قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية حب في الزمن البائد للكاتبة سارة ح ش الفصل السادس عشر

رواية حب في الزمن البائد للكاتبة سارة ح ش الفصل السادس عشر

رواية حب في الزمن البائد للكاتبة سارة ح ش الفصل السادس عشر

نصف سعادة
(لوجين)
ظاهرياً يبدو ان منزلنا مستعد لتجهيز عقد قران عروس واحدة. ولكن سرياً كنا إثنتين، حتى وأن كان سراً، حتى وأن كان من أجل تهريبي فقط. مجرد التفكير بأني ورسلان سنرتبط سبب كافي كي اكون اكثر المخلوقات سعادة على وجه الارض!

امتلأ المنزل بهالة من الغبار بسبب تنظيفنا إستعداداً لقران اليوم واحتفال الغد، وبالطبع رنا المحظوظة لم تشارك بهذه التنظيفات لأن رئتيها لا تتحمل الغبار واعتكفت في غرفتي بينما انا بأسوأ حال. حسناً لنكن اكثر دقة، لقد كنت بحالة مزرية تماماً!
- لوجين الباب يُطرق!
صرخت بها امي من المطبخ لأترك المكنسة من يدي واتجه اليه وانا ادعك انفي المحمر من كثرة العطاس بسبب هذا الغبار اللعين!

اطلقت عطستين متتاليتن وانا افتح الباب فلم ادرك حتى من كان يقابلني
- يرحمكِ الله!
اجل. كان هو! توقفت فوراً عن الحركة وعن فعل اي شيء اخر، هل اغلق الباب بوجهه واهرب؟ لا، احتمال وارد جداً ان يقوم بقتلي، هل ابقى في مكاني ليمعن النظر بهيئتي الرثة؟ إذاً احتمال وارد جداً أن لا يحضر الى عقد القران الليلة!

انزلت ثوبي فوراً الذي كنت ارفعه قليلاً لأربطه على خصري كي لا يعيق تحركي وضربت يداي ببعضهما كي ابعد التراب عنهما وبقيت كالبلهاء امسح ثوبي من الاوساخ العالقة به، فقال فوراً يسخر من وضعي: - نسيتي ان تبعدي هذا الشيء المقزز الذي على شعركِ!

رفعت يدي بكل بلاهة لأزيل ذلك الشيء المقزز عن رأسي فاكتشفت أنه يقصد قطعة القماش تلك التي ألّفها على شعري كي أحميه من الغبار. حسناً لنكن صريحين. أنا بالفعل أبدو بأسوأ حال!
قال بابتسامة لم اعهدها على وجهه كثيراً معي:
- ما الذي تفعلونه؟!
بادلته ابتسامة اكثر خجلاً:
- نحن نقوم بتنظيف المنزل. كما تعلم من أجل حفل الخطوبة وعقد القران!
مد لي مجموعة أكياس بيده وقال وعيناه لا تزال تتعانق مع عيناي:.

- أرسل لكم العم عادل هذه الاشياء. قال أن الخالة سهير طلبتهم.
أنحنيت قليلاً لأسحب الأكياس فسمعت همسته الدافئة تلك:
- وكأن بيني وبين الغد الف عام!

أن أردنا أطلاق لقب أكثر الفتيات بلاهة في المنطقة فسأنال اللقب بكل جدارة. فها أنا ذا أرفع رأسي اليه بأكثر عيون مشرقة وابتسامة عريضة من الممكن أن تشاهدوها في حياتكم، أين خجلكِ ايتها الحمقاء؟ ألا يفترض أن أطرق رأسي وابتسم بحياء؟ لا بد أن منظري كان سخيف حقاً فرسلان قد أطلق ضحكة قصيرة صامتة قبل أن يستدير ويرحل. أنا بالفعل بدأت اشك أنه سيهرب ولن يحضر الحفلة!

دخلت راكضة نحو المنزل ورميت الأكياس في المطبخ وصعدت من فوري نحو رنا غير آبهة بناداءات أمي الساخطة خلفي تدعوا الله أن يشفيني من جنوني هذا!
فتحت الباب بقوة ففزعت رنا وضربتني من فورها بالوسادة وقالت: - ستصيبيني بجلطة قبل خطوبتي بيوم حسبي الله عليكِ!
أمسكت الوسادة وعانقتها بين يداي وبدأت بالدوران حول نفسي وأنا أغمض عيناي لأحلق فوق غيومي الوهمية بين ما أقول: - أنا اعشقه اعشقه يا رنا!

- لك الحمد يا إلهي عمّا ابتليتنا به.
ثم أردفت:
- أخبريني فقط ما الجديد بهذا الامر الذي دفعكِ للصعود بهذا الشكل المجنون الي؟! منذ أن خلقكِ الله وأنتِ تحبين رسلان!
أرتميت بجانبها على السرير وتنهدت بهُيام بينما عيناي الحالمة تحدق بالسقف وقلت:
- أن أحبه شيء. وأن يوضح أنه يحبني شيء أخر!
قفزت رنا لتجلس على ركبتيها وهي تقول بحماس:
- قال أنه يحبكِ؟!

- حين تحدثنا عن موعد حفلة الغد قال لي وكأن بيني وبين الغد الف عام
- يا عيني على هيثم يوسف!
ضحكنا بقوة ونهضت لأجاورها وأنا أقول:
- أتراه يحبني حقاً يا رنا كما احبه أنا؟
ثم قلت مع اختفاء الابتسامة نسبياً من شفتاي وبروز خيبتي التي تحاول كتمها خلف شمس تفائلي:
- أم إنه يفعل ذلك فقط ليساعدني كأخته؟ أو ربما يفعل ذلك من أجل أبي وأمي!
قالت رنا بينما تضربني على جانب رأسي:.

- لا تكوني حمقاء. لا يوجد رجل على الاطلاق يعرض حياته للخطر من أجل أي امرأة ما لم يكن يحبها. هذا مستحيل!
- أخشى أن يفعل ذلك بحكم الشهامة يا رنا!
- الشهامة تتداعى أمام جيش صدام يا لوجين. لا بطولة ولا شهامة بإمكانها أن تصمد أمامهم ولن يجازف أي أحد بالتورط معهم. لو لم يكن رسلان يحبكِ ويرفض رؤيتكِ مع كامل فمن المستحيل أن يُقدم على خطوة خطيرة كهذه!
حينها قلت والرعب بدأ يتفاقم بداخلي:.

- ماذا إن عرف كامل؟ ما الذي سيفعله برسلان؟!
- ليس اسوأ مما سيفعله بكِ!
- أنا أستحق فكل ما يحصل بسببي. ولكن ما ذنب رسلان!
- هذه ضريبة الحب!
- أنا جادة يا رنا
- وأنا كذلك. أتظنين الحب أمر سهل؟ أنه يدفعنا لأرتكاب الحماقات فقط وارداء نفسنا في الهاوية من غير أن نبالي!
أحسست ببعض الألم بنبرتها فأحطت يدها بين يداي وقلت:
- عزيزتي؟ هل أنتِ بخير؟!
اطلقت حسرة موجوعة آلمت لي قلبي وانا اسمعها فقلت فوراً:.

- ماذا هناك يا عزيزتي؟ ألم تتمني أن ترتبطي بيزن وها هي أمنيتكِ تتحقق؟ ما الذي حصل الأن؟
قالت بغصة:
- يا لوجين ظننت أنتا سنستقل بحياتنا وكنت سأرضى بأي وضع مادي مهما كان سيئاً المهم أن أكون معه. لم اتوقع أن العم عادل اتفق مع السيد خليل بأننا سنستقر لديهم، يا لوجين أنا سأبقى طوال حياتي بالنسبة لهم أبنة الخادمة التي فرضها ابنهم عليهم ولن يحترموها أبداً أو يعاملوها بالحسنى!

مسحت جانب خدها برفق وانا أقول بحسم:
- لن يجرأ احد على أذيتكِ. أبي لن يسمح لهم والعم خليل يحترم أبي كثيراً
- لا اعلم حقاً هل ارتباطنا صائب أم لا. نعم أنا احبه كثيراً. ولكن هل سيستمر حبنا وسط المشاكل؟!
- صدقيني ستتخطون كل شيء لا تشغلي بالكِ غاليتي. كل ما تخافين منه صدقيني ستكتشفين لاحقاً إنه لا وجود له!
صمتت رنا على مضض. أنا أدرك أنها لم تقتنع ولكن حاولت أقناع نفسها بإي طريقة كانت!

نزلت لأكمل اعمال المنزل ومن ثم اعمالي الشخصية من تهيئة نفسي لحفلة الغد وغيرها. ولكن مهما اوهمت نفسي بكل هذه الاكاذيب والتفاؤل المزيف الذي املأ به تفكيري، أنا ادرك جيداً ان سعادتي غير مكتملة. ولن تكتمل!
ربما هذه هي بالفعل ضريبة الحب كما وصفتها رنا. لا شيء في هذه الحياة مثالي. مهما بدت لنا الاشياء مثالية فنحن لا نعرف التضحيات التي قدمها الناس من اجل الحصول عليها!

حلّ المساء وطُرق باب منزلنا. وطرق قلبي بنبضاته وبعثرها، اهتزت اوصالي وتبعثرت. انه هو!
سمعت صوت ابي يحيهم ويرحب بهم ليجلسوا في الصالة، العم ايمن ويزن ورسلان. فقط هؤلاء الثلاثة. فحتى اسرة يزن تظن ان عقد القران غداً ولا احد غير هؤلاء الثلاثة يدرك انه الليلة.
اخذت الخالة سعاد العصير لتقدمه لهم وانا ورنا نجلس في بداية السلم نضحك تارة بخفوت وننصت تارة اخرى الى حديثهم. وفجأة لمحته!

كان قد نهض ليغسل قميصه الابيض الذي تلوث ببضع قطرات من العصير. كان مشغول بالنظر اليه والتأفأف فلم ينتبه لي وانا اجلس على السلم واراقبه كبلهاء عاشقة!
- خذي هذه المنشفة لرسلان.
مدت امي المنشفة امام وجهي الحالم لتتركها فور امساكي لها وعادت نحو الصالة لتشاركهم جلوسهم. نظرت نحو رنا لتغمز لي فوراً وتقول:
- فقط حاولي ان تتذكري انكما لم تعقدا القران بعد.
ضربتها على كتفها وانا اقول:
- كفى افكاراً منحطة.

فقالت مدعية البراءة:
- كنت اقصد ان تحلا مشكلة القميص فليس من المعقول ان يجلس امام الشيخ بقميص ملوث. اين ذهب تفكيركِ أنتِ؟!
حاولت ان اكتم ضحكتي بصعوبة وانا اعيد ضربي لها من جديد واقول:
- فقط اغلقي فمكِ ودعي ليلتكِ تمّر على خير بدل ان أرسلكِ باجزاء مفقدوة ليزن!
وقمت من فوري قبل ان اسمع تعليق اخر منها يجعلني انفجر بالضحك. واجل انا هذا النوع من الناس الذي يستمر بالضحك على النكتة لمدة نصف ساعة تقريباً!

لننسى رنا، لننسى العالم بأجمعه. لأنشغل فقط بالحاجبين المقطوبين والانفاس الساخطة. كيف لساذجة مثلي ان تحب مثالي بهذه الطريقة؟!
ما الذي يجذبني اليه بهذا الشكل؟ أليس من المفترض ان احب مجنون مثلي؟! فكيف ادمن هذا العاقل الرصين؟ ألا يناسبني اكثر كثير المزاح والضحك؟! فما الذي دفعني لأعشق هذا العصبي الجاد؟ هل الحب غريب الاطوار كما يُقال حقاً؟!
- تفضل!

قلتها بصوت مرتبك وانا امد المنشفة الصغيرة له لينظر إلى ويفرج حاجبيه فوراً، سأدفع حياتي كثمن زهيد فقط مقابل ان اسمع صوت نبضاته التي بعثرتها. فقط لأطمئن انه يدمنني بنفس الطريقة!
تبسم بلطف وهو يأخذ المنشفة من يدي وبلل طرفها بالماء وبدأ بمسح القميص فقلت في محاولة مني لأكون ظريفة واسخر منه:
- لا بد ان الخطأ بكوب عصيرنا، لا بد انه كان مكسور!
نظر إلى وهو يضيق عيناه قائلاً:
- لقد كان مكسور بالفعل يا ظريفة!

ابداً لا تفكروا بأحضار مرآة لأرى وجهي. انا ادرك جيداً انه تحول للبنفجسي وليس الاحمر فقط!
حاول كتم ابتسامته بصعوبة وهو يعود لمسح القميص فقلت فوراً بأمتعاض:
- بالمناسبة بأمكانك ان تضحك. كل البشر العاديين يضحكون ولا مشكلة. لا داعي لأن تكتمها بهذا الشكل!
نظر إلى وهو يرفع حاجبيه بينما يقول:
- حاولت ان اكون مؤدباً دون ان اضحك واحرجكِ.

حسناً. يكفي الى هنا. سأرحل قبل ان ينتهي من غسل قميصه ويستدير راحلاً عن المنزل ومن ثم يهاجر وحده هرباً مني. ولا استبعد ان يقدم هو شكوى اخرى لكامل ليسجنني ويخلص هذا العالم البريء من امثالي!
حسناً في الحقيقة لم ارحل. حاولت ولكن فشلت، بقيت اراقبه من غير ملل ابداً. انا حقاً لا اضجر من ذلك.
انتهى من مسح قميصه فقدم لي المنشفة لأقول فوراً وكأني كنت انتظر انتهائه بلهفة:
- رسلان؟!

همهم كأجابة لأكمل بشيء من التردد بينما اعبث بطرفة المنشفة بتوتر:
- لا. لاتزال امامك الفرصة.
قطب حاحبيه بعدم فهم لأكمل وانا اشعر بغصة مؤلمة على حنجرتي:
- أعني، لن يلومك احد ان لم ترتبط بي. لست مضطر لخوض هذه المجازفة والزواج بي. انا من اخطأت وانا من سأتحمل خطأي. ليس عليك أن.
- أنه عذر!

قاطعني بابتسامة لأنظر له بعدم استيعاب. اقترب خطوة مني ورفع يده امام وجهي وكأنه يريد لمسه. ولكنه لم يفعل. توسعت ابتسامته اكثر وارتسمت لمعة الحب في عينيه وهو يطلق حسرة ويقول:
- الهرب وكامل وكل شيء، مجرد عذر لأبرر سبب زواجي بكِ. لأخفي حبي لكِ. لأكف عن الهرب منكِ. أن اجد سبب ابرر به لنفسي لِما احضرتكِ الى عالمي وحرمتكِ من عالمكِ. سبب يستحق!

توسعت ابتسامته اكثر ولانت نبرته اكثر وهامت عيناه بي عشقاً اكثر واكثر وهو يكمل:
- ستكونين لي في النهاية دون ان ابعدكِ عني كي لا اشعر بتأنيب الضمير من اني ظلمتكِ بحبي وجعلكِ تقبلين العيش بطبقتي. دون ان اخاف تقريبكِ مني فيجعلكِ فارق المعيشة تتركيني...
ارتجفت شفتاي من غير ارادة مني وانا اذرف بضع دمعات سعادة وخيبة بالوقت ذاته بينما اقول بصوت مهزوز من غير تفكير:
- أيها الغبي الاحمق.

ثم تحولت دمعاتي الى البؤس والالم وانا اكمل:
- كل هذه السنين تعذبني وتبعدني عنك بسبب هذا التفكير السخيف؟!
كاد صوته ان يهمس معتذراً فقلت فوراً مقاطعة حديثه:
- أتعلم كم سببت لي من الم؟ هل كنت تظن ان المال والرفاهية اغلى من حبي لك؟ هل كنت تراني بهذه السطحية والسذاجة؟! أتعلم كم ليلة قضيتها ساهرة ابكيك؟! او كم مرة حاولت ان افسر لما تجافيني بهذا الشكل الى ان ينهكني التفكير؟
نقرت باصبعي بقوة على صدره وقلت:.

- أنت حقاً بليد المشاعر وعديم الاحساس وخالي من اي حب و.
قاطعني وهو يضمني الى صدره بقوة بينما يغرس انفاسه بين خصلات شعري ويقول:
- لنؤجل شجارنا لِما بعد عقد القران. دعينا لا نكون غريبي الاطوار لهذا الحد.
تبسمت وانا اخبئ وجهي فوق صدره وقلت:
- انا اكرهك.
شعرت بابتسامه من غير ان اراها، فهو يدرك جيداً إني اكذب.

انا احصل عليها. اقترب منها. اكاد المسها، اشعرها، اعيشها، سعادتي المؤجلة إلى إشعار اخر منذ سنين طويلة!
توسطنا الشيخ ما بيني وما بينه وبدأ يتلو علينا ما يجب ان نردده من بعده. لأكون من اليوم مسماة بأسمه وحده.

تم عقد قراننا بعد يزن ورنا في غرفة امي وابي. بعيداً حتى عن الصالة التي خشينا ان ينساب صوتنا منها الى الشارع أو حتى الى الجيران. خشينا ان تكون صورة صدام التي تتوسط الصالة تراقبنا من خلال عيونه المبحلقة بنا فترانا فعلاً. سذاجة عقولنا انذاك وخوفنا جعلنا نصدق ان صدام بالفعل سيسمعنا ان همسنا فيما بيننا من خلال اجهزة التنصت التي يضعها في المنازل. نعم هذا ما كنا نؤمن به. صدق او لا تصدق ولكنه كان شبه آله في العراق. قد نعصي الله احياناً كثيرة. ولكننا لن نجرؤ على عصيان صدام. فالله سيغفر. وصدام لن يفعل!

تم ختم مراسيم العقد بأسرع ما يكون وشكر ابي الشيخ كثيراً ووهبه اكثر من المبلغ المطلوب وهو يؤكد عليه ضرورة حفظ سر عقد قراني وان ما جاء من اجله هو عقد قران رنا ويزن ووعده الشيخ أنه لن يبوح بشيء وانه يخاف الله فينا ولن يسرب معلومات تؤذينا، اطمئننت يومها وان ارى الشيخ يؤكد على ابي حفظ السر ويقسم بالله اكثر من مرة انه لن يبوح. نسيت إني انا التي ادرك اكثر من اي احد اخر انه مع صدام وجنوده سنسى الله!

فور خروج الشيخ نظر يزن نحو الخالة سعاد وهو يقول بابتسامة:
- أذاً شرعاً اصبحت رنا ملكي. أليس كذلك خالة سعاد؟
كتمت ابتسامتها وهي تدرك لما يرمي وقالت:
- اختصر يا يزن. ما الذي تريده؟
- مجرد ساعتين. سنخرج لنتعشى سوياً ونعود.
نظرت رنا بعيون مترقبة نحو امها وانا المح التمني بين نظراتها فنظرت الخالة سعاد بدورها نحو ابي تستشيره بصمت فرد ابي فوراً:
- لا ضرر من ذلك. دعيهما يستمتعان بوقتهما.

ربما موافقة ابي على هذا الطلب كان كتعويض لهما على افساد حفلة خطوبتهما في الغد، الغد!
وكأني الان فقط ادركت حجم المخاطر التي تنتظرنا في الغد ومصيرنا الذي سيكون على شفى حفرة من الموت!

انقبضت معدتي بقوة وشحب وجهي وانا اتخيل ما نحن بصدد مواجهته في الغد. حركت بصري من غير قصد نحو رسلان فوجدته يحدق بي بعيون متأسفة. ليس لأنه يفكر بالغد مثلي ولكني متأكدة انه متأسي لحالي كونه لا يمكنه ان يعرض على ما عرضه يزن على رنا. فزواجنا الذي يبدو كالخطيئة عليه ان يبقى سر!
اطرق رأسه ما ان التقت نظراتنا وودعنا بهدوء وخرج بعد ان منح التهنئة لرنا ويزن.

لحظات ومنحت الخالة سعاد موافقتها على خروج يزن ورنا فاعتلت ابتسامة فرحة وجه رنا المحها لأول مرة بهذا القدر تحتلها وصعدت بسرعة نحو الاعلى تحضر نفسها.

شعور غريب احتلني جعلني ابقى جالسة في الصالة من غير ان الحقها. انا سعيدة، بل وسعيدة جداً من اجلها. ولكن. شيء بداخلي يتمنى لو اني احصل على ما حصلت عليه دون ان اكون محرومة منه، ليس هذا ما جعل قلبي ينقبض، بل كانت هذه هي المرة الاولى التي تمتلك رنا شيء لم املكه انا. بينما قضينا سنين كانت الامور معاكسة. نعم امي وابي يحباها كثيراً ويدللاها ويمنحاها ما يمنحاني اياه. ولكن الامر ليس كافي. طوال هذه السنين كانت رنا تعيش فقط على ما يمنحاه امي وابي لها دون ان تبوح بما تتمنى هي فعلاً وما ترغب بالحصول عليه. شعور آلمني حقاً وانا اشعر بها للمرة الاولى بهذا العمق. كنت اشعر بها ولكن كنت ارى اننا نمنحها كل شيء. ولكن اليوم ادركت أننا ربما لم نمنحها ما تتمنى.

- لوجين؟!
سحبني من عالمي السري صوت رنا العطوف ولمستها على كتفي. تبسمت فوراً وانا انهض من مكاني وقلت لها مع غمزة ماكرة:
- هل هذا الجمال كله ليزن؟!
رتبت شعرها بشكل مسرحي وهي تقول بغرور مصطنع:
- اي يزن هذا يا ابنتي؟ انا جميلة منذ خلقني ربي!
عانقتها بقوة وانا اطلق حسرة واقول:
- كيف يمكنك أن تكوني هكذا؟ رغم كل ما مررتِ به ولكنكِ كنتِ تضحكين بأسوأ الظروف. اتمنى حقاً ان اصبح مثلكِ.

رفعت يديها بهدوء وضمتني اليها وانا الاحظ تغير نبرتها الى العمق:
- لا يضحك احدهم كثيراً ألا بعد ان يموت كل شيء بداخله يا لوجين. لذلك يُضحك الناس من حوله في محاولة منه لتزييف قوته أو لمنحهم ما يفقده هو. يمنحهم تلك السعادة المؤقتة بالضحك فيراقبها ويتحسر! لذلك لا تكوني مثلي. لا تقتلي كل شيء بداخلكِ!
نظرت لها وانا اكوب وجهها بين يدي واقول:.

- مهما سيحصل غداً فأريدكِ ان تعرفي إني احبكِ كثيراً جداً. أنتِ مثل الهبة التي منحها الله لي يا رنا اقسم لكِ. استطيع تخيل حياتي من دون الجميع. ولكني لن اتخيلها من دونكِ. كنتِ مصدر أملي وتفاؤلي في اسوأ واصعب ايامي. وانا سعيدة حقاً من اجلكِ.
ضربتني باصبعها على جبيني وهي تقول:
- لا تتقمصي دون فاتن حمامة اكثر من اللازم. لن يحصل شيء غداً وستهربين انتِ ورشدي اباضة، اااا قصدي رسلان.

ضحكت وانا اضربها على كتفها واقول:
- أنتِ اكثر خلق الله حقارة
- ومنكم نتعلم!
عادت لتعانقني مرة اخرى وهي تقول:
- لا تقلقي حبيبتي. كلها ايام ستمضي ولن نتذكرها ألا نادراً. سعادتنا ستنسينا صدقيني!
ارخيت رأسي على كتفها وقلت بابتسامة شاحبة:
- وفي النهاية كلانا لم يتحقق حلمها ولم نكمل الطبية. لا أنتِ دخلتها ولا أنا اكملتها.
- ستكمليها السنة القادمة في دولة اخرى.

- بأي شيء؟ بأي شهادة او اموال؟ مجرد هاربة لاجئة بشكل غير قانوني. كيف سأكمل دراستي؟!
- أتعلمين ما اتمنى؟
- ماذا؟!
- أن يتركوني انا ونبراس في غرفة واحدة لمدة نصف ساعة فقط.
اغمضت عيناي بتألم وانا اتذكر ذلك اليوم المشؤوم، يا ليتني لم ارد على الهاتف. يا ليتني رفضت قدومها او رؤيتها، يا ليتني فقط!

ودعت بعد لحظات رنا ويزن وعدت لأجلس في الصالة بمفردي اضم ركبتاي الى صدري واحدق بشاشة التلفاز وهي تعرض فليماً ما. انه احد الافلام المصرية القديمة حيث لا بد ان ينتهي الفلم وعاشوا بسعادة الى الابد. ربما عليهم ان يتركوا تحذير في بداية افلام كهذه بأن هذا الفلم لا يمت للواقع بصلة ولن يتحقق لذلك لا تحلم كثيراً عزيزي المشاهد
- حبيبتي؟!

رفعت بصري فوجدتها امي. جاورتني على الاريكة وضمتني اليها وهي تحرك جسدها ذهاباً واياباً كطالبة مجدة تحفظ درسها. فادركت انها تبكي!
احطت خصرها بيداي واجهشت ببكاء بدوري. انا خائفة، خائفة اكثر من اي وقت مضى.

اشعر انها لحظاتي الاخيرة بينهم وربما اراهم بعدها وقد لا افعل. اشعر اني سأفقدهم وافقد رسلان، وان الجميع هنا يتحملون مسؤولية اخطائي انا. بل خطأي الوحيد، بل وزلة لسان لا تستحق ستتسبب بدمار عائلة ولن يهتم اي احد بذلك!
- امي انا خائفة.
ضمتني اليها اكثر وانا استشعر صوت صرختها المكتومة في صدرها وقالت لي بصوت مهزوز:.

- الله سيساعدنا. الله سينقذنا مما نحن فيها وهو الوحيد من سيرأف بحالنا. لذلك ضعي ثقتكِ بالله وكل شيء سيكون بخير.

في يومها حين قالت لي امي ذلك الكلام لم يغير الشيء الكثير بداخلي، الله؟ ألا يراني الله الان؟ ألا يستطيع ان يساعدني ببساطة وينجيني مما انا فيه؟ بل لماذا جعلني الله اتهور في يومها واقول ما اقول؟ أحقاً سيساعدني الله أم سيراقبني بصمته المعتاد؟، نعم انا ادرك انها سذاجة مني ان اقول ذلك ولم الاحظ الى اين انحدر تفكيري في يومها. ولكنها تلك المرحلة التي نصلها من اليأس التي تدفعنا لعدم الايمان بأي شيء، ببساطة حمّلت يومها اللوم على غيري، بل وحتى على الله، ولم اعترف لنفسي إني من حملته اللوم قد وهبني عقلاً ولم يجعلني دمية تسير حياتها وفقاً لقرارات موضوعة مسبقاً. هو ببساطة اعطانا الخيار. فلما بعد ان نختار ما نريده نحمله لوم تصرفاتنا الساذجة ونقول ان الله هو سبب بلائنا هذا؟ يا للضعف البشري وانانيته. كيف عسى الله ان يحبنا بعد كل هذه التصرفات ولم يبيدنا بذات ليلة من الليالي عن بكرة ابينا في لحظة غضبه منا؟

- ام لوجين؟
اخترقنا صوت الخالة سعاد والتي على ما يبدو انها تبكي ايضاً مسبقاً فرفعت امي بصرها اليها لتكمل:
- لقد حضّرت للوجين حقيبة سفر صغيرة وضعت لها بعض الملابس والحاجيات.
اومأت امي بصمت ثم اردفت:
- شكراً لكِ كثيراً. ما كنت سأتمكن من فعلها.
جلست الخالة سعاد بجانبي ومنحتني قبلة اعلى رأسي وهي تقول:
- ليحفظك الله وينجيكِ مما أنتِ فيه.

اغمضت عيناي ودعوته بيأس من الاجابة ان ينجيني فعلاً مما انا فيه. ليس لأني لا اثق به. ولكني ادرك انه على تحمل حماقتي وليس ان احرق نفسي واطلب منهم اطفائي. فالجميع سيخشى النار ولهيبها. هو فقط من لن يخشى ذلك. لذلك دعوته!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة