قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية حلم السندريلا للكاتبة عليا حمدي الفصل التاسع والأربعون

رواية حلم السندريلا للكاتبة عليا حمدي الفصل التاسع والأربعون

رواية حلم السندريلا للكاتبة عليا حمدي الفصل التاسع والأربعون

عاد عز و عاصم للمنزل و جسده يأن وجعا بعدما اطمئنا على محمد الذى عاد للمنزل مع مازن فاستند عاصم على الدرج ناظرا لوالده ليتمتم بخفوت لاول مره يراه والده به: تعتقد انى غلطت يا بابا!

ربت عز على كتفه و هو يحرك رأسه نفيا هاتفا بقوه ناقظت شعوره المطعون من اقرب الناس اليه: لا يا عاصم، كل فرد في العيله كان لازم يعرف حقيقتها، و بعدين انت بس ساعدتنا نعرف النقطه الفاصله و اللغز اللذى حيرنا سنين، و من هنا لازم كل واحد يقف على رجليه و يقوى!
و ضع يده على جبينه يضغطه بخفه محركا رأسه موافقا و هو مازال يشعر بتأنيب الضمير على فعلته، لا يدرى حقا ان كانت خطوه صحيحه ام لا!

فتنهد عز متذكرا شكل نجلاء و كلام الطبيب عنها بعدما نُقلت للمشفى مردفا بحزن: نجلاء اذنبت و لازم تتعاقب و للاسف مش هيبقى عقاب في اخرتها بس، القدر بدأ يقول كلمته..
ثم رمق عاصم بنظره عطوف رغم انكسار نظراته: سلم التسجيل للشرطه بكره، و خلينا نشوف قدرها هيوديها لفين!
حرك عاصم راسه موافقا و تحرك بخطوات بطيئه للاعلى باستعداد تام لمواجهته مع جنته الصغيره و التى ستكون صعبه حتما..

دلف للغرفه ليجد الظلام يعم المكان فتعجب لقد اعتقد ان يراها مستيقظه لم يعتقد انها ستنام ببساطه هكذا، فأشعل الضوء الخافت للغرفه حتى لا يزعجها و لكنه اصطدم بها تجلس ارضا امام الفراش تستند بظهرها عليه و تضم ركبتيها لصدرها و عينها شاخصه في اللاشئ تضم اطار ما لصدرها بدون اى تعابير حقيقيه على وجهها..

فأشعل الضوء مقتربا منها زافرا بقوه ليجلس ارضا امامها لتمتد يده للاطار الذى تحتضنه و ابعده عنها لينظر اليه و كما توقع تماما كان اطار لصوره والدها الذى يدرى مدى عشقها له فوضعه جانبا و امتدت يده تحتضن يدها متمتما بخفوت مناسبا لرغبته العارمه في محو كل ما يشغل تفكيرها الان: قومى نامى كفايه كده النهارده..

ثم ضم كتفيها بكفيه لتقف امامه متحركا بها باتجاه الفراش فتوقفت مكانها و هى ترفع عينها اليه بحده ناقضت قولها الهادئ و الذى كان اقرب لاقرار اكثر منه سؤال: انت كنت عارف!

اشاح بوجهه عنها متجاهلا سؤالها و لكنها امسكت كتفه جاذبه اياه اليها لينظر لها مجددا بنظرات اخبرتها بوضوح انه بالفعل كان يعلم فاحتدت عينها اكثر و هى تقول بقوتها الجديده و التى لم تخذلها الان: ليه خبيت عليا يا عاصم؟! ليه قولت نص الحقيقه و سكت عن النص التانى؟! ليه خبيت؟

صمتت و صمت متجاهلا نبرتها العاليه نسبيا و التى بدأت تفقده اعصابه حقا مع كم الضغط الساقط عليه و لكنها لم تصمت بل عادت تصيح بحده مشبعه بوجعها: حتى لما قولت لاكرم، ليه مقولتش الحقيقه كامله؟ رد عليا ليييه؟

صرخت بالاخيره بصوت عالى ليعقد هو حاجبيه غضبا اصرت هى على اخراجه من داخله و هو كان في اكثر اوقاته تعبا فلم يستطع التحكم في غضبه و هو يصرخ في المقابل: صوتك ميعلاش يا جنه؟ انا اقول اللى انا عاوزه و مقولش اللى مش عاوزه، سامعه؟

هاجت مشاعرها بقوه وجعها و هى تهدر بحنق و ضيق سُلط عليه بانفعال: ليه؟ ليه من حقك كل حاجه و احنا ملناش حقوق، ليه تختار امتى تقول؟ و ايه تقول؟ و احنا مجبرين في كل وقت نسمع و نتفاجئ و بس، ليه مفكرتش تشاركنى او تحكى ليا؟
اعتقل كتفيها بكفيه ليهدر بغضب عاصف اخفى خلفه ألم روحه و هو يهزها بعنف: لانى خايف عليكِ..

افلت ماردها المجنون هى الاخرى فدفعت بذراعيه عنها بشده و هى تعود للخلف خطوات لتصيح بصوت شبه صارخ غير واعيه للزمان او المكان او من يسمعها او يقف امامها حتى فقط اعماها وجعها عن استيعاب ما حدث فغلفته بقوتها المزعومه الان: لحد امتى هتفضل شايف نفسك القوى اللى تقدر تتحمل كل حاجه و اى حد تانى ضعيف؟ لحد امتى هتفكر ازاى غيرك هيتصرف و على اساس تفكيرك تحكم و تنفذ بدون اى اعتبار للطرف التانى؟

صمتت لحظه تلتقط انفاسها اللاهثه و هو امامها يرمقها بنظرات مشتعله تُنبأها بعاصفه غاضبه قد تنتهى بأسوء ما يكون و لكنها عجبا لم تهتم، رغم ان حصونه حاوطتها كالعاده موجها اسهمه اليها و لكنها الان استقبلتها طاعنه لا حاميه لتعاود صراخها باخر اقوى و هى تقترب منه خطوات حتى واجهته تماما: امتى هتفهم انى من حقى تسألنى و تسمعنى؟! من حقى افهم انا ماشيه فين و ازاى و قدامى ايه؟! امتى هتستوعب ان الدنيا فيها غير عاصم الحصرى؟! و ان زى ما ليك رأى لازم الكل يحترمه انا كمان ليا رأى لازم انت تحترمه؟! لحد امتى هتفضل شايف نفسك اكبر من اى حد و اقوى من اى حاجه؟!

زفرت بقوه و هى تشعر برغبتها العارمه في البكاء على صدره و لكن هناك حاجز غير مرئى يقف امامهما، هناك قوه ضعيفه تدفعها عنه،
و كم ودت لو يصرخ حتى تتقد نيرانها اكثر و لا تخمد، فانطفاء غضب روحها يعنى اشتعال وجعها و هذا ما لا ترغب به ابدا و خاصه في يوم كهذا، بفاجعه ك التى عرفتها اليوم!

و مشكور هو عندما اعطاها ما ارادت عندما اندفع باتجاهها قابضا على ذراعها بقوه مهوله حتى كادت اظافره تغرس في لحم ذراعها و صوته يُجسد الغضب بأسوء حالاته: طول ما انتِ الطرف التانى، يبقى هحميكِ، لو الحد دا انتِ يبقى اه، هتفضلى في نظرى ضعيفه و محتاجانى، و لو فاكره ان قوتك هتخليكِ تستغنى عنى تبقى غلطانه..

حاولت التملص من يده و كلماته تُزيد من نيرانها اكثر فهتفت بقوه رغم ان التعبير خانها: ايوه محتاجاك معايا بس مش مكانى!
اطبق كفيه حولها بقوه و هو يجذبها باتجاهه لتصطدم بصدره ناظرا لعمق عينها التى خذلتها لتتساقط دموعها تباعا بقوه وجعها على ما صار بوالدها، بقوه ألمها على ما وصلت اليه حياتها بفعل حادث مدبر، بقوه عجزها عن اخراج مكنونات قلبها المترنحه بضياع كطير ذبيح..

و هدر بحده رغم غضبها اخفت في طياتها قوه عشقه لها و خوفه عليها: انا مبستحملش حاجه توجعك، مستعد ادفع عمرى بس انتِ ترتاحى، متعرفيش وجعك بيوجعنى ازاى، و غصب عنك و عنى هخاف عليكِ، هخاف عليكِ بقوتك قبل ضعفك، بقوتك اللى بتهربى بيها من وجعك دلوقت، لاننا لما بنتعلق بحد قوى بنحاول نحميه..

ثم اشاح بيده و لكن لم تفارق عينه عينها و هو يردف بحده اكبر: مش فارق معايا صح او غلط، مش هفكر ينفع او مينفعش، لكن بكل الطرق و اى الطرق همنع عنك الوجع...
ثم خفضت نبرته قليلا ليهمس بصدق شعوره المكتوى لاجلها بنبرات اخبرتها انه لم يفعل هذا الا لاجلها و صدق فلقد ذبحها الامر ذبحا: انا مش بلغى شخصيتك و لا بمحى وجودك انا بحاول امنع عنك اى حاجه توجعك...

ثم صمت و كست عيناه نظرات مكسوره غلفها ألم كبير شمل روحه قبل كلمته اليتيمه التاليه: و توجعنى!

قيد حركتها تماما لا بيديه بل بكلماته و التى اخبرتها انه يتلوى ألما بألمها، فاستند برأسه على رأسها و روحه المرهقه تناشدها ضمه، ضمه يتخلى كلاهما بها عن اوجاع قلبه، يتخلى كلاهما بها عن ما يهلك روحه، ضمه تمتزج بها دموعهم فترسم بسمه، ضمه تتلون بها اوجاعهم لترسم لوحه، لوحه تلونها اصابعهم بألوان البهجه، لوحه تضم كلاهما فقط و بينهما ضحكه!

و كأنما قرأت هى ما تخاطبها به دقات قلبه فرفعت يدها تحاوط عنقه بقوه دافنه وجهها بصدره ليضمها هو بقوه اكبر معبرا عن حاجته لحضنها هذا مدركا حاجاتها المماثله اليه..
فانهارت قوتها المزعومه و تهاوى قناع قوتها المتماسك ليتصدع كذب تحملها و تبرق قشرتها الضعيفه التى تهدد بانكسار، لتصرخ باكيه بكل وجه روحها، و توالت دموعها تغرق قميصه فازداد من ضمه لها حتى صاحت بتيه مزق قلبه: بابا يا عاصم...

شدد من ضمها فانتفض جسدها بين ذراعيه و ذكريات يوم الحادث تواجهها بقسوه فعادت تصرخ بنبره اكثر ألما: حرمتنى من بابا يا عاصم...

استغفر الله بصوت مسموع لامس قلبها بخزيه فشهقت بعنف و جسدها يفقد السيطره على نفسه لينتفض بقوه اكبر و اقسى على قلبه، و عادت تصرخ و لكن خرج صوتها متقطعا اثر بكائها: اتحرمت من كل لحظه احتجت فيها لحضنه، من كل مره كان نفسى اسمع صوته بيطمنى، اتحرت منه و عشت من غيره، اتحرمت منه يا عاصم...

ثم اختنق صوتها بشهقاتها التى لم تسمح لها بقطع كلماتها التى توالت بنبره مبحوحه شبه واضحه: بابا كان كل حياتى، كان ابويا و امى، كان صاحبى، و كان حبيبى بس...
ثم انهارت و ارتفعت شهقاتها بعنف شديد اصاب قلبه بسهم غادر جعله ينزف ألما عليها و اليها و انهت كلماتها بصرخات بين وعى و هذيان: بس بعد عنى بدرى قوى...

وضع يده على رأسها يدفنه اكثر بصدره و هو عاجز تماما عن قول اى شئ الان و لكن ربما افضل لها ان تفرغ مكنونات صدرها التى ارهقت نفسها طوال عمرها..

زادت شهقاتها بقسوه عليها و عليه و هى تهمهم بكلمات لم يعد يسمعها او يميزها فيما يشبه الهذيان، فأبعدها عنه لينظر لوجهها بجزع فدقت اجراس الخطر قلبه عندما رأى ملامحها الشاحبه و انفاسها المضطربه، و عيناها الشبه مغلقه فربت على وجنتها بخفه ناسبت همسه المتلهف باسمها و لكنها كان في وادٍ اخر تردد كلمه بابا دون انقطاع حتى تراخت تماما على ذراعيه فحملها ليضعها على الفراش و هو يمسح على وجهها بحنان و قلبه يؤلمه اشد الألم لاجلها ثم اقترب طابعا قبله على جبينها كأنه يعتذر ثم استلقى بجوارها عاهدا نفسه و اياها قبله عهدا انه مهما كان و كيف كان لن يسمح بأى وجع يصيبها بعد الان...

بعدما اطمئن الجميع على محمد و رفضت نهال ان يظل احد معه سواها كان مازن جالسا بغرفه الاستقبال عندما طرقت حياه الباب حتى جاءها صوته سامحا لها بالدخول فجلست على الاريكه بجواره و عينها تحكى بوضوح عن بكائها الطويل بانتفاخها و احمرارها الشديد فاعتدل امامها ليضع ذراعه على طول كتفها ضاما اياها لصدره فعادت تشهق بقوه مجددا فزفر و هو يضمها اليه اكثر و لكنها ابتعدت ناظره لعينيه برجاء خالص: بالله عليك سيبنى اسافر، انا مش قادره اتحمل اعيش في البلد دى، و مش عاوزه ارجع لاهلى و لا عاوزه افضل هنا، وافق يا مازن علشان خاطرى، انا محتاجه اسافر و ابعد عن هنا فعلا..

اغلق عينه لحظات يستمع اليها فابتعدت بجسدها كاملا عنه لتُمسك يده و تضغط عليها بقوه شعورها بالغدر الان: انا محتاجه ابعد و ابدأ حياتى في مكان تانى من جديد، محتاجه انسى كل اللى حصل هنا و انسى معاه المكان و الناس و افتكر نفسى بس، محتاجه اقدر اقف على رجلى لوحدى بدون سند يسندنى علشان لما يغيب انا ما تكسرش، انا محتاجه نفسى اللى كل واحد في حياتى سرق منها شويه...

طالعها بصمت قليلا ثم حرك شفتيه ليتحدث و لكنها اردفت بتمنى اكثر عله يمنحها خلاصها من حياتها المهمشه هذه: ارجوك فكر فيا شويه، فكر في حياتى اللى ارتسمت على كيف كل واحد شويه بدون رأيى و بدون رغبتى، و انا دلوقت عاوزه اسافر و احقق لنفسى كيانها، عاوزه ارجع لحياه القويه اللى كان عنفوانها اهم حاجه فيها، عاوزه اعيش بعد ما كل حاجه حواليا بتموتنى..

ثم نظرت لعينيه بتفحص قائله و هو متيقنه تماما منه فهمه لحديثها دون جرح لكرامته: انا من حقى احب و اتحب يا مازن، من حقى اعيش و ابنى بيت و اكون اسره و اكون ام، من حقى اختار انسان يشاركنى دنيتى بعد ما ابنيها...

ازداد انهمار دموعها و هى تردف بأسى و خزى حقيقى من والدها: كل لحظه ليا هنا هتبدأ حلوه هتنتهى بغدر، كل مره هقف على رجلى هيجى حاجه توقعنى، و انا تعبت من المقاومه، تعبت من نفسى اللى انتهت و كل مره كان غصب عنى، مره من جوزى، مره من بابا و مره من الماضى، لسه ايه تانى؟ انا زهقت من حياتى كده..
زفر بقوه مقاوما رفضه و لكن الفكره التى استقرت برأسه يلائمها طلبها الان فتمتم بتساؤل: هتسافرى امتى!

اخفضت رأسها بخزى لتهمس باقرار: انا وافقت على المنحه من فتره و السفر بعد بكره!
رمقها بنظره عاتبه على تصرفها دون اذنه و لكنه إلتمس لها العذر فهى حاولت لمره واحده ان يكون قرارها نابعا وفقا لارادتها، ان تُمنح حق الاختيار الذى سلبه اقرب الناس اليها منها..
و لكن ما زال قلبه ينبض قلقا عليها فعاد يقول باقرار مرسخا الفكره في رأسه ايضا: مش هتسافرى لوحدك؟

عقدت حاجبيها ضيقا و هى تهم بالرد عليه و لكنه وضع يده على شفتيها مغمغما بابتسامه لعوب جاهد لينزعها من بقايا روحه المشتعله و ابتسامه باهته شاحبه تتراقص على شفيته: انا مقدرش اعيش من غيرك، فا هسافر معاكِ و اهو نهرب من هنا سوا بعيدا عن أى حد و أى حاجه..
ابتسمت هى مدركه مزاحه المستتر خلفه قلقه عليها، اردكت رغبته في حمايتها و الاطمئنان عليها، ادركت وجعه الذى ينوى الهرب منه قليلا، قليلا فقط عله ينساه..

و لهذا ابتسمت بالمقابل و هى تقترب منه و برغبتها في شكره لم تجد افضل من قبله عميقه على كفه تبعتها بأخرى على رأسه قائله بنبره صادقه في مشاعرها الاخويه تجاهه: ربنا يبارك في عمرك و تبقى دائما جنبى يا مازن..
كلا منهما يدرك حقيقه الواقع بينهما لكن تلك التى كانت تقف على باب الغرفه لا تدرك..

تلك التى اصابتها كلماتهما كنصل سام شق قلبها لنصفين، تلك التى جاءت راغمه تشاركه هم قلبها الذى لم يشاركها به احد و لم تستطع تحمله بمفردها، تلك التى شعرت انها بحاجه اليه تحديدا و خاصه الان!
جاءت و يا ليتها لم تأتى؟!
فعندما وصلت رأته يضع يديه على شفيتى حياه، ليقول ما قال معبرا عن حبه لها – كما اعتقدت هى – و ما اقساه من اعتقاد..
هو يعشق زوجته و هى مجرد فرد زائد يود هو الهروب منها...

هى من شعرت انها لن تبكى و لن تُخرج مكنونات صدرها و قلبها الذى ذاق الفقد مره، إلا لديه، بقربه، بكلماته الحانيه و ربما بحضنه، و للاسف جاءت اليه لتدرك انها ستذوق مراره الفقد مرتين!
الاول استنفذ روحها و الثانى استنفذ كل ما فيها!
يقولون ان القلب يحب مره واحده..
بأقوى ما فيه، و اغلى ما عنده..!
و لكن هى عاشت الحب مرتين، بأقوى ما فيه و اغلى ما عندها..
كان الاول نبض القلب، و الثانى القلب كله!

كان الاول غذاء روحها، و الثانى روحها كامله!
وضعت يدها على شفتيها و عقلها و قلبها معا يتفقان على تلك الحقيقه التى ارتجف لها جسدها..
تحب!
هى تحبه؟!؟
كيف؟
متى؟
و لماذا؟
ركضت من امام الغرفه مسرعه لتدلف لغرفتها مغلقه بابها خلفها بعنف و وقفت امام المرآه تنظر لنفسها بذهول تام و نبضات قلبها الثائره و الممزقه تُصدق على حديثها..

كان عقلها يخبرها و لكنها تجاهلته امام ثبات قلبها و لكن الان قلبها ثار عليها. , و بقى ضميرها في المنتصف، ليخبرها بخيانتها..
خائنه لعشق خسر نفسه لاجلها، خائنه لأخر نبضاته كانت لها، خائنه لطفوله جمعت بينه و بينها!
فقط خائنه!
انتفضت من مكانها تحرك رأسها بجنون و هى تردد بنفى هستيرى مشتت: لا، لا، انا مش، لا، مش بحبه..

حركت يدها بعنف و ضغوطات حياتها، قلبها و روحها تواجهها مره واحده فهى منذ وفاه فارس و هى تخفى جزءا كبيرا من ألمها بداخلها..
سكونها مقابل ثوران قلبها!
صمتها مقابل صخب انفاسها!
نفيها مقابل اثباتات روحها!
كل هذا دفعها لتفقد اخر حدود العقل لديها لتجن صارخه و هى تدفع كل ما طالته يدها على طاوله الزينه امامها ليسقط ارضا مهشما..
حبٌ اختارته و اختارها تخونه امام حب اختارته و ليس لها!

حبٌ حمل كل يوما فيه ضحكاتها تخونه امام حب حمل في كل دقيقه دموعها!
حبٌ أحيى قلبها تخونه امام حب أمات روحها!
نظرت ارضا و جسدها ينتفض بكاءا حتى اصطدمت عينها بصوره فارس التى سقطت و تهشم اطارها و زجاجها فشهقت بصدمه نزعت روحها نزعا و هى تقترب من الزجاج لتضع قدمها فوقه و بهذا اقنعت نفسها بعقاب فارس لها...

صرخت بألم و قطع الزجاج تمزق قدمها و لكن وجع روحها كان اقسى و اعنف و هى تمتم بحاله من اللاوعى: انا خاينه، انا خنته، خنت حبه ليا...
تجسدت امامها صوره مازن و حياه و هو يعبر عن حبه بوضوح و شفافيه لها فزاد ضغط قدمها على الزجاج لترتفع صرخاتها وجعا و خزيا و صوتها يرتفع و هى تلوم نفسها بقسوه: انتِ خاينه يا حنين، انتِ خاينه..

فُتح باب الغرفه بقوه و دلف مازن و خلفه حياه – بعد ان استمعا لصوت التهشم وصرخاتها التى تلته بلحظات – فشهقت حياه بعنف من مظهر حنين و الدماء التى تركت اثارها على الارض بينما شعر مازن بالدماء تتجمد في عروقه و هو يراها على هذه الصوره فاقترب منها هاتفا بجزع: حنين!

توقفت مكانها عندما وصلها صوته المتلهف و هى ترفع عينها بحده كبيره اليه لتشير بسبابتها عليه هادره بغضب خارج حدود مداركها: متقربش منى، اخررج بره..

توقف دون التقدم عاقدا حاجبيه بتعجب من صراخها، مظهرها، دموعها، و ايضا ما تفعله بنفسها و لكنه اعتقد ان كل هذا لصدمتها التى اعادتها ليوم زفافها فتقدم منها مجددا و لكنها عادت للخلف الخطوات التى تقدمها هو و هى تحرك رأسها بهيستريا غير اعتياديه مع قولها النافى بانفعال شديد حتى بدت له غائبه عن وعيها: انت بالذات مش عاوزه اشوفك، اخرج من حياتى..

ثم ضربت صدرها موضع قلبها بقسوه بقبضتها و دموعها تزداد انهمارا و لكن كلمتها التاليه ضربت قلبه في مقتل عندما صرخت بغضب ربما من نفسها اكثر منه: اخرج من قلبى!

نقلت حياه بصرها بينهم مدركه ان الوضع هنا لا يرغب بها قبلهما فانسحبت بهدوء للخارج رغم خوف قلبها على ما فعلته حنين بنفسها و لكنها مدركه كما كانت هى بحاجه لمازن حنين بحاجه اليه اكثر منها خاصه ان تلك العنيده ترفض الاعتراف لنفسها بحبها الذى ملأ روحها قبل قلبها كما ان مازن في اشد اوقاته احتياجا اليها!
بينما رمقها مازن بصدمه و كلمتها تخترق قلبه بمعنى تمناه و يخشاه!

بقدر ما كانت الكلمه بسيطه بقدر ما كانت قويه،
و رغم ما حملته من مشاعر جميله حملت اكثر من مشاعر النفور و الكره،.

و لكن مظهرها هذا لا يمنحه فرصه التحدث حتى فاقترب منها اكثر و لكنها تراجعت مجددا لتضغط على قطعه عريضه من الزجاج فصرخت صرخه اخرجت معها آه قلبها فانتفض من مكانه ركضا باتجاهها ليُمسك ذراعها و لكنها نفضته منه و هى تدفعه عنها صارخه بنبره مشتته: انت ليه عملت كده؟ انا مش خاينه، مش هخونه، ازاى تعمل فيا كده؟ و ليه؟ ليييييه!
ازداد انعقاد حاجبيه و هو لا يدرى عما تلومه!
ماذا فعل بها؟

لحظه واحده، عن اى خيانه تتحدث؟!
من ستخون!
بدأ هاجس الحقيقه يداهم عقله الذى انكرها و يستقر بقلبه الذى استقبلها، فانتقلت حيرتها اليه بأقسى ما يكون و اجمل ما يكون!
عادت تهتف بما يشبه الهذيان و ملامحها تبتعد تماما عن ملامح حنين الهادئه لتظهر بصوره جنونيه مع اختلاط حكل عينها بدموعها: انا مش خاينه، مش خاينه...

ثم اقتربت منه لتضرب بقبضتها على صدره دافعه اياه للخلف و استسلم هو لدفعها و عيناه مثبته على قدمها الدامى: انت السبب، انا بكرهك، ايوه انا بكرهك، انا مش عاوزه اشوفك، اخرج من هنا، اخرج من حياتى، اخرج منها، اخرج..
تمتمت بالاخيره بضعف و عارضت يدها لسانها و تمسكت بقميصه بقوه تجذبه باتجاهها و اخفضت رأسها ارضا و ظلت تردد ما بين: اخرج و بين انا مش خاينه.

بينما هو تجمدت يديه بجواره و هو عاجز عن ضمها حتى و كلماتها تُأكد له صحه شعوره بحبها، هل هذه النتيجه اذا، أحبته فرأت نفسها خائنه!
لو تجاهلنا حقيقه ان فارس اخ مازن!
ألا تعرف انه لا يحق لها شرعا التفكير بأحد ما دامت على ذمته!
ألا تعرف ان صوره التى ملئت غرفتها، كلامها عنه و وصف مشاعرها اليه لا يحق لها ما دامت على ذمته!
ألا تعرف ما فعلت هى به قبل ان تفكر عما فعله هو!
ثم علام تلومه هى؟!

تلومه على عشقه لها ام على عشقها اليه!
تلومه على خيانته لاخيه الراحل ام خيانتها لزوجها الراحل!
تلومه على دقات قلبه باسمها و هو متزوج ام على دقات قلبها باسمه وهى ارمله!
تلومه ام تلوم نفسها!
ثقلت انفاسها على كتفه الذى مالت عليه و هى تغمغم بصوت خافت غير واعيه و كأنها على وشك فقدان الوعى: انت مبتحبنيش، انت بتحبها، بتحبها هى، انا بقيت لوحدى، هو سابنى لوحدى، و انت هتسبنى لوحدى، هفضل لوحدى...

ثم سقطت رأسها عن كتفه مستسلمه للسواد الذى لفها و غيبها عن الواقع تماما و كانت الكلمه الاخيره التى اخترقت اذنه بسهم اوضح له ما صار و ادى بها لهذا الحال: بلاش تسافر، متسافرش!

اسندها بذراعيه اخيرا دون دفع منها ثم وضع يد اسفل ركبتيها و الاخرى على خصرها ليحملها متجها بها للفراش، وضعها اعلاه ثم خرج طمأن والدته التى استيقظت على صراخها و لكن بمجرد ان سمعت الحديث امتنعت عن الدخول و احضر علبه الاسعافات الاوليه عائدا اليها و اغلق باب الغرفه خلفه، و بدأ يطيب جروح قدمها و التى مزقتها الزجاجات حتى انتهى فاقترب منها ماسحا على شعرها مزيلا خصلاتها التى تعلقت بوجهها و خانته اصابعه لتمر بخفه على ملامحها الساكنه..

ما اقسى ان يكون الحلم بين يديك و رغم ذلك تعجز عن تحقيقه..
فما اسوء من الكره، الحب المحرم!
ماذا يفعل الان؟!
هل يفرح لاعترافها بحبه حتى و ان كان عن طريق كلمه انا بكرهك او حتى اخرج من قلبى ؟ ام يبكى وجعا على رفضها لمشاعرها دون حتى ان تعلم مشاعره؟!
هل يفرح لامتلاك قلبها ام يبكى لفقدان قلبه!
هل يفرح بشعور الفوز بها ام يبكى دماً لشعورها به خيانه!
ما هذا الاختبار القاسى؟ و ما هذه النتيجه الغاليه؟

قلبه يتلوى ألما و هى امامه، فما بال غيابها يكون؟
روحه تشتاق اليها و هى حاضره، فما بال فقدها يكون؟
نبضاته تهرب منه اليها و هى قريبه بعيده، فهل تكون يوما قريبه!
فهى اقرب ما يكون و لكنها كالنجم اللامع في سماء صافيه بعيده كل البعد عنه!
اغلق عينيه مستندا بجبهته على جبهتها متمتما بنبره متألمه و كأنه يقوى نفسه بكلمات اخيه: دعنا لا نترك باب الماضى مفتوحا حتى لا يظل باب المستقبل مغلقا...

خطوه اخيره سيخطوها و ستكون اما البدايه و اما النهايه!
اما اول الكلام او خاتمته!
فلقد كثرت السطور بينهما التى لا تغن و لا تسمن من جوع عاطفته!
فإن كان لقائهما قدر!
و تعب قلبيهما خطأ!
ف والله ان عشقهما اجمل خطيئه و اعظم ذنب...
و هل في قلب المحببين من سلطان يمنح او يمنع!
فرحمه الله على قلوب العاشقين!
و الان مازن لن يعطى بل سيطلب و ببذخ!
الان لن يتخلى بل سيتمسك و غصبا او يترك قصدا!

الان لن يسمح لفرحته بالهروب بل سيقتنص آلاف الفرص لامتلاكها!
و تأخر كثيرا على هذه الخطوه و لكنها حانت، حانت و ليكن ما يكن!

قل للرياح تأتى كيفما شاءت، فما عادت سُفننا تشتهى شيئا...
استيقظت صباحا لتفتح عينها ببطء فاجتاحها شعور بالالم غزا جسدها بأكمله فأغلقت عينها مجددا لتفتحها على صوته الهادئ: صباح الخير..
رجفه غريبه سرت بجسدها و هي تتذكر الليله السابقه كحلم بعيد، تتذكر بعض هذيانها و حركاتها الغاضبه على الزجاج المتكسر ارضا، و اخيرا سقوطها بين يديه لتتوسله ألا يرحل...

ضغطت عينها بقوه اكبر و هي تحاول منع غصه حلقها التي اصابتها دافعه اياها برغبه في البكاء و لكن يده التي لامست خصلاتها تبعدها عن وجهها جعلتها تشهق بحده و هي تشعر بلمساته الدافئه تُشعل نيران احساسها القاتل بالخيانه...

ففتحت عيناها لتُفاجئ بوجهه القريب بشكل خطر على نفسها و قلبها فعادت بجسدها للخلف و هي ترمقه بحذر و عيناه تطوفان وجهها بابتسامه هادئه لم تفهمها، و لكنها ما لبثت ان حمحمت بخجل و هي تعتدل ناهضه عن الفراش وقفت بخجل فاق ضيقها تعدل من وضع ثيابها و تلملم خصلاتها المشعثه بشكل عشوائي اصاب قلبه في مقتل،.

فأخذ نفسا عميقا لينظر اليها بعمق لاول مره، يغمرها بنظراته العاشقه بدلا من تلك الحانيه، ليبتسم بوله بدلا من ابتسامته المتحفظه، ثم ينهض واقفا امامها و هي ينقل بصره بهدوء من اعلى رأسها لاخمص قدمها فدفعها ذلك لتبتلع ريقها بارتباك و هو يعود بعينه اليها ليهمس اخيرا مخلصا اياها من اعتقال نظراته الغريبه: رجلك عامله ايه دلوقت...؟!

قالها و هو يشير على قدمها التي لا تدري متي ضمدتها و لا تشعر بألمها من فرط توترها بل تشعر بتنميل ثقيل شمل أطرافها جعلها بالكاد تستطيع الوقوف، لتجمدها كلماته التاليه التي قالها بنبره مباشره دون تمهيد او تمهل: فاكره كلامك بالليل يا حنين..!؟

اغلقت عينها و هي تحاول التوازن لتستند على الدولاب خلفها بأصابعها الواهنه و هي تتذكر كلماته لحياه و كلماتها هي له فهمت بالتحدث عندما عاود هو سؤالها بنفس الاصرار غير عائبا بارتباكها الذي اقسم الا يعيره انتباه حتى تُضع النقاط على حروفها الصحيحه..
فكفي عبثا بقلبه و قلبها، كفي وجعا لروحه و روحها، كفي هروبا منه و استسلاما منها، يريد شيئا فليجاهد من اجله،.

كانت نهال دائما ما تقول له ليست المطالب بالتمني و لكن تُأخذ الدنيا غلابا
و هكذا هو مطلبه، حبه بل عشقه سيأخذه غلابا، اعتاد هو على اليسير، أُمر تُجاب، فقط يؤشر على ما يريد، يُحضر اليه،
و الان هو سيحارب ليفوز بقلبها و عقلها معا،
اقنع قلبه و نفسه - او هكذا اعتقد - و بقي قلبها،
فإما اقنعه و إما اعتقه، اما هذا و اما ذاك لا وسيط بينهما!..

خرجت نبرته جامده بصوره جديده على نبرته الحانيه: طيب عارفه معني كلامك..؟!
حاولت تجاهل ما شعرت به من تواثب قلبها المجنون بخفقاته التي كانت اشبه بصفعات حاده على صفحه ضميرها،
ففتحت عينها و رمقته بنظره زاجره اعتقدت انها كالعاده ستنهيه و لكنه ظل على نظراته المربكه لها حتى قررت هي انهاء هذا الصراع الكبير عندما تمتمت بصوت بالكاد يُسمع: مش فاكره حاجه.!
جنون بجنون اذا!

جنون منها عندما احرقت قلبه ببراءتها و اذابت جليد نفسه بضحكتها،
جنون منها و هي تحاول دفن الحاضر بروحها لتشقى،
جنون منها عندما احبته،
و جنون منها عندما عشقها!
و جنونه هو كان عندما امسك بمعصمها الان ليجذبها بعنف لاصقا ظهرها بصدره لتصرخ بحده متفاجئه قبل ان يشتعل جسدها بجنون اسفل لمسته الناعمه و هو يمتد بيده حول خصرها حتى عقدها امام بطنها مستندا بذقنه على كتفها هامسا بخفوت غاضب: متأكده انك مش فاكره..؟!

حاولت التملص من يده، و لكن يداها تجمدا فلم تستطع ابعاده،
ترغب بالهروب منه و لكن جسدها اعلن التمرد و استمتع بحضنه،
تريد الغضب لتحرقه به و لكن عجبا فلم تجد في نفسها سوى استسلاما لدفئ ذراعيه،
فمال عليها ضاغطا جسدها اكثر و رغم احساسه بأنه خطأ، مطالبته هذه خطأ، رغبته بزوجه اخيه الراحل خطأ، و لكن انانيته لها و بها فاقت و اطغت على كل شئ،.

فهو على استعداد لمحاربه نفسه و نفسها فداء لعلاقه تجمعهم، على استعداد لقتل الذنب في قلبه قبل قلبها ليعيش معها ما بقي من سنين عمره، على استعداد لدفن وجعه و وجعها ليبدأ معها هي فقط ما ظل طوال عمره يتمناه و يدعو الله به.
لهذا عاود همسه بجوار اذنها و انفاسه تصطدم ببشره عنقها: مش فاكره، مش فاكره انك اعترفتِ ليا بح...

شعرت بالكلمه التي سيقولها فانتفض قلبها بين اضلعها لتتمرد يدها اخيرا لتدفعه عنها بقوه و هي تستدير اليه بحده بالغه قبل ان تصرخ بغضب و هي تدفع كتفه عنها و فيضان مشاعرها فجرته كلماتها كأنها تقنع نفسها بها قبله: اوعي تنسي نفسك و تنسي انك مجرد زوج مؤقت علشان اهرب من تحكمات بابا، اوعي تنسي ان انا مرأه فارس و هفضل لحد ما اموت مراته، اوعي تنسي نفسك و تفكر انا في حاجه ممكن تجمعنا، احنا مفيش حاجه بينا و لا هيبقى فيه، أ...

اختفت باقي كلماتها بين شفتيه التي احتضنت شفتاها بقوه ادت لاتساع عينها بذهول تام و هي تشعر به يدنس شفتاها،
تشعر به يمحي اثر قبله قديمه كان لها بالغ اثر السعاده على قلبها،
شعرت به يجرد كل ما بقي من تماسكها التي حاولت تجميعه لتدفعها عنه و لكن بدون فائده!
و وسط طوفان غضبه و فوره انفعالها ظهر طيفا خفيا من مشاعرهما التي أيدته تلك القبله،.

فشعرت بضميرها المتعذب بذنبه يُخدر تماما امام ما اجتاحها من شعور قوي بمشاعره،
شعرت بقلبها يترنح سعاده و حزنا، و عقلها يبتسم لهفه و انتشاءا،
بينما هو يكاد يلعن تسرعه و لكن تحمل اشهر و اشهر فاين التسرع اذا...؟!
يلوم نفسه و يجلدها بسياط الندم و لكن احساسه الان يدفع مقابله هنيئه ايامه كلها...

دفعها عنه بغضب عاصف تملك روحه فرحا، ندما و احساس بالذنب يجلده بقوه ليهتف محاولا منع انفاسه اللاهثه: بمزاجك، غضب عنك انا جوزك، مش زوج مؤقت و مع الوقت هتنتهي صلاحيته و يبقى غير قابل للاستخدام!؟

كانت تنظر لوجهه بذهول مما حدث للتو و لكن كلماته افاقتها لتملع عينها ببراءتها التي شعرت به يدنسها، فاعتقل ذراعها بقوه غضبه الان لتكن اول مره تري غضبه ينصب عليها كاملا و هو يضغط ذراعها بقوه صائحا: اهي نظرتك دي السبب، براءتك دي السبب، هدوئك ده السبب، انتِ السبب مش انا! انتِ...

ثم دفعها لتطالعه بصدمه تملكت منها و هي تسمع كلماته التي منحتها اعترافا غير مؤكدا و لكنه منحها اياه كاملا مما جعلها تبرق بعينها بدهشه مع شهقه خافته هربت من بين شفتيها التي ما زالت تحمل اثر اكتساحه لها: انتِ اللي اجبرتِ قلبي يتعلق بيكِ، انتِ اللي خطفتِ راحه بالي، انتِ السبب في كل المشاعر اللي بانها قلبى وانتِ السبب في بدايه هدمها، انتِ حكمت عليا بالحياه و بعدين على غفله عدمتينى.

وضع يده على خصلات شعره بتشتت قائلا بغضب مستنكر و هو للمره الاولى يُنفس عن مكنونات قلبه و حيره عقله: انا حبيت واحده و حاولت انجح علشانها و لما اتجوزت انا حسيت اني خسرت و قولت مستحيل انساها، بعدها اتجوزت حياه و رغم قربها مني لكن بردو مقدرتش احبها و فضل الجرح القديم معايا، لكن انتِ...

وضع يده على شفتيه ليلتقط انفاسه و هو يوبخ نفسه آلاف المرات على استسلام لسانه لسرد ما يعتل صدره و امامها هي خاصه و لكنه لم يعد يُدرك سوى شيئا واحدا و هو انه امامها كل ما به يعارضه فأردف بنفس النبره التي جمعت مرارتها بشجن كلماته فخرج صوته متذبذبا: انتِ كنتِ فيضان غرق اى حاجه قبلك و فضلتِ انتِ، لا لقيت قديم و لا جديد بس انتِ، نظره الحزن مع ابتسامه فرحه كانت بستفزني احضنك، لمعه الخوف مع الامان و الثقه كانت بتناديني اطمنك اكثر و اكثر.

اخذ نفسا عميقا و هو يقترب منها ليصرخ بنيران عجزه و قوه حبه و ضعف قلبه امام ضميره الذي يجلده بذنبه: انا معاكِ بقيت تايه، حاسس اني متغرب في وسط صحرا لا عارف ارجع ولا قادر اكمل، مش قادر اوقف حبي و لا قادر استم، نفسي اقرب بس لازم ابعد، نفسي المسك بس لازم احفظك، انتِ حلالي بس حرمتك على نفسي، بس ده...

قالها ضاربا قلبه بقوه ليهدر بعلو صوته و عيناه تغيم بضبابات وجعه و اسفا بغمامات عشقه، فاختلط سواد ذنبه بنقاء حبه ليمنحها مزيج مهلك من مشاعره: بس ده مصمم يوجعني، كنت شايفك اخت و حلفت اشوفك اخت، بس قلبي شافك زوجه، شافك ام لولادى،
صمت لحظات مرت كالدهر على كليهما ليهمس بتهدج و صوته يدل على معاناته قبلها: شافك حبيبته...!

شهقت بانتفاضه و دموعها تجري على و جنتيها بعجز قيد كلاهما حتى اقترب منها ممسكا بيدها بقوه هاتفا امام عينها بقوه: و لان انا عارف، ان قلبك لا يمكن يشوفني، ان ذكرياتنا مش هتتعدي مجرد ذكريات انا معدش ليا طاقه احتفظ بيها،
لمعت عينه و الخاطر الاخير الذي دمر خطته السابقه بالطلب، خطته بالاخذ رضي او غصبا، خطته الذي رسمها مساءا ليفوز قلبه بأمانه و تعود لانتفاضته نبضاته، كل هذا تاه عند المواجهه..!

هي تحبه و لكنها لن تستطيع تقبل الامر، هو يسكن داخلها و لكنه ايضا ليس موجودا،
و هو يحبها بل يعشقها و لكن يبدو ان حذاء الوصل الذي اوصل الامير لاميرته كُسر، كسرته اميرته نفسها...
و يبدو ان ما بقي منه سليما سيكسره هو فغمغم بحزم رغم اشتعال نبراته بعجزها: لازم نحرقهم، .

تحرك بها لخارج الغرفه ليتوجه باتجاه غرفته اسفل الدرج التي طالما جمعته معها، فتح بابها، اوقفها مشيرا للداخل بسبابته و عيناه معلقه بذلك المكان باشتياق صائحا بعنف يلومها و ربما يلوم نفسه او يلوم تلك الظروف التي جمعت قلبين رغم تعلقهما ببعضهما البعض هناك رابط اغلظ و اقوي يقف بينهما: المكان ده محدش دخله غيرك، المكان الوحيد اللي شاركتيني فيه، المكان اللي جمع اول حاجه لمست قلبى،.

صمت لحظات ثم اشار على الارض بسبابته المرتجفه و هي تشعر بنفسها خارج حدود الوعي فلا قدره لها حتى على التحدث كأنها ابتلعت لسانها فما عاد ينفع كلاما و لا يجدي العتاب نفعا و لا حتى تملك صرخه تعبر عما يجيش بصدرها هي الاخري حتى وصلها صوته المعبأ بشجونه: اول مره اشوفك بعين قلبي كان هنا، , - قالها متذكرا يوم دلفت و جلست ارضا ترسم دون ان تنتبه لمراقبته لها -،.

تهدج صوته بشجن ذكرياته و هو يدور بعينه على لوحتها بوجه فارس ليشعر بنفسه - خلافا لتوقعه - اقوى، شعر ان ما يفعله صحيحا و فارس لو حيا لشجعه على هذا، فأردف بنبره اكثر تحشرجا و هو ينظر لذلك المقعد الذي جلست فوقه سابقاا: اول ضحكه بجد كانت هنا، - قالها متذكرا يوم خط بيده خطوط عشوائيه لتكملها هى -، اول مره اشوف خوفك عليا كان هنا - قالها متذكرا يوم سالت الدماء من انفه لتعالجه هي بصرامه غاضبه -،.

ابتسم بتهكم و قلبه ينزف مع سيل ذكرياته العامره معها في هذا المكان و اكمل بنفس يجاهد ليبقى صامدا: اول مره اغضب عليك كان هنا، - قالها متذكرا غضبه عندما اخبرته برحيلها -، اول مره احضنك و انا عارف و فاهم مشاعري كان هنا، - قالها متذكرا حضنه لها لتبكي بين ذراعيه بعد صياحه بها -،
اغلق عينه عن المكان لحظات و هو يهمس بصعوبه و صوت مشبع بحنينه و حبه لهذا المكان: اول حاجه بينا كانت هنا،.

ليفتح بعدها عينه باصرار ليكمل بصوت رغم اهتزازه رج قلبها رجا، رغم تقطعه اصاب عقلها خوفا، و رغم استسلامه حمل لنفسها حزما و قوه بل تجاوز الامر للقسوه: و اخر حاجه بينا هتبقي هنا...!

ثم تحرك بغضب لمكان جانبي ثم مال يحمل شيئا بيده لم تنتبه له حنين و هو يقترب منها معتقلا نظراتها بعينيه التي حملت من رفضه ضعف قبوله، من حزمه ضعف توسله، و حملت من قلبه ما قتله، و من عقله ما جعله يجن تماما و هو يسألها بحده: مفيش حاجه هتجمعنا..!، لا يمكن يبقى في حاجه بينا؟!، هتقدري تعيشي حياتك من غيري، هتقدري تخلصي من مشاعرك و معاها تخلصي من ذنبك؟!، انتِ عاوزه كده يا حنين صح؟! عاوزه ترمي كل حاجه ورا ضهرك للابد صح...!

ثم اخرج ما حمله امام عينها و هي يُزيح غطاءه لتفوح رائحته النفاذه لتجعلها تجحظ عينها بذهول و هي تميز رائحه جاز لتكون كلمته التاليه الاخيره التي قالها بحزم نافي قلبه الذي خر صريعا بين اضلعه بعدما فشلت كل توسلاته و نداءاته الراجيه: يبقى دا اول مكان لازم نخلص منه!

بدأ بسكب السائل بكثره في تلك الغرفه التي جمعت كل ذكرياتهما معا، بحلوها و مرها، بتفردها و وزرها، بجمالها و تميزها، عود ثقاب، نظره حازمه اليها، اشعاله ثم القاءه، تندلع النيران، لتصرخ هي بجزع و النيران تكوي قلبها كيا بألمه و ذكرياتها معه تملأ روحها فرحا و وجعا و هي ترى ذكرياتهما تُمحي امام عينها لتجده يركض للداخل مسرعا ليحمل شيئا ما ثم تبعها باخري و خرج من المكان بعدما طالت النيران ذراعه و ظهر ملابسه، لتأتي نهال و حياه فزعا على رائحه الدخان التي ملئت المنزل فاستند مازن على الحائط ليمرغ ظهره به حتى انطفئت النيران و هو مدركا انها تركت ندوبا لن تُمحي عن ظهره يراقب اشتعال ذكرياته معنويا قبل ان تكون ملموسه كما يشتعل قلبه الان...

فركضت نهال و حياه لتأتي كلا منهما بوعاء مملوء بالماء عل النيران تخمد، وعلي جانبي الغرفه وقف كلاهما ينظر للاخر حتى اقترب مازن منها متمتما بجديه و صرامه مفرطه: اتحرقت الذكريات، لو قدرت تحرقيها من قلبك، لو قدرتِ تنسينى، فأنتِ طالق!

صرخت بملأ روحها من وجع و صدمه و هو يقولها بهذه البساطه قبل ان يفتح يدها واضعا بها لوحه ما و التي كانت لوحتها لفارس و لكنها لم تنظر ليدها بل تعلقت عينها بعينيه التي امتلئت بقسوتها المشبعه بدموع حسرته على قلبيهما و لكن هذا الحاجز سيظل بينهما ما دام وضعوه هما بأنفسهم حاجزا و غمغم مجددا بضعف غلب صوته: دي انا عارف انك مش هتقدرى تعيشى من غيرها،.

ثم رفع اللوحه الاخري امام عينها جابرا اياها للنظر اليها و التي كانت اللوحه التي رسمتها باحساسها له و هي محتضنه اياه و ابتسم ابتسامه جانبيه عبرت عن وجعه قائلا بخفوت اصاب قلبها مُزيدا جروحه: اما دى انا مش هقدر اعيش من غيرها!!
و تركها و خرج من المنزل تماما، و ادركت هي انه لن يعود، حتما لن يعود...

اقترب منها بهدوء جاثيا على ركبتيه امامها ليضع يده على وجهها برفق حتى لا تنهض من نومتها التى لاقتها بصعوبه بعد عده ايام، سلمي بتمردها و قوتها المعتاده كانت اضعف ما يوم تلك المواجهه، ليدرك امجد امرا جديدا بها و هو انه رغم قناعها القوي الذي تخفي خلفه اي الم او وجع يصيبها اضعف من ان يتحمل وجع أحد، انهيار البعض، صمت البعض و صدمه الاخر ذاك اليوم جعل قلبها يأن وجعا رغم انها اقل المتضررين، .

طبع قبله صغيره على جبينها و احساسه بها يزداد كثيرا حبا و اكتمالا، اشتاق حقا لتلك المجنونه،
احيانا لا نُدرك مدي محبتنا لمن حولنا سوي بالازمات، و حقيقه لولا مشكلتهم الحاليه ما ادرك ابدا انه لا يستطيع العيش بدونها.

قطع افكاره همهمتها الخافته و هي تمط ذراعيها بتثاءب حتى فتحت عينيها ليكون وجهه القريب اول ما يغزو عقلها، عيناه الصافيه كصفاء السماء في نهار بلا غيوم تمنح قلبها السكينه و هي تعتدل جالسه ليساعدها هو بيده على ظهرها بخفه متمتما باشتياق لتلك الكلمات: صباحك جميل متمردتي الجميله..

ظلت تحدق بوجهه قليلا و هي تراقب نظراته الحانيه التي غلفت روحها بنسيان مؤقت عما مر، فقط تتذكر ما آلت اليه حياتهم بفعل تمردها و مازال هو يري تمردها جميل..!
كفي يا سلمي، كفي تعنتا، اعترفي بخطئك في حق نفسك و حقه،
اوجعتك كلماته و لكن انتِ اوجعته بتصرفاتك، اعتذر هو و لابد لكِ من الاعتذار...
وضع يده على رأسها يعدل خصلاتها المموجه و التي انتشرت حول كتفها بعنج و قال بنبره هادئه كعادته: احسن دلوقت..؟

امسكت يده لتجعله يجلس امامها و ضمت يديه الاثنتين بيدها لتتعلق عيناها بسماء عينيه التي لمعت باشتياقه لها و غمغمت بخفوت: انا اسفه..
و دون تمهيد كانت جسدها بين ذراعيه يضمها بقوه كبيره حتى كاد يكسر اضلعها فانتفضت بين يديه،
بكاءا على ما مر من ايامهما هباءا دون ان تنعم بحضنه،
اسفا على ما فاتها طوال الايام والليالي السابقه من حنانه و امانها بين ذراعيه،.

و ندما على تسرعها الذي دفعها خطوات بعيده عنه لتشكو هي الفراق و الاشتياق قبله..
بينما تنهد بحراره اخبرتها عن مدي اشتياقه، متمتما بنبره ثائره و هو يضغط جسدها بخفه: انتِ بنتى الاولى يا سلمي، يحق لكِ الدلال كله، ، ثم دفن وجهه في عنقها لتغمره رائحتها المتمرده مثلها بما لها من اثر عابث على نفسه و تنهد بحراره هامسا بصدق ارتياحه بين ذراعيها الان: وحشتينى.

حركت ذراعيها اخيرا تتمسك به بقوه و هي تُعيد همسه بأخر اكثر شجنا: اللي بينا مش حب، , ليبتسم هو مبتعدا ضاما وجهها بيديه ليغمزها بعاطفه سخيه: قد ما هو اكتمال.

و كأن عدوي ابتسامته انتقلت اليها و علامات الندم مازالت تترسم بجداره على وجهها و هي تعقد حاجبيها فرفع يده يزيل عقدتها بنفسه قائلا بخبث و هو يميل عليها محاولا ابعادها قدر الامكان عن تذكر ما حدث حتى كادت شفتاه تلامس خاصتها: اعتقد من حقنا نفكر في شهر عسل تانى،.

و بدلا من ان تجيبه بادرت هي بالاقتراب لتمنحه اجابتها بين شفتيه بهديه تناسب تمردها و جنونها فرفع حاجبيه بدهشه سرعان ما تحولت لاستمتاع تام، لحظات ثم ابعدها عنه ليضم كتفها اليه طابعا قبله صغيره اعلى رأسها بحنان وهدوءه المطمئن يعود اليه ليغمر روحها مع كلماته: دائما يقولوا ان الحقيقه بتوجع بس بعدها بتبقي واقف على ارض صلبه، ارض عارف بدايتها فين و نهايتها فين، الحقيقه كانت بعيده عن اي تخيل و اصعب من اي وصف لكن انا متأكد انها هتبقي بدايه لحاجات كتير، و اللي هيختار يهدم نفسه بالماضي يبقى ميستاهلش الحاضر!

نظرت لعينه التي جمعت ثقته بإيمانه ليكمل بنبره اكثر ثقه: ربنا عز وجل بيقول لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۚ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ ، و مفيش احن من ربنا على عباده، ف هتقلقي ليه و ربنا موجود و قادر يهدى الروح و يريح البال..!

تنهدت بارتياح نسبي شاكره لها صنيعه، فقبل ان تحرر شكوتها الجمها هو بحنانه، بمواساته و حسن اقناعه لقلبها الذى كاد يموت قلقا على افراد العائله ما فرط ما يصيبهم من احداث، شعرت به يبتعد عنها ناظرا لبطنها الذي انتفخ قليلا ليداعبه بحنان فابتسمت بسعاده حقيقه وهي تري زوجها و طفلها واقعا حيا ملموسا امام عينها.
فمر شريط حياتها امام عينها، حقا لو اطلعتم على الغيب لإخترتم الواقع.

و صدق عزوجل عندما قال { وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُون َ}، تجلت الايه الكريمه في حياتها كثيرا،.

اُعجبت بفارس، اعتقدته حبا سجنت نفسها بين طياته، و ربما لو تزوجته لذاقت هي نار الفراق و ربما ما تحملته، شعرت حينها بأنه عز وجل ظلمها، اتعب قلبها و لكنها الان تشكره و تعتذر، تعتذر على سوء ظنها بالله - حشا لله -، تعتذر على ما تمنته من مكسب قريب و لو ادركته لما ادركت عظم هذا المكسب البعيد،.

وهم الماضي امام جمال الحاضر، وجعها بعقم مزيف ادى لسعاده حقيقيه بالمولود لها و له، فسبحانه تعالي جعل حكمه لكل شؤونهم،
شرها قبل خيرها، و مرها قبل حلوها،
و الان هي راضيه بما فات، و اكثر رضا بما هو آت...!

أثناء سعيك للانتقام ربما تفقد اكثر بكثير مما تجنى، فاتنبه و انت تحفر قبر غيرك ربما تُفاجأ انك حفرته لنفسك...
الاصابه مش سهله يا سياده النقيب، مدام نجلاء فقدت عينها اليسري، و في كسر في الانف، دا طبعا غير كميه الدم الكبيره اللي فقدتها، و الاسوء من ده كله اصابه رأسها و اللي ادت لشلل رباعى.

كانت تلك كلمات الطبيب الذي اهتم بحاله نجلاء بعد ما اصابها اثر اندفاع عبد الرحمن بغضبه عليها، زفر عاصم بقوه و هو يقف بجوار ظابط الشرطه الذي جاء لمتابعه حاله نجلاء قبل القبض عليها، فقبل ان يجعلها عاصم تعترف كان قد حصل على اذن رسمي بالتسجيل و الذي على اساسه قد ادانت الشرطه نجلاء و صدر اذن بالقبض عليها، و لكن لضروره وجودها بالمشفي تحدث الظابط بعمليه: هيتم نقل مدام نجلاء لمستشفي السجن لحد ميعاد عرضها على النيابه..

و بالفعل تم الامر بسرعه و مازالت نجلاء لم تستعيد وعيها بعد،
ان الله يمهل و لا يهمل
كانت تظن انها ستستطيع اخذ الحياه غلابا، و كأنها تحرك الشمس بين كفيها، و تدور الارض برغبتها و لكنها لم تدرك ان لكل ظالم يوما،
يوما بل لحظات فقدت فيها كل ما تملك،
فلم تعد تجد لا قوه جسديه، لا قوه عقليه، و لا حتى قوه نفسيه، فقط حطام..!

حطام لامرأه استضعفت الجميع اعتقادا منها انها القوه، امرأه لم تترك حسنا إلا و شوهته، امرأه كانت عنوان التعاسه، و مع كل هذا فشلت...!
فتحت عينها اخيرا لتنظر حولها برؤيه مشوشه و هي تشعر بضيق نظرها في مكان محدود و الباقي ظلام، حاولت رفع يدها و لكنها لم تستطيع، حاولت التحدث و لكنها عجزت، حاولت حتى الصراخ بصوت مسموع لم يخرج صوتها الا مبحوح..!
اين نجلاء...؟!
اين القويه مِن هذه الضعيفه...!؟

اين المتعجرفه مِن هذه المذلوله...!؟
اين جبروت الماضي مِن صعلوق الحاضر...!؟
اين مَن كانت مِن هذه..!؟
شعرت بحراره دموعها التي سالت بغزاره على جانب وجهها و هي عاجزه عن اي شئ..
إلى انا وصلها صوته القوي الذي رغم كل شئ لم يفقد ثباته و سيطرته و هو يقول بنبره جامده: حمد لله على السلامه يا نجلاء هانم..
و من اقوي من قلب عاصم الحصري ليدفن شفقته، , و حتى ان ظهرت فنجلاء اخر من سيشفق عليها..!

نعم كانت تدابير القادر القدير بقدره و كانت هي مجرد السبب، في تدمير عائلته، في تعذيب زوجته، في دمار اخته، في قتل صديقه، في شتات ابنها، و في جرح ابنتها، من اين لابن الحصري عليها باشفاق...!؟

اقترب منها عندما شعر بعجزها عن النظر اليه حتى توقف في مرمي بصرها خاصه من نومتها تلك و وضعيه رأسها التي تعجز عن حركتها الان الا من حركات قليله ليميل عليها ناظرا لوجهها الذي اسود بخطيئته متمتما بحده: يارب تكونى حاسه انك احسن، اتمني متكنش في حاجه بتوجعك؟
اغلقت عينها قهرا و عجزا اصاب قلبها في مقتل فتمتم هو: حاسه بإيه يا مدام نجلاء..!

رفع رأسه لاعلي مستغفرا ربه عندما شعر برغبته الشيطانيه في تعجزيها اكثر فردد في نفسه حتى لا يجرفه شيطانه اللهم اعوذ بك من الشماته، اللهم لا شماته ،.

ظل يرددها بصوت عالي حتى شعر بدماؤه تغلي غضبا مجددا و هو حتى لا يقدر على تعنيفها او رد الصاع صاعين الان، و لكن يد جنه التي وضعت على كتفه جعلته يغلق عينه و هو يجاهد نفسه على كظم غيظه و ترويض غضبه فاقتربت جنه منها - و قد اصرت على عاصم اشد الاصرار بل كادت تركض خلفه ليوافق على اصطحابها حتى وافق بالاخير مع طلبها المُلح - و تمتمت برسميه لم تستطع اشاركها بحنانها و دفء كلماتها كالمعتاد و هي حقا تشعر بالاشفاق عليها: ألف سلامه..

نظر عاصم اليها و هي يشعر برغبتها العارمه في البكاء، جنه أصرت على عقاب نجلاء بنفسها، أصرت على رغبتها في تلقينها نتيجه من زرعته، أصرت على نيل حق والدها ممن قتلته لاجل المال، و لما كان المال كل همها قررت جنه معاقبتها به...!
و لكن يبدو انها تتراجع، قلبها الحاني لا يطاوعها بعدما رأت حالتها تلك و لكن عاصم ها هنا لهذا الامر..

فاقترب منها ضاما كتفيها لصدره مؤازرا فأخذت نفسا عميقا و هي تُخرج صندوق صغير لتضعه امام نجلاء التي ساعدها عاصم لتعتدل جالسه و بمجرد ان رأت الصندوق كأنما مسها عفريت اخذت تحاول تحريك شفتاها المائله بلا فائده فخرج صوتها ببحه جعلت جنه رغما عنها تبكى، بدأت تحاول التحرك عن الفراش و لكن من اين لها حركه...!؟

تماسكت جنه و هي تشعر بقوتها الجديده و قسوتها الاخيره رغم دموعها الضعيفه تساندها و هي تفتح الصندوق فاتسعت عين نجلاء بفزع و هي تري حصاد سنينها من اموال، شيكات، ملفات لسنادات و اسهم و غيرها، الكثير داخل هذا الصندوق الذي اخفته في شقتها هنا و لم يعلم عنه احد سوي عزت...

تساقطت دموعها عجزا، قهرا و غضبا لم تستطع التعبير عنه و جنه ترفع تلك الاوراق امام عينها مع قولها: هما دول اللي انتِ بعتِ ضميرك، دينك، دنيتك و اخرتك و ربك علشانهم...!
حركت الاوراق امام عينها باشمئزاز و هي تردف باستنكار و نبرتها يعلوها الغضب المشفق: هيفيدوكِ بإيه دول؟! هيرجعوا عنيكِ، هيساعدوكِ تعيشي حياه وسط ناس بتحبك، هيساعدوكِ علشان ربنا يسامحك..؟!

بدأت جنه في تمزيق الشيكات و المستندات لتتبعها بالاوراق الماليه حتى وضعت الصندوق امام عين نجلاء التي احمرت انفعالا، غضبا و ما بقي به حطاما لثروه مثلها تماما، حطام ثروتها كحطام جسدها و قلبها..
فقالت جنه اخيرا و هي تُزيل دموعها بيدها ببطء تلتقط انفاسها اللاهثه: كل فلوسك ضاعت، اتبرعت ببعضها يمكن الصدقه تنفعك، اما الباقى..

ابتسمت بتهكم خالطه اشفاقها: كل امر الدنيا زائل يا مدام نجلاء، ربنا يرحمك و يغفرلك.
ثم غادرتها بخطوات سريعه للخارج بينما نظر اليها عاصم نظره اخيره تخلو من الشفقه تماما متمتما بقوه و هو يطالعها من اعلى لاسفل بإزدراء: فكري لحظات كده كسبتِ ايه و خسرتِ ايه..!
ثم غاردها هو الاخر تاركين اياها في حاله من هيستريا العجز تكاد تُشعرها ان الموت افضل بكثير من حياتها هذه، رنت كلمات عاصم بأذنها..

ماذا اكسبها ما فعلت و في المقابل ماذا خسرت...!
تدبيرها لمكيده الماضي و طرد امل و ماجد ربما نجحت و لكنها للاسف فشلت في حصولها على ما تريد عبد الرحمن ،
قتل ماجد و الذي دفع ابنته لهذا الضعف و لكنه دفعها لتأتي لهنا فلولا وفاته لظلت معه و لم يعودا ابدا،
اخبارها للجميع بوجوده جنه ليقتلوها جعل عاصم يبادر ليتزوجها، وتدريجيا يختفي الضعف و تظهر القوه،.

اللعب بحياه ابنها زاد من تعلقه بامرأته و تعلقها به حتى اكتملت حياتهم بطفلهم القادم،
تهديد سلمي ادى لتسريع زواجها و اكتمال علاقتها بزوجها،
تدمير حياه حياه و تخريب زواجها السابق جعلها تتزوج مازن لتدخل السعاده حياتها من اوسع ابوابها،
قتل فارس لفتح باب تار جديد لا يُغلق جعل العائلات تدرك قيمه بعضهم فيتمسكوا ببعضهم بدلا من التفرق،
تدبير مكيده حنين و مازن جمعت بينهم لتستظل هى باسمه و يبدو ان زواجهم دائما،.

فقدان عاصم لبصره اكسب زوجته قوه لاجله و لاجل نفسها و لم تفرق بينهما كما اعتقدت و لم تكسر سيطره و قوه ابن الحصرى،
فيما نجحت هي اذن...!
في جمع الاموال، كلا فلقد ضاعت جميعها..!
في قوه بدن، بئست فلقد خانها حتى جسدها و اعجزها اكثر..!
في قوه عقليه و عقل مدبر، عليهم اللعنه فهم من دفعوا بها لهنا..!
فقدت عينها، خسرت قوتها، ضاعت اموالها،
ضاعت اموالها،
ضاعت اموالها،
ضاعت...!

و مع قسوه تفكيرها، اضطربت انفاسها بشكل سئ و هي تحاول الهدوء و لكن بلا فائده فما اصابها من اضطراب مشاعر الان جعلها تترنح كطير ذبيح يتألم و لكنه غير قادر على إزاله ألمه، فقط تتمني هي الان من كل قلبها، من كل قلبها ان يكون أجلها قريب.

ألا ان فرج الله قريب
جلست جنه على الكرونيش بعدما طلبت من عاصم التوقف قليلا، تطلعت للمياه امامها و هي تشعر بنفسها داخل دوامه كبيره و ما زالت بها تدور،
و لكن مع كل هذا يأتي الفرج،
مع كل وجع يأتي الفرح،
مع كل ضنك تأتي السعه،
و وسط ما يحدث جاءها الامل، بل جاءتها الحياه، ,
احتضنت نفسها بيديها و هي تبتسم بهدوء فعلام تحزن..!
هي ادركت جيدا ما معني كلمه قضاء الله.

انتهت حياه والدها ليس لمكيده مدبره بل لان هذا عمره،
عانت و تعذبت ليس بسبب كوثر بل لان هذا قدرها،
هربت و شعرت بيتم ليس لضعفها بل لان هذه حياتها،
فلولا عذابها ثم استسلامها ثم تمردها و قدومها لهنا، لما تزوجت عاصم،
لولا التار القديم و العار الذي الحقه الاخرين بوالدها فلحق بها، لما كُتبت على اسمه و فازت بحياته و قلبه،.

لولا وجعها ما رأت السعاده، لولا ضعفها ما فهمت القوه، و لولا حظها السئ ما ادركت اجمل حظوظ الدنيا و اغناها...!
اتسعت ابتسامتها و هي تردد بالحمد داخلها حتى شعرت به يقف جوارها ناظرا للمياه هو الاخر و كلا منهما يشعر ان الحياه يوما ما ستشبه هذا النهر كثيرا في هدوءه و عمقه، فحتما ستنتهي امواجهم،.

نظرت اليه قليلا ثم ابتسمت و امسكت يده مقبله باطنها بحب شديد ثم ابتعدت عنه متوجهه للسياره فتابعها بتعجب لحظات ثم لحق بها ليغادرا المكان بعدها بقليل دون حوار بينهما.
و اثناء عودتهم رن هاتف عاصم و كان اكرم ففتح الخط محييا حتى قال اكرم بقلق: جنه فين؟! برن عليها تليفونها مقفول...
ابتسمت جنه و صوته القلق يطمئن روحها اكثر،
و ماذا ان كان والدها غائبا فهي لديها اخ بأب، أخ و صديق.!

أجابه عاصم بابتسامه هادئه: جنه بخير يا اكرم متقلقش، انتم اخباركوا ايه؟! و مها.!
جاءه الرد غير متوقع عندما تنهد اكرم بصوت عالي قائلا بحزم: هنسافر..
اوقف عاصم السياره مباشره على جانب الطريق هاتفا بتعجب: يعني ايه هتسافروا..!؟

اخذ اكرم نفسا عميقا و هو يخبره عما انتواه بجديه ادرك عاصم بحدسه انها قرارات نهائيه: هاخد مراتي و ابعد عن هنا مده كده، و هتابع شغل الشركه من هناك و مازن موجود، و منها اقضي شهر عسل و منها ادي لعقلي فرصه يهدي و يرتاح..
هدأ عاصم قليلا و هو يفكر، هل من الصائب ان يبتعد اكرم الان في ظل ظروفهم الحاليه،.

و لكنه وجد ان هذا افضل حل، فأكرم لن يسمح بأي تعامل بينه و بين نجلاء حتى و ان كانت مها الرابط و لكن يحق لهم معرفه ما حدث لها فأولا و اخيرا هي ام زوجته، فزفر عاصم بقوه و هو يسرد له تفاصيل بسيطه عما حدث لنجلاء.
صمت اكرم قليلا ثم تنهد بهدوء متمتما بخفوت: لو مها طلبت تشوفها قبل ما نسافر انا مش همنعها بس انا هسافر هسافر، و معلش يا عاصم مش نجلاء هانم اللي هعملها حساب دلوقت..!

و بعد كلمات عابره انهي المكالمه مع عاصم و نيران غضبه تتصاعد مجددا و لكنه افاق على حركتها خلفه فالتفت اليها ليجدها استعدت كما طلب منها مرتديه ملابسها و بانتظاره فنهض واقفا امامها ثم احتضن وجنتيها مقبلا جبينها بدفء و هو يهيم في بحر الفيروز الذي مهما تلاعبت به الظروف و مهما علت امواج وجعه سيجرفه في تياره،.

و لكنها شعرت بقبلته تختلف عن سابقها المفعم بعاطفته فحركت شفتاها بحديثها الصامت خير يا اكرم ايه اللي حصل..؟
و بدون تفكير وجد نفسه يخبرها بالحقيقه و لكن بصوره اكثر لينا فأغلقت عينها ثوانى.
ما بالها لا تحزن عليها..؟
ماذا حدث لقلبها ليجعلها لا تفكر في رؤيتها...؟!
لماذا الان تحديدا تشعر انها تستحق كل هذا و اكثر..؟!
لماذا تجمد احساسها لوالدتها هكذا..!؟

شعرت بيده تطوق كتفيها ف فتحت عينها و هي تحمل اصرارها و قوتها ثم حركت شفتيها بتمني انك متأجلش السفر انا مش عاوزه اشوفها..
زفر بضيق مغمغما بتساؤل غاضب و في الوقت ذاته مؤازر: علشانى...!
حركت رأسها نفيا لتشير على صدرها بسبابتها محركه شفتيها بكلمه واحده علشانى
اومأ برأسه موافقا و امسك بيدها ليُمسك بحقيبه ملابسهم باليد الاخرى متحركا لخارج المنزل نحو بدايه جديده افضل و اجمل من البدايه القديمه...

بدايه تمناها كلاهما و يستحقها كلاهما...!

هبه، فله قلبى، يا فله..
صرخ بها معتز و هو يدلف من باب المنزل ليصله صراخها الضاحك بالمقابل و هى تخرج بلهفه من غرفه النوم: ايوه، نعم، ايه اللى حصل؟ في ايه؟!

و بحركه مفاجأه وضع يده اسفل ركبتيها و الاخرى على خصرها رافعا اياها ثم دار بها عده مرات و هى تصرخ متعلقه بعنقه و قلبها يكاد يتوقف خوفا على طفلها من سقوط مباغت و لكنه توقف اخيرا ناظرا اليها هاتفا بلهفه و ضحكه واسعه تلون وجهه الذى غابت البسمه عنه طوال الاشهر السابقه: انا ابن حلال يا هبه، انا ابن حلال، انا معتز، استرديت نفسى و نسبى و حياتى كلها، انتِ صح، انتِ دائما صح، مفيش حاجه بتنتهى، انا فرحان يا هبه فرحان..

و بفرحته العارمه اغرق وجهها بقبلاته الشغوفه المتلهفه بينما هى اتسعت ابتسامتها و تمتمت بخفوت: الحمد لله يا حبيبى، ربنا كبير..
ثم عقدت حاجبيها بغضب طفولى مصاحبا لزمه شفتيها بدلال لا يليق الى بها و لا يجوز الا له: ابعد عنى كده نزلنى،
فداعب انفها بأنفه غامزا بمشاكسه و تمتم بخبث متلاعب و هو يشعر انه في قمه استمتاعه و سعادته الان: انا حاسس ان وزنك زاد شويتين يا فلتى...!

ثم امالها موقفا اياها ارضا فاعتدلت هى و دفعته بكتفه بغيظ صاحب قولها الحاد المصطنع: انا اتنين في بعض يا استاذ معتز، , ثم لامست كتفها بكتفه في مرح و هى تهمس كأنها تخبره سرا قوميا: و بعدين يعنى انت حاسس مش متأكد...؟

ارتفعت ضحكاته التى افتقدتها حد الجنون فمالت برأسها على كتفه فضمها اليه بقوه مقبلا رأسها هامسا بوعد صادق ما عاد لديها شك بيقينه: انا النهارده كأنى اتولدت من جديد، و من النهارده بوعدك نبدأ كلنا حياه جديده، احسن و اجمل و افضل بكتير من الاول..
دفنت وجهها بصدره اكثر و ها هى اليوم تستطيع القول انها ربحت الرهان...
و قيمته كبيره، و هل هناك قيمه اكبر من قلبه لدى قلبها؟!

هل هناك اغلى من نبضاته التى تنبض بإسمها؟!
فإن كان الرجال رزق فلقد كان زرقها بجحم السماء و عمق البحار،
و ان كان هناك جنه على الارض فهو جنتها بل كل نعيمها،
ربما ألمها بل كسر كل ما بها، و لكنه لم يرممها فقط بل ازاح كل خدوش ألمها،
فقدت ثقتها به؟
ابدا و لن تفعل، فما زادها تجربه الماضى إلا ثقه، و ما اكسبتها إلا خيرا!

انكمشت ملامحها فجأه و هى تشعر بألام بطنها تعود مجددا فانحنت بجسدها للامام قليلا تضغط بطنها بقوه خفيفه فانحنى بالمقابل ناظرا اليها بقلق متمتما بحذر و هو يساعدها لتجلس: خير يا فلتى..؟

صاحبتها آلام على فترات متفرقه طوال اليوم و عندما قلقت و هاتفت الطبيبه اخبرتها ان هذا امر طبيعى فالتستعد للولاده لهذا لم تذعر و امسكت يده فجلس جوارها فرفعت رأسها و الالم يرسم نفسه على ملامحها و همست ببطء و هى تلتقط انفاسها: متقلقش يا حبيبى دا امر طبيعى، شكلى هولد!
انتفض من جوارها كمن لدغته افعى و هو يصيح بارتباك واضح: ايييييييييييه؟ لا، اقصد ليه، لا يعنى، مينفعش، يعنى، لسه بدرى..

ثم اقترب منها بلهفه مجددا و هى تبتسم مقاومه وجعها و هى ترى لهفته و ارتباكه و هو يضع يده على بطنها المتكور و هتف بتوتر و هو ينقل بصره بين وجهها و بطنها: هو هيخرج خلاص، طيب انتِ كويسه؟
ضرب جبينه بغيظ من نفسه متمتما باستنكار: اكيد طبعا مش كويسه، طيب انتِ هتصرخى زى الستات في الافلام و كده؟
ثم عاود ضرب جبينه و هى يسب نفسه سرا مردفا كأنه يجاوب نفسه: اكيد يعنى هتصرخ مهى ست زيهم!

ثم نهض مجددا و هو يتحرك هنا و هناك بسرعه غير مبرره و هو يهتف بالترتيب مما جعلها تضحك و هى تراقبه بحنان مع ملاحظتها كم اشتياقه لطفله: طيب اجهز شنطه هدومه، طيب هدومك..
استدار لها ليهتف بتذكر: لازم اكلم الدكتوره..
ثم رفع سبابته مفرقعا اصابعه كأنه تذكر شيئا: و لازم اخذ فلوس..
ثم عاد اليها متسائلا بحذر: انتِ هتولدى فين؟
ضرب على فخذيه بعنف من تفكيره الغبى الان ليصيح بنفسه: غبى يا معتز، اكيد في المستشفى..

ثم عاد اليها ليتسائل و هو يضيق عينيه مفكرا فخرجت نبرته مشتاقه بلهفه كانت على قلبها اغلى و اجمل ما يكون: هو حمزه هيتولد خلاص، انتِ هتولدى خلاص، هشوفه، انا هشوفه..
ضمت وجنتيه بيدها لتهمس برفق حانى و هى تداعب لحيته الصغيره التى بدأت بالنمو مقاطعه سيل توتره المتحمس: شششش، معتز، معتز، حبيبى، حياتى و دنيتى كلها، انا هبقى كويسه، و حمزه هيبقى كويس، وهنشوفه سوا، اخيرا خلاص هنبقى سوا!

لمعت عينه و هى يطالع بطنها المنتفخ و يلامسه بيده غير مصدقا كم مرت الاشهر سريعا، ثم رفع يديه ليحاوط يدها التى احتضنت وجهه ليسحبها لشفتيه مقبلا باطنها بحب خالص اخبرتها به قبلته كما تفعل كل حركاته و تمتم بسعاده حقيقه ربما ما استشعرها كلاهما منذ زمن: انا لو عشت عمرى كله اشكر ربنا على نعمه وجودك في حياتى مش هيكفى!

انكمش وجهها بوجعها مجددا و هى تنحنى ضاغطه اسفل بطنها برفق ثم اشارت للهاتف بجواره قائله و العرق يتصبب من جبينها: شوف الساعه كام!
فنهض مسرعا ممسكا بالهاتف و اخبرها الساعه متسائلا بتعجب و تألمها و وجعها البادى بوضوح يربكه اكثر: ليه؟ بتسألى على الساعه ليه؟

اغلقت عينها و هى تضغط شفتاها بقوه و الوجع يزداد لمده اطول و هى تضغط بطنها بيدها بينما هو يطالعها بترقب متفحص و هو يشعر رغم ارتباكه بسعاده و هو يراها هكذا، ليس جنونا و لكن حقا الامر يبدو شيقا، فهى احيانا تبتسم، و اخرى تزم شفتيها بطفوليه متألمه. و احيانا اخرى تصيح به لابتسامته التى لا تفارق شفتيه و هو يتابعها، و احيانا تطالعه بغيظ غاضب، . و تقلباتها تلك تدفعه للتفحص بها كأنها مخلوق فضائى حط على سطح قلبه فامتلكه تملكا ليس بعده فكاكا!

حتى سمعها تزفر بقوه و هى تضغط بطنها متمتمه بضجر: كل 4 دقائق، كل 4 دقائق...
فعقد حاجبيه مفكرا قليلا ثم ابتسم ناظرا اليها بتساؤل متوقعا صارخها بوجهه الان: هو ايه ده!
و كأنها لم تسمعه و انحنت بجسدها اكثر و هى تقف امامه فما عاد بإمكانها تحمل الجلوس و غمغمت كأنها تحدث نفسها وسط انفاسها اللاهثه: قالتلى لما يبقى كل 3 دقائق، لما يبقى كل 3 دقائق، 3 دقائق..

شعر بقلقه يتضاعف فهب واقفا امامها ممسكا اياها من كتفها هاتفا بجديه و حزم: يالا هنروح المستشفى،
حركت رأسها نفيا و هى تتحرك في الغرفه ذهابا و ايابا و يدها تحتضن بطنها وجسدها ينحنى للامام قليلا و هى تردد: لا، مش دلوقتى، هى قالتلى كل 3 دقائق...
رفع جانب شفته مستنكرا هاتفا بضيق فجره عدم فهمه بالاضافه لقلقه و ارتباكه بحالاتها تلك: هو ايه اللى 3 دقائق؟

فرفعت رأسها اليه بغضب فجره وجعها و صرخت به بغيظ: معتز اسكت، اسكت دلوقتى، يارب.

ماشاء الله لا قوه الا بالله، ربنا يحفظه ليكم يا بنتى، و يبارك له فيكم..
تمتمت بها والده هبه و هى تعطيها حمزه داخل غرفه المشفى بينما معتز يقف جانبا و هو يرمق كلاهما بنظره لم يفهمها سوى هبه التى اشارت له بعينها ليقترب فتقدم خطوات قليله ثم توقف فربتت والدتها على كتفه و خرجت كما فعل الجميع بعد الاطمئنان عليها..

فعادت تنظر اليه تدعوه ليقترب ففعل جالسا بجوارها فاستدارت له واضعه الطفل على الذراع المواجه له رافعه اياه اليه متمتمه بعشق خُلق داخلها لطفلها منذ اول يوم عرفت بوجوده: حمزه، حمزه نفسه يتعرف على بابا..
نظر معتز لوجه الصغير، عيناه المغلقه و ملامحه التى بالكاد يستطيع تميزها ثم نظر لوجهها و هو يردد خلفها كأنه يحاول استيعابها: بابا؟

اومأت برأسها موافقه و هى تضع الطفل بين يديه بحرص فأخذه بارتجافه لم يستطع التحكم بها بينما إستندت هى برأسها على كتفه تداعب انف الطفل بيدها فاستجمع نفسه قليلا ليقترب طابعا قبله على جبين صغيره فأغرته بشرته الناعمه فأغرق وجهه بقبلات رقيقه مع ابتسامه هبه الحنونه حتى نظر اليها بشغف مقبلا جبينها المستند على كتفه ثم اطبق عليهم صمت وعين كلاهما متعلقه بالصغير حتى قال و هو يرمقه بنظرات تعلق لم يكن يدرك مداه بينما هبه رفعت عينها لتتعلق بملامحه هو الذى ارتسم عليها صخب مشاعره الان: مكنتش مدرك انى بحبه قوى كده يا فلتى، مكنتش متخيل انى ممكن اعيش الاحساس ده و بالشكل ده، مش عارف انا فرحان لانى بقيت اب، و لا علشان اب لابن منك انتِ، و لا علشان انتِ جنبى...

ثم طبع قبله اخرى على جبينها تبعها بقبله على جبين الصغير مرددا بالحمد داخله، متذكرا حديث الرسول صلى الله عليه وسلم والذى اخبرته به هبه قبلا و حفظاه سويا...

(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي وَأَنَا مَعَهُ حَيْثُ يَذْكُرُنِي وَاللَّهِ لَلَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ يَجِدُ ضَالَّتَهُ بِالْفَلَاةِ وَمَنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ شِبْرًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا وَمَنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا وَإِذَا أَقْبَلَ إِلَيَّ يَمْشِي أَقْبَلْتُ إِلَيْهِ أُهَرْوِلُ )).

اطمئن معتز على نوم هبه و الصغير فأخذ نفسا عميقا مغادرا المشفى متجها للفندق الذى يقطن به والده الان بعدما عاد من سفره مره اخرى، مستجيبا لنداء معتز، توقف امام الغرفه متنهدا بثبات ثم رفع يده بطرقات بسيطه على الباب حتى فُتح!
تجمد حامد قليلا و هو يرى معتز امامه و لكن معتز لم يبد اى رد فعل بل مد يده مصافحا: مساء الخير يا استاذ حامد، بعتذر على الزياره المفاجئه بس انا حابب اتكلم مع حضرتك في موضوع مهم!

اومأ حامد موافقا - و هو يلاحظ الرسميه التامه في حديث معتز - مشيرا له بالدخول و جلس كلاهما فقال حامد بمحاوله لتلطيف الموقف الذى جعل التوتر يملأ المكان من حولهم: تحب تشرب ايه!
حرك معتز رأسه نفيا و ملامحه مازالت على جمودها السابق ثم اخرج اوراق مطويه من جيبه و وضعها على الطاوله الزجاجيه امامهما قائلا بجديه دون ابتسامه بسيطه حتى: دى نتيجه التحليل، و انا طبعا بشكر حضرتك جدا انك وافقت نعمله..

نظر حامد للاوراق بعين زائغه، يخاف، بل يكاد يموت خوفا من النتيجه!
النتيجه التى ان كانت سلبا او ايجابا لن تمنحه شئ!
فإن كانت سلبا فهو سيدخل لكابوس الماضى بألمه مره اخرى خاصه ان نجلاء كانت حب حياته و إلى الان لا يستطيع نسيان حبه لها، اجل رغم كل ما فعلت لا يستطيع النسيان!

و إن كانت النتيجه ايجابيه، فسيندم اشد الندم على ما فعله بطفله، بإبنه الوحيد و ان كان فحتى ان حاول هو التقرب لن يحاول معتز ببساطه لان معتز لن يسامح!
بينما معتز للعجب لا يحمل مثقال ذره من شعور الان،
لا يحمل صدقا، لا بغضا، لا سعاده و لا حزنا، فقط يشعر بحاله من تخدير مشاعره و ربما هذا افضل لكلاهما!

اخذ حامد التحليل ليفتحه بأصابع مرتجفه و بمجرد ان رأى النتيجه اغلق عيناه بقسوه و هو يشعر بقلبه يبكى دما ندما و حسره..!
ماذا كان سيحدث ان إنتظر لتضع مولودها..؟
ماذا كان سيخسر ان وافق لمره واحده على مقابله معتز..؟
ماذا كان سيصيبه ان استمع لحديث مها عنه او حتى رأى صورا له..؟
و الان، يتعرف الاب على ابنه بعد ما يقارب ثلاثين عاما من عمره...
بعدما انتهت طفوله ابنه بدونه ليجرى شبابه ايضا بدونه و الان ماذا؟

كم من مره وبخه عندما هاتفه،
و كل هذا في جهه واحده، و مهاتفته له ليحضر زفافه و رفضه في جهه اخرى!
رفض بل لم يستمع له من الاساس،
تفجرت عاطفه الابويه بداخله لطفله، لطفل حرم منه رغم زواجه من اخرى - فزوجته الاخرى لم يرزقه الله منها سوى بالاناث -!
لطفل اثنى عليه به القدر بعدما اصبح بينه و بين قبره قاب قوسين او ادنى، فهل هناك من يسامح؟
من ينسى؟ و من يمنح الان دون البحث عما سبق؟

قطع معتز هدير افكاره و هو يهتف بنفس جموده: انا اسف انى كنت السبب في احساسك ده، بس كان لازم تعرف، ، ثم نهض واقفا و هو يشير على صدره مردفا بنبره غلفتها سخريه خالطها الان فقط بعض الألم: اما انا كفايه قوى انى ضمنت مستقبل ابنى، عن اذنك!
تحرك معتز ليخرج و لكنه تجمد خلف باب الغرفه و هو يستمع لصوت حامد خلفه قائلا بخفوت شديد كأنه يُسمعها لنفسه: ابنى!

اما معتز فتسارعت دقات قلبه بعنف و الكلمه تخترق اذنه لتصل لقلبه مباشره فإرتفعت انفاسه بحده ليغلق عينه محاولا كبت كل هذا و عدم التفكير به ليستدير لحامد و الذى لم يعد يستطيع اعتباره والده قائلا برسميه حذره: لا يا استاذ حامد حضرتك غلطت في العنوان مفيش ابن هنا، حضرتك راجل متغرب و ضيف بس، انسى الموضوع تماما و مفيش داعى تفكر فيه و عاوز حضرتك تبقى متأكد من حاجه واحده، انى عملت التحليل ده علشان ابنى مش علشانى..

ثم عاد بخطوات بطيئه ليقترب منه و عاطفته تغلب قناعه البارد هذا معاتبا اياه بقسوه جديده عليه: ابنى، اللى استنيت لحظه ولادته كل يوم و كل دقيقه، ابنى اللى اول ما صرخ كان قدام عنيا، ابنى اللى اول ما اتولد حضنته و وعدته ابقى دائما جنبه، ابنى اللى انا مستعد اضحى بحياتى كلها في مقابل سعادته و راحته، ابنى كلمه مش سهله و شعورها اصعب، بس اجمل، كفايه قوى انك حرمت نفسك منه..

ثم تحرك مجددا باتجاه الباب فناداه حامد مجددا و كلمات معتز تُزيد قلبه ندما و وجعا: فرصه، فرصه تانيه يا معتز!
استدار معتز له بإستنكار خالطه سخريه اصابت قلبه بألم فاق ألمه فأردف حامد متجاهلا كل هذا: فرصه اعيش معاك، نبنى علاقتنا القويه سوا، اقرب منك و انت تقرب منى، فرصه تانيه اخدك في حضنى، فرصه واحده، واحده بس..

حرك رأسه نفيا و ابتسامته الساخره تتسع مزيده من شعوره بقهر لم يستطع تجاوزه و لكنه لن يستطع تجاوز جرحه ايضا، جرحه الذى لم يؤلمه يوما بل عدد سنوات عمره، جرحه الذى رغم ما مر من وقت و رغم محاولات فاشله منه للهرب من ألمه ظل يؤلمه، لم يندمل و لن يحدث!
لماذا لانه ببساطه جرح مزمن، ينتشر في جسده كله قلبه كان او عقله او ربما روحه فكل ما به اشتكى و كل ما فيه ظُلم...
و يتكلم الاخر عن فرصه؟
فرصه لماذا تحديدا!

فهل ستمنحه الفرصه من سيوقع على دفاتره التى مُزقت، من سيلعب معه بطائراته التى كُسرت، من سيحقق امنياته بصنادقه الصغيره الذى تهشمت حتى ترك زجاجها اثاره به، من سيعيش معه الذكريات التى ولت..!
من سيعيد الزمن؟!
فرصه، ضحكه ساخره و كفى!

اغلق عينه لحظه ليفتحها بعدها مستعيدا تماسكه و قوته الذى وعد صغيره بها و قال بنبره لا تقبل النقاش بما حملت من أمر و حزم اخبرت حامد ان الماضى انتهى و معه انتهت علاقه ربما الان كانت له اسمى علاقه: ارجع لمراتك و بناتك يا استاذ حامد، الوقت هنا اتأخر و للاسف فات الميعاد و ضاعت الفرص، انت اتأخرت، أتاخرت قوى...

ثم اعطاه ظهره مغادرا الغرفه و بمجرد ان اغلقها استند على بابها متمتما بعاطفته الجياشه بأبوته الان: بس وقت ما هتحتاجنى هتلاقينى في ظهرك، لان اللى خلف مامتش يا بابا!
زفر بقوه و هو يشغر براحه غريبه كأنه الان حقا اغلق القديم كله بما يسوؤه حقا،
ليغادر بخطوات سريعه ومتلهفه نحو أسرته الصغيره، اسرته التى اعطته اكثر مما تمنى!
و اغلى مما توقع!
اعطته نفسه...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة