قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية حبيبتي الكاذبة للكاتبة فاطمة حمدي الفصل الثاني والأربعون

رواية حبيبتي الكاذبة للكاتبة فاطمة حمدي الفصل الثاني والأربعون

رواية حبيبتي الكاذبة للكاتبة فاطمة حمدي الفصل الثاني والأربعون

أسرع سليم مُنحنيا بجزعه ليحمل سهيلة بين ذراعيه وهو يهتف عاليًا على العسكري، بينما آتي العسكري ليأمره سليم بأخذ سهير كما كانت على الزنزانة..
أخذ سليم يضرب برفقٍ على وجنتي سهيلة حتى أخذ زجاجة المياه ليفتحها ويقوم برش بضعة قطرات فوق وجهها، فبعد عدة دقائق من محاولاته في إفاقتها إبتدت تفتح عينيها ببطئٍ حتى إتضحت الرؤية أمامها حملقت به لثوانِ ولا تزال في حالة ذهولٍ تام!

آتاها صوته الأجش هامسًا: أنتي كويسة؟
إنفجرت باكية بمرارة وتعالت شهقاتها التي كادت أن تشُق صدرها من شدة آلامها!
تعجب سليم ولقد شعر بشكٍ في أمرٍ ما راوده الآن، عقد حاجباه ولقد إنتابته هو الآخر حالة من الذهول، أخذ يرجع بذاكرته لسنوات عديدة والصدمة حلت على ملامح وجهه فهل سهيلة وأروي هما، عند هذه اللحظة توقف عقله ليسألها بإستغراب تام: قولتيلي أختك إسمها إيه..؟

لم تجيبه بل ظلت تشهق ببكاء، فأمسك ذراعيها وهو يجبرها على الجلوس ليقول مُكررا بجدية: أختك إسمها إيه..؟!
أجابته من بين شهقاتها: أروى..
سهيلة وأروي! لا، أيعقل..!
تركها ليخرج من المكتب ذاهبا بأقصى سرعة إلي الزنزانة لتجيبه سهير على أسألته حتى يقطع الشك باليقين!
فُتح باب الزنزانة ليدلف مصوبًا نظره عليها حتى وقف أمامها، فوقفت هي بثبات..
قال سليم وعيناه لم يطرف لهما جفنا: سهيلة وأروي ولاد مين؟

صمتت لعدة لحظات فهدر بها صائحا: إنطقي!
حان الآن وقت الإعتراف فلا يوجد مجال للخفي أكثر من ذلك فإنها أدركت أنها النهاية لا محالة، وبالأخير أردفت بنفس الثبات: ولاد دكتور مشهور في القاهرة إسمه مصطفي كارم!
إتسعت عينيه وهو يزدرد ريقه، لقد تيقن الآن أنهما بنات عمه اللتين أختفتا منذ الصغر وعان الجميع من حينها وبالأخير فقدوا الأمل في إيجادهما ف خيم الحزن عليهم حتى الآن..

ساد صمت قاتلا في المكان لم يصدق سليم أنهما على قيد الحياة وبعد تلك الأعوام المتتالية تظهرا الأختان! فهل هذا حلم أم حقيقة؟!

لم يدري سليم بحاله إلي وهو يصفعها بقوة آلام السنين الماضية! ثم هدر بها بإنفعال: كل السنين دي وهما عندك! إزاي، إزاي قدرتي تخفيهم المدة دي كلها إزاي، إزاي، سينفجر عقله من الصدمة فكان أخر توقعاته أن يرى الفتاتان مجددًا بعد هذا العمر ولكن الآن عليه أن يعرف كيف أخفتهما وكيف تجرأت، فراح يسألها مجددًا بشراسة: إنتي الي خليتي الخدامة تخطفهم من البيت وتهرب؟!

أومأت رأسها وأجابته ببرود قاتل: أيوة أيوة أنا بس أنا ربتهم، ربتهم ودخلتهم مدارس كمان!
قبض على ذراعيها بعنف شديد هاتفًا بعنف أشد: دخلتيهم مدارس إزاي والإسم، إسم سهيلة في التقرير ملهوش علاقة بمصطفي كارم!
ردت بنفس البرود: زورت شهادات ميلاد وغيرت الإسم عشان محدش يعرفهم، وسمتهم على أي إسم.

صاح صافعا إياها مجددا وهو يسبها بعنف، ليجذبها من خصلات شعرها ويدفعها في إتجاه العسكري قائلًا بلهجة آمرة: حطهالي لوحدها في أي داهية ومتغبش عن عينك لحظة فاهم!
أومأ العسكري ولقد نفذ آمره، ليخرج سليم وهو يلهث ويمسح حبات العرق التي نبعت فوق جبهته بغزارة اثر إنفعاله الشديد، إتجه إلي مكتبه ثم دخل وراح يحملق بها، أهذه إبنة عمه سهيلة، سهيلة مصطفي كارم!

إقترب منها ولقد شرد بذهنه عندما كانت صغيرة تبلغ من عمرها ثلاثة أعوام فقط، وكان هو يبلغ عمره ثلاثة عشر عاما، يتذكرها عندما كان يمرح معها ويحملها رغم كونه طفل، نفس العينان العسليتان، ولون بشرتها ناصعة البياض!
ظل يتطلع إليها بصمت ولا تزال علامات الذهول طاغية على وجهه!
حتى مسحت سهيلة دموعها بإستغراب وهي تطالعه بتوتر، فإبتسم هو وقال في ذهول: زعلانة عشان طلعت مش أمك!؟

حركت رأسها لتردف بعصبية: زعلانة إنها دمرتني، زعلانة على العذاب الي شفته! و...
- سهيلة، قالها وكأنه يستشعر كل حرفا، ثم كرر بعدم تصديق: سهيلة وأروي!، معقول أنتوا عايشين بعد عشرين سنة أنتوا عايشين؟!
عقدت سهيلة ما بين حاجباها في إستغراب، فقال سليم بهدوء: سهير خطفتكم من أهلكم من عشرين سنة!، أنتي إسمك سهيلة مصطفي كارم!، ثم صمت ليستكمل: وأنا إسمي سليم محمد كارم!..

حدقت به ولم تفهم ماذا يقصد أو بالأحرى لم تستوعب، ما الذي يتفوه به ذاك؟!؟

إستأنف هو بتوضيح: زمان لما كنت صغير كنا عايشين كلنا في بيت كبير أنا وأبويا وأمي وعمي ومرات عمي وبنات عمي سهيلة وأروي، كانت مرات عمي بتشتغل وبتسيب سهيلة وأروي مع الدادة، وفجأة في يوم رجعت ملقتش الدادة ولا سهيلة وأروي، فضلت تدور وإحنا كمان ندور ملكمش أثر، الكل إتصدم مخلناش قسم بوليس إلا ودورنا فيه، ولا أي مكان قلبنا القاهرة حتة حتة وبرضو مفيش فايدة حتى عمي نزل إعلان في الجرنال إن الي هيلاقيكم ليه مكافأة كبيرة ولكن لا حياة لمن تنادي! وعدت شهور وسنين فقدنا الأمل وبعد عشر سنين من غياب سهيلة وأروي ماتت أمهم بحسرتها عليهم والاب عاش حزين العمر كله، على فراق بناته ومراته! وأنا حزنت وأبويا وأمي والبيت بقي كأنه مهجور وفقدنا الأمل في إننا نلاقيكم تاني!

لم يظهر أي تعبير على وجه سهيلة، فلم تستوعب من الأساس ما قاله! هل لهما أهل، أب و أم! وعاشتا محرومتانِ طوال عمرهما!
كرر سليم بتفهم لحالتها: طبعا مش قادرة تستوعبي أنا زيك وأكتر، بس دي الحقيقة أنتي بنت عمي، بنت مصطفي كارم أكبر دكتور في القاهرة..

في فيلا الأمير..
ما أن وصلا حتى تجاهلها أمير كعادته الأخيرة معها، مما سبب لها يأس وفقدان أمل في أنه سيسامحها يومًا ما، صعدت إلى غرفتها وإرتمت باكية على الفراش، فدلفت خلفها نجاة وهي تسألها بقلق: مالك يا حبيبتي، إطمنتي على أختك ولا لاء؟!
قالت أروى من بين شهقاتها: مش عارفة ه هي فين، قالتلي أنا كويسة بس مرضيتش تقولي مكانها!
فردت نجاة بإستغراب: طب وليه معرفتكيش مكانها، غريبة أوي!

ظلت أروى تبكي مرارًا حتى قالت نجاة بمواساة: معلش يا حبيبتي أكيد هترجع تتصل بيكي تاني وتعرفك مكانها، بس إنتي إهدي!
إعتدلت أروى وراحت تمسح العبرات عن وجنتيها ثم قالت بمرارة: هي ليه الدنيا بتعمل فينا كده، أنا تعبت
تنهدت نجاة قائلة: ربنا كبير وبكرة الحياة تبقي حلوة بس إحنا نقول يارب وبلاش يأس.

أسندت أروى رأسها على ظهر الفراش لتقول بيأس: لا أنا عارفة فين أختي ولا أمير هيسامحني، وأنا خلاص مش قادرة أتحمل نظراته القاسية ليا مش قادرة أتحمل إني إقعد معاه في مكان واحد وهو مش طايقني أنا تعبت، تعبت..

أخذتها نجاة في أحضانها وربتت على ظهرها برفق فإستكملت أروى ببكاء: والله أنا كمان إنجرحت زيه، إتجرحت لأني جرحته، أنا مخترتش حياتي، حياتي هي الي إتفرضت عليا، ويوم ما قابلته خوفت ومن خوفي كذبت، كذبت كتير أوي
ظلت نجاة تربت على ظهرها بحنان ولقد تأثرت بكلامها ذاك، فقالت بخفوت: هيسامحك، هيسامحك يابنتي قولي يارب...

ظلت سهيلة صامتة من أثر الصدمة، فقال سليم بهدوء: إتكلمي قولي أي حاجه!
آتاه صوتها خافت جدا بذهول تام: ي يعني أحنا لينا أب و، وعايش على وش الدنيا!
أومأ سليم برأسه قائلًا بتأكيد: أيوة عايش في القاهرة بس والدتكم هي الي ماتت من عشر سنين...
قالت سهيلة والدموع تنهمر من عينيها: أمنا! أنا مش قادرة أصدق إني ليا أم غير سهير وكمان ليا أب، أنا حاسه إني بحلم.

إبتسم سليم وقال هادئا: هي حاجة ميصدقهاش العقل إنما دي الحقيقة وبعد إعتراف سهير أكدتلي الي كنت شاكك فيه، أنا مصدوم زي زيك بس في نفس الوقت فرحان إنكم هترجعوا لعمي تاني، عمي تعب كتير في حياته، سبحان الله! ودلوقتي ربنا هيعوض صبره خير..
-بابا، قالتها سهيلة بخفوت لتستشعر معناها، هل لي أب!

قال سليم وهو ينهض: أنا مش هبلغه دلوقتي إلا لما أخرجك من هنا، وبعدين هاخدك عشان تشوفي أمي أنا، هو طبعا إحنا كلنا ساكنين في القاهرة بس أنا ٱتنقلت مؤخرا من شغلي على إسكندرية هنا وماما بتصمم تيجي تقعد معايا وبعدين تسافر القاهرة وهكذا!.
أومأت سهيلة برأسها محاولة إستيعاب ما يقوله، فأردف هو بإبتسامة: شوية وراجعلك!

ثم خرج تاركا إياها تحملق في الفراغ وهي تتمتم بخفوت: يعني سهير كانت خطفانه وإحنا لينا أب وأم!

في شركة سامي.
-خلاص نزلتله الإعتذار!
أردفت هدي السكرتيرة بتلك الكلمات..
ليومئ سامي رأسه بعصبية، وهو يهتف بحنق: أيوة إتزفت أما نشوف أخرتها إيه!
قالت هدي ببرود: وإفرض مرضيش يديلك الصور بعد كده؟!
صاح سامي بإنفعال: ده أنا أجيب خبره و...
قاطعه رنين هاتفه ليلتقطه ويجيب بحدة: خير؟!
فآتاه صوت أمجد وهو يقول بجدية: إزيك يا سامي!
سامي بهدوء: الحمدلله إيه أخبار الصفقه..؟

أجابه أمجد بتنهيدة: والله محتاج تمويل يا سامي الفلوس الي إدتهاني مش كفاية!
فرد عليه بعصبية: أنا حطيت فلوسي كلها في الصفقة دي!
أمجد ببرود: وأنا بقولك محتاج تمويل تاني، إعمل أي حاجه، خد قرض بضمان شركتك!
صمت سامي قليلًا ثم تابع بضجر: ماشي، هاخد القرض بس لو حصل وخسرت الصفقه دي عليا وعلي أعدائي ما هرحم حد يا أمجد!
أمجد بجدية: أعتبر ده تهديد؟!
صاح سامي: إعتبره زي ما تعتبره أنا مش بسيب حقي، سلام..

أغلق الخط وهو يزفر بضيق، فقالت هدي بثبات: أنا عاوزة أقولك على حاجة مهمة يا سامي!
نظر لها متساءلا بعينيه، فصمتت هي لبرهه قبل أن تردف بحدة: أنا حامل!
إتسعت عينيه وهب واقفًا قائلًا بصرامة: نعم ياختي؟! حامل من مين أنتي كمان!
صاحت هدي: منك أنت طبعا أنت إتجننت ولا إيه؟!
لوي سامي فمه بتهكم ثم تابع بغضب عارم: روحي إرمي بلاكي على حد غيري يا حبيبتي! شوفي الزبالة الي تعرفيهم غيري.

صرت هدي على أسنانها وراحت تنهره بشدة: محدش لمسني غيرك وأنت عارف كده كويس يا سامي والي في بطني ده منك أنت فاهم منك أنت!
جلس سامي على مقعده مرة ثانية ولقد اشعل أحد سجائره ثم أخذ نفسا عميقا ليزفره بشراسة، ثم قال بهدوء مخيف: أنا ملمستكيش وإثبتي إني لمستك وإن الي في بطنك مني!
لتقول هدي وقد ترقرقت العبرات في عينيها: يعني إيه الكلام ده، هتتخلي عني؟!

نفث دخان السيجارة من فمه ببرود قاتل، ثم قال بلا مبالاه: حطي عقلك في راسك يا روحي هتنزلي الجنين هنفضل مع بعض زي العسل، هتنشفي دماغك وتقوليلي إبنك والكلام الفارغ ده ولا أعرفك ومش بعيد كمان أتاويكي ولا حد يعرف عنك أي شئ! وأنتي عارفاني لما بقلب!
عقدت هدي حاجباها وهتفت بآسي: ياااه للدرجة دي إنت عديم الإنسانية يا سامي!
إبتسم ساخرًا وهو يحك صدغه بإبهامه غير مباليا بما تقوله!

لتقول هي بشراسة أنثي: ماشي يا سامي وربي وما أعبد لأوريك! أنهت كلامها وإتجهت خارج المكتب ركضا وهي في أشد حالات الإنهيار، ليضحك سامي عاليًا وهو ينفث دخان سيجارته كأنه يتسلي ليس أكثر!..

في اليوم التالي..
في شركة الأمير..
جلس زياد قبالته بعد أن آتي لزيارته، بينما كان أمير يقرأ الجريدة وهو يبتسم بإنتصار وهو يري الإعتذار الذي أنزله سامي له رغما عنه، ولم ينتبه لزياد الذي كان يشرد بذهنه وكأنه في عالم آخر..
فهتف بإستغراب: مالك يا زياد..؟
إنتبه زياد له وقال بشرود: ها..
قطب أمير ما بين حاجباه وتابع: ها إيه! بقولك مالك..؟

قال زياد وهو يفرك مقدمة رأسه بحيرة: ماهيتاب يا أمير، مش عارف أعمل معاها إيه دي بقت واحدة تانية بترد عليا وعاملة راسها براسي!
سأل أمير بجدية: وإيه الي وصلها لكدة..؟
قص زياد عليه ما حدث بالتفاصيل، فقال أمير متنهدا: ٱنسي الي فات وإبدأ معاها صفحة جديدة إملي وقت فراغها عشان متلجأش للحاجات دي تاني!

أردف زياد بحيرة: يعني أعمل إيه يا أمير اسيب شغلي وإقعد أرغي معاها، ماهي معاها دارين وكمان كل شئ متوفرلها يعني مش ناقصها حاجة نهائيا..!
قال أمير بإيجاز: طيب أنا محتاج سكرتيرة، إيه رأيك تنزل تشتغل ومنها تنسي أي حاجه في دماغها وبرضو هتكون تحت عيني!
زياد بحماس: فكرة حلوة، خلاص لما أروح هقولها وربنا يسهل..
أومأ أمير برأسه وقال بجدية: تمام!
نهض زياد قائلا بإيجاز: أنا ماشي بقي عشان عندي إجتماع مهم، يلا سلام.

ليخرج من المكتب وبعد قليل يدلف طارق قائلًا بهدوء: في واحدة بره عاوزة تقابل حضرتك..
أمير بتساؤل: مين دي؟
طارق بجدية: هدي سكرتيرة سامي!
رفع أمير حاجبيه بدهشة: سكرتيرة سامي ياتري عاوزة إيه دي!، خليها تدخل..
خرج طارق سامحا لها بالدخول، فدخلت بخطوات مترددة حتى وقفت قبالة مكتبه، فقال أمير متسائلا بحدة: خير؟
هدي بتردد: في حاجات كتير لازم تعرفها! ع عن أروى مراتك!

أشار لها بأن تجلس على المقعد المقابل، وبلهجة جادة قال: سامعك؟!
قالت هي بثبات بعد أن أطلقت تنهيدة حارة:
- أنا عارفة إن حياتك باظت أنا كنت متابعة في صمت، عارفة إنك إكتشفت إن أروى مراتك خدعتك لكن مش دي الحقيقة، الحقيقة إني كنت سبب من الدمار الي حصل لأروي يوم لما سمعت كلام سامي!، صمتت لبرهه ثم تابعت بتوضيح:.

- في يوم من الأيام أروى جات تشتغل عندنا في الشركة، زيها زي أي موظفة وفجأة سامي إتفق معايا أخلع الخاتم الدهب بتاعي وأشغِلها وأحطه في شنطتها ساعتها سمعت كلامه وفعلا حطيته وبعد كده بلغنا البوليس وأروي دخلت القسم متهمة في سرقة الخاتم، ولما سألت سامي ليه عملت كده، قالي إنه حاول يلمسها لما كان بيروح عندهم في الشقة لكن هي ضربته بالقلم وهو حب ينتقم منها!

صر أمير على أسنانه بشدة غاضبا وهو يستمع إلي حديثها، فاستكملت هدي وقد إنسابت دموعها ندما: ساعتها مكنش عندي أي إحساس بيها، وسمعت كلامه وطاوعته، بعدين هو قالي أنه ساومها عشان يطلعها من السجن يإما تشتغل عندك وتسرق الملف يإما هيخليها في السجن وينهي حياتها، وعشان يضمن حقه كتب عليها الشيك الي ادهولك ده وصور اختها كمان عشان تسكت وكان ديما يقولي إن محدش لمسها أبدا وإنها حبتك لما إشتغلت عندك بس هو كان عاوز ينتقم منك ومنها بأي طريقة!

صاح بها أمير ما أن أنهت كلامها وقد هب واقفا بغضب عارم: وجاية بعد كل ده تقوليلي الحقيقة، جاية بعد الدمار الي حصلنا من تحت راسكم دلوقتي تقوليلي، أنتوا ايه، اييييه شيطاين!
قالت هي بدموع نادمة: هو كان عامي عنيا بفلوسه بس هو كمان غدر بيا وضحك عليا وأنا لازم أنتقم منه، أنا آذيت أروى وربنا إنتقم مني!
صاح بها مجددًا بإنفعال: إطلعي برة براااااا براااا.

خرجت من مكتبه ولقد إزداد بكاؤها، ليرتمي أمير على المقعد ضائعًا فأغلق عينيه بشدة ثم نهض عن مقعده تاركا الشركة بأكملها..!

دلف سليم إلي مكتبه وبيده حقيبه بلاستيكية بها ملابس، فمد يده في إتجاه سهيلة وهو يقول بنبرة جادة: دي هدوم إشترتها إن شاء الله تطلع مقاسك إلبسيها عشان هنخرج النهاردة..
فقالت سهيلة بإرتياح: يعني خلاص مفيش سجن وهمشي
إبتسم وقال رافعا أحد حاجبيه بثقه: تبقي بنت عم الرائد سليم كارم وتتسجني دي حتى تبقي عيبة في حقي!
إبتسمت سهيلة بخجل، ثم قالت بخفوت: طيب والمحضر؟

أجابها بإيجاز: أنا شيلت إسمك من المحضر وكأنك مكنتيش معاهم أصلا كأن شيئا لم يكن!
تنهدت سهيلة بإرتياح شديد وهي تتفقد الحقيبه والملابس التي بداخلها، فأردف سليم وهو يتجه صوب الباب: أنا مستنيكي برة يا بنت عمي!
خرج مغلقا الباب خلفه، لتبتسم سهيلة غير مصدقة إلي الآن الذي يحدث من حولها، إبن عمي، وأبي!
أردفت بخفوت: أنا حاسة إني هتجنن خلاص، معقولة!

عاد أمير إلي الفيلا وهو في صراع مع قلبه وعقله، دلف باحثا عنها بعينيه في الردهة لكنها لم تكن متواجدة، فصعد درجات السلم داخلا إلي الغرفة التي إستقرت بها في الأيام الأخيرة أيضا لم يجدها، دلف إلي غرفته لعله يجدها ولكن دون جدوى، خرج ليتوجه إلي غرفة عمته ليدلف بعد أن طرق الباب وقال بثبات: فين أروى؟

كانت الصدمة له حين أخبرته بهدوء حزين: أروى مشت يا أمير، مشيت وسابت البيت بعد ما يأست وفقدت الأمل في إنك تسامحها!
إبتلع ريقه بمرارة وإحساس الضياع سيطر عليه، ليقول بخفوت: مشيت!، إزاي تسمحلها تمشي! ٱزاي!

ردت عليه بثبات: حاولت أمنعها معرفتش، قالتلي بلغيه إني بحبه وهفضل أحبه بس مقدرش أتحمل قسوته اكتر من كده، بصراحة البنت تعبت، كل يوم وهي بتطلب عفوك ومسامحتك وأنت قسيت أوي عليها يابني كان من حقها تعمل كده بعد ما شككت إن الي في بطنها مش إبنك كمان..

ظل صامتا وصدره يعلو ويهبط بألم، والحزن خيم على ملامح وجهه، لم يريد يوما الفراق حتى وإن كان غاضبا لا يسامح لكن النظرة لها كانت تهون الكثير وها قد رحلت، رحلت حبيبته التي أسماها هو في مخيلته حبيبتي الكاذبة، فرغم كذبها مازالت تمتلك قلبه وتتربع على عرشه!

بعد موجة من الصمت، فتحت نجاة أحد الأدراج وأخرجت منها ورقة مطوية ثم مدت يدها له وقالت بجدية: أروى سابتلك الرسالة دي وبتتمني إنك تقراها، ثم تركته وخرجت، ليجلس هو على طرف الفراش ويفتح الورقه بتلهف، ثم أخذت عينيه تنظر إلي كلامها التي خطت أناملها كتابته، إزدرد ريقه وهو يتلقي أول جملة كتبتها
أميري، حبيبي.

أقسملك إني عمري ما حبيت غيرك، عمر قلبي ما كان لغيرك أول همسة ولمسه كانت منك إنت، إنت الي طلعتني فوق لسابع سما وحسستني إني عايشة وإني إنسانة لي كيان ومشاعر وأحاسيس، كان نفسي لو الظروف تبقي أحسن من كده وأقابلك في وقت وزمان غير، بتمني لو كان عندي أهل تشرف وأنت تيجي وتطلبني زي، زي أي بنت في سني، لكن، لكن للأسف إتولدت في بيئة فاسدة فضلت أعاني وأعاني لحد ما لقيتك وكنت إنت طوق النجاة الي ربنا بعتهولي كنت الأمان والسند، فتتخيل إني كان ممكن أسيب طوق النجاة ده وأغرق من جديد؟ أو أعرفك حقيقتي فتسيب إيدي وأقع على جذور رقبتي؟، أنا أقسمت ساعتها إني مش هتخلي عنك، أقسمت إني همسك فيك بإيدي وسناني كنت عارفة إني بخدعك بس خوفت وكذبت، والنتيجة هي إني إدمرت ودمرتك معايا، سامحني ما أنا مكانش معايا حد يوجهني للصح والغلط فإتصرفت بعقلي المسكين، لحد ما وجعتك وإتوجعت عليك، بس إنت متعرفش أنا شوفت إيه في حياتي أنا وأختي، متعرفش إني كنت بشوف أمي في أحضان الرجالة وكل ليلة راجل مختلف عن الراجل الي قبله، كنت بسمع كلام صعب على أي طفلة إنها تسمعه وأشوف قذارة محدش يقدر يستحمل يعيش فيها، ولما كبرت بقيت أشتغل واتمرمط عشان أكل بالحلال وماكلش من الأكل بتاع سهير وياما قولت لسهيلة تعالي نهرب بس هي كانت خايفة نروح منرجعش ونتاوا ولا حد يعرف عننا حاجة وفعلا كان معاها حق ما احنا ملناش ضهر ولا سند بس حاولنا بكل جهدنا نحافظ على نفسنا وممشناش ورا التيار وخلاص، وعلي فكرة يوم ما قولتلك مليش أهل ما كنتش بكذب عليك لأن فعلا عمر ما حسيت أن سهير أمي ياما ضربتني ببشاعة عشان تخليني أشتغل معاها بالعافية بس كان ربنا مديني إرادة جامدة وعمري ما سمعت كلامها، أقسملك إني شريفة ما حد لمسني، أنا بحبك ومش زعلانة منك أنا زعلانة عليك وإخترت أمشي يمكن ترتاح وأنا كمان لأن نظراتك بتقتلني كل في اليوم ميت مرة سامحني، أنا غلطت بس كان غصب عني ودلوقتي أنا هحترم قرارك أيا كان، لو سامحتني هكون أسعد إنسانة في الدنيا ولو كان قرارك الإنفصال فأنا هخرج من حياتك للابد، أنا سبتلك الشبكة الالماظ عشان أنا مش عاوزة لا فلوس ولا ألماظ بس معلش أخدت الدبلة بس عشان هعيش على ذكراك وكل ما توحشني أحضن دبلتك الي لبستهالي بإيدك أيام ما كنت بتحبني.

لأول مرة يشعر أن العبرات ستنهمر من عينيه بغزارة لقد تأثر بكل حرفا كتبته له، شعر بوخزات تنغز قلبه المجروح، لا، لا ترحلي وتتركيني..
نهض مسرعا خارج الغرفة هابطا الدرج ليهتف بإختناق: عمتي، أروى راحت فين؟
حركت نجاة رأسها بالنفي وقالت بجدية: معرفش يابني
صاح أمير: يا عمتي قوليلي هي فين أنا مش مستحمل أرجوكي عرفيني مكانها..!

تعجبت نجاة لحالته فلم تتوقع أن تأثير رحيلها سيكون هكذا عليه، رق قلبها لحالته فقالت بتردد: طب عاوز تعرف مكانها ليه مش انت قولتلها بكرهك ليه دلوقتي عاوز تعرف مكانها!
قال بإصرار: فين أروى يا عمتي!
تنهدت نجاة بنفاذ صبر وأردفت: في البيت عندي، هي كانت ماشية بس أنا منعتها، وودتها البيت عندي..
إندفع هو خارج المنزل ليستقل سيارته وإنطلق بأعلي سرعة!..

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة