قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية حبيبتي الكاذبة للكاتبة فاطمة حمدي الفصل الثالث والأربعون

رواية حبيبتي الكاذبة للكاتبة فاطمة حمدي الفصل الثالث والأربعون

رواية حبيبتي الكاذبة للكاتبة فاطمة حمدي الفصل الثالث والأربعون

صف سيارته أمام منزل عمته، وراح يترجل من السيارة وقلبه يخفق بعنف، دلف من مدخل البناية وصعد الدرج بتلهف، إلى أن وصل أمام الشقه ولم يتردد لحظه فطرق الباب بخفة..
صدره يعلو ويهبط أثر صراع الأيام الماضية..
بينما هي أسرعت نحو الباب تخشي أن لا يكون هو ومازال لا يسامح ولا يغفر!

إزدردت ريقها بصعوبة بالغة وفتحت الباب لتصطدم عيناها بعينيه المشتاقتين، خفق قلبها وإزدادت سرعاته ليسود صمت متوتر بينهما لا يجرؤ إحداهما على شقه! فقط لغة العيون تتحدث، عتاب ولهفه وإشتياق!
وأخيرًا تجرأت ونطقت إسمه الذي إشتاق هو لسماعه من بين شفتيها: ، آآ، أمير
في أقل من ثانية كانت بين أحضانه معتصرا إياها بين ذراعيه ليدفن وجه في عنقها مستنشقًا رائحتها بعمق مُغلقًا عينيه بإستمتاع..

لم تصدق هي أنها بين ذراعيه بالفعل، هل سامحها!؟.
إنفجرت باكية وهي تتشبث به بشدة تخشي إبتعاده مرة ثانية، تعالت شهقاتها بمرارة وهي تهتف بلا وعيٍ منها: أن أنا أسفه، أنا أسفه!
فما كان منه إلا أن تقدم بها للأمام خطوة حتى يتمكن من غلق الباب بقدمه، وعاد ليضمها ٱلي صدره رابتًا على ظهرها برفق..
لقد إشتاقت إلى لمسته الحانية ونظرته العاشقة فهل عُدت لي يا أميري من جديد، هل مازلت تحبني هل انت بالفعل تعانقني!

ليأتيها صوته متأوها بخفوت: اه يا أروى وحشتيني، وحشتيني اوي..
ثم أبعدها عنه برفق وأخذ يمسح دموعها بتنهيدة حارة، فرفعت هي يديها تقبض على كفيه وهي تقول مُتسائلة من بين بكاؤها: س سامحتني؟
تطلع إلى عينيها ليقول بإبتسامة حانية عاشقة: مسامحك، مسامحك يا أروى، مسامحك من قلبي..
ألقت بنفسها في أحضانه مرة ثانية معانقة إياه بقوة ثم تفوهت بخفوت: م مش مصدقه، آآ أنت سامحتني و، ورجعت تحبني ومش بتكرهني!؟

قال هامسًا: عمري ما كرهتك رغم كل الي حصل، مكانتك في قلبي زي ما هي!
رفعت حاجبيها بدهشة وتراجعت للخلف قليلًا لتسلط عينيها على عينيه وهي تقول بحزن: بس، بس أنت قولتلي إنك بتكره...
وضع سبابته على شفتيها مانعا إياها من الحديث، ليقول بجدية: كنت بقول أي كلام عشان كنت مجروح منك يا أروى مكنتش عارف أنا بعمل ايه ولا عاوز إيه، كنت ضايع!

أنا آسفة!، قالتها بصدق وندم نابع من قلبها الحزين، فإبتسم هو وإحتضن وجهها بين كفيه ليمسح بإبهامة تلك الدموع الحارقة..
ثم قال بتنهيدة مؤلمة: أنا كمان قسيت عليكي بس كان غصب عني، لو كنتي قولتيلي كنت هقف جنبك وبرضو هحبك! بس خلاص أنا مسامحك وهننسي الي فات يا، يا حبيبتي!
إبتسمت بإتساع لسماعها هذه الكلمة الغالية على قلبها، حمدت ربها مرارا بداخلها على هذه النعمة التي كادت أن تضيعها من بين يديها..

عانقته مرة ثانية بحنان بالغ والفرحة تغمر قلبها، إستنشقت رائحته الرجولية وهي تمرمغ رأسها في كتفه لتتفاجئ به يحملها وتشتدد ذراعيه عليها هاتفًا بإشتياق: وحشتييييييني
أبعدت هي رأسها عن كتفه وراحت تسند جبينها على جبينه قائلة بمشاكسة: مش أكتر مني ده أنا كنت هموت عليك يا أميري..
غمز لها بحب ولينتهي وقت الكلمات ليأخذها في عشقه الخاص، عشق الأمير فقط..

إستقلت سهيلة سيارة سليم الذي جلس إلى جوارها وقاد السيارة منطلقا بها..
فقال بمرح وهو يُطالعها بإعجاب: الحمدلله الهدوم طلعت مظبوطة عليكي..
أومأت رأسها بخجل وهي تقول بإمتنان: شكرا جدا على مساعدتك!
رفع أحد حاجبيه قائلًا بعتاب: مفيش شكر بينا أكيد أنا نفسي أساعدك أكتر من كده، أنا لحد دلوقتي مش مصدق الي حصل بقي أنتي سهيلة! وقاعدة جنبي كده عادي!

ضحكت سهيلة بخفوت: أنا أصلا مش قادرة أستوعب لحد الآن لدرجة حاسة إن حد هيصحيني وافوق من الي أنا فيه ده!
رد عليها متنهدا وهو يتابع الطريق: فعلا ربنا قادر على كل شئ الحمدلله، تعرفي أول ما شوفتك حسيت بحاجة غريبة معرفتش ايه هي لأنك شبه والدتك جدا فقولت دي شبه مرات عمي الله يرحمها بس بصراحه مجاش في بالي إطلاقا إنك بنتها سبحاااااان الله!
إبتسمت سهيلة بحزن: الله يرحمها.

قال سليم متساءلا بدهشة: هي أختك فين صحيح؟
أجابته سهيلة بهدوء: أروى إتجوزت رجل أعمال من إسكندرية هنا!
أومأ برأسه وقال بتعجب: ياه هي كبرت كده كانت صغيرة جدا ساعتها ولسه بترضع كمان، اكيد هتتصدم زيك لما تعرف
سهيلة بتأكيد: أكيد ومش هتستوعب زي ما أنا مش مستوعبة
ضحك قائلًا: ولا أنا!

في منزل السيدة نعمة..
جلست السيدة كوثر على طرف فراش نعمة بعد أن آتت لتطمئن عليها حينما علمت من إبنتها أنها مريضة وملازمة للفراش..
قالت نعمة بخجل واضح في نبرة صوتها: والله ما عارفة أودي وشي منك فين يا أم ماجد، كتر خيرك يا حبيبتي على زيارتك ليا!
إبتسمت الأخيرة بتفهم ثم أردفت بعتاب: عيب يا أم خالد إحنا جيران وعشرة عمر والنبي وصي على سابع جار!

ردت نعمة: بس أنا معملتش كده أنا بعت العشرة الي بينا، سامحيني ياختي معرفش عقلي كان فين ساعتها
أردفت كوثر بجدية: مجراش حاجة يا أم خالد، ياما بيحصل والنفوس ترجع تهدي تاني، ربنا يهدينا جميعا
نعمة بتأمين: اللهم امين، ثم أكملت بتنهيدة: صحيح الصديق وقت الضيق وأنتي ونعم الصديقة يا كوثر ربنا يباركلك أنتي وبنتك مسبتونيش في محنتي
هزت كوثر رأسها وقالت: ربنا يشفيكي يا أم خالد.

ساد الصمت قليلًا، ثم أردفت نعمة بتساؤل: وماجد عامل إيه هو ومراته؟!
أجابتها كوثر بإمتعاض: أهم كل يوم خناق ليل ونهار لما بقيت مش قادرة أستحمل دول كأنهم أعداء وسبحان الله كان هيموت ويتجوزها دلوقتي لا هو طايقها ولا هي طيقاه!
نعمة بهدوء: ربنا يهدي سرهم..
كوثر وهي تومئ برأسها: يارب.

وصلا سليم وسهيلة إلى الشقة التي إستأجرها مؤخرًا حينما إنتقل من عمله إلى الأسكندرية..
دلف من مدخل البناية وإتبعته سهيلة بخطوات متمهلة مرتجفة ف لا تزال مصدومة لم تستوعب!
صعدا إلى أن وصلا أمام الشقة ليفتح سليم الباب بالمفتاح ويدلف قائلًا بهدوء: إدخلي..
إبتلعت سهيلة ريقها ودلفت بحذر، وما أن أغلق سليم الباب هتف مناديا على والدته: ماما، يا أم سليم أنتي فين؟!

آتاه صوتها الحنون من الداخل: أنا هنا يا حبيبي في المطبخ جاية أهو
أردف سليم بمزاح وهو ينظر إلى سهيلة: بسرعة عشان معايا ضيوف، ثم أخفض صوته ومال قليلًا على سهيلة ليتابع: النهاردة اليوم العالمي للصدمة، أنهي جملته ليضحك بمرح
لتأتي بعد ذلك والدته من المطبخ قائلة بإبتسامة: ضيوف مي...

تفاجئت بسهيلة وحملقت بها بصدمة، وكذلك سهيلة التي فغرت شفتيها بذهول وهي تطلع إليها، أنها هي، هي المرأة التي إلتقت معها على شاطئ البحر ذات مرة! هل هذه زوجة عمها؟! يا لها من صدفة!
أخيرًا نطقت نبيلة وقد إرتفعا حاجبيها بدهشة وهي تتفوه بخفوت: أنتي!
بينما قال سليم بإستغراب: إيه ده أنتي تعرفيها يا ماما؟

هزت نبيلة رأسها بإيجاب: أيوة أنا شوفتها قبل كده على البحر لما قولتلك أنا نازلة أتمشي وهي ساعتها كانت بتعيط وشكلها كان حزين أوي!
رفع سليم حاجبيه بدهشة وتابع: سبحان الله إيه الصدفة دي، ثم تابع بإبتسامة: إنتي عارفة دي مين؟
حركت نبيلة رأسها ببلاهة، ليردف سليم بثبات: إحم، دي سهيلة بنت عمي!

لم يظهر أي تعبير على وجه نبيلة التي نظرت إلى سهيلة المبتسمة لتعاود النظر إلى سليم وهي تسأله بتعجب: سهيلة مين وعمك مين؟!
ضحك سليم عاليًا ثم أردف من بين ضحكاته: إيه يا ماما الصدمة أثرت على الذاكرة ولا إيه، عمي مصطفي هو أنا عندي كام عم! دي سهيلة وأختها أروى إلى إتخطفوا من زمان من وهما لسه صغيرين!

شهقت نبيلة بصدمة وإنفرجت شفتيها بذهولٍ تام بينما إتسعت عينيها على وسعهما وتطلعت إلى سهيلة بتركيز مُتأملة ملامحها الهادئة التي تُشبه ملامح أمها الراحلة إلى حد كبير، ولكن كيف، كيف! لا لا يعقل أبدا!
آفاقت من شرودها على صوت سليم وهو يقول بتوضيح: أنا كمان إتصدمت زيك يا ماما بس أنا إتأكدت إن هي سهيلة
قالت نبيلة بإرتجافة: آآ، أيوة، بس، بس إزاي..

صمتت قليلًا لتندفع نحوها بحركةٍ واحدة معناقة إياها بقوة وهي تهتف بحنان: يا حبيبتي يابنتي معقولة أنتوا عايشين، أنتوا عايشين على وش الدنيا!
أبعدها عنها برفق وهي تتأملها مرة ثانية بدقة وتهتف بإبتسامة: إزاي، إزاي مأخدتش بالي أول مرة شوفتك فيها وأنتي شبه أمك كده، يا سبحانك يارب، أنتي سهيلة بشحمك ولحمك، يا حبيبتي يابنتي.

ضحك سليم على كلمات والدته العفوية، ليقول مازحًا: طب خليها تقعد وتاخد نفسها يا ماما الأول..!
سحبتها نبيلة معها إلى الصالون، لتقول بتساؤل: إنت لقيتها إزاي يا سليم
سليم متنهدا بمرح: أتغدي الأول وبعدين أعترف يا باشا!
ضحكت سهيلة بخفوت وهي تطرق رأسها للإسفل بينما إحساس الدفئ والأمان يتسرب إلى قلبها المجروح المُنهك ليجعله يطمئن قليلًا بأن القادم أجمل!

وقفت في المطبخ تدندن بسعادةٍ لا توصف وهي تتنقل في أنحاءه بخفة الفهد تطهي طعاما له مخصوص، بينما الإبتسامة ترتسم على شفتيها دون وعيٍ منها كلما تذكرته وهو يحملها ويهبط بها الدرج قائلًا بهمسٍ أذابها: يلا على بيتنا يا رورو..
ضحكت بخجل وأكملت ما تفعله بحب لتتفاجئ بنجاة تهتف بمراوغة: سيدي يا سيدي محدش قدك يا رورو، ربنا يسعدك ويهديلكم الحال يا حبيبتي.

إبتسمت أروى: يارب يا عمتو أنا فرحانة أوي أوي ومش مصدقة نفسي خالص، وحاسة إني بحلم!
ربتت نجاة على كتفها ثم قالت بهدوء: لا دي حقيقة والحمدلله أمير رجع لطبيعته دورك بقي إنك تحافظي على علاقتكم دي وتكوني إتعلمتي من الخطأ وتبقي شاطرة لو متكررش تاني
حركت أروى رأسها بعلامة النفي قائلة بصدق: أنا لو هموت مش هكذب تاني!، ثم أكملت ببراءة: ياه أنا حرمت، حرمت.

ضحكت نجاة ثم تركتها لتستكمل طهو الطعام بمساعدة السيدة سحر ..
حتى إنتهت أخيرًا وأخذته معها وصعدت إلى غرفتهما، لتدلف وتراه مازال بملابسه ممدًا بها فوق الفراش، فعبست قليلًا وسألته بهدوء: ليه مش غيرت..
أجابها بإرهاق وهو يعتدل جالسًا: مش قادر يا أروى حاسس إني مُرهق جدا.

وضعت أمامه صينية الطعام التي تجمع بين الأكلات المُفضلة له، معكرونة بإضافة اللحم المفروم والبشاميل، وفراخ صنعتها خصيصا له وقطع لحم أيضا كما يُحب..
ثم راحت تربت على ظهره برفقٍ وهي تقول هامسة: حبيبي، لازم تاكل كويس وتنام كويس والإرهاق هيروح أنا عملتلك الأكل الي بتحبه كله
إبتسم لها وجذبها من يدها ليجلسها إلى جواره، ثم همس: يبقي تاكلي معايا يا رورو.

أومأت برأسها بسعادة وهي تقول مُبتسمة: حاضر، ثم أخذت تطعمه بيدها بينما هو يلتقط منها الطعام بنهمٍ وهو يقول بحزمٍ هادئ: كده برضو تسبيني من غير مكرونة بشاميل المدة دي كلها!
ضحكت برقة وهي تتابع بمرح وتطعمه مرة ثانية: بس عمتو كانت بتعملها بدالي وكمان أنت مكنتش عاوز تاكل من إيدي..!
توقف عن الطعام لحظةٍ وهو يتابع بمزاح: بصراحة المكرونة بتاعة عمتي ملهاش طعم حاجة كده أستغفر الله.

كتمت أروى ضحكاتها وهي تقول بجدية: عيب يا أمير لو سمعتك تزعل منك!
ضحك هو وتابع: كنت باكلها غصب عني عشان مزعلاهاش كتر خيرها عمتي قامت معانا بالواجب وزيادة
أومأت أروى برأسها وتابعت بتأكيد: اه ربنا يباركلها طيبة أوي وعاملتني كأني بنتها بالظبط
قال أمير بجدية مصطنعة: طيب يلا كُلي بقي ولا هنقضيها رغي!
عبست أروى بوجهها قبل أن تردف بتوسل: لأ بالله عليك مش تقلب عليا تاني!

ضحك وهو يطعمها بيده قائلًا بمرح: حاضر يا رورو
إبتسمت بإتساع وهي تبتلع الطعام: وحشتني كلمة رورو منك يا أميري
بادلها إبتسامتها بإبتسامة حانية قبل أن يردف بمرح: هغرقك دلع من هنا ورايح..

تشاركا الضحكات إلى أن إنتها من تناول الطعام ولملمت أروى الأطباق لتهبط بهم إلى المطبخ، بينما نهض أمير ليبدل ثيابه ويغتسل وما إن إنتهي توجه إلى الفراش متسطحا عليه بإرهاق، فدلفت أروى مرة أخري قائلة وهي تغلق النور: نام يا حبيبي وانا هنزل أقعد مع عمتو نجاة..
أشار لها بيده وهو يُضيق عينيه قليلًا، فذهبت له ليجذبها من يدها قائلًا بجدية: نامي جنبي.

إعترضت أروى قائلة: بس أنا مش كابس عليا النوم يا حبيبي نام إنت وإرتاح عشان مش أزعجك!
قال بنفي ولهجة آمرة: أنا عاوزك جنبي يلا إطلعي بقي متتعبيش قلبي عاوز أنام..
صعدت إلى جواره لتتفاجئ به يجذبها برفق حيث أراح رأسها على صدره وذراعيه عانقتاها ليطبع قبلة أخيرة فوق خصلات شعرها ويغلق عينيه بإستمتاع وثوانِ معدودة وكان في سُبات عميق..!

قص سليم على والدته ما حدث أثناء تناولهم لوجبة الغداء، بينما تأثرت نبيلة جدا وأردفت بحزن: يا حبيبتي ده أنتي إتعذبتي أوي الله ينتقم منها دي لازم تتسجن العمر كله يا سليم أوعي تخرجها من السجن!
سليم بتأكيد: هنقضي بقية حياتها في السجن طبعا!
نظرت نبيلة إلى سهيلة وتابعت بحنان: ساعة لما شوفتك لو كنتي حكتيلي كان زماني خدتك معايا من وقتها بس إنتي مشيتي وسبتيني!

إبتسمت سهيلة وتابعت بخفوت: كنت خايفة أحكي لحد معاناتي لادبس في مصيبة جديدة
أومأت نبيلة بتأكيد: صح معاكي حق تخافي ولسه أروى لما تعرف، ياخبر أنا مش مصدقة نفسي، قوليلي هي أروى شبهك كده؟
حركت سهيلة رأسها بالنفي قائلة بإبتسامة: مش أوي هي مختلفة في الشكل، هي سمرة وعيونها خضرة!
نبيلة بإندهاش: يعني زي مصطفي، أبوكي كده بالظبط!

شردت سهيلة في هذه الكلمة أبوكي ما أجملها كلمة لم تعرف لها معني نهائيًا ورغم صدمتها هي مشتاقة، مشتاقة وبشدة لذاك الرجل الذي يُسمي ب آباها!

في فيلا زياد..
عاد من عمله ليدلف ويجد المكان ساكن هادئ، إستغرب قليلًا فيوميا تركض إليه زوجته دارين تحتضنه وتمزح معه، فهتف مناديا عليها بتلهف، إلا أنه سمع صوت شهقاتها يأتي من قرب فإلتفت لمصدر الصوت ليجدها تبكي بإختناق وهي تجلس على إحدي الآرائك في الردهة، تعجب بشدة لحالتها وركض نحوها بقلق ليجثو على ركبتيه أمام الأريكة قائلة بلهفة: دارين حبيبتي مالك، بتبكي ليه؟

لم يأتيه رد منها فعاد يسألها مجددًا بقلق بالغ: يا دارين في إيه ردي عليا..؟
رفعت وجهها لتنظر إليه وهي تقول من بين بكاؤها: ك كنت، ف فاكرة إن إني حامل بس، بس مطلعش في حمل، أنهت جملتها وإنفجرت باكية مجددًا ليصر زياد على أسنانه بغيظ لقد ارعبته وإنقلع قلبه عليها بسبب تافه مثل هذا من وجهة نظره!

زفر أنفاسه وجذبها إلى أحضانه بعنف وهو يقول بحزم ؛: بتستهبلي يا دارين، موتيني من القلق وفي الآخر تقوليلي مطلعتش حامل!
لكمته دارين في صدره بقبضتها الصغيرة وهي تقول بعتاب من بين بكاؤها: وده مش سبب كافي يخليني أبكي ولا أنت مش عاوز تبقي أب؟!

مسح على شعرها بهدوء ثم رفع وجهها إليه ليطبع قبلة هادئة على جبينها، ثم قال هامسًا: يا حبيبي عاوز طبعا بس انا مستغرب بتبكي ليه إحنا مكملناش تلات شهور يعني لو محملتيش الشهر ده هتحملي الشهر الجاي أو الي بعده، هو أنا يعني مسافر لا سمح الله ولا حاجة!
أنهي جملته ليضحك عاليًا بينما هي إنهالت عليه باللكمات المتتالية في صدره وهي تهتف بغيظ: يارخم، يا قليل الأدب، مخصماك!

ظل يضحك وهو يضمها إليه بشدة حتى سكنت بين ذراعيه وتكلم هو بجدية بعد أن هدأ من نوبة الضحك: متخافيش يا دودو ربنا كريم وهيرزقك يا حبيبي بلاش الدراما دي مش لايقة عليكي يا مجنونة!
حركت دارين رأسها نافية وقالت بمشاكسة: إشمعنا أروى ما هي حامل أهون إشمعني أنا؟
- أهون ده الي هو إزاي معلش؟

ضحكت دارين أخيرًا وقالت: هو كده يا رخم يا زيزو!، ثم تابعت بجدية تامة وهي تُشير له بسبابتها: تعلالي هنا، صليت العصر ولا لسة؟!
حملق زياد بها ثم قال بخفوت: لسه بصراحة يا دودو، هقوم أهو أصلي.

أمسكت طرف آذنه وقالت بحزم: بص بقا لو أخرت الصلاة تاني هخاصمك إسبوع، هتقولي ما هو يادارين عندي شغل هقولك الشغل مش أهم من الصلاة ماشي؟، عشان ربنا قال فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون{الماعون: 45}، يعني خليك كده ساهي عن الصلاة وغير مبالي بيها يا ويلك يا زياد من ربنا يا ويلك
إتسعت عينا زياد وقال بمرح: دخلتيني النار وإرتاحتي يا دارين؟
دارين بجدية: متهزرش يا زياد أنا بكلمك جد دلوقتي!

إبتسم لها وراح يُقبل جبينها بهدوء ثم قال متنهدا: حاضر يا دودو اوعدك أخر مرة، ربنا يسامحني هصلي في وقت الصلاة على طول إن شاء الله...
إبتسمت دارين وهي تقول بسعادة: أيوة كده برافو عليك يا حبيبي
عانقها زياد بقوة قائلًا بحب: متجوز جوهرة يا ناس! يخربيت جمالك...

في المساء..
في محافظة القاهرة تحديدًا بفيلا مصطفي كارم وأخيه الأكبر محمد كارم..
دلف بسيارته بعد أن فُتحت البوابة الحديدية ليصفها ويترجل منها بوقار فكان طويل القامة ذو هيبة محتفظا بروحا شبابية رغم سنه الذي قارب على الستون! وشعره الاشيب يعطيه وقارا خاص..
دلف بعد أن أخذ العامل منه حقيبته ليجلس على أحد المقاعد بإرهاق، بينما أقبل عليه أخيه محمد قائلًا بإبتسامة: حمدلله على السلامة يا مصطفي.

بادله مصطفي الإبتسامة مرددا: الله يسلمك يا محمد، سليم ونبيلة مش ناويين يرجعوا ولا إيه؟
أجابه محمد بهدوء: لما سليم ياخد أجازة هيرجعوا على طول
أومأ مصطفي برأسه قائلًا بتنهيدة: على خير، البيت من غيرهم ملوش طعم بصراحة، سليم ده إبني الي مخلفتوش هو الي هون عليا إختفاء بناتي!
رد محمد بإبتسامة: ربنا يباركلك ويعوضك خير يا مصطفي.

تفاجئ مصطفي بهاتفه يصدر رنين ليجيب عليه قائلًا وهو يضحك بتعجب: جبنا في سيرة القط جه ينط! لسه بنجيب في سيرتك يا سليم باشا!
رد سليم ضاحكا: ياتري بالخير ولا بتقطعوا في فروتي يا عمي؟
أجابه مصطفي بجدية: بالخير طبعا يا حضرت الرائد عيب عليك!
تنهد سليم ثم قال بثبات: عمي أنا عاوزك تيجي إسكندرية بكرة بأي طريقة عاوزك في موضوع مهم ومستعجل جدا!
مصطفي بقلق: ليه يابني في إيه؟

سليم بنفي: مينفعش أقولك في التلفون أرجوك يا عمي تيجي بكرة مسألة مهمة ولازم تيجي ماشي؟
تزايد القلق في قلب مصطفي الذي قال: أنت قلقتني جدا طب فهمني حد إتعرضلك ولا إتخانقت ولا فيك ايه، طب أمك كويسة يا بني!؟
سليم بإطمئنان: كله تمام يا عمي والله أنا عاوزك في موضوع تاني هستناك بكرة إتفقنا يا دوك؟
تنهد مصطفي وقال بنفاذ صبر: آمرك يا سليم بيه أما نشوف أخرتها معاك إيه!

قال سليم ضاحكا: تمام، يلا تصبح على خير وسلملي على بابا، أنهي جملته ليغلق الخط ويتعجب مصطفي بشدة فماذا يريد يا تري؟!

صباح يوم جديد يحمل في طياته مفاجآت كثيرة..
بالفعل ذهب مصطفي من الصباح الباكر إلى الأسكندرية بصحبة شقيقه محمد، حتى وصلا ليستقبلهما سليم مرحبا بهما بإبتسامة واسعة، فأردف مصطفي بتساؤل جادي: إنطق في إيه يا سليم؟!
قال سليم بتفهم: إدخل يا عمي طيب، إدخل يا بابا!

بالفعل دلفا الأخان ولم يكف مصطفي عن الكلام وهو يتساءل ما الذي يحدث، ليتوجهوا جميعا إلى الردهة ويجلسوا ويقول سليم بجدية: في حد مهم جدا لازم تشوفه يا عمي بس إمسك أعصابك!
صمت مصطفي بإستغراب ليهتف سليم بمرح: سهيلة تعالي!
تعجب مصطفي بشدة إنها على إسم صغيرته التي إختفت منذ عشرون عاما فمن تلك التي تسمي سهيلة!
خرجت سهيلة بخطوات متمهلة وجسدها يرتجف بشدة، بينما قال سليم بهدوء: قربي يا سهيلة.

إقتربت سهيلة وهي تبتلع ريقها وأخيرًا رفعت رأسها لتتشابك عينيها مع عيني مصطفي الذي إنتفض قلبه وكأنه تحرك من مكانه، ليهب واقفًا بصدمة جلية وعقله يحدثه بذهول: أهذه زوجتي الراحلة ولا من ياتري! إنها صورة منها ما الذي يحدث؟
إزدرد ريقه بصعوبة بالغة وهو يُطالعا بذهولٍ تام بينما تساقطت العبرات من عينا سهيلة بدون وعيٍ منها!
نهض سليم قائلًا بتوضيح: دي سهيلة بنتك يا عمي! سهيلة الي اختفت من عشرين سنة هي وأختي!

إزدادت عينيه إتساعا وقد فغر فاه بصدمة جلية، من، من، إبنتي!
كذلك إنصدم محمد الذي نظر إلى سهيلة بذهول بعينان متسعتانِ!
ليستكمل سليم بهدوء: صدفة غريبة بس دي حقيقة ودي بنتك يا عمي، بناتك لسه عايشين وعلي قيد الحياه يا عمي لسه فيهم نفس وعايشين!
إشتبكت عينيه بعينيها مرة ثانية يا إلهي إنها عينان إبنتي الصغيرة سهيلة، إنها صورة تبك الأصل من زوجتي!

إندفع نحوها بحركة واحدة رافعا كفوفه ليحتضن وجهها بينهما وقد ترقرقت العبرات في عينيه وهو يتفوه بعدم تصديق: بنتي، بنتي! س سهيلة، لا، أنتي عايشة
شعرت سهيلة بإحساس غريب جدا عندما لمست يديه وجهها لم تفسره لكنه إحساس رائع مطمئنا جدا!، إرتجفت وبشدة أثر لمسته وإزدادت بكاءًا فوق بكاؤها، أبي، هل أنت أبي؟!

عانقها بقوة آلام سنوات تعذب بل ورأي العذاب ألوانًا لقد تمزق قلبه وجعا أثر غيابهما عنه، شعرت سهيلة أنها تعتصر بين ذراعيه وهو يهتف بإشتياق: بنتي، حبيبتي، لا أنتي عايشة على وش الدنيا!
إختلطت الدموع لقد تأثر الجميع بذلك الموقف الحزين، لحظة لم يتخيلها ولا خطرت على بال أحدهم!

إستمر العناق لحظات طويلة إلى أن إبتعدت عنها مقبلا كُل إنش في وجهها ليعود ضاما إياها إلى صدره مرة ثانية وهو يردد: بنتي، ألف حمد، ألف حمد وشكر ليك يارب ألف حمد وشكر ليك يارب
عاد يبعدها عنه سنتي وهو يقول بحنان: أنا أبوكي، أبوكي يا سهيلة!
- ب بابا قالتها بنحيب لترتمي في أحضانه باكية بمرارة، ليربت على ظهرها وهو يضمها أكثر: قلب أبوكي يابنتي قلب أبوكي يالله مش مصدق! إزاي لقيتها يا سليم؟!

مسح سليم دمعة حارة أفلتت من عينه ليجيبه بثبات: موضوع يطول شرحه ركز أنت مع بنتك وبعدين نتكلم!
سأل مصطفي بقلق: فين أختك، أروى فين، مش معاكي ايه؟!
أجابه سليم بإبتسامة: هي لسه متعرفش أي حاجه بس هي كويسة ومتجوزة وعايشة هنا في إسكندرية!
مصطفي بذهول: متجوزة!، طب أنا عاوزها، عاوزها يا سليم أرجوك هاتهالي!
أزمأ سليم: حاضر يا عمي بس إنت إستريح وإقعد مع سهيلة شوية..

جذبها مصطفي معه إلى أن جلسا على الأريكة وهو يمسح على شعرها ويقبل رأسها بحنان بالغ، حتى أنه قبل يدها بلهفة ثم قال وهو يتأملها: ياخبر شبه أمك أوي أنا إتخضيت قولت مراتي رجعت تاني للحياة ولا إيه!
ضحك الجميع بمرح ليعود يسألها بجدية: ياتري كنتوا فين يابنتي السنين دي كلها إحكيلي يا حبيبتي عاوز أسمع صوتك..!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة