قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية حبيبتي الكاذبة للكاتبة فاطمة حمدي الفصل الرابع والأربعون

رواية حبيبتي الكاذبة للكاتبة فاطمة حمدي الفصل الرابع والأربعون

رواية حبيبتي الكاذبة للكاتبة فاطمة حمدي الفصل الرابع والأربعون

قصت سهيلة على والدها جميع مُعانتها منذ صغرها حتى الآن، حٙزن وبشدة لما تعرضت له إبنته من عذاب طوال سنوات..
أقسم أن ينتقم من تلك التي تجرأت على فتياته وأخذتهما منه عنوه لعالم سفيه مثلما فعلت..
ربت الأب على ظهر إبنته برفق وقال بصوتٍ حنون: هعوضك يا بنتي هعوضك على كل الي حصلك وإنتي بعيدة عني..
عاد يضمها إلى صدره مرة أخري وهو يتنهد بأريحة، لتنعم سهيلة بحنانه المتدفق ذاك الذي حُرمت منه طوال عمرها!

قال سليم بصوتٍ أجش: إحنا بقي نعمل مفاجأة ل أروى ونروحلها بربطة المعلم!
ردت سهيلة بإبتسامة خفيفة: مش عارفه هتتقبل الموضوع إزاي، إذا كان أنا نفسي لحد الآن مش مُتخيلة!
طبع مصطفي قبلة حانية على شعرها وهو يقول بحنان: ربنا فعلا كريم أوي دي أحلي صدمة إتصدمتها في حياتي!
ضحك محمد وهو يقول هادئا: ربنا حب يعوضك يا مصطفي الحمدلله.

إبتسم مصطفي وتابع: الحمدلله، ثم أكمل: ده بقي عمك يا سهيلة صاحب مجموعة شركات كارم وأبو حضرت الرائد ده!
إبتسمت سهيلة له ثم نظرت إلى عمها ليبادلها بنظرة حانية وهو يقول: نورتي عيلتك يا بنتي
تابع مصطفي بجدية: عاوزك تنسي الي فات وتتمتعي في عز أبوكي وتمشي رافعة راسك أنا ضهرك وسندك وأمانك يا قلب أبوكي أنتي.

أومأت سهيلة برأسها وعلي وجهها إبتسامة عريضة تردد في ذهنها جملته أنا ضهرك وسندك وأمانك يا لها من لحظة جميلة حين تشعر بالامان بعد عناء وقهر، حين كنت تظن أنك لن تصلح للحياة، حين تحكم على ذاتك بالموت وأنت على قيد الحياة ولكن يأتي الله بما لا يتوقعه أحد ليجعلك تؤمن أنك مخطئ تماما حين تُحدد مصيرك الذي هو بيده فقط، حين يزرع الله الأمل بداخلك حين يفتح لك جميع الأبواب إعلم فقط إنك لجأت لمن يقول للشئ كُن فيكون!

مضت الليل بأكمله تنظر إلى وجهه وهو نائم في سباتٍ عميق، لم تغفو إلا القليل لتعود تتطلع إليه من جديد، إنه أميرها والحب الأول والأخير كما تحدثت مع ذاتها في ليلتها الحالمة تلك، شعرت بالراحة نفسيا وجسديا فيكفيها لمسته وحنانه الذي إشتاقت إليه وبشدة...

فتح أمير عينيه بتثاقل وتململ في فراشه بتكاسل ليجدها غافيه ساكنه بين ذراعيه، إبتسم لها وراح يمرر أصابعه على ملامحها الهادئة متذكرا رسالتها التي تركت أثرا كبيرا في قلبه واشعرته بحجم معاناتها طوال عمرها ورغم خداعها عاتب نفسه على قسوته معها في الأيام الماضية ولكنه أقسم أن يعوضها كل هذه المعاناه، وكُل لحظة عذاب!

أبعدها قليلا عنه حتى يتمكن من النهوض، بالفعل نهض بحذر ودلف إلى المرحاض وخرج بعد قليل بعد أن إغتسل ليرتدي ملابسه الأنيقه ويمشط شعره بعناية..
ذهب إليها ليميل قليلًا ويطبع قبلة طويلة على جبهتها ثم إنتصب واقفا وخرج من الغرفة ليتركها تنعم بالراحة..
هبط الدرج بخفة ليجد طاولة الفطار تحضرت وعمته تهتف بإبتسامة: صباح الخير يا حبيبي
بادلها الإبتسامة قائلًا في هدوء: صباح النور يا عمتي..

سألته بجدية: أومال فين أروى مش هتفطر ولا إيه؟.
قال وهو يجلس: أروى لسه نايمة، محبتش أقلقها سبتها ترتاح!
أومأت برأسها موافقة: أحسن برضو خليها ترتاح، دي إتعذبت المسكينة، ربنا يهديك يا أمير
رفع أمير حاجبه بدهشة وتابع مازحا: ليه يا عمتي عملت إيه أنا دلوقتى..؟
ضحكت نجاة وأردفت وهي تتناول طعامها: قول معملتش إيه، ده أنا كنت بخاف منك يابني والله
أمير بإستغراب: ياه، لدرجة؟

أومأت رأسها مؤكدة: وأكتر، يااه الحمدلله إنك رجعت لعقلك وربنا صلح ما بينكم!
شرع أمير في تناول طعامه وهو يضحك بخفوت، حتى تفاجئ بجرس المنزل يصدر صوتا معلنا عن وصول أحد، لتتجه سحر وتفتح الباب فأسرع سعيد يهتف: ضيوف للست أروى
أومأت سحر رأسها وإبتسمت وهي تنظر إلى سهيلة التي تقف بصحبة والدها وأخيه وإبنه وزوجته..
قالت سحر: إتفضلوا.

بينما نهض أمير وإتبعته نجاة بفضول حتى وصلا إليهم، رمقهم أمير بتعجب ليحول نظره إلى سهيلة، شعر بالخجلان منها فلقد طردها ذات مرة من بيته..
أردفت سهيلة مبتسمة بهدوء كأنها تريد غلق كل ما هو مؤلم وموجع
- إزيك يا أمير؟
رد عليها بنبرة جادة: بخير الحمدلله وسرعان ما حول نظره لهؤلاء الرجال ذو الهيبة الذين يقفون خلفها بوقار!
تقدم سليم للإمام خطوة وهو يصافحه برسمية: أنا الرائد سليم كارم إبن عم سهيلة وأروي مراتك!

تجمدت ملامحه لثوانِ وكاد أن ينطق ليقاطعه سليم بجدية: وده الدكتور مصطفي كارم والد سهيلة وأروي، ليستكمل بتوضيح: وده أستاذ محمد كارم عم سهيلة وأروي!
لم يستوعب أمير ما قاله، عم من ووالد من؟
في حين صافحه مصطفي بإبتسامة وهو يقول بوقار: تشرفنا بمعرفتك يا أستاذ أمير، سهيلة حكت لنا إنك إتجوزت أروى وحافظت عليها أنا بشكرك جدا إنك حافظت على بنتي
هز أمير رأسه بذهول تام وهو يقول بصدمة جلية: بنتك مين؟

وكذلك صدمت نجاة التي أردفت بإستغراب: حضرتك إحنا نعرف إن أروى ملهاش أهل غير أختها و، وأمها!
قالت سهيلة بتوضيح: كل حاجة إتغيرت وده بابا، سهير مش أمنا، سهير خطفتنا وإحنا صغيرين وشغلتنا معاها..
أردفت نجاة بفضول: طب إتفضلوا مش هينفع نقف على الباب وبعدين نفهم
دلفوا بالفعل جميعا وجلسوا في الردهة، ليتحدث مصطفي وعيناه تزوغ في أرجاء المكان بلهفة: هي فين أروى فين!؟

أجابه أمير بإيجاز: لسه نايمة، ثم أكمل بذهول: في الحقيقة أنا مش فاهم أي حاجه نهائيا!
رد عليه سليم مبتسما: أنا هفهمك!

تبكي بإنهيار بعد أن دفعت الهاتف في الجدار بكل ما لديها من قوة لترتمي صارخة بإغتياظ بعد أن أنهت مكالمتها مع ذلك الشاب الذي أوهمها بحبه وعشقه لها ولكن حين أصبحت جادة تركها كمن يركل حشرة بقدمه! فما أسوء من إحساس الرخص ذاك!.
ركضت دارين نحوها جالسة جوارها بصدمة وهي تربت على كتفها: إهدي يا ماهيتاب، إهدي يا حبيبتي!
صرخت ماهيتاب بألم: ليه، ليه يضحك عليا، الحيوان، الحيوان!

قالت دارين معاتبة بحذر: ياما نصحتك يا ماهيتاب شوفي وصلتي نفسك لأيه!
إزدادت بكاءا وهي تدفن وجهها بين راحتي كفيها، لتمسح دارين على ظهرها برفق ثم قالت بخفوت: الحمدلله إننا على البر وعرفتي نواياه الخبيثة يا ماهيتاب، إحمدي ربنا إنه خلصك منه مش تبكي عشان واحد زي ده! ده حيوان زي ما قولتي بالظبط!

نظرت لها ماهيتاب وكادت أن تتكلم، لتقاطعها دارين بحسم: أوعي تقوليلي بحبه يا ماهي، ده مش راجل أصلا عشان يتحب، أنتي موهومه يا حبيبتي، موهومة والله سيبك منه وركزي في مذاكرتك دلوقتي
أومأت ماهيتاب رأسها وإرتمت في أحضان دارين لتبكي بضعف وهي تهتف: أنا أسفة يا دارين سامحيني جيت عليكي كتير أرجوكي متقوليش لزياد إني كلمته وأنا لما يجي هعتذرله عن كل الي عملته..

إبتسمت دارين وقالت بتفهم: إحنا إخوات يا ماهي وأنا عمري ما أزعل منك وإن كان لازم تتأسفي فأنتي لازم تعتذري لربنا الي غضبتيه وعصتيه وعملتي الحرام ونسيتي أنه شايفك مطلع عليكي!
صدمت ماهيتاب قليلًا وهي تحملق بها لتستكمل دارين بإيجاز: قومي يا ماهي إتوضي وصلي ركعتين لله وإطلبي منه يسامحك، صلي هترتاحي وبعدين تعالي نتكلم ونشوف هنعمل ايه، اوك؟

أومأت ماهيتاب برأسها ونهضت بتثاقل لتدلف إلى المرحاض، بينما توجهت دارين لتنحني قليلًا بجسدها وتلتقط هاتفها الذي تحطم أثر دفعة ماهيتاب، فقالت بحسرة: يا حبيبي يا موبايلي!ده زياد هيعلقني..

تململت أروى في الفراش وهي تحاول فتح عينيها الناعستين فلم تجد أميرها بجانبها كما ظنت، فنهضت جالسة وهي تفرك عينيها: يا تري راح فين؟ معقولة راح الشغل من غير ما أحس بيه؟!

تنهدت بعمق، ونهضت وهي تضع يدها على بطنها برفق وتبتسم بحنان ثم حدثت جنينها بمرح: إطمن أنا إتصالحت خلاص مع بابا! الحمدلله، ثم ضحكت بخفوت ودلفت إلى المرحاض لتغتسل وتتوضأ، ومن ثم إرتدت إسدال صلاتها لتؤدي صلاة الضحي كما إعتادت في أيامها الأخيرة..
وفي الأسفل..

صُدم أمير حين قص عليه سليم الحكاية بتفاصيلها، نظر إلى مصطفي ليعقد حاجباه بدهشة، إنها فعلا عينان زوجتي ولون بشرتها السمرة أنه بالفعل يُشبه أروى إلى حد كبير، تعجب بشدة للذي يحدث ولكنه إقتنع جدا من حديث سليم..
أردف مصطفي بصوتٍ رجولي: أنا عارف إنها صدمة بس الحمدلله إن بناتي رجعولي تاني!
أومأ أمير برأسه متفهما وهو يقول هادئا: الحمدلله..

تفاجئ الجميع بها تهبط السلالم وهي ترتدي إسدال صلاتها وما أن رأتها سهيلة هبت واقفة بإشتياق، لتندفع أروى نحوها وهي تهتف بفرحة: سهيلة!
تعانقتا الأختان بإشتياق، لتهتف أروى بسعادة: سهيلة حبيبتي وحشتيني أوي إنتي كنتي فين كده برضو تسبيني قلقانة عليكي!
لتتفاجئ بيد حانية تملس على رأسها، فإلتفتت تنظر له بذعر، ليقترب مصطفي أكثر قائلًا بتلهف وهو يتأمل ملامحها: أروى، بنتي!

عقدت أروى حاجباها بإستغراب تام وتراجعت للخلف مبتعده عنه وهي تهتف بجدية: إنت مين!
إتجه أمير نحوها ليحاوط كتفيها بذراعه وهو يقول بتفهم لحالتها: ده والدك يا أروى إهدي وهتفهمي كل حاجة
رفعت رأسها تنظر إليه قائلة بصدمه: والد مين يا أمير، إنت بتهزر ولا إيه؟!

لم يتحمل مصطفي فإقترب منها سريعا يحاول أن يحتضنها إلا أنها إبتعدت صارخة وإلتفتت لتختبئ خلف أمير متشبثة به بقوة ولقد دفنت وجهها في ظهره ويديها تحاوط خصره بقوة..
جذبها أمير برفق مرة ثانية لتقف أمامه وهو يقول باطمئنان: متخافيش يا حبيبتي محدش هيعملك حاجة، ٱهدي يا أروى..
ولقد صُدم مصطفي من ردة فعلها أيضا لكنه متفهما صدمتها أيضا!

أسرعت سهيلة تقول: أروى حبيبتي أنا فهمت كل حاجة، سهير مش أمنا، سهير كانت خطفانا وإحنا صغيرين ودول أهلنا الحقيقيين يا أروى!
حركت أروى رأسها بعنف رافضة لما تقوله ثم هتفت بخوف: لأ، لأ يا سهيلة متصدقهمش ده ملعوب من سهير عشان يخدونا يرجعونا تاني ليها أوعي تصدقيهم دول كذابين..

ثم رفعت وجهها إلى أمير وهي تقول بتوسل والرعب أصبح باديا على ملامح وجهها: أمير، دول كذابين عاوزين ياخدوني منك، إحميني منهم مش عاوزة أرجع لسهير تاني..!
أنهت كلامها ودفنت وجهها بين ضلوعه باكية بضعف، فربت هو على ظهرها وهو يحتضنها بقوة ويقول برفق: يا أروى لأ مش كده أنتي فاهمة غلط يا حبيبتي سهير إتسجنت خلاص!

ظلت تبكي وهي تحرك رأسها برفض تام لما يتفوه به، فصُدم الجميع وبالأخص مصطفي ليضرب كفا على كف وهو يقول بحدة: معقوله الست دي دمرت بناتي بالشكل ده وخلتهم خايفين بالطريقة المحزنة دي، حسبي الله ونعم الوكيل، أقسم بالله لنفيها من على وش الدنيا، صمت قليلًا ليتابع بصوت هادئ نوعا ما: يابنتي أنا أبوكي والله العظيم أبوكي، أرجوكي صدقيني!

حاول أمير معها مرارا وتكرارا إلا أنها رفضت حتى أن ترفع وجهها عن صدره، فقط صاحت بذعرا واضحا في صوتها: خ خليهم يمشوا من هنا أرجوك مش عاوزة أرجع لسهير تاني، متسبنيش وإحميني منهم!
وبالأخير قال سليم بتفهم: معلش إعذروها يا جماعة مش لازم نفرض عليها تتقبل دلوقتي، أنا بفضل نسيبها دلوقتي لحد ما تهدي وأهو البركة في أمير هيفهمها بطريقته صح يا أمير؟

أومأ أمير برأسه مؤكدا: طبعا أكيد، أنا بعتذرلكم جدا بس هي رافضه تسمع أي حاجه لكن وعد بكرة هتكون كويسة وهتتقبل الموضوع
قال مصطفي بمرارة: يعني وعد منك يابني بكرة تكون كويسة وتكون فهمتها إني أبوها؟!
إبتسم أمير وقال: وعد
أومأ مصطفي رأسه في حزن وقال بألم: يلا يا جماعة، بينما إقتربت سهيلة لتمسد على ظهرها وهي تقول بهدوء: بكرة هنجيلك تاني يا أروى إهدي يا حبيبتي وأمير هيفهمك كل حاجة!

رفعت وجهها قليلا لتقول برجاء: بلاش تروحي معاهم يا سهيلة بلاش، دي مكيدة عشان نرجع تاني! إحنا ملناش أهل يا سهيلة ملناش أهل..
ترددت جملتها الأخيرة على مسامع مصطفى ليحزن وبشدة فإنه شعر بكم الآلام التي حدثت لهما من خلال نظرة عينا إبنته وصوتها المتألم..
قالت سهيلة بهدوء: أنا همشي معاهم عشان أأكدلك إن هما أهلي وبكرة إن شاء الله هجيلك، سلام يا حبيبتي..

توجهت سهيلة معهم إلى الخارج، ليتوقف مصطفي عند الباب ويرمقها بنظرات شغوفه حانيه قبل أن يخرج متنهدا بحزن، فتوقع أن يأخذها في أحضانه ويعانقها كما يشاء إلا أنها أبت ذلك العناق وكل ما يحزنه هو الخوف الذي لمسه من خلال نبرة صوتها..
أردف بعد أن إستقل السيارة موجها حديثه ل سليم: أنا عاوز أشوف الست دي يا سليم لازم أفهم هي عملت كده ليه! وحرمتني من بناتي وعذبتهم بالشكل ده، سامع ياسليم عاوز أقابلها!

أومأ سليم: حاضر يا عمي بس إهدي..
زفر مصطفي أنفاسه، ليلتفت لسهيلة ويبتسم على الفور وكأن النظرة في عينيها أصبحت مصدر سعادة له، قال بضحكة خفيفة: الحمدلله إنك مرفضتنيش زي أختك يا سهيلة كان زماني مُت بحسرتي!

أسرعت سهيلة تقول بصدق: بعد الشر عليك يا بابا، أروى هتتقبلك وهتحبك زي ما أنا حبيتك هي بس إتصدمت لأنها مش بتثق في أي حد غير أمير عشان كل الي إتعاملت معاهم أذوها! منها لله سهير هي السبب ربنا ينتقم منها..
بينما كان سليم ينظر لها من حين لآخر في المرآة متابعا حديثها دون تشعر بإعجاب، فقد كانت تتحدث بعقلانية وثبات، ورغم تعرضها بعالم السفاء ذاك إلا أنها لم تتطبع بأطباعهم السيئة وتحتفظ برونقها..

جلس أمير بزوجته أروى على الأريكة التي لا تزال تتمسك به بشدة تخشي إبتعاده عنها وكأن حياتها أصبحت تتلخص فيه هو وحده!
تركتهما نجاة وصعدت إلى الأعلي حتى تترك مجال بينهما أكثر حرية..
أخذ أمير نفسا عميقا قويا وزفره على مهل، ثم رفع وجهها إليه برفق وهو يقول بعتاب بعض الشئ: ينفع الي عملتيه ده..؟

ظلت صامتة وعينيها تتلألأن بالعبرات، ليقول بتفهم: عارف إنك مش قادرة تستوعبي حاجة زي كده، بس إدي نفسك فرصة تسمعي، وتفهمي مينفعش تصدري دماغك وتقولي لأ وتستخبي كده زي ما عملتي، أنا كمان إتصدمت بس إستنيت لما فهمت وعرفت! وإنتي كمان لازم تفهمي
تنهدت بعمق وإنسابت دموعها الحارقة فوق وجنتيها، مسحها أمير بأنامله وهو يقول بنبرة حانية: بتبكي ليه دلوقتي؟ خلاص هما مشيوا!

أردفت من بين بكاؤها: أنا معنديش أهل يا أمير، إزاي يعني ده أبويا وإزاي سهيلة مصدقاهم إزاااي..
رد عليها بهدوء: إيه المشكلة؟ مش إنتي كنتي كتبالي في الرسالة إنك عمرك ما حسيتي إن سهير أمك؟، ردي عليا؟
أومأت برأسها، ليستكمل هو: طيب يبقي ممكن جدا إنها كانت خطفاكم وإنتوا صغيرين، ما هو مافيش أم بالبشاعة دي يا أروى ولا إيه رأيك؟

ظلت صامتة وهي تتذكر عنف سهير معها، تتذكر إنعدام حيائها وتلك الحياة الفاسدة، نعم لم أشعر يوما أنها أمي ولم أري منها أي شيئا يدل على الأمومة، ولكن كيف، كيف لي أب، فأين كان كل هذه السنوات المعذبة..

ظلت الأفكار تتخبط داخلها حتى شعرت بالتشتت، لينتشلها أمير من أفكارها وهو يقول بحسم: فكري على مهلك وبراحتك يا أروى، ولو هما مش أهلك ليه سهيلة معاهم معقولة هيكونوا بيضحكوا عليها يعني؟، وبعدين مأخديش بالك من قوة الشبه الي بينك وبين أبوكي؟!
إتسعت عينيها لتقول بخفوت: شبهي!

ضحك أمير وراح يقبل جبينها برفق ثم همس لها: أيوة شبهك جدا يارورو، لازم تتقبلي الوضع وكمان تحمدي ربنا يا حبيبي إن عندك أهل غير سهير المقرفة دي! المفروض تفرحي مش تحزني كده
أومأت برأسها وقالت متنهده: بس أنا مش قادرة أصدق معقولة لينا أب وعايش! وسهير كانت خطفانا الله يخربيتها البعيدة
ضحك على عفويتها، ثم قال بتساؤل: أنتوا مسألتوش سهير قبل كده عن أبوكوا يعني أكيد ليكم أب على كل الأحوال؟

تنهدت وقالت: سألنا بس كانت بتقولنا أنه مات واحنا صغيرين خالص وهي إشتغلت كده عشان تجيب فلوس!
قطب أمير حاجباه بدهشة وتابع: قوليلي صحيح إزاي دخلتوا مدارس وجامعة كمان؟
إبتلعت ريقها بتوتر وتابعت بخفوت: هي دخلتنا مدرسة بس لحد ما أخدنا دبلوم!
تابع مشدوها: إزاي وأنتي متخرجة من جامعة ومعاكي شهادة كانت في الملف لما جيتي الشركة؟
ظلت صامته تتطلع إليه بخوف، في حين هز أمير رأسه متابعا: سامي الي زور الشهادة دي صح؟

أومأت رأسها بحذر، ليصر أمير على أسنانه وتابع بغيظ: اه يا سامي الكلب، إبن حرام
أردفت أروى بخفوت: أنا أسفة يا أمير سامحني
إبتسم وهو يُداعب أنفها بأنفه ويقول بمراوغة: مش هسامح إلا لما توعديني تقابلي بكرة أهلك وتتعرفي عليهم وبالأخص أبوكي، ماشي؟
أومأت له برأسها ليجذبها ويعانقها بحنان قائلًا: حبيبي
تنهدت بأريحة وهي تتشبث به مجددا وتبتسم
بإتساع!

ذهب أمير إلى شركته بعد ذلك، وما إن دلف إلى مكتبه وجد سامي ينتظره بالداخل، فإبتسم بسخرية وأردف: يا أهلا..
جلس على كرسيه وراح يستند بمرفقيه على سطح المكتب وهو يقول متهكما: ياتري إيه سر الزيارة الي متشرفش دي؟!
صر سامي على أسنانه وعيناه تتوهج غضبا، ليردف بحزم: فين الصور؟ هو أنا مش نزلت الإعتذار وخلصنا؟!
تراجع أمير بالمقعد للخلف وقال ببرود: ايه ده، هما موصلوش ليك، مع إني بعتهم إمبارح!

إتسعت عينا سامي وتابع بغضب: بعتهم فين؟
قال أمير بلا مبالاه: على البيت طبعا معقولة يعني أبعتهم على الشركة وأفضحك وسط موظفينك، صمت ليردف مكملا: أنا قولت أفضحك قدام مراتك واهي ستر وغطا عليك برضو، إن الله حليم ستار يا سامي!
هب واقفا قائلًا بغضب جلي: ينهارك إسود!
مط أمير شفتيه وتابع حانقا: أنت شكلك مروحتش البيت امبارح، ياتري كنت بترمرم مع مين؟

ضرب سامي على سطح المكتب بعنف وقال بتهديد صريح: أقسم بالله نهايتك على إيدي!
رفع أمير أحد حاجبيه وتابع ببرود تام: أعتبر ده تهديد علني وفي مكتبي كمان يا سامي؟
أومأ رأسه بعنف، ليتابع بصرامة مخيفة: إعتبره زفت على دماغك..
أنهي جملته وسار حتى وصل إلى الباب، ليقف ثوانِ ويهتف بشيطنة وهو يُشير له بسبابته: نهايتك على إيدي!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة