قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية حلم السندريلا للكاتبة عليا حمدي الفصل التاسع والعشرون

رواية حلم السندريلا للكاتبة عليا حمدي الفصل التاسع والعشرون

رواية حلم السندريلا للكاتبة عليا حمدي الفصل التاسع والعشرون

ليس بإمكانى ان اجعلك تفهم، ليس بإمكانى جعل اى شخص يفهم ما بداخلى، ليس بإمكانى حتى تفسير الامر لنفسى.
فرانز كافكا
هتفضلى كده لحد امتى، و هتفضلى هنا لحد امتى؟
اشاحت بوجهها بعيدا عنه و هى لا تعرف الاجابه ثم تمتمت بهدوء تنهى الحوار: انا مش هرجع هناك تانى يا اكرم و دا اخر كلام عندى و علشان خاطرى بلاش كلام في الموضوع ده.

ترك يدها التى احتضنها لربما تخبره عن مكنونات صدرها برحابه هاتفا بحده نسبيه و هو يرى في موقفها دلال او ربما لا يرى ما تراه هى: انا تعبت بجد من الكلام معاكِ، تعبت احاول افهم فيكِ...
اطبق على كتفيها يصرخ بغضب بات صديقه منذ ان جاءت تلك الحمقاء لمنزله: يا جنه افهمي عاصم محتاجك جنبه، جوزك محتاجك، كل المشاكل و الضغوط اللى عليه محتاج ليكِ تسانديه فيها، افهمي انتِ كده بتخسريه..

دفعت يده عنها فالجميع يراها حمقاء لا تستوعب ما يُقال لها مره و اثنان و ثلاث و لكن لا احد يستمع لها، لخوفها، لاضطراب مشاعرها و الذى بحق خارج عن ارادتها، الكل يرى ما يحق لعاصم و لكن لا احد يرى ما بحقها، ماذا تريد و لماذا، لن يفهم احد مهما قالت و مهما فعلت و لن يُقدر احد ما عايشته مادام لم يختبره و بغضب من نفسها و منه صاحت: هو اصلا مفكرش يجي يرجعنى البيت، من يوم ما جه من الصعيد مفكرش يسأل عليا.

اقترب منها بعدم تصديق يصيح بها هو الاخر و هو يرى في حديثها تهربا من اصل ما تخفيه و لم يكن امامه سوى مجاراتها: هو انتِ هنا علشان غضبانه منه و مستنياه يصالحك، جوزك فيه اللي مكفيه، جده و المصيبه اللي فيها، الفضيحه اللي حصلت لاخته و جوازها، ضغط شغله و الشركه عليه، غير اثر موت فارس اللى لا اتمحى و لا هيتمحى، انت ايه يا بنتى؟ مش معقول توصل بيكِ الانانيه لكده!

نظرت اليه بتشتت و الدموع تهرب من عينها تعبر عن بعض ما يضغط روحها و الذى لا يراه احد: اللي وصل بيا لكده مش انانيه، دا خوف يا اكرم، خوف، بس انت عمرك ما هتفهم خوفي،.

و بتذكر لاحساس فتاه العشر اعوام التى فقدت والدها امام انظارها بل و اتُهمت بالتسبب بمقتله، بالاضافه لاصابه كل من يحبها بأضرار لها يد بها او لا لينتهى بموت فارس و الذى اكد لها ان الحب مقترن دائما بالفقد، اصابتها هتسيريا و هى تصرخ بضعف جسد نفسه على ملامحها: انا مفهمتش معني الموت غير لما حبيت، عرفت معنى الموت لما خسرت بابا، السند الوحيد في حياتى يا اكرم، و ملقتوش تانى غير و انا جنب عاصم و خايفه اخسره، خايفه و بأذيه بخوفى، خايفه فببعد و ارجع اقرب و بتعبه و بتعب نفسى معاه، انا برحمه منى لانى ضعيفه و بأذيه، انا بأذيه يا اكرم.

نظر اليها و هم بالاعتراض، محاوله شرح و محاوله اخرى لجعلها تفهم، و لكن ماذا يقول، ما ترسخ بعقلها و قلبها من افكار و مشاعر لا قدره له على تغيرها مهما فعل، و لهذا لم يتفوه بكلمه واحده اخرى في هذا الجدال و انهى حديثه بنظره شفقه تبعها بجمله قصيره كانت تدرك انها بالفعل ستحدث، جمله هى تعيشها الان لو يعرف و ربما لها اتباع اخرى ستتجرعها كامله مستقبلا: هتندمى يا جنه و وقتها مش هيفيد الندم بحاجه...

و سمعت صوت دفعه للباب خلفه تاركا اياها بالمنزل بمفردها، انحنت ارضا تبكى من الان دموع الندم،
روحها جاثيه و قلبها يأن و لكنها كُسرت سابقا و لا طاقه لها لترميم،
الكل يسعى لاصلاح خارجها و لا احد يرى داخلها و كم ما بها من شروخ،
يقولون الزمن دواء لكل داء و لكن داءها مزمن و لا يزيده الزمان الا سوءا،.

و اه لو يدرون ان سخونه قطرات دم والدها ما زالت على وجهها، حشرجه انفاسه و تقطعها ما زالت بصدرها، و نظراته المتألمه ما زالت بعينها و لا تستطيع التخلص منها، لا تستطيع الحياه بكم ما بها من خوف.
هى تدرك ان ابن الحصرى بها او بدونها قوى، و تدرك انها تضعفه و لكنها ايضا تدرك انه ان قرر حذفها من حياته كأنها لم تكن سيفعل بل و ببساطه و ستجعله يفعل هذا ببعدها ربما، بعنفها، او بكسر قلبه و قلبها...

و بعد عده ايام من التحقيق و لا بأس ببعض الاهانه و التعذيب استطاع عاصم اخيرا ان يعرف من المدبر الحقيقى للقتل بل و القاء التهمه لجده،.

اجل، كان مدركا لبراءه جده، فهو يعرف انه لا احد من كبار العائلات بقادر على ان يمس الاخر بسوء، ما بينهما كان تهديد غاضب فقط، و لكنه اراد ان يرى جده ما منى ان يعانى ظلما، ان يُشتت في محاوله لاثبات براءته، ان يرى الى اى مدى مؤلم هو ان يدفنك حيا اقرب الاقربين لقلبك، و قد كان بالفعل.

عطوه، مجرم سابق، له عده قضايا استطاع الافلات منها و اخرى لم يستطع، عدو لدود لعاصم منذ ان قُتل عمه الاكبر بسببه عثمان ذلك الرجل الذى فرغ عاصم به شحنه غضبه سابقا مجبرا اياه على الاعتراف عمن معه خلف مؤامره تفجير المترو، و الذى بسبب اعترافه تم تدبير عمليه لقتله بالداخل و قرر عطوه الاخذ بالثأر و قد فعل، روح بروح و دم بالدم و ان كان ظلما.

و كل هذا جانبا، الرأس الكبيره خلف ما يحدث اسم يجهله، اللواء عزت فتح الله ، احد اعمده مركز الامن، قوه خلفيه لهكذا مؤامره و لكن لاى غرض لا يدرى، ما علاقته بعاصم و لماذا يرغب بأذيته لا يدرى و لكن سرعان ما تذكر ذلك الاسم الذى اعطاه له عبد المنعم ، الظابط الذى حقق بقضيه مقتل خاله ماجد الالفى و الذى تكتم على الامر مدعيا عدم وجود ادله كافيه و غياب المشتكى و الشاكى و قد اردك عاصم الان انها بتدبير مسبق و لكن ما الرابط بين الماضى و الحاضر ليكن ذلك الشخص عامل مشترك بينهما؟

و هذا ما سيعرفه ان آجلا او عاجلا و لن يتوانى ابدا و سيصل...

جلس بشرفه المنزل ينظر للسماء فوقه بشرود لا يدرى كيف التصرف،
حياته معقده تماما، احب احداهن لتقتل قلبه بهدوء و دون درايه منها و تتزوج..
تزوج اخرى ليسعى بشتي الطرق لاعطاءها قوه هو بالكاد يمتلكها ليعجز عن كسب قلبها و منحها قلبه،
ليأتي الان و يُفرض عليه الزواج من ثالثه و الاسوء انها ارمله اخيه..
ماذا يفعل؟ وكيف يتحكم بذمام الامور؟
يشعر انه مشتت ربما ليست بالمره الاولى و لكنه هذه المره ضعيف، ضعيف جدا..

يد حياه على كتفه جعلته يرفع عينيه باضطراب اليها كما هو حاله منذ ذلك اليوم الذى شتت حياته بأكملها، امسك يدها و ما عاد يرى بها اخته الصغيره التى لابد ان يمنحها قوته بل بات يراها الكبيره التى يشكيها همه منتظرا ان تخرجه منه فجلست امامه مبتسمه تتسائل بحزن على ما وصل اليه من حال: بتفكر في ايه؟

تنهد بقوه و بشرود اجابها: في الوضع اللى فجأه لقيت نفسي فيه، حاسس اني زى طفل تايه خايف يقف مكانه محدش يساعده و خايف يمشي يتوه اكتر، حاسس ان الدنيا كلها بتقولى انت قوى بس نفسى و قلبى مصممين اني ضعيف...

شملته بنظره حنان يدرك جيدا انها اكتسبته منه كانها تدرك ان ما زرعه بداخلها حان وقته ليحصده تمتمت بصدق و هى تتذكر مدى ضعفها السابق و الذى لم يسمح لها هو بالبقاء فيه: بس انت فعلا قوى، قوى بقلبك و قوى جدا بحنيتك..
ضغطت يده مع ضغطها على اكثر الاوتار ايلاما له الان ربما تحاول مواساته و ربما تحاول شرح ما عليه الامور ان كان لا يراها اردفت تذكره: فاكر يا مازن لما شوفنا حنين وسط الاراضي انا قولتلك ايه؟

نظر اليها عاقدا حاجبيه يحاول الوصول لما تقصده و لكنه فشل فاكملت: قولتلك صعب اللى عاشته ربنا يجبر بخاطرها..
نظر اليها بترقب فاتسعت ابتسامتها تردف تخبره ما يجب عليه: انت جبر خاطرها يا مازن، ربنا اختارك علشان تساعدها، انت بس اللى هتقدر ترجع الحياه لحياتها تاني، انت اللى هتقدر تحييها تاني يا مازن و الا ربنا مكنش جمع طريقكم سوا..

عقد مازن حاجبيه بصدمه و ذهول تام و للعجب اصابه بعضا من الغضب و التوتر و لاحظت هي ذلك كله، فاردفت مجددا تصر على ما تشعر به: انا اكتر واحده فاهمه حنين حاسه بايه دلوقتي، انا عشت اللى هي عشته، بس رغم ذلك وجعي كان صفر بالنسبه لوجعها، حنين متدمره، موت فارس، صدمتها من اللى حصل، خذلانها من باباها، كل ده كسرها و في وسط كل ده ربنا قدر انك تكون جبر خاطرها، مش بحب او بصداقه بس بحنيه، بحنيتك انت، اللى مهما دورت عليها مش هتلاقيها غير عندك و خصوصا لانك اخ فارس و دى بالنسبه لها حاجه كبيره و زى ما قوتني هتقويها يا مازن..

ترك يدها و اخفي وجهه بين كفيه و هو يتعجب ان تكون هى تحديدا المفترض زوجته من تنصحه كيف و باى شكل شكل يجب عليه التعامل مع زوجته الاخرى : انتِ!
عقدت حاجبيها و لم تدرك مقصده متمتمه: انا ايه؟

رفع رأسه متعجبا جهلها لسبب سؤاله و هنا التقطت هى تعجبه فابتسمت هو يخشى حزنها ف بالنهايه هى زوجته و لا شئ اصعب على الزوجه من ان يتزوج زوجها باخرى: سيب الامور تمشى زى ما ربنا رايد، متفكرش كتير، و صدقنى في كل خطوه هتمشيها انا جنبك و اى قرار هتاخده انا معاك فيه، لانى واثقه تمام الثقه فيك و في رجولتك اللى عمرها ما هتخذلنى...

و انقلبت الايام و كما منحها حضنه وقتما احتاجت الان كان هو بين ذراعيها لانها تدرى مدى حاجته لهذا، و اه لو تعرف انها الان تذكره بفارس، بعقله، بقلبه و بكافه نصائحه له و تحديدا حضنه الذى دائما ما وجد فيه مازن الامان و رغم انه لا يعوض ها هى حياه تمنحه احساس يماثله،
ابتعدت عنه متسائله بعبث: ثم ان انت بتتهرب من الشغل و لا ايه، اتفضل يا باشا قوم شوف شغلك.

اومأ بضحكه خفيفه، و خرج من غرفته متجها للاسفل ليحضر ما تركه من اوراق بغرفه المكتب لتتابع هى ظهره المنصرف تهمس و بداخلها كامل اليقين: الشمس اكيد هتشرق يا مازن.
هبط للاسفل دلف للمكتب و اخذ الاوراق و هم بالصعود لشقته مجددا و لكنه وجد حنين تخرج من الغرفه، نظر اليها قليلا ثم اشاح بوجهه و هم بالصعود و لكنه توقف فور ان سمع همسها: بشمهندس مازن،.

اخذ نفسا عميقا و استدار لها مقتربا منها عده خطوات منتظرا ما ستقول، تلعثمت قليلا ثم حاولت بصعوبه اخراج صوتها و قررت اخباره بما تريد فعله: انا مش عايزه اقعد في الاوضه دى...
و اشارت على الغرفه التي كانت تقبع بها الايام الماضيه و التي لم تكن سوى غرفه مازن القديمه...
فنظر حيثما اشارت بيدها ثم عاد بنظره اليها متوقعا ما ستطلب: حابه تقعدى فين؟

ارتبكت عندما وصلها صوته و اشارت باتجاه غرفه فارس بصوت اشبه بالتوسل: اوضه ف..
و قبل ان تردف قاطعها بحسم: لأ
رفعت عينها اليه بدموع و حاولت اخراج صوتها و لكنها عجزت عندما اردف و لا نيه له للرجوع عن قراره: اوضتي موجوده و لو عاوزه اى اوضه في البيت براحتك، لو عاوزه تقعدى مع حياه فوق براحتك، غير كده لأ..

تساقطت دموعها ربما يتراجع، غرفه فارس تضمه، تحمل كل ذكرياته، ملابسه، رائحته و كل شئ بها كأنه مازال ها هنا و رفض الجميع التخلى عن هذا الامر، و الان لا قدره لاحد على تحمل البقاء بين ثنايا ماضى سيخنق الانفاس و يدمر ما بقى في القلوب سليم، فشدد قبضته غضبا من اندفاعه و اقترب منها خطوه و لكنه لم يستطع تقدم الاخرى، حنين ليست حياه، و ليس باستطاعته حتى ضمها لبثها الامان و الحنان بين ذراعيه، حتى التحدث معها لا يستطيع فعله.

نظر اليها بضيق يغلفه اسف ثم اعطاها ظهره و صعد لشقته بالاعلي تاركا اياها تبكي نفسها، قلبها و حتى روحها و بضعف شديد اتجهت لغرفته و دلفت اغلقت الباب ملقيه بجسدها على الفراش و ضمت ركبتيها لصدرها تردد و هى تشعر بنفسها وحيده: سبتني لوحدى ليه يا فارس، محتاجه لك جنبي قوى، محتاجه لك يا فارس...
صعد مازن للاعلي دلف و اغلق الباب بعنف فخرجت حياه له و هتفت بدهشه من معالم الغضب التى لونت ملامحه: خير يا مازن؟

اشاح بيده و صاح لتدرك ان غضبه من نفسه لا احد اخر: رفضت و خليتها تعيط..
عقدت حاجبيها تتسائل: رفضت ايه؟ و مين دى اللي عيطت؟، ثم اتسعت عينها بادراك: حنين!

اومأ بقوه و هو يجلس على الاريكه خلفه يوضح كانه يفرغ ما عجز عن توضيحه بالاسفل لتلك المكلوله: عايزه تقعد في اوضه فارس، ازاى اسمحلها تموت بدل المره الف مره، كل حاجه في اوضته هتقتلها، فارس مات و هى لازم تفهم دا، ماقدرتش اسمح لها تعمل في نفسها كده رفضت و زعقت فيها و سيبتها و طلعت..

ضرب على الاريكه بيده و صاح بعجز و هو لا يرى في نفسه مقدار واحد بالمائه من قوه: مش قادر حتى اقولها متزعليش، مش قادر اقولها متعيطيش، مش قادر اعمل حتى اللى عملته معاكِ، انا مش قادر اعمل حاجه، خالص، خالص
راها الف مره تبكى، و الف اخرى تشكى، رأى ضعفها، عجزها، صمتها و يأسها و لكنه لم يكن عاجزا،
منحها قوته، حنانه و ثقته بنفسه و بها حتى ما بات بمقدوره ان يفعل هذا مره اخرى،.

هو مشتت يحتاج الان لمن يمنحه قوه فكيف الحال و قد وقع تحت مسئوليه سند ضعيفه اخرى، من اين له بثبات، من اين له بطاقه، من اين له و لكن لابد ان يكون.

اقتربت منه جالسه امامه تحدق بعينه تجبره على الاستماع لها بل و الاقتناع بما تقول: الصبر يا مازن، حنين لسه في صدمه، متنساش انها مفاقتش من حاله اللاوعى اللى كانت فيها دخلنا في سنه اهه الا من كام اسبوع و فجأه بقت زوجه لحد تانى و مش اى حد دا اخوه و دا مش سهل عليها يا مازن، مش سهل و انت لازم تصبر..

نظر اليها يستنجد لتمنحه نظره اطمئنان سكنت روحه قليلا و هى تدعى التفكير هاتفه بحماس و اقرار: دلوقت تعال نفكر ازاى نعمل حاجه نفرحها بيها، حاجه تخليها تبتسم و لو شويه.
البر لا يبلى، و الاثم لا يُنسى، و الديان لا ينام، فكن كما شِئت فكما تدين تُدان.

هاجت و ماجت و جن جنونها عندما علمت ما صار مع شقيقتها و الذى حاول والدها اخفاؤه عليها و لكن بالاخير عرفت، و بجانب ما اصابها من غضب تألمت، تألمت لشعورها ان السند الذى كانت تعتقد انها ستلجأ اليه انحنى، و ان كان سند الوالد قد مال فسلاما على الدنيا جميعا.

عاد امجد من العمل، لم يجدها بانتظاره على غير العاده، دلف للغرفه ليجدها متربعه على الفراش، يهتزز جسدها للامام و الخلف بعصبيه رأها بها من قبل و لكنها لم تكن بكل هذا الكم من الوجع الذى رسم نفسه باحترافيه في دموعها الصامته المتساقطه على وجنتيها و التى تزيلها بعنف كلما شعرت بها، اقترب بقلق: مالك يا سلمى؟

رفعت عينها اليه، و ها هو ملجأها الثانى و لكنه يبدو انه بات الوحيد، عيناه بزرقه سماءها تعانقها لتطمئن فاقتربت منه محتضنه اياه بقوه و هنا خرجت شهقاتها ليزداد ضمه لها اكثر جاهلا سبب انتفاضتها تلك و لكنه تركها ففى بعض الاحيان الانهيار هو الحل الامثل للتخلص من الالم، تحدثت بتقطع بين بكائها: ليه بيحصل فيها كده، حنين ماتستهلش كل ده.

ابعدها عنه بصعوبه و حاوط وجهها بيده متسائلا و قد اخرجت قلقها ليصيبه: ايه اللى حصل بس فهمينى؟ حنين مالها!
اخذت تسرد له ما اخبرتها به والدتها و هى تبكي رغم ان كلماتها تقطر غضبا، حتى انتهت فصاحت بغضبها لا حزنها: ازاى بابا يعمل كده، ازاى ثقته فينا تنعدم بشكل ده،
ثم همست باكيه: ليه بيحصل في حنين كده!

احتضنها مجددا و هو يبحث عن كلمات لمواساتها: استهدى بالله يا سلمي، انا فاهم انتِ حاسه بايه بس باباكِ معذور بردو، ه...
دفعته عنها بحده قاسيه لتصرخ و هو تحدق بعينيه بقوه غضبها، وجعها و قلقها: معذور؟ يعني ايه معذور؟! دا مسمحش لها تتكلم و لا ادى لنفسه فرصه يسمعها، قال بنتى ماتت و لا همه اثر الكلمه عليها،.

نهضت بعيدا عنه و هى تشيح بيدها و كأنها وجدت الفرصه التى بها ستفرغ كل غضبها: تربيته لبنته و ثقته فيها لمده 23 سنه تختفي في لحظه كده، يبقى هو اول واحد يشك فيها، ببساطه كده يبقى اول واحد يرفع ايده عليها و يتهمها في شرفها، حنين اللي فضلت مش يوم و لا شهر دا سنه يا امجد في حاله لاوعي بسبب وفاه فارس، جوزها، هي حنين اللى الكل صدق انها تغلط و مع مين! مع اخو جوزها، و بعد ده كله تيجي انت تقولى معذور؟

حسمت موقفها تجاه والدها و الذى كسر لا ثقه حنين فقط و لكن ثقه سلمى ايضا التى تحطمت: لا يا امجد بابا ملوش اى عذر لا عندها و لا عندى حتى و بابا صورته متهزتش في عينها بس لأ دى اتدمرت في عينا انا كمان..
نهض و وضع يده على كتفيها ناظرا اليها بعمق يحاول الحد من تقدم مدى غضبها فهو يعرف متمردته وقتما تضع الحدود لا مجال لمحوها: باباكِ مش بيكرهكوا يا سلمي لكن الوضع اللى شاف اختك فيه، اجبره، يعنى معرفش يفكر..

دفعته عنها مجددا تمنعه تماما من الدفاع عنه: لا كان لازم يفكر يا امجد، كان لازم يثق في بنته و خصوصا حنين، لان حنين كانت في وضع الاعمى حتى هيشوفه و هيفهم انها لا يمكن تغلط غلطه زى دى، كان لازم على الاقل يسمع منهم يا امجد، كان لازم يفكر، و متحاولش تدافع عنهم قدامى.

جلست على طرف الفراش و حزنها يغلبها: انا عمرى ما هفكر الجأ لهم يا امجد، عمرى ما هقدر اتسند عليهم، من النهارده انت بس اللي هقدر اثق فيه، اوعى تخذلني يا امجد، بلاش تكسرني، عايزاك لباقى العمر تبقي ظهرى..
مسد ظهرها بهدوء و هو يشعر للمره الاولى بضعف سلمي و الذى يدرى ان ما تظهره تخفي مثله و اضعاف مضاعفه بداخلها.
فكلا منا بداخله نقطه ضعف، العائله، الاصدقاء، الزوج، الاولاد و ربما النفس ذاتها ضعيفه.

و القوى لا يظل دائما و ها هى المتمرده تتبعثر و يترك الاقرب اليها ندبه بقلبها لن تُمحى.

التردد ضعف مرده الى عدم الثقه بالنفس...
اقتباس
اغلقت مها عينها تستكين على مكتبها بعدما رحل محمود عنها اخيرا و بعد حوار طويل و نقاش اطول لاقناعها باتمام الزواج، لم تخبره بما حدث داخل عائلتها، لم تخبره بهشاشه و ضعف تفكير خالها، لم تخبره و لا يسأل احد عن السبب!
من المفترض ان تكون سعيده متحمسه و لكنها على النقيض تماما خائفه مشتته و كلما ذكر الزواج توترت، و هذا ما لم تفهم له سببا،.

تشعر برغبه عارمه في تأجيل الزواج و كذلك برغبه في تعجيله، تفيض نفسها بالخوف في نفس الوقت الذى يبثها فيه بالامان، الظروف الحاليه ستجعلها عذرا للتأجيل و لكن الا متى، ثم انها تحبه، تريده و على استعداد لتسليم كافه مشاعرها اليه اذا لما تتراجع، لماذا تتردد، حقا لا تعرف!

و لم يعد بمقدورها شرح نفسها، و لم يعد هناك من على استعداد لسماعها فكلٌ يبكى على ليلاه، أوليس هناك من ينصحها، ييوجهها، يفهمها او ربما فقط يجعلها تشعر بصحه او خطأ قرارها..؟
بشمهندسه!

رفعت رأسها مع شهقه انتفاضه لتجد اكرم امامها لتزدرد ريقها ببطء واضعه يدها على قلبها مما دفعه لابتسامه هادئه مع اعتذار صغير ثم وضع ما بيده من اوراق على المكتب امامها متحدثا بعمليه: دى ملف المشروع الجديد، ياريت تقرأيه و تبدأى شغل عليه.

انهى كلماته و هم بالمغادره فهو منذ ذلك اليوم بمكتبه بعدما امرها بالخروج و هو يتجنب كثير التحدث معها، نهضت واقفه و همت بالتقدم اليه لايقافه و كم كانت تتمني ان تجد صوتها الان لتستطيع النداء عليه تقدمت خطوه و على وشك ركض الاخرى من اجل ان تلحق به قبل خروجه و لكنها فوجئت به يقف و يستدير لها ليُفاجئ هو الاخر بانها على وشك التقدم اليه، نظره متعجبه من كلاهما للاخر باتت تربكها و تبعثره، ثم تمتم ببعض الاسى: عاصم اخباره ايه؟

توترت قليلا فهذا ما كانت ستسأل عنه او ربما لاجله و اشارت تجيبه ببعض الحزن بيحاول يبقى كويس , لحظه صمت انتظر فيها هو ما كانت ستقوله حتى فعلت و اشارت مجددا و هو يتابع حركه شفتيها قارئا اياها جنه مش هترجع البيت بقى!

تنهد اكرم بارهاق و نفي باشاره من رأسه، نظرت اليه و صمتت فهى تفهم عاصم جيدا و رصيد جنه بدأ ينفذ من قلبه او بمعنى ادق غضبه يزداد كل يوم عن الاخر و هو يتحمل ما لا يتحمله احد الان و مخاوف جنه بالنسبه اليه في الوضع الحالي ما هى الا تفاهات...

نظر اكرم إلى شرودها فيبدو ان مخاوفه تصيبها هي الاخرى و من افضل منها يعرف عاصم و هو متيقن ان صبره سينفذ لا محاله تنهد مطولا ثم اضاف بجديه: الوقت اتأخر تقدرى تتفضلي و اى شغل ممكن تكمليه بكره..
اومأت برأسها موافقه فخرج تاركا اياها تتوه في بحر افكارها الذي لا تعرف له بدايه و لا تدرى اين نهايته؟

اللوم و العتاب هو اقسى ما قد يواجه اصحاب الثقه، اما الندم فكلمه من ثلاث احرف تحمل معانى اكثر من احرفها بكثير و لكن يكفى انها شعور من بات فيه مات به.

و هى تعرف انها ستواجه الثلاثه، نادمه اشد الندم انها لم تسمع احد او ربما انها لم تفهم، نادمه انها كانت بعيده كل البعد عن قلبه و مع ذلك وثقت به، تعرف انها ستُعاتب على ما ندمت لاجله، سيعاتبها كل من حذرها قبلا، و اللوم سيكون رفيق لا مهرب لها منه، فهى من اختارت و لن يتأذى احد غيرها.
دلفت لمنزل والدها مع شقيقها فاستقبلها والداها بسعاده فهى نادرا ما كانت تذهب لزيارتهم و عاده ما يكون معتز معها.

اجلستها والدتها و انهالت عليها بالاسئله عن صحتها، حياتها الزوجيه، سعادتها، و زوجها و توالى الاهتمام و المزاح و تقبلته هى بصدر رحب بما ضاق به حتى صاحت ضاحكه: خلاص يا ماما و الله العظيم انا كويسه.
و قبل اى حديث اخر اجتمعوا على طاوله الطعام، حديث قصير عن عمل والدها و شقيقها، ارهاق والدتها معهم بدونها حتى عم الصمت لحظات عبث بها افكارها مجددا حتى تسائلت و هى تتدعى عدم الجديه: بابا ممكن اسألك سؤال؟

اومأ والدها يشملها بنظراته فأردفت و مازالت ابتسامتها تلون وجهها: ليه وافقت على جوازى من معتز؟
عقد محمود حاجبيه متعجبا سؤالها و الذى انبأه ان هناك خطب ما بها، بينما ابتسم والدها و اجابها ببساطه مكملا تناوله لطعامه: لانه عريس مايترفضش..
ضحكت بسخريه لم يلاحظها سوى محمود و الذى اكدت شكه و هو يتفحصها بعينيه جيدا: و ليه مايترفضش؟

فعاد والدها يجيبها و هو يحدق بها مبتسما يعدد مزايا و صفات صهره العزيز: طول بعرض، من عيله محترمه، بيشتغل و وظيفته ممتازه، مستواه الاجتماعى و المادى اكثر من ممتاز و هيقدر يعيشك احسن منى، و الاهم بقي انك كنتِ عاوزاه و انتِ اللى اصريتِ على تعجيل الجواز، ثم اضاف بمكر: كان واضح انك بتحبيه..

فضحكت بملأ صوتها بقوه احساسها فعقد الثلاثه حاجبيهم استغرابا حتى تمالكت نفسها و نظرت لمحمود و هتفت كأنها لا تعرف الاجابه: انا بحبه يا محمود، صح؟
تابعها محمود بعينه فعادت تسأله: انا كنت بحكيلك كل حاجه، فا قولى انا بحبه، صح؟
قرر مجاراتها ليصل بها لما تريد، اجابها بصدق: اه و بتحبيه جدا كمان..

ابتسمت ببرود وضح جليا على وجهها، تسائلت مجددا و كأنها تريد ان تعرف اين خطأها: طيب انت عارف انه مكنش بيحبني، فهل بعد جوازنا لاحظت اختلاف!
عقد والدها حاجبيه غضبا و تعجبا لم يكن يحبها اذا لماذا تقدم لخطبتها؟ بينما ابتسم محمود و اومأ برأسه متأكدا تمام التأكد من حديثه: اختلاف كبير قوى، معتز حبك جدا يا هبه و اتغير بجد علشانك، انا عمرى ما توقعت ان معتز يتغير كده علشان حد، كان عندك حق لما وثقتِ فيه...

ضحكت مجددا بصخب و لكن تلك المره امتلئت عينها بالدموع فتعجب الجميع منها فلم يكن واضحا ان كانت تبكي ام تضحك حتى صاحت بتسائل متألم و عينها تحدق بشقيقها تطلب منه اجابه تريح قلبها، اجابه مضمونها ان ما تعيشه الان مجرد كابوس على وشك الاستيقاظ منه: طيب ليه عمل كده، لييه؟
نظر اليها والدها بغضب و كذلك محمود بينما انقبض قلب والدتها تضمها بخوف: ايه اللى حصل يا بنتي!

توقفت هبه عن الضحك او البكاء على حد سواء لا فارق هاتفه بدهشه مصطنعه تسخر من نفسها قبل الجميع: ايه ده هو انا نسيت اقول لكم!
نهض محمود واقفا امامها موقفا اياها امامه يحكم قبضته على ذراعيها: فيه ايه يا هبه؟
نظرت لعينه و سرعان ما فاضت الدموع من عينها لتشهد امواجها الزرقاء على تمزق قلبها و نطقت بتلك الكلمه التى كان من شأنها تمزيق البقيه الباقيه من روحها: معتز اتجوز، ابقي باركله يا محمود...

اتسعت عينه بصدمه فترك يديها و عاد خطوتين للخلف ينظر لها و هى تسقط على الاريكه مجددا كأنه من كان يسندها لتنخرط في بكاء عنيف بينما شهقت والدتها و اتجهت اليها محتضنه اياها تواسيها و اه لو تعرف ان لا شئ الان من شأنه احياء ما مات بداخلها.
فيما نظر اليها والدها بغضب الدنيا و لو رأى معتز امامه الان لقتله حتما، صاح محمود بعصبيه مفرطه بعدما افاق من صدمته: و رب الكعبه ما هرحمه..

تحرك بغضبه المتقد باتجاه الباب ليفاجئ بهبه تقف امامه معترضه طريقه هاتفه بحسم و قد اختفت من عينها دموعها و كأنها لم تكن: انا اللى اخترت طريقى يا محمود و انا اللي هنهيه..
ابتعدت عنه و صرخت بكل الم حمله صدرها و قبل ان يعاتبها هو عاتبت هى نفسها: انت حذرتنى منه، قولتلي هيأذيكِ، قولتلى مبيفكرش غير في نفسه...

ضربت صدرها بعنف و هى تكاد تشعر بالضربه على قلبها الاحمق: و انا، انا كنت غبيه و معميه بحبه، مفكرتش غير في قلبي، لاول مره في حياتي اغلط و اعمل كده، و دلوقتى انا اللى اتكسرت بقرارى يا محمود، انا..
رفعت يدها و اخذت تزيل دموعها بعنف ثم هتفت بقوتها المتعاده التي كذبتها دموعها الان مهما حاولت جاهده: بس انا متعودتش اسمح لحد يكسرنى يا محمود، و لا هسمح..

اخذت نفس عميق و هتفت باقرار و قد اتخذت قرارها بالفعل: انا هرجع بيتى و هعيش فيه، معاه و مع مراته التانيه و جوزى هيرجع ليا تاني، لان انا متعودتش اخسر..
هتف محمود بغضب منها و عليها: كمان جايب لك مراته في شقتك؟

اتجه اليها والدها صارخا فيها ممسكا اياها من ذراعها دافعا اياها على الاريكه امامه: انتِ هتفضلي هنا يا هبه هانم، انا مش هسمح لابن انه يغلط فيكِ، يأذيكِ او يقلل منك، اقعدى متخلنيش اروح اقتله دلوقت و محدش هيلومنى.

نهضت وافقه بثباتها المعتاد تربت على كتفه تحاول تهدأته تخبره عن سبب ما اتخذت من قرار: متقلقش عليا يا بابا، انا اه حبيته بس عمرى ما هسمح له يهين كرامتى و اللى هيخليني جنبه مش حبى ليه لكن كرامتى...
هتف محمود بحده يقاطعها: فين كرامتك دى اللى بتتكلمى عنها؟ فين كبريائك اللى ياما دافعتِ عنه، هتتنازلى بسهوله كده و تفضلي على ذمته رغم انه اتجوز عليكِ و معملش اى اعتبار ليكِ و لحبك و لكل اللى عملتيه علشانه..!

صرخت تشعر بكلماته تخترق قلبها و تحرقه حرقا و لم يعد بها قوه حقا: و هى فين كرامتى لما تيجي واحده تسرق جوزى و بيتى و سعادتى و انا بكل بساطه اسيبلها الجمل بما حمل، فين كرامتى لما يتجوز عليا و يقولى بفعل مش بس كلام انتِ متسويش حاجه عندى و انا اقوله معاك حق انا فعلا و لا حاجه، فين كرامتى لما اتنازل عن كل احلامى بسهوله كده علشان تعيشها واحده تانيه غيرى، ها فين كرامتى كده يا محمود قولى؟

اخذت نفس عميق و صرحت عن صدق احساسها بمعتز الان فما بات يعنيها حب او قلب و لكن كل ما يعنيها ضمير سيعاقبها ان لم تلتزم بوعودها و هى بالفعل قطعت الكثير: فاكر قبل جوازى قولتلى ايه يا محمود، قولتلى ان معتز هيحتاجني، معتز مريض نفسى يا محمود..

اتجهت للاريكه حملت حقيبتها و اتجهت اليه مجددا بابتسامه تزين ثغرها: الدكتور لما بيتابع حاله مريض بيحاول بكل الطرق يعالجه، ممكن ييأس، يمل، يزهق بس عمره ما بيسيب مريضه و لما المريض بينتكس فجأه الدكتور بيحزن جدا بس عمره ما بيتخلى عنه و انا عمرى ما هتخلى عنه يا محمود الا لما..
صمتت لينظر اليها محمود و والديها بترقب و مع صمتها هتف والدها بصرامه: لما ايه يا هبه؟

اغلقت عينها ثوانى و اكملت بثقه او ربما شفقه: الا لما يبقى كويس يا بابا و وقتها دور الدكتور،
قاطعها محمود و قد ادرك ما بنفسها و ما هى على وشك فعله للاسف لقلبها قبل زوجها: هينتهي..
نظرت اليه هبه و ابتسمت بانكسار ثم اغمضت عينها للحظات لتعاود فتحها و لكن بقوه جديده باصرار وتحدى، بقوه قلب بقدر ما احب جُرح...
و لم يستطع احد منعها او ربما لم يريد احد ذلك من الاساس.

اتجه مازن لغرفه حياه طرقها بسعاده ففتحت له لتلاحظ ابتسامته فبادلته اياها بابتسامه اكبر فهتف بسعاده و هو يجذبها من يدها للخارج: لقيتها..
ضحكت وصاحت و هى تحاول تهدئته لتفهم منه: هى ايه دى؟
ابتسم و هتف كمن وجد كنزا و ربما هو له كذلك فهى امانه شقيقه و واجبه يحتم عليه اسعادها: الحاجه اللى هتفرح الدكتوره..

راقبت ضحكته و فرحته الجنونيه التى ربما تراها للمره الاولى بهذا الشكل و سرعان ما اتسعت ابتسامتها لتسأله و هى تعقد حاجبيها تتابعه: جميل جدا و ايه هى بقي؟
ضحك مجددا و اخرج من جيب بنطاله شئ ما احتجز اياه بيده ثم رفع يده امامها و بسطها لتتسع عينها بصدمه و نقلت بصرها عده مرات بين يديه و بينه لتفكك يدها تسأله بدهشه او ربما تحاول منعه فالطريق الذى قرر السير من خلاله سيؤذيها و يؤذيه: بس دى...

قاطعها بثقه فلا اهميه عنده لاى وجع و زوجه اخيه سعيده تضحك ربما لان هذا يشعره ان اخيه مازال على قيد الحياه: انا متأكد انها هتفرحها.

و تركها و خرج و هى خلفه تحاول جعله يتوقف و لكنه في فرط حماسه هبط للاسفل طارقا بابها عده مرات و لكن لا اجابه، طرق الباب مجددا و لكن ايضا لا اجابه، تبادل النظرات القلقه مع حياه ثم فتح الباب و دلف ليجدها جالسه امام الفراش على ارضيه الغرفه تضم قدميها لصدرها تحتضن صوره ما بين يديها و تنظر للارض بشرود...

عاود النظر لحياه ثم طرق الباب و لكنها لم تلتفت اليه حتى، اقترب منها و جلس على الارض امامها واتجهت حياه لجوارها و همست تعيدها للواقع: حنين!
انتفضت رافعه رأسها لتصطدم عينها بعينه فعقدت حاجبيها بنفور و اشاحت بوجهها عنه، فابتسم لحياه ثم تمتم بصدق فهو لم يكن ابدا يرغب ببكاءها: انا اسف..
ابعدت وجهها عنه اكثر، فأردف منتظرا تأثير ما احضره اليها: طيب انا هخرج بس ممكن تقبلي دى مني..

مد يده امامها و لكن على شكل قبضه و لكنها ظلت على وضعها تتجنب النظر اليه حتى همس ببطء و هو يفتح يده: دبلتك،.

عادت بوجهها تحدق بوجهه و الغضب يشتعل بعينها ثم نهضت بحده مبتعده عنه دون ان تنظر ليده حتى تصيح بقوه قاسيه: انا مرأه فارس يعنى مراه اخوك، و هفضل لاخر عمرى مراته و اوعى تفكر انى ممكن في يوم من الايام اعتبرك جوزى، انا كنت بحترمك و بقدرك لانك اخ جوزى لكن لو حاولت تاخد مكانة عمرها ما هتبقي ليك فانا عمرى ما هسمحلك بده..

اعطته ظهرها فابتسم هو ناهضا عن الارض واقفا خلفها ليرد لها اهانتها الخفيه بما يليق: لو كنتِ ناسيه هفكرك، انا راجل متجوز و الجوازه دى ان اتغصبت عليها زيك بالظبط و انتِ اخر واحده ممكن افكر اخد مكانه في قلبها، لانك زى ما قولتِ مراه اخويا الله يرحمه و بس...

استدار و وقف امامها و امسك يدها فعقدت حاجبيها بغضب و حاولت نزع يدها منه و لكنه تشبث بها حتى بسطتها و وضع بها دبلتها، دبلتها التي نزعها جدها منها عنوه، دبلتها التى تحتضن اسم فارس داخلها..

نظرت للدبله بيدها و امتلئت عينها بالدموع مع ابتسامه طفيفه غزت شفتيها ثم رفعت عينها اليه فأردف هو بحزم: و ياريت اى تقدير و احترام كان بينا في يوم يفضل موجود، لان انتِ عمرك ما هتعتبريني زوج و لا انا عمرى هعتبرك زوجه، يكفي يبقى بينا احترام يا دكتوره.
ترك يدها بل و ترك الغرفه كلها فنظرت هى للدبله بيدها شاعره بالاسف لما تفوهت به، و بداخلها تشكره فهو احضر اليها ما يعني لها اكثر من حياتها، ذكرياتها .

ارتدت الدبله و ابتسمت لاحساسها بها تحتضنها، رفعت يدها امام عينها تنظر لها و ابتسمت متذكره ذلك اليوم الذي البسها فارس اياها به، يوم ان اعترف بمدى حبه لها، ربتت حياه على كتفها و ابتسمت لها تاركه اياها مع فيض ما سال من ذكريات لنهايه عمرها ستحييها.

رُبَّ هجرٍ يكونُ من خَوْفِ هجرِ، و فراقِ يكونُ خَوْفَ فراقِ.
سيف الدوله
في صباح اليوم التالى استعد عاصم ليذهب لمقابله اللواء عزت ليحل ما تراكم من رواسب، انتهى من تناول الافطار، ليجد نجلاء تقف امامه اصدرت صوتا بفمها دلاله على السخريه،.

نظرت اليها ليلي التى كانت تتناول الطعام معه ثم تجاهلتها تماما و لكن نجلاء لم تصمت بل نظرت هنا و هناك و هو على وشك الخروج تمتمت بسخريه مقصوده: هى السنيوره لسه مجتش من عند اخوها..؟
تحرك عاصم و بمجرد خروجه من الغرفه استدارت نجلاء لليلي و هتفت بصوت جعله يتوقف مكانه على باب الغرفه: ايه الدلع ده يا ليلي، انا مش قصدى حاجه بس جنه فعلا مزوداها، عاصم عمره ما كان ضعيف كده...

نظرت بطرف عينها لباب الغرفه حيث يقف عاصم يستمع اليها و عروقه تكاد تفارق جسده من فرط غضبه و اردفت بحقد دفين لم يظهر في كلماتها: كنت دائما اشوف فيه قوه بس جات البنت دى و قلبت كيانه كله، ابتسمت ببراءه و بنبره حزينه مصطنعه: كنت فاكره انه هيمشى مراته على العجين متلخبطوش لكن يا عينى عليه هو اللي ماشى بامرها، عارفه يا ليلي البنت دى متدلعه بسبب معاملته و ياريتها بتقدر دى يا عيني مبهدلاه و واجعه قلبه، كلنا حاسين بحبه ليها الا هى، بس حب ايه بقي؟!، الحب ذل عاصم الحصرى بجلاله قدره، مش عارف حتى يقعد مراته في بيته، مسسسم على بنات الايام دى و عمايلهم...

احتدت عين عاصم و ازدادت وتيره تنفسه واخذ منه الغضب مأخذه حتى اصبح لا يرى امامه شدد قبضتيه و جمله واحده من كل هذا تتردد بأذنه الحب ذل عاصم الحصرى بجلاله قدره.

رفع يده دافعا باب الغرفه بعنف حتى كاد يقتلعه فانتفضت والدته و استدارت تنظر من فعل هذا لتفاجئ بمظهره فانتفضت واقفه و عندما وجدته يتحرك للخارج، انقبض قلبها و ركضت اليه، بينما وقفت نجلاء تتابع الموقف و عقدت ذراعيها امام صدرها و ابتسامه لعوبه تتراقص على شفتيها..
وقفت ليلي امام عاصم تمنعه التحرك تهدأه: انت رايح فين؟ اهدى يا عاصم.

انتفض جسده من فرط غضبه و صاح بصوت زلزل والدته امامه: هترجع بيتها و رجلها فوق رقبتها وتبقي تفكر تعترض..
و هم بالتحرك عندما امسكت ليلي ذراعه متوسله: علشان خاطرى متروحلهاش و انت متعصب كده، اهدى الاول، متعملش حاجه تندم عليها يا حبيبى.
ابعد يد والدته عنه و عيناه ترتجف بحده غاضبه غضب عاصف: مش عاصم الحصرى اللي واحده ست تذله...

و تركها و خرج و هى تنتفض لوعه و خوفا، اسرعت لهاتفها في نفس الوقت الذي اخرجت نجلاء هاتفها حتى اجاب الطرف الاخر فهمست: نفذ المطلوب منك في الوقت المناسب و اظن عارف هدفك كويس...
اغلقت الهاتف و اتسعت ابتسامتها ف جبروت ابن الحصرى، قوته و حتى حمايته لاهله ستنتهى اليوم..

حاولت ليلي الاتصال بجنه و لكن هاتفها مغلق فزفرت بقوه بحثت عن رقم اكرم و لكنها لا تملكه فاسرعت بمهاتفه مها و بالطبع لم تجيب و لكنها ارسلت رساله خير يا ماما
اجابتها ليلي ردى على تليفونك
وعاودت الاتصال بها ففتحت مها الخط فصرخت بها ليلي: لو اكرم في الشركه خليه يروح البيت فورا، عاصم رايح لجنه، بسرعه يا مها، عاصم على اخره و انا خايفه على جنه.

اغلقت مها الخط ونهضت مسرعه، صعدت لغرفه اكرم و همت بفتح الباب عندما هتفت هناء: البشمهندس اكرم لسه مجاش..
و في هذه اللحظه دلف اكرم نظر اليهم بتعجب: صباح الخير..
اسرعت مها اليه و بلهفه اشارت لازم ترجع البيت فورا عاصم رايح لجنه
ابتسم اكرم بهدوء: و ايه المشكله دى مراته؟
اخرجت هاتفها مسرعه و طلبت رقم ليلي حتى اتاها الرد فاعطت الهاتف لاكرم، تحدثت ليلي مسرعه: اكرم، لازم تروح لجنه عاصم مش في وعيه..

عقد اكرم حاجبيه متعجبا: مش في وعيه ازاى؟
ضربت ليلي على قدمها من فرط توترها: مفيش وقت احكيلك الحق جنه عاصم على اخره و انا متأكده انها لو نطقت حرف ضد رغبته هيبهدلها..

تضحك بصوت عالي يملأ قلبه فرحه و هو يشاركها ضحكاتها بابتسامه واسعه، ركضت اليه و ارتمت بحضنه فرفعها قليلا ليدور بها عده مرات متتاليه و هى تصرخ و السعاده تقفز قفزا من مقلتيها، ثم تركها حتى لامست قدمها الارض، ليدغدغها لتقهقه بقوه تبتعد عن مرمى اصابعه و لكنه لم يتركها، يعبث و تضحك، حتى توقف و ابتعد خطوه للخلف يستند بيديه على ركبتيه و هى تراقبه بذهول حتى اعتدل لتصرخ بفزع و هى ترى ملامحه ملطخه بالدماء تماما كما كان والدها، ليواجهها بغضب لم تدرى مصدره و عيناه تتهمها بأمر لا تعرفه و هو يصرخ بها دافعا اياه حتى سقطت ارضا: انا مش عاوز اشوفك تانى.

نهضت بذعر صارخه بالكاد تلتقط انفاسها و العرق يغزو جبينها بغزاره، و فورا تساقطت دموعها واضعه يدها على قلبها الذى انبأها ان خلل ما سيحدث.
صدع جرس الباب ليفيقها من شرودها فاضطربت خوفا لترى من و خلف الباب توقفت لتسأل بخفوت: مين؟
صدع صوته مزلزلا كيانها كله: افتحى يا جنه..

اضطربت و عادت خطوه للخلف، حلمها او بالاحرى كابوسها اخبرها بالوضوح ما يجب عليها فعله، وجودها اذيه له، سعادتها تضنيه و اختفاءها التام من حياته سيكون له جرحا ستكفى الايام لمداواته، تردد صوته بأذنها و هو يصرخ بها مش عاوز اشوفك تانى ، و له ما شاء و بأكثر الطرق التى ستجعل ابن الحصرى يتركها برغبته قررت المضى.

اخذت نفس عميق و فتحت و بمجرد ان طالعها وجهه ارتعدت اوصالها فمن امامها الان هو ذلك المغرور القاسى الذى دائما ما كانت تخافه و مازالت، تراجعت خطوه للخلف فأشار هو على باب الغرفه و هتف بحده لا تقبل نقاش: لمى هدومك و يالا علشان هترجعى معايا البيت..
نظرت اليه قليلا و ان كان سابقا ربما كانت تراجعت خوفا و لكن خوفها الان من اجله اعظم، وقفت بتحدى سافر مجيبه بهدوء: لا..

ازدادت عيناه حده بعقده حاجب كانت لها تحذيرا و تقدم منها عده خطوات عادتها هى للخلف و تحدث بصوت يشبه الرعد في قوته: اقسم بالله يا جنه كلمه زياده و هتشوفى منى وش عمرك ما تخيلتيه، ادخل لمى حاجتك بهدوء و يالا قدامى..
رغم ارتجافه جسدها بل و قلبها الذى اشتاقه حد الجنون اصرت على موقفها بثبات واهى: لا يا عاصم مش هرجع..
تقدم خطوه اخرى و هدر باسمها: جنه.

انتفضت هى و عادت للخلف عده خطوات و في هذا الوقت وصل اكرم و عندما وجد باب المنزل مفتوح وقف بجواره يراقبهم من الخارج ربما يستطيعوا الوصول لحل..
صاح عاصم مجددا: قدامى حالااااا
هنا قررت جنه افصاح كل الحقيقه، كل مخاوفها، كل ما يعتل بقلبها و لكن بشكل يجعله يكرهها لا يتمسك بها، ستصرخ بكل وجعها و لكن لتجعله يتراجع: افهم بقي، انا مش عايزه اعيش معاك، انا بكرهك، بكرهك..

حدق بها عاصم امام تصريحها الذي اذهب بغضبه منها و احل محله غضب عليها و لكنها لم تتوقف و صرخت مجددا و بدأت دموعها بالخروج من مقلتيها اسفا و حسره و ما بقلبها ينافى تماما ما تتفوه به و الذى يكويها كيا قبله: انت اسوء حاجه حصلت لي في حياتي، جوازنا دا كان اتفاق لو انت نسيت فانا منستش، انا كنت و مازالت و هفضل طول عمرى اكرهك..

اخذت انفاسها و هى ترى بعينه عدم تصديق و يا ليتها تخبره انها بالفعل كاذبه و لاسيما ما اردفته: اه وافقت على الجواز بس لانى كنت حاسه انى مديونه ليكم، ازاى الناس اللي عيشونى في بيتهم ارفض طلب ابنهم، كنت حاسه انى ببيع نفسى مقابل الخدمات اللى قدمتوها ليا، علشان اوفى حقكم، و فكرك لما عرفت الحقيقه فرحت بالعكس انا كرهتك اكتر، جوازى منك هيفضل اكبر غلطه انا عملتها في حياتى لانى بكرهك..

زواجها كان اصوب قرار اُجبرت عليه، علاقتها به كانت الاجمل و الاعظم شأن بحياتها، حبها له كان افضل ما اصاب قلبها و اه لو تخبره،.

كانت كلماتها كالنصال السامه التى تشق صدره لتنغرز بقلبه بعنف غير عابئه بالالم الذى يشعر به، موجعه حد الجحيم الذى اشتعلت به عيناه و هو يقترب منها ساحبا اياها بقوه لتصطدم بصدره ناظرا لعينها قائلا بقسوه كأنه يفرغ بها نفس النصال التي اصابته بها منذ قليل: مش انتِ شايفه انك بعتِ نفسك، و انا اشتريت، يعنى انتِ دلوقتى تحت طوعى، تعيشى بأوامرى و بس..

دفعت يده عنها و هى توافقه بقلبها و عقلها و جسدها و كل ما بها و لكن لسانها لا يفعل: لا انا مش جاريه عندك و انا خلاص زهقت من كل رابط بيربطنى بيك، افهم بقي انا مش عاوزه اشوفك او اعيش معاك، المكان اللى بتبقي فيه بيخنقنى، بقيت حاسه ان جوازنا طوق ملفوف على رقبتى، تعبت منك و من حياتى معاك، و لو فضلت عايشه جنبك هحس انى كل يوم بموت،.

تموت، تموت قهرا و هى تحزنه، تموت حسره لاجبارها اياه لاختيار كرامته لانها تدرك انه ابدا لن يتخلى عنها، تموت اسفا لانها تؤذى قلبه، و تموت قسوه لانها تكسر روحها انكسارا لن يكون بعده التئام،.

اعطته ظهرها فهى على وشك الافصاح عما بداخلها حقا، الركض لصدره تختبئ فيه، اخباره انها بالفعل تختنق بدونه، تضعف ببعده و تخسر نفسها ان خسرته، تحبه و لا تستطيع ان تفصح، اغلقت عينها ثوانى ثم استدارت بحده تصيح بنفور من حالها، كلماتها و ما جال بخاطرها لاتمام اجباره: لامساتك، كلامك، اسلوبك و تصرفاتك كلها بتتعبني، حاولت كتير انى اعيش معاك، حاولت استسلم او اقنع قلبي بحبك لكن مقدرتش، مقدرتش...

و قبل ان تنهى حديثها بأخر كلمه و التى تدرك جيدا انها ستكون القاصمه لعلاقتهما و لا بعدها عوده او نقاش او حتى اسف، وضعت النهايه لصبره و خوفها، لقبوله لضعفها و استسلامها له، و ضعتها بأقسى ما كوى روحه و نفته روحها: انا حتى يوم ما سلمتك جسمى كنت كاره...
اخرسى،
هدر بها بأعلى ما يملك من صوت لتتسع عينها بصدمه و هى ترى كفه العالقه بالهواء امام وجنتها مباشره..

كفه التى كانت ستطبع اثار كلماتها بصفعته على وجهها دائما، و يا ليته فعل فهى تستحق، تستحق الحرق و راضيه و لكنه حتى هذا لم يمنحه لها و قبض كفه و عينه تجوب عينها بصدمه و هى ترى بوضوح تلاشى عشقه لها بحصونه السوداء التى هدمتها دفعه واحده، حصونه السوداء التى تدرى جيدا انها لن تحتويها مره اخرى، لن تخبرها و تعدها بالامان مره اخرى، ترغرغت عينها بدموع عجزها و صدمتها بما فعلته به و بنفسها،.

يكفى، و لكنه لم يكتفى و ظل يحاوطها بحصونه و كأنه لاخر مره سيراها لتتابع دموعها ترجوه الا يسمعها، ليضربها، يكسرها بغضبه كما كان يفعل قبلا، راضيه بصفعه و غيرها و غيرها و لكن لا يناظرها هكذا، ليقتلها كما فعلت و لكنه بكل هدوء انسحب...!
خرج من المنزل بسرعه دون حرف واحد، وبمجرد خروجه سقطت ارضا تنتحب، ينتفض جسدها يرجوه الرجوع، تستمع لصوت تمزق قلبها، و لكن من اين لاحد اخر ان يعرف ما تشعر به الان،.

دلف اكرم و وقف امامها وجهه يشع غضبا و صدمه عارمه مما فعلت، قالت و حطمت للتو و تمتم باستغرابه: انتِ ازاى كده!
ثم هتف بعباره لم تلمس فقط قلبها المكلول و لكنها احيت كل جروحها القديمه ليترك هو الاخر بروحها ما يؤلمها ما تبقى لها من عمر: انا بشكر ربنا ان ماما مشافتكيش لان عمرها ما كانت هتبقى فخوره بيكِ..

شهقت بعنف و هى تحدق بوجهه ذاهله، لتنقطع انفاسها لحظه و هو يرمقها بنظرات قاسيه دون ان يأبه بها او بدموعها: تأكدى انك خسرتِ عاصم النهارده، بس اقولك انتِ اصلا متستهليش اى خير.
تركها و خرج من المنزل و اغلق الباب خلفه بحده بينما هى تكاد تنقطع انفاسها من شده بكاءها، تنظر للارض بشرود،
ان كانت والدتها بجوارها اليوم ما كانت لتفعل ما فعلت،.

ان كان والدها معها و تعيش في كنفه لكانت الان بحضن زوجها تخبره عما يعنى لها،
ان كان اكرم ذاته معها ما كان اصابها كل هذا الخوف،
عذرا فليس ذنبها انها تربت دون احد، و ليس بيدها خوفها.
انطلق يسابق الرياح بسيارته يحاول طرد صدى صوتها من رأسه، كل ما قالت، عنت و أكدت عليه، حتى توقف في احد الطرق الخاليه تماما ترجل من سيارته و استند عليها و كلماتها لا تزال تتردد ب اذنه..

هو يشعر ان زواجه منها افضل ما فعل بحياته و هى ترى انه اسوء ما حدث لها!
تنفر منه و من لمساته، هو يعشق و هى تكره،
فأى وجع هذا الذى يشعر به...!؟
دائما ما قال ليس هناك ما قد يُضعف عاصم الحصرى..
اذا ما هذا الذى فعلته هى؟ ما هذا الذى يشعر به؟
رفع يده واضعا اياها على قلبه ضاغطا اياه بقوه و غضب شديد، ليته يستطيع اخراجه، ليته ظل على تحجره، ليته لم يعشقها.

رفع رأسه ناظرا للسماء، كل شئ انتهى، كل شئ تدمر، هى انهت اللعبه، و لقد كسبتها بمهاره فائقه..
عاصم الحصرى كان مجرد بيدق بحبها،
لقد تمنى ان تمنحه ما ضاع من سنوات عمره حبا، تمنى ان تعيش معه و لاجله، تمني ان يعيش بها، تمناها حضن يلجأ اليه في شقاءه، سبب فرحته دائما، تمنى حبها و لكن ماذا فعلت هى، كسرته..!

لا يرى بنفسه قوه الان و لا يرى عزه او كبرياء فقط يرى بقيه باقيه من قلب قرر ان يعشق فكانت النتيجه قتله بلا رحمه.
اااااااااااااااااااااااااااااااااه
صرخ بها و هو يضع يده اسفل رأسه متألما من تلك الضربه التى جعلت رؤيته مشوشه تماما، خرج عده رجال امامه و دون اعطائه فرصه ليراهم حتى، تساقطت ضرباتهم على جسده و خاصه اسفل رأسه..

بينما سقط هو ارضا فاقدا لقدرته تماما اثر ضرباتهم الذى كانت سهوا مما خل بتوازنه، ازدادت الضربات بشكل جعله يوقن ان تلك هى نهايته فأنفاسه تكاد تزهق و الالم يفتك به و الرؤيه انعدمت تماما..
اليوم مات قلبه و ها هى حياته تودعه، سقط بعدها في تلك الظلمه التى غلفته بالكامل..

استمر الرجال بضربه عده مرات متتاليه حتى تأكدوا من فقدانه التام لوعيه ثم وضعوه بسيارته و تحرك احدهم بها و بالقرب من صخره كبيره القي بنفسه منها لتصطدم السياره بالصخره بعنف.
و الرجال يبتسمون مهنئين بعضهم على نجاح الخطه، ثم اخرج احدهم الهاتف و هاتف الاسعاف و انطلقوا من المكان راحلين بعدما تحقق مرادهم او هكذا اعتقدوا...

اجتمع الجميع بالمشفى و قلوبهم تكاد تتوقف من فرط التوتر، عاصم بالداخل منذ اكثر من ساعه و الاطباء يتوافدون على الغرفه باستمرار و وجوههم لا تنم عن خير ابدا..
كان المتواجد عز و ليلي و مها و التى كانت بالشركه عندما اخبرتها ليلي و اثناء خروجها صادفت اكرم فذهب هو الاخر...
اتجهت مها لليلي و جلست بجوارها تربت على يدها بخوف، فضمتها ليلي و انفجرت باكيه و هى تردد اسم الله داعيه له..

وقف اكرم امام غرفه العمليات يقطع الممر ذهابا و ايابا، حتى خرج الطبيب اخيرا فاقترب منه كل من اكرم و عز بلهفه: طمنا يا دكتور..
نظر الطبيب لهم بأسف و تحدث بعمليه: الحاله مش مطمئنه، الضربات على رأسه مكنتش هينه ابدا و اثرت على اماكن و اعصاب حساسه جدا، 12 ساعه الجايين مهمين جدا، ادعوله ان شاء الله يبقى بخير.

رحل الطبيب و بدأت ليلى تنتفض بكاءا على فلذه كبدها و مها تحاول تهدئتها بلا فائده، جلس عز بجوارها و وضع كتاب الارض بين يديها و همس و الدموع تجتمع بعينيه: اقري قرآن و ادعيله..
القت براسها على كتفه فضمها و بكا الاثنين خوفا، مضت ال 12 ساعه دون اى جديد حتى دلف الطبيب ليطمئن على عاصم و خرج و ملامح وجهه لا تبشر بالخير، فأسرع اكرم اليه: ها يا دكتور طمنا..

نظر الطبيب لليلي التى كانت على وشك الانهيار و قد كان عندما صرح الطبيب بذلك الخبر: الحمد لله هو دلوقت بعيد عن اى خطر، كدمات بسيطه و مع الوقت هيبقى في افضل حال،
تهللت اساريرهم و لكن تجمدت الدماء بعروق الجميع عندما هتف الطبيب مكملا و نبرته قاطعه بكل اسف: بس للاسف كابتن عاصم فقد البصر...!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة