قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية حلم السندريلا للكاتبة عليا حمدي الفصل التاسع عشر

رواية حلم السندريلا للكاتبة عليا حمدي الفصل التاسع عشر

رواية حلم السندريلا للكاتبة عليا حمدي الفصل التاسع عشر

بالقاعه اجتمع الناس، صوت الموسيقي يملأ المكان، ضحكات هنا، حديث هناك و لكن العروس لم تصل بعد.
اجتمعت العائلات على طاولات متجاوره، و بينما الجميع مندمج في حواره كانت سلمى تحاول بشتى الطرق اشغال تفكيرها عن اختها و زوجها الذى تصدع ضحكاتهم بين الحين و الاخر، اما مازن فكان يراقب مدخل القاعه بانتظار قاسٍ على قلبه، لا يدرى لم أتى؟
و لا يدرى كيف سيستقبل هذا الواقع؟

و لكنه يدرى انها ان كانت لن ترتدى الابيض له فعلى الاقل يراها به.
لم تغفل عينه عن نظرات شقيقه المشفقه و لكنه كان يعلم جيدا انه سيراها و لم يهتم.
صدع صوت الموسيقي تُعلن عن قدوم العروس و كعاده العائله تقف استقبالا لهم بينما هو لازم مقعده عينه تنظر للمدخل حتى دلفت.
توقفت انفاسه للحظه ومعها نبض قلبه بعنف، و مع كل خطوه تخطوها هي بلمعانها الاخاذ تلمع عينه بوميض الدموع.

يدها بيد زوجها، عينها الخجوله يحاصرها هو بعينه الضاحكه، خطواتها الهادئه و بيدها باقه الورود البيضاء، حجابها التي اضفي جمالا على جمالها و ابتسامتها الرائعه التي سرقت قلبه من قبل لتعلن ملكيتها له..
أي وجع هذا الذي يشعر به؟
أي وجع هذا؟
فهو الان لا يتألم فحسب بل شعوره اصعب و اكثر تعقيدا من مجرد الشعور بالالم.
كانت تلك النهايه لمشاعره نحوها و لكن هل من اليسير محوها بسهوله هكذا!

هل يسهل ازالتها بممحاه او كشطها بقلم كأنها بضعه كلمات على ورقه بيضاء!
حتى الورقه التي تحاول الممحاه ازاله الكلمات من فوقها قد تتمزق، فالكلمات تُمحي و الاثر لا يُمحي، فما بال انسان يشعر و يتألم!
انسان يحب ليجد حبه يصدر الحكم بقتله بل و ينفذه ايضا..

فاذا وقفت امام حسنك صامتا
ف الصمت في حرم الجمال جمالٌ
كلماتنا في الحب تقتل حبنا
ان الحروف تموت حين تُقال
حسبى و حسبك ان تظلى دائما
سرا يمزقنى و ليس يُقال.
نزار قبانى
انتهى عاصم من ارتداء ملابسه و خرج ينتظر انتهائها هى الاخرى و بعد عده دقائق خرجت.

ترتدى فستان باللون الارجوانى الداكن يزينه لألئ لامعه باللون الاسود بتمويجه بسيطه على طول الفستان، و حجابها بنفس اللون الذى منحها رونق انيق، ساحر و بسيط في الوقت ذاته.
تابعها بعينيه من اعلى لاسفل بابتسامه هادئه و نظره عابثه، لاى من يراها ليس بها ما هو مميز و لكنها بعينه فاقت الجمال جمالا.
و من يسأله عن مكنون نفسه الان فهو فقط يريد ان يجلس و يُجلسها امامه و لا يلومه احد على طول تأمله بها.

لاحظت نظراته فحمحمت خجلا متمتمه: انا جاهزه.
و ثوانى استعاد بها عنفوانه و طبيعته القاسيه و اشار لها ان تسير امامه، خطوه، اثنتين، ثلاث و مع اول الدرجات اطلقت تأوها بسيطا متوقفه اثر تألم قدمها و لاسيما مع انغلاق حذائها عليه،.

وقبل ان تستدير له كانت بين ذراعيه يهبط بها الدرج مسرعا، يجاهد نفسه الا ينظر اليها و لكن قلبه لم يسمع و اجبر حصونه السوداء بمحاوطتها ليتفاجئ بحمره خجلها الباديه بوضوح على وجهها و هو تحاول ابعاد جسدها بقدر ما تستطيع عنه و لكن مع حركتها قربها هو اكثر فنظرت اليه بتعجب لتفاجئها نظرته المتفحصه تنبأها بأمور لا قبل لها بها.

فازدردت ريقها ببطء فأغلق هو عينه زافرا بقوه لتنفر عروق وجهه و رقبته صارخا بها: لفي وشك الناحيه التانيه لحد ما نركب ام العربيه و نتنيل نروح ام الفرح و نخلص من ام الليله اللي مش راضيه تعدي دى.
و رغما عنها استدارت و فارقت شفتيها ابتسامه صغيره ارتسم مثلها بغضب على شفتيه، وعد بالتماسك، قرر ترك الامور قليلا حتى تعتاده و لكنه بالنهايه رجل بل و عاشق فكثير عليه ما يصير.

مر بعض الوقت و ها هما بداخل القاعه، مزاح بينهم و حوار ودى بينها و شقيقها حتى انطفئت الانوار فجأه ليخرج محمود و يصاحبه ضوء مسلط عليه ليُمسك بيد هبه يجذبها لمنتصف القاعه و يفى بوعده لها و يبدأ بالغناء.
الفرحه اللي انا حاسس بيها
لا انا قادر اقولها ولا احكيها
اختي حبيبتي و ضي عيوني
لعريسها بايدي هوديها
من يوم ما وعينا على الدنيا
مفرقناش بعضنا لو ثانيه
على عيني انك تبعدي عني
دمعتي مش قادر اخبيها.

كانت تبتسم و كأنها اسعد من على الارض الان، مع لمعه عينها بالدموع، ففراق الاخوه ليس بهين فكيف بتوأمها!
الفرحه اللي انا حاسس بيها
لا انا اقادر اقولها ولا احكيها
اختي حبيبتي وضي عيوني
لعريسها بايدي هوديها
من يوم ما وعينا على الدنيا
مفرقناش بعضنا لو ثانيه
على عيني انك تبعدي عني
دمعتي مش قادر اخبيها.

اختنق صوته بدموعه رغما عنه فصمت فاقتربت هي منه محتضنه اياه، مرت دقائق حتى ابتعد يزيل دموعها التى تساقطت رغم محاولتها مجابهتها، و اردف،
اوعي تنسي ان انا حضنك سرك اخوكي
سندك ضهرك
واوعي تخافي من اي حاجه
وهجيبلك حقك لو ضايقك
الفرحه اللي انا حاسس بيها
لا انا قادر اقولها ولا احكيها
اختي حبيبتي وضي عيوني
لعريسها بايدي هوديها
من يوم ما وعينا على الدنيا
مفرقناش بعضنا لو ثانيه
على عيني انك تبعدي عني.

دمعتي مش قادر اخبيها.
ومع صمته الاخير احتضنته هبه و دموعها تغلبها ليرفعها يدور بها عده مرات وسط تصفيق حار.
ولعدم قدرته على الصمود و منع دموعه اكثر تركها مسرعا و اثناء ابتعاده اصطدم بفتاه ما نظرت اليه بدهشه و لكنه حملق بها ببلاهه قبل ان يتمتم: ما شاء الله.
عقدت حاجبيها مبتعده عنه بينما يراقبها ليجدها تجلس على طاوله عائله معتز فابتسم بخبث و خرج.

بينما مازن كان يقف في الخارج بجوار سيارته ينظر لسياره العروس المزينه مبتسما و بداخله افكار تحطم به، يتذكر ابتسامتها، سعادتها و لمعه الفرح و الحب في عينها.
زواجها كان عود ثقاب اشعل النار في بقايا مشاعره، كان خط النهايه للسباق الذي خسره و بجداره، كان خساره الملك لتعلن هى فوزها في لعبه حياته.

عاد للمنزل و دلف لتلك الغرفه اسفل الدرج، غرفته السريه و التى لا يسمح لاحد بدخولها، ينظفها هو، يعتنى بها، و يمنع اى تطأ قدم احدهم بها و ان كانت والدته.
نظر للذكريات التى جمعها، هنا بعض اوراقها، هنا القلم الذي رسمت به ذلك التصميم، هنا بعض التعليقات التي تركتها على الورق، هنا عده اطارات تحمل صور الفرقه كلها و لكنه احتفظ بها لاجلها هى، هنا صوره لها و هي تقدم احدى مشاريعها، هنا، هنا و هنا.

مجرد ذكريات لا واقع لها، مجرد حلم انتهي قبل بدايته.
اخذ نفس عميق و بدأت انفاسه تتسارع ثم دفع بيده كل الاوراق امامه دفعه واحده، امسك بكل الاطارات و القي بها ارضا ليتهشم زجاجها ليشوه شكل الصوره، اخذ يدفع كل ما يصل ليده،
يقذف هذا، يكسر ذاك، يقطع تلك و يكرمش هذه.
حتى اصبح المكان من حوله اشبه بمقلب نفايات، جلس ينظر للارض بصمت تاركا لعينيه حق التعبير عما تحمله من دموع رثاءا لحلم كاان يوما و اليوم انتهى.

حتى افرغ شحنه الغضب بداخله، احساس الخساره و مذاق الهزيمه.
ثم بقرار حاسم اتخذه نهض مغلقا باب الغرفه خلفه مجددا.
عادت عائلته للمنزل و بمجرد ان رأته نهال عبرت عن دهشتها بتسائل: انت روحت فين يا مازن، و مشيت من الفرح ليه؟
اجابها بهدوء نادرا ما يصيبه: عادى زهقت،
ثم نظر لوالده و لها مفصحا باقرار: انا هسافر تانى.
شهقت نهال بدهشه بينما عقد محمد ما بين حاجبيه متسائلا بحده: يعنى ايه هتسافر تانى؟

و قبل ان يجيب اقتربت نهال منه متحدثه بقلب ام تقلق على صغيرها و تخاف فكره ابتعاده عنها مره اخرى: ليه يا مازن؟ انا ما صدقت انك رجعت!
و مازال يحتفظ هو بهدوءه الذى يدرك فارس سببه جيدا و كالعاده الصغير لم يتحمل فكره الخساره و سيهرب و لكن بحجه مقبوله كالتى وضحها: فرص الشغل هناك احسن كتير و انا شايف انى هحقق بره حاجه مش هقدر احققها هنا..

نهض محمد واقفا قبالته متعجبا التغير الذى حدث بين ليله و ضحاها: الكلام دا جديد، ثم ان انت مبسوط من شغلك مع اكرم و قولت ان الشغل ممتاز، ايه اللى غير رأيك؟
و اجابه سريعه: الشغل ممتاز بس برده مفيش مقارنه بين هنا و بره،
ثم اضاف و قد بدأ يتلبسه حاله مع انعدام اتزان مع ضيق و رغبه في عدم التبرير: و بعدين انا لما يبقى طموحي اكبر من اني ابقي مجرد شريك في شركه مبتدأه ابقي غلطان؟

و هنا بدأ غضب والده يتصاعد معبرا عنه صائحا: و انت فاكر انك بره هتبقى مدير شركه او اتنين مثلا ما انت هتبدأ من الصفر لحد ما توصل لمنصب محترم.
و اضاف بحزم: انت هنا وسط اهلك و اصحابك و معارفك، احسن من الغربه و البهدله، اعقل يا مازن و مش عاوز كلام في الموضوع دا تانى.
و عاجلته والدته لتستدعى رأفته: بلاش يا حبيبى تتعب قلبى و تقلقنى عليك، خليك وسطنا يا مازن.

ثارت ثورته و هو يصيح دون انتباه: انا حر في حياتى و من حقى اختار طريقى براحتى، انا مابقتش عيل صغير هسمع الكلام و اقول حاضر.
احتدت عين محمد و هم بالصراخ يعنفه و لكن يد فارس على صدره تمنعه جعلته يصرخ: شوف اخوك يا فارس شكله اتجنن.
ليحاول فارس تهدئه الامور فمازن سيندم على انفعاله هذا: بابا ارجوك خلينا نأجل الكلام للصبح.

و لكن مازن لم يدع الامر ينتهى عندما صرح عن امر جعل الجميع يدرك ان عناده تجاوز الحد: انا حجزت التذكره و هسافر بكره العصر.
ضربت نهال صدرها بعنف و بدأت دموعها تتساقط لوعه، بينما هدر محمد: افندم! حجزت ايه! انت فاكر نفسك كبرت و قراراتك بقت تخصك لوحدك، فاكر ان ملكش عيله تاخد رأيها و تحترمه، برافو يا بشمهندس، برافو يا سند مال قبل ما اتسند عليه.

ربت فارس على كتفه متمتما بتوسل: ارجوك يا بابا بلاش كلام دلوقتى و صدقنى الموضوع هيتحل، ارجوك.

تركهم محمد و دلف لغرفته و همت نهال بالتحدث و لكن فارس اوقفها برجاء بصرى جعلها تلملم خيبتها و لوعتها لابتعاد صغيرها مجددا و تدلف لغرفتها بصمت بينما اقترب فارس من مازن واضعا يده على كتفه و قبل ان ينطق صاح مازن به: ها، عندك محاضره انت كمان! و لا هتدور على كام كلمه تواسيني بيهم؟ و لا هتقطم فيا و تحاول تحسسني اني غلطت؟ و لا هتفضل تديني نصايح بحكم انك الكبير؟ بس انا هوفر عليك انا مش عايز اسمع حاجه و لا عاوز حد يقولي حاجه و انا مش هعمل غير اللى في دماغى يا فارس و دى حياتى و انا حر.

عقد فارس ذراعيه امام صدره بابتسامه هادئه و تحدث ببرود كأنه غير مبالى: لا انا مش هقولك غير اتوضي و صلي و ادعي ربنا يا مازن، و اعتقد انك كبير بما فيه الكفايه علشان تقرر عايز حياتك ازاي!
و انا عارف و متأكد ان محدش هيفرض رأيه عليك و لا حد هيتدخل في شكل حياتك هيبقى ازاى،.

ثم اختفت ابتسامته تدريجيا يضغط على اكثر ما يضعف شقيقه بجداره: بس لو قرارك انك تسافر امر واقع، بلاش بكره يا مازن استني ليوم فرحي، اظن من حقى اخويا الوحيد يبقى معايا و واقف جنبى و في ظهرى، بلاش تحسسنى انى لوحدى يا مازن.
صمت ثواني و الحزن يلون صوته حقيقه و ليس ادعاءا: مش امر و لا فرض رأى، اعتبره رجاء او طلب، تصبح على خير.

و تركه دون كلمه اخرى ليتدلى كتفى مازن بحزن قبل ان يتحرك بآليه لغرفته فهو ليس بحاجه الان سوى لسجده يفرغ بها هم قلبه.

اوعى كده ماتمسكش ايديها.
شاكس بها محمود عندما ساعد معتز هبه على الترجل من السياره فور وصولهم لمنزلهم، فابتسم معتز دافعا اياه بخشونه مجيبا اياه بسخط: بس يا بابا، دلوقتى انت اللى هتمسك ايدها باستئذان.

ابتسمت هبه بخجل لتتحرك معه و نوع من التوتر يصيبها، استقبلتهم مها التى كانت بانتظار وصولهم فعقد محمود حاجبيه دهشه و سرعان ما ادرك ان تلك الفاتنه شقيقه معتز التى دائما ما يتحدث عنها، بينما لاحظت مها نظرته المتفحصه مجددا فغضت بصرها و تجاهلت الامر.

جلست العائلتين معهم قليلا و اخذت امينه والده هبه تعطيها من النصائح ما تراها ثمينه و ما هى الا خبره جدة جدة جدة جدة جدة جدتها لامها عن تجارها الخاصه و التى لا تمت لهذا الواقع بأى صله.
حتى صاح معتز بغيظ: ايه يا جماعه انتم ناويين تقضوا الليله معانا و لا ايه؟ انا خللت في البدله.

ابتمست امينه موافقه اياه ناهضه بينما اصدرت نجلاء صوتا متهكما يعبر عن سخطها، فيما مازح محمود بابتسامه: انا بقول ناخد هبه معانا.
ليدفعه معتز حتى كاد يدفعه خارج المنزل مرددا: يلا يا بابا، يلا يا شاطر من هنا.

تابعهم الجميع بضحكه، ثم طقوس الوداع المعتاده، احضان و بكاء ثم غادر الجميع عدا نجلاء التى وقفت امام هبه تمتم باستحقار: مبروك يا عروسه، و لو انى مش عارفه ابنى عاجبه فيكِ ايه! رغم ان في بنات كتير من عائلات تشرف.

و هبه بالعاده لا تسمح لاحد بمس كرامتها و لكن ام زوجها و لابد ان تتحمل و هذه كانت احدى النصائح الذهبيه - الحمقاء -، و لكن هنا و معتز من لم يسمح لوالدته بالتمادى و اجابها باستفزاز فهى اخر من تتحدث عن الجيد و السئ و خاصه له: و الله يا امى لو دورت في الكون كله مش هلاقى زى هبه.

و اغضبها بالرد الغير مبالى و كأنها لم تتعمد احراجها فأردفت بتوعد و ساديتها تشمل ولدها و زوجته و لا بأس ان طالت القائمه: ربنا يهنى سعيد بسعيده.
و تركتهم و خرجت بينما لمعت عين هبه بالدموع فبدلا من احتواء حزنها للبعد عن عائلتها تجد هذا بالمقابل و لكن يده التى ضمت كفتها اليه لتستند برأسها على صدره طمئنتها قليلا و خاصه عندما تحدث بصدق: متشغليش بالك بحد يا هبه، انا محظوظ بيكِ و الله.

ابتسمت تمحى دموعها ثم ابتعدت عنه بحرج و لكنه امسك يدها جالسا و جذبها لتجلس بجواره يحاول التصرف بعقلانيه لاول مره بحياته و قد كان يظن انه يحاول تطبيقها بكلماته و لكنه للاسف كان صدقا يقصد كل حرف منها: بصى بقى، من النهارده هنبدأ صفحه جديده سوا، كل اللى فات من حياتى و حياتك حاجه و اللى جاى حاجه تانيه تماما، عاوزك دائما جنبى و انا دائما هبقى في ظهرك، عاوز نبنى حياتنا صح يا هبه، اتفقنا!

ضغطت يده التى تضم كفها بيدها الاخرى دلاله على موافقتها قبل ان تمنحها له شفويا: اوعدك انى دائما هفضل معاك و مهما حصل مش هسيبك ابدا، حتى لو انت طلبت.
و وقع مثل هذا الوعد على نفسه كان كبيرا، قال كثيرا مثل هذه الوعود من قبل و لكنه مدرك انه كان يقولها كذبا و لكنه يدرك الان معنى ان يقول احدهم هذا و خاصه ان كان حبا.

لاحظت شروده فبهدوء و عذوبه نادت اسمه ليلتفت اليها، ليتعجب شعور طغى قلبه ربما يشعر به لاول مره، كان لذيذا، خفيفا و لكنه ترك به اثرا كالجبال.

و ليتجنب الامر اقترب منها بحركه مفاجئه ليضمها مسرعا لصدره مختطفا عذريه شفتيها التى منعتها عنه لرغبتها في ان تكون المره الاولى بمنزلهم، اتسعت عينها بصدمه في بادئ الامر قبل ان تستسلم رويدا رويدا، لتتوه هى كليا في احساسها بعشقه التى لم تكن تعرف انه بهذا العمق، و يتوه هو عن احساسه الغريب و ينغمس في رغبته متناسيا اى شعور تُشوش نفسه به.

ابتعد لتلتقط انفاسها الهاربه ليبتسم هو بشغف هامسا ببحه مغويه: انا جعان.
و رغم خجلها لم تستطع منع ابتسامتها من الظهور و هى تتحاشى النظر لوجهه، و حاولت البحث عن صوتها قائله: اكيد مأكلتش من الصبح، الاكل كتير هقوم اغير و اجهز لك الاكل و بعدين..
قاطعها بخبث: ايووه، و بعدين ايه؟
و مع نبرته الخبيثه عضت باطن وجنتها و لكن لا بأس من العبث قليلا فنظرت اليه متجاهله احساسها بالحرج و هتفت: هنروق المطبخ يا معتز.

قهقه ناهضا ليوقفها امامه مقبلا وجنتها بسرعه هاتفا بمرح و قد راقه عبثها: شكلك غلباويه و هتتعبينى معاكِ، يلا يلا.
دلف هو لغرفتهم بينما دلفت هى للمرحاض و بعد قليل خرجت اليه باسدالها لتقول بابتسامه: انا بقول نصلى الاول و بعدين ناكل.

اومأ موافقا، تعجب نفسه و وضعه قليلا بل كثيرا و هو يأُمها في الصلاه، لم يكن يوما يحافظ عليها، و ان اخبره احدهم انه سيأتى يوما و يصلى بزوجته لقال عنه مجنونا، و لكنه ها هو يقرأ القراءن فيخطئ فتصوب له و لغرابته كان يشعر براحه لا يعرف مصدرها، سجد و اذ يسمعها تدعو و نبرتها مع دعائها رويدا تختنق، ليشعر برغبه عارمه بتقليدها و بالفعل حاول، لا يعرف من اين بدأ و لا كيف انتهى و لكنه ظل طويلا، و لاول مره يشعر بنفسه ساكنا، لا مشاعر متخبطه تربكه، و لا افكار متداخله تزعجه فقط سكون غريب اصاب قلبه و مع انتهائه ابتسامه رضا زينت ملامحه مدركا انه معها سيعرف حقيقه العديد من الامور و حتما ستكون بدايه لكل جديد.

وجدها تقترب منه لترفع يده مقبله باطنها و بعينها نظره ممتنه لا يعرف لماذا و لكنه لم يسأل، لم يغضب و لم يرغب حتى في اى شئ سوى النظر لامواج عينها - التى هدرت بحبه لتلامس قلبه بغرابه - و ابتسم.
نهضت و هتفت و هى تبتعد عنه خطوتين: هحضر الاكل.
و لكنه كان اسبق و اغلق الباب حاملا اياها يصيح بمكر: بقولك جعان تقولي لي ناكل! هو انا بتكلم انجليزى.

عادت مها للمنزل لتجد عاصم جالسا بالحديقه الخلفيه في مكانه المفضل كلما يرغب في ان يبقى بمفرده مع افكاره، فغرفته لا تسعه و لا يجد ملاذا سوى الفراغ.
جلست بجواره بهدوء واضعه رأسها على كتفه لتشير بيدها مالك ،
نظر لاشارتها و ابتسم فمن ذا الذى يفهمه افضل منها و لكنه تجاوز الامر و تمتم: كويس.

فاعتدلت ناظره اليه تضيق عينها الفيروزيه كأنها تخبره انها تعرف انه كاذب فاتسعت ابتسامته لتشير مجددا طيب، سهران ليه؟
تذكر حديث والده عن عمل شقيقته و النقاش الذى صار بينهم ما بين رفضه و بين قرار والده ليقبل الامر بالنهايه مرغما و لكنه صدقا لا يجد في نفسه اعتراضا كاملا و خاصه لسلمى لانه مدرك ان عنفوانها و تمردها سيدفعها دفعا للنجاح.
احترمت صمته ثم عادت تشير بتفكر في ايه بقى، سمعاك.

ثم القت برأسها على كتفه مجددا ليأخذ هو نفسا عميقا متحدثا بهدوء يستنكر: كل اما افتح باب يتقفل عشره، احساس انك بتحاربي علشان توصلي لحاجه هي ملكك اصلا متعب، تحسي كده انك بتدوري في حلقه مفرغه، مش عارفه بدايتها فين و لا نهايتها ايه!، بتدوري حوالين نفسك وبس، لحد ما دوختي و معدش فيكي حيل، فا لا منك فضلتي مكانك و لا منك وصلتي للنهايه؟
ابتسم ناظرا لمها مردفا بابتسامه واسعه: فهمتِ حاجه؟

ابتسمت هى الاخرى فتلك هي عادتهم منذ الصغر، يجلسون سويا بعيدا عن الجميع، ليحكي لها كل ما يجيش بصدره و كالعاده يتحدث بطلاسم لا تفهمها و لكنها فقط تستمع.
اعتدلت ناظره لعينه بقوه و اشارت لو الحاجه ملكك فعلا اكيد هترجع ليك و يمكن انت متعبتش كفايه علشانها
صمتت وصمت لحظات ثم اعتدل قائلا: يلا نقوم عندى شغل بدرى.
زمت شفتيها بغضب ثم اشارت بعنف انا عاوزه اتفسح و اقضى يوم معاك، هو مفيش اجازه بقى!

ابتسم و اجابها بعدما قبل وجنتها و احتضنها بود: بعد بكره كله بتاعك، مرضيه يا ستى!
غمزته بخبث و اشارت طيب و جنه؟
تنهد ناهضا وصرح بمرح: هتطلع روحى، و ادينى صابر.

جلست تعبث بالطعام امامها دون شهيه، فمن عانى من الامر مره لن يتحمل معاناته مره اخرى، غاب عنها صغيرها فتره لا بأس بها، قلقت، طاردتها الكوابيس دائما خوفا عليه، تألم قلبها كلما اشتكى لها سوء حاله هناك، تمزقت روحها كلما مرض و لم تكن بجواره و الان يطلب منها ان تعيش الامر برمته مجددا، لن تتحمل و لن تسمح له.

راقبها محمد بحزن، مقررا ان مازن لن يخرج من المنزل و انتهى الامر و سيضغط عليه بكل الطرق الممكنه و اللاممكنه ايضا.
القى مازن الصباح بوجه اخبر والدته انه لم ينم ليلته جيدا بل لم تعرف اجفانه النوم ابدا، و ما لبث ان جلس على الطاوله تحدث بهدوء مفصحا عن قراره الاخير: بابا، انا قررت ان...
قاطعه محمد بعصبيه: و هتقولى على قرارك ليه! حياتك يا بشمهندس و انت حر فيها و انا مش من حقى اتدخل في حاجه تخصك.

نظره رجاء من زوجته مع همسه تهدئه من ولده الاكبر جعلته يبتلع عصبيته قسرا بينما تحدث مازن بهدوء و هو يشعر بالندم لما هذى به ليله امس و لكنه لن يتراجع عن قراره فهو بحاجه للابتعاد ليس فقط عن كل من يعرفه و لكن ربما عن نفسه ايضا، ليس حزنا عن فقدان حبيبه تمناها بقدر ما هو رفضا شنيعا لتقبل خسارته لاحد احلامه و التى سعى لاجلها كثيرا: انا هسافر يا بابا،.

عقد محمد ما بين حاجبيه بينما انتفض قلب نهال فزعا و لكن قبل ان ينطق اى منهما اكمل هو بنفس الهدوء: بس مش دلوقتِ، هستنى لفرح فارس و بعدين هسافر و مش ناوى اغير قرارى.
تنهدت نهال براحه متمتمه بابتسامه: من هنا لوقتها يحلها حلال ان شاء الله تغير رأيك.
اجابها بلامبالاه: مش هغيره يا ماما و ياريت تحاولوا تتقبلوا الموضوع بسرعه علشان انا هسافر يعنى هسافر.

لمعت عين والدته بالدموع و قلبها يؤلمها لاجله و لا تدرى ما به فتسائلت بحنان شملته به: مالك يا مازن، ايه اللى حصل و غير حالك كده، فين ابنى يا مازن؟
ابتسم مقتربا منها و قبل يدها راغبا في اعتذار طويل و لكنه لم يستطع رغم انه في اقصى حاجته لضمه منها هى تحديدا ينسى بها كل ما يفكر فيه: انا زى الفل يا امى، بس محتاج افكر في مستقبلى صح.

و هنا صاح محمد بنفاذ صبر و لم يروقه وضع ولده: و مستقبلك دا متعرفش تبنيه هنا، متعرفش تنجح و تبقى راجل و تثبت نفسك في بلدك وسط اهلك،
ثم وقف عن الطاوله و اشار اليه بسبابته بصرامه: مفيش سفر يا مازن، و دا اخر كلام عندى.
نهض واقفا قبالته و تمتم لاول مره معارضا: انا هسافر يا بابا، و دا اخر كلام عندى.

هاج و ماج و اقترب منه بخطوات سريعه جعلت نهال تنهض بلهفه عن مقعدها و فارس يترقب القادم فيبدو انه نال صفعه من قبل و الان حان دور الصغير، هدر به محمد: هتكسر كلمتى يا مازن، طيب انا و انت اهه و هشوف مين اللى كلامه هيمشى على التانى، يا راجل يا محترم.
وقف فارس امامه مهدئا اياه و بمجرد ان فتح مازن فمه للتحدث صاح به فارس هذه المره بحده نسبيه: و لا كلمه زياده يا مازن و اتفضل حالا على شغلك.

نظر اليه مازن قليلا ثم جمع اغراضه و خرج من المنزل دون حرف اخر فجلست نهال على مقعدها تبكى ما يصير بمنزلها بينما تركهم محمد و دلف لغرفته يتمالك اعصابه متناولا قرص دواء ليخفف من حده الم صدره،
اخوك في ايه يا فارس؟
تمتمت بها و هى تضم يد فارس بيدها الاثنتين فقبل يدها مطمئنا اياها: مازن زى الفل، بس خسر حاجه مهمه و كعادته دائما مش بيواجه و بيهرب.
لحقته بلهفه: خسر ايه؟ و انا هجيبه لحد عنده؟

ابتسم بوجهها مردفا: اولا اللى خسره ماينفعش يرجع، ثانيا مازن بقى راجل يا ماما، راجل فاهم و عارف و يقدر يتصرف و يتحكم في حياته، مازن لازم يتعود يتحمل نتيجه افعاله و يتقبل الخساره زى المكسب، لازم يعافر علشان اى حاجه عاوزها و يتعلم مايستناش تيجى لحد عنده، مازن مش متغير او متضايق علشان الحاجه اللى خسرها لا هو متضايق علشان مبدأ الخساره اصلا.
نظرت لعينه بترجى: طيب قولى بس ايه هى؟

ابتسم لفضولها و ربما رغبتها في احتواء تذبذب ولدها و اجاب بمرح: ابقى اسأليه و انا متأكد انه هيقولك عالطول.
ضربه خفيفه، حضن طويل و دمعه سقطت على كتفه تخبره انه مهما بلغ من العمر هو وشقيقه سيبقى كلاهما طفلا بعين والدته تخاف عليهما، تقلق لاجلهما و تفزع اشد الفزع لتألم قلبيهما.
يارب يا ساتر.
قالها الحاج مدحت فور ان وطأت قدمه المنزل لتعتدل نهال ناهضه بينما يقف فارس بهدوء مدركا سبب الزياره.

ترحيب حار، استقبال مميز ثم جلسه صارمه بدأها كبير عائله الشرقاوى: جوم انت يا فارس، ساعه زمن و الاجى ورجه طلاج بنت الحصرى جدامى إهنه، الحرمه دى متفضلش على ذمتك دجيجه واحده، جوم يا ولدى، جوم.
ظل فارس مكانه ساكنا ثم تسائل بهدوء محترما تقاليد العائله و ان كان زواجه يعد كسر لكل القواعد: لا قدر الله يا حاج، مين قال انى هطلق ربنا يبعد الشر عننا.

ضرب مدحت بعصاه الارض بقوه صارخا بغضب: أني بجول يا فارس، هتكسر كلمتى و لا ايه؟
و اجاب فارس بهدوء و مازال محتفظا بابتسامته: لا عاش و لا كان اللى يكسر كلمتك يا حاج، انت على راسى من فوق بس حنين مراتى و انا مش هتخلى عنها من غير سبب.

اضطراب انفاس، غضب و يواجه مدحت لاول مره ان يكون في جدال و هدر معنفا اياه: باااه، انت اتجننت عاد و لا ايه؟ سبب اييه؟ انت عارف زين إنى مجاطع عيله الحصرى تجوم انت تجع في شباكهم و تتجوز بنتهم!

نهض فارس احتراما لجده و عقد ذراعيه امام صدره متحدثا بهدوء يُحسد عليه: حضرتك مقاطعهم لكن انا لا، و انا اللى طلبت بنتهم، دكتوره، محترمه و متربيه احسن تربيه و بحبها و بتمناها ومستنى اليوم اللى تنور فيه بيتنا، يبقى ايه المشكله يا جدى؟

كان محمد على وشك التحدث و لكن رمقه مدحت بنظره حاده ليظل خارج الامر و عاد بنظرته لفارس الدى تمسك باتزانه بشكل ادهشهم و اردف بصياح متخذا من خدوهم بالصوت ليغلبوكم مبدأ له: حب ايه و هباب ايه؟ بجى انت يا راجل يا محترم حرمه اكلت عجلك اكيل و جدرت تضحك عليك و لا ايه عاد؟

و هنا بدأ غضبه يظهر رويدا عندما تحدث ببعض الحده رغما عنه: اسمها حنين، مراتى و هتفضل مراتى لحد ما اموت، و لانى راجل و محترم و من عيله الشرقاوى مستحيل اتخلى عن مراتى يا حاج مدحت.
احتدت عين مدحت تتطالعه بغضب اسود ليدفعه بكتفه بعصاه العاجيه و رغم ألمها تماسك فارس رغم ارتداده للخلف اثر الدفعه و هو يصيح: لااه، انت عجلك طار باينه، اني جولت هطلجها يا فارس، يبجى هطلجها حتى لو بالغصب،.

شمله بنظره واثقه قبل ان يردف: امين هيجول لبنت الحصرى على الطلاج و هتوافج هى كُمان و رجليها فوج رجبتها.
صمت فارس يستوعب الامر قبل ان يدرك ان كبير عائله الحصرى الان يجبر زوجته فتمتم باسمها قلقا قبل ان يركض خارجا من المنزل رغم نداء الجميع باسمه من خلفه.

انا اتكلمت مع مازن و عرفت التفاصيل عن ظروف الشركه و طبيعه الشغل، من بكره هتبدأى شغلك يا سلمى، وكمان مها هتنزل معاكِ.
قالها عز لسلمى الجالسه بحماس امامه فشهقت بفرحه متمتمه: وااااو، و مها كمان معايا، ربنا يخليك لينا يا بابا.
بينما تحمست مها اضعاف مضاعفه ثم تجهم وجه الاثنتان و نظرت كل منهما للاخرى ثم لعز الذى ابتسم مدركا ما جال بعقل كلتاهما و تمتم: عاصم عرف.

تراقص حاجب سلمى بخبث و غمزت لمها بسعاده فضحك عز عليهما ثم نظر لحنين التى كانت تفكر في رفض فارس القاطع لعملها، فعلى ما يبدو ان حلمها بهذا لن يتحقق و لكن سؤال والدها اخرجها من شرودها: فارس كلمنى و عاوز نحدد ميعاد الفرح، يناسبك امتى!
استدات حنين ناظره لسلمى بهدوء و لكن سلمى فاجئتها بابتسامه مشجعه رغم غصه حلقها التى ابتلعتها بهدوء فيما قالت جنه بعدما لاحظت الوضع ناظره لسلمى و مها: ساعدونى اطلع فوق.

فاعترضت سلمى بغيظ فزوجه اخيها تتدلل و بشده: انت مش بقيتِ كويسه و تقدرى تمشى عادى، نساعدك ليه يا هانم؟
فضحكت جنه بدلال هى الاخرى مجيبه باستفزاز: الله يا سلمى، اعتبرينى مراه اخوكِ.
ضحكت كلتاهما لتدفعها سلمى ببعض العنف للاعلى و لحقت بهم مها لتشكر لها حنين صنيعها لتعود بنظرها لوالدها: احنا اتفقنا بعد الامتحانات يا بابا، و لسه بدرى.

ابتسم ممسكا بكفها الذى يضم خاتم زواجها: عارف يا حبيبتى بس كلها كام شهر و انتِ عارفه في حجز قاعه و تجهيزات و حاجات كتير.
ابتسمت بخجل مجيبه: خلاص يا بابا، انا...
متتعبش نفسك يا ولدى الفرح ده مش هيتم.
قالها امين و هو يدلف من باب المنزل لينهض عز مستقبلا اياه مسرعا بينما اضطرب قلب حنين و كلمته الحاسمه تترد بأذنها،.

رحبت به و كادت تركض للاعلى و لكنه امسك بيدها جاعلا اياها تجلس جانبه و تحدث بهدوء اولى: اسمعى زين يا حنين، المحروس اللى اسمه فارس ده، هيوجع النهارده على ورجه طلاجك، و هيجيبها إهنه هتوجعى عليها انتِ كُمان بدون كلام كتير، مفهوم كلامى؟
ارتجفت عينها و تمتمت بخوف اصاب قلبها: لا، لا يمكن..
قاطعها امين و قد ظهر غضبه واضحا: اجفلى خشمك عاد، انا جولت كلمتى و مش عاوز كلام كتير.

لمعت عينها و تساقطت دموعها تتوسله عل قلبه يرق لها: بالله عليك يا جدو بلاش، انا مقدرش اعيش من غي...
و قبل ان تردف كانت صفعته اجابه على توسلها و من قوتها سقطت عن الاريكه ارضا لينساب خط رفيع من الدماء على جانب شفتيها مع طنين بأذنها الجم لسانها مع صراخه: باااااه، حرمه جليله الربايه.

انتفض عز يساعدها ضاما اياها لصدره متحدثا بأقصى نبراته هدوءا فهذا والده و لكنها صغيرته التى لم تلمسها يده من قبل: اهدى يا حاج الكلام اخد و عطى.
و صرخ به هو الاخر ليجعل حنين تتمسك بوالدها اكثر: كلام ايه يا عز بيه، انا ليا حساب معاك تجيل جوى،
ثم جذب يد حنين ليجذبها من بين ذراعى والدها بعنف مردفا: لكن الاول لازم نخلص من الموضوع ده و مايتفتحش تانى واصل، هتوجعى على ورجه طلاجك يا حنين حتى لو...

مش هيحصل الا على جثتى.
صرخ بها فارس مقاطعا امين التى التفت لمدخل المنزل ليقابله الغضب الذى تسطر بوضوح بعين فارس قبل ان تتسع عينه دهشه و غضب عندما تملصت حنين من بين ذراعيه لتركض مسرعه تختبئ بحضن فارس ليهدر امين و قد جن جنونه: ايه جله الحيا دى؟
ثم نظر لفارس مردفا: انت مين سمح لك تدخل إهنه،
ثم اضاف بتهديد صريح و واضح: ارجع دارك يا بن الشرجاوى بدل ماهترجعوش واصل!

شهقت حنين متمسكه به بينما اجابه مدحت الذى لحق بفارس فور خروجه: بااه، بتهددنا في دارك يا امين!
ضرب أمين عصاه و دخول مدحت منزله يثير غضبه بعدما كان يثير سعادته من قبل: و مش بس اهدده لا انا هجتله بصحيح لو مطلجش حفيدتى.

و هنا صرخ فارس بالكل مصرحا عن قراره الاخير و قد تبعثر هدوءه فور رؤيته اثار الصفعه على وجه حنين: قتل ايه و طلاق ايه! انا مش هطلق حتى لو فيها قتلى يا حاج امين، حنين مراتى و هتفضل مراتى طول ما انا عايش، و الخلاف بينكم دا لا مشكلتى و لا مشكله مراتى، تقدروا تحلوها بينكم زى ما انتم حابين، لكن اللى هيقرب منى او من مراتى تانى و ربى ما هرحمه، اظن كلامى واضح يا كُباره العيله.

ثم همس لحنين بهدوء: اطلعى البسى حجابك بسرعه.
و نظر لعز الذى ابتسم فخرا بتصرف زوج ابنته و الذى طمأنه انه لن يقف معها فقط و لكنه سيحميها من كل ما يواجههم و اذن له بعينه، بينما اقترب مدحت بغضب من فارس و هم بالصراخ و لكن فارس قاطعه: انا جدى عملنى من و انا صغير انى ماينفعش اتنازل عن حقى مهما كانت الاسباب و المفروض ابقى اسد في وش اى حد يجى عليا او على حقوقى، صح يا حاج مدحت؟

للوهله الاولى عجز مدحت عن الرد و اثار اعجاب امين بجرأته و في لحظتها ركضت حنين باتجاهه مسرعه فأمسك يدها متمتما بأخر ما يملكه لهم: و انا لو حتى هحارب علشان حقى، هحارب يا جدى.
و تركهم و خرج من المنزل يضم يدها بقوه، دفعها للسياره و تحرك بها ليصدع صوت احتكاكها بالارض ليخبرهم جيدا ان زمن الخنوع و الخضوع التام لهم انتهي و الان اصبح للصغار رأي و كلمه و رغما عن الكل ستُسمع بقوه بل و ستُنفذ ايضا.

و خلف باب غرفتها تقف تستمع لكل ما قيل بابتسامه خبيثه و ها قد جاءتها الورقه الرابحه بل كل الاوراق و الان وجدت قضيتها الحاسمه التى ستنهى تلك العلاقات تماما بل و ستمحى سحابه الفرحه و تجعلها تمطر حزنا و هما فقط، فمرحبا كبيره للتسليه القادمه.

اه لو تعرف يا حبيب قلبى و انت معايا بحس بايه
خلى شويه لبكره يا قلبى، الحب ده مقدرش عليه
بص في قلبى يا عيون قلبى شوف كام حاجه بتتمناك
فرحه و شوق و امانى كبيره و ليالى حب بتستناك
بحبك حب خلانى بخاف من فرحتى جنبك
يشوفها حد يحسدها و يحسدنى على حبك
و بحبك حب يا ويلى يا ويلى يا ويلى منه
مسهرنى، محيرنى و روحى فيه
و بحبك حب يا ويلى يا ويلى ويلى يا ويلى ويلى يا ويلى مدوبنى
و حبيته و اخدت عليه
آه لو تعرف.

اه لو تعرف يا حبيب قلبى و انت معايا بحس بايه
خلى شويه لبكره يا قلبى، لبكره يا قلبى..
الحب ده مقدرش عليه.
بانسجام شديد تدندن مع كلمات الاغنيه، بينما يتابعها هو بعدما استيقظ متكاسلا، قميص قصير باللون الازرق، خصلاتها القصيره التى بالكاد تلامس عنقها تتحرك معها بانسيابيه، يدها المنهمكه في اعداد الفطور، جسدها يتمايل بهدوء مع النغمه و ضحكتها الصافيه تلون وجهها.

ابتسامه اعجاب زينت شفتيه و هو يتابع حركتها و شعوره الغريب بها يداعب قلبه مجددا،
اى سحر تلقى عليه، لا يعرف!
أى قوه تدفعه تجاهها، ايضا لا يعرف!
اقترب بهدوء محاوطا اياها من الخلف مما جعلها تتصلب وافقه بثبات بين ذراعيه ليستند برأسه على كتفها هامسا بجوار اذنها مبتسما بصدق: انتِ لو استمريتِ على كده انا اكيد هيجرالى حاجه.

ابتسمت بهدوء تاركه ما بيدها و استدرات مستنده بجسدها على رخام المطبخ خلفها لتضع يدها حول عنقه متعجبه باستنكار ماكر: استمريت على ايه؟
ثم رفعت كتفها بغنج ونظره خبيثه تشمل عينها مع ابتسامه اشد خبثا: هو انا عملت حاجه؟

اومأ موافقا برأسه و هو في قمه اندهاشه من حديثها، تغنجها، و جرأتها و التى لم يكن يتوقع ابدا ان يراها في هبه تحديدا بعدما اهلكت قلبه، فكره و رجولته طوال فتره خطوبتهما و لكنه تدارك الامر مستمتعا اشد الاستمتاع: دا انتِ عملتِ و عملتِ و عملتِ.
ضحكت دافعه اياه عنه مردفه: يلا خد دوش على ما احضر الفطار انت مأكلتش من امبارح و اكيد جعان.

و اهتمامها زاد استمتاعه فقبله سريعه ثم غادرها لتبتسم بسعاده متذكره ما اخبرها شقيقها به قبل يوم من زفافها.
Flashback
جالسه بغرفتها تلملم باقيه اغراضها، طرقات على الباب ثم دلف محمود جالسا بجوارها، حوار سريع، مشاكسه و مزاح ثم امسك يدها متمتما: في كلمتين لازم اقولك عليهم.
و انصتت بتركيز و خاصه ان الحوار يخص زوجها: انا دلوقتى هتكلم معاكِ بصفتى صديق لمعتز مش اخوكِ.

وافقته متأهبه لما سيقول و تحديدا لان ملامحه اخبرتها ان الامر جديا: لو بصيتِ على معتز و حياته من بره هتحكمى عليه غلط، معتز اتبهدل كتير جدا و تعب كتير جدا مش ماديا لكن معنويا، والدته مش حنونه و سابته في شقه لوحده و هو عنده 15 سنه، سافرت الصعيد لاهلها و بتزوره مره كل سنه دا ان زارته، والده سافر بره البلد قبل ما هو يتولد اصلا و مايعرفش شكله غير من الصور، اخته سافرت و هو صغير لباباها و لما حب يسافر معاها لانه كان متعلق بيها جدا والدته رفضت بس اللي هو عرفه بعد كده ان والده هو اللي رفض يستقبله مع اخته، كل الظروف حواليه خلته يقتنع انه وجوده مايلزمش حد، علشان كده عاش يفكر في نفسه و بس، و اقتنع تماما ان طالما معاه فلوس يبقى المفروض يبقى فرحان و واخد الدنيا بطيش.

صمت لحظه مع انعقاد حاجبيها ثم ابتسم يردف: بس على قد ما هو طايش لو حسستيه ان هو الوحيد اللي يقدر يساعدك هتلاقيه ارجل من اي راجل عرفتيه، معتز عنده عقده من عدم الاهتمام، فا ابسط مراعاه منك هتفرحه و هتحسى بتغير كبير جدا فيه، معتز طفل هيحتاج بيت و حضن وسط المسئوليه و الضغط اللي هو مش متعود عليهم بس لازم تبقى جنبه و سوا تتعودوا على المسئوليه دى.

ثم رفع سبابته محذرا اياها: بسس خدى بالك كويس ان معتز مستهتر جدا، بيتجاوز احيانا كل الخطوط الحمراء، و للاسف بعيد عن ربنا، بس انا متأكد انه هيتغير بس هيحتاج ليكِ قوى يا هبه.
ثم انهى حديثه بقبله على جبينها قائلا: انا عمرى ما كنت اتمنى معتز زوج ليكِ كأخ، بس طول عمرى بتمنى زوجه زيك له كصديق، هتتعبى معاه جدا، و هتيجى على نفسك اوقات بس لازم تصبرى و انا متأكد ان كل حاجه مع الوقت هتبقى افضل.
Back.

تنهيده حاره فارقت شفتيها، زوجها لا يحتاج زوجه تهتم به، لا يحتاج امرأه تشبع غزيزته، و لا يحتاج ام لاطفاله.
هو يحتاج ام له بحنانها المعهود لاطفالها و خوفها الدائم عليهم، يحتاج انثي تشعره برجولته التي لطالما شتتها عقله بسبب تصرفات من حوله، يحتاج زوجه تشاركه حياته التي جعلتها ظروفه مرمي لطابات الالم و الخذلان، يحتاج لسند و عون طالما بحث عنهم و لم يجدهم في المقربين اليه.

لذا هرب بنفسه و بحياته، و لكن كفى.
كفي ضعف و عجز، كفي كبتا يختبئ خلف اقنعة عدة من الاستهتار و اللامبالاه، كفي احساسا بالتيه و اللجوء للاستسلام.
واجبها الان يحتم عليها انتزاعه من وحل دفن نفسه به طواعيه هروبا من صلابه صخور واقعه.
هي من الان امه التي يستطيع اللجوء لحضنها متي شاء،
زوجته التي ستشاركه ادق تفاصيل حياته،
انثاه المغويه التي يحتاجها كرجل،
هي زوجه اقسمت ان تكون العالم بأكمله لزوجها،.

اقسمت ان تنقذه من براثن شيطانه الذي يجذبه للظلام اكثر و اكثر،
اقسمت ان تطفو بزوجها خارج براكينه الثائره بسبب متاهه مشاعره التي دائما ما تجتاحه.
و رغم علمها بكل هذا و لو علمت مثله اكثر و اكثر لن يمنعها ذلك من رؤيته اكمل الرجال بعينها، لن يمنعها الغرق ببحر حبه و الاستمتاع بأمواج عشقه مهما تلاطمت، لن يمنعها القبض على الجمرات من اجله، لن يمنعها اغداقه بحبها كل يوم بل كل دقيقه.

و حتى ان لم يقل احبك حتى مماتها يكفي ان تكون جواره و بقربه، تروضه كطفل، تعانقه كأم، تحبه كزوجه و تسعده كعشيقه.
فاقت على صوته يناديها، حملت الطعام و خرجت اليه، ضحك و نقاش، يعاندها قليلا و يستمتع بغيظها، تمزح و تستمتع بضحكته ثم حديث هادئ و جدى، ليجن هو.
تلك المرأه مزيج عجيب بين الطفوليه و العقلانيه، الحنان و القوه، مزيج يجعله مشتتا، غير واعٍ لكل ما حوله سواها،.

مزيج يجعله يتسائل ما هذا الذى كان يعيشه سابقا، و الذى كان على النقيض تماما مما يجتاحه الان،
و صدقا هو مستعد ليضحى بكل شئ ليحصل على حضن دافئ و بين ذراعيها هى، لماذا، صدقا لا يعرف؟

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة