قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية حب خاطئ للكاتبة هاجر الحبشي الفصل العاشر

رواية حب خاطئ للكاتبة هاجر الحبشي الفصل العاشر

رواية حب خاطئ للكاتبة هاجر الحبشي الفصل العاشر

- الحُب هو أن يُخلصها من جحيمها كي يأخذها إلى جحيم من نوع خاص -.

بعد ساعة، ساعة من التوبيخ كـ طفلاً! ساعة من اللوم ساعة في الحديث عن كونه مستهتر وسيجلب لهم فضيحة، ساعة من السُباب اللاذع والكلمات البذيئة وسط الحديث بسبب رقصهِ معها، ساعة قضاها في تعلم الأخلاق من جديد كي يرضى عليه والده، ما المشكلة برقصة؟ ما المشكلة؟ يعلم أن هذا ممنوع ومن المستحيلات لكنه حدث هل ستقوم القيامة لأنه حدث إذاً! لما لا يأخذ الأمور بتروي لما؟ هي لا تعرف عاداتهم لهذا لا مشكلة وسوف يمر ما حدث هذا ان لم يتحدث به الجميع صباحاً، لا لا، إن لم يجعلوه حديث المساء اولاً ثم الصباح فهم ليسوا بحاجة إلى التوصية علي هذا، فـ عند الثرثرة يتحول الجميع الى امرأة تجلس على عتبة منزلها تتسامر مع جارتها في أحوال الأشخاص و مافعلوا وماذا ارتدوا وماذا حدث وما سيحدث من وجهة نظرهم و، الخ، الخ.

هو لن ينكر بل وأصبح متأكد أن كل شيء بها يعجبه بشدّة، منجذب لها بطريقة لم تحدث له من قبل! هو لم يلتفت إلى أحد كي يعجب به! لما الآن؟ ولما هذه؟ هل فقد عقله! انها حماته؟!، لما تسرع وطلب نادين قبل أن يراها! ظن أنها عجوز هرم! كما من المفترض أن تكون، لكن، لقد تلقى صفعة قاسية عندما رأها، هو إلى الآن كُلما تذكر مقابلتهم الأولى يتحسر على نفسهِ، كان يجب ان يهرب ويعود من جديد من أجلها هي وليس ابنتها!، هو لن يكذب لأنه يرغب بها كما لم يرغب بأحدٍ من قبل، رغب بها منذُ أن وقعت عيناه عليها، هي تليق به ويعلم هذا، ايقول سِراً هي أجمل من ندى بمراحل وتفوقها بكل شيء! لكنه يحب ندى؟ ما العمل؟ ايمكن أن يستبدل قلب ليلى بـ ندى؟ لا ندى حتي لا تحبه ولا تعرفة كي يثق بها بذلك القدر! لا يوجد أمامه سوى حلاً وحيد..

أن يجعل ليلى تحبهُ لكن هذا أصعب من تسريح شعرها يقسم، هي إلي اليوم لم تبتسم بوجهه سوى بسخرية وعندما تتحدث معه تظل تلقبه بأسماء الحيوانات! أي حُب هذا؟ هو يحلم، هي لن تقبل به لما؟ لأنهُ نكرة، ولا يستبعد هذا عليها فـ رُبما تخبره أنه بمثابة طفلها يا إلهي، هذا ساخر، فإن أحبتهُريمكنها أن تجعلهُ ينسى ندي ويُحبها هي، بل سيغرق في بحر عسلِها أيضاً وهو لن يحتاج الكثير من المجهود لأنهُ يُجب أن ينسى اللعينة لأن علاقتهم مُستحيلة ولن يستطع أن يعاملها بتلك الرقة مهما احبها لا مستقبل لها معهُ مهما حدث!، يتبقى له نادين فقط ماذا سيفعل معها؟ لن يستطيع جرحها هي بريئة ورقيقة كي تتحمل كل هذا، حسناً، حسناً، يكفي ثرثرة ما يفكر به بعيد كُل البُعد يُجب أن يصمت عقله الذي لا يتوقف الآن..

أسند وجنته على راحة يده وشرد بها، يقسم أنه يرى والده يتحدث لكنه لا يسمع شيء لا شيء، هو يفكر بها، لقد أراد أن ينهي الرقصة معها، أراد أن يتوقف عن الضحك ويتابع الحديث كي يعلم ما نهايته واللعنة على الجميع لا يهم لكنهم مُدمرين اللحظات وقاطعوا ضحكته التي جعلتها تبتسم، يعلم أن ابتسامته ساحرة تدخل السرور إلى القلوب هذا قديم!، الجديد هو أنها ضحكت عندما شاهدتها هذا يحتاج أن يفتخر بنفسه لأنها جدية كثيراً أم أنها لا تحبه لهذا لا يرى سوى هذا الوجه المقتضب دائماً، هذا هو الجواب، لا تحبهُ، يُجب أن يضع أسفلها الكثير من الخطوط الحمراء لأنهُ يحلم كثيراً هذه الأيام وعدم نومهِ أمس جعله يهذي بتلك الأفكار..

انتشله من أفكاره الجنونية، صوت والده عندما ضرب عصاه أرضاً وهتف بحدة وغضب: الناس تجول علينا ايه دلوك؟ متولي الصعيدي اتجوز ام عروسِية ولده لما شافها بتتمسخر وياه؟
حرك عمّار أهدابه بتثاقل معيداً تلك الجملة داخل رأسه مراراً وتكراراً ثم قلّبها داخل عقلة من جديد مرارا وتكرارا وهمس بها إلى نفسهُ ربما يفهم المغزى والمقصد من هذا القول لكنهُ لم يفهم؟، أولا يريد أن يفهم!

رفع رأسه ونظر له باستفهام التقطه متولي سريعاً وهذا جعله يرفع رأسه بشموخ وهتف بنبرة لا تقبل النقاش أو الإعتراض وكأنه قد قرر هذا مُسبقاً: حماتك عاجبتني وعاتجوزها..

هل من المفترض أن يزغرد فرحاً الآن أم يرقص بسعادة؟، يستحق هذا، فليذهب الآن ويبحث عن فراش كي يمنحه إلي والدهُ، ولده جُنّ، لقد جُنّ حقاً، هل يمزح معهُ الآن؟ هو يخطط كي يوقع بها ووالده يُريد أن يتزوجها، ينقصهُ فقط أن يُناديها بـ أمي كي يفهم ويدرك أن الطريق إليها مُستحيلاً!، يُجب أن يراقب احلامهِ وامنياتهِ جيّداً لأنها أصبحت تتحقق في الفترة الأخيرة!

لقد تمني رؤيتها ترقص وتحقق هذا لكنه تتحقق بطريقة سيئة لا يتخيلها! يُجب أن يحذر لأنه يتمنى الكثير حقاً الكثير بمعنى الكثير مالا يتخيله عقل، تخيله هو!.
مسد جبهته بخفه وهو يتنهد بـ غمٍ وخفض رأسه حتى يهدأ من نفسه وانفعالة لأنه إن لم يكن والده كان تصرف معه تصرفاً آخر الآن..
ازدرد ريقه وقال باعتراض: جواز ايه يا بوي اللي عاتتحدت عنيه؟ انت جِتِتَكْ إتاكلت؟

جحظت عينا والده وهو ينظر له بذهول من قوله، هذا الوقح!، تهجمت ملامحة ثم ضرب عصاه أرضاً بغضب وهدر بخشونة: عاتجول ايه يا محروج انتِه؟
تحمحم عمّار وقال بجزع: مش الجصد يابوي لكن تتجوز وامي!
تهجمت ملامحه وهدر بوجوم: مالها المحروجة؟
زفر عمّار وقال باستياء: مش ديّ لسه علي زمتك دلوك؟

هز كتفيه وقال بكل عجرفة: الشرع حلل اربعة يا ولدي، وبعدين خليها اكدِه في أمريكا والبلاد الأجنبية هي واخوك الصايع ايكش تنفعهم وبحذرك انك تبعتلهم فلوس لما يطلبوا سيبهم اكدِه لجل مايعاودوا زي الكلاب، صمت قليلاً وهو يتنفس بانفعال وغضب وتابع بحِدة: بتحددتني عنيهم ليه دلوك؟ جاك خابط..

زفر عمّار وكم تمني بداخله لو كان محل شقيقه ويبتعد عن هُنا فهو محظوظ لكونه وُلِد صغيراً، أما هو بائس منحوس، لأنه الكبير فقط تركتهُ خلفها وغادرت دون أن تعبأ، الشيء الجيّد الوحيد الذي فعلتهُ من أجلهِ هو دراسته ومكوثهُ في القاهرة حتي انتهي، في كثيراً من الأحيان عندما يختلي بنفسه ويفكر يشك أنها أرسلتهُ كي تهرب دون تشوش منه كي لا تشفق عليه عندما يبكِ، لقد جفت دموعه على أي حال ولم يعد يملك أياً منها بسبب كم القسوة التي تعرض لها، لقد دمرتهُ هي ووالده بكل سهولة، هي عندما ظنت أن بابتعاده ودراستهِ تصنع له معروفاً بينما هو كان وحيداً دون احتواء وتوجيه من أحد كي لا يخطئ وقد اكملت جميلها عندما غادرت..

ووالده الذي ظن أن بقساوته وكثرة ضربه يصنع منه رجلاً، شكراً لهم، كم هو ممنون، والآن يتساءلون عن قساوته ومن اين؟ لقد قام بشرائها بسعرٍ بخس من المتجر، هو ليس مديناً لشخصٍ سوى حُسنة التي لم تفرق يوماً بينه وبين أولادها، هو مديناً لها بكل شيء، هي الوحيدة التي تستحق حُبه و مشاعرة النقية التي يحملها اتجاهها منذ أن كان طفلاً، هي والدته وليست الأخرى..

تنهد وهتف بتعب وإرهاق: براحتك يابوي اعمل اللي يريحك بس متنساش انها متجوزة عاتتجوزها كيف؟
سأله بغضب وهو يقطب حاجبيه: واه مش جولت ان جوزها ميّت؟
رفع عمّار حاجبيه بـ تفاجئ مصطنع وهتف باستنكار: اني جولت؟ لاه محصلش جوزها مسافر وراجع عن جريب!

قهقهة متولى وهو يجلس على مقعده جعل عمّار يتعجب، هل هو يضحك؟ وبسببها؟ تباً لها تلك الضحكة لا يراها سوى كل عيد فقط! هل أصبحت متاحة لجميع الأوقات الآن فقط بسبب رقصة؟ هذا فقط؟، يالها من إمرأة..
هتف متولي بغضب مكتوم: بجولك ايه يا واد انتِه اني مش جورطاس اهنِه انت جولت جوزها المدعوج مات صِحى ميتة؟
هتف عمّار بقلة حيلة وهو يهز كتفيه: تلاجيني غلطت عشان اني كُنت فاكر انه ميت بردك بس ده عايش اسمه كومان سعيد..

نظر له والده بشك وهو يضيق عينيه و هتف بنبرة عميقة ذات مغزي: هي عاجباك ولِّيه يامحروج انتِه؟ اني عارف النظرات ديّ وراها حاجة واعرة جوي!
حرك عمّار أهدابه ببراءة وهتف باستنكار: عاجباني! انت تعرف عني اكدِه؟ واه؟ لما اني اعجب بـ حماتيّ ابليس يعمل ايه عاد؟
نظر له متولي بتفحص وهي يهز العصا بين يديه لـ يتابع عمّار باستسلام: براحتك يابوي، روح اتجوزها عاتجولي ليه دلوك؟

تحمحم متولي وهتف بتردد وهو ينظف حلقة مراراً وتكرارا: كنت عاوز اعرف عاتحب ايه وعتكره ايه عاوز أعملها مفاجئة؟
فرغ فاه وهو ينظر الى والده المُراهق بذهول! هل هو جاد؟ هو نفسه لن يخطر له هذا؟ اي هدية هذه؟ هي تستحق الذبح هل يمزح؟
ضرب عصاه أرضاً من جديد كي يستفيق وهو يقول بامتعاض: محتاج تفكِر كُل دِيه؟

تنهد عمّار وهو يمسح وجهه بنفاذِ صبرِ وهتف ببطء: هي بتكره أي حد اسمه عمّار وعاتحب اي حد بيكره عمّار، بتفطر بـ لُجمتين ومش بتتعشي وساعات تاكل ستيك أوت يا بوي بس..
تنحنح والده وقال بهدوء: طيب، روح دلوك اني عجولها الصبح على الفطور وديّ آخر مرة الاجيك جريب مِنيها بسبب رجص أو غير رجص!
هز عمّار كتفيه وهتف مبرراً: انت علمتني مرُدش حد واصل وهي جات ترجص اجولها لاه! ديّ جريبة ومن العيلة دلوك ولازم نبسطوها..

أومأ متولي بازدراء ثم هتف بهدوء: بُكره عجولها واعرض عليها الموضوع الصبح وخليك عارف اني مش عجول حاجة غير لما اعرف موضوع جوزها دِيه ايه؟
أومأ عمّار بخفة وهتف على مضض: مبروك مجدماً يا بوي بالرفاء والبنين..
نظرت لها ندى بكره وهي تمر من أمامها ذاهبة باتجاه غرفتها مع حُسنة التي تحوطها بملامح لاتفسر دون التحدث معها، نظرت ليلى إلى حُسنة بخجل ولا تعلم ماذا تقول، لقد عقد لسانها من كم الخجل الذي تشعر به..

هي لم يُجب عليها أن تفعل هذا وسط الجميع! ماذا حدث لعقلها أين كان؟ ليس من عادتها التهور بتلك الطريقة؟، قدميها لا تحملاها! تشعر أنها تُسحب من قبل حُسنة ولا تسير باعتدال..
ازدردت ريقها بحلق جاف وهتفت بتلعثم: يـ، يا، حاجـ، حاجة أنـ، أوقفها قولها الخشن خلافاً لطيبتها المعهودة معها: ولا انتِ ولا مانتيش! الصباح رباح..

هزت رأسها بخفة وصمتت شاعرة بالحزن لتوقفها نادين التي توقفت أمامها بابتسامة ثم قالت برفق وهي تحاوط ليلى: أنا هاخدها وهنام معاها كمان تصبحي على خير، أومأت لها حُسنة بخفة دون أن ترد عليها وذهبت، دلفت مع ليلى غرفتها..

تسطحت ليلي فوق الفراش ودثرت نفسها أسفل الغطاء وظلت هادئة صامتة تنظر باتجاه الشرفة، لتأتي نادين بعد بعض الوقت بعد ان بدلت ملابسها إلى منامة مُريحة، قفزت فوق الفراش وهي تبتسم لـ تبتسم ليلى لها ثم فتحت ذراعها على مصراعيه لـ تستلقي نادين داخل احضانها..
أردفت ليلى بأسف واعتذار وهي تربت على شعرها بحنان: اسفة ياحبيبتي عشان رقصت معاه مكنش ينفع..

هزت نادين رأسها بلا بأس وهي تبتسم وهتفت برقة: محصلش حاجة يا مامي وبعدين انا اللي قولتلك، أومأت ليلى بعبوس ثم قبلت جبهتها برقة وهي تحوطها بقوة وهتفت بحنو: تصبحي علي خير يا حبيبتي..
هزت نادين رأسها بخفة وهي تغلق عينيها بثقل حتى غفيت بالتدريج..

توقفت حُسنة في منتصف الرواق وهي تضع يدها أسفل ذقنها بتعجب تحملق في تلك التي مازالت تقف تشاهد ما يحدث في الأسفل أثناء ذهاب الجميع ونهاية تلك الضجة كأنهُ منزلها!.
صرخت ندى بخضة ممزوجة بألم عندما وجدت صفعة تسقط فوق كتفها مع توبيخها الحاد: انتِ عاتهببي ايه اهنِه يا محروجة انتيّ عايزه دهب تجطع خبرك المرا ديّ ولِّيه اجلبي وغوري من اهنِه! عاودي من موطرح ما جيتي..

خرج عمّار من غرفة والده ممتقع الوجه وهو يكاد يضرب وجهه في الحائط من الغضب، فكيف يخبرها أن تكذب صباحاً وتقول أن زوجها حي؟ لا يهم لا تقول تلك الزيجة لن يسمح أن تتم على أي حال ولديه الكثير من الأسباب..
توقف عن السير عندما أبصر حُسنة تمسك بيّد تلك الفتاة التي تجعد شعرها وتبدو هزيلة قليلاً، يقفان عند الدرج، ندى! تلك اللعينة ماذا تفعل هُنا ولما أتت ومن أدخلها؟ والدها اللعين ذهب لما لِمَ تذهب معه؟

تقدم منهما بملامح متجهمة فهذا اليوم السيء بيّن من بدايته ولن يمُر مرور الكرام قبل أن يقتل أحداٌ..
توقف أمامها وهتف بغضب: ايه اللي جابك اهنِه يابت النتِـ، وتوقفت الكلمات بحلقه عندما عانقته ندى بقوة وهي تذرف دموع التماسيح خاصتها مع قولها بألم: الحجني يا عمّار عدموني من الضرب وجِتتي مش حملاني، شوف وشي اوحمر كيف؟

حرك أهدابه بتعجب وقلبه يخفق بقوة ألا توجد امرأة بريئة قط لا تتلاعب معه بتلك الطريقة؟ هل يعانقها الآن ويطيب خاطرها ببعض الكلمات المعسولة!
يرغب في فعل هذا لكن ان يُريد شيء وأن ينفذ إرادته شيء آخر وهما لا يجتمعان معاً في هذه الحالة!

ابعد يدها عن خصره بحدة ثم دفعها من أمامه وهو يتأفف لـ تترنح إلى الخلف، جحظت عينيها وصرخت بفزع وهي تشعر بقدميها توضع في الفراغ عقبة سقوطها عن الدرج لكن عمّار سحبها من ذراعها بسرعة بديهية جعلها تصطدم بصدره بقوة..
تنفس بعنف وهو يضم قبضتيه بغضب في رغبة لإدخال تلك الرأس اللعينة داخل صدره حتى تتهشم..

سمع صوت نحيبها على صدره وهي تحوط خصره بقوة قائلة بلوم: بجي اكدِه عاتموت اللي عتبجي مرَتك وحبيبتك ودنيتك كُلها يا سيد الناس؟
يا إلهي سوف يبكِ من التأثر!، أطبق جفنيه بنفاذ صبر ثم فتحها بخفة وهو يهدأ نفسه وقلبه اللعين الذي سوف يفضحه بسبب هذا الثوران..

رفع وجهها بين يديه، محي العبرات العالقة بأهدابها بإبهامه بنعومه وهو ينظر لها بثقب وخضراوية تجول على ملامحها باحثاً عن شيءٍ ما معين في وجهها، شيءً لم يستطيع نسيانه قط منذُ أن وقعت عينيه عليها وهو صغير..
دفع وجهها بضجر وهتف بسخط وهو ينظر إلى حُسنة التي كانت تراقبه بثقب وكل تارة وأخري تلوى شدقيها: ديّ جايِه اهنِه ليه؟
كادت تتحدث لكن صوت والده الخشن جعله يلتفت له: اني اللي جولت تاجي..

هتف باعتراض وغضب واضح: مالهاش مكان بيناتنا دلوك! لاهي مرتي ولا خطيبتي ولا اي حاجة واصل تجعد اهنِه ليه؟ ديّ مش عوايدنا ولا عاداتنا وتجاليدنا!

رفع والده حاجبيه وهدر بغضب يسأله وهو يأشر عليه بعصاة: ومن عاداتنا وتجاليدنا انك تجيب خطيبتك وأمها يجعدوا اهنِه جبل الفرح؟ تجاليدنا انك تعمل الشبكِه اهنِه كومان! ولا دول فوج الكون؟ اسمع يا ولدي عشان ماهبحش الرطرطة الكَتير، ثم أشر على ندى وقال بـ بُغض لأنهُ لا يطيقها أيضاً: ديّ عتجعد اهنِه تحت في المطبخ مع صباح وتنام حداها وتفضل ملازماها طول الشهور الجايِه لحد ما تولد ومش عاوز مشاكل وحديت فارغ كيف النساوين مفهوم؟

ضغط عمّار على اسنانه من الداخل بغضب ولم يرد عليه لـ يضرب والده عصاه أرضاً بغضب وهدر بصوت جهوري: مـفـهـوم!
رد بدون تعبير على مضض بصعوبة كـ صعوبة قوله آسف: مفهوم، ثم صرخ بـ ندي فجأه جعلها تنتفض: مش جال المطبخ واجفة كيف الفزاعة اكدِه ليه؟ غوري عالمطبخ واياك انضرك اهنِه ولا اهنِه، أومأت سريعاً وهي تنظر له ثم هبطت الدرج بخطوات متعثرة كادت تسقطها أكثر من مرة..

ألقي متولي نظرة مُحذرة إلى عمّار علم مغزاها جيّداً قبل أن يختفي عن وقع أنظاره ثم دلف إلى غرفته دون أن يضيف كلمة..
تقدمت حُسنة منهُ، ربتت على صدره بحنان وهتفت مواسية: معلهش يا حبيبى متزعِلش نفسك وروح نام دلوك وريح حالك يلا..
أومأ بخفه وقال بهدوء: أني خارج عشان مخنوج شوية وبعدين هنعس تصبحي على خير، وتركها وهبط الدرج..
ردت بحنان وهي تراقب ذهابه: وانت من اهل الخير ياولدي..

توقف أمام سيارته وهو يتنفس باختناق، فتح باب السيارة وكاد يستقلها لكن استوقفه سماع صوت رجل يهتف بإسمه..
توقف وصفق الباب بضيق ثم استدار لـ يجد طلعت يهرول تجاهه، هذا لايبدو خيراً بتاتاً، وهو يرغب في القتل اليوم، هل يا تري أتى كي يرجع قطعة الأثار التي أخذها صباحاً؟
توقف أمامه لاهثاً ثم أردف بابتسامة وحماس تعجب عمّار منه: عمّار، عمّار، كُنت عايزك في موضوع اكدِه..

هز رأسه موافقاً وهو يتفحصه بنظراته ثم قال باستعجال: بسرعة الله يرضى عليك عشان مش فايج..
تبدلت ملامحه الي حزينة وهتف بصوت خفيض: خلاص اجيك وجت تاني، ما هذا الاستفزاز هل ينقصه؟، ضرب عمّار السيارة بقبضته بغضب أفزعه وهتف بحدة: احنا هنلعبوا ولِّيه خلصني!
أومأ بارتباك وهتف بتردد: أني، أني، طالب، الجورب منيك..

فغر فاهه بتعجب ثم نظر إليه وإلى المسافة التي بينهم وهتف باستفهام: ما انت جريب اهه؟ عاوز تجرب أكتر من إكدِه ايه؟
ضحك طلعت بخفة وهو يعدل عمامته ثم أعاد ببعض الإرتباك كـ صبي يافع جعله يتعجب حقاً! ما هذا الآن؟: بجول طالب الجورب منيك يا عمّار؟!
ضرب كفيه معاه وهتف بعصبية: انت اكدِه بَعيد اجيبك علي حجري عشان تِجرِب يعني؟
ضرب طلعت كتفه وهو يضحك بتقطع كـ الثمالي جعله يرغب في البصق عليه بشدّة..

هتف طلعت بصوتٍ منخفض كي لا يسمعه أحداً غيره وهو يبتسم: أني اتصرفت وبعت حِته الأثار..
أومأ له عمّار وهو يبتسم باصفرار ينتظر بقية الحديث ليتابع: وبيني وبينك اكدِه يا عمّار عايز اتجوز عشان زهوجت اهي حاجة تخليني مبسوط وتعوضني عن المرار الطافح اللي شوفته! عشان اكدِه عاجولك اني جيت عشان اناسبك..
قطب عمّار حاجبيه بعدم فهم وهو يراجع عدد الفتيات داخل عائلته رُبما يملك ابنه عم أخرى بسن الزواج ولا يعلم!

هتف عمّار باستفهام وهو يضيق عينيه عاقداً يديه أمام صدر: عاوز تتجوزني ولِّيه؟
ضحك طلعت وضرب صدره بخفه وهتف بابتسامه: أه منك يا عمّار، علي العموم أني كُنت جُوِه وشوفتك وانت بترجص وعرفت ان الوظووظة اللي رجصت معاك تبجي حماتك و جيت أطلبها منيك..
اسودت عينيه وانقبضت عضلات صدره ونفرت عروقه وهو يصك أسنانه مستمعاً إلي قول اللعين الذي يرغب في الموت؟، تلك الليلة الغابرة التي لن تمر مُرور الكِرام..

تابع طلعت بنفس الابتسامة التي أصبحت بغيضة بنظر عمّار وهو يراه الآن: وعارف انك عتوافق وماتردليش طلب واصل صوح يا ابن الغالي!
يا إلهي انه يرغب في الموت؟ هل أصابه الخرف مُبكراً هو ووالدهُ؟، هل هُناك المزيد منهم؟ الجميع في هذا السن يصيبه الخرف لا حرج عليهم، لكنه سيقطع قدم تلك اللعينة عندما يراها..

انتفض جسد طلعت عندما قبض عمّار على كتفه بقوة غارزاً أنامله داخل كتفه بعنف وهدر من بين أسنانه بخشونة: عاتخرف وتجول ايه يا مسوَس يا مخوِخ انتِه جواز ايه دِيه يالي يجيك خابط ياخد خبرك! اتجنيت ولِّيه؟ ده انت باللمس!
شحب وجهه وهتف بخوف وهو يبرر بتلعثم: ايه، ايه، حوصول بس لكل دِيه؟ أني وربي عجلعها وعتبجي سِت الناس كُلهم، يا إلهي سيقتله إن لم يتوقف؟.

تابع بخوف وهو يبرر عندما ازدادت نظراته قتامة وخطورة: الآثار ديّ بِعتها بفلوس كَتير و، و، وصمت عندنا صرخ به بنبرة جهورية غاصبة أرعدته وهو يهزه من ملابسه بين يديه: اني عطيتك الآثار لجل الجواز ولِّيه؟
هتف بنبرة مرتجفة خائفة: اومال ايه بس؟

أخرج عمّار مسدسه من جيب عباءته بغضب وصوب أرضاً بين قدميه جعله يقفز إلى الخلف بخوف وهو يقول بتهكم: عطيتك الأثار عشان تديها لـ مَرَتك وتحطها في النيش جنب الصيني اللي عاتموت وعمرك ماهتطفح فيه؟ عِرفت ليه؟، هز رأسه سريعاً بخوف وهو يعود الي الخلف لاعناً حياته وتفكيره بها، بينما عمّار كان ومازال يتقدم منه ولم يتوقف عن اطلاق الرصاص جانب قدميه وهو يوبخه كأنه طلب ما هو مُحرم!، نعم هذا مُحرم بالنسبةِ له..

هتف بترجي ووجه باكِ وهو يتعثر في طرف عباءته بسبب تقهقره إلى الخلف: بزيداك عاد مش عاتجوز مش عاوز..

هتف عمّار بتهكم وهو يتقدم منه بتهجم بنظراتٍ أقسمته نصفين لأنه غبي بسبب قوله هذا في أكثر أوقاته غضباً: لا ونبي تجوز، بجولك ايه يا راجل يا خرفان انتِه ترجِع الآثار ديّ وتِرجع لـ بيتك وولادك يا شايب يا عايب ده انت جربت تموت! مَهمِل ولادك دول لمين؟ دول خمس بلاوي فوج دماغك وجاي تفكر في الجواز؟ اجطعلك الخلف دلوك ولا اعمل فيك ايه؟ جول يا بلاص الطين؟!

هز رأسه بطاعة وخوف وهتف بحلق جاف ونبرة مرتجفة منخفضة بالكاد خرجت وهو يقول بترجي: حاضر راجع راجع وعحط الآثار في النيش والنِعمة عحطها بس هملني وانسي اني طلبت حاجة واصل..
توقف زافراً وجسده يتصبب عرقاً من شدة انفعاله ثم قال بحدة شديدة ووجه ممتقع: إجلب من جِدامي..
أومأ بخوف وهو ينظر له بجزع وأعين زائغة ثم رفع طرف عباءته وركض فاراً من هنا بسرعة البرق..

جأر عمّار بصوتٍ مكتوم وهو يفرغ بقية الرصاص المتبقي الهواء بغضب وصاح بصوتٍ صخري: مين تانى عاوز يتجوز حماتي يا ولاد الجزمِية جاكم عزرائيل يلمكم كلكم في جبر واحد..

هز رأسه بخفة مستنكراً هذا القول وهو يحدق بـ جـنّـة التي كانت قبضتها تشتد حول رقبته بخوفٍ أكثر فأكثر، كيف يحدث هذا في فُندق مشهور مثل هذا الفُندق؟ كيف؟.

أخذها إلى الأسفل في هذا الضجيج والزحام، الشرطة في كل مكان تسأل هذا وتحقق مع هذا باستفهام، لـ يأتي ذلك الرجل ركضاً من الأعلى بِـ منشفته خوفاً والذعر بيّن على ملامحة ومازال جسده مُبلل، ومجموعة من الرجال يبدو عليهم الثراء ويُهيئ له أنهم من الحفل يقفون يتحدثون بِـ خفوت مع بعضهم البعض..
تقدم من موظف الإستقبال وطلب غرفة لكنه رفض لأن الأجواء لا تسمح ولا يسمح له فعل هذا الآن..

ترجاه بـ حزنٍ وهو يتطلع إلي حاله جـنّـة التي لا تسُر لأنهُ بحاجة إلى غُرفة حقاً..

هز موظف الإستقبال رأسه بأسفٍ له، تنهد جاسم بحيرة وهو يتلفت حوله ولا يعلم ماذا يفعل وهي توشك على فقدان وعيها وسط صوت الأُناس الذي يشعره أنه سقط داخل خلية نحل من قوة الصوت و التمتمات والغمغمات التي لم يفهم منها حرفًا واحد، نظر له موظف الأستقبال وهو يتنهد شاعراً بتأنيب الضمير، لما لا يعطية غرفة لن يعرف أحداً ولن ينتبه له!، إستسلم وقام بإعطائه مفتاح وهو يهز كتفيه بقلة حيلة..

تهللت أساريره وهو يبتسم بامتنان ثم شكره وتحرك في البهو المزدحم وصعد الدرج بخطواتٍ سريعة ذاهبًا تجاه الغُرفة مباشرةً بعيدًا عن الأنظار..
سطحها على الفراش برقة ثم جلس بجانبها على طرف الفراش وأخذ يربت على رأسها بحنو حتى هدأت وتوقفت عن النحيب وغفيت، دثرها أسفل الغطاء جيّداً ثم ترك الغرفة وغادر كي يرى ما يحدث في الأسفل..
لدي عشق..

كانت نائمة بعمق تشعر بالدفء يغمرها و يحوطها من كل اتجاه لكن ذلك الدفء شوبته البرودة وتحول إلى ظلام حالك بسبب رؤيتها لكابوسًا جعلها تنتفض بفزع وهي تزدرد ريقها بحلق جاف تتنفس بعنف وجسدها يتصبب عرقًا بغزارة..

قطبت حاجبيها بريبة وهي تلتقط أنفاسها عندما شعرت بيدٍ دافئة تحاوط خصرها، الغُرفة مُظلمة لا ترى شيء حولها، مدت يدها على الكومود بتروي وحذر، فتحت إضاءه خافته لـ تتبين لها ملامحه الهادئة وهو مستغرقًا في النوم، إنه قُصيّ هُنا معها، زفرت براحه ثم ابتسمت وعادت إلى الأستلقاء ودفنت نفسها داخل أحضانه فهي علمت الآن من أين كان يأتيها الدفء..

أراحت رأسها على صدره لبعض الوقت كي تغفي لكنها اكتفت من النوم وتشعر بالراحة، أبعدت رأسها إلى الخلف و ظلت تتأمله بابتسامة ناعمة ولم تستطع مقاومة أو كبح رغبتها في الشعور بتقاسيم وجهه..

رفعت أناملها ببطء لتهبط على وجنته الخشنة إثر منابت شعر ذقنه، داعبتها بنعومه بكل راحة للمرأة لا تعرف كم عددها لكنها تعرف أنها ليست حركة اعتيادية تفعلها كلما أرادت مثلما تشاء لا! فهو مغرور ولا تستطيع أن تفعل هذا وهو مستيقظ بسبب سخريته التي تجرحها! هي فقط تسرق مثل تلك اللحظات وحدها تعبث بوجهه كُلما سنحت لها الفًرصة وهو غافياً..

ابتسمت بنعومة ثم قبلت شفتيه بسطحية وظلت تتأمله و يدها مستمرة في مداعبة وجهه برقه حتى شردت وظلت يدها تتحرك على وجهه ببطء، توقفت يدها عن التحرك وهي تتنهد ثم نظرت له مجدداً وهي تقوس شفتيها، وعندما طال سكون يدها ولن تعد تتحرك على وجهه حرك يديه علي خصرها بنعومه وهتف بمشاكسه وابتسامة جانبية اعتلت ثغرة: خلصتي خلاص أفتّح؟!

شهقت بخفه مع توسع عينيها بتفاجئ، هل كان مستيقظ كل هذا الوقت؟ ومسبقًا هل كان يتصنع النوم أيضاً؟، كالمُخادع!

تقلبت إلى الجهة الأخرى بلطافة وهي تقوس شفتيها جعلته يضحك وهو يضع يده أسفل خصرها ثم سحبها وأعادها داخل أحضانه وعانقها بحنان وبدأ يدلك رأسها بأطراف أنامله برقة لـ تستكين على صدره وظلت صامتة قليلاً ثم ضحكت فجأه جعلته يتعجب وقبل أن يسألها ما المضحك وجدها تتساءل: مش إحنا اتخنقنا وكنا هنضرب بعض شويه كمان جي تنام في حضني دلوقتي ليه؟!
اعتلي ثغره ابتسامة ماكرة ثم قال بغرور: إنتِ إللي في حضني مش أنا..

قرصت صدره بغل وهذا جعله يضحك ببحة رجولية، فهو مُنذُ الصباح لم يكف عن مضايقتها بتلك الطريقة وذلك الاستفزاز..
قبل رأسها بعمق وحنان ثم تحدث بهدوء: عشان أنا قلبي أبيض وبنسي بسرعه عرفتي ليه أنا هنا مش مهم عملنا إيه وكُنا إيه المهم دلوقتي بقينا ايه فهمتي؟!
أومأت بخفة وهي تبتسم تراجع تلك الكلمات داخل رأسها وهي تفكر حتى سألها هو فجأه: مفكرتيش تشقري شعرك قبل كده؟!

هزت رأسها بنفي وهي تقوس شفتيها بتقزز ثم تساءلت بشك وهي ترفع نظرها له بنظرات مُتهمة: ليه؟!
أجابها ببساطه وكل صراحه: أصل كان في بنت شقره حلوه كانت واقفه قدام باب الحمام بتاع الرجال لسبب لا يعلمه الا الله! وكانت لابسه احمر..
تهجمت ملامحها و احتقن وجهها بغضب ثم تساءلت بأعصاب مشدودة: وبعدين؟!
إبتسم بخبث وأردف بمكرٍ شديد وهو يضم خصرها إليه أكثر: هعمل إيه يعني خدتها جوا الحمام ونزلت فيها بوس..

انتصبت جالسه وعقدت يديها أمام صدرها بوجوم و نظرت له بتفحص وثقب تبحث في وجهه عن كذبه أو مزحة لكنه يتحدث بجدية وهذا جعلها تتساءل بعصبية: وبوستها إزاي بقي إنشاء الله؟!
أردف بابتسامة وديعة وهو يحرك أهدابه: زي الناس!
ابتسمت بعصبية وهي تقطب حاجبيها وأعادت من بين أسنانها ولا تُريد التصديق: يعني إيه بوستها؟!
رفع حاجبيه وسألها باستنكار: يعني بوستها! إيه إللي مش مفهوم؟!

علت وتيرة أنفاسها بانفعال وسألته بأعين جاحظة: وده حصل إزاي؟!
إبتسم بخبث ثم قلبها وجثم فوقها وهتف وهو يتأمل فيروزتيها قبل أن يقبلها: حصل كده أهو، وقبلها عدة قبلات متفرقة في أنحاء وجهها حتى دفعته عنها بضيق واعتدلت جالسة وتساءلت بعصبية وهي تضرب صدره: بقولك إزاي! إنت إزاي تعمل كده! مش فاهمه إنت إيه؟!

شرد قليلاٌ وهو يقطب حاجبيه يفكر بقولها ثم أردف: أنا إنسان أنا إيه؟!، صرخت بصوت مكتوم وقرصت وجنته بقسوة من غيظها جعلته يتأوه وهي تقول باستنكار: ده إنت أكتر حد بجح ممكن أشوفه في حياتي يا بجح يا مستفز..

قهقهة وهو ينظر لها بعبث ثم هدر كي يغيظها: بس بتحبيني موت، وأخرج لسانه لها بنهاية حديثه، قضمت شفتها بغيظ وهي تقف على ركبتيها ثم رفعت يديها، قبضت على شعرة بقوة وقبل أن تشده وجدت باب الغرفة يصفع بعنف أصدر ضجيجاً عنيفًا جعلها تهلع من قبل أحد الضباط الذي تساءل بعد دخوله برسمية ووجوم: إنت قُصيّ رشدان؟!

وقف عن الفراش وهو يومئ بتعجب ثم إرتدي سترته التي كان يضعها على إحدى المقاعد تحت نظرات عشق الخائفة والقلقة وارتفاع ضجيج قلبها خوفًا عليه، فأكمل الضابط قوله باستفهام: إنت كنت مع شاهي من ساعه في الحمام مظبوط الكلام ده؟!، قطب حاجبيه بتفكير ثم قال مبرراً: أنا كنت مع واحدة معرفش اسمها ايه بس كُنت في الحمام!.
هز الضابط رأسه بخفة ثم أمر الحارسين الواقفين خلفه بحزم: خُدوه..

تقدما منه، قيد أحدهما يديه بخشونة والأخر أخذه، هتف بتعجب وهو يسير معهم: أنتوا بتقبضوا على إللي بيبوس اليومين دول ولا في إيه؟!
لم يرد أحداً عليه فتساءلت عشق بقلق وأعين دامعة: هو عمل إيه وحصل إيه؟!

رد الضابط بإيجاز وتهجم كأنه يتحدث عن رجل مُجرد من الإنسانية: لقينا المجني عليها مذبوحة في الحمام، شهقت بقوه وجحظت عيناها وهي تضع يدها على فمها بتفاجئ بينما قُصيّ قطب حاجبيه تعجبًا وهو يهز رأسه باستنكار وكاد يتحدث لكن عشق قاطعته عندما قالت بنبرة تحمل بطياتها الرجاء وهي تكاد تبكِ: سيبوه هو معملش حاجه هو باسها بس و لسه قايلى كده دلوقتي؟!.

أطبق جفنيه وهو يهز رأسه بأسف ثم هتف بقلق: أسكتي لتبقي جريمه قتل وإغتصاب مش ناقصه..
سألها الضابط بشك وهو يمسحها بنظراتٍ شملتها من أعلاها لأخمص قدميها: وإنتِ مين؟!
ازدردت ريقها وهي تزيح خصلاتها خلف أذنها ولا تعلم ماذا تقول لكنها قالت بارتباك وهي تتجنب النظر إلى قُصيّ تعبث بأناملها بتوتر: جـنّـة رشدان مراته..

ضحك قُصيّ بتسلية وأردف وهو يحرك يده التي يقيدها الرجلان بذلك الكلبش: بتستغلي إنتِ الفُرص في الوقت المناسب، ثم تابع موجهاً حديثه إلى الضابط: أكيد في سوء تفاهم حضرتك عشان لو قتلتها مكُنتش هسيب ورايا دليل علي الأقل همشي من الفندق ومش هبقي معاها هنا؟!
رد الضابط ساخرًا وهو يضع يده داخل جيب بنطاله: وليه ميكُنش كُل ده تمويه عشان محدش يِشُك فيه خدوه..

تنهد بضيق ثم نظر إلى عشق مراقبًا عينيها التي إغرورت بالدموع، إبتسم لها و هتف بنبرة مطمئنة وهو يهز رأسه: متقلقيش هبقى كويس و متجيش ورايا متجيش ورايا يا عشق..
أشر لهم الضابط بيده كي يتوقفوا فتوقفوا ثم تساءل بشك: مش قولتي اسمك جـنّـة بيقولك يا عشق ليه؟!
كتمت أنفاسها بانفعال وجالت عينيها بأنحاء الغرفة وقبل أن تتحدث تحدث قُصيّ بتهكم: بدلع مراتي بقولها يا عشق هتقبضوا عليها هي كمان عشان بتدلع؟!

نظر له الضابط بشك وهتف بتهكم: وليه متقولش شريكتك؟!
نظر قُصيّ إلى الضابط بدون تعبير ثم قال إلى الحارسين بجدية: أقبض عليها و هاتها هاتها هي كمان معايا بالمره هاتها..
أمرها الضابط بلهجة آمرة قبل أن يذهب: هاتي عنوانك عشان نعرف نوصلك في أي وقت..

ردت بهدوء وهي تبتسم ببلاهة: لا متقلقش هتلاقيني معاكم علي طول مشــ، وصمتت عندما رأت نظرته الحادة الغاضبة فتابعت بتوتر: حاضر يا باشا، وقامت بكتابته له بهدوء، أخذه من بين يديها ثم أخذ قُصيّ وذهب تحت نظراتها الحزينة الممزوجة بالقلق والخوف..

كان البهو مزدحماً من كثرة الأشخاص الذين كانوا بالحفل، انخفض صوت ثرثرتهم المرتفع المزعج فجأه عندما وجدوا قُصيّ مُكبل اليدين يسير معهم بثقه يبتسم بكل هدوء كأنه ذاهباً كي يتكرم في أحد الحفلات وما جعل إبتسامته تتسع أكثر رؤيته لـ جاسم يقف وبجانبه سامي مُشوه الوجه!، لوح لهم وهو يبتسم ابتسامة غريبة كأنه وجد أصدقائه حتي اختفي تمامًا عن وقع أنظارهم وتم فتح الأبواب ليذهب الجميع..

أشر جاسم عليه وهتف بتشوش واستفهام وهو يقطب حاجبيه: يعني إيه الكلام ده؟!
تحرك سامي بملامح غاضبه كالجحيم وهتف بخشونه: يعني هو إللي قتلها، أمسك جاسم يده جعله يقف وهتف باستفهام وقلق وكأنه لم يضربه منذ قليل: إستني إنت رايح فين؟!
هتف بعصبيه وهو يدفع يده: رايح وراهم عشان لو هو فعلاً إللي قتلها مش هرحمه دي كانت أختي فاهم!.
أوقفه مجدداً بقوله وهو يفكر: إستني هاجي معاك..

رفض بتهكم وهو ينظر له بغضب: لا خليك مع عشق اللي بقت جـنّـة وسبني لوحدي، لا يوجد ما هو أقوى وأكثر صراحة من هذا التلميح! لكن جاسم غبي لا يسمع، أو انه مثير إلى الشفقة بذلك القدر الذي يجعله لا يستطيع البحث عن الحقائق كي لا يخسرها!.

تركه سامى وغادر، مرّر يده على وجهه بعصبيه ثم اتجه إلى المصعد كي يأخذ جـنّـة ويذهب لكن مع دخوله إلي المصعد إصطدمت فتاةٍ ما بصدره ثم اعتذرت سريعاً بصوت مهزوز دون أن ترفع وجهها: آسفه، وتابعت سيرها بهدوء، قطب حاجبيه وخرج خلفها، ظل يحدق بظهرها ولم تختفي تقطيبه حاجبيه بعد لكن شكه بهيئتها جعله يأخذ خطوة إلى الأمام كي يذهب خلفها، أوقفه صوت إحدي الرجال من المصعد قبل أن يتحرك: الأسانسير هيقفل، أومأ له بخفة ومازال نظره معلق عليها وعلى طريقة سيرها بتفكير ثم استقل المصعد وهو يمسد جبهته بتعب..

توقفت عشق أمام الفندق وهي تلتفت حولها وضربات قلبها تكاد تهشم قفصها الصدري من الخوف والقلق في أنٍ واحد، جاسم ماذا يفعل هُنا؟ هل تعرف عليها؟ هل جاء للبحث عنها وسوف يأخذها؟ ماذا ستفعل؟ كيف ستواجهه؟.
توقفت تبحث عن أي سيارة أجرة تستقلها لكن ما أرعبها حقاً وجعل الدماء تجف داخل عروقها سماع صوت سامي البغيض يهتف بإسمها: عشق، عشق، عشق.

شحب وجهها وتجمدت شفتيها غير قادرة على النطق كأنها شُلت مع تيبس قدميها أرضًا عاجزة عن التحرك خطوة واحدة، لكن كل ذرة بجسدها كانت ترتعد من الخوف..
حركت شفتيها بصعوبة بالغة كأنها تجاهد لتفعل هذا ثم همست بنبرة خرجت مرتجفه: سامي!

أغلق باب سيارته بعد إن كاد يستقلها، تقدم منها بحماس كأنه وجد كنزه الثمين لكن كل هذا ذهب هباءًا عندما وجدها توقفت بمنتصف الطريق وظلت تلوح بيدها وهي تهتف بنبرة شوبها اليأس: تاكس تاكس..

توسعت عينيه وركض خلفها كي يلحق بها وهو يهتف بـ تحذير ووعيد: عشق لأ متهربيش تاني هجيبك عشق، لكنها استقلت سيارة الأجرة سريعاً وهتفت بخوف من بين أنفاسها المتسارعة وهي تنظر من النافذه تراقب ركضه اتجاهها: أمشي بسرعه بسرعه..

تحرك السائق سريعاً بالسيارة واختفت عن وقع أنظاره، ركل إطار السيارة التي كانت أمامه بغضب ثم عاد ركضًا إلى سيارته وقاد بسرعه وملامح متهجمه وهو يقبض على المقود بقوة وعيونه غائمة في سواد دامس من الغضب وكل ما كان يُردده هو وعيده لها إن وقعت بين يداه..
لدي جاسم..
دلف علي والدته وهو يحمل جـنّـة الغافية بين يديه، شهقت روحية بخضة وخوف، هرولت له وسألته بقلق: مالها في إيه حصل إيه؟

رد بهدوء وهو يطمئنها: مفيش هي تعبت بس شويه ونامت هطلعها أوضتها وجي..
أمام مركز الشرطة..
توقفت سيارة الأجرة أمام مركز الشرطة الذي عرفته بالصدفة بسبب ازدحام الطريق ورؤيتها السيارة التي أخذت قُصيّ، وأمرت السائق أن يتبعها بهدوء، ترجلت منها بارتباك ثم قضمت شفتها بقهر عندما أدركت أنها لا تملك نقود ماذا ستفعل الآن؟!
لكن يبدو أنها ليست الوحيدة التي كانت تتبع سيارة الشرطة..

نظرت إلى السائق عبر النافذة ثم هتفت بتلعثم: أنا، أنا، أنا، ثم صمتت ولا تعلم ماذا تقول ليرفع السائق حاجبيه وهو ينظر لها، زفر ورفعت جسدها عن السيارة ثم رفعت يدها إلى أذنها بقهر وخلعت قرط والدتها بحزن فيبدو أنها لن تستطيع البقاء عليه كيثراً، انشغلت بخلعه وبعد أن نزعته كي تعطيه له وجدت هواء قوي لفحها أثر تحرك السيارة وذهابها نهائياً، فغرت فمها وهي تنظر إلى الطريق الذي أصبح فارغ امامها، تعجبت وهي تبحث عنه بعينيها لكنها لم تجده!، هزت كتفيها بقلة حيله وعدم إهتمام لكنها لم تخفي سعادتها لأنها لم تتخلي عن ممتلكاتها..

ارتدته من جديد وهي تبتسم ثم التفتت كي تذهب لكنها شهقت بخوف وتقهقرت إلى الخلف بترنح عندما وجدت سامي يقف أمامها، مُشوه الوجه كم بدي مخيفاً مع هذه الجروح التي ستترك ندباً لا محالة، تعثرت وكادت تسقط لكنه التقط خصرها وهو يبتسم بخبث، وجهه مع تلك الإبتسامة يا الهي يشبه الدُمية القاتلة، رفعها بخفه لتقف باستقامة وأردف أمام وجهها الذي شحب وأصفر: عشق، وحشتيني، ثم عانقها تحت تجمدها كإحدي تماثيل الشمع دون أن ترمش حتى قرص وجنتها وتحدث بتسلية وهو يراقب حركة عنقها و ازدرائها ريقها بخوف: مالك خايفه كده ليه؟ كأنك عشمتيني بحاجة وهربتي! علي العموم هنتكلم بعدين لكن دلوقتي، وحاوط كتفيها بقوة جعلها تئن من الألم وهو يبتسم بـ غِل وتابع: ندخل نطمن علي حبيب القلب قُصيّ الأول يلا بينا؟!

أردفت بنبرة مرتجفة هامسة بالكاد خرجت من حلقها الجاف وهي على وشك أن تفقد وعيها قبل أن يتحرك: ســ، سا، سامي، أنـ، ا، أنا، لكنه عانقها بغتة ودفن رأسها بصدره بقوة وغليل كتم أنفاسها كادت أن تختنق أثرها..
تحدث وهو يسند ذقنه فوق رأسها ومازال يدفن وجهها داخل صدره بقوة قاتله: هششش هششش مش وقت كلام مش وقت كلام..

فصل العناق لتشهق وهي تلتقط أنفاسها بوجه محتقن مختنق، كوب وجهها بين يديه تحت شهقتها بخوف و ارتجاف جسدها، حرك إبهامه على وجنتها بنعومه وأسند جبينه على جبينها وهتف وهو يطبق جفنيه بقوة يستنشق الهواء الممزوج برائحتها بانتشاء وهو يقول بهمسٍ: ماتخافيش مش هأذيكِ مش هأذيكِ ها!.
هزت رأسها موافقة سريعاً وقلبها يرتعد خوفًا.

وهي على وشك الإنهيار بين يديه لكنها عاجزة حتى عن فعل هذا لأنها لا تعلم ما قد يفعله بها إن استسلمت، ليتابع بتهديد: بس هأذيكِ لما متسمعيش الكلام فاهمه؟!، هزت رأسها و مقلتيها تهتز من الخوف فابتسم برضا ثم إبتعد وأمسك يدها ودلف داخل مركز الشرطة وهي خلفه تجر قدميها غير قادرة على السير وكم تمنت لو لم تأتي فهاهي الآن سقطت بيد مريضٍ لن يتركها، غبية لما أتت؟ هل قُصيّ صغير؟ أم إنها هي من ستخرجه إن بكيت في الداخل!

زفر للمرة الألف وهو يشعل لِفافة التبغ خاصته، وضعها بين شفتيه واستنشقها بعصبية ثم نفث الدخان بوجهه قُصيّ ببرود..
سعل قُصيّ باختناق وهو يتذكر عشق ثم سأله باستفهام و استياء: مش بتجيبها بطعم الفراولة ليه دُخانها ألطف شوية؟، ألقى الضابط هاتفه بغضب ونفاذ صبر على جدار المكتب وهو يدحجه بنظراتٍ نارية مشتعلة هذا القاتل المتبجح!.

تابع قُصيّ وهو ينصحه كأنه صديقه: مش مُضرة لصحتك دي برده يا باشا؟ متحرقش سجاير كتير عشان صحتك هات كام مجرم من عندك من الحجز وانزل فيهم ضرب لحد ما ترتاح! أنا لو مكانك هعمل كده بطل تدخين عشان مصر..
ضحك الضابط بتسلية وهو يرفع حاجبيه ثم أطفئها وهو يهز رأسه وأردف بخشونة وهو يقف تاركاً المكتب وجلس على المقعد المقابل لـ قُصيّ: عندك حق ونصيحتك دي هنفذها عليك دلوقتي لو متكلمتش وقولت قتلتها ليه وإزاي؟!

أومأ قُصيّ وتحدث بهدوء: بُص ياباشا أولاً كده أنا واحد ليا اسمي وسمعتي وأنا ساكت عن كل ده وسبتكم تاخدوني قدام الناس كلها وعادي ومقولتش حاجة تقديراً ليك ولظروف شغلك وواجبك تجاه البنت اللى ماتت لكن ما تزودهاش بالطريقه دي وتقول أني قتلتها!

تحدث الضابط بسخط وهو ينظر له: وأنا ميشغلنيش أسمك ولا سمعتك ولا إنت إيه أصلاً أنا ليا إنك هنا دلوقتي معايا في القسم ده وطالما إنت معايا دلوقتي تبقى مجرم وقاتل وملكش إسم غير كده؟!.

زفر قُصيّ ومرر يده على وجهه وهو يتنفس بنفاذ صبر: أنا معرفهاش دي أول مره أشوفها ومش معنى إن أنا كنت معاها في نفس يوم موتها يبقى أنا القاتل معنديش أي دافع يخليني أقتلها هي مين أصلاً دي عشان تستفزني وتخليني أقتلها! أنا محدش يقدر يستفزني وأنا مش قاتل عشان أقتلها لو استفزتني برده!.
ضحك الضابط وهدر وهو يأشر عليه: أهو غرورك وثقتك دي هتخليك تطول معانا هنا..

أسند قُصيّ ظهره على المقعد براحه ووضع ساق فوق الأخرى بعدم اهتمام وتمني لو يعقد يديه أمام صدره لكنها مكبلة ولا يستطيع، هز كتفيه بقله حيله وظل ملتزم الصمت..
تنهد الضابط بعصبيه ثم ركل ساقه بقسوة أسقطها، ووضع هو ساق فوق الأخرى وأرح ظهره علي المقعد وظل جالس يحدق به بثقب كي يفهم هذا القاتل وهما يتبادلانِ النظرات معاً بتحدي..

قاطعه العسكري الذي دلف وتحدث باحترام: في إثنين برا يا باشا عايزين يقابلوا حضرتك، أومأ الضابط وأشر له بالموافقة، فخرج وأذن لهم بالدخول..
أبعد الضابط نظرة عن وجه قُصيّ ونظر إتجاه سامي الذي دلف بملامح متجهمة كـ هجومه على قُصيّ ورفعة من حاشية ملابسه بعنف وهو يزمجر بخشونة، جعل عشق ترتعب وهي تقف بجانب الباب تضم جسدها بخوف وهي تراقبهم..

هدر قُصيّ باستياء وهو يحدق بيد سامي التي تقبض على قميصه: كده كرمشتلي القميص ينفع كده يا باشا؟
استأذن سامي من الضابط باحترام وهو يحاول التحكم في أعصابه: لو سمحت ممكن تسيبنا لوحدنا شويه مش هأذيه..
ضحك الضابط بسخرية وهدر بتهكم: إيه الثقه اللي انتوا فيها دي؟! انت فاكرة في اوضة الناظر ولا ايه؟ ده مجرم ولو متكلمش هرمية في الحجز دلوقتي..

فأعاد سامي بترجي وهو يبتسم بعصبية: معلش لازم أتكلم معاه، زفر وترك الغرفه وهو ينظر إلى عشق بنظراتٍ متفحصة منزعجة فابتعدت عن الطريق سريعاً عندما انتبهت ووجدته يقف أمامها يتنفس بنفاذ صبر..
دفعه سامي بعنف أسقطه فوق المقعد من جديد، زفر قُصيّ بضجر وهتف بامتعاض: إنت جاي تفرهضني ولا إيه؟!، ثم نظر بالاتجاه الآخر فقطب حاجبيه و هتف بتعجب: عشق بتعملي إيه هنا؟

كادت تتحدث لكن سامي ابتسم بخبث وتقدم منها، حاوط كتفيها بقوة وتحدث بابتسامه: مفجأه مش كده؟!
ضحك قُصيّ وهتف باستخفاف وهو يلوح بيده أثناء حديثه: لا مش مفاجأه ولا حاجة أنا كنت نايم في حضنها قبل ما يخدوني تقريباً مُدمرين اللحظات مش كده؟!

صك سامي علي أسنانه من الغيظ وهو يقبض على كتفيها غارزًا أنامله داخلها بقوة دون أن يدري جعلها تتأوه بألم، حذره قُصيّ بغضب وهو يأشر علي يده: براحه على كتفها هتمسح الحِنه مش كده؟ هي اتمسحت وانتِ نايمة في حضني صح؟!
ضحك سامي بعصبيه من كم الاستفزاز والبرود في حديثة هو حتى لم يخبره أن يبتعد عنها!، التقط أنفاسه بغضب وتركها ثم هتف بابتسامه مصطنعه: ماشي، قتلت شاهي ليه؟!

هز قُصيّ رأسه بأسى وهتف بدراميه: صدقني مقتلتهاش دي أجمل من إني أقتلها أنا بوستها بس..
فأعاد سامي باستفهام وهو يضم قبضتيه بغضب: ليه برده؟.

مرر قُصيّ لسانه على طرف شفتيه ثم قال وهو يضيق عيناه بتفكير مبتسماً بهدوء: كانت شقره وكده وأنا الصراحه بحب الفواتح، ثم حرك رأسه للجانب وتابع وهو ينظر إلى عشق التي تحدق به بدون تعبير: متزعليش انا برده بحب الغوامق، وغمز بنهاية حديثه وهو يقهقة ليدخل الضابط بذلك الوقت وهتف بسخرية: إنتوا بتتكلموا في إيه؟!

تحدث قُصيّ بهدوء: كنت لسه هقول إسم المحامي إللي أنا عاوزه بس سامي صديقي مش سامي برده! هيعمل اللي عليه وزياده شويه مش كده؟!
أبعد سامي نظره عنه وهو يتنفس بعنف ويدعو أن يظل صامداً أمام ذلك المستفز وألا يقتلهُ الآن وهُنا أمام الجميع..
قام سامي بسؤال الضابط باحترام: وصلتوا لحاجه؟!
تحدث بهدوء وهو ينظر الي قُصيّ: شوفنا تسجيلا الكاميرا وللأسف بعد ما سابها وخرج الكاميرا فصلت..

فسخر قُصيّ قائلاً: وبكده أكون أنا القاتل؟! مفيش بصمات مفيش شهود مفيش أي حاجه خالص! علي العموم أنا هفضل معاكم ولما تعرفوا إني معملتش حاجه قولولي عشان سعتها مش هسكت علي سمعتي إللي ضيعتوها دي..
تحدث الضابط باستهزاء متهكمًا: سمعتك! خايف على سمعتك ومش خايف على مشاعر مراتك إللى عمال تقول قدامها بكل بجاحه إنك بوستها!

إنفجر سامي ضحكًا وهو يحدق بعشق التي تتمنى أن تنشق الأرض وتبتلعها الآن وهتف بتهكم: مراتك! الله ده انا فايتني حجات كتير يا مرات إبن عمي!.
سخِر منهُ قُصيّ وهتف بإزدراء: ومش عيب لما تكون بتحب مرات إبن عمك وعمال تطاردها يا محترم؟!
ضحك سامي ولوح له وهتف بسخرية: إنت أخر واحد تتكلم عن الإحترام يا قُصيّ..
صرخ بهم الضابط بحده وغضب: إنتوا جايين تفضحوا بعض هنا؟!

هتف سامي بضجر وهو يشابك أنامله مع أنامل عشق المرتجفة وهذا جعل قُصيّ يبتسم بعصبيه ضاغطاً على أسنانه من الداخل: كويس انك عارف إني بحبها ولازم تعرف إنك مش هتشوفها تانى..
رفع قُصيّ حاجبيه وهتف باستفهام: ليه إنت مين إنت؟! وبعدين مش تعرف رأي عشق الأول؟!
نظر الجميع إتجاه عشق التي زاغت عيناها و ازدردت ريقها بحلق جاف وقلب هلع لكنها لم تتحدث أو لم تستطع التحدث فهي خائفه منهُ بشدّة..

هتف قُصيّ بسخرية ممزوجة بخيبة أمل: مكنتش أعرف إنك جبانه كده!
نظر لهم الضابط باستفهام وعدم فهم مما يحدث بسبب تحدثهم بالترهات جميعاً، أليست زوجته! فكيف يخيرها الآن هذا الغبي؟، وذلك المتبجح هل يخبره بكل بساطة وهو يمسك يديها أنه يُحبها وسوف يأخذها ويذهب وهي زوجته؟

أطرقت رأسها وتساقطت عبراتها قهرًا بسبب خوفها وضعفها وخضوعها لــ سامي فهي تحب قُصيّ ورؤيتهُ هكذا لا تسعدها بتاتًا لكن سخريتهُ طمئنتها قليلاً أنه رُبما يكون بخير..
استفاقت على جذبه لها من معصمها بعنفٍ خلفه..
لـ يزمجر قُصيّ وهدر بتهديد وغضب: لو اتحركت أكتر من كده هتطرني إني أقول حاجات محدش يعرفها غيرك إنت وشاهي وللأسف عرفتها أنا كمان وزي ما تقول كده رقابتك بقِت في أيدي..

شحب وجهه وتوقف عن السير ثم استدار و هتف بنبرة مهتزة: وهتقول ايه؟

إبتسم قُصيّ ثم هتف بنبرة حانية وهو ينظر إلي عشق الباكية بوجه باهت: روحي يا عشق وجهزي الشنط عشان هنسافر هاجي وراكِ ومش هتأخر متقلقيش، نظرت إلي الضابط بتشوش وكأنها تسأله إن كان صحيح هذا القول ليزفر وقال بأسف كأنه حزينًا لأن قُصيّ ليس القاتل: للأسف بعد ما خرج كان سيبها كويسة واتضح أن القاتل حد تاني، نظر له سامي بوجوم ثم إلى عشق التي ابتسمت بنعومة وأضاء وجهها..

هتفت بسعادة تحت حسرة سامي وهو ينظر لها لأنها ستهرب من جديد: حاضر، هستناك، وتركت الغرفة وغادرت..
إبتسم قُصيّ ثم سأل الضابط باستياء: مش هتفك ايدي ولا ايه؟
أشر له الضابط أن يجلس وهتف باستفهام: هفكك لما تقول شاهي قالتلك ايه يوديه في داهيه؟ وزي ما انت عارف احنا لازم نعرف الحوار اللي دار بينكم يمكن قالتلك حاجة بتهدد حياتها او عن القاتل مثلاً مش يمكن يكون هو؟، وأشر على سامي في نهاية حديثة..

صرخ سامي بعصبية وهو ينظر له بحدة: عايز تلبسها لأي حد انت عشان تقفل القضية؟
ضحك قُصيّ بخفه واقترح على الضابط: احنا ممكن نقول انها قاومته وشوهت وشه كده بس قتلها و مرحمهاش ودلوقتي بيعلي صوته عليك ينفع كده؟
أطلق سامي صوتًا ساخر ثم جلس مقابل قُصيّ وهتف بتسلية معهم: حلو حلو، جميل كمل..
ضحك قُصيّ بتسلية ثم طلب بهدوء: عايز أعمل مكالمة ممكن؟.

لدي آدم..
ابتسمت بنعومه وهي تحاوط عنقه بيدها الناعمة تتمايل معه ببطء على أنغام الموسيقي الهادئة بعد أن تمت خطبتهما رسمياً الآن..

ابتسم آدم على مضض ابتسامة هادئة وهو ينظر لها دون التفوه بحرف، يكفي حديثها وثرثرتها مُنذُ أن رأته وكأنها كانت تنتظر الفرصة كي تخرج مكنون صدرها إلي زوجها المستقبلي عندما تراه وتتعرف عليه!، ثم والديها الثرثارين ايضاً، لقد أصابوه بوجع الرأس فقط لما وضع نفسه بهذا الموقف وارتبط بها لِمَ؟ هو لا يتحمل تلك الثرثرة لا يتحملها..

جالت عيناه في غرفة الجلوس باحثاً عنها بلهفة، هي ليست بجانب مصطفي ولا والدته اللعينة مع من هي إذا؟.

إبتسم عندما وجدها تجلس على طاولة الطعام التي تم ركنها جانباً، تضع راحة يدها أسفل وجنتها تنظر من النافذة التي تطل على الحديقة بشرود، والحزن بيّن على ملامحها! هل هي حزينة عليه لأنه سيتزوج؟ بالتأكيد لا! هي فقط حزينة لأنها ستفقد السائق الخاص بها والمربي الذي كان يعتني بطعامها وشرابها وحمايتها، هو ليس للحب بالنسبةِ لها ولن تفكر أن تخون زوجها من أجله فالخيانة ليست مُركبة بها ولا به لكنه مُطّر لخوض هذا لأنه لن يحصل عليها سوى بتلك الطريقة هذا ليس ذنبه!

صدح صوت هاتفه انتشله من شتات عقلة وثرثرته مع نفسه كالمجانين، ترك خصرها وأخرج هاتفه من جيب بنطاله، قطب حاجبية عندما وجده غير مسجل، كاد يغلقه لكن هذا سيكون حِجة الهروب منها...
تحمحم ورفعه على أذنه لكن سالي أوقفته عندما هتفت بعبوسٍ وهي تضع يدها على يدية: ده وقت مكالمات يا آدم؟
إبتسم وهتف بأسف: ده صاحبي..
هتفت بنعومة وهي تضرب صدره بـ كتفها: طيب خطيبتك ولا صاحبك؟

إبتسم بحنان وداعب وجنتها برقة جعلها تبتسم بنعومة وهي تحرك وجنتها ضد راحة يده كـ قطة ثم قال ببساطة: صاحبي طبعاً يا سالي، وتركها تقف متيبسة وحدها وخرج كي يرد على تلك المكالمة كي يهرب..

انسابت عبرات تالين بصمت دون أن تعلم سبب وجيه لهذا لما الحزن؟ هي متزوجة وهو سوف يتزوج فقط ما المشكلة؟ هي اتخذته صديق ولم تحزن عندما تزوجت شقيقة لأنها لا تحبهُ، ما مشكلتها الآن؟ هو المشكلة، لأنهُ أخبرها انهُ يُحبها، لأنهُ إهتم بها عندما كانت مُهملة، لأنه أشعرها بمقدارها وكم هي ثمينة بالنسبةِ لهُ، هو المخطئ من البداية! إن لم يخبرها لم تكن لتحزن على نفسها ولا عليهِ ولا على سالي التي سوف يظلمها معهُ بفضلها وتحيي هي مع تأنيب الضمير، كم هو شعورٍ بشع أن تكون السبب في تعاسة الغير دون قصدٍ منك..

وقفت عن الطاولة وهي تستنشق ما بأنفها بعنف ثم خرجت إلي الحديقة لأنها تشعر بشيءٍ يطبق على صدرها بقوة يجعلها تختنق ولا تستطيع التقاط أنفاسها..
هتف باستياء وهو ينظر بساعة معصمه: في حد يتقبض عليه متأخر كده؟ أسيب خطوبتي انا يعني عشان اجيلك أخرجك!، ابعد الهاتف عن أذنه مشمئزاً وبصق عليه وهو يستمع إلى سبابة البذيء بكل فخر..
هتف بضجر قبل أن يغلق الهاتف بوجهه: جي جي اقفل البكابورت ده واخرس..

اغلق الهاتف وهو يلعنه بابتسامة وأخذته قدميه إلى الخارج لكنه توقف عندما أبصرها تجلس فوق الأرجوحة بحزن، التفت وكاد يذهب لكنه توقف واعتلى ثغره ابتسامة عابثة، تقدم منها بخطواتٍ حثيثة على أطراف أصابعه حتى لا يصدر أوراق الشجر المتساقط صوتاً فوق العُشب..
تنهدت بإحباط وهي تعانق الوسادة الصغيرة لتصرخ بفزع حقيقي عندما وجدت الأرجوحة تهتز بقوة وتكاد تسقط من فوقها أرضاً على وجهها..

نظرت خلفها بقلب مرتعد وهي تمسك بالأعمدة الحديدية بقوة و خصلاتها ترفرف حول وجهها بسبب الرياح أثر اهتزازها، أبصرت آدم يقف خلفها على بعد خطوات بسبب تحليق الأرجوحة عالياً عاقداً يديه أمام صدره يشاهدها ويضحك بتسلية..
صرخت بخوف وهي على وشك أن تبكِ: إخص عليك يا آدم وقفها أنا خايفة، هز رأسه وهو يضحك لتدمع عيناها..

زم شفتيه وتعاطف معها، تقدم وأمسك العمود من الجانب أوقفها بخفه وتمهل حتى توقفت نهائياً، هربت شهقتها وبكيت بخوف وهي تغمر وجهها بين راحة يديها بحزن، إختفت إبتسامته ومال بجذعة من خلف الأرجوحة عليها، أبعد يديها وكوب وجهها الناعم بين يديه و هدئها بحنان: هشششش اهدي ايه انا بهزر معاكِ، هزت رأسها بنفي وهي تنتحب غير قادرة على التوقف..

قبل جبهتها بحنان وهتف بحب: بحبك، توقفت عن النحيب و ارتجفت شفتيها وعلا صوت خفقاتها وهي تنظر له بأعين دامعة، ابتسم بحنان عندما صمتت ومال عليها أكثر وهتف بحرارة وتأثر و مقلتيه تتجول على ملامحها بهيام: انا بحبك، حركت أهدابها ببطء وهي تنظر له شاعرة بتلك الفراشات اللطيفة التي تتطاير داخل معدتها لـ ميل أكثر أمام شفتيها وهتف بهمس: بحبك، ومن دون سابق إنذار، دون أن يعباً بـ جميع من بالداخل، قبلها بكل ما أوتي من حُب..

جحظت عينيها وابتعدت لكنه وضع يده خلف رأسها دافناً أنامله داخل شعرها بنعومة وقربها دون أن يترك لها الفرصة كي تتحرك وارتوى من رحيق شفتيها الهلامية الكرزية التي حلم كثيراً بتذوقها وها هو يفعل هذا بكل حب دون إعتراضٍ منها، صحيح أنها لم تبادلهُ قبلته من الصدمة لكنه سيكون حريصاً على جعلها تبادله المرةِ القادمة..

فصل القبلة لاهثاً و أطبق جفنيه بقوة وانفعال وهو يلملم شتات نفسه المُبعثرة، ما هذا؟ لا يُريد تركها! شقيقة الغبي كيف يترك كل هذا الجمال ويهملها! يجزم أنه ليس برجلٍ ابدا، ليس رجل اللعنة عليه، نظر لها من جديد وعينه تلتهمها التهاماً غير متجاهل صدرها الذي يعلو ويهبط باضطراب وارتجاف شفتيها وجفنيها المطبقين بقوة كطفلة خائفة..

ليدرك الآن وهو ينظر لها أن كُل ما كان يخطط له سابقاً أصبح مُصرا علي فعله أكثر الآن ويقسم أنه لن يتركها سوى بموته لن يتركها..
عاد خطوتين إلى الخلف هو يتنفس باضطراب وتذبذب ثم استدار وذهب بعيداً عنها وهو يضم قبضته بقوة لأنه إن ظل هُنا لن يتركها لن يفعل..

حركت جفنيها ببطء وأفرجت عن مقلتيها الدامعة ولا تعلم أحزناً أم فرحاً أم اضطراب أم خذلاناً من نفسها لا تعلم، لكن قلبها يكاد ينخلع ويقفز خارج قفصها الصدري ويخفق محله أرضاً كي تدري وتشعر بمدى مُعاناتهِ بسبب آدم..
رفعت ساقيها على الأرجوحة ثم قربت ركبتيها إلى.

صدرها وأسندت ذقنها فوقها وظلت تبكِ وحدها، لقد سئمت تلك الحياة، تُريد الطلاق والاختفاء بعيداً عن الجميع لا تُريد حياة مثل هذه وإن ظلت لن تكون سوى خائنة وضيعة..

توقف بالسيارة أمام مركز الشرطة، ترجل منها وهو يبتسم كالابله من سعادته، لأن هناك إحتفالاً صاخب يحدث الآن بداخله، توجه إلى الداخل دون أن يغلق سيارته ويأخذ المفتاح ومازال يبتسم، فهو يحلق بعيداً الآن، تلقي صفعة خفيفة على وجنته جعلته ينتبه إلى خطواته..
نظر أمامه وهتف بتعجب ومازال يبتسم: ايه ده قُصيّ ما انت خرجت اهو!

ضرب صدره بخفة وهتف بسخط: ما إنت اتأخرت وبعدين اديته بياناتك عشان لو عملت حاجة هيجيبوك انت..
أومأ بتفهم وتابع طريقه إلى الداخل جعل قُصيّ يتعجب وهو ينظر له ثم جذبه من ياقة ملابسه أوقفة أمامه وسأله باستنكار: انت شارب حاجة ولا ايه؟ رايح فين؟
ضحك بخفة وحك مؤخرة رأسه وهتف بابتسامة: أصلي مبسوط بس عقبالك كده حمد الله علي السلامة، كنت هجبلك عيش وحلاوة والله خرجت ليه؟

ضربة بغيظ وسأله باستنكار وهو يستقل السيارة المفتوحة: انت سايبها مفتوحة كده علي البحري ليه؟ بتلفت نظر الحرامي يعني ولا ايه؟
ضحك آدم بذهول وهو يحدق في السيارة بعدم تصديق وهتف بقلة حيلة وهو يستقلها: انها السعادة يا صديقي..
قهقهة قُصيّ بخفة وسأله: كسبت في مسابقة الحلم ولا ايه؟
أبتسم آدم وقال بسعادة: انا حققت الحلم نفسه..
ابتسم قُصيّ و سأله ببلاهة: ايه ده كسبت المليون؟

زفر آدم ونظر له بازدراء وقال بضيق: طب اسكت بقي متعكننش عليا، وكان مقبوض عليك ليه حماتك انت التاني بلغت عنك؟
ضحك بسخرية وهو يهز رأسه ثم قال بهدوء: طيب روحني عشان مسافر..
قطب حاجبيه بتعجب وسأله: رايح فين مش ممنوع من السفر؟

نظر له قُصيّ قليلاً بتعجب ثم سأله: وعرفت منين؟ علي العموم ممنوع فعلاً عشان هيطلبوني تاني ويسألوني شوية أسأله ولحد الوقت ده عايز ابعد عن القاهرة، هروح عند عمّار بقالى كتير مروحتش تيجي معايا؟
ضحك آدم بخفه وسأله: عمّار متصلش بيك ولا حاجة النهاردة؟
هز رأسه بتفكير ثم قال وهو يتحسس جيبه: الموبايل سايبة باين مش معايا..

أومأ آدم بتفهم ثم قال بهدوء: النهاردة كانت خطوبة عمّار واتصل بيا وقالي بيرن عليك ومش بترد!
أومأ قُصيّ وهو يحدق بأنامل آدم وسأله: خطوبته وخطوبتك!
أومأ آدم بتوجس ظناً أنه سوف يغضب ويثور لأنه آخر من يعلم ليجده ضرب يديه معاه وقال بضيق: كان نفسى تبقى دُخلة..
ضحك آدم وسأله باستفهام: اشمعنا؟
هتف قّصيً وهو يلاعب حاجبيه بمكر: عشان أصبح عليكم واشوف جبتولنا العار ولا لأ؟

ضحك آدم ثم هتف باستياء: بس يا خاين انت اسكت خالص..
توقف بالسيارة أمام منزله وأمره بحزم: وصلنا اتفضل وياريت متتصلش بيا في المصايب تاني..
هتف بضجر هو يضع يده على المقبض: انا غلطان اني بكبرك قدام الشخصيات الكبيرة، لوي آدم شدقيه وهو يقلب عينيه لـ يتابع قُصيّ: المهم هتيجي معايا؟
زم شفتيه وهو يفكر ثم قال بهدوء: هحصلك عشان كده كده كُنت هاجى بس بعد يوم او اثنين عشان ممكن أجيب تالين معايا..

ضيق قُصيّ حاجبيه وقال بمكر: تالين!
زفر آدم وقال بتحذير: انزل قبل ما تقول أي حاجة سخيفة زيك يلا وهبقي اتصل اقولك جي ولا مش جي بس هاجي، أومأ له قّصيّ بتفهم وترجل من السيارة ولوح له ثم دلف إلى المنزل ليعود هو الآخر إلي المنزل..

أنهت ترتيب الثياب داخل الحقائب وهي تبتسم بنعومة وقد بدلت ثيابها إلي بنطال جينز وسترة شتوية وفوقها معطف وعقدت وشاح حول رقبتها ظناً أنها رُبما تسافر إلى أوروبا، متناسية قرارها بتركه والبدء من جديد وحدها بعيداً عنه، ودلف تقف داخل الشرفة..

دلف إلى الغرفة بملامح متجهمة متجاهلاً وجودها، فتح الخزانة بضيق وأخذ ملابس ثم صفع الضلفة بقوة جعلها تصرخ بفزع وهي تتلفت حولها بهلع ثم خرجت ركضاً تبحث عنه بعينيها بلهفة، لم تجده بل سمعت صوت المياه يأتيها من خلف باب من دورة، تنهدت بحزن ثم جلست على الفراش تنتظر خروجه بقلق، هي متأكده انه غاضب مما حدث، لقد قامت ببيعه والتخلي عنه بسهولة بسبب خوفها..

خرجت من شرودها عندما صفق باب دورة المياة، وقفت وركضت اتجاهه، عانقته بقوة وهي تمرر أناملها داخل شعرة الرطب بنعومه، دفعها عنه بخشونة وهو ينظر لها ببرود مع هتافه بتهكم: لا بجد!
وقفت أمامه وكوبت وجهه بين يديها وهي تضع جبينها على جبينه وقالت بأعين دامعة بنبرة مرتجفة: أنا كنت خايفة منه وانت وضعك مكنش مساعدني اني اتحامي فيك..

ابعد رأسه عنها بضجر وقبض على ذراعها بقوة غارزاً أنامله داخله بقسوة لـ تنكمش ملامحها معبرة عن ألمها الشديد وهتف بتهكم: ولو خدك دلوقتي كان حصل ايه وكان هيعمل فيكِ ايه مفكرتيش ياغبية؟!

انسابت عبراتها بحزن وأطرقت رأسها ولم تتحدث، رفع وجهها بيده كي تنظر له مداعباً ذقنها بإبهامه بنعومه وهتف بحنو: خوفت عليكِ، شهقت باكية ثم عانقته بقوة وهي تحوط منكبه العاري بيديها وهي تدفن وجهها داخل عنقه ثم هتفت بصوتٍ مكتوم آسف: أنا آسفة..

عاد إلى المنزل وهو يبتسم، صف السيارة واتجه الى الداخل ليجد كل شيء مرتب والأضواء مغلقة؟ ما هذا؟ هل نام الجميع مبكراً هكذا؟ لايهم، لكن خطبته هل انتهت! لما لم تهاتفه سالي كي يقلِها هذا مؤسف لقد كان يرغب في ان يقلِها بشدّة، حسناً المرةِ القادمة، هز كتفه بعدم اهتمام ثم صعد إلى غرفته ودلف بهدوء، بدل ثيابه وهو يبتسم بحماس ثم دلف إلى الشرفة بسعادة..

إختفت إبتسامته وتحولت سعادته العارمة الى حزنٍ عميق عندما وجد تالين تجلس بأحضان مصطفي يحاوطها بالغطاء الدافئ يحميها من البرودة صامتين دون التحدث، يتأملان النجوم معاً، مع مصطفي عوضاً عنه..
ابتلع غصته بمرارة وهو ينظر لهم بحسرة ثم عاد أدراجه إلى الداخل بخيبة أمل وقلب متألم بأعصاب مشدودة، استلقي على الفراش وتقوس على نفسه بوضعية الجنين وظل شارداً بأعين زائغة يحدق في نقطة معينة في جدار الغُرفة حتى غفي..

صباح اليوم التالي..
توقف قُصيّ بالسيارة في منتصف الطريق على الجانب، نظر إلى عشق الغافية في المقعد بجانبه، ابتسم وداعب وجنتيها المتوردة بنعومه، فتحت عيونها بثقل وهي تهمهم بنعاس..
تساءلت باستفهام وهي تتثاءب: ايه ده؟ لسه موصلناش المطار!
قهقهة بخفة وسألها وهو يمط ذراعيه بنعاس: ومين قالك انت مسافرين برا مصر؟
قطبت ما بين حاجبيها بانزعاج وسألته بضيق: طيب رايحين فين دلوقتي؟

ابتسم وعاد للقيادة من جديد وهو يقول: رايح عند صاحبي في الصعيد نقعد معاه يومين..
أومأت باقتضاب وظهر القلق جلياً على ملامحها وظلت صامته تتابع الطريق عبر النافذة بتثاقل..
قطب حاجبيه عندما لاحظ ذلك القلق ثم سألها باستفهام: متضايقة نرجع؟
هزت رأسها بنفي وقالت بخفوت: لأ، أصل ماما ليها كذا حد عايش هناك، وانا مش عايزة اقابل حد..

حرك أهدابه وهو يفكر بما تقول، هذا يعني أنهم أقرباء خالتها والتي والده جاسم والذي يكون زوجها! وإن رأوها ستعرف خالتها!
قال بهدوء وهو يلتقط حقيبة بلاستيكية من علي المقعد الخلفي بها طعام جاهز ووضعها على ساقها: متقلقيش محدش هيشوفك! حتى لو هُمه لسه فاكرينك يعني؟ آخر مرة شوفتيهم إمتي؟

تنهدت وهي تضيق عينيها بتفكير ثم هتفت بهدوء: مش فاكرة بس من فترة طويلة جداً بس البركة في الفيس بوك والانستجرام مخلاش حاجة واكيد عارفين شكلي!
هتف باستنكار وهو يهز رأسه: فيس وانستجرام هناك؟ لا استبعدها دي! هُمه عندهم حاجات أهم بكتير من التفاهه دي فكراهم زينا ولا ايه؟ أنا صاحبي بيختفي لما بيرجع هنا وبالصدفة لما بلاقيه فاتح ولا بيرد عليا حتى! هو اللي بيتكلم لما بيعوزني؟

أومأت بتفهم وهي ترفع ابهامها مؤكدة قوله ثم أضافت باستياء: تمام معاك حق بس مش كُله ومفيش حاجة تجبر واحده لسه بتدرس انها تسيب الموبايل سواء بتذاكر بتلعب بتكلم صحابها اي حاجة بقي! بص يا قُصيّ صوابع ايدك مش زي بعضها مش عشان واحد كده يبقى كُله كده بطل جهل يا متعلم..
قهقهة وهو يهز رأسه بتفهم ثم هتف بحنو وهو يأشر على الحقيبة التي على ساقها: طيب كُلي انتِ مكالتيش من امبارح والطريق كان طويل..

لدي آدم..
استقل السيارة بمزاج متعكر وهو يحرك المفتاح داخل المقود بعنف كاد ان يكسرة داخله، أدار محرك السيارة لـ يرتفع صوته الخشن ممتزج بـ طقطقة..
زفر وترجل من السيارة بغضب، صفق الباب بقوة ثم فتح مقدمة السيارة بنفاذِ صبر لـ يتبخر وجهه من الدخان الذي استقبله عندما فتحها، سعل بقوة واختناق وهو يبعد وجهه إلي الخلف..

زفر وهو يغلقها بغضب، لقد كانت بخير ماذا حدث؟ لن يذهب إلى العمل بل سيصعد وينام كالفتيات لأنه مكتئب..
استدار كي يذهب لكن توقف عندما وجد تالين تقف خلفه تمسك كُتبها، تقبض عليها بأناملها بقوة وظهر الارتباك جلياً عليها وهي تخفض رأسها متحاشية النظر له..

تأمل ملامحها الرقيقة وجهها المتورد بفعل البرودة وخصلاتها الناعمة التي كانت ترفرف بفضل نسمات الهواء التي لم تتوقف قط وكأنها متقصده جعل قلبه يرفرف مع كل خصله تتطاير متراقصة على أوتار قلبه، بالتأكيد هي تفكر بما حدث أمس، هو قام بمسح هذه الذكرى من رأسه نهائياً عندما رأها أمس معه..

هو يشعر أنها فعلت هذا متعمدة فقط كي يراها معه لأنها تعلم أنهما يتقابلان كل يوم في الشرفة؟ فما الذي جدّ كي تتأمل النجوم أمس مع زوجها الحبيب! لن ينسى هذا الفعل يوماً لن ينسى فرحته العارمة التي تحولت إلى حزنٍ عميق بفضلها، لن ينسى تلك الليلة التي لن يجافيه النوم بها..
تنحنح ثم هدر بصوتٍ خشن غاضب وهو يبعد نظره عنها: العربية باظت ومش هتتصلح بسهولة خدي تاكس مش هوصلك النهارده..

أومأت بخفة دون النظر له وتحركت ساقيها بخطواتٍ بطيئة ثقيلة كأنها تسير داخل وحل دون التحدث وهي تطرق برأسها، تشعر بالحزن والإحباط؟ نعم لكنها لن تتحدث ولن تذكره بما حدث أمس وكأنه لم يحدث! هي غبية لأنها أتت له من الأساس لما أتت؟ هكذا سيظن أنها تخطت الأمر ومن الطبيعي أن يتبادلانِ القُبل وكأنه يلقي عليها التحية؟ هذا خطأ وسوف تذهب وحدها من اليوم، ولما تذهب وحدها وتستقل سيارة أجرة؟ بل ستطلب من مصطفي سيارة!، هي لم تطلب منه شيء ثمين منذُ زواجهما وهذا ليس بالكثير عليه هذا حقها، هي بالفعل كانت تملك سيارة قدمها آدم لها يوم زفافها كـ هدية زواجها!، لقد كان هذا مفاجئ، لكنها لم تقبلها واكتفت فقط بباقة الورود التي كانت مع مفتاح السيارة، ومنذ ذلك اليوم وهي تذهب الجامعة كل يوم بها، لقد أخذها آدم وترك خاصته في المرآب ويبدو انه سوف يخرجها لأن عمر سيارتها المفترض يبدو انه انتهي!

هتف بإسمها بغضب استوقفها: تالين، استدارت ونظرت له بعدم فهم! ليتابع بضيق وهو يسعل من جديد: متروحيش الجامعة النهاردة انا مسافر هتيجى معايا ولا لأ؟
ازدردت ريقها وأردفت بتلعثم وبخت نفسها عليه لأنها لا تعلم سببه: انـ، انـ، انا عندي امتحانات ومش هينفع مرة ثانية..

ابتسم بهدوء و هتف بنبرة غلب عليها الحزن استشعرتها: تمام براحتك، ربنا يوفقك، يدوب تلحقي المحاضرة الأولي سلام، وتركها ودلف إلي المنزل بخطواتٍ قاسية كانت تدعس العُشب بكل غِل..
نظرت خلفها تراقب ذهابه بحزن، أخذت نفساً عميقاً وهي تمرر أناملها داخل شعرها بضيق، هي بحاجة إلى راحة قبل الاختبارات كي لا تمل، هو معه حق! لكن لما معه وليس مع مصطفي؟، ليتها تعلم ماذا يفعل الآن بعمله..

هزت رأسها بقلة حيلة مستسلمة إلى رغبتها في الذهاب معه ثم دلفت إلى المنزل خلفه..

في منزل عمّار..
تقلبت في الفراش وهي تهمهم بنعومه، شعرت بثقل على صدرها، فتحت عينيها بنعاس لتبتسم بنعومه عندما وجدت نادين تغفي على صدرها، طبعت قبله حانيه على جبهتها وأخذت تداعب خصلات شعرها بنعومة ثم رفعت يد نادين من أسفل الغطاء، حدقت بأناملها بتفكير وهي تزم شفتيها فإن الدُبلة التي اختارتها لها في القاهرة كانت أجمل من هذه..

شردت وهي تتذكر أحداث أمس التي بدأت تتوافد على عقلها واحده تلو الاخرى جعلتها تريد دفن نفسها حية، كيف ستنظر في وجوههم الآن؟ بالتأكيد حُسنة لن تنظر في وجهها مجدداً بعد قولها أمس، هي تشعر بالخذلان منها الآن لأن هذه بمثابة فضيحة هُنا، هذا فقط ما يجعلها حزينة لأنها لا تستحق هذا، أما البقية فاللعنة عليهم لا تعبأ بهم..

هي لم تغفل أمس عن والده العجوز الذي كان يخترق جسدها بنظراته البغيضة إنه كـ ابنه تمام لا يوجد إختلاف، المختلف فقط أن ابنه يفوقه وقاحة لأنه لم يحسن تربيته جيّداً، بالتأكيد كان مشغولاً مع امرأةٍ ما أثناء تربيته، بغيضين..
أخرجها من شرودها صوت طرقات خافتة علي الباب، أذنت له بالدخول أياً يكن، لتجدها صباح..

أخبرتها باحترام: الفطور جاهز يا سِت، أومأت بخفة وهتفت بهدوء: حاضر جايين وراكِ، أومأت بخفة وأغلقت باب الغرفة وغادرت..
قبلتها بنعومه وهي تهزها برفق: نادين، نادين، فوقي يا حبيبتي يلا، حركت رأسها بانزعاج وهي تدفن رأسها بصدرها متذمرة: بس يا مامي بقي عايزه أنام..
هزتها مجدداً وهي تبتسم: لأ، يلا عشان تفطري وتشوفي عمّار مش إنت مشفتيهوش امبارح ولا اتكلمتي معاه يلا انزلي عشان تشوفيه..

انتفضت من أحضانها وسألتها بنعاس ولطافة: بجد؟
أومأت وهتفت مؤكدة: طبعاً بجد مش بنفطر كل يوم مع بعض، يلا قبل ما يخرج بسرعة، أومأت بحماس ثم قفزت عن الفراش وركضت إلى دورة المياه سريعاً..

قهقهت ليلى وهي تراقبها وعادت إلى الاستلقاء وهي تمط جسدها ثم دثرت نفسها أسفل الغطاء بملابس الراقصات تلك التي لم تبدلها أمس بل غفيت وهي ترتديها، تركت الفراش وتقدمت من المرآة، أخرجت بعد المناديل المبللة وقامت بمحو مساحيق التجميل بضيق بسبب نومها أمس دون أن تمحيها وهذا مُضر بـ بشرتها..
تنهدت واتجهت الى الخزانة وقبل أن تفتحها وجدت نادين تجذبها من ذراعها وتسحبها معها الى الأسفل..

اوقفتها ليلى وأردفت برفض: استني اغير هدومي الاول انزلي انتِ لو مستعجلة، هزت رأسها بنفي وظلت متشبثة بها وقالت بتذمر: شكلك حلو اهو مالك؟
هزت ليلى رأسها بنفي وهي تسحب ذراعها: أنا حتى مغسلتش وشي انزلي انتِ وانا جاية وراكِ..
هزت نادين رأسها وهي تزم شفتيها وجذبتها معها بعد أن فتحت الباب حتى لم تترك لها الفرصة كي ترتدي شيء بقدميها وأخذتها حافية القدمين..

تذمرت ليلى وهي تهبط الدرج: الأرض ساقعة يا حبيبتي مينفعش كده؟
هتفت بعبوس وهي تهرول مسرعة الى الأسفل: معلش يا مامي استحملي عشاني عشان خاطري..

هزت رأسها بقلة حيلة وتبعتها بصمت حتى توقفت على بُعد خطوات من المنضدة المستديرة المنخفضة، كان الجميع جالساً عدي دهب التي ذهب أمس و عبدالغفور والدها الذي لا تعرف اين هو، وهذا جعلها تتعجب لِما والده يتناول الطعام معهم اليوم؟ هو لا يتناول الفطور صباحاً معهم لما هذا التجمع والصمت المُريب! وحُسنة يا إلهي إنها تبدو في غاية الحزن بالتأكيد بسببها، حتى عمّار مابه شارد الذهن هكذا وكأنه غير موجود بالمرة ماذا يحدث؟

استفاقت من شرودها على ضغط نادين على يدها وهي تتقدم لأنها مرتبكة هي الأخرى، جلست بهدوء وجلست ليلى بجانبها بصمت لكنها أجبرت نفسها على التحية التي خرجت بصوت منخفض: صباح الخير..
ردت حُسنة ومتولى معاً: صباح النور..

إبتسم عمّار بسخرية وهو يهز رأسه، لما تلك النبرة الخافتة؟ هل تخجل؟ هل فقط شعرت بالخجل الآن؟ حسناً هذا جيّد لأنها سوف تتمنى لو تنشق الأرض وتبتلعها بعد قليل بسبب ما فعلت أمس، أطبق جفنيه شاعراً بالحرقة الشديدة بسبب الأرق الذي داهمه ليلة أمس ولم يزره النوم قط بفضلة..

كُل هذا بسبب تفكيره بالشيطانة التي أغرت الجميع أمس وتركته هو يتحمل توابع فعلتها، واللعينة الأخرى التي ظهرت الآن لتخريب ما بقي من حياته وتمثل الحُب عليه؟ الغبية لا تعرفه هل تظن أنه سوف يصدق كلماتها! فقط يريد أن يعلم من زوجها البغيض هذا الذي طلقها الآن كي تأتي وتؤرقة هو!.
نظف والدهُ حلقة بصوتٍ مرتفع للمرة المئة شاعراً بحرقة حلقة بسبب شرود ولده اللعين الشارد..

استفاق من شروده على صوت الكوب الزجاجى الذى حركتهُ ليلى وملأته سريعاً وقدمته إلى والده بقلق ظناً أن غص أثناء تناوله الطعام..

إبتسم متولي جعل عمّار يرفع حاجبيه وهو يراقبه هل الشيطانة جعلت من والده يضحك لثانِ مرة! ومازالت ترتدي تلك الملابس اللعينة ولم تُبدلها بعد، هي تستحق الحصول على نوبل حقاً ما هذا؟ هو منذهل من والده؟ ماذا سيحدث إن أطعمتهُ بيديها إذاً؟ هل سيسيل لُعابه عليها؟ هو لن يسمح لها أن تُدمر هيبة والده، لن يسمح أن يتغير والده الذي عهده دوماً لن يسمح لها حتى إن كان قاسي أهون من هذا المُراهق الذي يراهُ أمامه الآن..

غامت عينيه في غيمة سوداء عندما رأي والده يلامس أناملها وهي تناوله كوب المياه!، تلك الأفعال الصبيانيه تباً لها؟
قطبت حاجبيها وهي تشعر بأنامله على أناملها بالتأكيد لا يقصد هذا لا يقصد، تركت الكوب وأبعدت يدها سريعاً بارتباك جعلت الكوب يسقط فوق المنضدة ثم وقفت وهي تتنفس باضطراب والتفتت لتذهب لكن صوته الخشن أوقفها: وجفي عِندك..
توقفت وأخذت نفساً عميقاً ملأت به رئتيها ثم استدارت ونظرت له بعدم فهم: نعم!

نظف حلقة وسألها بهدوء: جوزك فين؟
قطبت ما بين حاجبيها بعدم فهم ثم هزت رأسها باستنكار والكلمات توقفت على طرف لسانها قبل أن تتفوه بها وتخبره بكل بساطة ما دخلك بهذا؟، صمت والده وهو ينظر لها بتفكير ثم ابتسم من جديد وكأنها أخبرته أنها لا تملك رجلاً وقال بهدوء: يبجي اكدِه اجول اللي عندي بجي..

نظر عمّار إلى والده الذي سيبدأ الآن تلك المسرحية الهزلية، لكن لما لم ترد عليه؟ نادين قالت أنه متوفي لما لم تخبر والدها وصمتت! وهل والده اعتبر صمتها موافقة على كونها لا تملك زوج أم ماذا؟ اللعنة على الجميع ماذا يحدث؟.

أما نادين فهي كانت تحدق في الطعام أمامها بشرود تفكر بـ عمّار الذي لم يلقي عليها حتى نظرة واحدة وأمس لم يتحدث معها ولا حتى هو من أدخل دُبلتهِ داخل أناملها ما هذا؟ هذا ليس عدلاً و يشعرها بالحـ، ما الذي سمعته الآن؟
رفعت سريعاً رأسها ونظرت لهم بريبة، بالتأكيد لمْ تتوهم وسمعت صحيح أليس كذلك؟.

نظرت إلى والدتها التي تيبست قدميها أرضاً وظلت تحملق في وجة متولى بأعين جاحظة بينما عمّار كان يحدق بـ ليلى بثقب دون ان يحيد بنظره عنها وكأنه ينتظر ردة فعلها!.
وحُسنة كانت تجلس تضع يدها أسفل وجنتها تراقب ما يحدث بحزن فهي ليست موافقة على هذا؟ لن تكذب هو لا يستحقها، لقز تمنت لو كانت هي عروس عمّار عندما رأتها أول مرة لكن ما حدث حدث..

انفجرت ليلى ضاحكة وهي تمرر يدها على وجهها غير قادرة على التوقف قط، يريد أن يتزوجها؟ حقاً! هل تفرح وتتراقص الآن بسعادة؟ هذا العجوز الغبي كيف يجرؤ على طلب شيءً كهذا كيف فليحترم سِنهُ قليلاً هي بعمر ابنته؟
وقف عمّار عن المنضدة وهو يتفحصها بنظراتٍ غير مريحة بالمرة فما بال هذا الضحك معها في الفترة الأخيرة كُلما اخبرها أحدهم شيءً تنفجر في ضاحكة لِما؟

تقدمت ندى بعد أن أتت من الداخل تحمل بين يديها صينية بها أكواب من الشاي ظناً أنهم انتهوا من تناول الطعام، فهي بذلت مجهوداً حتى نجحت في التسلل بالشاي من خلف صباح لأن وجودها هُنا ممنوع، إستوقفها هذا المشهد فوقفت تشاهده دون أن تتقدم أكثر ويتم طردها..

توقفت ليلى عن الضحك وأبعدت شعرها إلى الخلف بغضب وهي تشعر بأناملها تعلق داخله جعلتها تتألم وقبل أن تتحدث قال متولي باستنكار وغضبٍ مكتوم: أني جولت نُكتِه ولِّيه؟

تقوست ملامحها بنفورٍ وهي تحدق بـ متولى ثم قالت باشمئزاز: إنت ازاي تفكر اني ممكن اوافق علي حاجة زي دي؟ انت كبرت وخرفت ولا ايه؟ ابوك شكله خرف يا عمّـ، دوى صوت صرختها المتألمة عندما صفعها عمّار بظهر يديه أطرحها أرضاً بقسوة خلفت صوتاً عنيفاً أثر اصطدام جسدها بالأرض بقوة مع زمجرته بغضب وقوله الحاد القاسي: أنا حذرتك مرتين وانتِ اللي جنيتي على نفسك..

قضمت شفتها بقهر وهي تكتم شهقتها شاعرة بحرقة وجنتها المُخدرة وآلام جسدها التي لا تحتمل من صلابة الأرضية المصقولة، إن ظهرها مازال يؤلمها كي تتحمل هذا العُنف من جديد..
شهقت نادين بتفاجئ وجحظت عينيها وهي ترى والدتها مسطحة أرضاً، وقفت بأعين دامعة وعدم تصديق لِمَ يحدث، ركضت لها وانحنت تساعدها في الوقوف و عبراتِها تنساب على وجنتيها وهي تنظر لها بأسف واعتذار كأنها السبب والمسئولة عن هذا..

وقفت معها وهي تخفض رأسها تكتم شهقتها المُتحسرة شاعرة بالمهانة من هذا الموقف الذي جعلها أقل شأناً وأحط قدراً أمام الجميع، هي لم تتعرض إلى الإهانة من قبل ولم يجرؤ أحداً على التطاول عليها مثلما فعل هو، هو الأكثر حقارة على الإطلاق..

رفعت رأسها له وهي تزم شفتيها رغماً عنها كي لا تظهر ارتجافها، تحت نظراته الحادة التي بدأت تلين وهو يرى صمودها ومقاومتها البُكاء بشدّة رغم أن عسليتيها كانت تبكِ وتعاتبه بلومٍ شديد..

قالت بحدة بنبرة مرتجفة مقهورة وهي تبلع غصتها الحارقة: فرحان بابنك مش كده؟ أحب أقولك إنك إنسان فاشل ومعملتش حاجة غير انك عملت منه وحش ماشي عمال يطيح في الناس زي الطور ومش همه؟ ده مش انسان و عُمره ما هيبقى! إنت معرفتش تربية فشلت في تربيته زي الناس الطبيعية!، انتوا مش أكتر من ناس معدومة الرحمة والقلب صحيتوا الصُبح فجأة لقيتوا نفسكم أغنِية معاكم فلوس وشوية سلاح وبس تفرضوا سيطرتكم بقي وتدوسوا على باقي الناس الأضعف منكم مش ده اللي بيحصل هنا؟ مش ده اللي بتعملوه؟ بس آسفة أنا مش هسمح لحد منكم أياً كان مين انه يتخطى حدوده معايا أكتر من كده، أقسم بالله أبلغ عنكم و أوديكم في داهيه انتوا فاهمين؟

ثم نظرت الي عمّار بكُره مضاعف واشمئزاز وسقطت عبراتها بحرقة وهي تقول بصوتٍ مُرتجف: إنت مش راجل على فكره ومش هتكون، عارف الغفير بتاعك ده والله أرجل منك ورأيي فيك عُمره ما هيتغير عشان انت كل مرة بتثبتلي إنك أسوأ مما كُنت أتخيل، ثم استدارت وركضت إلى الأعلى وهي تبكِ تحت نظراتهم التي كانت تخترق ظهرها وهي تركض..

أخرجت نادين دبلتها التي لم تبقي عليها داخل أناملها سوى لـ ساعاتٍ قليلةٍ فقط بيد مرتجفة ثم وضعتها له على المنضدة وهي تبكِ بصمت وركضت خلف والدتها..

اتسعت ابتسامة ندى المتشفية حتى تحولت إلى قهقهات سعيدة فهي تستحق هذا، لا مشكلة أن تملك لساناً سليطاً هُنا؟ بل المشكلة تكمن في كيفية التحكم فيما يخرج من بين شفتيها والحذر مما تنطق به أمام شخصٍ مثل عمّار لا يفكر سوى بالمحافظة على مكانة والده واحترامه أمام الجميع...

تنحنح متولي وهو يعدل طرف عباءته الشتوية ثم وقف وقال بكل هدوء وكأن ماحدث لمْ يحدث أمام ناظريه: شكلها اكدِه مش مواجفة، اني خارج دلوك، وتركهم وذهب تحت نظرات عمّار الذي لا يعرف كيف يصف ما يشعر به من سوء الآن بفضله، لقد أخطأ عندما صفعها لقد أهانها ويعلم هذا، لكن هو حذرها من قبل أن لا تتخطى الحدود مع والده لكنها لا تفهم! يمكنها الرفض باحترام هل تري الشيخ هُنا كي يعقد قرانها؟

لا يعلم لما بكائها هذه المرة امامه ألمه بهذا القدر رغم أنه أبكاها سابقاً لكن شتان بين شعوره الآن وشعوره سابقاً، لكن لايهم لقد أهانتهُ الآن ولم يتحدث هل هذا بمثابة تعادل بينهما؟ ونادين ماذا سيفعل بها الآن؟
لقد تركته رسمياً هل يتقدم إلى ليلى الآن؟، إن لعين بماذا يفكر..

تنهد وهو يمسد جبهته بضيق لـ يلمح ندى تتقدم بطرف عينيه، تهجمت ملامحه عندما نظر بجانبه و أبصرها، صرخ بها بحدة جعلها تتيبس محلها: انتِ ايه اللي جابك اهنِه يابت النتِن انتِ؟ غوري من جِدامي..
ازدردت ريقها وهي تنظر حولها بارتباك ثم نظرت له بلوم وكأنه أحرجها أمام الجميع بعد قصة حب طويلة وهذا جعل الشياطين تتلبسه، فتلك اللعينة لا تعرفه كي تتصرف بتلك الطريقة كُلما رأتهُ..

زجرها بحدة جعلها تنتفض: انتِ اتجنيتي ولِّيه اجلبي من جِدامي يا متوُوله انتِ، هزت رأسها سريعاً بطاعة كـ الخدم وعادت ادراجها من حيث اتت وجسدها ينتفض..

زفر ضارباً صدره بقوة وهو يلعن حياته ليجد حُسنة تنظر له بحدة وخذلان لأنها هي من ربتهُ وليس والده، و حديث ليلى لم يؤثر سوى بها هي وليس والده الذي ذهب وكأنه لم يسمع، كيف يصمت هكذا من المفترض انه يريدها كي يتزوجها؟ كيف يتخطى اهانتها هكذا؟ لأنه فقط وببساطة لا يحتاج سوى جارية جميلة ولا يهمه شيءً بعدها..

أخذ نفساً عميقاً ثم قال بتعب: والله انا ما متحمل حاجـ، قاطعته بحزم وهي تحذره بسبابتها: لو مطلعتش دلوك يا عمّار وجولتلها اني اسف اعتبرني موت ولسانك ماهيخاطبش لساني ليوم الدين عاد، وتركته وغادرت لكنه وقف أمامها و هتف باستنكار وهو يمسك يدها: انتِ عارفة اني مجدرش اعيش من غيرك واصل انتِ سِت الكُل! وهي غلطت!.

دفعت يده بغضب وهتفت بحدة وتوبيخ: أبوك ذات نفسهُ ماتحمجش اكدِه ولا تحددت انت اللي حاطت نجرك من نجرها من ساعة ما جبِلتها ليه؟ انا تعبت عليك عشان تبجي مِتنوِر مش غشيم اكدِه؟ انا ربيتك عشان تكون راجل و الراجل مش بيعافي علي حُرمة عِندينا عاد وهي مغلطتش في ولا كِلمِه جالتها عشان طلعت هي اكتر واحده خبراك محدش يلومها عاد..
أطبق جفنيه وهو يتنفس بانفعال ثم سألها بصوتٍ هادئ: والمطلوب مني ايه دلوك؟

أبعدت نظرها عنه وقالت وهي تحدق أمامها بدون تعبير: تطلع فوج وتجولها آسف وتطيب خاطرها هي مستحجش منك كُل دِيه، وبعدين تراضي نادين وترجع دبلتها ولما ابوك ياجي عَجِلُة وجوله يختار واحدة من توبة عشان ديّ حتى لو وافجت عليه ما هتمشيش معاه واصل ولا تنفع وانت اكتر واحد واعي للحديت دِيه جوله يابوي بطِل طفاسِية..

أومأ بطاعة وقال باستسلام: موافج عجولها آسف بس، رفعت نظرها له باستفهام ليتابع بتردد وهو يحك طرف حاجبيه: هو لازم ارجِع نادين؟
شهقت واتسعت عينيها وسألته باستنكار: واه، اومال عتعمل ايه عاد؟

دلفت إلى الغرفة وعِبراتها لمُ تكف عن التساقط قط وهي تستمع إلى صوت بكاء والدتها المختنق بحرقة وهي تشهق أثناء تجميع ملابسها وإلقائها داخل الحقيبة بعنف، تقدمت منها ببطء وهي تحني رأسها شاعرة بالذنب وهي تفرك اناملها بتوتر..

هتفت بهمس وهي تقف بجانبها أثناء انحنائها على الحقيبة: مامـ، صرخت بصوت متحشرج من البكاء وهي ترفع نفسها ظناً أنها تقف في صف عمّار: أنا مش هسمح للحيوان الواطي ده انه يتخطى حدوده معايا اكتر من كده فاهمه ولا لأ؟ مستحيل أقعد هنا ثانية واحدة بعد كده لو بتحبيه اوي ومش قادرة تسبيه خليكِ معاه لكن انا مش مُطره اني اتحمل واحد زي ده إلهي تتقطع ايده الحيوان وبرده مش هسيبك لِيه..

عانقتها نادين بقوة وهي تشهق بألم شاعرة بتشنج جسدها ثم هتفت باعتذار: أنا آسفة أنا السبب أنا اللي عرفتك عليه آسفة، ثم فصلت العناق وكوبت وجه ليلى الباكِ وهتفت كي تطمئنها: انا سبت عمّار انتِ كان عندك حق وهو مش بيحبنى حتى لو بيحبني مستحيل أرجعله بعد ما اتجرأ ومد ايده عليكِ هاجي معاكِ مش هقعد أنا كمان ثانية واحدة هنا، هزت ليلى رأسها بخفه وعانقتها وهي تنتحب وجسدها ينتفض بقوة رغماً عنها حتى هدأت بعد بعض الوقت..

قالت بحنو امتزج بصوتها الباكِ وهي تربت على وجنة نادين: انا مش عايزه غير مصلحتك وبس ومش عايزه أكسر قلبك لو بتحبيه مش هقف في طريقك، هزت نادين رأسها بنفي ودفنت رأسها في صدرها وهي تحاوط خصرها بقوة: لأ، أنا هاجي معاكِ عمّار مش أخر واحد في الكون، ثم رفعت رأسها وتابعت وهي تمحي عبرات ليلى العالقة بأهدابها برقة: أنا هروح اجهز شنطتي، وتركتها وسارت الى الخارج ببطء وهي تطرق رأسها تحت أنظار ليلى التي عادت تبكِ بسبب حالتها فهي حزينة عليه، أمسكت الوسادة بقوة ودفنت وجهها داخلها وصرخت بغضب وقهر وهي تتنفس بعنف فهي لن تهدأ إن لم تشفي غليلها، لن تهدأ..

بعد بعض الوقت..
أغلقت حقيبة الملابس ثم أنزلتها أرضاً من على الفراش وهي تستنشق ما بأنفها ومازالت تبكِ غير قادرة على التوقف، حدقت بملابسها التي أخرجتها برؤية مشوشة بسبب عبراتها، وضعتها فوق التخت كي تبدلها قبل الذهاب وتخلع هذا عنها..

توقفت حُسنة في المرر بعد أن كانت ذاهبة إليها كي تعتذر منها رغم غضبها منها أمس لكن قلبها رق لها، توقفت عندما ابصرت عمّار يقف أمام غرفتها يحادث نفسه كالمجانين دون أن يطرق الغرفة، اختبأت خلف الحائط و وقفت تراقبه لترى ما سوف يفعل..

أخذ نفساً عميقاً وهو يحدق بالباب بضيق، كيف سيفعل هذا؟ وهيبته ماذا يفعل بها؟ كيف سيقول آسف بتلك السهولة اللعنة عليها لما جعلت الجميع يُحبها هُنا؟ هو يشك أنهُ نفسه يُريد معاقبة نفسه بسبب ما فعل أيضاً وليس الجميع فقط، لقد سمع بكائها بحرقة وهي تشهق لما؟ هل صفعته مؤلمة إلى تلك الدرجة؟.

يعلم أنها مؤلمة كي تتحملها رقيقة مثلها وتتماسك إضافة إلى عِزةِ نفسها وكبريائها لقد جعلها بلا قيمة أمام الجميع دون أن يُراعي شعورها لأنه همجي..
زفر باختناق ومسح وجهه بغضب جعله يحمر قبل أن يطرق الباب، توقفت قبضته في الهواء قبل أن تنقر فوق جبهتها عندما فتحت الباب فجأة..

أسقطت الحقيبة من بين يديها وتقهقرت إلى الوراء بجزع عندما إنقبض قلبها ولا تنكر ذلك الخوف والنفور الذي اعتراها عندما رأتهُ، فهو منذُ أن رأها لا يفعل شيء سوى جعلها تخافهُ وكأنهُ يتعمد فعل هذا، هو يتنفس جعل الناس تخشاه..

لوح بيده كي تقف ولا تخافهُ وهتف بهمسٍ على مضض لمْ يصل لها: انا، انا، انا، اسف، حركت أهدابها مع جفنيها المتورم من كثرة البُكاء بتعجب ثم تقدمت منه بخطوات رشيقة وكأنها لم تخاف من برهة ثم مالت برأسها عند صدره لـ تتغلغل رائحة عطرة النفاذ أنفها وهتفت باستفهام ببحة أثر البكاء: ايه؟ مسمعتش قول تاني كده؟

لاك بلسانه داخل فمه بنفاذِ صبرٍ وقال بندم هو يتحاشى النظر إلي عسليتيها الدامعة: آسف، هي حقاً لا تعلم مقدار تلك الكلمة بالنسبةِ له كي يتفوه بها بهذه السهولة وكأنه يخبرها اسمهُ، لكن كما تقول حُسنة دائماً انها غاليه..
هزت رأسها بنفي وأعادت بنبرة هادئة استشعر التشفي من خلالها: لأ بجد مش سامعة قول تاني..

ابتسم بعصبيه وقال من بين أسنانه وهو يتفرس وجهها بنظراته: آسف يا ليلى، رفعت حاجبيها وهزت رأسها بخفة وهي تنظر له من أعلاه لأخمص قدميه، ليلى! هل سقط التكليف بينهما إذاً! هذا جيّد..
رفعت وجهها المتورد خلافاً إلى وجنتها الملتهبة وهي تدفن أظافرها داخل راحة يدها بكل غِل، تناظرة في علو وكُره متجاهلة غشاوة عينيها التي تهدد بتساقط عبراتِها بكل مهانة ونوبة البكاء التي ستنفجر بها أن ظلت تنظر له أكثر من هذا!.

قالت بشفاه ترتجف وهي تبتسم ابتسامة تخالف شعورها بالقهر أثناء رفعها ليدها من جانبها ببطء: مش قابلة اعتذارك شكراً أنا باخد حقي بإيدي، مع نهاية حديثها هويت على وجنته بصفعه ظنت أنها قاسية، لكن تم إدخالها تحت مسمي صفعة في النهاية..

توقف الزمن به مع توقف عقله عن التفكير، لقد صُعق وهو يتساءل بكل استنكار هل تم صفعه الآن من قبل هذه؟ حقاً!، هل سترتاح عندما يهشم رأسها داخل الحائط أم عندما يخنقها حتى الموت كي تتعظ، هذا جزاءه لكونهُ نبيلاً وجاء للإعتذار!

ارتجف قلبها و ازدردت ريقها بحلق جاف وهي تعود إلى الخلف بخطواتٍ مُترنحة وقلبها يقفز داخل قفصها الصدري ذعراً، هو لن يقدم على أذيتها صحيح؟ هو عاقل ويقدر كونها أكبر منهُ ويحترمها مثلما حدث في الأسفل مُنذُ قليل صحيح؟، ما هذا؟ لما ينظر لها بتلك الحِدة والخطورة؟ نظرته تكاد تقسمها نصفين! بجانب كونها حارقة! لما؟ هذه مجرد صفعة ناعمة منها لما لايبتسم فرحاً! انه الموت نظراته مُميته، وهي خائفة ياإلهي، أن ظلت في الغرفة لن تستطيع الهروب، وان اغلقت عليها سيقفز من شرفته ويقتلها براحة دون مقاطعة، لكن باب المنزل مفتوح على مصراعيه تستطيع الهروب من خلاله، لكن إلى أين؟

تقدم منها بخطواتٍ ثقيلة وهو ينظر لها بأعين حمراء دامية غضباً وارهاقاً دون أن يخفي انفعالاته وعروق جسده التي برزت من أسفل ملابسه وشراسته تجاهها، نظرت إلى صدره الذي يتأجج غضباً وهو يعلو ويهبط في عنف وثوران، هي لم تظن يوماً انها سوف تغادر هذه الحياة مُبكراً علي يديه لكن هذا نصيبها لن تقاوم لن تقاوم لن تقاوم، صرخت بهلع وانحنت راكضة سريعاً من أسفل ذراعه وهربت إلي الأسفل..

هبطت الدرج بخطواتِ متعثرة وهي تدعو أن تنجو من هذا لتصرخ فجأة بصوت مرتفع عندما رأت ندى تمر أسفل الدرج بتلك الصينية التي تُحيرها من الصباح..
صاحت بصوت مرتفع بتحذير كي تبتعد: ابعدي ابعدي، توقفت محلها وهي تحرك أهدابها بتعجب تطالعها من الأسفل حتى مرت من جانبها كـ رياح عاتية هبت وذهبت فجأة في نفس الوقت..

اصطدم جسدها بصدر قُصيّ الذي وصل الآن لتصرخ بخضة ونظرت له بخوف ممزوج بتفاجئ وهي تلهث بسرعة، حاوط خصرها بنعومة وهتف بعبث أمام ملامحها المذعورة: ايه يا ملّبِن..
رفعت يدها وهويت على وجنته بـ صفعة قوية وهي تقول بحدة وأنفاس متسارعة: ايه يا حيوان، ثم صرخت بهلع عندما سمعت زمجرة عمّار تأتى من خلفها، دفعتهُ من صدره بعنف وركضت الى الخارج..

وضع قُصيّ يديه على وجنته وهو يحرك اهدابة ذاهلاً تحت أنظار عشق التي لم تقل عنهُ ذهولاً بهذا..
صرخت ندى بألم عندما سقطت أرضاً من كتف عمّار الذي ضربها وهو يركض أوقعها هي والأكواب التي تُحيرها أسفل الدرج..

صرخت بغضب وهي تتشبث بالدرابزون كي تقف: ما تفتح يا أعمي انتِه جاك خابط، توقف وهو يصك أسنانه بغضب ثم جأر وهو يلتقط انفاسه وهدر بوعيد: جاييكِ دلوك وعتعرفي مين الأعمى يا بت النِتن يا منتنَه، الله يخربيت النسوان و اللي جابوهم..
توقف أمام قُصيّ وهو يلهث ثم لكمهُ جعل عشق تصرخ فزعاً وهتف بغضب: سِبتها تهرب ليه؟ وايه اللى جابك دلوقتى؟، ثم رفع طرف عباءته وركض إلى الخارج خلفها، هي تُريد فضيحة وستحصل عليها..

رفع قُصيّ وجهه المحتقن وهدر بحدة: ما في ايه يا ولاد الـ انا الملطشة بتاعكم ولا ايه؟ ده انا اطربقها عليكم هنـ، صرخ بألم وهو يشعر بذلك الحذاء الذي يهوي علي مؤخرته مع قولها بغضب: تطربج ايه يا صايع انتِه يا مجرم، ضحك وهو يهرب من براثن حُسنة راكضاً في بهو المنزل وهو يقول: أنا قُصيّ يا حجة نسيتيني ولا ايه انا قُصيّ أنتيم عمّار.

ضحكت عشق وهي تراقبه بعدم تصديق لِمَ يحدث يا إلهي ماهذا؟ لم تراه هكذا من قبل؟ يبدو أنهما سوف يتسليان هُنا كثيراً..
نظرت خلفها وهي تركض بذعر وأنفاس متلاحقة تبحث عنه بعينيها من خلف تلك الخصلات المجعدة التي ترفرف حول وجهها من الهواء دون أن تنتبه إلي خطواتها..

تعثرت وسقطت بمنتصف السوق على ركبتيها بقسوة، تأوهت وهي تدعو عليه ثم صرخت بهلع وشحب وجهها عندما أبصرت تلك العربة التي يجرها الخيل راكضاً بها تتقدم منها بسرعة دون أن يراها الرجل ويوقفها سيتم دعسها وتموت!.

زحفت على ركبتيها بألم شاعرة بالتقزز من تلك التُربة والطريق الغير سوى، اختبأت بين عربتين يوضع فوقهما خضراوات وهي تضم ركبتيها الى صدرها تخفي ساقيها بثوبها المشقوق وهي تنظر حولها بعين زائغة خائفة، تستمع إلى الضجيج الصادرعن السوق من كثرة الأشخاص المتجولين داخله، حمقاء لما هربت لا مفر منهُ سيجدها في النهاية، لِمَ صفعتهُ غبية!، لكن هو من صفعها أولاً ويستحق هذا..

صرخت بفزع عندما سمعت صوت أحد المتجولين يقول وهو ينظر لها: مش دي الرجاصة؟ وقفت سريعاً لـ تضرب رأسها طرف العربة الخشبية، تأوهت بألم وهي تقضم شفتيها بقهر على وشك البكاء بسبب ما يحدث معها ثم زحفت حتى ابتعدت عن العربتين لتصطدم جبهتها بساق صلبه من فوق عباءته..

أطبقت جفنيها بيأس عندما علمت من هذا بسبب رائحة عِطره النفاذ الذي وصل إلى أنفها، هو لعين قذر يضع العِطر كُلما خطى خطوتين كي لا يعرف حقيقته أحد بالتأكيد هو كذلك، لما يضع كل هذا لِما؟
شعرت به يرفعها من شعرها بقوة كادت تقتلعه بين يديهِ، لا يهم فليحلقه حتى إن أراد لأنها تكرهه هكذا..
كتمت شهقتها المتألمة وهي تقضم شفتيها، تطبق جفنيها بعنف، لا تُريد رؤيته لا تُريد يكفي رعباً..

هسهس أمام وجهها بغضب وتحذير: فتحي عينك بدل ما أخزقهالك، فتحت عينيها بطاعة وتوجس وبتروي وبطء تحت أشعة الشمس الدافئة وهي ترفرف بأهدابها بثقل جعلته يلعنها، حتى في أسوأ حالتها جميلة تلك العينين ساحرة بطريقة غير عادية وهذا مايضايقهُ لِمَ يُجب أن يجتمع بها كل شيء يُحبهُ لِمَ، هي بالتأكيد تعمل مع إبليس هذا مؤكد، فلا أحد كامل وهو يراها كاملة لا عيب بها، لا أنها أكبر منهُ سِناً ينسي هذا دوماً عندما يبصرها، فهو يحلق بعيداً عندما تقع عينيه عليها لسببٍ لا يعرفة..

نظر إلى السماء قليلاً وهو يتنهد بتعب لـ يقاطعه همسها بخفوت ونبرة مرتجفة: عمّار، أنا حامل..
لما لا يصدر عن السماء برقاً مع هذا الخبر الصاعق، خفف قبضته عن شعرها ونظر لها بأعين جاحظة تنذر بما هو قادم ولن يكون خيراً بتاتاً، هل سينتظر حتى موعد إنجابها كي يحصل عليها مثل البغيضة الأخرى..

لم تستطع إخفاء ابتسامتها بسبب انطلاء هذا عليه وقبل أن يسألها شيء دفعته من صدره بقوة وركضت، أطبق جفنيه وهو يأخذ نفساً عميقاً أخرجه زفيراً حاراً ثم ضم قبضتيه على عباءته بقوة حتي ابيضت عروقة فهي مُصرة على الموت..

هتف الرجل بتفكير وهو يحملق بظهرها: طب والنِعمة هي الرجاصة، نفخ عمار ودجيه مع أنفه بغضب ثم صفعة على مؤخرة رأسه بقوة وهدر بخشونة: انت الرجاص، وتركه وتابع بحثه عنها بإرهاق فهو أن وقع سوف يغفى بأي مكان..
صاح البائع بغضب وهو يمسد مكان صفعته: وااه طب والله هي الرجاصة وانت عمّار!.

أسندت راحة يدها على هذا الجدار الخشن وهي تميل بجذعها بإرهاق تلهث بقوة وحلق جاف، لا تستطيع الصمود أكثر قلبها يؤلمها سيتوقف إن لم تتوقف يكفي مطاردة يكفي، رفعت جسدها وسارت بحذر في هذا الزقاق الضيق الممتلئ ببرك المياه، لا تعلم إن كانت نظيفة أم لا لكن رائحتها الكريهة وصلت إلى أنفها أصابتها بالإعياء، فإن رأها عمّار هكذا سوف يصدق أنها حامل حقاً..

صرخت بصوتٍ مكتوم خرج مرتفعاً بسبب صدى الصوت عندما دخلت شظايا زجاج في قدمها جعلت صوتها يجلجل..
التفت حوله بهستيريا وهو يقف خارجاً في منتصف السوق عندما وصل له صوت تلك الصرخة، هل دلفت إلى هذا الزقاق الضيق؟ كيف؟.
فإن من يراه من هُنا يعرف أن نهايته مسدوده لا يسير داخله إلا من سار به من قبل ويعلم أنه طريق وهذه زيارتها الأولى هُنا كيف علمت؟ اللعينة الغامضة كيف تعلم؟.

جلست أرضاً وهي تبكِ بألم بسبب قدمها، مدت يدها بخفة وأمسكت طرف الشظية وهي تئن ثم أخرجتها سريعاً وهي تبكِ، ارتجفت انفاسها عندما سمعت صوت خطواتٍ تأتي من بعيد..

صاحت بصوتٍ مهزوز مرتفع خائف وصل له: مين جي، قهقهة بصوتٍ خشن قاسي وصل لها مجلجلاً في أنحاء المكان بسبب كونه خالي من أي شيء جعلها ترتعب و خفق قلبها ذعراً، تحاملت على نفسها ووقفت، أخذت تسير بتعرج وهي تستند على الحائط وجسدها يرتعد من الخوف، ما هذه الأجواء المرعبة..

والزقاق المظلم وصوته يا الهي أنها داخل فيلم رُعب وهو الوحش بالتأكيد، انها مُتعبة وموافقة وعلى أتم الإستعداد أن تُصفع من جديد موافقة بشرط أن يتركها..
اقترب صوت الخُطوات أكثر ليزداد هلعها أكثر فأكثر، توقف عن التقدم عندما أبصرته يأتي اتجاهها، استدارت وهربت راكضة بضعف لكنها تهاوت ساقطة على ركبتيها ولم تملك القوة لتقف من جديد، تأوهت وهي تشهق بحرقة..

علا صوت أنينها وهي تحاول الوقوف بكل ما أوتيت من قوة حتى وقفت بعدم اتزان فقط وعندما حاولت الركض كان قد توقف أمامها يلهث كـ الثور الثائر عندما يرى قماش احمر، نبض صدرها بألم وشحب وجهها وهي تنظر له بأعين زائغة كـ الطفلة وهي تزم شفتيها التي لم تتوقف عن الارتجاف قط..

التصق ظهرها بالحائط من شدّة خوفها من أن يمسك بها وهتفت بنبرة مرتجفة متلعثمة وهي تلهث عائدة إلى الخلف بترنح برؤية ضبابية مشوشة بينما هو كان يتقدم منها كالأسد: عمّـ، عمّـ، ار، أنـ، أنا، أنا أكبر، مـ، منك، احترمني، شـ، شوية، ضحك بخشونة وسخرية وهو يضيق عينيه الداكنة بـ خطورة! هل انتبهت الآن إلى فرق السن ولم تنتبه إلي تخطيها الحدود معهُ؟.

لم يتوقف عن التقدم منها وهي لم تتوقف عن الترنح إلى الخلف بحذر منه وهي تتكئ على الحائط بـ أعصاب تالفة، عادت عبراتها تنساب بخوف وهي تقول باختناق ولهاث شاعرة بالعالم يدور من حولها: عمّـ، عمار، أنـ، أنا، مـ، ش، مش، قادرة، مش، قـ، قـ. اتـ، اتـ، اتنفـ، واسود العالم في عينيها وسقطت فاقدة للوعي بجانب قدمه، سُحقاً لهذا، ألم تخبره أنها تفقد الوعي عندما تخاف وتتفاجئ بشدّة؟ لما لم يسمع؟

شدّ شعره بقوة وهو يزمجر بغضب، ركل الحائط بعنف شاعراً بارتفاع ضغط دمه، لقد هربت وتركته، اختارت الطريقة الأمثل للهروب دون أن يمسها بسوء، يشعر بـ لهيبٍ مشتعلاً داخل صدره!، هو لم يشفي غليله لم يشفي غليله بعد، رأسه ستنفجر من الحرارة والإنفعال إن لم يصفعها الآن سيحدث له شيء سيصاب بنوبة قلبية، هي تفقده عقله، تفقده عقله، يا إلهي الهمه الصبر، جلس أرضاً مقابلها وهو يعتصر رأسه بين يديه في محاولة لتهدئة نفسه قبل أن يخنقها..

مرت نصف ساعة عليه، ظل جالساً يحدق بها وهو يفكر بعمق، كم هي مسالمة وهي نائمة، جميلة بريئة ناعمة، هل تشعر بالبرودة بسبب تسطحها على الأرضية الباردة بتلك الملابس؟ تستحق يقسم أنها تستحق كي تتعظ ولا ترتدي هكذا من جديد، هل تؤلمها رأسها من قوة السقطة؟ لا شعرها المبعثر يفترش الأرضية أسفل رأسها كـ وساده، هل هي نائمة أم ماتت لأنه لم ينقذها؟ هي سوف تستيقظ وحدها صحيح؟ ماذا سيفعل بها عندما تستيقظ يا ترى؟!

نظر إلي قدمها التي جفت الدماء عليها وهو يتساءل باستنكار، هل هو مخيف إلى تلك الدرجة كي تهرب منه رغم جرح قدمها؟ هل عقلها الصغير الغبي هيئ لها أنها رُبما تهرب منه ولن تعود وهُنا؟ غبية فإن لم يمسك بها هو الجميع سوف يمسك بها من أجله! هل هي في القاهرة كي لا يجدها؟ كيف تكون أكبر منه بهذا العقل الصغير، ضيقة الأفق هذه، تحتاج إلى مركز تأهيل لأن طفلتها أعقل منها حقاً..

ألقى رأسه على الحائط وهو يزفر حتى هبت رياح قوية أظهرت رائحة العفن المنتشرة في الزقاق، كيف تحملت هذا وهي تتقزز من الوحل! كيف؟ انكمش أنفه في تقزز من الرائحة، ليصل إلى مسامعه ذلك الصوت المألوف وهو يهتف بإسمه..
=: سيدي عمّار انت اهنِه؟ جالولي انك فوت اهنِه انت موجود ولا اعاود؟
تنهد وصاح بضيق: اهنِه تعالي..

تقدم الغفير وهو يتلفت حوله حتى وجد مفترق طرق، نظر امامه بحيرة ايذهب يميناً أم يساراً أم يكمل طريقه؟، حسناً، أكمل طريقة وظل يتقدم حتى أبصر تلك المسطحة أرضاً، هرول لها بقلق، انحني كي يحملها لكن توقفت يديه في الهواء عندما سمع زمجرته الغاضبة وهو يحذره: بَعِد وهمِّلها..
أومأ بطاعة وهتف سريعاً: انا جيبت العربية لجنابك..

أومأ عمّار وقال بهدوء: روح افتحها وانا جاي وراك، أومأ لها بطاعة وذهب، تحت أنظار عمّار التي كانت تخترقة من أعلاه لأخمص قديمة هل هذا هو الذي تراه أكثر منه رجولة؟، فلتستيقظ اللعينة..
تنهد بضيق ووقف وتقدم منها، جلس القرفصاء أمام جسدها، لكز وجنتها الناعمة بسبابته وهو يقول بحدة وكأنها تسمعه: انتِ فوقي بدل ما اضربك، الوووو فوقي!

زفر وهو يضع يديه أسفل فخذها والأخرى خلف ظهرها وهو يتأفف وكأنه لا يرغب بهذا، الوقح، رفعها بين يديه كـ ريشة شاعراً بـ بروده جسدها، بالطبع يُجب أن تكون ريشة وهي لا تتناول في الفطور سوى مكعب جُبن وبيضة وبعض اللقيمات ما هذا؟ لو كان زوجها حي وتعتني بنفسها من أجله لم تكن لـ تفعل هذا، الطعام أهم شيء لدى النساء ما خطبها هي مختلفة في كل شيء؟

رفعها إليه أكثر وهو يسير بها مستشعراً ليونة جسدها الطري بين يديه فهي قابلة للثني كـ حافظة أمواله، هل يهشم عظامها الآن ويفعل هذا؟، هز رأسه مبعداً تلك الأفكار عن عقله لأن هذا سيكون مسلي أكثر وهي مستيقظة، وضعها في المقعد الخلفي للسيارة عندما وصل أمامها، صفق الباب بعنف ثم استقل السيارة وأدار المقود كي يذهب لكنه توقف عندما وجد غفيرة يجلس بجانبه..
أمره بهدوء وهو ينظر لها عبر المرآة: انزل..

نظر له قليلاً بتعجب ثم أومأ بطاعة وترجل من السيارة، أعاد عمّار إدارة المقود وتحرك بالسيارة..
تشبث الغفير بـ نافذة السيارة وهو يسير معه مهرولاً حسب سرعتها وهو يسأله باستفهام واستنكار: انت مهملني اهنِه ليه؟
إبتسم عمّار وهتف من بين أسنانه بغضب: عاود رمح يا راجل، وضاعف سرعته حتى أفلت النافذة وإنطلق ذاهباً من هُنا نهائياً، يستحق هذا كي لا تُقارن بينهما مجدداً..
في المنزل..

شهقت وهي تبكِ بحرقة تسألها باستفهام: مامي فين؟ انتوا عملتوا فيها ايه؟
ربتت حُسنة على ظهرها بحنان وهتفت بتعب: بزيداكِ عاد يا حبيبتي عمّار رمح وراها ومش عيرجع غير وياها!
تنهد قُصيّ وهو يهز قدميه بتوتر وعينية معلقة على حذاء حُسنة الذي تحركه في قدمها بدون راحة بحذر وتوجس على أتم الإستعداد إلى الهروب عندما تقف، فهو كُلما يأتي إلى هُنا يتعرض للضرب كـ أحد صراصير الحقل بسبب لسانه السليط..

ربتت عشق على وجنته بخفة وسألته وهي تضع رأسها على كتفه: فين صاحبك مش هنطلع انا تعبانة و عايزة انام، قبل راحة يدها برقة وهتف بحنان: هو زمانه جي يا ترى مسك الغزالة ولا لسه؟
احتقن وجه عشق وضربت كتفه بغضب وأردفت من بين أسنانها: احترم نفسك! انا لسه محسبتكش علي ملبن يا عديم الاحترام يا وقح..

لويت ندى شدقيها وهي تنحني على الطاولة، وضعت أمامهم العصير باحترام وهي تسلط أذنيها معهم تسترق السمع حتى صرخت بها حُسنة عندما وجدت انحنائها استمر وقتٍ طويل: انتِ عاتهببي ايه عندك يا بت انتِ مش جولنا متطلعيش من المطبخ عاد ايه اللي جابك اهنِه اجلبي عالمطبخ؟
تأففت بصوتٍ منخفض وهي تقلب عينيها، وقفت باستقامة وتحركت بخطواتٍ بطيئة بتمهل وهي تلوي رقبتها تحملق تجاه الباب متمنية أن يصل عمّار كأنه سيحميها!

إتسعت ابتسامتها عندما وجدته يدلف لـ تختفي بالتدريج وهي تبصر ليلي بأحضانة..
شهقت نادين وازدادت نحيبها عندما رأتهُ يتقدم يحمل والدتها بتلك الحالة المذرية، قدميها المتسختين وطرف عباءته المليئة بالوحل وقدميه!، هل ركض خلفها حافي القدمين ولم يشعر هو الآخر!، ابتعدت عن الأريكة وهي تشهق بخوف كي تترك له مجالاً ليضعها..

وقفت حُسنة وسألته بقلق: خبر ايه يا وَلدى حوصول ايه؟، هز رأسه بنفي وهو يسطحها على الأريكة بهدوء، جثت نادين أمام الأريكة وأخذت تربت على وجنتها بحنان وهي تبكِ ثم سألته بغضب: انت عملتها ايه؟
هتف بهدوء وهو يلتفت: معملتش حاجة هي اللي تعبت من الجري، لوح إلى قُصيّ الذي كان يراقبهم باستفهام وهو يبتسم وكأنه لم يلكمه منذُ قليل..

استفاق على يد نادين التي ضربت كتفه بغضب وهي تصرخ به بحرقة: كذاب انت عملتها حاجة، انت السبـ، صرخ بها بقوة جعلها تنتفض بخوف: قولت مرة معملتش حاجة ايه في ايه؟
نظرت له بلوم وعتاب وهي تزم شفتيها المرتجفة مثلما كانت تفعل ليلى وهي تبكِ، زفر بضيق وحرك شفتيه كي يعتذر لكنها انفجرت باكية وهي تغمر وجهها بين يديها جعلته يطبق اجفانه بنفاذِ صبر، هذا كان قاسياً يعلم لكنه أفضل كي تكرهه الآن ولا تتعلق به أكثر..

استدار وتجاهل بكائها، تقدم منه قُصيّ وهو يبتسم، لكم صدره كفتاة غاضبة ثم عانقة بقوة وهو يضحك وتذمر في نفس الوقت بـ درامية: كانوا هيعدموني يا عمّار، قهقهة وهو يربت على ظهره وقبل أن يتحدث سمع ضجة في الخارج تبعها ولوج الغفير مهرولاً اتجاهه بوجه شاحب ومن دون مقدمات هتف بصياح ولهاث: الحق جنابك مُنذر جاي مع رجالته محملين بالسلاح عشان يجتلوك..

صرخت حُسنة وهي تضرب قلبها: يا مُرك يا حُسنة يا مُرك يا حُسنة، قطب عمّار حاجبيه وهو ينظر لها ومازال لا يستوعب ماسمع؟ لما يقتلوه ماذا فعل؟ هل كُل هذا بسبب الآثار ذلك المُخنث؟ وهل سوف يقتلوه في وضح النهار؟ لا الصباح هل هم حمقى؟، ولما تلك اللعينة ندى تبتسم الآن هل تُريده ميتاً أمامها؟!

استفاق من شروده على صوت صراخهم معاً عندما تم اخترق زجاج الشرفة أحدي الطلقات النارية، جذب قُصيّ عشق من يديها وأوقفها بجانبه بقلق..
اسودت عينا عمّار بسواد قاتم ونفر عرق جبهته وانقبضت عضلات صدره بغضب وهدر بلغة آمرة: اطلعوا فوج دلوك، نظروا له بذعر وكأنهُ يخبرهم أن يذهبوا إلى موتهم الآن..

فصرخ بهم بعصبية وانفعال: انتوا لسه عاتبحلجوا جولت اطلعوا فوج دلوك!، دفع قُصيّ عشق إلي الأمام وحسها على التقدم معهم، هرولوا ثلاثتهم إلى الدرج سريعاً بخوف عدي ندي وليلي الفاقدة للوعي..
توقفت نادين على بداية الدرج وصرخت بخوف وهي تبكِ: ومامي، لعن عمّار تحت انفاسة ونظر لها بـ بُغض، هي نائمة ولا تدري بما يحدث حولها!، هل يتركها تموت؟!
أخرجه من شروده إقتراح قُصيّ الغير برئ بالمرة: اشيلها انا لو مش عايز!

نظر له عمّار بدون تعبير عندما استشعر تلك النبرة اللعوبة التابعة الى صديقة والتي يعرفها جيّداً وقبل أن يتحدث، اتسعت عينيه وشد قُصيّ من يده جعله ينبطح معه أرضاً لتخترق تلك الرصاصة الأريكة!، الأريكة، اللعنة! ليلى؟!.

هب واقفاً وقلبه يطرق قفصه الصدري بـ عُنف وقلق يكاد ينخلع من محله!، حملها بين يديه بلهفة وهو يتفحصها بخضراوية مراراً وتكراراً بهستيريا يطمئن أنها بخير ثم تحركت ساقيه وركض بها إلى الأعلى، صرخت به ندي من الأسفل بخوف: مهملني اكدِه ورايح فين؟

زمجر بغضب وهتف من بين أسنانه وهو يصعد: إنجلبي وتخبي يلي تنحرجي بدري، الله يخربيت أدمك الفقر يا قُصيّ، ضربت قدميها في الأرض بتذمر وتحركت لتذهب لكن قُصيّ تقدم منها وهو يبتسم بخبث رغم الموقف..
شهقت عندما وجدت نفسها ترتفع عن الأرض فوق كتفه منقلبة رأساً على عقب، ضربت كتفه بوجه محتقن غاضب وهي تشعر به يصعد الدرج بها وهتفت بحدة: نزلني يا بتاع النسوان انتِه يا مزبلح..

وضعها عمّار على الفراش برفق وهو ينظر لها بقلق ثم قال إلى نادين بهدوء: حاولي تفوقيها ومحدش يخرج من هنا، أومأت وهي تبكِ وجلست بجانبها على طرف الفراش بينما عشق كانت تقف تمسك بيد حُسنة بخوف، تركتها حُسنة وتقدمت من عمّار وأردفت بلهفة و قلب منقبض وهي تربت على صدره: عمّار متفجعنيش عليك ياولدي!

ابتسم وقبل رأسها بحنان وهو يطمئنها: متجلجيش مش عتحصل حاجة وحشة عاد، ثم استدار ليجد ندى خلفهُ مباشرةً، رفع كفه ودفعها من أمامه بسخط جعلها تترنح إلى الجانب ثم قال ببرود إلي قُصيّ الذي يقف أمام الغرفة: تعالي ورايا يا فقر..
أغلق باب الغرفة خلفة وسار تجاه غرفتهِ..
إبتسم قُصيّ بعبث وهو يسير خلفه و يعلم إلى أين يأخذه لكن سأله بخبث كي يتأكد: احنا رايحين نلعب ببجي صح؟

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة