قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية حب في الزمن البائد للكاتبة سارة ح ش الفصل الحادي والعشرون

رواية حب في الزمن البائد للكاتبة سارة ح ش الفصل الحادي والعشرون

رواية حب في الزمن البائد للكاتبة سارة ح ش الفصل الحادي والعشرون

لحظات لا تُنسى
(رسلان)
أتعرف ما معنى أن يكون لديك امل؟ يعني أن تستيقظ كل يوم بلهفة لعله يكون اليوم المنشود الذي سيتحقق فيه حلمك.
يعني إنك ستصارع كل يوم أشباح بؤسك واكتئابك وستحقن نفسك بالتفاؤل وتفعم قلبك بالتمني فيكون لديك القدرة على عيش حياتك مهما كانت تعيسة أو صعبة، واملي كان عودتها فقط!

كنت - وبكل جنون - أبحث بعيناي بعيون الناس كلما خرجت من المنزل لعله في يوماً ما يقع عليها بالصدفة، ولكنها كانت كالرماد وسط عاصفة عاتية. لم أجد لها أي أثر!

حتى أسرة يزن كانت قد هاجرت قبل خروجي ولا يملك الجيران الكثير من المعلومات سوى أنهم في تركيا ولا يعرفون كيف يتواصلون معهم. ولا أعلم أن كانت لوجين معهم أو لا ولكن بالتأكيد يزن يزورهم. ويزن يعني رنا ورنا لوجين، ولكن لا فائدة. لليوم أنا أسأل وأتردد على منطقتهم كثيراً ولكن لا يوجد أي خبر عنهم!

خرجت من السجن بداية السقوط في 2003. تعرفت هناك ألى رجل طيب القلب كثيراً يدعى أيوب محكوم عليه بالسجن المؤبد بسبب انتمائه السياسي ضد حزب البعث. كان من المفترض أن يعدموه ولكن حتى هو كان يستغرب لِما لم يفعلوا ذلك؟ أدركت حين خرجنا من السجن ان الله قد حفظ حياته من أجل يوم قدومي. فبعد سقوط النظام وإعادة المفصولين السياسيين الى مناصبهم وحصولهم على ترقيات كان ايوب أول المستفيدين من ذلك حين عوضه الله عمّا أذاقه صدام له. وعوضني معه!

ساعدني من أجل العودة نحو جامعتي لأكمل دراستي. ولكن ومع الأسف مات بأزمة قلبية حين كنت في مرحلتي الثالثة. وكأنه أدى وظيفته التي أبقاه الله من اجلها. فلقد تغيرت حياتنا 180 درجة.

توظفت في مكتب هندسة محترم وتحسنت اوضاعنا أكثر. أحياناً نفكر أنا وأسرتي إني لو لم أذهب مع لوجين في يومها وأدخل السجن ما كانت حياتي ستتغير بهذا الشكل ولربما لا أزال الى الأن أقف خلف منضدة البقالة بالكاد أتمكن من جمع مصروف يومنا، بالفعل خلف كل بلاء نعمة!
رن هاتفي قريب وصولي الى المنزل فتبسمت وأنا أجدها رهف.
- أهلاً رهوف!

فوصلني صوتها وهي تحاول جعله عصبي وما شابه وأنا أتخيلها بالكاد تكتم ضحكتها: - ما هذا يا استاذ رسلان؟ من هذه الحسناء التي تواعدها سراً؟!
تبسمت وأنا أقول باستغراب: - أي حسناء؟!
- التي جاءت لتسأل عنك اليوم!
- أحقاً؟!
- اجل أجل أدّعي إنك لا تعرفها، هيا اعترف فوراً!
ضحكت على طريقة تحقيقها وقلت:
- بالله عليك! ِ وكأنكِ لا تعرفيني. ستجديها إحدى زبائن المكتب!

- رغم إنه لم يبدو لي ذلك ولكن سأدّعي إني اصدقك وأنتظر منك أن تعترف لي!
- ألم تخبركِ باسمها؟!
- لا في الحقيقة، وبالحديث عن هذا. كانت تبدو غريبة بعض الشيء. وكأنها سمعت خبر وفاة أحدهم قبل ان تطرق بابنا وفور أن عرفت إنك خارج المنزل تركتني وذهبت. وحين سألتها عن اسمها أن أتيت وأخبرتك فقالت أنه لا داعي وأن أبلغك سلامها فحسب!

قطبت حاجباي باستغراب أكثر وأنا أحاول التخمين من عساها ستكون. ولكن في الحقيقة لا أعرف الكثير من النساء في حياتي. ولا سيما نساء يعرفن عنوان منزلي!
جذبني من شرودي صوت رهف من جديد وهي تقول:
- إذاً هل عدت الى المنزل؟!
قلت بتنهد وأنا اطرد كل التفكير عن رأسي ولم أبالي كثيراً بأمرها:
- أنا في طريقي إليه.
- ستجد الغداء عندك في الثلاجة، متى ستعود الى هنا؟!

- كالعادة. حوالي الساعة الثامنة تقريباً. أتحتاجون أن أحضر معي شيء؟!
- سلامتك فقط!
- وأن لم أجدها. ماذا أحضر؟!
ضحكت وهي تقول:
- أي شيء عدا ظرافتك!
ضحكت على عبارتها وقلت لها:
- كيف حال رامز؟!
- جيد. نام لتوه
- قبليه من أجلي
- حسناً سأفعل، مع السلامة
- مع السلامة.
أغلقت الهاتف وشغلت من جديد الأغنية التي أطفأتها فور اتصال رهف وعدت لأغط معها بعالم اخر لا يحمل سوى عينيها وابتسامتها الطفولية!
ما اريد تشيل همي.

أو تجاريني بحنيني
بس أريد تحس بيا
تحس بيا!
مو حرام انا ما أفكر إلا بيك؟
قلبي مثل النار يا الغالي عليك!
وانت ما اقساك مو فارق معاك
مو فارق معاك!
من يقول الموت بس مرة ويفوت؟!
لو تحب تشوف كم مرة تموت؟!
وانت ما اقواك
مو فارق معاك!
بالفعل كل ما أريده هو أن تشعر بي. أن ترى كل تلك النار التي بداخلي مع كل يوم يمر وأنا بعيد عنها!

تنهدت بحسرة وأنا أشعر بالشيب ينبت بقلبي وليس بشعري مع كل هذه الهموم التي تنمو بي والمتمثلة بلوجين فقط التي قلبت لي كياني رأساً على عقب بحبها الذي خُلق بداخلي فور بدأ خلقها بهذه الحياة!

وصلت الى الكاظمية وركنت سيارتي بباب العم عادل من أجل ان استريح في فترة الظهيرة هنا. فمكان عملي قريب الى هنا وبعيد عن المنصور وفترة استراحتي هي ثلاث ساعات الظهر. لذلك وبدل الذهاب للمنصور واستغراق كل المسافة في الطريق آتي الى هنا من أجل أن استريح!

كانت الشوارع في هذا الوقت خالية. لم يعد الشباب كما الماضي لا يدخلون منازلهم ألا حين يحل الظلام بل كل واحد فينا أصبح ينهي عمله ويعود الى المنزل في الحال. فالاوضاع لم تعد آمنة كما السابق!

فتحت المنزل ودخلت لألقي جسدي بتعب فوق الاريكة في الصالة لأرتاح لدقائق قبل أن أقوم لتسخين الطعام والصعود من اجل أخذ القيلولة. فبالطبع لم أختار أي مكان عدا غرفتها لأقضي فيه وقتي. فلطالما كانت - وستبقى - مكان راحتي وطمأنينتي!
فتحت عيناي باستغراب وأنا أحدق من حولي. كل شيء كما هو ولكن لا أعلم لِما يختلجني الشعور إني لست وحدي في المنزل. وكأنه هناك من دخله.

نظرت نحو وسائد الاريكة التي كانت مرمية بأهمال ولم ترتب كما تركتها. أيعقل إني ارتكزت عليها أو ما شابه ونسيت تعديلها؟ ولكني متأكد إني من المستحيل أن أغير مكان شيء!
تنهدت بعدم اهتمام ونهضت عن الاريكة. لابد إني نسيت أمرها أو دخل العم أمجد ليطمئن على شيء ما في المنزل وجلس ليرتاح قليلاً. أحياناً كثيرة أصبح شديد الارتياب أكثر من اللازم!
نهضت نحو الحمام كي أستحم وأزيل التعب عن جسدي قبل الغداء.

وقفت قرابة العشر دقائق تحت المياه التي جعلت النشاط يدب في جسدي من جديد وتصحو كل الخلايا الضامرة به.
خرجت منه وأنا أرتدي سروالي القطني فقط بينما أجفف شعري بالمنشفة من ذرات المياه العالقة به!
وقفت أمام المرآة المعلقة أسفل السلم امام المغسلة. حيث أعطتني لوجين المنشفة ذات مرة حين أوقعت العصير على قميصي ليلة عقد قراننا. حين بحت لها بمشاعري لأول مرة بشكل علني!

فجأة اختفت ابتسامتي التي زرعتها الذكريات وتجعد وجهي باستياء كالعادة كلما رأيت أثار السياط التي بدأت تتلاشى نوعاً ما فوق صدري. أنها ذكريات أتمنى لو أقتلعها تماماً من عقلي وليس أزيلها فقط!
تنهدت بضيق وواصلت طريقي نحو الأعلى من أجل أحضار قميص لي فالجو هنا أصبح بارداً بعض الشيء بعد استحمامي وبالتأكيد سأمرض لو بقيت بالبنطال فقط!

صعدت بخطوات متثاقلة نحو غرفة لوجين وأنا أدخل طرف المنشفة داخل أذني لأجففها من الماء بينما أحني رأسي الجهة الاخرى.
دخلت الى الغرفة واتجهت الى الخزانة في الحال. كان تصميم باب الغرفة يفتح الى الداخل والسرير في طرف والخزانة في الطرف الاخر، لذلك الباب سيحجب رؤية السرير فور الدخول الى الغرفة. لذلك لم ألاحظ ما عليه وأنا أفتح الباب واتجه للخزانة مولياً اياه ظهري.

فتحت باب الخزانة فدفع صوت انفتاح الباب الكيان الممد فوق السرير أن يتقلب بانزعاج في فراشه!
نظرت بفزع خلفي بادئ الأمر الى أن امتزجت الصدمة مع فزعي...
من هذه؟ أنا أعرفها. أعرف هذا الوجه. هذه الملامح. أعرف خصلات الشعر هذه جيداً. ولكن من هي؟!
أنسابت المنشفة من بين يداي وأنا أحدق بها بذهول وعدم تصديق، أغمضت عيناي بقوة وعدت لفتحها. لم تختفي!

ليست إحدى اطيافها التي أشاهدها بكثرة والتي تختفي فور أبعاد بصري عنها أو أغماضه!
حاولت أن ان ازدرد ريقي ولكن فمي أصبح جاف فجأة. هذا مستحيل. ما يحصل هو محض خيال فقط!
كيف؟ ومتى؟ هل يعقل إني أصبت بالجنون؟ هل يعقل أن الزمن عاد نحو 1999 ولم تهاجر البلد بعد؟!
اقتربت خطواتي المرتجفة منها ومع كل خطوة اخطوها تثقل انفاسي وتضيق أكثر. أخشى أن أقترب أكثر فأجدها سراب. أخشى لمسها فتتلاشى!

ماذا لو كانت شبح؟ اجل من صدمتي تخاطرت هذه الفكرة الى عقلي فحركت أبصاري الجاحظة في كل مكان حولي من غير أن احرك رأسي من شدة صدمتي. حقيبة سفرها، حذائها، سترتها، الشبح لا يحضر معه أمتعة سفر حين يظهر لنا. وبالتأكيد الشبح ليس مهملاً مثلها ليبعثر اغراضه بهذا الشكل الفوضوي في الغرفة!

تهاوت قدماي عند سريرها فجلست على ركبتاي وأنا أدنو من وجهها الذي يغط بنوم عميق. تبسمت بارتجاف وفرحة. أنا أسمع صوت انفاسها وأشعر بهم فوق وجهي. هذه المرة الطيف بدا قريب من الحقيقي تماماً!

مددت يداي بخوف وتردد نحو وجهها وأنا أحدق بها بذات ملامحي المصدومة. حسناً ادرك إني كررت هذه الكلمة كثيراً ولكني بالفعل كنت مصدوماً أكثر مما فعلت بأي وقت اخر في حياتي، بعد تسع سنوات. اتعرفون ما معنى تسع سنوات؟ أعود لأجدها تغط بالنوم فوق سريري. حسناً عملياً هو سريرها ولكن ليس هذا هو المهم لا تركزوا كثيراً ببلاهتي حالياً!

لامست يداي بشرتها الناعمة فبدأت جفونها تطرف بخفة ورمشوها تهتز تعلن عن انفراج قريب، أيعقل ما يحصل؟!
فتحت عيناها وهي تحدق بي للحظات بعدم استيعاب بينما أنا أحدق بها بكل صد، حسناً لنغير الكلمة! تفاجئ ربما؟

فجأة نهضت بفزع وهي تشهق بعدم تصديق بينما تحدق بي بذات النظرات غير مستوعبة ما ترى، بينما أنا لم أستطع حتى النطق بحرف واحد وأنا أشعر بشيء حاد يقف وسط حنجرتي يمنعني من الكلام. ما أن وقعت عيناي داخل عيناها حتى عادت لي كل أيامي معها. شجارنا وحبنا. و سير الأوادم كيف يكون! عادت لي ذكرياتي معها بجدائلها الطويلة وفساتينها المجنونة. رغم ألم الحب. ولكن ما أجمله!

هل يا ترى هذا السائل الساخن الذي يبلل وجهي هو دموع كتلك التي تبلل وجهها؟ أنا لا أشعر بأي شيء ولا يمكنني التحكم بعقلي لأسيطر على جسدي وأقول أي شيء. أخشى أن أتحدث فأستيقظ من هذا الحلم. أخشى ضمها ألي فاكتشف أن كل ما بين يداي هي قطعة ملابس اخرى من ملابسها أنام وهي بأحضاني!
بعد خمس دقائق من هذا الصمت الذي يشبه الموت قلت بحروف متقطعة بينما يدي تمتد بتردد نحو وجهها:
- هل. هل أنتِ. حقيقة؟!

لامست اطراف أصابعي شفتيها وفكها. تراجعت يدي للحظات أخاف أن تختفي لو لمستها أكثر ولكني عدت للمس كافة انحاء وجهها من جديد بينما هي تنظر إلى بفك مرتجف تخفي خلفه صوت صرختها وبكائها.
ضحكت بجنون بينما دموعي تهطل وقلت لها:
- لوجين أنتِ حقيقة؟ ألستِ وهم؟!

ارتفع صوت بكائها وارتمت بين يداي لتضمني بقوة، انفتحت يداي بتلقائية لتستقبل جسدها ولكني لم أعدهم لأغلاقها حولها فوراً. كنت اشعر بيداها تلتفان بقوة من حول عنقي وهي تضمني اليها وتبكي بهستريا، ولكن الى الان أنا لم استوعب وأخاف أن افعل!

ترددت يداي للحظات ولكن شيئاً فشيئاً بدأت ألفها حول خصرها وأضمها ألي. شيئاً فشيئاً بدأت أستوعب أنها حقيقة وكلما فعلت كلما ضممتها ألي أكثر وأكثر للحظة شعرت إني لربما ساكسر عظامها من شدة احتضاني لها!
ضممتها بقوة ألي ولم أشعر بالاكتفاء. تكاد عظام قفصي الصدري أن تنفتح لأدخلها هناك وأبقيها الى الأبد حيث حبها يقبع ويعشعش منذ نعومة اظفاري!
سمعت صوتها الضعيف قريب من مسامعي وهي تهمس لي بندم:.

- أنا أسفة. أنا بالفعل أسفة. ولكني لم أجد أي منفذ للرجوع إليك مجدداً سوى الان أقسم لك!
قلت بصوتي المغلف بغصة بينما أحاول أن أبكي بسرية:
- لا يهم. كل هذا لا يهم. أنتِ بين يداي الان!
أبقت جسدها بين يداي ولكنها أبعدت رأسها قليلاً لتنظر نحو وجهي الذي تحوطه بين كفيها وتحرك أبهاميها بشوق فوق وجنتي وقالت بابتسامة امتزجت مع دموعها:
- لقد اشتقت لك كثيراً، كدت أن أموت طوال هذه السنين بعيداً عنك!

تبسمت وغرست أنفي في عنقها وأنا أملأ رئتاي برائحتها أحاول التشبع بها وقلت بهمس يملأه الشوق:
- كنت سأدفع كل عمري مقابل يوم واحد أقضيه بجواركِ!
تركنا في لحظتها كل عتابنا وكل الاسئلة التي ندفنها بقلوبنا منذ سنين وتناسينا كل أوجاعنا ولم نبالي بأي شيء في لحظتها سوى إننا مع بعض واخيراً. هي الان بين يداي ولا شيء ليبعدني عنها مجدداً. أي شيء أرغبه أكثر من ذلك؟ تناسيت الزمن والعالم بأجمعه. واكتفيت بها فقط!

كنا بعد ساعة من ذلك نقف في المطبخ بينما هي تعد لي طعام الغداء فور أن أدركت إني عدت من العمل ولم أتناوله بعد، وكأننا متزوجين منذ سنين!
كانت تقف أمام المغسلة تغسل بعض الخضروات بينما أنا اجلس على الكرسي خلف الطاولة الموجودة هناك أحدق بها بابتسامة وحب أخشى أن اغمض عيناي للحظة فتختفي من أمامي!
قلت بعد أن وجدتها تضع الخضروات في مصفاة:
- ستجدين الطعام في الثلاجة. يحتاج الى التسخين فقط!

توقف جسدها للحظات عن الحركة ثم التفتت إلى بملامح جامدة وقالت:
- من يعد لك هذا الطعام؟!
ركزت بعينيها للحظات وشعرت بشيء من القلق متمنياً أنها لم تعرف ذلك بعد. ليس من غيري على الاقل!
- بعضه أمي.
فسألتني بينما ترفع حاجبها بحدة:
- والبعض الاخر؟!
انفرجت شفتاي قليلاً ولكني سرعان ما عدت لأغلاقهما مجدداً متردداً في الافصاح، ولكنها فعلت!
- رهف!

قوست حاجباي بدهشة وعجزت عن الرد في لحظتها. أعني. ما الذي بإمكاني قوله في هذه اللحظة وفي هذا الموقف؟!
تنهدت بقلة حيلة بينما أحك مؤخرة رأسي وأقول بتعب:
- إذاً عرفتِ!
نظرت إلى بنظرة ذات معنى وكأنها توبخني:
- وهل كان من المفترض أن لا أعرف؟!
- لا. ليس هكذا. ولكن لم أكن أريد أن تعرفي الأمر من غيري!
- لا تقلق لم أعرفه من غريب. هي من اخبرتني!
سكتُ للحظات مفكراً ثم قلت:
- إذاً أنتِ من زارنا هذا الصباح؟!

تنهدت وقالت من بين انفاسها المطروحة:
- نعم فعلت.
- ولِما هربتِ؟ هل كنتِ تنوين أن ترحلي مجدداً عندما عرفتِ إني متزوج؟
حدقت بي للحظات اخرى ثم قالت:
- اجل. ولكني لم أتمكن من فعلها. عدلتُ عن رأي!
فسألتها بتهكم:
- وإن لم تغيري رأيكِ في اللحظة الاخيرة، كنتِ سترحلين ببساطة بعد فراق تسع سنوات؟ ستتحملين غيابي ولكنكِ لن تتحملي وجود امرأة أخرى في حياتي؟!

تنهدت بضيق وتركت مكانها حيث تقف وجاءت لتجلس على الكرسي بجواري بينما تضم إحدى يداي بين كلتا يداها وقالت:
- تخيل إني الان مرتبطة بشخص غيرك يا رسلان؟ تخيل أن أعيش معك ومع غيرك في الوقت ذاته؟ أن أكون هذه الليلة بين أحضانك ولكن اليوم التالي سأكون بين أحضانه هو. فقط تخيل معي كيف سيكون شعورك؟!
امتنعت عن الرد وأنا أفكر بكل الغضب الذي سيتراكم بداخلي لو كانت هذه الفكرة صحيحة، فأكملت هي:.

- الشعور ذاته متولد في داخلي يا رسلان لا فرق بين رجل وامرأة بهذا الخصوص. الفرق الوحيد أن الله سمح لكم أن ترتبطوا بأكثر من واحدة ولم يسمح لنا. ولكن لا تظن ولو للحظة أننا سنتقبل الأمر بداخلنا أفضل مما تتقبلوه أنتم. أنها الغيرة ذاتها والألم ذاته. ولكننا نرضخ على مضض، لذلك هل يمكنك تخيل ما أحسست به بلحظتها حين قالت أنها زوجتك؟ هل يمكنك أن تشعر بكل النار التي أوقدتها بي من هذه الكلمة؟ حين رأيتها ورأيت أبنك شعرت بكل أيامنا والحب الذي جمعنا يتلاشى ويتكسر أمام عيني وأنا أرى أن مكاني قد تم استباحته واحتلاله من قبل غيري ولم يعد لي مكان!

لا أعلم حقاً ما كان يختلجني بالضبط وأعرف أنها أنانيةٍ مني، ولكني حقاً كنت سعيد بمقدار هذه الغيرة التي تشعر بها من رهف. فقلت بنبرة اعتيادية لأثير استفزازها أكثر:
- حسناً، بايلوجياً، رامز ليس أبني!
نظرت لي بعدم فهم فأكملت أنا:
- أنا ورهف مرتبطين منذ سنتين تقريباً بعد أن مات زوجها وكانت قد أنجبت رامز مسبقاً!
شاهدت حاجبيها يتقوسان بدهشة ثم قالت:
- ارتبطت ب أرملة؟!
- وما بها الأرملة؟!
فقالت بامتعاض:.

- المشكلة ليست بها. ولكن الشيء الوحيد الذي سيدفع شاب مثلك أن يرتبط بأرملة هو فقط أن أحبها. فهل أنت كذلك؟!
فقلت ببراءة:
- بالله عليكِ هل رأيتها؟ هل هي شخص سيستطيع أحدهم مقاومتها دون الوقوع بغرامها؟ بجمالها وطولها ورشاقتها ودعيني لا أخبركِ عن أخلاقها وطيبة قلبها!
مع كل كلمة كنت أنطقها كان وجه لوجين يزداد توهجاً وحاجبيها يلتحمان أكثر، ولكنها لم تتحدث ولم تنفجر. كانت تكتفي بالصمت فقط!

لا أعلم حقاً لِما كنت أقول كل هذا الكلام. هل لأستمتع بغيرتها فقط؟ أم كنت أنوي الانتقام من كل هذه السنين التي تركتني بها دون أن تعود لرؤيتي سوى الان. وفي الحقيقة كنت أميل للسبب الثاني أكثر!

نهضت من جانبي بذات صمتها من غير تعليق واتجهت نحو الثلاجة من أجل اخراج الطعام وتسخينه وانا اكتفيت بادعاء البرود دون أن أهتم بما يدور بداخلها. في الحقيقة كنت متشوق أن أعرف إلى أي مدى قد يصل حبها لي لدرجة أن تتحمل كل هذا من أجلي!
- بعد الغداء سنذهب نحو منزلنا!
قلتها بهدوء فتوقف جسدها عن الحركة للحظات مرة اخرى ونظرت لي مجدداً بنظرة جامدة كسابقتها وقالت بسخط تحاول كتمه:
- لا تبالغ يا رسلان وتستغل صمتي!

فقلت مدعياً الاستياء:
- ماذا تعنين؟ ألا تنوين القدوم لمنزلي؟!
- لا. لا أنوي ذلك!
نهضت من مكاني أهم بالخروج من المطبخ بينما أقول:
- إذاً من الجيد إني أُعلمكِ بالأمر فقط ولا أخذ رأيكِ
- ماذا تعني؟!
- أعني إننا سنذهب على اية حال سواء وافقتِ على هذا أم لا.
- هل هذا إجبار أم ماذا؟!
- لوجين لا يمكنني ترككِ هنا وحدكِ ولا ترك أمي ورهف لوحدهما. الأوضاع ليست آمنة!
- فليبقى العم أيمن معهما!

- أبي مسافر طوال هذا الأسبوع!
اتكأت على حافة المغسلة وكتفت يديها بسخط وأشاحت وجهها بغيض جانباً بعيداً عني، حسناً كان من المفترض أن أخرج من المطبخ ولكم قلبي لم يطاوعني. تقدمت إليها حيث تقف وأحطت خصرها بكلتا يدي وأنا ألصق جبيني بجبينها لأجبرها على النظر نحوي مباشرةٍ بينما أقول:
- ستذهبين. أليس كذلك؟!
- رسلان.

منحتها قبلة على وجنتها بلطف كنت أعرف أنها ستخرسها وبالفعل كتمت في الحال حروفها وتلكأت عن قول المزيد من الاعتراضات. فهمست لها بينما أعود لألصق جبيني بها:
- يا جنون رسلان بحد ذاته!
تبسمت ورفعت يداها لتحوط رقبتي وهي تهمس بدورها:
- لا تستغل ضعفي وتحاول أقناعي!
- أنا لا أحاول أقناعكِ. أنا أجبركِ!
أبعدت وجهها عني وهي تحدق بي باستنكار طفولي فقلت لها في الحال:.

- أجل حبيبتي هذا هو الزواج. هل كنتِ تظنين إني سأرضخ لعنادكِ؟!
مطت شفتيها بتهكم وهي تقول:
- وكأنك كنت تخضع لعنادي في الماضي قبل أن نرتبط؟!
ضحكت وأنا أضمها إلى بقوة وأدس أنفاسي بين خصلات شعرها وقلت:
- هل تعلمين إني أحبكِ بقوة؟!
تنهدت وأنا أتخيل ابتسامتها بينما تهمس بدورها:
- أعلم. ولكن لا تكف عن قولها!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة