل لحظات سعادتى و كل حياتى، و لو، اااه.

قطعت كلماتها بآه خافته اختفت سريعا بمعانقه شفتاه لخاصتها ليغمرها بفيض ذكرياته هو الاخر مؤكدا لها ان ذكرياتهم معا لم تنتهى بل ما زالت تبدأ بعد...

صوت طرقات متتاليه على باب الغرفه جعله ينازع ليفتح عينيه و فور ان ادرك وضعه ابتسم باستمتاع متذكرا لحظاتهم المهلكه منذ قليل، نظر اليها و هى تحتضنه و تتمسك به كما يتمسك الطفل بجلباب امه، ثم اعتدل قليلا ليفرد ذراعه التى تحاوطها لتستقر رأسها عليه ليطل عليها من عليائه يتأمل ملامحها التى تخطف انفاسه خطفا...

عيناها المغلقه و التى منعت عنه فيض حنان ابريقها العسلى و الذى يعشق غرقه به، انخفض ليغمرها بقبلاته المستمتعه مع ابتسامه سعاده تجد طريقها لقلبه،
انفها الصغير و الذى اكتسب لونا احمرا اثر ارتكازها به على صدره فداعبه بأصبعه و ابتسامته تتسع لتتململ قليلا ثم تسكن مره اخرى،.

وجنتها الممتلئه قليلا و التى تدعوه دعوه صريحه ليداعبها بشفتيه و لم يبخل هو بل اعطاها بسخاء حتى انزعجت هى متحركه باعتراض لتتسع ابتسامته المشاغبه،
و لكنه ابتعد عنها قليلا حتى تعود لسباتها فهو مازال لم يُكمل اكتشافه لملامحها و الان الهدف الاغلى، الاهم و الاكثر اغراءا و فتنه..
نظر لشفتيها بعبث ليحرك اصبعه ببطء فوقهما ليهمس بافتتان: مستبده انتِ يا امرأه!

انخفض متملكا اياها بقبله ناعمه استيقظت على اثرها لتدفعه ببعض العنف تدفن وجهها في صدره فيضمها اليه بقوه متناسيا ان ما افاقه طرقات على الباب و لم ينتبه لذلك الا عندما عادت الطرقات مره اخرى..
ابتعدت عنه و ما زال النعاس يداعب جفونها لتمط ذراعيها بدلال ثم نظرت للشرفه لتجد الظلام قد حل و لكن في الواقع بحياتها و قلبها مازالت الشمس تشرق بعد فابتسمت هامسه بنبره خافته: مساء الخير يا سياده النقيب..

اتسعت ابتسامته و قبل ان ينطق عاد طرق الباب من جديد فنهض بحركه سريعه غاضبه و هم بفتح الباب و هو على وشك قتل من يطرقه او ربنا يكسر الباب لكى لا يطرقه احد و لكنه توقف فور ان تصاعدت ضحكتها العابثه و التى بدت لاذنيه ضحكه ماجنه اشعلت نيرانه المبطنه بها فاستدار لها بغيظ واضح لتشير على صدره العارى برفع حاجبيها تراقصهما بابتسامه تجاهد لتمنع ظهورها: هتفتح كده؟!

نظر لصدره و رغما عنه ابتسم مدركا وضعه فهو يرتدى بنطاله فقط ثم نظر للباب هاتفا بصوت يصل للخارج: مين؟
وصله رد والدته و هى تقول و يكاد يجزم ان بنبرتها مكر: انا يا عاصم..
وضعت جنه يدها على وجهها مسرعه ناهضه عن الفراش بقميصها القصير لتُمسك بملابسه متجهه اليه تساعده على ارتدائها و هى تجاهد لتمنع ضحكتها و همست بصوت خافت بجوار اذنيه حتى لا يصل للخارج: افتح لها..

اعتقل خصرها بيده مانعا اياها من الابتعاد و هو يمطرها بسيل متواصلا من قبلاته المشاكسه و هتف من بينها مخاطبا والدته فان كان هى تمكر فهو يملك منه اكثر منها بأضعاف: خير يا ماما؟
لم تستطع ليلى منع ضحكتها فوصلت اليه ليكتم غيظه بقوه بينما اخفت جنه وجهها بصدره و لم تستطع منع ضحكتها اكثر، فصوته كان كافيا ليعبر عما يجيش بصدره من انفعال...

حمحمت والدته قائله بشبه اعتذار: انا عارفه انه مش خير ليك خالص، بس اكرم تحت و عاوز يشوف جنه...
ضغط شفتيه بعصبيه و هو يحاول امتلاك كل قوته لكى لا يقتل اكرم الان و تلك التى انهارت ضحكا بين ذراعيه ليعلو صوتها فيصل لوالدته فتضحك هى الاخرى متمتمه قبل ان ترحل: متأخرهاش يا حبيبى..
و رحلت و ضحكاتهم معا تكاد تحرقه هو فأمسك بكتفيها ناظرا اليه بضيق صارخا بنفاذ صبر: بتضحكِ؟ بتضحكِ يا جنه؟

كتمت فمها قليلا حتى تمكنت من التحدث فغمغمت ببراءه: طب انا ذنبى ايه؟
طافت عيناه على ملامحها مقربا ايها منه اكثر و هو يهدر بغيظ: و انا ذنبى ايه؟
اقتربت و طبعت قبله دافئه على وجنته اليمنى، تبعتها بأخرى اكثر عمقا على وجنته اليسرى ثم همست و هى تداعب وجنتيه بيدها معتقده انها هكذا تواسيه او ربما تمنحه بعض الصبر: انت حبيبى، بس..

ازداد احتضانه لخصرها بكلتا يديه لترتفع يديها حول عنقه ليهمس بخبث لتدرك ان ما فعلته لم يكن الفعل المناسب الان: انت كده بتصبرينى يعنى..!
ابتعدت مسرعه بعد منازعه و هى تتحرك باستعجال واضح لتُخرج ملابسها: اكرم مستنى تحت، عيب يا عاصم.
اتجه اليها مسرعا ليُمسك ثيابها من بين يديها ليلقيها ارضا صارخا بغضب مكتوم و هو يحملها متحركا باتجاه الفراش: ايوا عيب، عيب اللى اخوكِ بيعمله..

القاها على الفراش وسط ضحكاتها و هى تحاول الهروب من بين يديه و لكنه تمكن منها عندما احتجزها بين جسده و الفراش مختطفا قبله من شفتيها مردفا بعدها: عيب اللى انتِ بتعمليه فيا ده!
اقترب مختطفا قبله اكثر عمقا لتذوب هى بين ذراعيه بعجز يعشقه قلبها و يهواه قلبه فرفع وجهه ناظرا اليها و بدا استسلامها يروقه و همس بصوته الرجولى و نبرته الخاصه التى بات يدرك تأثيرها عليها: عيب تسبينى كده!؟

و قبل ان تنطق أسر شفتيها للمره الثالثه بقوه اكبر و اعمق دفعتها للغرق اكثر و اكثر و لكن طرقات على الباب تبعها صوت شذى الطفولى تقول بتأفأف: يالا يا ابيه، الكل بيسأل عليكم تحت، انت اتأخرت ليه كده؟

انتفضت جنه اسفل يديه و هو يضغط شفتيه بقوه لتجذب جسدها من اسفله بسرعه لتسقط ارضا و يتبعها هو على طرف الفراش لتصدع ضحكتها و هى تنهض، حملت ملابسها التى القاها ارضا و ركضت للمرحاض و ضحكتها تدق الطبول و تعلن الحرب بقلبه، بينما يتابعها هو بغيظ شديد متأفأفا و صاح بغضب مستحب: خلاص نازلييييين..

وصله ضحكات جنه بالمرحاض فشدد قبضته بقوه و لكنه لم يستطع منع ابتسامته من الظهور فيبدو ان من قبل كان كلاهما يمتنع عن الاخر و لكن الان يبدو ان الجميع اتفق على الوقوف بينهم، تبا، سيخطفها، اتسعت ابتسامته ها قد وصل لحل، سيخطفها.

بعد قليل كان عاصم يجلس مع اكرم بالحديقه الخارجيه في انتظار نزول جنه لهم، اخذ اكرم يلعب بالعشب الصغير امامه و هو شارد تماما فنظر اليه عاصم بتفحص ثم نظر امامه متمتما: ايه اللى شاغل بالك؟
نظر اليه اكرم بنظره ذات مغزى و التقطها عاصم على الفور فابتسم بسخريه: واضح ان الستات دى حالفه تجنننا..
ابتسم اكرم بسخريه مماثله ثم اعتدل ناظرا اليه هاتفا بضيق: مش فاهم انا، اختك دى عاوزه ايه بالظبط؟

نظر اليه عاصم لحظات ثم شرد قليلا مغمغما بتسائل اكثر دقه: السؤال الانسب هو انت عاوز ايه؟
تنهد اكرم بحيره و هو يفكر قليلا ثم هتف بقله حيله: عاوزها.
ربت عاصم على كتفه هاتفا بحزم متذكرا ما قيل له صباحا: لازم تاخد خطوه يا اكرم، و النتيجه يا رفض يا قبول و كفايه مماطله..

تعجب اكرم نبره الغضب التى شملت كلماته و نظر اليه قليلا قائلا بانزعاج: انا مش بماطل يا عاصم، انا مش هقبل اتجوز واحده قلبها مع حد تانى، مش هسمح انها كل اما تشوفه تخونى بقلبها، انا لو ارتبطت بمها مش هتخلى عنها مهما حصل بس كمان لازم اتأكد انها مش هتتخلى عنى..
تطلع عاصم لنظرات القلق و الالم التى شملت ملامحه ثم منحه الثقه: مها بتحبك يا اكرم..

عقد اكرم ما بين حاجبيه و هو يحاول استيعاب ما يقوله عاصم ليهتف مسرعا بلهفه: هى قالت لك كده؟!

ابتسم عاصم مشيرا بنفى ثم اردف بنبره واثقه تماما فمن ذا الذى يفهم مها خيرا منه: مها بتحبك حتى لما كانت مخطوبه، مها اتعلقت بمحمود تعلق وهمى لكن مكنش حب، و الدليل على كده انها لما اتوجعت من بعده اتوجعت لاحساسها انه جرح كرامتها، ان قرر عنها بدون رأيها و اللى وجعها اكتر انها فهمت انها محبتوش هى حبت اهتمامه و حبه ليها اللى كان بيعوض عندها احساسها بالنقص و انها مش مرغوبه، مها لو كانت حبت محمود مكنتش هتتحمل فكره بعده عنها و تانى يوم تكمل حياتها عادى لان مها على قد قوتها على قد ما هى حساسه جدا...

اخذ نفسا مردفا بقوه: كفايه تتعب قلبك و عقلك في تفكير ملوش لازمه و بلاش تغلط غلطتى علشان هتندم، وخد بالك البنات بتحب الراجل الصريح، و مش قصدى بالصراحه انك تقول، لأ، بالعكس، قصدى انك تعمل و تثبت حبك حتى لو مقولتش طول حياتك كلمه بحبك..
صمت اكرم قليلا يزن كلمات عاصم و قبل ان يجيبه وجد جنه تتقدم منهم بابتسامه واسعه و ربما يلاحظ الاثنان للمره الاولى اشراقتها فصدق من قال.

المرأه ورده كلما اعتنى بها زوجها و روى قلبها عشقا كلما ازهرت و تلألأت كأجمل الازهار في بستان حياتهما
ابتسم اكرم بسعاده لمرآها بهذه السعاده الباديه بوضوح لا على وجهها و ابتسامتها فقط و لكن في عينيها ايضا، نهض مرحبا بها محتضنا اياها ثم قرب وجهها اليه مقبلا جبهتها بعمق هامسا بصدق عاطفته تجاهها: ربنا يديم الضحكه في عنيكِ..

ابتسمت بسعاده لتُمسك بيده ثم جلست بجوار عاصم و هو بجوارها لتنظر لكلاهما و تشعر ان عالمها بهم يكتمل...
نظرت لعاصم فطالما كان شعورها به يتأرجح ما بين شعور بخوف مرضى بدايه بخوفها منه ثم خوفها عليه و خوفها - الذى لم يفهمه احد - من خسارته و فقدانه و رغم رغبته بحبها فهو دعم شعورها هذا و نماه بداخلها..

و بين شعورها بنفسها طفله يتوجب عليها ان تكون في ظل ابيها لتحتمى به من بطش الدنيا و التى لم تتعلم مجابهتها طوال حياتها..
و لكنها الان تجرب شعورها بنفسها و كيانها المستقل معه، شعورها بأنوثتها و دلالها، شعورها بقلبها الذى دُفن قهرا خلف ضباب و غيوم الماضى ليأتى هو بسطوته و سيطرته المعتاده ليزيحها متحملا مطرها حتى اشرقت بنهار مشمس انار قلبيهما معا..

ابتسمت برضا و هى تردد الحمد لله بداخلها، منعها الطفوله ليمنحها شبابا مزهرا، اعطاها الالم ليمنحها لذه الشعور بالسعاده، و ربما واجهت الفشل و لكنها ستسعى الان لتتذوق طعم النجاح، ليس نجاح قلبها فقط و لكن عقلها، كيانها وشخصها كإمرأه..
افاقت على همسه المشاغب لها و الذى رافقه ضحكه ماكره من اكرم حيث انتبه كلاهما على تفحصها الحالم به بالاضافه لابتسامتها العاشقه: واضح ان زياره اكرم مش في وقتها خالص..

احمر وجهها خجلا لتخفضه عنه و هى تكاد تضرب نفسها على شرودها و ازداد شعورها بالخجل حتى اخفت وجهها بكفيها عندما وافقه اكرم بخبث: طول عمرى بختار الوقت الغلط..!

صمتت قليلا تتحاشى النظر اليهما و لكن هاجمها شعور غريب برغبه عارمه تجتاحها الان فنهضت وافقه لتقول بطلب صريح و لهفتها تظهر واضحه في نبره صوتها: عاوزه اخرج، عاوزه امشى في كل شارع اسيب فيه ضحكه من قلبى، عاوزه ازور داده زهره و اقولها انى فرحانه، عاوزه اجرى و اصرخ و اقول انا بضحك و سعيده و الاهم مش خايفه، عاوزه ارجع جنه الصغيره اللى دائما كان بابا يدلعها، عاوزه اضحك بجد، معاكم.

ابتسم اكرم بحنان اغرقها بنظراته التى امتلئت بذنبه بتقصيره في حقها و فرحته لاجلها بينما شملها عاصم بنظرته الدافئه العاشقه التى رأت من خلالها موافقته على اقتراحها و الذى اكدها قائلا: هنأجل زياره داده زهره ليوم مخصوص..

ثم نهض واقفا مقبلا رأسها بفخر ملئ عينه لها و قام بثنى ذراعه امامها لتتأبطه ضاحكه لينهض اكرم على الجانب الاخر و اثنى ذراعه هو الاخر لتتأبط ذراعه ايضا و ضحكتها تتسع بمشاكسه طفوليه، و بمجرد ان تحركت خطوه توقفت و ابتسامتها تتلاشى تدريجيا فتبادل اكرم و عاصم النظرات المتعجبه و نظرا اليها مجددا بينما هى احتل عقلها مشكله سلمى التى ابقتها في غرفتها طول اليوم بعد حديثهما الاخير و كم سيكون تقصيرا منها ان سعدت هى تاركه اياها في بحر احزانها، بالاضافه لمها التى عادت من عملها لتستقر بغرفتها هى الاخرى و لم تراها ابدا بعدها، و ايضا لشذى فان كانت تستحق هى التدلل فالصغيره اولى به..

رفعت نظرها لهما لتتسع ابتسامتها مجددا لتهتف باقرار: و البنات كمان هيجوا معانا..
ابتسم اكرم بينما رمقها عاصم بخبث متسائلا يشاغب و قد اشتاق حد الجنون جنونه: خفتِ نستفرد بيكِ.؟!
و حمره دلال لونت وجنتها مع ردها بسخريه و اكرم يلكزه بخفه مانعا اياه من اخجالها فضحك و ترك يدها مقبلا اياها ثم غمزها بشقاوه قائلا: 3 دقائق و تكونوا قدامى انتم الاربعه..

رفعت احدى حاجبيها لتهتف باستنكار: 3 دقائق في عُرف النساء 3 ساعات يا سياده النقيب..
و انطلقت راكضه للاعلى لتجمع الفتيات و التى تدرك جيدا انها ليست بمهمه يسيره و خاصه مع سلمى، صعدت اولا لغرفه شذى و اخبرتها لتنطلق مسرعه ترتدى ثيابها، اتجهت بعدها لغرفه مها لتقول بحماس: خروجه و مش عاوزه اعتراض و يالا لانهم مستنين تحت..

و همت بالخروج عندما نهضت مها مسرعه و امسكت يدها لتشير بتعجب خروجه ايه؟ و مين اللى مستني؟
ضربت جنه جبينها بدهشه مصطنعه: لسه هتسألى؟
ثم اجابتها على عجاله: هنتفسح سوا، و اكرم و عاصم مستنين تحت.

انتفض جسد مها انتفاضه خفيفه لذكر اسمه فهو لم يغب عن عقلها او قلبها ثانيه واحده منذ حوارها الصباحى مع سلمى، لا تعرف كيف تنظر في وجهه الان، و ان كان ما قالته سلمى صحيحا فذلك يجعلها تتورط اكثر فاشارت بارتباك مش لازم انا يا جنه
نظرت اليها جنه باستنكار هاتفه بغيظ: ليه ها ليه؟ حلو البيت..! وحشتك الاوضه؟! يالا يا مها بقى عاوزين نسهر سوا، علشان خاطرى.

ابتسمت مها و اشارت بيدها و ان كانت لم تكن بحاجه لتحايل فهى و قلبها يرغبون بهذه السهره خلاص خلاص هاجى و امرى لله
ضحكت جنه بعدما قبلتها بقفزه سعاده و هى تصرخ: ايوا بقى..

و خرجت ركضا لغرفه سلمى ثم توقفت امامها قليلا لتأخذ انفاسها و ابتسامتها الكبيره تختفى تدريجيا ثم طرقت الباب و دلفت لتجدها نائمه على الفراش تحتضن نفسها و دموعها تنساب بصمت، فاقتربت منها و جلست بجوارها لتربت على رأسها بحنان: لو العايط هيفيد كنت هعيط معاكِ و اخلى كل اللى في البيت يعيط معانا، بس مش هيفيد بحاجه، انتِ قويه و مازلتِ قويه يا سلمى، و مينفعش عنوان التمرد تبقى بالضعف ده..

وضعت يدها على كتفيها ترفعها عن الفراش حتى جلست فلملمت جنه خصلاتها المشعثه قليلا بفعل نومها و مسحت بقايا دموعها العالقه: الطير الحر مبيقبلش السجن، مبيعرفش يعيش في قفص حتى لو اتكسر جناحه، و انتِ طير حر، قومى يا سلمى و سلمى امرك لله و هتلاقى الحل من عنده..

ثم نظرت بعاطفه لبطنها تمسد موضع الجنين ببطء و ابتسامه حانيه تداعب شفتيها تردف تلامس عرق الامومه لديها: و بعدين فرحه الطفل لازم نحتفل بيها حتى لو انتِ زعلانه، هو او هى ذنبه ايه حضرتك؟

رفعت سلمى عينها الحزينه اليها بابتسامه باهته و هى تضم نفسها كأنها تضم جنينها فاكملت جنه و هى تدرك انها تضغط على وتر حساس لدى سلمى فهى رغم صلابتها تحمل قلبا رقيقا: هتندمى على الحزن وقت الفرحه ده، و اتهيألى الندم بعيد شويه عن سلمى..

ابتسمت سلمى بضعف فوقفت جنه و اوقفتها معها هاتفه باصرار و حزم: انتِ محتاجه وقت و امجد محتاج زيه، بس مش معنى كده انك تدفنى نفسك جوه اوضتك، فا يلا علشان هنخرج، و تصفى ذهنك كده علشان تعرفى تفكرى بعقل..
تحدثت سلمى لاول مره منذ بدايه حديث جنه و هى تضغط عينها برفق فكثره بكائها اصابتها بصداع حاد: نخرج فين؟
دفعتها جنه للخارج و هى تصرخ بها: انتم ليه ناويين تجننونى؟ اتحركِ و انا هقولك في الطريق..

توقفت سلمى بتململ و هى تحاول التهرب: مليش مزاج يا جنه، اخرجوا انتم..
وقفت جنه امامها و وضعت يدها بخصرها لتهددها تهديد صريح: هتمشى قدامى و لا اقول لعاصم انك رفضتِ و هقوله الاسباب..!
رمقتها سلمى بحذر لتفاجأها نظره التهديد الصريحه بعينها و التى أكدتها جنه عندما اردفت: ايوا حصل، انا بهددك، ها هنخرج و لا ايه؟

و نظرت اليها بابتسامه ساذجه و عينها تجمع براءه الطفوله بعبث الشباب فابتسمت سلمى و اومأت برأسها متحركه بتكاسل باتجاه المرحاض فصرخت جنه من خلفها قائله: عاصم قال 3 دقائق..
فنظرت اليها سلمى باستنكار فضحكت جنه محركه كتفيها بشغب مردفه بطفوليه: بس انا خدت اذن ل 3 ساعات..

اتسعت ابتسامه سلمى و بدأت تستعد للخروج، هبطت الاربعه الدرج بعض حوالى ساعه و هن يضحكن و حاولت سلمى بقدر الامكان اخفاء ما يشتعل بصدرها و نجحت بجداره و من افضل من المتمرده على هذا و خاصه عندما تتمرد على نفسها و صدقت جنه عندما قالت الطير الحر لا يقبل السجن ..

و قبل ان يهبطا الدرج توقفت مها مكانها بصدمه و عينها تنظر للامام بذهول تام نظرت اليها سلمى و جنه بتعجب ثم وجها نظرهما لما تنظر اليه لتبتسم سلمى بسخريه بينما تتأملها جنه بخبث، فمحور نظرها كان اكرم، و حقا هى محقه..

اكرم منذ ان عرفته مها لم تراه سوى بحلته الرسميه البذله العمليه بالوانها الداكنه التى دائما ما تترواح ما بين الاسود، الرمادى، و الكحلى مع ربطه العنق المحكمه، مع القميصان التقليديه و التى لا يتعدى الوانها نفس الالوان السابقه بالاضافه للابيض و النيلى و السكرى، مع حذائه الكلاسيكى اللامع و نظيف باحترافيه لم يغفل عنها يوما، و لكن الان..

كان اكرم يرتدى حذاء رياضى باللون الابيض يحمل من الجانبين خطين باللون الازرق، بنطال من الجينز الازرق الداكن يعلوه تيشرت ابيض يرسم جسده بدقه مظهرا عنقه كاملا مع جزء من عضلات صدره و فوقه قميص مفتوح بنفس لون البنطال، حسنا لم تكن الملابس مميزه بقدر ما كان هو بها مميزا..

لا تعلم لماذا و لكن الان بدا لها شخص اخر، شخصا بعيدا كل البعد عن المهندس الاكرم المدير ليبدو لها شابا يحمل من الجاذبيه ما جعل قلبها ينتفض و نبضاته تخونها ليعلو دويها، اخفضت بصرها و وضعت يدها على صدرها ناشده انتظام انفاسها و لكنها لم تستطع..

اليوم ترى اكرم جديدا و لكن يبدو ان اليوم يوم كل جديد، اغلقت عينها لحظات حتى لا ترتكب ذنب النظر اليه من جديد و لكن قلبها يدفعها لتفعل، و لكنها توازنت قليلا و رفعت عينها لجنه لتتحدث وتنوى رفض تلك السهره وخاصه بعد ان ادركت ما تكنه، بعدما ادركت ما يعنى انفعال قلب محب، بعد ان ادركت ان ما تحمله تجاهه لم يسبقه اليه احد، فهى وقعت بكامل قواها عاشقه لها و انتهى الامر..

تفاجئت بجنه تعقد ذراعيها امام صدرها تتابعها بخبث ثم بهمس تحدثت و عينها تشملها بعبث: هو حلو و يتعاكس بس غض البصر يا بشمهندسه.
اقتربت سلمى من اذنها الاخرى لتدرف بنفس الهمس: يارب تكون الهانم فهمت، و عيب بقى لو لمحك هيبقى شكلك وحش..
نقلت بصرها بينهم و بحرج شديد اندفعت تصعد الدرج مجددا و لكن هتاف عاصم اوقفها: على فين يا مها؟ مش يالا بقى؟!

التفتت بتردد لتجد الجميع يحدق بها و لكن نظره اكرم كانت مختلفه شعرت بها تحمل شيئا من الاعجاب، الاشتياق و مغلفه بعتاب...
فاخفضت بصرها و هبطت الدرج مره اخرى باستسلام و لا تدرى ان كانت ستتحمل قربه و شعورها الغريب هذا..؟!

خرج الجميع و استقلوا سياره عاصم بعد عراك مع اكرم ليترك سيارته بعدما كان ينوى اصطحاب جنه معه ليتحدث معها على انفراد و لكن عاصم لم يسمح له، توجهوا لمطعم هادئ على ضفاف النيل حيث قال عاصم: نتعشى الاول و بعدين نكمل!

جلس الجميع حول الطاوله و انشغلت الفتيات بالحديث معا بينما اكرم و عاصم ينظر كلاهما للاخر بضيق فحديثهم هذا لا ينفذ و لم يسمحوا باشتراكهم ايضا، نظرت شذى اليهم ممازحه لتهتف بطفوليه: زهقتوا زيى صح؟
قالتها و هى تضع يدها اسفل ذقنها مرتكزه على الطاوله امامها بنظرات محبطه، نظر اليها كلاهما بينما لم تنتبه الفتيات، فوضع اكرم يده مثلها مقلدا اياها هاتفا باحباط هو الاخر: جدا..

لينظر عاصم لهم بغيظ و عوضا عن تقليدهم ضرب على الطاوله بحده لتنتبه الفتيات له فصاح بسخط: اظن الرغى بتاعتكم ده ينفع في البيت، و لا انتم مأجلينه لما نخرج، علشان نقعد احنا نتفرج عليكم!
تناقلوا النظرات بينهم ليبتسموا بخبث فنظر اكرم لهم بضيق فنهضت جنه واقفه لتقول بضحكه: لا ازاى بس، يالا نمشى من هنا..
تسائل اكرم: هنروح فين؟
نظرت لشذى و غمزتها لتجيب شذى بجذل و هى تضحك بسعاده: الملاهى..

اغلق عاصم عينه لحظات و ملامحه تهتف برفض شديد بينما تبادلت مها و سلمى النظرات فعاصم لم يوافق سابقا على اصطحابهم فهو ينفعل دائما من ازدحام تلك الاماكن و صخبها..
نظرت جنه اليهم لتشير مها بعينها على عاصم فنظرت جنه اليه لتجد الرفض الواضح على وجهه فابتسمت بخبث خفى و اتجهت لتجلس على المقعد بجواره هامسه بصوت يسمعه فقط: فاكر يوم ما خطفتنى للمزرعه و طلبت منى أسلمك نفسى بدون اعتراض..!

نظر لعينها التى لمعت بلهفتها و اومأ موافقا فتحولت نظراتها لبراءه طفوليه و لمعت بشغفها قائله بنبره حزينه راجيه: ممكن تسمحلى انت نبدل الادوار النهارده، انا مروحتش الملاهى بقالى سنين يا عاصم، تحديدا من يوم ما بابا توفى، بالله عليك انا نفسى اروح تانى، ارجوك.
امسك يدها ليفاجئ الجميع بتقبيل باطنها بحنان واضح و هو يصرح بحزم و نبره مسيطره: مراتى متترجاش حد، حتى انا، انتِ تأمرى بس.

ثم قبل يدها مره اخرى مع نظراتها الحانيه و التى شوبها بعض الخجل و بعدما لاحظت نظرات الجميع لها بالاضافه لبعض زبائن المكان و الذى جذبهم مظهره هذا، ابتسمت لتلمع عينها بفرحتها ليس من كلماته التى منحتها جزء من السعاده و الذى اشعرتها بأنها قويه به و له، و الاهم لاجل نفسها، بل لانه استجاب لها و هذا امر تصادفه نادرا فأمر ان يتنازل عاصم الحصرى عن قراره ليس بشئ هين و ان يفعل من اجلها، منحها سعاده مطلقه..

استند اكرم بعبث على كتفه ليهمس بسماجه: مش كفايه و لا ايه، احنا كده نرجعكم البيت اضمن!

وكزه عاصم بقوه ليكتم اكرم تأوهه راغما بضحكه عاليه جعلت مها تنتفض مع انتفاضه قلبها و هى ترى اشراقه ضحكته لا تدرى اهى حقا المره الاولى ام هى من كانت غافله عنها، و لكنها منذ متى كانت غافله، فهى تعرف عقده حاجبيه جيدا، تستطيع ابتلاع ملامحه الغاضبه و التى تُربك اطرافها، تتحمل صراخه و عنفه في العمل و الذى لا يعرف تهاون فيه بالاضافه لتقبلها لابتسامته الجانبيه و التى دائما ما يرمقها بها، لكن ان يضحك و بمثل هذه الطريقه التى تطرب قلبها..

انتبه لتفحصها به ليرمقها بنظره جانبيه لتختفى ضحكته تدريجيا ليعتدل بنظره ثاقبه شملتها لتخفض عينها ارتباكا لتتسع ابتسامته و كلمات عاصم تترسخ بداخله محق هو كفى مماطله.

نهضوا جميعا لينطلقوا للملاهى كما ترغب سمو الملكه فمن رأى الدلال و لم يتدلل ظالم ، و بكل مكان تخطوه جنه كانت ابتسامتها تنيره بفرحه عارمه لتطبع بصمات سعادتها، انطلقت الفتيات بمرح لتتسابق على الالعاب، بينما جلس اكرم و عاصم على مقعد جانبى امامهم..
حتى قطع عاصم الصمت و مازالت عينه تتابعهم في هذه اللعبه العاليه و التى ينبعث منها صرخات الجميع: عمتى السبب!

نظر اليه اكرم بعدما ابتعد بنظره عن الفتيات ليرمقه بتعجب ليتمتم بتساؤل: عمتك! سبب ايه؟!

اخذ عاصم نفسا عميقا ناظرا اليه و للاسف مجبر هو على اخفاء امر ماجد الالفى فأكرم سيتألم كثيرا لهذا و هو لن يسمح، بالاضافه لتأثير هذا الامر على امر علاقته بمها، فأخبره بالتفاصيل الاخرى مما دفع اكرم لتتسع عيناه بصدمه غير مستوعبا كم بشاعه تلك المرأه و انهى كلماته قائلا: و لولا ستر ربنا كنت هقتله و لو هى قدامى مكنش هيمنعنى عنها حد..

حدق به اكرم ليعبر عن دهشته بصراخ ذاهل: انت بتقول ايه؟ توصل لقتل و سرقه و نصب و لعب بأعراض الناس!، مش كفاياها اللى حصل زمان، الانسانه دى مخلوقه من ايه؟! دى مريضه نفسيا..!
غطى وجهه بيده قليلا ليستعيد نفسه ثم تسائل: عملت فيه ايه؟

اشاح عاصم بيده في لامبالاه و تمتم بقسوه و كأنه يتحدث عن امر هين لا يستدعى الاهتمام: رصاصه في رجله و على ما اعتقد بقت غير صالحه للاستخدام، وشه بقى غريب شويه، و جسمه تقريبا سلم نمر مهما كان الراجل كبير..
نظر اكرم لجرح يده المضمد و اشار اليه بذهول: دا سبب جرحك؟

نظر ليده متذكرا عقاب جنه اللذيذ له و يتخيل كيف ستتصرف ان عرفت الحقيقه بالتأكيد ستغضب فقسوته و لا مبالاته في ايذاء نفسه او الاخرين امر لن تتهاون فيه ابدا، و اومأ برأسه موافقا، دار اكرم برأسه حوله بخيبه امل مدركا ان غضب عاصم هو عدوه الوحيد و لكن تجمدت عينه خلفه عندما رأى جنه واقفه و عينها متسعه بدهشه و دموعها تنساب ببطء، فاستدار عاصم مسرعا لترمقه بنظره متخاذله ثم تحركت من خلفهم مسرعه..

زفر عاصم بقوه و نظر لاكرم بضيق فهم اكرم بالنهوض خلفها و لكن عاصم اوقفه مترقبا مكانها بعينه حتى وجدها تقف في مكان هادئ بعيد قليلا عن صخب المكان، فأشار للفتيات بالاقتراب و دون كلمه اشار لهم بالتحرك امامه حتى صعدوا للسياره غير مدركين ما حدث و ما سبب الضيق البادى على وجهه، و نظر لاكرم نظره ذات معنى فاومأ اكرم و وقف خارج السياره مستندا عليها بينما تتبادل الفتيات نظرات متسائله...

تحرك عاصم باتجاهها حتى وقف امامها ليرى بعينها نظرات لوم و لكن ما فجأه بشده نظرات الخوف التى كست عينها مره اخرى فاقترب ممسكا يدها لتنظر اليه قائلا برفق: جنه، انا مرضتش اقولك علشان مكنتش حابب اشوف دموعك.
رفعت عينها اليه لتنظر لوجهه بنظره غريبه و لاول مره يصعب عليه فهم ابريقها العسلى الذى غرق بدموعها و تمتمت بحزن ذاهل: انت اذيت الراجل يا عاصم!؟

رمقها بتعجب مستنكر ليهتف بسخريه غلبته: و المفروض كنت اعمل ايه اسقف له و لا اهنيه على خططه الممتازه! دا واحد قاتل.
لتحرك رأسها بمعنى لا فائده و تغمغم بخيبه امل: هتفضل مندفع، هو قاتل، مجرم، يستاهل الحرق بس انت مش هو يا عاصم، امتى هتفهم ان غضبك هيأذيك؟

حاول بقدر امكانه التماسك و لكن اعصابه لم تسعفه في هذا فهو يتفهم خوفها جيدا و لكنه لم يعتاد ان ينتقده احد او يملى عليه ما يفعل و ماذا لا، و تجنبا لجدال قد يؤدى لعواقب وخيمه، أشار لها على الطريق امامه ثم امسك مرفقها و هم بالتحرك بها هاتفا و هو يضغط اسنانه بقوه: يلا على البيت..

نظرت لوجهه ثم جذبت يدها منه بعنف لتتحرك امامه تاركه اياه خلفها يحاول تجاوز غضبه، ، اغتصبت ابتسامه لتسير بها حتى لا تدفع الفتيات لسؤالها و لكنها بمجرد ان اقتربت من السياره وجدت اكرم و شذى في وضع اشبه بوضع المهرجين بضحكاتهم العاليه و التى تراقبها عين مها و سلمى بضحكات مستمتعه و هى يتسابق معها في اكل غزل البنات، فشقت ابتسامه حقيقيه شفتيها مترقبه نهايه السباق..

حتى رفع اكرم يده مستسلما قائلا بهتاف ساخر: انا اكل غزل بنات ليه؟ ها ليه؟ دا عقاب، بتحبوه ليه مش عارف؟!
ضحكت الفتيات بينما اقتربت جنه و وضعت يدها على كتفه مبتسمه و هى تهمس بسخريه: مش قادر تاكل غزل بنات..؟! يا خساره.

نظر اليها بغيظ هاتفا بتهرب: مبحبش اكل سكريات انا، ثم اضاف بكلمات تدل على نفوره منه حقا: انا اشرب قهوه، اكل حاجه سبايسى، اشيل حديد و اطلع عماره 30 دور على السلالم، و لا انى اكل غزل البنات دا تانى.
رمق مها بنظره جانبيه لم تغفل عنها عينها و تعجبها قلبها الذى اتنتفض فور ان اكمل و هتف بحنق مقصود: هو اصلا البنات و غزلهم متعب.

ضحك جميعهم حتى تقدم عاصم ليركب السياره بملامحه العابسه يرمقها بنظره غاضبه و كأنها هى من اخطأت، صعدوا للسياره و اتجهوا للمنزل لتتجه الفتيات للاعلى قبل ان يميل اكرم على عاصم قائلا قبل ان يرحل: قول للحاج و الحاجه انى جاى اطلب عروستى بكره..
ابتسم عاصم غامزا متجاوزا ما سيحدث من جنته و التى ستصبح جحيمه بعد قليل: اخيرا.!

ليشيح اكرم بلا مبالاه مصطنعه كأن الامر لا يعنيه: اقتنعت انا، كفايه مماطله، ، ثم هتف بغيظ: علشان انا لو فضلت كده هتجوز و انا عندى 60 سنه و الصحه مطلوبه دا زواج مش رقص على السلم، ، ثم اضاف بغمزه مشاكسه: بس اهم حاجه السريه يا سياده النقيب، مش عايز عروستى تعرف، ، تنهد بعدها بعمق ليبتسم بخبث مغمغما: بتعجبنى المفاجأت..

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة