قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية حبيبتي الكاذبة للكاتبة فاطمة حمدي الفصل الخامس والأربعون

رواية حبيبتي الكاذبة للكاتبة فاطمة حمدي الفصل الخامس والأربعون

رواية حبيبتي الكاذبة للكاتبة فاطمة حمدي الفصل الخامس والأربعون

بعد إصرار وتصميم من مصطفي بأن يلتقي ب سهير حتى يعرف لماذا فعلت هذا في فتياته..
لبي سليم رغبته، وذهب معه إلى مركز الشرطة، ليجلس سليم على كرسيه ويجلس مصطفي قبالته وهو يقول بجدية: يلا يا سليم!
أومأ سليم برأسه متنهدا وقال بتحذير بعض الشئ: ماشي يا عمي بس إمسك أعصابك من فضلك وبلاش تهور!
قال ممازحا يحاول كبت النار التي تنهش قلبه: والله هتديني أوامر على أخر الزمن يا سليم بيه..

ضحك سليم يإيجاز ثم هتف مناديا على العسكري، وأمره بإصطحاب سهير إلى هنا، بالفعل ذهب العسكري إلى الزنزانه وعاد بعد قليل بصحبة سهير..
تركها وخرج لتبتسم سهير بتهكم، بينما قال سليم بحدة ؛ إقعدي!
سارت إلى المقعد المقابل ل مصطفي وجلست وما أن نظرت إلى وجهه صُدمت، وصرت على أسنانها بغضب ثم هتفت بحقد: الدكتور مصطفي كارم هنا بنفسه!

إستغرب مصطفي من حديثها الوقح، ليردف بغضب جلي: بقي أنتي الي خطفتي ولادي وحرمتيني منهم السنين دي كلها! ده أنا هوديكي في ستين داهيه..
رمقته بنظرات شرسة، قبل أن تردف بتشفي: جربت حرقة القلب، أنا بقي أخدت منك عيالك عشان أحرق قلبك وأنتقم منك!
قطب مصطفي مابين حاجباه بإستغراب تام، ثم هتف بغضب عارم: يعني أنتي كنتي متعمدة تخطفي ولادي أنا بالذات وتحرميني منهم؟

أومأت رأسها بإستفزاز، لينهض مصطفي من مقعده وينقض عليها كالأسد الثائر قابضا على عنقها بعنف وهو يهتف: هموتك، أنا هخنقك بإيدي!
هب سليم مندفعا نحوه ليمسك به بقوة وهو يقول بتوسل: عمي الله يخليك سيبها، إبعد يا عمي هتودي نفسك في داهية..
لم يصغي له مصطفي بل كان يقبض على عنقها أكثر بحجم الآلام التي مزقت نياط قلبه طوال سنوات وسنوات..

أصاب سليم الذعر حين وجدها تسعل وقد ظهر اللون الأزرق على وجهها ليبعد عمه بكل ما أوتي من قوة، وبالفعل نجح في إبعاده عنها بصعوبة بالغة، ف ظلت سهير تسعل بشدة وصاح سليم بغضب: يا عسكري ت...
قاطعه سليم بصرامة: لازم أعرف هي عملت كده ليه، أخدت مني ولادي ليه، الحقيرة
هدأت سهير أخيرا وأخذت تلتقط انفاسها، لتنظر له وتتابع بهدوء قاتل: كُنت عاوز تقتلني زي ما قتلت أختي!

إتسعت عيني مصطفي متسمرا في مكانه وهو ينطق: أختك!، أختك مين؟
بينما صُدم سليم، الذي أشار للعسكري أن يخرج من المكتب، ليهتف بصرامة: يقتل ايه، أنتي مجنونة يا ست أنتي!
صاحت سهير بغضب جلي: لا قتل، قتل أختي يوم ما روحنالوا عشان يعملها عملية إجهاض ورفض، رفض عشان مكانش معانا فلوس وأختي ماتت، ماتت بسببه.

حالة من الذهول سيطرت عليه ليشرد بذهنه منذ عشرون عاما منذ أن كان في ريعان شبابه وعمل بأحد المستشفيات الشهيرة الخاصة بالنساء والتوليد كونه طبيب أمراض نساء..

فلاش باك..
- أنا آسف، أنا مبعملش عمليات إجهاض، ده شغل حرام أنا مليش فيه!
أردف مصطفي بتلك الكلمات في حين قالت سهير بتوسل: يا دكتور الله يخليك طيب هنستلف فلوس وندفعلك الي إنت عايزو بس إعمل العملية، أختي هتتفضح!

حرك مصطفي رأسه بنفي تام: أنا مبتكلمش في فلوس يا أستاذه، أنا كطبيب ضميري يمنعني من إجراء عملية إجهاض، خصوصا إن أخت حضرتك مريضة بالقلب وأنا مش هخاطر بحياتها ولا بإسمي وسمعتي! زائد إني طبيب عندي شرف!
حاولت معه سهير مرارا وتكرارا لكنه رفض رفضا تام، لتنهض وتخرج بعد أن رمقته بنظرات قاتله لكنه لم يبالي..

وبعد مرور يومان آتيت تصرخ وتستغيث لينقذ شقيقتها التي حاولت إجهاض نفسها بنفسها!.
ركض مصطفي مسرعا ليأمر الممرضات بوضعها على السرير النقال، ثم ركضن بها إلى غرفة العمليات، ليركض مصطفي محاولا إنقاذها ووقف النزيف المكثف..
وبعد مرور ساعتان..
خرج من غرفة العمليات يلهث ولقد طغت علامات الحزن على وجهه، بينما ركضت سهير نحوه وهي تتساءل بتلهف: أختي عاملة ايه يا دكتور؟!

أجابها بنبرة حادة: للأسف مسمعتوش الكلام قولت في خطر على حياتها!، أنا عملت كل الي أقدر عليه، بس أختك جاية خلصانة، مقدرتش أعملها أي حاجه!
حركت رأسها بعدم تصديق وقد إنهمرت العبرات من مقلتيها، لتردف بإهتياج: يعني ايه، أختي ماتت؟
أردف بتنهيدة مؤلمة: البقاء لله.

إنقضت عليه بحركة مفاجئة لتجذبه من تلابيبه وهي تهتف بإنهيار: ده أنا هوديك في ستين داهيه، أنت، أنت الي قتلت أختي، حرام، حرام عليك دي أختي الوحيدة قتلتها ليه، ليه!
صُدم مصطفي من رد فعلها وحاول إبعادها وهو يصيح بها: أنتي مجنونة ياست إنتي دي أعمار بيدي الله، أنا مليش علاقه، أختك أذت نفسها بإديها!
باك..

آفاق من شروده على صوتها وهي تهتف: أنت حرقت قلبي على أختي وأنا حرقت قلبك على ولادك وإحمد ربنا إني مقتلتهمش، أنا سيبتك تتعذب بس!
إقترب منها وعيناه ترمقها بنظرات شرسة، ثم هتف بصدمة: يعني أنتي حرمتيني من ولادي عشان مرضتش أجهض أختك!، أختك موتت نفسها بإديها يوم ما أجهضت نفسها!

إبتسمت بسخرية وتابع بحدة: لأ، لو كنت عملت العملية كانت عاشت ومراحتش تسقط نفسها، وبعدين حبيت أنتقم منك وحرمتك من ولادك، زائد إن ولادك حلوين وحبيت أربيهم وأشغلهم في الكار بتاعي وأهو أنتقم وأستفيد في نفس الوقت!

غليت الدماء في عروق مصطفي ليصفعها بقوة على وجهها وصاح بإنهيار: أنتي سافلة، حاول أن ينقض عليها مرة ثانية ليجذبها سليم ويتجه صوب الباب سريعا قبل حدوث كارثة جديدة ف مصطفي وصل إلى أشد حالات الإنهيار، دفعها سليم في إتجاه العسكري ليأخذها كما كانت ويعود إلى عمه محاولا تهدئته إلا أنه صاح به بحدة: سبني أموتها، سبني أشفي غليلي منها!

قال سليم بنفاذ صبر: يا عمي إهدي بقي، هضيع نفسك عشان واحدة متستاهلش، إقعد وفهمني إيه التخريف الي قالته ده؟
إرتمي جالسا على المقعد وهو يلهث بقوة، فأعطاه سليم زجاجة مياه، فأخذها منه وإرتشف القليل ليعود يضعها على سطح المكتب..
أردف سليم مستفسرا: أفهم بقي؟

أجابه متنهدا بمرارة: من زمان يابني وأنا رافض أي عملية إجهاض، وهي كانت جايبه أختها وأنا رفضت جاتلي بعد يومين أجهضت نفسها وخلصانة وكانت مريضة بالقلب، ساعتها مقدرتش أعملها أي حاجه والموضوع خرج من إيدي وعمرها إنتهي لحد كده! هو ده كل الي حصل!
تعجب سليم ليردف بذهول: معقولة إنتقمت منك عشان كده!
تنهد مصطفي بحزن وهو يمسح على وجهه بعصبية، ليقول سليم: هجبلك حقك يا عمي، هتتسجن بقية عمرها كله..

أردف مصطفي في وعيد: ميكفنيش سجن، دي لازم تتعدم عشان تبقي عبرة لغيرها!..

في منزل السيدة نعمة..
تحسنت صحة السيدة نعمة إلى حد كبير وعادت كما كانت، بينما سلمي تقوم بترتيب المنزل وجلب طلباته وطلبات زوجها وترفض المساعدة من نعمة..
عاد خالد من عمله ليجدها إنتهت من تنظيف المنزل وتقف تطهي الطعام بالمطبخ، ألقي السلام على والدته، ليدلف إلى زوجته التي كان ظاهرا عليها الإرهاق..
إحتضنها خالد من الخلف وهو يهمس في آذنها: وحشتيني يا لوما!

إبتسمت بتعب وهي تبادله الهمس: وأنت كمان يا حبيبي..
أدارها إليه، ثم نظر إلى وجهها الشاحب، ليردف بحزم: حرام عليكي يا سلمي، قولتلك متجهديش نفسك مفيش فايدة، شكلك تعبان خالص!
أجابته بإبتسامة خفيفة: معلش يا خالد هعمل إيه طنط نعمة متقدرش على شغل البيت هي كبرت برضو!
قال خالد بجدية: أجيب حد ينضف عادي خالص أخر مرة تعملي حاجة في شغل البيت يا سلمي فاهمة ولا لاء!
أجابته بخفوت معارضه: لأ مدخلش حد بيتي طبعا!

تنهد خالد: يبقي متنضفيش أنا هنضف!
ضحكت سلمي رغم إرهاقها، ليردف خالد بمرح: إيه مش مصدقه..؟ لا ده أنا أعجبك أوي يا لوما!
أومأت رأسها وأردفت بإيجاز ؛ طب ممكن تدخل تغير هدومك وتيجي تاخد الأطباق تحطها على السفرة ولا هترجع في كلامك؟
قبل وجنتها وهو يمسح على شعرها برفق، وقال بمرح: حمامة وجاي..

ثم خرج متجها إلى غرفتهما، لتحاول سلمي الصمود ومحاربة الدوار الذي أصابها فجأة، لكنها لم تعد قادرة وبدت عينيها تري ضباب أمامها فصاحت بإنهاك: خالد، إلحقني!
سقطت لترتطم بالأرض وتصرخ نعمة مسرعه إليها، وكذلك إنقلع قلب خالد وهو يركض جاثيا على ركبتيه: سلمي، سلمي!
حملها ثم أسرع داخلا بها إلى الغرفة وهو يحاول إيفاقتها حيث ضرب على وجنتيها برفق لكنها لم تستجيب مما زاد من قلقه..!

في فيلا زياد..
إنتهت ماهيتاب من الصلاة، كما قالت لها دارين، ظلت تبكي وتشهق عاليًا، إلى أن جلست دارين جوارها وقالت في هدوء: إنسي الي فات يا ماهي، وإبدئي صفحة جديدة مع نفسك ومع ربنا! العياط ده مش هيفيد بحاجة الي هيفيدك هو إستغفارك على الذنب الي عملتيه هو ندم على الغلط وعلي التهاون في حق نفسك وفي حق ربنا وحق أهلك الي وثقوا فيكي، إبدأي من جديد يا ماهيتاب!

مسحت ماهيتاب دموعها ونظرت لها ببلاهه، لتردف دارين بإبتسامة: كلنا بنغلط وربنا فاتح أبوابه ومستنيكي كمان وعايزك تتوبي عاوز يهديكي ويطهرك!
- أبدأ إزاي!، قالتها ماهيتاب بيأس
ف ردت دارين بهدوء: أنتي أخدتي خطوة حلوة وهو إنك صليتي وإستغفرتي بس لازم تتوبي من قلبك لازم تكوني صادقة في التوبة عشان ربنا يتقبلها، لازم تجاهدي نفسك وتنهيها عن فعل الحرام..

صمتت قليلًا لتستكمل: ربنا قال في سورة النازعات وأما من خاف مقام ربه ونهي النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى.

الآية جميلة ومعناها إن النفس أحيانا بتميل لفعل المحرمات لأننا بشر، بتميل لأي حاجة تغضب ربنا لكن لما نخاف ربنا ونعرف إنه شايفنا ومُطلع علينا وننهي نفسنا عن هواها المحرم ونفضل كده على طول ساعتها المقابل لينا هيكون الجنة وده وعد ربنا لينا يا ماهيتاب، فأنتي بقي إختاري يا تري تخافي ربنا وتدخلي الجنة ولا تعملي الي إنتي عاوزاه وتطنشي وتدخلي النار..؟!
ظلت ماهيتاب صامته، في حين قالت دارين: ردي عليا؟!

قالت ماهيتاب بخفوت: أكيد عاوزة أدخل الجنة
أومأت دارين برأسها وقالت مبتسمة: يبقي تطعيه وتنفزي أوامره، لما نغلط نستغفر، ونتوب، نعيش حياتنا بس بعيد عن المعصية ونبعد عن أي صحبة ممكن تخلينا نعصي الله!

أومأت ماهيتاب، فإستكملت دارين: الدين يسر يا ماهيتاب دينا جميل جدا وربنا رحيم، متاح لينا حاجات كتيرة ومش معني إني هلتزم يبقي هعتزل الدنيا لأ هنضحك ونهزر ونتفسح كمان بس بدون ما نتعدي حدودنا، هنحب ونتحب بس في الحلال! هنعيش حياتنا بس مفيش مشكله لما نقضي فروضنا ونقرأ ورد من القرآن، مفيش مشكله نسبح وقت الفراغ، ساعة لقلبك وساعة لربك مش أربعة وعشرين ساعة لقلبي ومفيش أي حاجه لربي الي هو أصلا خلق ليا كل حاجه!

تنهد ماهيتاب وأردفت بحزن: أوعدك هصلي يا دارين
ضحكت دارين بخفوت: أوعدي ربنا وإبدأي مع ربنا يا ماهي، إدعي ديما أنه يثبتك ويرشدك للخير جربي إسبوع كده وبعدين قوليلي النتيجة وأنا معاكي ديما وفي ضهرك يا صاحبتي!
إبتسمت ماهيتاب بإتساع وراحت تعانقها بحب وهي تردف: أنا بحبك أوي يا دارين ربنا يحميكي!
مسحت دارين على ظهرها برفق ثم أردفت بإبتسامة: ويحميكي ويهدينا جميعا إلى ما يحب ويرضي يا ماهيتاب!..

- محتاجة راحة تامة، لأن حملها ضعيف وأي مجهود منها في خطر على الجنين..
أردف الطبيب بجدية موجها حديثه لخالد، الذي أومأ برأسه ومن ثم بصحبة الطبيب، ليعود إلى زوجته مرة ثانية ويجلس إلى جوارها قائلًا بعتاب: كده برضو يا سلمي، شوفتي عملتي في نفسك إيه؟
أجابته بإرهاق واضح على ملامح وجهها: ما أنا معرفش إن هيحصل كده يا خالد..

ردت نعمة وقالت بحماس: ولا يهمك يا بنتي أنا هقوم بطلبات البيت كلها، وهعمل الي أقدر عليه
أردف خالد بنفي: لا أنتي ولا هي يا ماما أنا هشوف حد كويس يعمل ده كله، بدل ما كل شوية حد يقع وأسوح أنا بقي!
ضحكت نعمة وهي تنهض: طيب يا أخويا أنا هروح أعملك حاجة تاكليها يا سلمي..
خرجت نعمة ليميل خالد على زوجته وهو يقول متنهدا بمزاح: خضتيني عليكي يا أم نعمة!
ردت عليه بتذمر: يا خالد متقوليش أم نعمة هزعل منك!

ضحك بمرح: الله مش أنتي الي قولتي لأمي هسميها على إسمك، يا بكاشة!
أغلقت عينيها بغضب طفولي: ما أنا كانت وخداني الجلالة، ومفهمتش خطورة الموقف وإني هبقي أم نعمة حتة واحدة كده!
قهقه خالد قائلًا من بين ضحكاته: مجنونة يا لوما، بس بعشقك!

في شركة سامي..
أنهي حديثه مع زوجته ناريمان التي صاحت به بغضب عارم وحذرته ألا يأتي إلى المنزل بعد أن رأت قذراته بعينيها، ليزفر سامي بضيق وهو يلقي الهاتف فوق سطح المكتب، تفاجئ بالباب يُفتح وتدخل هدي، فهتف بضيق: إنتي إيه الي جابك تاني؟
قالت بثبات: أنا هنزل الي في بطني يا سامي!
إبتسم وقال بإرتياح: أهو كده تعجبيني يا عيون سامي!
إبتسمت بمرارة، ثم قالت بنزق: أنا هشوف شغلي..
هتف سامي بجمود: هتنزليه إمتي.

أجابته بإيجاز: إديني مدة أرتب نفسي!
اومأ قائلًا بهدوء: أوك...
خرجت هي ليحدق سامي في الفراغ وهو يقول بوعيد: خربت بيتي يا أمير!، والله لأقتلك وما هخلي ليك إسم على وش الدنيا...!

في اليوم التالي..
عاد أمير من عمله، ليصف سيارته ويترجل منها ويتجه إلى الداخل، ليجد أروى في الحديقة وسط الحشائش الخضراء والأزهار تسقيهم بالمياه حيث كانت تمسك بالخرطوم ومندمجة في رش المياه..
وقف يتأملها دون أن تشعر به، فكانت ترتدي منامة قطنية بنطالها قصير وأكمامها أيضا!.
أثارت غضبه بعض الشئ خاصةً أن شعرها الهمجي يتطاير مع الهواء بشكلٍ جذاب فإذا رأها أحدا سيريد إلتهامها من فرط جاذبيتها تلك!

رغم غضبه كان يبتسم حين ترفع الخرطوم إلى فمها لترتشف منه وتستكمل سقي الزرع زائد الطين الذي لطخت نفسها به فأصبح شكلها مُضحك وبشدة..
تنهد بعمق وهتف بصوت جهوري: أروى!
إلتفتت له بذعر، ليشير لها بيده فتركت الخرطوم وركضت نحوه وهي تبتلع ريقها بخوف..
وقفت أمامه قائلة بإندهاش: إنت جيت إمتي؟ محستش بيك خالص!
ضيق عينيه قليلًا وسألها بحدة: أنا قولتلك كام مرة يا أروى متخرجيش الجنينه بهدوم البيت، أو من الأوضه أصلا؟

حملقت به لثوانِ فأردف هو بجدية: كلامي مبيتسمعش؟
حركت رأسها بنفي وهي تقول: لأ بيتسمع بس أنا...
قاطعها رافعا أحد حاجبيه: ولا الطفلة الصغيرة، في حد يبهدل نفسه بالطينة كده؟.
أنهي جملته وحملها بحركة مفاجئة ثم ألقاها على كتفه بذارع واحد وفتح الباب بيده الأخري ليدلف بها، فضحكت بمرح من فعلته، لتسمع صوته الصارم: بتضحكي؟.
كتمت ضحكاتها بيدها ليقول هو بجدية مصطنعة: هتتعاقبي يا أروى عشان لما أقول كلمة تتسمع!.

همست في آذنه محاولة تهدئته: أنا آسفة يا أميري مش هعمل كده تاني، أوعدك هخرج بالإسدال بعد كده
قال بتلقائية: كذابة، أنا أصلا مش بصدقك..
تبدلت معالم وجهها من المرح إلى الحزن بعد جملته التلقائية، وصمتت إلى أن صعد بها إلى الغرفة..
شعر بأنه أحزنها دون قصدا منه، فأنزلها على قدميها ليحتضن وجهها بين كفيه وقال هامسا: زعلتي ليه؟
قالت بنفي: مزعلتش
تمتم بإصرار: زعلتي!

إستكمل متنهدا: مكنش قصدي كنت بهزر معاكي يا أروى..
إنسابت دمعة حارة فوق وجنتها، ثم قالت بحزن: أنت فقدت ثقتك فيا، ومش هتصدقني تاني، بس صدقني أنا عمري ما هكذب عليك أبدا بعد كده!
طبع قبلة رقيقه فوق جبينها ثم همس بمزاح: بلاش تقلبيها دراما بقي يا رورو، أنا خلاص نسيت الي فات وعندي ثقة فيكي، وبحبك، وبموت فيكي، وبعشقك، ها أقول كمان؟

ضحكت اخيرا ثم عانقته بقوه وهي تستنشق رائحته الرجولية: ده أنا الي بحبك وبعشقك!
ضحك بإيجاز وهو يقول: طب يلا حضري نفسك عشان زمان أهلك جايين..
تجمدت ملامحها وهي تكرر: أهلي!
أبعدها عنه قليلا وهو يقول بجدية: إتفقنا إمبارح تقابليهم وتتعرفي على أبوكي رجعتي في كلامك؟
حركت رأسها بنفي ثم قالت بتنهيدة: حاضر.

بعد ما يقارب الساعتان..
رحب أمير بمصطفي وأخيه وسليم وسهيلة وكذلك فعلت عمته نجاة..
ما إن جلسوا حتى قال مصطفي بتلهف: هي، أروى فين؟
إبتسم أمير وإلتفت ينظر إلى الدرج ليجدها تهبط عليه، فقال: أهي جت..
إزدردت أروى ريقها بتوتر بالغ وإقتربت منهم بخطوات متمهلة..
نهض مصطفي وهو يبتسم ويقترب منها يخشي نفورها منه مرة ثانية، فتحكم في عاطفته الأبويه الجياشة ووقف ينتظر رد فعلها..

رفعت أروى وجهها إليه وقلبها يضرب بعنف كالطبول، تسارعت أنفاسها وهي تري فعلا الشبه الذي بينهما نفسها العين الخضراء والبشرة القمحية المائلة للإسمرار، إنها ملامحها، زائد الحنان الذي يكسوها والإشتياق النابع من عينيه..
الكل متحمسا لرد فعلها ويتابعها بعيناه، ويتساءل كلا منهم، ماذا ستفعل..؟
تحركت شفتاها تنطق حروف الإسم الذي لم تتفوه به طوال عمرها، بابا..

إنتفض قلب مصطفي وإتسعت إبتسامته فلم تمهله فرصة لتندفع إليه تعانقه بقوة وإنفجرت باكية بمرارة مرددة من بين شهقاتها: ب بابا!
أغلق مصطفي عينيه محاولا حجز دموعه التي أوشكت على الإنفجار..
عانقها بقوة وهو يصدر أنينا: اه، يا بنتي يا حبيبتي، الحمدلله يارب..
بينما إبتسم أمير وسٙعد أنها إستجابت لحضن والدها، وكذلك سهيلة التي قالت بمرح: أنا كده هغيير كفاية بقي..
ضحك سليم قائلًا بمزاح: ما أنتي أخدتي دورك خلاص..

ضحك الجميع لتبتعد أروى قليلًا وهي تمسح دموعها براحة يدها ويقول مصطفي بإرتياح: أنا كده مش عاوز حاجة من الدنيا ألف حمد وشكر لله!، ثم وجه حديثه ل أمير: شكرا يابني بجد مش عارف من غيرك كانت هتتقبلني إزاي!
رد أمير مبتسمآ: لا شكر على واجب، من حقك بعد السنين دي كلها..
قال مصطفي بحماس: حيث كده بقي هاخدها تعيش معايا في القاهرة أنا خلاص مش هقدر أبعد عنهم تاني!

رفع أمير حاجبيه بدهشة: لااااا، كله إلا كده مراتي متفارقنيش أبدا ولا إيه يا رورو؟
أومأت أروى ضاحكة ليردف مصطفي بمرح: ربنا يخليكم لبعض، ثم إستكمل: سلمي بقي على عمك ومرات عمك يا حبيبتي..
أقبل محمد عليها ثم صافحها وعانقها بحنان، ثم تابع: نورتينا من تاني يابنتي!
إبتسمت له أروى لتقبل وتعانقها نبيلة التي قالت بعفوية: حبيبتي يابنتي، ده أنتي شبه أبوكي الخالق الناطق ربنا يحميكي لشبابك!

ضحكت أروى وهي تعانقها ليصافحها سليم أيضا وتهتف نجاة بسعادة: الغدا جاهز..
إلتف الجميع حول مائدة الطعام في صورة عائلية مبهجة وليشعرون بالدفئ قليلًا..

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة