قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية حلم السندريلا للكاتبة عليا حمدي الفصل الخمسون والأخير

رواية حلم السندريلا للكاتبة عليا حمدي الفصل الخمسون والأخير

رواية حلم السندريلا للكاتبة عليا حمدي الفصل الخمسون والأخير

فات من عمرى سنين و سنين
شفت كتير كتير و قليل عاشقين
فات من عمرى سنين و سنين
شفت كتير كتير و قليل عاشقين
اللى بيشكى حاله لحاله
و اللى بيبكى على مواله
اللى بيشكى حاله لحاله
و اللى بيبكى على مواله
اهل الحب صحيح، صحيح مساكين
اهل الحب صحيح، صحيح مساكين
ياما الحب نده على قلبى
ما ردش قلبى جواب
ياما الحب نده على قلبى
ما ردش قلبى جواب
ياما الشوق حاول يحايلنى
و اقول له روح يا عذااب
ياما عيون شاغلونى لكن و لا شغلونى.

ياما عيون شاغلونى لكن و لا شغلونى
إلا عيونك انت، دول بس اللى خدونى
خدونى و بحُبك أمرونى
أمرونى احب لقيتنى بحب
لقيتنى بحب و أدوب في الحب
ااااه و أدوب في الحب صبح و ليل
و ليييييييل على بابه...
اهل الحب صحيح مساكين..

دندنها اكرم و هو يستند على باب المطبخ يراقبها و هى مستمتعه بكلمات الاغنيه المنبعثه بجوارها، فإلتفتت اليه بشهقه مفاجأه و هى تضع يدها على صدرها ليبدو وجهها المضطرب في اشد حالاته فتنه مع خصلاتها الشقراء و التى رفعتها على هيئه زيل حصان تاركه اياه يتحرك مع حركتها، مع قميصها الفيروزى القصير و الذى يُظهر جسدها بإغواء على اكرم تحديدا اشد انواع الخطر..

اقترب منها بخطوات بسيطه ناظرا اليها من اعلى لاسفل متمتما بساحريه شملت نبرته بل و اجتاحت نظراته لتذلذلها مكانها: الله عليكِ يا ست!
رفع يده ليُمسك بيدها ثم ارتفع بأصابعه على طول ذراعها حتى وصل لكتفها فاقترب منها طابعا قبله عميقه على ترقوتها المكشوفه لتزدرد ريقها بصعوبه و هو يهمس بجوار اذنها: اللى يحبك صحيح مسكين..

اغلقت عينها بإبتسامه حالمه فابتعد عنها قليلا مداعبا جفنيها المغلقين بإبهامه ليردف بعدها بحراره و انفاسه تلفح وجهها برائحته المميزه و التى تشعرها بشعور غريب لم تعرفه قبلا: قولتلك قبل كده اوعى تخبى عينك عنى ابدا..
فتحت عينها ببطء ليغرق هو غرقا ببحر الفيروز فاتسعت ابتسامته السعيده و غمزها بمكر قائلا: إلا عيونك انت، صح؟

نظرت ارضا خجلا من نظراته فإقترب طابعا قبله صغيره على شفتيها متمتما بغضب مصطنع: قولنا ايه؟
رفعت عينها اليه بإعتذار و أومأت برأسها موافقه ثم حركت شفتاها بحديثها الصامت مردده كلمته إلا عيونك انت!
وضع يديه على خصرها مديرا اياها ليستند هو على الطاوله الرخاميه خلفه ضاما اياها لصدره و حاجبيه يتراقصا بمشاكسه متسائلا: امممممم و قالتلك ايه عيونى بقى!
اخفت وجهها بصدره خجلا منه، لا تكاد تصدق نفسها بتغيره هذا!

منذ ان سافرا لهنا بعيدا عن العائله بأكملها و هو اصبح شخصا اخر،
لا، لا يشبه فارس الاحلام الذى سرقها على حصان ابيض، بل اكثر من ذلك بكثير!
هو أب، و أخ و لكن تبالغ ان قالت أم ايضا..
فما تحمله عينه من دفء و حنان تكاد تجزم انها لم تراه بعين والدتها ابدا!
يدللها بشكل فاق تصورها!
هو لا يحبها و لم ينطق بها ربما لان كلمه احبك ستُنقص من حق ما يشعر به تجاهها!
ما بينهما اكبر بكثير من كونه حب او زواج تقليدى،.

بعد معرفتهم بولاده هبه طلبت منه العوده و لكنه رفض رفضا قاطعا و اكتفى بمهاتفتهم!
لا لم تحزن فهدفه ليس التقليل من شأن أخيها و زوجته و لكن لانه لا يرغب بقطع سعادتهم!
ايام تمر و مع كل يوم تتأكد انها ما كانت لتعرف يوما بقدر اجمل من هذا!
هذا مديرها ليس بزوجها ابدا فشتان بين اكرم صاحب الشركه و اكرم حبيبها!

شتان بين ذلك الذى يرتدى البذله الرسميه و بين ذاك الذى لا يشعر بالراحه سوى في ملابسه البيتيه، شتان بين اكرم صاحب القرارات و المسئوليه الصارمه و بين اكرم الذى يعلمها الطبخ بصبر كبير، شتان بين اكرم البعيد عنها سابقا، و اكرم الذى اصبح زوجها و كل دنياها الان..!
افاقت من تفكيرها الجامح به على همسته الحانيه و هو يمسد ظهرها ببطء: ها النهارده هنشوف النتيجه؟

ازدردت ريقها بصعوبه و هى تبتسم بطفوليه و عينها تلمع بمكر و هى ترفع اليه عينها بهدوء و هى تبتسم مع رفرفه رموشها المتلاعبه...
فرفع حاجبا مبعدا اياها عنه ليوقفها امامه هاتفا بجديه ناظرا اليها بتفحص: انا بقالى 3 ايام بعلمك المكرونه مش شايفه انى المفروض أكلها من ايدك بقى و لا هنفضل يا نحرقها، يا نعجنها، يا نسيبها حصى!

اسبلت جفنيها كتلميذ مخطئ ثم زمت شفتيها بحزن مصطنع و هى تحرك شفتيها بحديثها الصامت دى اول مره اجرب ادخل المطبخ اصلا، في امريكا كان معظم أكلى جاهز و هنا كانت ام على اللى بتهتم بالاكل، انا مبعرفش اعمل الشاى من غير ما اسيب المايه تنشف.

قرص وجنتيها بيده بغيظ ثم قبلهما بعدها قائلا بضيق مصطنع: و انا بقالى سنين انا اللى بطبخ لنفسى، ، ثم اضاف بمكر و هو يعطيها ظهره و ابتسامه خبيثه تتراقص على شفتيه فاللحظات التى يقضيها معها في تعليمها تجعله في قمه سعادته: و انا من حقى كراجل شرقى انى اتجوز واحده تريحنى و تاخد بالها منى و من أكلى، و لا انتِ ايه رأيك؟

عقدت حاجبيها بضيق و هى تضع يدها على كتفه ليستدير لها و نظرت لعينيه باستشفاف لترى الخبث يتراقص بهما فوكزته بخفه محركه شفتيها طيب يلا نشوف النتيجه يا سياده الراجل الشرقى.

انطلقت ضحكاته و هو يشير لها بطول ذراعه لتتحرك امامه ممسكه بكيس المكرونه و بدأت بتحضيرها، و هو يقف خلفها مراقبا اياها باستمتاع، ثم اخرجت المقلاه لتضع بها الزيت لتتركها قليلا حتى يصبح جاهزا للقلى، ثم احضرت قطع الدجاج المخليه المتبله لتصنع الاكله الشهيره البانيه ، ثم بدون انتباه امسكت بقطعه من الدجاج دون تصفيتها من صوص التتبيل لتضعها بالمقلاه ليصرخ هو بها: مش كده حاسبى!

و لكن للاسف ربما تأخر صراخه الذى سبقه صراخها و هى تعود للخلف بشهقه خائفه و بعض قطرات من الزيت تطال يدها فاقترب منها مسرعا ممسكا بيدها هاتفا بقلق و لكن غلبته ابتسامته: انتِ كويسه؟
عقدت حاجبيها بغيظ و هى ترمق الزيت بغضب كأنه اذنب بحقها فقرب يدها من المياه فنظرت اليه بضيق لتحرك شفتيها بتأفأف ظهر واضحا على وجهها انا معلمتش حاجه.

حرك رأسه موافقا بسخريه متمتما بموافقه كأنما يتجنب حوارها المعتاد عندما تخطئ و خاصه بأمر الطبخ فلا يكاد يصدق ان المهندسه الناجحه بجدراه في عملها هى نفسها تلك التى تفشل في تحضير وجبه بسيطه كهذه: عارف عارف الزيت اللى غلط طبعا..

نظرت اليه بضيق فاستدار مغلقا الموقد و امسك بيدها متحركا بها للخارج و جلس امامها ممسكا بيده مرطب للحروق يداوى به يدها بينما هى تتابعه بعينها بإبتسامه سعاده حتى انتهى فرفع عينه إليها لينتبه لتفحصها به فغمزها بشقاوه مغمغما: بتبصى لى كده ليه؟

امسكت يده بين يديها لتخفض عينها ثوانى ثم رفعتها اليه ليتعجب هو نظره الالم و الوجع التى شملت عيناها لتخفى وهج بحر الفيروز عنه ثم حركت شفتاها بحديثها الصامت للاسف دائما بعجز بادٍ بوضوح في عينها، يمكن انت مقولتش ليا بحبك، بس اكيد نفسك تسمعها، نفسك حبيبتك تصرخ بها، بس انا...

قاطعها و هو يحتضن شفتيها بخاصته في قبله رقيقه دامت لحظات قليله ثم ابتعد عنها هامسا امام بحر الفيروز - عشقه الاول و سبب شقاءه الازلى معها -: طيب ما انتِ بتقوليها فعلا..
نظرت اليه بتعجب فابتسم مقتربا منها مقبلا عينيها و هو يردف بنبره عاشق صبر كثيرا لينول و ما اعظم نتيجه صبره: بتقوليها بعينكِ اللى قدمها مبقدرش اتكلم،.

خفق قلبها بجنون و هى تشعر بصدق كلماته تداعب وتر انوثتها بألحان مميزه به و خاصه لها، حتى اقترب طابعا قبله على جانب شفتيها مردفا بنفس النبره التى اغرقتها في بحور عشقه اكثر: بتقوليها بضحكتك اللى قلبى بيدق علشانها،
تنهدت بقوه و كلماته تلملم شتات عجزها، تمنحها قوه لم تشعر بها سابقا، اسقت كلماته ببراعه ورودها الضعيفه فتفتحت اكثر...

فإنخفض هو طابعا قبله على عرقها النابض بعنقها و اكمل بنفس عميق اخبرها بوضوح عن كبر احساسه بها، كأنها فعلا كما قال لها سابقا حلم : بتقولها بنبض قلبك اللى انا متأكد انى ساكن جواه،
ثم تنهد بعمق طابعا اخر قبلاته على جبينها بقوه مشاعره الان، سابقا و فيما بعد: بتقوليها بيكِ انتِ يا مها،.

ثم اقتنص شفتاها بقبله اكثر جموحا تاها بها عده ثوانى قبل ان يستند على جبينها منهيا كلماته بثقه: لان انا عايش بيكِ، و ليكِ..
اخذت نفسا تائها ربما الان فقط وجدته لتطوقه بذراعيها بقوه و هى تشعر انها الان لم تعد ترغب بشئ، بل حتى لم تعد ترغب بصوتها..
هى مميزه، اجل مميزه!
مميزه برجل يرى بها كل النساء،
مميزه بقلب لم يعرف قبلها عشق،
مميزه هى بقوه لم تعرف قيمتها سوى الان،
مميزه بنجاحها في شخصها و حياتها العمليه،.

و حتى ان كانت عاجزه عن التحدث فقلب من يحبوها يفهمها دون حديث،
ماذا تحتاج اكثر؟!
مجرد صوت؟
لا والله فلو خُيرت بين كمالها بصوتها و بين حياتها بمن يحبها، لاختارت حياتها هذه، بكل ما عايشته سابقا و بكل ما تعيشه الان..
ربما لانها الان فقط فهمت معنى
و اصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا .

انهت جنه اخر دروسها لليوم و شكرت الله لعدم وجود عاصم اليوم، فلقد مرضت معلمتها و بعثت محلها بمعلم،
اجل، المصيبه الكبرى الان عاصم!
عاصم منعها تماما من مجرد الاقتراب من كل من يحمل ببطاقته لقب ذكر فلو عرف انها جلست معه ساعتين متواصلتين ليشرح لها مع بالتأكيد مناقشه منها، لانطلق مارده المجنون ليحطم رأسها،
اجل لم تجلس معه بمفردها فعز جلس على مقربه.

منهم، و اجل لم يتحدثا بكلمه واحده خارج منهجها، و لكن صغر سنه الذى يقارب الثلاثين او يتجاوزه بقليل و كونه ذكرا، كان سيجعل عاصم يجن حتما؟
كان!
بل جعله!
شهقت و هى تراه يدلف من باب المنزل و المعلم يخرج بمقابلته و هى خلفه، انطفئت عيناه دفعه واحده و اشتعلت بسواد غضبه فضمت هى يديها لبعضهما بقوه، اجل هى كانت تعلم عن عودته اليوم من العمل و لكنه كان من المفترض ان يعود بعد ثلاث ساعات من الان..

لم تكن بحاجه لثلاث ساعات بل فقط ثلاث دقائق!
القى المعلم السلام و خرج من المنزل الحمد لله سليما دون جروح او خدوش حتى،
اما هى فما بالها سيفعل بها الان؟
سيصرخ، بالتأكيد،
سيغضب، هه حتما،
سيمتنع عن التحدث معها او الاقتراب منها كعادته دائما في معاقبتها و ما اسوء من التجاهل كعقاب، ربما،
اخذت نفسا عميقا و اقتربت منه خطوه فتقدم هو خطوتين فعادت خطوتها باحترام للذات لانها لم تكن تعرف حتى ماذا تفعل الان،.

و لكن مهلا هى لديها مفاجأه ربما تقلل غضبه...
ربما!
قليلا!
توقف امامها ليجد والده يخرج من نفس الغرفه التى خرجت هى منها للتو فتجاوزها دون كلمه مصافحا والده الذى استقبله بترحاب بعودته، ثم لم تشعر كيف قبض على معصمها لتجد نفسها الان معه بمفردهم داخل غرفتهم الخاصه و الباب مغلق...
حسنا و لكن لم اغلقه بالمفتاح!

وضع حقيبته جانبا مقتربا منها واقفا امامها ليحاوطها بأسهمه الحارقه هاتفا بغضب: ممكن افهم ايه اللى انا شوفته ده؟
ارتجفت عينها و هى تجاهد حتى تظل صامده امامه و لكنه لم يمنحها الفرصه فعندما صمتت صاح بها و هو يعتقل ذراعها بكفه بقوه: انطقى يا جنه، كل اللى بيجيلك هنا مدرسات ممكن افهم البنى ادم ده كان بيعمل ايه هنا!

اغلقت عينها و صوته القوى يخترق صدرها ليداعب قلبها لتخاف و لكن بئس الخوف الان فهى تعلم جيدا ان خلف صراخه هذا، غيره!
غيره تحبها بجنونه و غضبه هذا!
فهدرت بسرعه قبل ان يصرخ بها مجددا فصمتها وقت غضبه يزيده غضبا: تعبانه تعبانه!
عقد حاجبيه مع التواء فمه باستنكار متسائلا و مازال على غضبه: هى مين دى؟

فاسرعت هى تجذب يدها من يده لتقول بتوضيح قبل ان يثور عليها مره اخرى: المُدرسه بتاعتى تعبانه فهو جاى ليا مكانها..
حسنا يبدو انها اختارت الكلمات الخاطئه في الوقت الخطأ و ادركت هى ذلك عندما احمرت عيناه بقوه فلعنت لسانها الذى يتسرع بالرد دون تفكير و هو يردد كلماتها من بين اسنانه بعنف: جاى ليكِ؟

ثم صرخ بغضب اسود بها و هو يقترب ليعتقل ذراعيها و لكنها تراجعت بسرعه و هى تنظر اليه لتُفجر مفاجأتها بأسوء طريقه متجاهله كل ما خططت له سابقا: انا حامل...!
اشاح بيده بعدم اهتمام كأنه لم ينتبه للكلمه ليصرخ بغضب دون وعى: ايه دخل ده دلو...

ثم صمت فجأه لتتسع عينه محدقا بها بذهول قليلا محركا شفتاه ليتحدث و لكنه عاد يطبقهما عاجزا عن التفوه بكلمه واحده و لكنه استجمع نفسه قائلا بصدمه و هو يتسائل بهدوء كأنه يتأكد: انتِ ايه؟
زفرت بقوه فا هو اخيرا خمد بركان غيرته الغاضبه ليظهر الان بركان اخر من مشاعر هى اكثر ادراكا لانتظاره لها فاقتربت منه واضعه يدها حول عنقه متمتمه و هى تضغط على حروف كلماتها مؤكده: انا، حامل..

ابتسمت و هى تنظر لعينيه منتظره رد فعله و الذى كان اغرب ما يكون على ابن الحصرى بجبروته عندما ابتلع ريقه ببطئ هو يفك يديها عن عنقه ليُمسكها بقوه بين انامله ليعاود التساؤل بأخر بعدم استيعاب: ثانيه واحده بس، انتِ ايه؟
اتسعت ابتسامتها و هى تمسك بكفه لتضعه على بطنها مردده بتأكيد مع ضحكه خفيفه طغت ملامحها بفرحتها: انت بعد 7 شهور هتبقى أب...

ثم ضحكت بسعاده و هى تضع يده الاخرى على بطنها من الجانب الاخر مردفه بنفس النبره: و أنا، ثم صرخت بفرحه: هبقى أم...

و دون سابق انذار شعرت بقدمها لا تلامس الارض و هو يحملها ليدرو بها عده مرات بينما هى تتعلق بعنقه بقوه مع صرخات سعاده متتاليه حتى توقف و اوقفها ارضا محتضنا وجنتيها بيديه هاتفا بفرحه ربما لاول مره تشعر بها في عينيه بوضوح هكذا: انتِ عارفه انا كنت مستنى ازاى؟ عارفه كام مره اتمنيته و طلبته من ربنا!
لمعت عينها و هى ترى فرحته و رغم ان قلبها يصدقها لكنها كالبلهاء تساءلت بعدم تصديق: بجد فرحان؟!

ضمها لصدره بقوه و هو يخبط كتفها بقبضته كأنه يلومها على سؤالها هاتفا بنبره اجابتها قبل كلماته: انتِ مجنونه! فرحان دى شويه جدا على اللى انا حاسس بيه، انا حاسس، حاسس..
صمت عاجزا عن اكمال وصف شعوره فبادلته حضنه بأخر اكثر قوه كأنها تخبره انها عرفت اجابته، بينما ظل هو يتمتم بالحمد و الشكر على ما اعطاه الله..
حتى ابتعدت عنه و تحركت و هى ممسكه بيده جالسه على طرف الفراش ليجلس بجوارها متسائلا: عرفتِ من امتى؟

ابتسمت و هى تضم نفسها كأنها تضم طفلها و هى تجيبه بنبره مشتاقه اليه: من يومين بس حبيت اقولك و انت جنبى و معايا مش في التيلفون..
قبل جبينها بعمق متمتما بعاطفته الخاصه لها و التى لم يجد بنفسه الان سواها: انا قولتلك قبل كده انك جنه ربنا على الارض..

اتسعت ابتسامتها وجلس ليأخذهما حديث طويل بعدها حتى اختفت ابتسامتها و قطعت حديثها الذى تطرق لاهل عاصم و اخفضت رأسها بحزن فعقد حاجبيه رافعا ذقنها لتتطالعه عيناها فتسائل بنبرته القويه: في ايه..؟
تنهدت بقوه لتغيم عينها باشفاق و هى تقول بأسى: حنين...

ازداد انعقاد حاجبيه و هو يشيح بوجهه فجعلته يستدير لها قائله برجاء: بلاش كده يا عاصم، حنين من يوم ما مازن طلقها و هى حالتها النفسيه وحشه جدا، رغم انها اشتغلت، رجعت لحياتها هنا، و بابا عز وعدها انه مش هيفاتحها في موضوع الجواز تانى طالما هى لسه متمسكه بحب فارس الله يرحمه، دا غير المرسم اللى انت عملته لها في الحديقه اللى ورا البيت، و مع ذلك مش حاسه انها عايشه، سفر مازن مع حياه اثر فيها و خصوصا بعد طلاقهم..

زفر بقوه ماسحا على فمه بعنف بحركته المعتاده و هو ينظر اليها لاول مره بقله حيله مجيبا اياها بجديه: حنين لازم تواجه قرارها يا جنه، هى كابرت و رفضت مشاعرها في اعتقاد ان كده خيانه لفارس بس مفكرتش في خيانتها للى عايش و اللى هو جوزها بغض النظر عن سبب جوازهم، مفكرتش في قلبها اللى مش هتقدر تملكه، مفكرتش في بكره و ربطت نفسها بالماضى، كلنا اتكسرنا بموت فارس لكن دى سنه الحياه، بس هى رافضه تعيش و كان لازم للاسف تفكر في نتيجه قرارها قبل ما تاخده..

اغلقت جنه عينها بوجع و هى تردد كالتى تحدث نفسها: بقالها اكثر من شهرين على الحال ده، من البيت للشغل و من الشغل للبيت حتى الرسم مبقتش ترسم زى الاول بحس انها دائما سرحانه و تفكيرها مشغول بس للاسف مش قادره اعمل لها حاجه؟
ربت عاصم على كتفها ضما اياها لصدره مقاوما غضبه الان من حنين التى تسعى لتدمير حياتها بيدها متمتما بثقه: و محدش هيقدر يعمل لها حاجه غير نفسها!

هو كرجل يدرك جيدا ان مازن فعل ما عليه بل و اكثر،
مدركا ان سفر مازن ما هو الا اطمئنانا على حياه و هدفه الاكبر هو منح حنين فرصه الاختيار بين ما تريد حياتها عليه و بين ما تمنحها الحياه اياه،
مدركا ان مازن لم يهرب، و لكنه اراد منها هى المواجهه!
مواجهه نفسها بدواخلها، مواجهه نفسها بحقيقه شعورها و رغبتها،
لا يوجد من يستطيع العيش على ذكريات مهما كانت كبيره،.

ربما لو تزوج حنين و فارس و عاشا معا لسنوات لكان اعطى لحنين الحق في تمسكها بالذكريات، و لكن حنين لم تعرف فارس جيدا، لم تعرف عاداته و لا روتين حياته!
لم تكون ما يكفيها سنوات عمرها الباقيه كذكريات!
لو نظرت حنين حولها في بيت فارس لن تستطع تذكر اى ذكرى لماذا؟!
لانه لا يوجد!
و لكنها سترى مازن في كل مكان ضحكته، غضبه، مرحه، حنانه، ربما لان العشره تفرق...!

ربما لان الحب مهما كان قوته لا يقاس بالكلمات بل بالتعامل و الحياه فيما بعد، لان القدير لا يدبر شيئا دون حكمه ربما ليست جليه و لكنها بتأكيد لصالحنا..
اعانكِ الله على نفسك يا حنين اعانكِ الله!

تجلس امام غرفه المرسم الذى خصصها لها عاصم، لتعيش حياتها بمطلق رغبتها بل و حريتها ايضا، هذا ما كانت ترغب به؟
خسرت فارس و هذا رغم صعوبته فهو امرا واقع لابد ان تتعايش معه،.

و لكنها تعيش الان الحياه التى رسمتها بدونه، تعيش في المنزل بغرفتها السابقه، تعمل بالشركه الان حتى اصبح لها مكانها، حقق لها عاصم امنيتها بالمرسم لتُخرج مكنونات قلبها بألوانها على لوحاتها البيضاء، وعدها والدها بحريتها و عدم اجبارها، باختصار استعادت حياتها،
فما بالها الان ضائعه؟!
تشعر بثقل كبير على كتفها لا تستطيه دفعه عنها،
قلبها يتألم، يحزن، و تباااا يشتاق!

منذ ألقى اليمين عليها و هى اقسمت ان تعيش بلا اى ضغوط، بلا خيانه، بلا زوج، بلا حب!
و لكنها الان لا تشعر بنفسها تعيش!
في بدايه قدومها لهنا اطلقت ليدها و ألوانها العنان على لوحاتها!
لتجد النتيجه ملامحه - مازن - ضحكاته، غضبه، هو، فقط هو!
حتى انتهى الامر بها تخلد اخرى ذكرى مرت بهما معا!
فتركت الالوان فلو لم تفعل لاصبحت رسوماتها كلها هو، بل بالفعل اصبحت!
تشتاقه كثيرا!
لا ليس لحبه فقط!

بل لحنانه الذى تفيض به عيناه عندما يطالعها، لامانها الذى شعرت به كلما ضمها بذراعيه، لمرحه الذى علم قلبها و وجهها معنى الضحك مجددا،
اشتاقته لانه مازن، مازن الذى بوجوده اتزنت حياتها،
و الان عندما فقدته ادركت معنى ان يختل توازنها؟!
ادركت الان ان قلبها لا تملكه بيدها لتقلبه متى تشاء او تثبته متى تشاء!
حبها لمازن ليس بخيانه لفارس، و لا لذكرياته الذى مهما مر من الزمان عليها لن تنساها،.

تعلقها به ليس خيانه لحبها القديم بل بدايه جديده ارادها الله لها،
و لكن اين مازن؟!
اين قلبها الان؟!
هل حُكم عليها ان تعيش دائما و ابدا على امل الذكريات لتفقدها دون عوده!
و لكن هل لمازن من عوده؟!
لن تتحمل فقده؟!
غاب عنها كثيرا و لم يعد بطاقتها التحمل..!
و لكنه لن يعود!
احرق ما يجمعهم سويا من ذكريات و لن يعود!
طلقها حتى يتحرر من قيد حبها و لن يعود!
سافر مع زوجته الاخرى فهل يتركها لاجل من لم تعد زوجته!

اختارت و الان ستتحمل اختيارها، اختيار يجبرها ان تعيش مهمشه دون ارض ثابته تستقر عليها،
الاختيار السابق لم يكن بيدها فتألمت، و اختيارها الان كان بيدها فالألم اشد!
تشعر انها اذنبت و كأن احساسها بالذنب يلاحقها!
و لكن هل يفيد!
نهضت لتدلف و لكنها تسمرت مكانها و هى تراه امامها واقفا يتابعها، و بملامحه شيئا ما تغير..!
كأنها صارت اكثر ارتياحا، اكثر رضى، و ربما اكثر اشراقا!

تعالت نبضاتها بجنون و هى تتمنى الركض لحضنه، تتمنى الصراخ بإسمه، تتمنى ان تخبره انها فهمت، تأخرت و لكنها ادركت...
ادركت انها له،
اختارها عز وجل له،
و لكن هل يسمعها، هل يعينه ما ستقول؟
اقترب منها عده خطوات شعرت هى بكل خطوه بأنفاسها تختفى تدريجيا حتى توقف امامها ناظرا اليها قليلا قبل ان يتحدث بخفوت: ازيك يا دكتوره!

اغلقت عينها بعجز و هى تدرك ان لا لحديثها قيمه و لا لمشاعرها وجود الان فلقد عادت الحواجز بينهما و ربما اكبر من سابقا!
حاولت اخراج صوتها و لكنها لم تستطيع فعاود هو اقترابه خطوه اخرى و هو ينظر لعينها بدقه مع ابتسامه خفيفه زينت وجهه اكثر و هو يشير للمرسم: مبرووك المرسم، افضل بالكثير من اللى اتحرق، صح..!

و هنا وجدت صوتها لتخرج منها اه خافته و هى تخفى عينها عنه مغمغمه بصوت بالكاد يُسمع: مفيش حاجه اتحرقت..
مال عليها قليلا متسائلا بهدوء: قولتِ حاجه؟!

حركت رأسها نفيا بسرعه فأومأ موافقا متقدما باتجاه المرسم ليفتح بابه ليدلف فيتفاجأ بلوحات مبعثره في اتجاهات عده و لكن ما صدمه حقا ان كل اللوحات تحمل جزءا منه، ملامحه، ضحكته، عقده حاجبيه في غضبه، ابتسامته الصافيه، عينيه اللامعه، لتسقط عينه على تلك اللوحه في ركن بعيد مغطاه بقطعه قماش فتقدم باتجاهها و لكن حنين سبقته لتقف امامها بخجل شديد تمنعه عن رؤيتها و لكنه امسك يدها جاذبا اياها لجواره ثم نفض الغطاء عن اللوحه ليفاجئ بمحتواها و الذى جعلها تنصهر غضبا امام نظرته المستمتعه بها مع رفعه حاجب باعجاب واضح، و هو يرى اللوحه هى و هو يقبلها اخر مره..

قبلته الاولى لها...
حسنا فالصغيره حفظتها كلوحه...
و رغم الحزن البادى عليها جعله هذا يبتسم بمكر و هو يقترب منها و هى تتراجع، هو يقترب و هى تتراجع حتى استندت على الحائط و هو امامها..
ربما كانت تلك قبلتهما الاولى و لكنها حتما ليست الاخيره!

و بلحظه واحده كانت يداه تحتضن خصرها مقربا اياها منه بقوه حتى لاصقته تماما، فشهقت بحده و رائحته تنساب لانفاسها لتنعش قلبها الذى كاد يموت ندما و حسره، و لكن عيناها اتسعت بشده كأول مره تماما و هو يأسر شفتيها بشفتيه بقوه شعوره بها الان..
بقوه اشتياقه و لهفته لرؤيتها، غاب ما يقارب الشهرين و لكنها لم تغيب عن فكره لحظه واحده...
عن اى خيانه يتحدث كلاهما؟!
اخيه سيظل اخيه مهما كان،.

و ذكراه بداخلها ستظل بداخلها ايضا مهما كان،
و لكن اجتماعهما ليس بخيانه لا لهذا او لذاك!
بل قتل مشاعرهما الحقيقيه، ظلم،
جبر قلبيهما على الموت حيا، تهمه،
دفن حبهما تحت انقاض تفكيرهما المزعوم، جريمه،
و على ظلمهما و بتهمتهما و جزاءاً لجريمتهم تعاقبا، بفراق قصير اختاره كلاهما!
و لكن للمجرم فرصه الاخرى!
ليقعا في الحب دون قيود، لينطلقا معا في فضاء سعادتهما، ليرضا بقضاء الله و قدره لهما...

و اخبرتها قبلته بكل ما بداخله و التى آزره قلبها، بل و يداها التى حاوطت عنقه بقوه كأنها تتمسك به خشيه ابتعاده مجددا!
حتى ابتعد عنها و كم كانت هى اضعف من اى تلتقى عينيهما الان، ، فدفنت وجهها في صدره و لكن نبرته الحاره مع انفاسه اللاهثه بجانب اذنها جعلتها ترتجف بين يديه: تتجوزينى يا حنين!

ابتعدت عنه بصدمه و هى تلعن تسرعهما فهى الان طليقته، نظر لعينها المصدومه و الذى قرأ سبب صدمتها فابتسم و هو يمسك يدها موضحا: انا قولت لو قدرتِ تحرقى الذكريات من قلبك تبقى طالق و كنت قاصدها قوى، و انتِ مقدرتيش، يمين الطلاق موقعش..

لمعت عينها بدموعها التى سرعان ما تساقطت لتلمع عينها بفضيتها الآسره فرفع يديه يزيلها مردفا بنبره اكثر قوه و اصرارا: لكن انا هتجوزك بعقد جديد بموافقتك و برغبتك، ثم نظر لعينها التى ازدادت الدموع بها متسائلا مجددا بنبره اكثر شوقا و لهفه: تتجوزينى!
و لسوف يعطيك ربك فترضى.

مرت الاشهر متتاليه و ها هى حياه تركض مسرعه لداخل الشركه فاليوم هناك اجتماع هام لان صاحب الشركه سيقوم بتعيين مدير تنفيذى جديد و هو موظف سابق معهم كان في عمل بفرع اخر للشركه و الان حان وقت ترقيته تكريما له على سنوات جهده لاجل الشركه..

جلست اخيرا على مقعدها ليبدأ رئيس مجلس الادراه بالتحدث بخطبه طويله بالطبع ملّ الجميع منها حتى اعلن اخيرا عن اسم المدير التنفيذى الجديد فشهقت حياه بصدمه و هى تراه يصعد درجات السلم امامها، لتتقافز دقات قلبها بجنون و هى تتبين هويته متمتمه بصدمه: دكتور عادل؟

اجل دكتور عادل - دكتورها بالجامعه و الذى احبته بل بالادق احبها كثيرا و رغب بالتقدم اليها ليمنعه عن ذلك وفاه والدته و التى ادت لزواجها من شادى -، دكتور عادل - الذى بسببه اعتقد والدها انها لوثت شرفه فأجبرها على قبول الزواج دون اعتراض -، دكتور عادل - الذى ترك جامعتهم بعدما خسرها كأنما كان يهرب -، هو الان مديرها التنفيذى هناا...!

انتهى الاجتماع فخرجت مسرعه دون التعرف عليه كما فعل باقى زملائها و زميلاتها، خرجت من باب الشركه تستنشق الهواء بقوه كأنها كانت تختنق بالداخل..
ماذا يا حيااه؟!
لماذا ينبض قلبك بجنون الان..؟
نعم الان انتِ مطلقه بل و منذ زمن يقارب 5 اشهر،
نعم انتِ الان مستقله و ناضجه بشكل كافى لتتخذى قرارتك،
نعم وجدتِ حياتك اخيرا و تعيشى كما كنتِ تحلمين دوما،
فهل ستحبسى نفسك خلف قضبان الحب و اسطوره الزواج..!؟

هل ستفنين كيانك لاجل رجل مجددا..!؟
نعم اخبرتِ مازن انكِ تستحقى زوج و حياه و عائله، و لكنكِ تدركِ جيدا انكِ كنتِ تخدعينه ليسمح لكِ بالسفر!
فأنتِ قررت الابتعاد عن معشر الرجال فهم سواسيه و ان كان مازن منهم استثناء!
كلهم لا يهتمون بحقيقه من انتِ!
لا، لا رجال، لا حب، لا زواج، فقط حياه مستقله و نجاح امرأه ادركت معنى ان تكون امرأه قويه!

و بهذا استدارت لتدلف للشركه و امام الاصانصير اجتمع كلاهما، لينظر لها بدهشه هاتفا بصدمه ارتجف لها قلبه: حياااه..
ابتلعت ريقها مانعه انتفاضه قلبها مبتسمه بعمليه مجيبه بهدوء: اهلا دكتور عادل!
اتسعت ابتسامته و ظهرت فرحته جليه على وجهه متسائلا بلهفه و هو لا يصدق ان عينه تراها: انتِ بتعملى ايه هنا؟
رفعت الاوراق بيدها امام عينيه لتحرك كتفها للاعلى مع ابتسامه صغيره هامسه بصوت رسمى: بشتغل..

ازدادت لهفته و هو يطالع يدها ليجدها فارغه من محبس الزواج فتحولت ابتسامته لضحكه اوءدت كل محاولتها للتماسك و ردع قلبها عن خفقانه فتمتمت باقتضاب لتغادره مسرعه: مبروك المنصب الجديد، عن اذنك.
لم تنتظر اجابته و رحلت مسرعه و هو يتابعها بابتسامه مصره هذه المره، فإن كان قد خسرها لمره، فأبدا لن يخسرها الاخرى...
حتى ان اضطر للمحاوله مره، اثنان، ثلاث بل الف مره..!

فليس كل من عشق يلقى عشقه، و لكن من يضيعه مره خاطئ و من يضيعه الثانيه سيندم!
و قد علمته الحياه العمليه هنا انه لا مانع من الخطأ و لكن لا وجود لما يسمى بالندم...

في سكون الليل و القمر يتسلل بخجل لينافسها في جمالها، تلك النائمه على نبضات صدره تستنشق عطره لتروي ظمآها..
رفعت مها رأسها قليلا لتستند بمرفقها على الوساده بجوارها لتتطالع وجهه الهادئ و ملامحه الناعسه السخيه بجمالها، سخاء يقتل قلبها و يجعله شهيدا له و لعشقه،
ابتسمت بحالميه و هي تجول بعينها كل ملامح وجهه،
ذلك الرجل الذي لم يسلب قلبها بل جعلها تمنحه إياه طواعيه،
لم يخطف حبها بل جعلها تسعي لاحساسه به،.

هو رجل بكل ما تحمله الكلمه من معنى،
رجل بقوته و ضعفه القوى،
رجل بقلبه العاشق و عقله الوعى،
رجل بحنانه و دلاله السخى،
رجل لها، و لها فقط.
مالت برأسها قليلا و تنهدت بسعاده و عينها ترمقه بنظرات عاشقه ذائبه، ثم رفعت يدها الاخري لتداعب وجنته بخفه بابهامها، ليتململ قليلا و يستدير لجانبه الاخر معطيا ظهره لها،.

فعبست بطفوليه ثم ابتسمت بخبث فلقد اكتشفت نقطه ضعفه اخيرا، رفعت اصبعها لتحركه بشقاوه على منتصف ظهره و خاصه فقراته البارزه ليتحرك بضيق و يعتدل لجانبه الاخر واضعا يده على خصرها بحركه تلقائيه و ما زال النوم يستولي عليه،
فابتسمت بهدوء فهو اليوم كان متعبا حد الجحيم، عمل، عمل، عمل حتى باتت تكره العمل و انشغاله الدائم به عنها، فمنذ عودتهما من رحلتهما الخاطفه للانفاس دفن نفسه بالعمل حتى بات يشقى كثيرا...

اتسعت ابتسامتها وهي تضع يدها على بطنها المنتفخ و الذي يحمل قطعه صغيره من كلاهما، تتأسف لصغيرها فهي تقصد بالتأكيد انشغاله الدائم عنهم، عقدت حاجبيها بطفوليه واعتدلت جالسه تنظر له بضيق متذمر فهو طوال اليوم بالعمل و يأتي مساءا ليأكل ثم يخلد للنوم مباشره، متناسيا وجودها تماما،.

و هي تكاد تصاب بالجنون، فكم باتت تشتاق لعبثه وعشقه الزائد لها، اغمضت عينها لحظات و عادت تلك الرغبه تسيطر عليها بشده، تعلم ان ما تطلبه يستحيل ان تناله و لكن ماذا تفعل فا ها هو الوحم يسيطر عليها،.

لا خيار امامها الان سوي ان توقظه، لن تتحمل الانتظار وسيقبل بطلبها شاء ام رفض، فهي امرأه حامل و لابد ان يراعي احتياجاتها، و لكن هي غضبت منه قبل النوم، تذمرت و اخبرته انها لا تتحدث معه ابدا، هي غاضبه منه ولكنها لن تستطيع الانتظار مهما حدث. , فهذه المسأله تخص صغيرها..

صمتت قليلا تفكر في طريقه تخبره بها عما تريد و في الوقت ذاته لا تحادثه مباشره، حتى استقرت على الطريقه فنهضت واقفه و هي تنظر لبطنها المنتفخ بضحكه و اتجهت لحقيبته و احضرت دفتر الملاحظات خاصته و عادت اليه مجددا.

صعدت على الفراش بصعوبه ثم اعتدلت جالسه عاقده قدميها و ضربت كتفه بخفه. , فهمهم و لم يستيقظ، عادت تفعلها مره اخري و لكن ايضا لم يستيقظ، فعقدت حاجبيها بغيظ واضح، ثم دفعت كتفه عده مرات بقوه مفرطه فانتفض بفزع جالسا يصرخ و هو يفرك عينه عله يستقيظ: بسم الله الرحمن الرحيم، في ايه!، ايه اللي حصل؟

وجدها تطالعه بابتسامه سرعان ما اختفت و امتلئت عينها بالدموع و نظرت للفراش بصمت مدعيه الحزن لتستدعي بعضا من عاطفته التي تختفي فور شعوره برغبه في النوم،
فاعتدل بهدوء و امسك كأس الماء بجواره ليرتشف منه قليلا ثم تركه و نظر اليها يتثائب و هو يتسائل بنصف اهتمام: مالك يا حبيبتي...؟

رفعت عينها التي دائما ما يغرق بها و لكنه لم يفعل فأين يغرق و هو لم يستيقظ بعد، وضعت يدها على بطنها و ازداد بكائها فعقد حاجبيه محاولا استدعاء نشاطه بقدر الامكان ثم صاح بذعر: ايه هتولدي..!

رفعت وجهها بسرعه و تجهمت ناظره اليه بغضب ثم اشاحت بوجهها للجهه الاخرى، فزم شفتيه بغضب و رفع يده على وشك صفعها و لكنه قبضها و اخفضها ممسكا يدها هاتفا بنفاذ صبر وتعجب: في ايه يا حبيبتي، قولي..!، , ثم نظر لساعه الحائط و هتف باستنكار مغتاظ: مصحياني ليه الساعه دى..؟!

ابعدت يدها عنه و امسكت دفتر ملاحظاته ليعقد ما بين حاجبيه بدهشه و هي تكتب عده كلمات فوق الورقه لتعطيها له. , نظر اليها متعجبا ثم ما لبث ان تذكر انها اخبرته انها لن تتحدث معه مباشره ابدا لانها غاضبه،.

فابتسم بغيظ، أسيحدث شئ ان تجاهلها و غرق في نومه مجددا، لوي فمه مجيبا نفسه بالطبع سيحدث، كان يظن انها هادئه و لكنها قنبله موقوته و اي ضغط او تعامل بغير حذر معها لا محاله ستنفجر و سيكون هو اول من تنفجر به، نظر اليها مبتسما ابتسامه صفراء و اخذ الورقه من يدها بعنف و قرأ ما بها ليرفع جانب شفتيه بسخط و هو يري كلماتها انا بتوحم.

اغمض عينه قليلا محاولا تمالك نفسه حتى لا يجعلها تنام الان غصبا او ربما قتلها هي و صغيرهم الذى يبدو انه سيجعله يفقد عقله قبل ان يأتي على هذه الدنيا، فتح عينه محاولا التمسك بهدوءه ناظرا اليها باستخفاف و تسائل بسخريه: و انا دخلى اليه يا حبيبتي...!؟
رمقته بنظره حارقه شعر هو بها ليبتسم بعجز و يضغط اسنانه بضيق هاتفا باهتمام مزيف و هو يتثائب: و بتتوحمي على ايه بقى..؟

امسكت دفتر الملاحظات مسرعه لتكتب اخر ما قد يخطر على باله يوما و دفعت بالدفتر اليه بضحكه واسعه متوقعه ثورته القادمه، نظر هو للدفتر بعين مستيقظه و الاخري مغلقه تأكل ارز مع الملائكه و لكن سرعان ما اتسعت عيناه الاثنتين بصدمه تبعه احمرار عينه بانفعال و هو ينهض مستندا على ركبتيه فوق الفراش ليصرخ بها: نعم يا مدااام، عاوزه ايه..!

نظرت اليه ببراءه و اشارت بنظراتها على طفلهم و عادت تنظر اليه مبتسمه و اهدابها ترفرف بطفوليه، كأنه تخبره ان هذا طلبه هو! لا دخل لها..!
فرفع يده الاثنتين ليجذب خصلاته بعصبيه و ينظر اليها بدهشه غاضبه و هو يصيح: بتتوحمى على سجاير؟!، في واحده ست تتوحم على سجاير، امال الرجاله لو حملت هتتوحم على ايه...؟!،
ثم بسخريه لاذعه هتف بعدم تصديق: غزل بنات..!

ضحكت بشده و هى ترمقه بنظرات آسفه و عاجزه فصغيرها من يرغب بهذا لا هى،
تمدد على الفراش و ساعدها لتنام بجواره على صدره متمتما كأنه يشرح أمرا مهما: عارفه يا مها، انا كنت عايش حياتى اخر مزاج، باكل براحتى، الاكل اللى بحبه، اخرج وقت ما احب، انام وقت ما احب، لكن دلوقتى...

صمت قليلا فاعتقدت هى انه يفكر، و لكن طال صمته، طال صمته حتى ملت الانتظار فرفعت نفسها قليلا تنظر اليه لتجده غرق في النوم مجددا فضربت كتفه بغيظ غاضب فانتفض مره اخرى و عندما رأى ملامحها الغاضبه اصطنع مثلها و اكثر غضبا ليشير اليها بسبابته محذرا: لا كده انا ممكن اطلقك و انام و بعدين بكره نتفاهم...
فضحكت بسذاجه مصطنعه و حركت شفتيها بحديثها الصامت تصبح على كل خير يا حبيبى، نام، نام.

انطلقت ضحكاته ليضم كتفها اليه ليستلقى كلاهما ليغرق سريعا في نوم عميق، فوداعا للرومانسيه عندما يأتى سلطان النوم...
فمن قال الحب الحقيقى هو ان تخاصم النوم لاجعل مجالسه من تحب ، كاذبٌ، كاذبٌ، كاذب...

الغرفه البيضاء، بجدرانها الهالكه و لونها الباهت، نفس الفراش، نفس الملابس، لا طعام شهى و لا طيبه في المعامله فقط كل شئ قاسى، صعب لا تستطيع التعامل معه!
نجلاء امين الحصرى، اصبحت مجرد سجينه لفراش احمق داخل غرفه سيئه بحاله محطمه!
الان فقط بدأت تشعر بسنوات عمرها، الان فقط ادركت ان حياتها على وشك الانتهاء حقا!
لا مال يفيد، و لا جاه يساعد فقط خسرت، خسرت كل شئ، كل شئ!

طرقات خافته على الباب فأعتقدت هى انها الممرضه التى تعاملها اسوء مما يُعامل الجماد فأغلقت عينها مدعيه النوم لحظات و شعرت بيد خشنه - عرفت صاحبها على الفور - تلامس جبينها التى اظهر الألم تجاعيده مع همسه حانيه من صوت لا تدرى أهى حقا اشتاقته ام اشتاقت فقط لمن يتذكرها: ماما!
ظلت عينها على وضعها المغلق و نبرته الهادئه بإسمها تداعب اوتار قلبها!

معتز الوحيد الذى يودها، يسأل عنها، يزورها من حين لأخر، و كل مره عقب خروجه تسمع هى صوته و هو يوصى الممرضه بها!
اهملته صغيرا، احبطته شابا، استمتعت بإنفلاته لطريق الخطأ كأنها تتباهى بساحريته، و دمرت حياته كرجل، بل و سعت لتخريب بيته، و الان هو فقط من يهتم بها..!
من أين لك بهذه القوه و الطيبه يا معتز!
حقا من أين لك بها!

انخفض معتز طابعا قبله على جبينها و هو يسأل الطبيب بجواره باشفاق ظهر بوضوح في نبرته التى شقت قلبها نصفين فما عاد يجوز لها سوى الاشفاق: و بعدين يا دكتور مفيش أى تحسن في حالتها بالعكس انا بحس ان كل مره أسوء من اللى قبلها؟!

تنهد الطبيب و هو ينظر في تقاريرها بين يديه و هتف بعمليه دون ادى شعور باحساس معتز: ذراعها في تحسن، بدأت تحركه لوحدها و دا ساعدها تقدر تتحرك بالكرسى بنفسها من غير مساعده، بس انا عاوز حضرتك تفهم حالتها دى ميؤوس منها اصلا، و المريضه مش بتستجيب للعلاج لان الموضوع مش عضوى بس الموضوع نفسى كمان، التحسن البسيط ده كان ممكن يبقى اكبر و اكبر لو المريضه بتستجيب...

احتدت عين معتز و هو يطالعه بضيق واضح فأكمل الطبيب بسخريه و استحقار: و بعدين هى هنا تعتبر بتقضى فتره عقوبتها اللى مش هتعيش علشان تكملها..
اشتعلت نظرات معتز بغضبه و هو يعتقل ياقه قميصه صائحا بحده: انت اتجننت، انت هنا تشوف شغلك و بس..

ابعد الطبيب يده و هو يغلق التقارير ليغادر الغرفه بعدما رمقه بنظره ساخره فعاد معتز يجلس بجوار نجلاء ممسكا بيدها رامقا اياها بنظرات عطوف دون اى كلمه و هى مستمره في ادعاء نومها الذى ادرك هو انها تهرب به منه، و صدقا حتى الحديث معها لم يجد له أول و لم يجد من الكلمات ما تناسب حديث معها...
فظل على صمته فقط يربت على كفها حتى انتهى موعد الزياره فنهض مقبلا جبهتها مره اخرى و خرج من المشفى...

صعد لسيارته التى انتظرته هبه بداخلها و معها حمزه على قدميها و بمجرد ان جلس بجوارها استند برأسه على المقود امامه زافرا بقوه فربتت على كتفه مؤازره فهو هكذا كل مره، كلما اتى الى هنا يخرج محملا بحزن كبير...
نظرت امامها عاجزه عن التحدث ككل مره تماما و لكنه هو هذه المره تحدث بخفوت: مش بترضى تقابلنى، حتى دلوقت يا هبه بتهرب منى و بترفض تقابلنى، نفسى انساها او اتجاهلها زى الكل بس مش قادر...!

ثم رفع رأسه مشيرا بيده على قلبه هامسا بيأس من نفسه و الذى اوصله لحاله مهلكه من الحزن بسببها: بس لسه لها مكان في قلبى، مش عارف انسى او اتجاهل لانى لسه بحبها، لسه بتمنى في يوم بس أحس انها راغبه بوجودى جنبها و انا مش هسيبها ابدا، رغم كل حاجه و كل اللى هى عملته مش عارف اكرهها يا هبه، مش عارف...

زفر بقوه ضاربا رأسه بمسند المقعد خلفه فنظرت اليه بفخر خالطه حزنها عليه، و لكنها لن تسمح بحزنه اكثر، فرفعت حمزه قليلا لتضعه بحضنه قائله بابتسامه: كلم بابا يا حمزه علشان ماما مبقتش عارفه تقول ايه؟

اعتدل معتز حاملا اياه رافعا اياه امام وجهه مبتسما اجباريا مع ابتسامه الصغير الرائعه و التى دغدغت مشاعر ابوته و هو يقول بينما شفتيه تطبع قبلات على ملامح الصغير: حبيب بابا، ثم رفع يده امام يد الصغير قائلا بمرح: احنا رجاله زى بعض، ملناش دعوه بيها!

قالها مشيرا على هبه فابتسم الصغير و هو يضرب يد معتز بيده الصغيره في علامه للموافقه فشهقت هبه مستنكره و هى تستدير لهم و هتفت بعتاب: بقى كده يا حمزه تزعل ماما!

اصطنعت وجه طفولى حزين فتعالت ضحكات معتز و هو يرى الصغير يتحرك عن ساقيه ليقترب منها مهمهما بلهجته الغريبه التى لا يفهم معظمها و طبع قبله على وجنتها مرددا اسمها بتقطع، فضحكت هى بالمقابل و هى تضم وجهه بيدها لتُعيد قبلته اثنتان و ثلاث فارتفعت ضحكات الصغير مع ضحكات معتز و هبه...

و لكن صرخات من حولهم جعلتهم يلتفتوا بحده للخارج لتشهق هبه و هى ترى جسد امرأه مسجى على الارض غارقا بدماؤه و لكنها تجمدت تماما عندما ميزت جسد المرأه او بالاحرى وجهها - و التى لم تكن سوى نجلاء - اعطاها معتز حمزه بسرعه و هو يترجل من السياره ركضا ليقترب من نجلاء لتتسع عينه بصدمه محدقا بها ثم نظر للاعلى ليجد نافذه غرفتها مفتوحه على اخرها بينما الممرضات تقف تنظر منه بفزع...

فعاد ببصره الى والدته ليسقط على ركبتيه امامها و هو يبعد خصلاتها المشبعه بالدماء عن وجهها التى لم يعد يبدو به ملامح بل تلون بالاحمر تماما، حركها بهدوء و لكن لا استجابه، مره اخرى و لكن لا استجابه..
اقترب منه عده اطباء و الكثير من الناس الذى لا يعرفون سوى التجمهر ليحاولوا مساعدتها بينما هو يهتف بها، يتفقد انفاسها التى انقطعت اخيرا: ليه، ليه عملتِ كده؟ ليه مصممه تخسرى، ليه تخسرى أخرتك! ليه؟

حملها الاطباء لتكن تلك النهايه، نهايه ارادت هى ان تضعها بيدها..
و ربما هذا الشئ الوحيد الذى نجحت به!
ارادت الموت فماتت!
ارادت الراحه و لكن بئس اعتقادها فلا راحه بعد الان..!
بل حياه جديده، حياه جديده كانت لتكون افضل بتوبتها!
كانت لتكون اجمل بتقربها لله تعالى!
كانت لتكون و لكن لم تعد!
فلقد اختارت حياتها الجديده بأسوء ما يكون!
عاشت حياتها الزائله خطأ،
و ستواجه حياتها الابديه بأكثر خطئا!

فبئست البدايه، و بئست النهايه!

بعد مرور 25 عاما.

وعدتكِ ألا أحبك..
ثم أمام القرار الكبير، جَبُنت!
وعدتكِ ألا اعود..
و عُدت!
و ألا أموت اشتياقا...
و مُت!
و عدتكِ ألا أقول بعينيك شعرا..
و قُلت!
و عدتك ألا اكون ضعيفا..
وكُنت!
فلا تأخدينى على مَحمَلِ الجَدّ!
مهما غضبت، مهما انفعلت..
مهما اشتعلت، مهما انطفأت..
لقد كنتُ أكذبُ من شدّة الصِدق!
و الحمد لله انى كَذبت!

ابتسمت حنين بسعاده حقيقيه و هى تستمع لكلمات قصيده نزار قبانى بصوت كاظم الساهر داخل غرفتها عندما طُرق الباب، فأذنت للطارق بالدخول فدلف ابنها البكر - فارس - و خلفه ابنتها الصغيره - عائشه - فاتسعت ابتسامتها و هى تستقبل كلاهما..

فلقد عاد فارس للتو من جامعته و كعادته دائما يتجه اليها بمجرد عودته، قبل جبينها ثم يدها ليجلس على ركبتيه امامها كالمعتاد بينما قبلت عائشه وجنتيها و جلست على حرف المقعد بجوارها متمتمه بمرح: ايوه يا عم بقى، كاظم و شعر و رومانسيه واضح كده ان الحاج مازن كان رومانسى اصيل..

شعرت بضربه خفيفه على رأسها من الخلف فعضت على شفتيها مغمغمه كأنما مُسكت متلبسه بسرقه ما: اتقفشت، ، ثم نهضت بسرعه لتستدير لمازن متعلقه بعنقه مقبله اياه ضاحكه و هى تهتف بمرح تشربته منه: حبيبى يا بابا، كنا جايبين في سيرتك بكل خير!
ضحك مازن جالسا على المقعد المقابل و هو مازال يحتضن اياها لتجلس بجواره متمتما بصوته الحانى: انتِ هتقوليلى..!

ضحك الجميع فجلس فارس ارضا مصفقا بيده لينتبه الجميع له قائلا بجديه: انا دلوقت قدمت للهانم دى في كليه خدمه اجتماعيه و علم نفس زى ما طلبت، ، ثم اردف بسخريه عجيبه من اختيارها لهذه الكليه: مش عارف مين العاقله اللى تجيب مجموع طب و تختار خدمه اجتماعيه..

اعتدلت جالسه لتتحدث بطبعها المنطقى البحت: أنا واحده مبحبش اى نوع من انواع المواد الطبيه، بعشق علم النفس، الواقع، المجتمع، تحليلاته بعقده و مشاكله، اختار حاجه مبحبهاش ليه؟ ثم ان...
قاطعها هاتفا بصراخ بينما يتابعهم حنين و مازن بسعاده على تفهم الكبير و عقل الصغيره: بس بس انتِ هتشرحيلى محاضره، المهم انا كده عملت اللى عليا!

ربت مازن على كتفه هاتفا بفخر جمع مرحه المعتاد و الذى رغم ما مر من العمر لم يتغير: انت شايف انك كده عملت اللى عليك؟ دا انت لسه بتقول يا هادى!
تنهد بتأفأف مصطنع و هو يرمق عائشه بنظرات اخويه حانيه جمعت معها نظرات ساخطه على طلباتها التى لا تنتهى وعجبا هو لا يمل..!
فرمقتهم حنين بفرحه أم حقيقيه و هى ترى اولادها بهذا الترابط فتدعو الله يوميا حتى لا يحرمها من رؤيتهم بسعاده هكذا امامهم،.

نهض فارس قائلا و هو يتحرك لخارج الغرفه: انا متفق مع فهد هشوفه كمان ساعه كده في النادى هنلعب تنس، هتيجى معايا يا أوشه عهد هتبقى موجوده..
اشاحت عائشه بيدها قائله بغضب مصطنع: لا مش هاجى انا هبقى اتفق مع عهد و أشوفها لكن اشوف فهد استحاله..
ضحك مازن و حنين فتمتمت حنين و هى تدرك الاجابه جيدا: ليه يا أوشه بس دا فهد بيخاف عليكِ زى فارس بالظبط..

بدأت تتحدث بطبيعتها الفيلسوفيه العمليه البحته: بيستفزنى بصمته الرهيب دا يا ماما، اقولك حاجه فهد دا اما انسان معقد و اما بيحب التعقيد، هو عامه نسخه مصغره من خالو عاصم، سبحان الله، اصلا كل ما بتكلم مع دكتوره جنه بحس انها مظلومه بينهم و الله..
تصاعدت ضحكات الجميع، ففهد هو الابن البكر لعاصم و جنه..
عاصم حصرى صغير بل يكاد يكون اسوء!
فعاصم كان يميزه غضبه و لكن فهد يميزه صمته..!

لا يتحدث سوى قليلا و دائما ما تكون كلماته من الصميم لتصيب الصميم بقسوه!
و رغم شدته يخاف خوفا جما على عهد - شقيقته الصغرى التى تصغره بثلاثه اعوام - بالاضافه لغيرته و التى تمنحه حميه رجوليه خاصه به...
و عهد تعشق خوفه، غيرته و حرصه الشديد عليها فهو من اعتنى بها صغيره رغم صغر سنه وقتها و لكنه كان يتابعها باستمرار و استمر ذلك بمرور العمر حتى اصبحت مسئوليته كامله!

قرص فارس وجنتها ضاحكا قائلا بمرح فهو يعرف ان عائشه تحب الحديث، تعشق الثرثره بشكل سئ و لكن ثرثرتها ليست عديمه الفائده و لكن رغم سنها الصغير فرأيها يعتمد عليه بل و بثقه: اساسا فهد اول ما بيشوفك او يعرف انك هتبدأى كلام بيهرب من المكان علشان عارفين انك مش هتسكتِ..
شهقت مستنكره لتصرخ به بغيظ واضح: كده يا فارس؟، ثم انقضت عليه مقتنصه يده لتعضها بقوه ليصرخ بتوجع ضاحك و هو يبتعد عنها لتستمر ضحكاتهم...

بينما استغل مازن انشغالهم ليُمسك بيد حنين مقبلا اياها، بينما هى تطالعه بنظره عاشقه لم تعد تفارق عينها.

صباح الخير يا فيروزه..
هتف بها اكرم و هو يدلف لغرفه ابنته جالسا بجوارها ليداعب خصلاتها البندقيه الاقرب للون خصلاته، فتململت بدلال لتفتح عينها التى ورثت بحر الفيروز عن والدتها لتصبح اكثر جمالا و ملامحها تجمع الاصول الشرقيه بالجمال الاوروبى لتمنحه فتاه كقطعه فنيه غاليه...
نهضت جالسه لتقبله بحنان: صباح الورد يا بابا..

قبل جبينها و هو يساعدها لتنهض و هى تمط يديها ليقول بابتسامه خفيفه و هو لا يصدق انه خلال عده ايام ستتخرج صغيرته من كليتها لتبدأ مشوار حياتها: كل ده نوم، يالا هتتأخرى على جامعتك كده،
اومأت برأسها باتزان ورثته عنه متحدثه بعقلانيه تجعله فخور بها: متقلقش عليا يا حبيبى انا منظمه كل حاجه.! ماما فين؟

اشار للمطبخ غامزا اياها بضحكه واسعه تدرك هى مغزاها الحقيقى: بتحضر الفطار، ، و بفهمها لمغزى نظرته قالت بضحكه عاليه و هى تتأبط ذراعه ليتحركا للخارج: على فكره انت كده بتظلمها ماما بقت بتعرف تطبخ كويس جدا..
وصل لانفها رائحه شيئا يحترق منبعثه من المطبخ فنظر كلاهما للاخر ثم نظرا للمطبخ فانفجر اكرم ضحكا بينما تمتمت فيروز بضحكه عاليه تتراجع عن ثقتها: يعنى تقريبا..

خرجت مها من المطبخ و على وجهها علامات الضيق و بيدها طبق به شئيا ما و لكن للونه الاسود و رائحته المحترقه لم يستطع اكرم او فيروز تمييزه فحاول كتم ضحكته و هو يبتعد عن فيروز ضاما اياها لصدره ممسكا بالطبق من يدها مانحا اياه لفيروز: و لا يهمك يا حبيبه قلبى فيروز هتحضر الفطار و انا و انتِ هنقول كلمتين على جنب..

اومأت فيروز مبتسمه و هو يغمزها فأدركت انه يرغب بابعاد مها عن المطبخ فقط، فكفى كوارث التى يبدو انها لن تنتهى، جلسا سويا و مازالت تستند برأسها على كفته حتى تمالك نفسه قائلا بجديه: دلوقتى فيروز هتتخرج، و انا كده مبقتش هرفض اى عرسان، البنت كبرت و دلوقت اقدر و انا مطمن اسيبها تعتمد على نفسها و تأسس حياتها..

اومأت مها برأسها موافقه و حركت شفتيها بحديثها الصامت انت عارف انى كنت معترضه على انها تفضل لحد ما تخلص دراستها بس فعلا كده افضل، البيت هيبقى وحش من غيرها قوى
ضمها اليه اكثر و هو يجاهد كى لا يظهر حزنه من هذا الامر و هو اكثر من سيتأثر برحيلها، و خاصه انها ابنتهما الوحيده فمها لم تستطع انجاب سواها لظروف صحيه منعتها من ذلك..

و تقبل كلاهما الامر راضيين و لكن ان تكون ابنه و تتركهم بنهايه المطاف هذا من اصعب ما يكون عليهما و لكن ماذا نقول سنه الحياه...
عادت فيروز و تناولا فطورهم سويا ثم خرجت هى لتلحق بجامعتها لتستلم عده اوراق مهمه لاجل مستقبلها المهنى بينها استعد اكرم ليذهب للشركه مصطحبا مها معه و التى اصبح عملها داخل غرفته، تعمل معه و بجواره، و خبرتها العمليه الرائعه لا يُستهان بها مهما تقدم بهما العمر..
عمر؟!

أى عمر هذا الذى يمحى ما يعد عمرا!
فبحر الفيروز مازال مسكنه الاول و الاخير،
و صاحبه بحر الفيروز مازالت فرحه عمره، و حلمه الذى لم ينسى ابدا انه سعى اليه سنوات!
و ما اجمل من العشق، الحفاظ عليه!
و ما اقوى من الود، الحياه به!
و ما اقوى من حبهما، حياتهما و عشرتهما معا!

عاد امجد من المشفى لتستقبله سلمى كعادتهما منذ بدايه حياتهما لتأخذ حقيبته و همت بالدخول للمطبخ و لكنه امسك يدها و هو يجلسها بجواره متسائلا: الولاد فين؟
اشارت لغرفه ابنتها الكبيره مجيبه بتعجب: نيره في اوضتها لسه راجعه من الكورس بتاعها، و إياد نزل يلعب كوره مع صحابه، و فرحه في اوضتها مع صاحبتها..
اومأ برأسه معتدلا ناظرا اليها بتفحص هاتفا بجديه: في عريس متقدم لنيره!

زفرت سلمى بقوه فأبنتهما الجميله رأسها أصلب من رأس والدتها، و اكثر تمردا منها بل و اسوء عنادا بكثير، وصل عمرها 24 عاما و مازالت ترفض الزواج دون حتى رؤيه المتقدمين لطلبها...
نظرت اليه سلمى مغمغمه بقله حيله: انا غلبت معاها، هى رافضه تماما.

تصاعد غضبه الذى كلما تقدم به العمر يزداد خلافا لطبعه الهادئ سابقا ليصيح بضيق واضح: ليه! بترفض ليه؟ حجتها قبل كده الدراسه، و دلوقت الكورسات و الدبلومات اللى بتعملها، طيب و بعدين!
قطع حديثهم خروج ابنتهم الصغيره فرحه - ذات احد عشر عاما - من غرفتها مع صديقتهاا التى ودعتها و غادرت..

فاتجهت فرحه لوالدها واقفه امامه و هى تضع يدها في خصرها هاتفه بتزمر: اسمعنى بقى يا بابا انا كبرت و بقيت مسئوله عن نفسى، و هعمل اللى انا عاوزاه اتفقنا!
تبادل سلمى و امجد النظرات المتعجبه بصدمه لتهتف سلمى بتساؤل و هى تجذبها من ذراعها ببعض العنف: ايه يا بنت اللى بتقوليه ده؟

فتحولت نظراتها لاخرى طفوليه حزينه و هى تصرح عن سبب كلماتها التى لقتنها صديقتها اياها للتو: يا ماما، بابا مش بيوافق اطلع رحلات مع صحباتى البنات و انا عاوزه اطلع، فا ندى صاحبتى قالتلى اقوله كده و هو هيوافق..

قالتها و هى تنظر لامجد ببراءه جعلته يكتم ضحكته بصعوبه و هو ينظر اليها باستغراب فحتى طفلته الصغيره كبرت و بدأ عرق تمردها يظهر، و عندما طال صمته عقدت حاجبيها بغيظ ثم رفعت يدها تضعها عليهم لتتأكد انهما انعقادا و تمتمت و هى تشير بسبابتها بتحذير واهن: انت مش هترفض يا بابا..

ثم ركضت من امامهما على غرفتها متجاهله نداءات سلمى المتكرره بإسمها و قبل ان يبدى أى منهما رد فعل، خرجت نيره من غرفتها لتلقى التحيه على والدها الذى دعاها لتجلس بجواره ليتحدث معها في موضوع هام و التى بخبرتها السابقه بأحاديثه تدرك مغزاه، و لكنها جلست منصاعه متمتمه بحذر: خير يا بابا اتفضل!

اعتدل ناظرا اليها بحنان ابوى و هو يحاول التمسك بهدوءه الذى ينتهى دائما بصراخه غضبا من تيبس رأسها و تمسكها برأيها: في عريس يا نيره، و المرادى مش عاوز اعذار هتشوفيه يعنى هتشوفيه...
عقدت ساعديها امام صدرها و صمتت قليلا ثم تسائلت بجديه تجاريه: انت ليه عاوزنى اتجوز يا بابا! ليه مستعجل على الموضوع كده!

امسك يدها و هو يشعر بتفاؤل اليوم فها هى تتناقش دون رفض قاطع فتحدث بهدوء بينما سلمى تتابع الحديث و هى تجاهد لتخفى ضحكتها فنيره تتبع طريقها هى القديم في اقناع والدها برأيها: علشان اطمن عليكِ لان انا مش ضامن عمرى، و عاوز احس انى سلمتك لانسان هيقدر ياخد باله منك..
صمتت حتى انتهى من حديثه ثم استدرات لسملى قائله بابتسامه هادئه لتجعل عقل والدها يجن: انتِ اتجوزتِ امتى يا ماما؟

حمحمت سلمى و هى تنظر ارضا متمسكه بهدوءها و لكن ابتسامتها هددت بالظهور و هى تجيبها بخفوت: و انا عندى 25 سنه..
هم والدها بالتحدث و لكنه قاطعته باحترام قائله بهدوءها المستفز: ثانيه واحده يا بابا معلش، , ثم استدارت لسلمى مجددا و تمتمت بتساؤل اخر: و خالتو مها اتجوزت امتى؟!

اغلق امجد عينه بضيق فربما تسير بطريق سار به مَن قبلها و لكنه يقلق عليها، من حقه كأب ان يطمئن عليها، فكز على اسنانه و سلمى تجيب و بنبرتها ضحكه مكتومه: تقريبا على 27 سنه..
نظر امجد اليهما ثم صاح بضيق بادٍ بوضوح على وجهه: و ليه مسألتيش على خالتك حنين او مرأه خالك..؟، ليه مبصتيش على صحباتك البنات اللى في منهم اللى معاها ولاد دلوقت؟! و ليه! و ليه؟

فأجابته بهدوء ايضا فهى تشعر ان موقفها صحيح و لا حاجه لتضطرب او حتى تُبدى رأيها بغضب: و حضرتك ليه مبصتش على ماما و خالتو مها، هما الاتنين ناجحين و رغم كده اتجوزوا متأخر، ،.

ثم امسكت يده محاوله اقناعه برأيها الذى يبدو انها لن تغيره: يا بابا يا حبيبى انا عاوزه ابنى نفسى و مستقبلى الاول و بعدين اختار الراجل اللى يستحق ده، كل اما كنت واعيه و مدركه لنفسى و قوتى و حياتى هقدر ابنى بيت و اكون اسره افضل و انجح، حاول حضرتك تفهمنى!

ثم اضافت بتفكيرها التى متيقنه تمام اليقين من صحته: ثم ايه اللى أكد لحضرتك انى لما اتجوز، حضرتك حتطمن، مش يمكن يبقى راجل مش كويس، او يعاملنى بأسلوب صعب او يمكن حتى يوصل الموضوع لانى اطلق، كده حضرتك هتبقى اطمنت عليا! اطمئنانك عليا يا بابا في انى اكتسب قوه تخلينى اقدر اواجه اى حاجه تقابلنى بعد كده!

و قبل ان يجيبها دلف اياد من باب المنزل بملابسه الملطخه و شعره المشعث و الكره بيده هاتفا بصوت عالى: السلام عليكم يا بشر..
نهض امجد غاضبا و زاده مظهر ابنه غضبا صارخا به: ايه المنظر ده؟ دا منظر راجل محترم السنه الجايه هيبقى طالب جامعى؟
وضع اياد الكره في مكانها الجانبى بجوار الباب و تقدم من والده واقفا امامه قائلا بتعجب: و ايه المشكله يا بابا انا كنت بلعب كوره طبيعى هدومى تتبهدل..؟

فرفع امجد يده للسماء هادرا بقوه و هو يشعر ان التمرد اصبح رمزا لعائلته و رغما عنه اتسعت ابتسامته و صوته جعل الجميع من حوله يضحك: يارب، انا طلبت بنت متمرده زى والدتها لكن ثلاثه بوالدتهم كتير عليا، و الله العظيم كتير...!
خرجت فرحه من الغرفه على صوته صارخه بالمقابل: بردو هروح الرحله يا بابا...

ايه اللى انتِ لابساه ده؟!
هتف بها فهد و هو يطالع عهد من اعلى لاسفل متفحصا ملابسها التى لم تكن بسيئه بل كانت تمنحها جمالا فائقا بعينيها السوداء الواسعه مع ملامحها الصغيره و صوتها الرقيق وهو كرجل يفهم جيدا ماذا يعنى جمال المرأه؟

تصغره عهد بثلاثه اعوام و يحرص هو كل الحرص على حمايتها، نظرت لملابسها و التى كانت عباره عن بنطال باللون الابيض لا يرسم قدمها من شده اتساعه يعلوه قميص بناتى من الشيفون الثقيل باللون الاحمر الهادئ مع حجابها الطويل باللون الابيض و الذى منحها اشراقه ساحره مع بشرتها البيضاء كوالدتها ثم رفعت اليه عينها لتسأله بابتسامه: ماله اللى انا لابساه يا فهد..! طويل و واسع و بحجابى!

احتدت عيناه و التى ورثها عن والده بأسهمها الغاضبه دائما ليحاصرها بها و كانت نظرته كفيله باخبارها بغيرته التى لا يستطيع التعبير عنها حتى بالحديث فقط يعبر بغضبه الصامت..
فتأبطت ذراعه و هى تتحرك باتجاه باب السياره ليتوجها للنادى و همست بضحكه واسعه: متخافش يا فهد انا مش هوافق على العرسان، انا هفضل جنبك عالطول..

رمقها بنظره مشتعله فهو لن يوافق على زواجها حتى ان وافقت هى، اخته ستظل معه تحت حمايته و رعايته دائما...!
بعد قرابه نصف ساعه استقبلهم فارس و حمزه في النادى فألقت عهد السلام ثم تحركت باتجاه عائشه التى جلست على طاوله خلفهم..
وقف الشباب يتحدثون قليلا حتى رن هاتف حمزه فاستأذن متجها لجانب بعيد قليلا ليفتح الخط هاتفا بمرح: صباح الفل يا فله بيتنا..

ابتسمت هبه رغم قلقها و هى تسمع صوته و هتفت بغضب تبدد بمجرد الاطمئنان عليه: انت فين يا حمزه قلقتنى عليك؟ ينفع تنزل بدرى كده من غير ما تعرفنى؟!
هدأها قائلا بنبرته الرجوليه القويه: اهدى يا ست الكل، انا نزلت النادى و محبتش اقلقك انتِ و الحاج معتز، و متقلقيش ساعتين كده و هجيلك علشان نفطر سوا!
عنفته بحنان امومتها هاتفه بحده: و ينفع تنزل من غير اكل كده؟

اخذ نفسا عميقا و ابتسامته تتسع فوالدته العزيزه لا تتجاوز موضوع الطعام و الاهتمام و الرعايه الذى لا يعرف كيف يعيش بدونها يوما: حبيبتى قصرت حقك عليا، هشوف الشباب بس كده و بعدين هاجى آكل أكل البيت كله، اما دلوقت هلعب شويه و اعاكس بنات شويه!

صرخت به بغضب فضحك بشده فحمزه اكتسب طبع والده المتلاعب و لكنه ألجمه بطبع والدته الهادئ و هذا ما طمئن هبه عليه، تحدثا قليلا ببعض كلمات مع عده ضحكات ثم اغلق معها الخط متجها لفارس و فهد و اتجه ثلاثتهم بعدها للتمارين بينما اندمجت الفتاتين معا في الحديث.

في ذلك الوقت كانت جنه بالمشفى، نهضت واقفه و هى تستعد لدخولها لغرفه العمليات و قلبها ينبض بقلق و خوف و الماضى امامها يتجسد بوضوح..
فالحاله التى ستحضر عمليتها الان، امرأه حامل مريضه بالقلب، حُذرت من الحمل و لكنها لم تتخلى عن جنينها، و الان حياتها على حافه الهاويه، و زوجها يجلس امام غرفه العمليات دافنا وجهه بين كفيه يدعو لها...
اخذت نفسا عميقا، فالان هى امام اختبار حقيقى!

اخبرتها والدتها في رسائلها عن رغبتها في ان تصبح جنه طبيبه، لكى تنقذ حياه كحياتها، و بتوفيق الله ثم خبرتها تمنح كلاهما فرصه للحياه!
و الان اما تنجح و يتحقق الحلم، و اما تفشل و يُولد جنه جديده و يتحول زوج المرأه لماجد اخر!
تحركت باتجاه الغرفه لتغيب بداخلها بعض الوقت قبل ان يصدع صوت الطفله في انحاء الغرفه ليقترب الزوج ناظرا من زجاج باب الغرفه، و بعينيه دموع الفرحه بطفلته و دموع القلق على زوجته...

خرجت الممرضه بالطفله لتعطيه اياها فأخذها بلهفه ليصرخ متسائلا بخوف حقيقى: مامتها، مامتها عامله ايه؟
اجابته الممرضه على عجاله و هى تتحرك للداخل مجددا: مقدرش اقول حاجه عن حالتها، ادعى لها..

اُغلق الباب بينما هو يقف بالخارج يكاد يموت قلقا و هو يضم طفلته بقوه لصدره مرددا لها بالدعاء، و بعد قليل من الوقت فُتح الباب مجددا لتخرج الممرضات و خلفهم جنه و طبيبه التوليد يتحدثون فيما بينهم فاقترب الزوج منهم و هو يضم الطفله بخوف و عيناه تنبض بالقلق متسائلا: مراتى يا دكتوره، مراتى كويسه؟

ابتسمت جنه و حملت عنه الطفله لتداعب ملامحها الصغيره بإصبعها و هى تشعر انها الان فقط تستحق تضحيه والدتها و والدها،
تستحق ثقه عاصم وايمانه بنجاحها،
تستحق افتخار اكرم بها،
تستحق ان تكون ام لاطفالها،
تستحق ان تكون هى...!

اجابت الزوج طبيبه التوليد و هى تبتسم بسعاده: الحمد لله زوجتك بخير متقلقش، الفضل يرجع لربنا ثم دكتوره جنه، بس هنحتاج نسيبها تحت الملاحظه شويه و ان شاء الله في اقرب وقت ترجعوا لبيتكم بالسلامه..
لمعت عيناه بفرحته ثم نظر لجنه التى تلاعب الطفله بفرحه كأنه اول طفل تراه رغم انها ام لطفلين فتمتم بشكر شعرت به نابع عن قلبه حقا: انا مش عارف اشكرك ازاى؟ انتِ متعرفيش عملتِ ايه؟ بجد شكرا شكرا جدا...

ابتسمت جنه و هى تجيبه بعمليه ورغم ذلك لم يختفى الفرح من صوتها: انا معملتش حاجه غير واجبى..
فابتسم و هو يرمقها بنظره امتنان فابتسمت بالمقابل و سألته بفضول قائله بترقب: هتسموها ايه؟
فكر قليلا ثم اخذ قراره ضاحكا مردفا بثقه اجابته: جنه!
اتسعت عينها بدهشه سرعان ما تحولت لابتسامه واسعه و هى تقبل الطفله بفرحه عارمه متمتمه بخفوت: نورتِ الدنيا يا جنه...

قطع تأملها بالطفله قدوم الممرضه لتقول بسرعه: تليفون يا دكتوره جنه!
اعطته جنه الطفله متمتمه مره اخرى قبل رحيلها: حمدلله على سلامتهم، عن اذنك..
وتحركت مسرعه باتجاه الهاتف ليصلها صوت عاصم فأجابته بلهفه: انا نجحت يا عاصم، نجحت...
ابتسم هو ايضا و هو يتخيل فرحتها دون ان يراها فهتف بسعاده لسعادتها فخرجت نبرته رغم قوتها حانيه: انتِ قدها يا دكتوره، مبرووك!

قفزت بسعاده و هى تقول بنبره ممتنه و تملؤها السعاده الحقيقيه: باباها سماها جنه، سماها على اسمى يا عاصم، انت..!
قاطعها هو و هو يعقد حاجبيه غضبا ليصرخ بها بغيره واضحه: افندم! و هو يسميها على اسمك ليه؟ و بعدين هو عرف اسمك ازاى؟
صمت لحظات ثم رفعت يدها تضرب جبينها بيأس لتُتمتم بصوت لم يصله: مفيش فائده!

قل لي يا صديقي من النساء!
النساء! ومن يفهم؟!
قلوبا بالحب مفعمه وبالقسوه مشبعه..
قلوبا تمنحنا اشعارا و اوقات اخري محطمه..
قلوبا تُزهر بساتين و تُنشد عن الهوي اناشيد..
و ان غضبت اودعت النيران بكل مشاعرنا المزهره..
و يا ليت هناك من يفهم!
و معهن كيف نحسب؟!
بالضعف هي مُدعيه و داخلها القوه مندلعه..
بالحب تُرسيك على الشاطئ و بالكره بكل سرور مغرقه..
تتمسك بك دائما لا قوه بل عشقا..

و ان تخلت عنك يوما بقوه عشقها ستكون مودعه..
يا صاحبي النساء ضعيفه و لكن سبحان من جعلها في القسوه مبدعه..
تُحيل الحزن قوه و تمحي الحبيب قبل الغريب
و لدموعها تسمح احيانا و احيانا مانعه..
فلا تحسب فلا يجوز معها حساب و لن تصل بالنهايه لنتيجه مقنعه!
و ان كنا الرجال اقوياء عقولنا فالقلب يسعي دائما للضعف..
و ان كن النساء ضعفاء عقولهم فالقلب يمنح دائما القوه..
فالقوه و الضعف نسبي يا صديقي..

و هي لكل النسب متملكه...
اعتي الراجل يحنون رؤوسهم اذا دق القلب حقيقه..
لانثي و امرأه و سيده زمانها لتأخذ وسام الحبيبه بهيبه..
فازت بقلب المسكين و يا ليته يدرك ان الحب للرجال مصيبه..
فإن امتلئ قلبها بعشقه كان اكثر الرجال سعاده..
و ان رفضت او امتنعت عن احتواء قلبه امتلك بجحم العالم تعاسه..
سيظل قويا بالخارج و داخله سيكون اكثر الرجال تشتتا..
هن الالم، هن الوجع، هن الخيانه..

هن الرزق، هن العشق و بهن يا لجمال النهايه..
هن القلب و هن العقل..
وياليت يختار كلاهما خير البدايه..
فعلي البدايه صدقني تكون النهايه..
وبئس قلب يغرق في بحار العشق...
ويختار قلب يرفض الغرق!
فلا تكن جاحد لقلبك، واختار له من ترفعه عاليا..
فإن لم تكن انت الامير فلن تكون لك اميره.
وحتي ان كنت حلما جميل...
وحتي ان كنت
حلم سندريلا...

تمت
نهاية الرواية
أرجوا أن تكون نالت إعجابكم
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة