قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية حب خاطئ للكاتبة هاجر الحبشي الفصل الحادي عشر

رواية حب خاطئ للكاتبة هاجر الحبشي الفصل الحادي عشر

رواية حب خاطئ للكاتبة هاجر الحبشي الفصل الحادي عشر

- كُل شيءٍ سهل عدي الوصول إليها، -
فتح باب الغرفة ثم أبعد البساط الصغير من محله وهبط إلى الأسفل عبر الدرج الخشبي ودلف إلى غرفته المليئة بالأسلحه..
بينما قُصيّ كان يقف أمام المسبح وعيناه تجول في المكان بانبهار فهو آخر مره كان هُنا لم يكن المكان جميلاً هكذا؟ كان في مرحلة الترميم فقط لقد أنهاه سريعاً، وماهذه الغرفة؟ رياضة! اللعين كيف فعل هذا؟

أردف بابتسامة وهو يأشر على غرفة النوم ذات الأثاث الأسود الظاهرة من خلف الزجاج: عمّار انا هاجي اعيش هنا وهاخد الأوضة الحلوه دي انا وعشق..

ضحك عمّار بسخرية وهو يخرج من الغرفة ثم قذف عليه البندقية وهتف بهدوء وهو يسير حاملاً خاصته بين يديه: تعالى ورايا، سار قُصيّ خلفهُ وهو يتفحص البُندقية بابتسامة لتتوقف قدميه عن السير فجأة عندما لمح غرفة الأسلحة بطرف عينيه، توقف أمامها فاغر الفاه وهتف ذاهلاً: ايه كل ده انتوا هتحاربوا ولا ايه؟
نظر له عمّار بسخط ثم عاد وجذبه من ياقة ملابسهُ بضجر وسحبهُ خلفهُ..

هتف قُصيّ معترضاً وهو يقهقه: استني بس إديني واحد طيب عندكم كتير طيب اشوف اوضة النوم طيب! طب السرير، لكن عمّار لم يفلته وظل يتقدم حتى توقف أمام سُلم خشبي آخر..
قطب قُصيّ حاجبيه وهو ينظر له ثم نظر بالاتجاه الآخر خلف المسبح الي السُلم المشابه له ليسأل عمّار باستفهام وهو يصعد خلفهُ: انت عملت سلم تاني امتي؟ اوعي يكون بيطلع علي اوضه حماتك يا خلبوص..

ركله عمّار بقدمه بضجر أسقطهُ أرضاً بقوة وتابع صعوده وهو يلعنهُ، تأوه قُصيّ وهو يقف متكئًا على البُندقية ثم صعد خلفهُ من جديد وهو يسبهُ سُباب لاذع..
قطب قُصيّ حاجبيه عندما سمع صهيل وهو يصعد، القي البُندقية إلى الخارج ثم صعد خلفها لتتسع ابتسامته عندما أبصر خيل عمّار ندي تقف جانباً تضرب حافرها أرضاً..

ابتسم وهو يقف ثم اقترب منها وربت علي وجهها برقة وهتف بسعادة: ندي، حبيبة عمو كبرتي وبقيتي عروسة، زفر عمّار وصوب على قلبه بنفاذِ صبر وهدر بحدة: انت هتخرج في يومك الاسود ده ولا لأ يا بوز الأخص انت..

ضحك قُصيّ وانحني وحمل البُندقية وصوب اتجاه قلب عمّار وهتف بتهديد أثناء صهيل ندي بقوة وهي تتقدم منه: مين ده اللي بوز الاخـ، آآه، ضحك عمّار عندما أسقطت ندى قُصيّ بساقها التي رفعتها عالياً والآن تريد دعسه وتحطيم تلك الرأس أسفل حافرها، يستحق هذا..
استنجد به قُصيّ وهو يرفع البُندقية بوجه مُحتقن يُصدرها أمام حافرها كي يحتمي بها: الحقني يا حلوف بدل ما اقتلهالك دلوقتي..

تقدم عمّار منه غير قادراً على كبح ابتسامته وفرحته بها، أمسك حافرها أوقفها ثم ربت علي وجهها برفق وهو يبتسم: طمرت فيكِ التربية..
وقف قُصيّ ونظف ملابسه بضيق وهو ينظر لهما بسخط ثم هتف بضجر: قال عمُه قال عمِك دِبب يا قليلة الأدب..
صهلت من جديد بين يدي عمّار جعلته يضحك ووبخهُ بضيق واستياء: بنتنا مُحترمة يا أستاذ إحترم نفسـ، ايه ده؟ صوت ضرب النار وقف!

رفع قُصيّ رأسه ونظر الى الخارج وأومأ موافقاً وهو يتقدم الى الخارج: يمكن قتلوا العيلة خلاص؟
تركها عمّار وذهب خلفهُ وهو يقطب حاجبيه، تقدم على قُصيّ وسار بجانب الحائط بحذر لـ يصيح قُصيّ بتهكم جعله يلتفت له بجزع: انت مخرجنا من هنا وِملفِفْنا كُل ده عشان تجيلهم من هنا؟ ما كُنا متنيلين جوا وقريبين من الباب ولا انت بتحب اللف والرمح على رأيكم..

زفر عمّار وهتف بتعب: بُص يازفت انت انا منمتش بقالى يومين ومش شايفك اصلاً انت خيال قدامي دلوقتي احترم نفسك بقى و اسكت ساكت..
أومأ قُصيّ وهو يمط شفتيه وهتف بضيق: طيب مش هموِت حد؟
ضرب عمّار كتفه وهدر بتوبيخ: هيبقي قتل وخيانة كمان روح ادفن نفسك ولا أقعد في جامع ربنا يغفرلك..

ألقى قُصيّ البُندقية أرضاً من يده وهتف بسأم: شوف مين اللي بيتكلم؟ هو كل ما تشوف وشي انت وآدم تقولولي يا خاين! ايه يا ملايكة الرحمة ده نور الإيمان إللي خارج من وشك عماني! يا بتاع حماتك ؛..
ضحك عمّار وهو يمسد جبهته من ألم الرأس الذي لم يفارقه منذُ الصباح: اسمها ليلى ياجاهل خلاص مبقتش حماتي فسخت الخطوبة الصُبح عشان وشك فقر برده اعوذ بالله..

ضحك قُصيّ وهتف بخبث وهو يلاعب حاجبيه: بس بجد غزال يابن الصعيدي غزال..
أطبق جفنيه بقوة وهو يتنفس بانفعال وصدره يشتعل ثم هتف بتحذير: كلمة كمان وهنسي إني أعرفك..
ضحك قُصيّ وضرب صدره وهتف بعبث وهو يغمزه: بتغيري يا خلبوصة انتِ، ياالهي يُريد قتلهُ الآن..
صاح قُصيّ فجأة وهو يلتقط البُندقية من الأرض: مش ابوك اللي جه ده؟ اقتله ونقول همه قتلوه وتبقي دم بقى ونقتل فيهم وتمسك أنت بعد أبوك بقي وكده!

هز عمّار رأسه بسخرية وهتف بسخط: اللي بتقوله ده مُسلسل وفاشل كمان اسكت بقي وهات البُندقية دي ممنوع حد يمسكها من برا العيلة..
رفع قَصيّ زاوية شفتيهِ بسخرية وناوله إياها وهو يقول ساخراً: ليه العيلة المالكة! خُد ياخويا، ثم نظر من خلف الحائط وهتف باستفهام: مين اللي ابوك ماسكة زي الفرخة ده؟

تنهد عمّار ونظر معهُ من خلف الحائط لـ يبتسم بسخرية ثم قال بهدوء: ده مُنذر الجبان المعفن، يلا ارجع ارجع انا هطلع انام المشكلة خلاص اتحلت..
هدر متولي بحدة وهو يصيح بـ غفيرة: انت يا زفت نادم لـ عمّار وخليه يحصِلني على المُندردة دلوك، هز رأسه بطاعة ثم ركض يبحث عنهُ حول المنزل..
أوقفة قول قَصيّ وهو يمسك ذراعه: أبوك عايزك تعالي نشوف عايز ايه، دفع عمّار يده بضجر وهتف بسخط: انت مالك انت ابوك ولا أبويا؟!

=: سيدي عمّار جناب البيع شيِعلك معاي، هتف الغفير بهدوء لـ يزفر عمّار بضيق وهو يستدير ذاهباً تحت ابتسامة قُصيّ البلهاء..
دلف من بوابة المنزل بأعين توهجت بـ شرعندما أبصر تلك الفوضى عن قرب وشظايا الزجاج المتناثرة على الأرضية المصقولة في كل مكان..
توقف أمام والده، وضع البندقيتين على الطاولة ثم ألقي نظرة حادة على ذلك الُمنذر جعله يزدرد ريقه بخوف ثم نظر إلى والده وقال بهدوء: طلبتنيّ؟

هدر والده بخشونة وهو يأشر بعصاه علي مُنذر: عايجول انك ظلمتهُ..
زفر عمّار وقال بهدوء: اني مظلمتش حد عاد هو اللي عايجور علي حج من حجُه!
هتف مُنذر سريعاً بانفعال: لاه مش جور ده جـ، ضرب متولي عصاه أرضاً وهتف بغصب: أجفل خشمك يا محروج انتِه دلوك انت كيف تتجرأ وتاجي تُضرُب نار عالدُورا ياض كيف؟ ابوك جاي دلوك عشان يتصرف معاك بدل ما اتصرف اني..

شحب وجهه وجثى على ركبتيه أمامه وهتف بخوف بنبرة أقرب إلى البُكاء: لاه، أبوي لاه اني فـ عرضك مكنتش اجصد ومحدش كان عايموت عاد اني نيتي مش شر أني كُنت عاوز أخوِف عمّار بس..
ضحك متولى بخشونة وهو يحرك راحة يديه فوق العصي جعل عمّار يبتسم وهو يُراقبة، يبدو أن والده واثقاً بصنع يديه لهذا يجد أن هذا مضحكاً جداً، حسنا، ليست ليلى وحدها من جعلته يبتسم، هذا تعادل الآن..

توقف متولي عن الضحك وسأله باستفهام ساخر: عمّار يخاف؟
أردف قُصيّ باستفهام وتوجس: ابوك ضحكتهُ شريرة اوى زى الجوكر يا عمّار، وماله خايف من ابوه كده ليه الراجل ده؟
هز عمّار كتفيه بجهل وقال بعدم فهم: مش عارف يمكن كان بيطفي السجاير في وراكـ، وصمت عندما سمع صياح أحدهم يأتي من الخارج حتى بدأ يقترب أكثر فأكثر ودلف الى المنزل، فإذا به طلعت من جديد يهرول لهم يحمل بين يديه قطعة الأثار..

توقف أمام متولي باحترام ووضعها على الطاولة وهتف سريعاً وهو يلهث: حته الآثار أهيّ مش عاوزها يا جناب البيه وشيِعت لـ لطفي اللي كان معانِه في نفس اليوم عشان تحلها أنت جنابك..
أومأ متولي وهم بسؤاله: احكيلي الحكاية يا طلعت..
هز رأسه موافقاً وبدأ يقص عليه ما حدث ذلك اليوم..
تهجمت ملامح متولي بغضب مع نهاية حديث طلعت وهدر بحدة وهو ينظر إلي عمّار: مين جالك تعمل إكدِه! الجانون جانون تغيِره إنت ليه عاد؟

زفر عمّار وقال باعتراض: جانون لازم يتغيِر عشان دِيه ظِلم! وفي الآخر لما يِسرج تقطعوا يده وتجولوا حرامي وهو محروم بسببكم! هو دِيه العدل عِنديكم؟
صرخ به والده بحدة شديدة و وجه محتقن: ملكش صالح انت ملكش صالح دِيه من ايام جدودنا دِيه عتاجي انتِه تِغيره دلوك؟ جولتلك المحروج جلبك دِيه تبعده في الأوجات ديّ!

حرك عمّار اهدابه بتعجب ثم قال بعصبية: واه، ودخل جلبي ايه دلوك؟ لما دِيه عايجول شافها لوْول والتاني عايجول شافها لوْول ولو حد منيهم خدها عيجتلوا بعضيهم هو دِيه بجي العدل! طيب أني ظالم محدش يطلب اجعد في جعدات ان شاء يتحرجوا كُلهم أني رايح انخمد محدش يصحيني عاد، وتركهم وذهب تحت نظرات متولي الحادة التي كانت تحرقه حياً لكنه لم يعبأ وتابع سيره، لكن توقف وصاح باسمها
بصوتٍ حاد: صباح صباح..

أتته ركضاً من الداخل وهي تلهث، توقفت أمامه وهتفت بقلق: نعم نعـ، قاطعها عندما أمرها بحزم: في جطن وشاش ومطهر عندك في المطبخ أني فوج عند ستك ليلي حصليني بيهم، اومأت بطاعة ثم عادت ادراجها الى المطبخ..

صعد الدرج بضيق وهو يرفع طرف عباءته المُتسِخة لكنهُ توقف على بداية الدرج ثم نظر خلفه وهتف بتحذير وهو يأشر على النوافذ: مُنذر الزفت أني لو صحيت ولجيت الشبابيك ديّ زي ما سبتها وربي ماهخليك تنفع لحاجة واصل عاد، ثم تابع صعوده إلى الأعلى بغضب..
استأذن قُصيّ من متولي باحترام: ممكن أقعد معاك أتفرج يا عمي؟
نظر له متولي قليلاً من أعلاه لأخمص قدميه بتقطيبه حاجبيه ثم أشار له على المقعد الذي بجانبه بصمت..

أدار عمّار مقبض الباب ودلف بهدوء لـ ينتفضوا من أماكنهم جميعاً بوجه باهت خوفاً وقلق من أن يكون شخصاً آخر..
هرولت له حُسنة بقلق وعانقته بحنان وهي تسأله: انت بخير يا حبيبتي؟، أومأ وقبل رأسها بحنان وعيونه معلقة على ليلى الغافية..
سأل نادين التي كانت تجلس بجانبها وتربت على شعرها بحنان: مفوقتيهاش ليه؟

قالت بهدوء وهي تتحاشى النظر له: عشق دكتورة شافتها وقالت انها كويسه مفيش قلق عليها، أومأ بهدوء وهو ينظر إلي عشق بطرف عينيه..
دلفت صباح إلي الغرفة بخطواتٍ سريعة وناولته ماطلبه وهي تقول: الشاش والجطن تأمرني بحاجة تانيِة؟، هز رأسه بنفي وهتف من بين أسنانه وهو ينظر الي ندي: خدي معاكِ بوز الأخص ديّ من إهنِه..

أومأت بطاعة ثم تقدمت منها وهي توبخها: انتِ اهنِه واني جالبة عليكِ الدُوار كُلِيتهُ يا منجوطة انتيّ يـ، قاطعها قول عمّار من بين اسنانه بغضب: حد جالك تشتميها دلوك؟

ابتسمت ندي وهتفت وهي تهز كتفها مع حاجبيها: سيد الناس كِلاتها وحـ، أصمتها بقوله الحاد السائم: اخرسي يا محروجة انتيّ مسمعش حِسك عاد، لوت شدقيها وهي تنظر له بطرف عينيها وظلت جالسة تتابعه وهو يبعد الغطاء عن قدم ليلى برفق ثم بدأ بتطهير ذلك الجرح البسيط وقام بـ تضميده باحترافية وتركيز كأنه متمرس في فعل هذا، لتقف ندي واقتربت ووقفت بجانبة وطلبت بغيرة وهي تمد يدها: عنك انت ياسيدي وتاج راسي أنـ، صرخ بها جعلها تنتفض الي الخلف: بَعدِي يا جربوعة انتيّ بَعدِي.

وضعت يدها بخصرها بعدم رضى وهتفت بتهكم وهى تتراقص بخصرها: واه لما اني جربوعة يبجي انت ايه؟ ولا مش ناضر نفسك يابن الصعيدي؟، صك أسنانه بغضب في محاولة لتجاهلها وهو ينهي تضميد قدم ليلى..
حركت ليلى رأسها وهي تئن لتنتبه لحركتها نادين وبدأت تربت علي وجنتيها برقة وهي تسألها بقلق: انتِ كويسة؟
حركت جفنيها وأفرجت عن عسليتيها ليقابلها سقف الغرفة الأبيض، ماهذا؟ ألم يقتلها عمّار انها مازالت حية! مرحي؟.

حركت رأسها بخفة لتبصر نادين التي تنظر لها وهي تبتسم لتسألها بخفوت: أنا لسه عايشة؟
ضحك نادين بخفة وهي تومئ لها ثم قبلت جبهتها بحنان وسألتها بقلق: انتِ كويسة؟

هزت رأسها بخفة وهي تشعر بحركة علي قدمها، حركت رأسها و نظرت بجانبها لترى تلك الفتاة الجميلة تجلس مقابلها في نهاية الفراش، ابتسمت لها عشق بخفة وهي تهز رأسها بإيماءة بسيطة، كادت تفعل المثل لكن قاطعها قول حُسنة بابتسامة وهي تربت على وجنتها: كيفك ياحبيبتي دلوك زينة؟
تهللت أسارير ليلى واعتلي ثغرها ابتسامة رقيقة وهي تومئ لها بخفة، هل سامحتها؟!.

لتبتعد حُسنة وهي تقول: انتِ مكملتيش فطورك عجولهم يعملولك دلوك عشان تفوجي وتروقي، هزت ليلى رأسها بنفي وقالت بحزن: انتِ مش زعلانه مني؟
هزت حُسنة رأسها وهي تبتسم: لاه يا حبيبتي انتيّ زي دهب مجدرش ازعل منك يا غاليِة، إبتسمت ليلى وهزت رأسها وكادت تتحدث لكن هربت من بين شفتيها صرخة هلعة كتمتها سريعاً عندما وضعت يدها على فمها وهي تبصر عمّار يميل بجذعه على قدمها، هل هو من تشعر به يحرك يديه مُنذُ وقتٍ طويل؟

تنهد بضيق وهو يقطب حاجبيه موبخاً نفسه بحدة، فهو قام بفك قدمها ثلاث مرات وأعاد تضميدها من جديد فقط كي يستمع إلى حديثهم، وخصوصاً بحة صوتها أثر النوم كم هو ناعم لقد وقع في حُبهِ..

أنهي تضميد قدمها للمرة الرابعة وكاد يرفع رأسة لكن وجهه التفت إلى الجهة الأخرى عندما ركلتهُ بقدمها وهي تقول بصوت مرتجف حاد: انت بتعمل ايه هنا يا همجـ، وصرخت بألم عندما ضغط على الجرح بملامح جحيمية وهو يقول من بين أسنانه: هكون بعمل ايه يعني؟، كادت عبراتها تنفلت و تنساب على وجنتيها لكن جسدها اشتعل من الغضب عندما سمعت قول ندى المتهكم: جاعد بيداوي جرحك ياختي ايكش بس تستحي على حالك وتبطلي صغرنه و، صرخت بها ليلى بغضب وهي تنتصب جالسة بحدة: انتِ متتكلميش يا حقيرة يا كذابة انتِ مسمعش صوتك بتدخلي في حاجة مالكيش فيها..

رفعت ندى حاجبيها ووقفت ثم وضعت يدها بخصرها وتحدثت بتهكم: شوف مين بتتحدت! الرجاصة عديمة الأخلاج بتاعة البندر عاتعدل عليِّه!

هزت ليلى رأسها بخفة وأعادت بمقتٍ شديد: بس يا حقيرة يا كذابة، قطب عمّار حاجبيه ونظر لها بعدم فهم لـ يطبق جفنيه بنفاذ صبر عندما استمع إلى حديث ندى وهي تتصنع البُكاء: شوف يا عمّار بتجول ايه جِدامك؟ اكدِه وسايبها عاد؟ مش اني اللي اتكفيت على وشك عشانها وكُنت بتعلِج نفسك على السجرة عشان تطمن عليِّ كُل يوم؟، نظر لها عمّار مشدوهاً فهي كيف علمت اللعينة؟ هل كانت تعرفه وتتصنع عدم المعرفة؟

ردت حُسنية بتهكم وهي تنظر لها بغضب: ده كان بيتفرج عليكِ وانتِ بتنضربي كيف الحَمير مش بيشاهد جمالك يعنيّ يا عِفشة..
ضحك ندى بسخرية وقبل أن ترد بوقاحة كنا خططت صرخ عمّار بغضب جعل جسدها يرتعد: انتِ يابت يا صباح مش جولتلك غوريها من إهنِه؟ غوريها دلوك وحد يتصل بالمحروج ابوها ابو جرون ياجي ياخدها من إهنِه مهملهالنا ليه ديّ؟

أومأت صباح وسحبتها من ذراعها وذهبت بها إلي الأسفل، ربتت حُسنة على كتف نادين الشاردة التي تحدق في ندى الذاهبة بغضب، نظرت لها باستفهام وهي تبتسم لتبادلها حَسنة ابتسامتها وحثتها على الذهاب وهي تقول: جومي يا حبيبتي وطلعي خلجات نضيفة عشان تغيِر بدل الخلجات ديّ والجو مرصرِص وعضمها مش مستحمل، أومأت نادين بخفة واتجهت الى الخارج تبحث عن حقيبة والدتها لأنها رأتها أمام الغُرفة منذُ قليل..

تحدث عمّار بهدوء وهو ينظر الي عشق التي تعبث بأصابعها بتوتر من فترة طويلة تُريد قول شيء: قُصيّ قاعد تحت لو عايزه تنزليلة، أومأت بخفة وهي تبعد خصلات شعرها خلف أذنها بتوتر ثم وقفت ونظرت لهم بتردد، حركت شفتيها كي تستأذن أو تقول أي شيء حتى تكون لبِقة أمامهم لكن شفتيها توقفت، فـ لوحت بيديها بيأس ثم هرولت إلي الأسفل دون أن تضيف كلمة واحدة..

تنهدت حُسنة وقالت بحنو: رايحة أشوفهم وصلوا لفين عشان فطورك، وتركتهم وغادرت..
تنهد عمّار وقال بهدوء وهو ينظر إلى ليلى: متجبيش مايه عند الجرح، واستدار ليغادر لكن قول ليلى بنبرة كارهه استوقفه: استني، توقف ونظر لها بترقب ليجدها تميل إلي الجانب تفتح الكومود وهي تقضم شفتيها وملامحها تنكمش بألم! هل هي تتألم؟

أخرجت عُلبة حمراء مخملية عريضه الخاصة بـ ذهب ابنتها أو كان، ومن دون مقدمات قذفتها عليه بغضب، رفع يديه في الهواء و إلتقطها وهو يبتسم بتسلية ثم قام بـ فتحها بخفة ونظر داخلها بتفحص وسألها باستفهام: كان في ورقة هنا!
ابتسمت بسخرية و هتفت بسخط: في الزبالة روح هاتها..
ضحك بخفة وقال بهدوء وهو ينظر داخل العُلبة: لأ انا مش عايزها! انا بس كنت هسيبها ذكري مني عشان ما تنسنيش!

ابتسمت بغضب وقالت له باحتقار: متقلقش الشخصيات الحقيرة اللي زيك صعب تتنسى..

ضحك بخفة وهو يفرك حاجبه الأيسر وقال بابتسامة: مش مهم حُب أو كُره عشان في الحالتين هتفتكرونى وده كفاية، يلا تصبحي علي خير بقي، واستدار وذهب لكنه توقف أمام الباب واقترح عليها وهو يبتسم بـ سذاجة: لما يجيبوا الفطار تبقي دوقي اللمون المخلل ده حكاية و حاجة كده محصلتش هتحبيه اوى، وفتح باب الغرفة وغادر، شدت شعرها بغضب وهي تطبق جفنيها بقوة من هذا المستفز كم هو بغيض يجعلها ترغب في قتله بأبشع الطرق..

فتح باب غرفتهُ ليجد نادين تخرج منها تحمل بين يديها حقيبة ملابس! قطب حاجبيه بعدم فهم لتتحدث بارتباك وهي تضع الحقيبة من يدها: دي شنطة مامي كُنت شايفاها في الطُرقة بس لما خرجت ملقتهاش دورت في كل الاوض وبعدين دورت هنا لقيتها..
أومأ بتفهم وسألها باستفهام: ومين اللي دخلها هنا؟، هزت رأسها بنفي وقالت بجهل: مش عارفة، ثم نظرت إلي العلبة التي بيده وطلبت بهدوء: ممكن أخرج؟

أومأ موافقاً لكنهُ لم يتحرك ويفسح لها الطريق وهذا جعلها ترفع نظرها له باستفهام ليسألها بـ بعض الحنو: زعلانه؟
أطرقت رأسها و أغرورت عينيها بالدموع ولم تتحدث، رفع رأسها بيده وهتف برفق: لو عايزانا نرجع أنا معنديش مانع..
هزت رأسها بنفي وقالت بنبرة مرتجفة حزينة: عمّار انت مش بتحبني، بتحب ندى! صحيح مش هتظلمني بس بتحبها هيه، ومامي يا عمّار! دي حاجة مستحيل أسامح فيها مهما حصل..

تنهد وقال مُبرراً موقفه هدوء: نادين، انتِ عارفة اني من ساعة ما قبلتها وهي مبتعملش حاجة غير انها بتغلط فيا وبسكت مش بتكلم وبهزر و عادي، وقبل ما نمشي حذرتها متغلطش في هنا بس هي مسمعتش مني وده مش ذنبي هي لو كانت في سِنه كُنت قولت معلش عادي لكن دي قد بنتهُ ازاي تغلط فيه يعني؟ إحنا اهم حاجة عندنا هنا الإحترام، يا إلهي من هذا النبيل الذي يتحدث..

هتفت بتهكم وهي تنظر له: وطالما أد بنته عايز يتجوزها ليه وليه انت متكلمتش معاه؟
تنهد وقال بضيق هو يقذف العُلبة على أحد المقاعد: أولا يعني كلامي لا هيقدم ولا يأخر واللي عايزه هو اللي هيحصل! تاني حاجة بقي اتكلمت واعترضت بس صمم يكلمها بنفسه ولو كُنت جيت أقولها تمثل معايا وتقوله أن جوزها موجود مكنش كل ده حصل، بس هي مش متعاونة ولا هتكون زي ما بتقول..
أومأت بتفهم وهتفت بهدوء: ماشي، ممكن أخرج؟

أغلق الباب واستند عليه وهتف وهو يهز كتفية: تمام مش هتخرجي غير وانتِ بتضحكي ومش زعلانة خليكِ بقى هنا!.
دلفت صباح الغُرفة تحمل بين يديها صينية الطعام، وضعتها على الفراش الفارغ ونظرت حولها تبحث عن ليلى المختفية، استدارت عندما سمعت صوت اغلاق الباب..

خرجت ليلى من دورة المياه وهي ترتدي ملابسها بعد أن أخذت حماماً دافئ، كانت قد أخرجتهم من وقتٍ قبل أن تركض هاربة إلى الخارج، كانت ترتدي بنطال خامة الجينز ضيق لونه أبيض وظلت تاركة الخلخال محله، ومن الأعلى كَنزة بيضاء بحمالات وفوقها سترة شتوية سوداء فتحت سحابها من الأعلى قليلاً حتى الصدر أبرزت عنقها الذي زينه قلادة صغيرة رقيقة، وارتدت حذاء رياضي أسود..

التقطت هاتفها المغلق من على الكومود وهي تسير ببعض العرج، بالتأكيد ستجد كثير من المكالمات التي لم تصلها فهي تناست أمره عندما أتت إلى هُنا، الحياة هُنا عالم آخر مُنعزل عن كل شيء في الخارج، وهذا جيّد ليس سيءً أبداً إلى تلك الدرجة، ومن المفترض أن تكون قد هدأت أعصابها وقامت بتصفية ذهنها في هذه الأيام بسبب هذا الجو الرائع لكن ذلك المستفز يرهقها أكثر وتوترها تلك التصرفات الصبيانية ولا تفعل سوى الركض هُنا وهُناك وملاحقتهِ..

قطع شرودها صوت صباح وهي تخبرها باحترام: الفطور ياسِت هانم، هزت ليلى رأسها بخفة وشكرتها بامتنان: بجد شكراً أوي بس مش هقدر اكل خُديه معاكِ، هزت رأسها باستسلام وأخذت الطعام وعادت به إلي الأسفل..
دلفت ليلى إلى الشرفة وقامت بمهاتفة رنا مساعدتها في العمل كي تطمئن على العمل الذي تركتهُ خلفها..
عادت حُسنة إلى الغرفة تحمل الطعام بنفسها وهي تتنهد بتعب بسبب الأطفال الذين يمكثون معها..

دلفت إلى الغرفة لتجدها فارغة، وضعت الطعام جانباً ثم دلفت إلى الشرفة عندما سمعت صوتها..
مسدت جبهتها بتعب وقالت بهدوء بعد إن سمعت تلك المُحاضرة والتقرير من رنا: انا بُكره بالكتير هكون موجودة ان شاء الله معلش أنا عارفة اني تقلت عليكِ وانتِ اللي شايلة الشُغل كُله لوحـ، توقفت عن الحديث واستدارت مع انتفاضة جسدها عندما شعرت بيد توضع على كتفها فجأة..

ربتت حُسنة على ظهرها وهتفت بحنان: متخافيش يا حبيبتي دي أني، تنفست ليلى الصعداء وهي تهز رأسها بخفة ثم قالت الى رنا قبل أن تبعد الهاتف عن أذنها: بُكره يا رنا مع السلامة، وأغلقت الهاتف وهي تبتسم ثم عانقت حُسنة بحنان كـ والدتها وهتفت بحزن: بجد انتِ أكتر واحدة هتوحشيني..
ربتت حُسنة على ظهرها بحنان وهتفت بتعجب: ليه انتِ فيتانا و رايحه على فين؟

قالت بهدوء وهي تبعد خصلات شعرها المُجعد إلى الخلف: احنا ماشيين خلاص كل حاجة انتهت و قاعدتنا هنا مش لطيفة..
تنهدت حُسنة وسحبتها من ذراعها خلفها إلى الداخل كأنها لم تستمع لما قالت: تعالي بس افطري لوْول وبعدين تبجي اتحددتي الحديدت الماصخ دِيه..
هزت ليلى رأسها وقالت باستفهام وهي تسير معها ببطء بسبب قدمها: لأ مش كلام ماسخ عشان احنا هنمشي النهارده فعلاً وكُنت عايزة أسلم عليكِ..

أومأت حُسنة بخفة واجلستها على التخت أمام الطعام وقالت بهدوء: كُلي الله يرضى عليكِ كُلي..
هزت ليلى رأسها وقالت وهي تنظر إلى الطعام بدون شهية: مش عايزه؟ مش جعانة!
نظرت لها حُسنة بتعجب ثم هتفت بضيق: يابتي انتِ ماكلتيش حاجة من صبحية ربنا ووكلك مش عاجبني دِيه مايرضيش ربنا عاد كُلي..
رفعت ساقها على الفراش وقامت بثنيها وقالت بإزدراء: مش عايزه! والله مش جعانة..

أعادت حُسنة بإصرار: كُلي بس خُدى لمون مخَلل نفسك هتنفتح، توقفت الكلمات بحلقها قبل أن تنطق بها وهي تخفض رأسها تنظر إلى ذلك الليمون مُتذكرة قول البغيض عنهُ، هذا وحدهُ سبب كافي كي يجعلها لا تقدم على تناول الطعام، لكن لما لا تجرب؟ هي تُحب تناول المُخلّلات مع الطعام..
ضحكت نادين بسعادة وصوت رنان وهي تقطع المسبح ذات المياه الدافئة ذهاباً وإياباً ثم هتفت بفرح: جميل أوي يا عمّار بجد انا مبسوطة اوي..

إبتسم عمّار وهو يراقبها تسبح بكل سعادة وكأن شيءً لم يحدث، لقد كان هذا سهلاً كي تنسي ماحدث كم هي بريئة، طفلة إنها طفلة كيف يتزوج طفلة؟.

هتف وهو يصفق كي تنبته له: خلاص كفاية يلا اطلعي وتبقي تعالى في أي وقت تاني، أومأت وهي تبتسم ثم صعدت سريعاً وجسدها يقطر مياة، توقفت أمامه وتعانقت يديها أمام صدرها وهتفت بسعادة: بجد بجد مبسوطة اوي انت متعرفش انا بحب السباحة ازاي، قرص وجنتها بخفه وهتف مؤكداً عليها: زي ما اتفقنا ده سِر ما بينا و محدش يعرفه خالص تمام..

أومأت مؤكدة وهي ترفع ابهامها أمام وجهه ثم ركضت وصعدت الدرج ومازالت تبتسم، توقفت في منتصف غرفته في الأعلى وهي تفكر بعبوس ثم قالت له عندما صعد: هروح لـ ماما ازاي دلوقتي وانا مبلوله كده؟

أخرج منشفة من الخزانة الصغيرة التي يضعها مقابل الفراش تمويهاً فقط لأن ملابسه في الأسفل، وضعها حول رقبتها وقال بصوتٍ منخفض: أجري على اوضتك دلوقتي خليكِ فيها شويه ونشفي شعرك وبعدين اخرجي، أومأ بخفة وهي تفرد المنشفة على كفتيها ثم قالت بتذمر: طيب وشنطة مامى..

نظر عمّار لها قليلاً وهو يبتسم بعبث ثم قال بهدوء: سيبيها وتعالى خُديها شوية كده، يلا، أومأ وتحركت بحذر، فتحت باب الغرفة وتفحصت الممر بناظريها ثم ركضت سريعاً الى غُرفتها كـ لِصة هاربة ضحكتهُ عليها..

أغلق باب الغرفة وهو يتنهد لقد شاركها سرهُ ويعلم أنه سيفضح لكن لا يهم لا بأس بهذا إن كان لن يشعر بتأنيب الضمير، خلع عباءته وقذفها ارضاً بضجر ثم دلف إلى دورة المياه خاصته المهجورة لأنهُ متعب ولن يستطيع النزول والصعود والنزول من جديد..

أخذ حماماً دافئ، ارتدي بنطال قطني ثم قفز فوق الفراش لكنه انتفض من عليه سريعاً ووقف وهو يفرك أرنبة أنفه بانزعاج، تقدم من المرآة وأخذ زجاجة العطر وقام بنثره في أرجاء الغرفة وعلى جسده، وضع الزجاجة جانباً ثم أخذ نفساً عميقاً يستنشق رائحة الغرفة ثم ابتسم وتنفس الصعداء براحة واستلقى على الفراش بهدوء، فهو سيموت مختنقاً يوماً ما بسبب كثرة العطور ذلك المريض المهووس..

ابتسمت حُسنة وهي تراقب ليلى التي انغمست في الطعام لأول مرة منذُ أن أتت ثم مدحت صانع هذا الليمون: شوفتي فتح نفسك كيف تسلم يدك يا عمّار يا ولدي، غصت ليلى اللقمة داخل حلقها وسعلت بحدة وهي تضرب صدرها بقبضتها بخفة بأعين جاحظة على وشك الاختناق..
ارتشفت بعد المياه من يد حُسنة وهي تلهث ثم سألتها بأعين دامعة: عمّار تسلم ايده ليه عمل ايه؟ عمل الفطار؟

قهقهت حُسنة ونفت بابتسامة: لاه عمّار هو اللي مخَلل اللمون دِيه، تِعرفي يا ليلى هو عمّار اكدِه نفسهُ حلو في اي حاجة بيعملها دايماً بتطلع زينة، هزت ليلى رأسها بخفة وهي تزدرد ريقها في رغبة شديدة للتقيؤ الآن، هل هو من صنعهُ لعين لا يليق به سوى بائع مُخلّلات، لكنه شهياً حقاً وهي أحبتهُ..

دلفت نادين فجأة وهي تصحيح بابتسامة: القمر عاملة ايـ، توقفت في منتصف الغرفة وسقط فكها أرضاً عندما أبصرتها ثم تابعت بذهول: ايه ده ايه ده بتاكلي مرة واحدة؟ لأ لأ كده كتير علينا، ابتسمت ليلى وأشرت لها وهي تقول بحنان: تعالي كُلي معايا تعالي، تقدمت نادين منها وهي تبتسم، جلست بجانبها وبدأت تتناول الطعام لتسألها ليلى فجأة: شعرك مبلول ليه؟

ابتسمت نادين بارتباك وقالت بتلعثم: أصل، أصل، أصل انا غسلت دماغي وحاولت انشِفة من غير استشوار لكن لسه رطب برده، أومأت ليلى بتفهم ثم سألتها باستفهام: مش كنتي رايحة تجيبي شنطتي؟

ضحكت ببلاهه وهي تفرك مؤخرة رأسها ثم قالت وهي تبتسم: ما أنا دورت عليها في كل حِته إلا عند عمّار وقبل ما أدخل ادور عليها قابلتهُ وصالحني، اختفت ابتسامة ليلى عندما سمعت قولها! هل ستعود له إذاً؟ هي لا تستبعدها عن ذلك اللعوب فهو يمكنه أن يقنعها ببعض الكلمات البسيطة!
سألتها ليلى بجزع وهي تنظر له بتركيز تحاول أن تقرأها: وانتِ هترجعيله؟

هزت نادين رأسها بنفي وهي تبتسم وقالت بهدوء: لأ، احنا اتفقنا هنبقي اصحاب عادي، تنفست ليلي براحة وهي تبتسم لكنها نظرت إلى نادين بتعجب وعدم فهم بسبب تلك الإبتسامة! ألا تُحبهُ؟ لما تقول أصدقاء بهذه البساطة وكأنها تعرفت عليه الآن؟ هل تظن أن الحياة والارتباط بأحدهم لُعبة؟

وقفت نادين وقالت بابتسامة: هروح اجبلك الشنطة بقي، أوقفتها ليلى عندما امسكت ذراعها وجعلتها تجلس: لأ خليكِ هاتيها بعدين كُلي الأول وجهزي نفسك وبعدين تجيبيها ونمشي اوكية؟
أومأت لها وهي تبتسم: اوكيه..
تنحنحت حُسنة واقترحت عليها: ما تخليكم معانا يا بتي عاوزة تهملينا ليه عاد؟

ابتسمت ليلى بنعومة وقالت بهدوء: لازم نمشي يا حاجة مالناش مكان هنا وكمان انا سايبة شُغلي ونادين امتحاناتها قربت ولازم تذاكر بقي وكفاية لِعب..
تنهدت حُسنة بحزن وأعادت من جديد: طيب ما تخليكم وتبجوا امشوا مع ضيوف عمّار أهو نستلي ويا بعض ولو مش عايزة تفضلي اهنِه تعالي اجعدي فوج عِندي تنورِيني..

ابتسمت ليلى بحنو وهي تنظر لها ثم قالت رافضة: كان نفسي بس صدقيني مش هقدر وانا فعلاً مبسوطة اني اتعرفت عليكِ انتِ أجمل حاجة في البيت ده..
تنهدت حُسنة وقالت بحزن وعدم رضى: ولزمتها ايه انك مبسوطة وفي آخر المتمِه مهملاني وماشيِه، حركت ليلى شفتيها كي تواسيها لكنها تركت الغرفة وذهبت حزينة، زفرت ليلى بحزن وعقدت يديها أمام صدرها وظلت تفكر باقتضاب..

فهي يُجب أن تذهب ولن تظل هُنا أكثر مهما حدث لأن قلبها يظل ينقبض وينبسط بخوف هي تشعر بالرعب من دون شيء ولن تتحمل مصيبة ولن تسمح بتخريب حياتها لن تسمح ستذهب بهدوء مثلما أتت..

في القاهرة..
لدى جاسم..
حركت أهدابها ببطء ثم افرجت عن فيروزتيها الناعسة بثقل عندما سمعت صوت في الغرفة أقلق مضجعها، انتصبت جالسة وهي تتثاءب وكانت ومازالت ترتدي ثوب أمس لم تُبدلهُ لا هو ولا حجابها..

ابتسمت بنعومه عندما وجدت نفسها في غُرفتها الحبيبة بالتأكيد جاسم هو من أتي بها إلى هُنا، اختفت تلك الابتسامة بالتدريج وحل محلها التعجب عندما وجدت جاسم يقف أمام خزانتها يوليها ظهره وملابسها جميعها مُلقاة أرضاً ويبدو أنه يبحث عن شيءً ما في الغرفة!
سألته باستفهام وهي تترك الفراش: جاسم بتدور على حاجة مُعينة؟، ما هذا هل تبيع في أحد المتاجر؟

أتاها رده بنبرة باردة لم تسمعها منهُ قبلاً دون أن يلتفت لها: ممكن تخرجي برا دلوقتى، نظرت في أرجاء الغُرفة وكأنها تبحث عن ثالثاً لهما كي تخبرهُ أن يسمع ويخرج لكن لا يوجد سواهما هُنا هل كان يقصدها؟ هل أصبح يتحدث معها بتلك الطريقةِ الآن؟

ابتلعت غصتها بـ مرارة وهي تحرك أهدابها سريعاً عندما شعرت بتلك السخونة في مقلتيها كابحة رغبتها في البُكاء مانعة انسياب عبراتها على وجنتيها الناعمة، تقدمت منهُ وهي تسمع صوت حفيف ثوبها الطويل مُختلطاً مع صوت أنفاسه الثائرة بإنفعال فـ ماذا يحدث معهُ؟

توقفت خلفه ثم رفعت يدها بتردد ووضعتها علي كتفه وسألته بقلق: جاسم مالك؟، صفع الخزانة بغضب وهو يحني رأسه يتنفس بعنف وغضب أخافها رؤية تحرك منكبهُ بهذا الانفعال، عادت خطوتين إلى الوراء بخوف وهي تنظر تجاه الباب لأنها سوف تتركه وحده كما طلب..

استدارت وقبل أن تتحرك خطوة شهقت بخضة عندما شعرت بقبضته تعتقل خصرها كالكلابيب، دفعها وحاصرها بينهُ وبين الخزانة بملامح متجهمة أصابها بالهلع جعل قلبها يقفز ذعراً داخل قفصها الصدري..
أبعد حجابها عن رأسها بقوة وعنف جعلها ترتجف بين يديهِ لـ تتناثر خصلات شعرها حول وجهها بنعومة، كادت تسقط لكن قبضته لم تترك لها المجال لتسقط، لِمَ يفعل هذا! لما أصبح مُخيفاً فجأة بعد إن كان يبثها بالأمان؟.

دفن أنفهُ في شعرها يستنشق رائحته بانتشاء وهو يضمها إليه بقوة غير متجاهل ارتجاف جسدها وسماع أنينها الخافت إنها تبكِ! هو أسف، لكن يُجب أن يعرف الحقيقة لن يظل حائراً كثيراً بتلك الطريقة!.
رفع رأسه وهو يلهث بقوة، هي تملك نفس رائحة الشعر! لايهم تغير لونهُ لكنهُ نفس الرائحة لم يتغير..

جحظت عينيها وهتفت بحرقة وهي تنتحب عندما شعرت بيده تفتح سحاب فستانها بقوة مماثلة: جـ، اسم انت بتعمل كده ليه؟ سبني، سبني، لكنه لم يستمع بل أبعد طرف الفستان عن كتفها بعنف كـ مغتصب ودفن رأسه في عنقها يستنشق رائحتها كـ المدمنين بجنون تحت مقاومتها الضعيفة ظناً أنه سيفعل ما يؤذيها ويُدمرها..

رفع رأسهُ وكوب وجهها بين يديهِ و زرقاوية تجول على ملامحها بسرعة باحثاً عن إختلاف وهو يضغط على وجنتيها بأنامله هازاً رأسه باستنكار، فمن المستحيل أن توجد مثيلتها! من المستحيل أن تشبهها واحدة بتلك الطريقة حتى يعجز عن التفرقة بينهما مستحيل! حتى إن كانت تملك توأم يوماً لن تكون بهذا التشابه لن يحدث..

مال وقبلها قُبلة عنيفة وهو يدفعها إلى الخزانة، قبلة عنيفة مُختلفة عن جميع قبلاتهم الناعمة سابقاً أثناء ضربها لـ صدره بضعف وهي تحرك رأسها بهستيريا ونفور كي يبتعد..
إبتعد وهو يلهث وصدره يعلو ويهبط في عنف، فـ قبلتها مُختلفة منذُ أن وجدها وهي مُختلفة هو يظن أن هذا بسبب نفور عشق منهُ سابقاً وشعورهِ بأنها كانت مُجبرة على هذا، هذا فقط ما يجدهُ مُختلفاً..

أما رائحة جسدها وبشرتها مازالت كما هي لم تتغير وهي لم تعترض على الغسول الذي تستخدمه ولم تقل أي شيءً عنهُ فإن كانت شخصاً آخر لكانت اختلفت رائحة جسدها وشعرها عندما وجدها لكنها لم تختلف شعرها فقط ما تغير لونهُ والوحمة، انها الوحمة بالتأكيد تخفيها بمساحيق التجميل كما كانت تفعل سابقاً.

تركها لـ تتشبث بقميصه بضعف وهي تتهاوى ساقطة لأن قدمِها لم تعُد تستطيع حملِها، رفعها من خصرها إليه وسحبها معهُ دون أن يعبأ بها ولا بحالتِها وكم هذا حطمها، هذا ليس جاسم الذي أحبتهُ ليس جاسم الذي يعاملها برقة وحنان ليس هو من شوه وجه ابن عمهُ لأنهُ لمسها ليس جاسم بالتأكيد!.

نظرت له بخُذلان وهي تحرك جفنيها المتورم شاهقة بحرقة لكنهُ لم يكن معها بل تقدم من المرآه وأخذ بعض المناديل المُبللة وقام بمسحها فوق كتفها بقوة مؤلمة ظناً أنها تضع الكثير من مساحيق التجميل لكن لم يظهر شيء لم يظهر سوى بشرتها النقية من أي عيب لا شائبة لا بقعة ولا ندبة لا شيء!.

اشتدت قبضتهِ حول خصرها بفقدان صواب وهو يضغط على أسنانه بقوة جعلها تتألم أكثر وهي تنتحب لتسأله بتقطع وصوت مبحوح وهي تلتقط انفاسها: انـ، انت، انت، بتعمل، فيا كده ليه؟ جاسم، ليـ، لكنها صرخت بألم عندما أغلق سحاب فستانها بقوة على لحمِها دون أن ينتبه مع قوله ببرود دون النظر لها: اخرجي دلوقتي، وابعد يديه عنها لتسقط لكنهُ أحاطها وهو يزفر ثم اوقفها باتزان وأمرها ببرود من جديد دون أن ينظر داخل عينيها كي لا يرى بشاعته بها: اتفضلي اخرجي، أطرقت برأسها إلى الأسفل بخذلان وهي تقضم شفتيها تبكِ بصوتٍ مكتوم..

سارت بترنح إلى الخارج و بالكاد كانت ترى بسبب تشوش الرؤية و غشاوة عينها أثر تكتل العبرات داخلها، أدارت المقبض وخرجت بفؤاد مُحطم وهي تجر خيبتِها معها فـ هذا آخر شيء كانت تتوقع أن يبدر من جاسم!، هذا حتى لم يطرق سقف مخيلتِها أنه يستطيع أن يكون همجياً بتلك الطريقة المخزية؟ لكنهُ يستطيع أن يكون جميع الأشياء التي لم تتخيلها قط..

أغلقت الباب خلفها وسقطت أرضاً في الخارج بضعف وظلت تبكِ بحرقة وحدها وهى تضع يدها على قلبها المفطور بفضلهِ..
اعتصر رأسه بين يديه بقوة وهو يفكر وجسده مشتعلاً من الغضب عاجزاً عن فعل أي شيء؟ لا يعرف ماذا يفعل ومن أين يبدأ من هذه؟ فكرة أنها ليست عشق تجعله يجن هو لم يفعل كل هذا مع واحده غيرها هذه عشق يُجب أن تكون عشق..
أمام مركز الشرطة..

خرج سامي من البوابة الرئيسية بشعر مُبعثر وهيئة مزرية ووجهه ممتقع من الغضب في أتم الإستعداد إلى القتل حقاً هذه المرة كي يحتجزوه لـ سببٍ وجيه وليس لأنهُ صديقها فقط ولا لأن اللعين الذي تفوه أمام الضابط بكلمتين جعلهُ يصبح هو القاتل..
أخرج هاتفه بنفاذٍ صبر وهو يضم قبضته عليه بقوة شديدة عندما سمع صوته داخل جيب بنطاله..

ابتسم بسخرية وهو يرفع رأسه إلى السماء لاعقاً شفتيه وهو يفكرعندما وجده جاسم، يبدو أنه فهم وأخيراً شبيه السُلحفاة الذي لا يستوعب شيء..
نظف حلقة ثم رفع الهاتف، وضعه فوق أذنه وقال بهدوء: ألو، تمام ساعة وأكون في المكان، وأغلق الهاتف وهو يبتسم بخبث ثم ضم قبضته فوقه بقوة أغلقه وهو يقول بوعيد: قُصيّ الكلب، هتندم..
بعد نصف ساعة..

أنهي جاسم ارتداء ملابسه باقتضاب، وهبط الدرج درجتين درجتين دون أن يُحيد بنظره عن الباب قط لكن اخترق أذنه، لا بل قلبهُ كـ سهامٍ حادة صوت بُكاءها بحرقة من الأسفل، هو لا ينقصهُ تأنيب الآن يكفي الجمر المُشتعل داخل صدره كُلما تخيل أنها ليست عشق..
حرك المقبض وحرك ساقه كي يذهب لكن صوت والدته الحاد استوقفه: استني عندك، توقف زافراً ثم استدار ونظر إلى والدته التي تتقدم منهُ والغضب يُسيطر على تعابير وجهها..

وقفت أمامه و هتفت بغضب وهي تأشر علي جـنّـة التي تبكِ بانهيارٍ فوق الأريكة: أقدر أفهم ايه اللى حصل ده؟ وازاي تتعامل معاها بالهمجية والطريقة دي؟ لو مستعجل اوي كده قولتلك حجزت القاعه وكُلها اسبوعين وتتجـ، قاطعها قوله بدون تعبير وهو يدير مقبض الباب: إلغى الحجز مفيش افراح هتْتِم..

توقفت جـنّـة عن البُكاء لوهلة عندما سمعتهُ ثم انفجرت في نوبة بكاء أخرى وهي تغمر وجهها بين راحة يديها بحزنٍ على نفسها وقلبها في أنٍ واحد، لِمَ يفعل بها هذا!.
فتح الباب وغادر وهو يزفر مُمسداً صدره باختناق تاركاً والدته تقف متيبسة محلها تحملق في ظهره بذهول! هل هذا الذي كان يقتل نفسهُ على الزواج بها! هل يمزح أم أنها كذبة أبريل؟ هم ليسوا في بداية العام لقد مرّ إبريل وانتهي ماهذا إذاً؟

استدارت وهي تهز رأسها بيأس داعية أن يهديه الله، تنهدت بحزن عندما وقعت عيناها على جـنّـة التي انهارت أكثر عندما سمعت قول جاسم قبل أن يُغادر فهي لن تهدأ بسهولة! هذه هي المرة الأولي التي تراها بهذا الانهيار..
توقف جاسم بالسيارة أمام المقهى الشهير في أحد الأحياء الراقية، دلف بهدوء وهو يلتفت حوله باحثاً عن سامي بـ أنظارهِ بثقب حتى وجده يجلس على أحد الطاولات في زاوية شارداً..

في أحد الفنادق الشهيرة في القاهرة..
مط ذراعيه العاريين بكسل وهو يتقلب في الفراش بثقل، خرجت من دورة المياه وهي تحوط جسدها بالمنشفة ومازال شعرها رطب وجسدها يقطر مياه أثناء سيرها على أطرافها بحذر وهي تتقدم من الفراش وابتسامة عابثة تعتلي ثغرها..

قفزت فوقه بمرح وهي تضحك مع قولها بتذمر: فوق بقي يا مصطفى هتتأخر على الشغل، ضحك بنعاس هو يتقلب أسقطها بجانبه ثم جثم فوقها وقيد يديها فوق رأسها وهو يضيق عينيه وهتف بمكر: وانتِ مستعجلة علي الشغل ليه؟ ما ده شغل برده؟
ضحكت ضحكة خليعة وقالت بمكر: بس في فرق بين الإثنين ياباشا.

ابتسم بمكر وهتف مؤكداً وهو يدنو منها: طبعاً في فرق ده الأفضل، وقبل شفتيها بنعومة وهو يحرر يديها ليعتقل خصرها ويده لم تتوقف عن العبث قط..
بعد ساعة، ونصف، ساعتين، كانت تتوسد صدره وهي تبتسم بنعومة، رفعت رأسها وسألته وهي تُداعب أنفها بأنفه: يلا بقي عشان اتأخرنا النهاردة عن الشغل، هيقولوا ايه علينا ايه المدير والسكرتيرة بيدلعوا!.

إبتسم مصطفى وهو يحرك أنامله داخل شعرها بنعومة وهتف بقلة حيلة: لأ هيقولوا سالي اللي بتدلع ومقعداني جنبها..
ضحكت بنعومة وهي تدفن رأسها بصدره ثم سألته بخفوت: مصطفي هيحصل ايه؟ لو آدم عرف ان في ما بينا حاجة وانت خطبتني بس عشان ابقى طول الوقت قُدامك!
ابتسم مصطفى ومط شفتيه ثم قال باستخفاف وسخرية وهو يداعب شفتيها بإبهامه: مش هيعرف عشان آدم مُغفل..

فـ سألته مجدداً باهتمام وهي ترفع نفسها واسندت ذقنها فوق صدره: طيب وتالين؟
ضحك بخفة وقال دون أن يكبح ابتسامته الجذابة عنها: تالين دي غبية سيبك منها، وخلينا في المهم حجزتي التذاكر؟
أومأت وهي تبتسم ثم سألته وهي تضيق عينيها بشك: هو بجد في اجتماع في هاواي؟

ضحك بصوتٍ رنان علي حماقتها ثم قال بابتسامة وهو يقرص وجنتها: لأ طبعاً دي رحله هنتسلي فيها انا وانت بس يا قمر بعيد عن الشُغل طبعاً، ضحكت بسعادة وهي ترفع حاجبيها بعدم تصديق ثم عانقته بقوة و قبلتهُ قبلة سطحية و هتفت بحماس وهي تحوط جسدها بالغطاء: أنا هروح اجهز بسرعه عشان الشغل بقي..

في منتصف الطريق..
أغلق آدم هاتفهُ وهو يبتسم بعد أن أنهى مكالمته مع قَصيّ أثناء قيادتهُ في طريقه الطويل إلى منزل عمّار..
نظر بجانبه وهو يبتسم ابتسامة مقتضبة بسبب نومها في السيارة لِمَ النوم؟ إنه الصباح و استيقظت الآن لما عادت إلى النوم من جديد؟ من المفترض أن يتبادلان أطراف الحديث الآن لكنها نائمة براحه كأنها في تختِها، تباً..

ابتسم بحنان وهو ينظر لها ثم خلع حِلته ووضعها على جسدها كي لا يترك مجالاً لها كي تشعر بالبرودة ثم قام بإرجاع مقعدها إلى الخلف جعله يميل كي تنغمس في النوم أكثر وتابع قيادة وصب تركيزه على الطريق..

مساءاً..
دلف جاسم إلى المنزل بهدوء دون أن يصدر صوتاً مزعجاً كي لا يقلق أحداهن، صعد إلى غرفتهُ وأخرج حقيبته الخاصة بالسفر وقام بوضع ملابسهُ داخلها بهدوء وهو يفكر بعمق بحديث سامى الذي لم يكن سوى عبارة عن أن التي معهُ ليست عشق وابحث عن عشق ابحث عنها التي معك ليست هي هي فقط شبيهتها وعندما تتذكر ستعلم أنني لا أكذب..

هذا فقط وتركهُ وغادر دون أن يخبرهُ أنها مع قُصيّ أو أين يبحث عنها لأنهُ هو من سيجدها أولاً ولن يتركها له قط، هو فقط يُريد العبث مع قُصيّ وخطتهُ القادمة أن يخبر جاسم أنه رآها مع قُصيّ و سوف يتركهُ يلاحقهُ في كل مكان ويشاهدهم هو ويتسلى قليلاً بهذا..

دلفت والدتهُ الى الغرفة وهي تناظره بعدم رضى مُستعدة لإلقاء المُحاضرة التي حضرتها له من الصباح لكنها توقفت وخفق قلبها بخوف وسألته بلهفة عندما رأته يُلملم ملابسه: ايه ده انت رايح فين؟
هتف بهدوء وهو يغلق الحقيبة بقوة: مسافر يومين وراجع تاني..
هزت رأسها باستنكار وسألته باستفهام وهي تمسك كتفه: يعني ايه مسافر؟ وهتسيبنا لوحدنا هنا؟ رجعني إسكندرية وبعدين روح مطرح ما تروح براحتك..

هز رأسه بنفي وقال بهدوء: أنا مسافر إسكندرية عايز ابقي لوحدي ممكن؟، كاذب، هو ذاهب عِند خالته التي تجمعهم بها صلة قرابة بعيدة لكنها تقربهم في النهاية!، الصعيد، هي هُناك وسيذهب ويمكث لديها يومين لأنها خطرت لهُ فجأة..

تابع قوله بإزدراء: مش هتتخطفوا يا ماما هنا أمان وأنا عارف انا سايبكم فين! وجبتلك كذا حُقنة انسولين وشلتها في الثلاجة عشان متنسيش و قبل مايخلصوا هكون رجعت، وانزل الحقيبة عن الفراش ورفع يدها كي يجرها خلفه..
عانق والدتهُ بحنان وقبل جبهتها برقة لتقول بنبرة مختنقة وهي تكاد تبكِ: لو مضايق من عشق قول لكن متبعدش عننا! احنا مالناش غيرك! دي من الصبح ماكلتش حاجة ولا اتكلمت وفي آخر اليوم طلعت تنام حرام عليك..

ربت على كتفها بحنان وقال بابتسامة بعد إن قبل رأسها طمئنها: انا كويس جداً والله متخافيش ومش هتأخر، تبقي بوسي عشق وخليها تاكل مع السلامة، وعانقها بحنان ثم تركها وترك الغرفة ثم المنزل ومضى في طريقهُ..

في الصعيد..
زفر متولي بضيق في مقعده وهو يحرك راحة يده على رأس عصاه ثم قال بسأم إلى ذلك الخليل الجالس أمامه: خير؟ ايه اللي جابك؟
ابتسم خليل ابتسامة صفراء مقززة شبيه لأسنانه ثم قال: المحروس ابنك شيِعلي وعيجولي خُد بتك! احنا بنلعبوا ولِّيه كل شويّ خُد بتك خُد بتك؟
رد متولي متهكماً وهو يهز رأسه: ماهي لو تبطِل مُناجرة في دِيه ومناجرة في دِيه مش عايتحددت واصل لكن نجول ايه؟ مِحراك شر كيف اللي خلَفوها..

ضحك خليل بخفة واقترح بمراوغة: لو تعباكم جوي اكدِه بلاش منها صُلح احسن وخدها حدايِه ويادار مادخلك شر..
ضحك متولي وهز رأسه موافقاً وقال بهدوء جعل ابتسامة تختفي: معاك حج خُدها معاك مش عايزينها اهنِه عاد وبلاش منها صُلح..
ضحك خليل بارتباك وهتف باعتراض وهو ينظر حوله كي يهرب من هذا: فين عمّار هو اللي عايشتكي يا جي يجول عملت ايه عاد؟ عيِط عليه وخليه ياجي ونشوف..

ابتسم خليل بسخرية ثم صاح بصوتٍ مرتفع أفزعها: صباااح، بت يا صباااح، هرولت له من الداخل بسرعة لتتعثر بـ جسد ندى التي كانت تختبأ تسترق السمع عليهما..
ضمت قبضتيها بغضب و وبختها: انتيّ ايه اللي جابك اهنِه تانيّ عاد! يارب صبِرني، وتابعت سيرها إلى محل جلوس متولي..
هتف باستفهام عندما توقفت أمامه: عمّار وين؟
ردت باحترام: نايم ياسيدي..

هز رأسه وأمرها بهدوء: جولي لـ أم عمّار تصحيه وشيِعهولي دلوك، أومأت باحترام وعادت أدراجها إلى المطبخ، بينما ندى ابتسمت بخبث وتسللت إلى الأعلى بحذر كي توقظه هي لِمَ لا تفعل؟.

فتحت ليلى عينيها بثقل وهي تتأوه بألم، مسدت معدتها بخفة وهي تنتصب جالسه بتعب، كل هذا بسبب تناول الطعام الكثير صباحاً هي لا تتناول كل تلك الكمية، لا لا يفهمون! هي مرت عليها فقط نصف ساعة بعد تناولها الطعام ثم بدأت تتألم ولم تدري بنفسها سوى وهي تأخذ حبوب مُسكنة وتسطحت محلها ثم غفيت..

إلتقطت الهاتف الموضوع جانبها الذي يضيء بوميض خافت، ضيقت عينيها بانزعاج بسبب إضاءة الهاتف المزعجة، شهقت بتفاجئ وهي تري كم الوقت! أنه المساء لن تصل في الوقت المناسب إن لم تتحرك الآن؟
نهضت سريعاً وذهبت الى غرفة نادين التي اختفت من جانبها، بالتأكيد سوف تختفي أم تريد أن تظل بجانبها وتتأملها وهي نائمة؟.

أدارت مقبض الغرفة ودلفت، حركت شفتيها وهمت بالحديث لكنها توقفت عندما وجدت الغرفة فارغة! أين ذهبت الآن؟، بحثت عن حقيقته رُبما تكون أتت بها لكن يبدو أنها مازالت في غرفة عمّار..
تنهدت بإحباط وتركت الغرفة وأغلقتها خلفها وهي تفكر لـ تقطب حاجبيها بتعجب عندما أبصرت ندى تتسلل بحذر وهي تنظر حولها بريبة حتي وصلت إلي غُرفة عمّار ودلفت إليها! الحقيرة هل تذهب له كل يوم وتتسلل من وراء الجميع؟

زفرت بحدة وعقدت يديها أمام صدرها بغضب وهي تنقر بأناملها فوق الهاتف تقطب ما بين حاجبيها بانزعاج شديد وهي تقف في منتصف الممر، ضربت قدمها أرضاً بغضب ثم ذهبت خلفها لأن حقيبتها هُناك لا يفهمها أحداً خطأ..
أغلقت ندي خلفها بحذر وخفة كي لايصدر الباب صوتاً مزعجاً ويوقظه هو، سعلت باختناق عندما استنشقت رائحة العطر الثقيلة، ماهذا؟ سوف تختنق كيف ينام هكذا ويتنفس!.

تقدمت منهُ وهي تبتسم بخبث ولا تعلم بما تبدأ، حسناً هي لن تستطيع البدء بشيء لأن صديقنا يرى كابوساً مُزعجاً الآن ومتوقع ما يحدث في نهاية الكابوس الحاسمة..

تقدمت أكثر وهي تقضم شفتيها لكن قدميها توقفت عن التحرك أمام الفراش عندما أبصرته يتصبب عرقاً في هذا البرد القارس إضافة الى نومه دون ملابس علوية وصدره عارى متعرق!، نظرت إلى عضلات صدره الصلبة قليلاً وهي تزدرد ريقها وعينيها شقت طريقها إلي وجهه تتأمل ملامحه الهادئة أثناء انغماسه في النوم، كم هو رجولي يحرك الكثير من مشاعرها ويشعل الرغبة داخلها عندما تنظر له فقط..

هو حلم الكثير من الفتيات هُنا، لقد كان حلمها في يومٍ ما لكنه لن يحدث ولن يكون لها يوماً!، فإن علم حقيقتها تُقسم انه سيقتلها دون أن يرف لهُ جِفن لكن هذا ليس بيدها وليست آسفة لأنها سعيدة ولا تمل من رؤيته! وليست حزينة بالمرة بسبب وجودها هُنا..

هذه هي المرة الأولي التي تتمنى حقاً لو كانت هـ، صرخت بفزع عندما انتفض وانتصب جالساً يلهث بعنف معتصراً رأسه بين يديه وصوت أنفاسه المتسارعة التي يُجاهد في التقاطها وصلت لها جمدتها محلها، فإن تحركت سوف يراها ماذا تفعل الآن؟

ازدردت ريقها وعادت خطوتين إلى الوراء وهي تنظر له بتوجس، رفع رأسه ومسد جبهته بألم وهو يتذكر ذلك الكابوس! لما كانت ليلى داخله الآن مادخلها بـ خليل لما أراد ذبحها؟ هو ذبحها بالفعل لكن لِمَ؟ ألا يستطيع النوم بـ راحة أبداً؟، اللعنة عليهم جميعاً..

قطب حاجبيه عندما سمع صوت أنفاس معه في الغُرفة، رفع رأسه سريعاً لـ يجدها توليه ظهرها تسير على أطرافها مُتسللة إلى الخارج، وقف على ركبتيه و سحبها من ذراعها قبل أن تبتعد لـ تنفلت من بين شفتيها شهقة خافتة عندما وجدت نفسها أسفله وهو جاسم فوقها! كيف فعل هذا بتلك السرعة الآن؟!
إبتسم بخبث وهو يقيد يديها فوق رأسها وسألها باستفهام وهو يلتقط أنفاسه: بتعملي ايه اهنِه يا جربوعة انتيّ، جايِه تجتليني ولِّيه؟

هزت رأسها بنفي وهي تتحاشى النظر له وهتفت بتلعثم وهي تسمع صوت خفقات قلبها العنيفة: انـ، انـ، اني جايِه اجولك ابوي تحت وعايزك، أومأ وهو يبتسم ثم سألها وهو يدنو منها اكثر لـ تلفح انفاسه الحارة صفحة وجهها جعلها ترتجف باضطراب: وجايِه انتِ ليه عاد؟ مين جالك تاجي؟
رفعت نظرها له بتردد لـ تأثرها خضراوية اللامعة وتبعثرت عباراتها ولم تستطع تجميع حرفاً واحد وخفقاتها في تزايد مؤلم لقلبها..

ضحك ببحة رجولية وهو ينظر لها يا إلهي سيبكِ تأثرا، المشكلة تكمن هُنا، لقد اكتشف شيءً ما بها ولأنه يعلم خليل ذلك الشيطان جيّدا يُصدق قلبهُ وشعوره، هل يقول ماتوقع؟ لا بل متأكد ليس متوقع! لكنه لن يقول يُفضل أن يحتفظ بهذا لنفسهِ..

فتحت ليلى الغرفة بعد تردد دام لدقائق عندما لم تسمع صوت! لما الغرفة هادئة! هل غفيت بجانبه أم ماذا؟، دلفت و قلبها ينقبض وينبسط بخوف، شهقت شهقة كتمتها سريعاً عندما وضعت يدها على فمها وهي ترى ظهره يرتفع وهو يلهث! متعرق وهي أسفله! ماذا يفعل هذا الحقير هو الآخر؟

ابعدت نظرها عنهم بوجه ممتقع من الغضب وهي تشعر بالدماء تغلي داخل عروقها، بحثت عن حقيبتها بعيون زائغة حتى أبصرتها بجانب قدمها مباشرةً ملاصقة إلى الباب، مدت يدها المرتجفة، حملتها سريعاً وهو تقبض عليها بغضب وعنف متناسية أنها تستطيع جرها بسهولة، اصطدمت الحقيبة بطرف الباب أصدرت ضجة جعلتهُ يلتفت سريعاً وهو يحرر قيد يديها..

ابتسم بعبث عندما نظر خلفه ووجدها تتشاجر مع الحقيبة كي تخرجها عنوة بتلك الهيئة الرقيقة!.
مابها؟ هل خجلت من رؤيته؟ لا يهم، لكن الأبيض يليق بها حقاً، كل شيء يليق بها تلك الغزالة..
تفحصها بخضراوية من أعلاها لأخمص قدميها، رفعت رأسها فجأة بوجه أحمر غاضب لـ تجده يبتسم لها دون خجل بكل حقارة، هذا هو أسوأ مخلوق على وجه الأرض..
أبعدت نظرها عنه باشمئزاز وهي ترفع يد الحقيبة ثم ذهبت وجرتها خلفها بسرعة..

قهقهة وترك الفراش بكل هدوء، التقط كنزته الملحقة بـ بنطاله القطني وارتداها وهو يقول: روحي انتيّ جاي وراكِ، دلف إلى دورة المياه كي يغسل وجهه لكنه توقف عندما لم يسمع صوت؟، التفت ونظر تجاه التخت ليجده فارغ! رفع حاجبيه وهو ينظر تجاه الباب المفتوح على مصراعيه كيف خرجت سريعاً دون صوت؟ لايهم..
ضربت كتف ليلى وهي تركض سريعاً بوجه شاحب أسقطت حقيبتها وكادت تسقط معها..

صرخت ليلى بغضب وهي تدبدب بقدميها أرضاً: بصي قدامك يا رخيصة، توقفت ندى عن السير وهي تضم قبضتيها بغضب ثم استدارت وتقدمت منها..
انحنت ليلى كي تحمل الحقيبة وهي تقضم شفتيها بغضب جامح لا تعلم مصدره، فليحترق مادخلها؟ لقد ترك ابنتها وستذهب لقد انتهى كل شيء ما بها مشتعلة هكذا وتحترق داخلها؟ لِمَ؟، و أين مختفية ابنتها أين؟

توقفت ندي أمامها وهي تضع يدها بخصرها تهتز بقلة حياء وعيناها تجول عليها من أعلاها لاخمص قدميها باستخفاف ثم قالت بتهكم: بجي الغازيِة بتجول عليِّه رخيصـ، وشهقت بفزع عندما قبضت حُسنة على كتفها بقوة أثناء سيرها إلى غرفة عمّار وهتفت بتوبيخ حاد: انتيّ يعني عايزه تنضربي علجة موت يابت النتِن انتيّ ولِّية؟ وربي أشيِع لـ دهب تاجي تجطع خبرك اهنِه؟

هتفت برجاء وهي تحاول التملص من بين يديها: أني، أني، كُنت بصحي سي عمّار عشان عايزينة تحت والله يا حاجة..
نظرت لها ليلى باستحقار ثم صاحت بصوتٍ مرتفع بعصبية: نـاديـن، نـاديـن، نـاديـن، هبت نادين واقفة بعد أن كانت تقهقه مع عشق بتسلية، فهي طوال النهار كانت جالسة تتسامر معها عوضاً عن الملل فـ عمّار كان نائماً هو ووالدتها..

ركضت نادين إلى الأعلى تزامناً مع خروج عمّار من الغرفة، تقدم منهم لتهتف ندى مستنجدة به: الحجني ياسي عمّار وجولها اني معملتش حاجة واصل..

ابتسم عمّار وأوصى حُسنة وهو يبتسم: خدي راحتك يا أم عمّار اجطعلها رجلها اللي بترمح بيها في كل مكان ديّ، أومأت حُسنة وهي تنظر لها بغضب وكادت تذهب لكن ليلى أوقفتها عندما أنزلت الحقيبة من يدها وعانقتها بحنان وهي تودعها: مع السلامه، هتوحشيني، تنهدت حُسنة بحزن وهي تسألها: بردك يابتي؟ انتِ منورانا هتوحشك جوى ماتجول حاجة يا عمّار عاد..

ضحك بسخرية وهو ينظر إلى ليلى التي تكاد نظراتها تحرقه حياً كم هي شرسة لطيفة، هل تظن والدتهُ أنها رُبما تسمع منهُ هو؟.
عقد يديه أمام صدره ورفع يده ومررها على ذقنهِ وهو يحمحم وقال بتلك النبرة العابثة التى تعرفها ليلى جيّداً وهو يخفي ابتسامته: انتِ منورانا يا ليلى هانم وبعدين زي ما قالت هتتوحشك، كُلنا هنتوحشك حتى ندي!

رفعت زاوية شفتيها بسخرية وهي تنظر له باشمئزاز وقبل أن تشتمه هتفت ندى بكره: اتوحش مين ديّ الهي تروح ما ترجع البَعيدة، قذفت ليلى هاتفها بغضب وتقدمت منها وهي تقول من بين اسنانها بشراسة: مين دي اللي تروح ماترجع يا رخيصة ياحقيرة تعالي هُنا والله هضربك..

سحبها عمّار من خصرها النحيل وهو يضحك ونظره معلق على الهاتف الذي قذفته بكل سهولة هكذا؟ معها حق هي غنية تستطيع شراء غيره بسهولة، جذبت حُسنة ندى من حاشية ملابسها خلفها وهي تشدها بعنف وتوبيخ عندما وجدتها تريد الفرار وضرب ليلى: وربي لو شوفتك فوج تاني عكسِر عضامك فوتي جِدامي يا ملعونة فوتي..

تنفست ليلى بعنف وهي تنفخ ودجيها مع انفها بغضب وعسليتيها مُعلقة على تلك البغيضة التي تبتعد فهي تليق به، دعست قدمه بحذائها الرياضي بعنفوان وهي تقول بنبرة نافرة متألمة لأنها لم تحسن اختيار قدمها السالمة: إبعد عني مش ناقصة قرف إبعد، ضغط على خصرها بقوة وهسهس بجانب أُذنها بـ فحيح: لِسانك اللي مش هيتلم أبداً ده هقطعهولك في يوم من الأيام..

صرخت بصوتٍ مكتوم مستمرة في ضرب قدمه وهي تقول بألم ممزوج بنبرتها المرتجفة وعيناها الباكية: مش هيبقي في أيام تاني يا همجي سبني، تركها ودفعها من أمامه ببرود عندما سمع صوت نادين المرح يقترب، هبط الدرج وهو يبتسم بعد أن بعثر شعر نادين في طريقة إلى الأسفل..
أخفضت وجهها وهي تمسك خصرها بألم ذلك الوحش ماذا يأكل؟ انها لا تشعر بخصرها!.
توقفت نادين أمامها، سألتها بقلق وهي ترفع وجهها بين يديها: مامي انتِ كويسة؟

أومأت وهي تبتسم بـ بهوت ثم أمرتها بهدوء: هاتي شنطتك ويلا بينا، نظرت لها نادين بتردد ثم قالت بصوت منخفض: هو لازم النهاردة يعـ، صرخت بها بعصبية وقالت بنبرة صارمة: ايوا النهاردة ودلوقتي ومش عايزة كلام كتير اتفضلي، أومأت بعبوس ثم ذهبت إلى الغرفة سريعاً أمام نظراتها الحارقة وعادت أمامها من جديد وهي تحمل حقيبتها..

نظرت لها ليلى بطرف عينيها وهي تهبط الدرج بعد أن التقطت هاتفها من الأرض متجاهلة عبوسها فهذا ليس وقت دلال ليس وقتهُ..
هتف خليل باستياء بيّن: بتي مزعلاك في حاجة لاسمح الله يا ولدي؟
رد عمّار ممتعضاً وهو ينظر له: أي حاجة تاجي منيك بتزعلني خُدها وياك وانت ماشي ومتجلجش مش عاجتلك في فرشتك..
ضحك خليل بصوت مرتفع رنان وصل إلى مسامع ليلى جعل الدماء تجف في عروقها وتجمدت محلها ولم تتحرك خطوة واحدة إضافية..

نظرت لها نادين بتعجب ثم سألتها بقلق عندما رأت وجهها شاحب: مامي انتِ كويسة؟
تركت الحقيبة من يدها على بداية الدرج وهي ترتجف شاعرة بانسحاب الهواء من رئتيها، اتكأت على الدرابزون خلفها وهي تهز رأسها بنفي بالتأكيد سمعت خطأ بالتأكيد سمعت خطأ، تشعر، تعشر بحبلٍ ملفوف حول عنقها يخنقها بشدّة يُجب أن تهرب..
شهقت وهي تضع يديها حول عنقها باختناق عندما هزت نادين جسدها وسألتها بقلق وهي تراقب حالتها: مالك في ايه؟

هزت رأسها بهستيريا وهي تلهث بملامح مذعورة شاعرة بقلبها ينقبض بقوة ثم أردفت بأعين زائغة بنبرة مهزوزة: أنـ، انـ، أنا بقول اننا نفضل كمان يومين، ابتسمت نادين وقبل أن تتحدث وجدتها تركض وصعدت إلى الأعلى سريعاً كي تختفى عن الانظار..

أغلقت باب الغرفة خلفها وهي تستند عليه تلهث بأنفاس متسارعة وعيون زائغة ولم تدري بنفسها سوى وهي تتهاوى ساقطة خلف الباب، رفعت ساقها وضمتها إلى صدرها وشهقت بتقطع ثم انفجرت في نوبة بكاء مريرة وهي تدفن رأسها داخل ركبتيها تنتحب بألم وجسدها ينتفض من الخوف، أن أمسك بها سوف يحتجزها حتى تموت لن يتركها تحيي بـ سلام، ونادين ماذا سيحل بها ماذا؟ سوف تتحول حياتها إلى جحيم وهي لن تتحمل تلك الحياة مرة أخرى لن تتحمل ولن تسمح له بتدمير حياة ابنتها الشيء الوحيد الثمين الذي تحيي لأجله..

حركت نادين أهدابها بذهول وهي تنظر في أثر والدتها الراكضة بتعجب وقبل أن تتحرك وجدت حقيبة والدتها تنزلق ثم سقطت من فوق الدرج قبل أن تُمسك بها أصدرت ضجيجاً جذب الأنظار، ابتسمت ببلاهة عندما وجدت عمّار يأتي مُسرعاً و سألها بقلق بعد أن لحق به خليل: في ايه؟
هزت رأسها بنفي وقالت بابتسامة: مفيش شنطة مامي وقعت بس أصلها تقيلة عليا، أومأ لها عمّار وهو يبحث عن ليلى بناظريه فأين هي؟

قال بهدوء وهو يرفع الحقيبة وأوقفها بجانب الدرج: طيب سبيها وانا هخلي حد يخرجهالكم برا..

هزت رأسها بخفة ثم ابتسمت وتركت حقيبتها لـ تنزلق وتسقط أرضاً بجانب قدم عمّار ثم هتفت بابتسامة بلهاء: خُد دي معاك وخليها هنا دلوقتي لسه مش عارفة هنمشي ولا لأ، وركضت إلي الأعلي دون إضافة شيء تحت تعجبه وعدم فهمه تلك الحمقاء!، هز رأسه بتعجب ثم انحني واوقف الحقيبة بجانب الأخرى واستدار لـ يجد خليل يقف مقابلهُ بهذا القُرب المُقزز!.
ابتعد الى الخلف وهتف بامتعاض: ايه في ايه؟

سأله خليل وهو يضيق عينيه يفكر بعمق: مين البنتِه ديّ؟
زفر عمّار وقال بسأم وهو يعقد يديه أمام صدره: ديّ اللي كانت خطبتي في حاجة؟
هتف خليل وهو يمرر يده على ذقنهِ بتفكير: ديّ شبه حد أعرِفهُ فين أُمها؟
توهجت عيناه بغضب ومسح وجهه بنفاذِ صبر وهو يصك أسنانه بقوة وسأله وهو يرفع حاجبيه بتهديد: ليه عايز تتجوز ولِّية؟

هز رأسهُ بنفي وقال برفض إلى تلك الفكرة: حديت ايه الماصخ دِيه؟ أني ماشي دلوك وندي بتي مش عاتعمل حاجة تانيِه واصل!، ثم تابع بهدوء كي يستعطفه: بس بردك بت خليل الطحاوي مايلِجش بيها المطبخ ينفع اكدِه؟
هتف عمّار بدون تعبير وهو يهز كتفيه: مش عاجبها المطبخ تروِح معاك وتاجي بعد ما تنتهي عِدتها مش ناجصة خوتة دماغ عاد!
أومأ خليل بإزدراء وهو يهز رأسه بخفة ضامراً خلفها الكثير والكثير من الشر تجاهه..

تحرك تجاه الباب وهتف بهدوء: اني ماشي وفايتلك بتي وعارف انك مش ظالم ومتعرِفش تجور على حد، وتركه ومضى في طريقه، نظر في أثره باشمئزاز وكاد يبصق عليه وعلى تلك التي أتي بها معه، فإن كان جيّد مثلما يقول يمكنهُ أن يصبح الأسوأ فقط من أجل أن يبدل فكرتهُ عنهُ..

زفر عمّار وجلس على مقعد والده الفارغ، مسد جبهته بسبب ألم الرأس الحاد الذي يُداهمه كثيراً في الفترة الأخيرة، بالتأكيد بسبب التفكير الكثير، هو لم يفكر ولم ينشغل عقلة من قبل مثل انشغاله هذه الفترة!.

مابال هذا الكابوس الذي رآه لما لم تكن اللعينة ندي؟ رؤيتها تُذبح أهون عليه من رؤية ليلى حقاً!، لقد استيقظ وهو يشعر بـ قلبه يؤلمه وما زال يؤلمه إلى الآن لِمَ؟، لقد كانت مختلفة في هذا الكابوس، كانت تستنجد به وتنظر له نظرة مختلفة عن سابقاتها لم يراها من قبل! نظرة أكثر دفئًا أكثر وِداً نظرة حانية أدفئته! كانت عاشقةً له في هذا الكابوس! وهو حالته لم تكن مُختلفة كثيراً لأنهُ كان ثائراً وهائج بطريقة لم يرى نفسهُ بها قبلاً! كأن من يراها في هذا الخطر حياته وليست ليلى! لقد كان مقيداً عاجزاً عن الحراك وهو يصرخ بها أن تهرب لكنها كانت تنظر له وتبكِ ولم تحرك ساكناً، ذبحها خليل بدمٍ بارد ومدِّيه أبرد عذبتها قبل موتِها أمام عيناه، وبعدها استيقظ، استيقظ قبل أن يقتلهُ على وجه البغيضة ابنتهُ!، لِمَ تسللت إلى حلمهُ لِمَ؟

لن يقول أن أحلامهِ تتحقق لأن معظم أحلامهِ التي رآها قبلاً قد تحققت بالفعل، لكن هذا الحُلم لا يفهمهُ؟ ويحتاج إلى مزيد من الجهد الذهني وهذا يعني ألم الرأس وانفعال وعصبية وفي النهاية عندما يتحدث معها تنعته بأبشع النعوت، لا تستحق هذا المجهود فلتموت مادخلهُ بها؟.
رفع رأسه عندما سمع صوت والده يقول أثناء سيره إلى الخارج: عندي جاعدِة صُلح اتعشوا انتوا..

ضحك عمّار بسخرية وهو يهز رأسهُ، هل حقاً يظن أنهم سوف يمتنعون عن الطعام لأنهُ ليس هُنا؟ هل هو السلطان ولا يوجد لديهِ خبر؟ انه يعاملهم معاملة أسري الحرب هُنا! لا يهم لا يأكل معهم هو يجعل الجو كئيباً على مائدة الطعام على أي حال وقُصيّ هُنا ولن يتوقف عن التفوه بالترهات التي يكرهها والده..

استفاق من شروده على ضرب قُصيّ له بكتفه بغضب مع قوله بسخط: انت طلعت اتقلبت زي الخروف وسبتني متذنب طول النهار في الصالة؟
هتف بضجر وهو يرد له اللكمة: انت غريب ما تروح اي اوضة؟ مقولتش لـ أمي لـ، ليقاطعة قائلاً بيأس: اه عشان تجري ورايا بالجزمة صح؟

ضحك عمّار وهو ينظر له بتسلية ليتابع قُصيّ بتحذير وجدية: بُص يا عمّار انا جاي هنا عشان أعرف استفرد بـ عشق عشان في مصر مِدياني الوش الخشب واحنا هنا في الزحمة وانا بحب الزحمة لكن لو لقيت اي حد طلعلي زي عفريت العِلبة في المتاهة اللي انت عايش فيها دي هغلط فيكم كلكم و، صمت وبهتت ملامحه واختبأ خلف عمّار عندما سمع صوت حُسنه يأتي من خلفه: يلا العشا جاهز يا وَلد، أومأ عمّار وهو يبتسم ثم نظر إلي قُصيّ ليتابع وهو يتحمحم وعاد إلى جديتهُ: هغلط فيكم كُلكم الا سِت الكُل..

=: يا أهل الدار، التفت الاثنان معاً عندما سمعوا ذلك الصوت المألوف، ابتسم آدم وهو يتقدم من عمّار فاتِحاً يديه على مصراعيها وهو يقول: حبيب قلبي، قابلة قُصيّ أولاً فـ تخطاه وزجره باستياء: ابعد ياخاين..
قهقة عمّار وعانقة بينما قُصيّ زفر وتجاهله وتقدم من تالين وهو يبتسم بخبث، فكانت تقف تنظر حولها بنظرات مستكشفة تستكشف أرجاء المكان وهي تعانق راحة يدها تفركها بارتباك كأنها فعلت شيءً سيئًا..

أردف آدم بجوع وهو يمرر يده على معدته: عمّار أنا جعان..
ربت عمّار على ظهرهِ وسحبهُ معهُ وحثهُ على التحرك وهو يقول: حماتك بتحبك يلا بينا، بس الحق حبيبة القلب عشان قُصيّ بيشقطها، التفت آدم ونظر إلى قُصيّ مراقباً كيف يقف أمامها يتحدث بكل راحة وهو يبتسم كأنهُ يعرفها منذُ زمن ذلك اللعوب الذي يعرف طريقه إلى جميع النساء!.

زفر ونظر إلى عمّار بحزن كـ طفلاً لـ يضحك وهو يربت علي كتفه ثم صاح بإسم قُصيّ كي يأتي واخبر آدم بهمس وهو يقرب رأسهُ منهُ: ده اسمه الحقيقي شقوطة خلي بالك و إقفل عليها ايه اللى خلاك تجيبها أصلاً!
هتف قُصيّ وهو يدخل رأسه بينهم: عنده حق جبتها معاك ليه دي كيوت وبريئة خالص عيب عليك خليها تطلق الأول..
نظر له آدم قليلاً باستياء ليقول عمّار ساخطاً: خاين عندة ضمير أول مرة أشوف خاين عندة ضمير..

زفر قُصيّ وهو على وشك الإنفجار بوجهه فـ ضحك عمّار وسبقهم وقال يحثهم على الإتيان خلفه: يلا عشان تاكلوا، لحق به قُصيّ بينما آدم تقدم من تالين وهو يبتسم ثم امسك يدها بين راحة يده كي تطمئن ولحق بهما..
صرخت عشق بعدم تصديق افزعتهم ثم وقفت و هتفت
بسعادة: تالين مش مصدقة نفسي!.

ضحكت تالين بعدم تصديق وتركت يد آدم وهرولت لها وعانقتها بقوة وهي تبتسم لـ يلوي قُصيّ شدقيه وهو ينظر لـ كلتيهما، بالتأكيد بالتأكيد هذا ليس يوم حظة، سوف تلتصق كل واحدة بالأخرى طوال الوقت لأنه ومن الواضح أن كلتيهما يعرفانِ بعضهما البعض ولن يستطيع الإستفراد بـ عشق سُحقا لهذا، وتكتمل الحكاية عندما يجتمعان مع تلك الغزالة الهاربة ويشكلون فريقاً وتباً لهم جميعاً، هما لا يتقابلانِ في القاهرة وهذه حجة جيّدة كي لا تتركها، وهو لن يراها ويجتمع بها يعلم حظهُ النحس، فـ على مايبدو أن كلتيهما تدرسانِ معاً في نفس الجامعة..

جلس الجميع أرضاً حول المنضدة عمّار بجانبه آدم ثم قُصيّ ثم عشق ثم تالين ثم نادين ثم حُسنة..
وقفت نادين وقالت بهدوء: أنا هطلع أنادي مامي..
وتركتهم وركضت إلى الأعلى سريعاً، فتحت الغرفة بحماس وهي تبتسم لـ يلفحها الهواء الطلق وخلو الغرفة من والدتها، بالتأكيد هي في الشرفة بسبب هذا الهواء لكن الطقس بارد كي تظل في الداخل!.

بينما ليلى كانت تجلس أرضاً في الشرفة تسند رأسها إلى حديد سور الشرفة تحدق في الفراغ و عبِراتها الحارقة مازالت تنساب من بين عيناها الزائغة و جفنيها المتورم على وجنتيها الناعمة تحرقها، هي لم تعد تشعر بالبرودة، أصبحت جثة ميته مثل عمّار لا تشعر، هل يا تُرى كان يتألم عندما كان يجلس هكذا في شُرفتهِ؟ تشك أنه سعيد بهذه الحياة! هذه حياة لا تسعد أحداً! وتحمل المسئولية هُنا ليس سهلاً أبداً وتلك الخضراوين التي نظرت لهما أكثر من مرة بها حُزناً عميق رغم بريقها، رغم إبتسامتهِ الجذابة وحديثهُ المرح لكنهُ حزين ومتعب مع هذا؟!.

أتعلمون هي تستحق ما يحدث معها لأنها عوضاً عن إيجاد حل لـ مُصيبتها تفكر بـ عمّار وما يواجهه عمّار! اللعنة على عمّار هو السبب بحالتها هذه هو من جعلها تأتي إلى هُنا، انتفضت عندما شعرت بتلك الأنامل الرقيقة تمحي عبراتها..

ابتسمت عندما وجدت نادين تجلس مقابلها تنظر لها بحزن وقبل أن تتحدث سألتها نادين بقلق: مالك يا مامي مين زعلك؟، عانقتها ليلى بحنان واخذت تربت على ظهرها برفق وقالت بتحشرج أثر بكاءها: مفيش حاجة يا حبيبتي أنا كويسة متقلقيش عليا في حاجة؟

هزت نادين رأسها بنفي ثم فصلت العناق ومحت تلك العبرة العالقة بأهدابها وقالت بعبوس: مفيش كُنت هقولك يلا عشان هناكل، ربتت ليلى على وجنتها ورفضت بدون شهية: حبيبتي أنا مش هقدر آكل تاني معدتي بتوجعني كُلي انتِ..
أمسكت نادين يدها وحثتها على الوقوف وهي تقول بحزن لأنها تعلم أنها لن تأكل فهي لا تفوز في أي نقاش معها يخُص الطعام: طيب تعالي اقعدي معانا تحت مش هسيبك لوحدك تانى الجو تحت حلو ومش هتزهقي..

سألتها باستفهام وخوف وهي تجر قدميها خلفها فلم تكن تسير بالمرة: مين تحت؟
قالت نادين بتفكير وهي تتذكر: كُلنا وأصحاب عمّار وفي بنتين حلوين اوي هتحبيهم يا مامي..
أوقفتها ليلى أمام الغرفة وهي تقبض على يديها وسألتها بنبرة مُرتجفة واضحة: الضيف اللي كان مع عمّار مشي؟
شردت نادين وهي تتذكر ثم قالت بابتسامة: اه مشي وكمان عمو متولي خرج واحنا تحت لوحدنا يلا بقي..

ضمت ليلى قبضتها على يد نادين وقالت بترجي وهي تنظر لها بأعين دامعة: نادين يا حبيبتي احنا لازم نمشي لو بتحبيني يلا بينا نمشي ووعد مني هبقي اجيبك زيارة ليهم في أي وقت تطلبي بس لازم نمشي دلوقتي اسمعي كلامي..
نظرت لها نادين بتذبذب ثم نظرت إلى يدها التي تحتضنها ليلي بين راحة يدها بتفكير، فـ هناك مايحدث ويجب أن تعرف!، فهي قالت ستبقى يومين ماذا حدث؟

ازدردت ريقها وقالت باستفهام ممزوج بتعجب: بس انتِ قولتيلي اننا هنفضل يومين كمان؟
تركت ليلى يدها وهي تقضم شفتيها وعادت تبكِ من جديد وهي تقبض على شعرها بقوة ثم هتفت بعصبية: قولت ورجعت في كلامي وهنمشي دلوقتي فين الشُنط..
ردت نادين بحزن وهي على وشك أن تبكِ: تحت، هزت ليلى رأسها و لم تترك لها المجال كى تتحدث و أمسكت يدها وسحبتها خلفها إلى الأسفل..

جرت ليلى حقيبتها خلفها وهي تسحب نادين معها بيدها الأخرى لكن قول حُسنة المتفاجئ أوقفها: واه انتوا رايحين فين عاد وجفي يا ليلى و تعالي كُلي لووْل نادين جعانِه!

توقفت ليلى عندما سمعت جملتها الأخيرة، أطبقت جفنيها وهي تتنفس بانفعال ثم استدارت ونظرت إلى نادين وسألتها وهي تؤنب نفسها: انتِ جعانه؟، أومأت نادين وهي تطرق برأسها فـ تركت ليلى يدها وقالت بهدوء وهي ترفع رأسها للأعلى كي لا تتساقط عبراتها: روحي كلي وانا هستناكِ هنا روحي يلا..

أمسكت نادين يدها وقالت بنبرة مُرتجفة حزينة: تعالي معايا مش هاكل من غيرك عشان خاطري، أومأت لها وسارت معها بهدوء منصاعة لأمرها، جلست نادين محلها بينما حُسنة أجلست ليلى بجانبها لتصبح على يمين عمّار، ظلت جالسة صامته تسبل عيونها إلى الأسفل دون أن تنطق بحرفٍ واحد..
تساءلت حُسنة باستفهام وهي تحوط كتف ليلي: مالك يا حبيبتي مش بتاكلي؟ بتبكِ ولِّية؟

هزت ليلى رأسها نفياً وهي تبتلع غصتها بمرارة وحركت شفتيها كي تتحدث لكنها شهقت ثم انفجرت باكية بحسرة وهي تسند مرفقها إلى المنضدة جعلتهم يتوقفون عن تناول الطعام بتعجب لهذا البُكاء عدى تالين التي لن تكن ترى سوى طبق المحشي الملفوف أمامها..
هتفت بصعوبة وهي تلتقط أنفاسها بوجه شديد الاحمرار: أنـ، أنا مش جعانة..

هزت حُسنة رأسها باستنكار وقالت بهدوء وهي تربت على ظهرها بحركة سريعة حنونة: خلاص بتبكِ ليه عاد متاكليشي يا حبيبتي خلاص!
ازدادت صوت نحيبها وغمرت وجهها بين راحة يديها بأسى جعلت نادين تبكِ وهي تراقبها فـ منذِ متى ووالدتها ضعيفة بتلك الطريقة؟ هي قوية وتبتسم دائماً البكاء كان نادراً في حياتهما لكن ماذا يحدث الآن؟
ربتت عشق على راحة يدها تواسيها بصمت وهي تنظر إلى ليلى بتعاطفٍ معها لسببٍ لا تعرفة..

نظر قُصيّ إلى عمّار الشارد بهدوء تعجب له! كاد يبعد نظرهُ لكنهُ لمح المِلعقة التي يحتجزها عمّار بين قبضتهُ ضاغطاً عليها بعنف حتى تم ثنيِها بطريقةٍ بشعة جعلتهُ يشفق على المِعلقة!
لِمَ تبكِ بتلك الطريقة؟ بالتأكيد ليس بسبب قبضته على خصرها! فلتصمت الآن لأن صوت نحيبها يزعجهُ!، كاذب بل يخنقهُ..

أخذها قُصيّ من يده وهو يتساءل باستفهام: الشحات مبروك قاعد معانا؟ ايه ده؟، لكزه آدم بكتفهِ بغيظ كي يصمت فهذا ليس وقت مُزاح ثم هتف بسخط: اخرس دلوقتي..
ربتت حُسنة على ظهرها بحزن وهي تهدئها: خلاص يا حبيبتي بزيداكِ عاد انتيّ اتحسدتيّ ولِّية مكُنتيش اكدِه فيكِ ايه بس؟.
رفعت وجهها وقالت بحرقة تترجاها وهي تنتحب: أنا عايزه امشي سيبوني امشي..

نظر لها عمّار بتفحص مراقباً حالتها المزرية متحكماً في انفعالاته والخراب الذي يحدث داخله بسبب هذا النحيب، هل كُل هذا فقط لأنها تُزيد الذهاب! هل منعها؟ الباب مفتوح من الصباح! ولم يعترض طريقها حتي لما تبكِ!
حركت حُسنة شفتيها كي تتحدث وتخبرها أن تذهب لكن قاطعها قول تالين بتذمر: طبق المحشي خلص!

نظر الجميع تجاهها جعلوها ترتبك، لعقت شفتيها بتلذذ وهي تُحرك أهدابها بلطافة كـ طفلة وهي تجول بـ أنظارها بينهم ثم زمت شفتيها وسألت ليلي الباكيه عندما رفعت رأسها ونظرت لها: انتِ بتعيطي ليه؟

محت ليلى عبراتها بظهر يدها سريعاً وهي تقف لأنها أصبحت مثيرة للسخرية كثيراً، انحنت وأخذت الطبق الفارغ من أمامها وقالت بتحشرج وهي تبتسم بخفة: انا هجبلك محشي بدل اللي خلص، وتركتهم وذهبت إلى المطبخ بخطواتٍ مترنحة تحت أنظارهم المتعجبه ماهذا الآن؟ هل تمزح معهم؟
تابع قُصيّ طعامه بامتعاض وهو يقول بضجر: هي هرمونات مفيش اختيار تاني؟
همس له آدم بخفة وهو يضرب كتفه: صوتك عالي واخرس وكُل محشي..

رد قُصيّ ساخطاً وهو يمضغ الطعام: خلصِتُه المفجوعة اللي انت جايبها معاك، ضربة آدم بضيق وهتف بابتسامة: بالهنا والشفا، ثم لعنهُ وقرص ذراعه من الغيظ لـ يقهقه قُصيّ بخفة وأخبرة بصوت منخفض: قول لـ عمّار اروح اصالح الغزالة دي ولا هنسبها كده ده ميرضيش ربنا! الجمال ده ميعيطش وتعدي كده عـ، صمت عندما وصل له صوت زمجرة عمّار بغضب ثم قوله الحاد من بين أسنانه بخشونة: لو مسكتش واحترمت نفس اهلك هغرف قلبك بالمعلقة اللي بتطفح بيها دي..

رفع قُصيّ حاجبيه وقال إلى آدم بتهديد وهمس: قول لـ صاحبك إني كان مقبوض عليا في جريمة قتل وقلبي ميت احنا جامدين اوى على فكرة!، قهقهة آدم ووضع الطعام بفمه كي يصمت ثم نظر إلى عمّار عندما لكزه بفخذه من أسفل الطاولة..

نظر له باستفهام لـ يهمس له عمّار بنبرة خافتة: قول ايه ده مفيش مايه انا عطشان بصوت عالي، قطب آدم حاجبيه بتعجب ثم قال بنفي وهو يهز كتفه: بس انا مش عطشـ، وقطع قوله تذمر تالين من جديد برقة: أنا عطشانة!
ابتسم عمّار وضرب كتف آدم وقال بابتسامة: كويس انك جبتها معاك..
صاحت حُسنة بصوتٍ مرتفع: صباح، صبـ، قاطعها قول عمّار بهدوء وهو ينظر في طبقة متصنعاً عدم الإهتمام: تلاجيها بتاكل هي والبجِية..

اومأت حُسنة ووضعت راحة يدها على الأرض تستند عليها كي تقوم لكن عمّار أوقفها عندما أشر لها وهو يقول: لاه خليكِ اني رايح اجيب، وقف سريعاً مستغلاً الفُرصة قبل أن تخبره أن يظل وذهب هو إلى الداخل خلفها..
لكنها وقفت من مجلسها ولحقت به وهي تقول: استني خُدني معاك..

قهقهة قُصيّ وهو يهز رأسه ثم همس لنفسه: تستاهل يعمل عشانها كده تستاهـ، تأوه بألم عندما ضربتهُ عشق بـ مرفقها في صدره بقوة وغِل بوجه محتقن غاضب جعلتهُ يسعُل وهي تُهدده بغضب: وربنا هعرفك لما نطلع فوق يا ابو عين زايغة يا مُتخلف..

كانت ندى تقف تستند بجذعها على باب المطبخ الذي يطل على الأرض الخضراء تعقد يديها أمام صدرها تمسك بهاتفها قديم الأصدار بعد ان انهت مكالمتها مع والدها التي سمعت من خلالها كل ما تكره ممزوجاً بالسُباب اللاذع بسبب عمّار، والآن صوت صرصور الحقل يُصيبها بالطنين كأنهُ قفز داخل أُذنها وحدها..

قطبت ما بين حاجبيها واستدارت بخضة عندما سمعت صوتاً معها في المطبخ، نظرت أمامها وهي ترفع حاجبيها مع زاوية شفتيها بسخرية عندما رأت ليلى تحمل الطبق بـ يدٍ مُرتجفة تفرغ به الطعام أثناء ارتجاف ذراعها بعدم اتزان وهي تستنشق ما بأنفها..
تقدمت منها وهي تبتسم باستخفاف ثم هتفت فجأة جعلتها تنتفض بخضة: انتيّ لسه اهنِه يا رجاصِة؟

ضمت ليلى قبضتها فوق الطبق بقوة و همست بصوت مبحوح غاضب: بقولك ايه يابت انتِ مش ناقصة خليكِ في حالك!
ضمت ندى قبضتها ثم ضربت كتف ليلى جعلت ملامحها تنكمش بألم وهي تقول بغضب: مين ديّ اللي بت يا بتاعة الرِجالة انتيّ!
ابتسمت ليلى بعصبيه وهي ترفع حاجبيها ومن دون سابق إنذار القت في وجهها الطبق الممتلئ بالملفوف وقالت بتشفي وهي تراقب ابتعاد ندى وهي تتأوه: انتِ اللي بتاعة رجالة ورخيصة يا رخيصة يا حقيرة..

صرخت ندى بغضب ورفعت يدها هويت على وجنتها بصفعة قاسية جعلت وجهها يلتف للجهة الأخرى مع صدوح صوت صرختها المُتألمة..
تحركت حُسنة بغضب نحو الداخل وكادت تدلف لكن عمّار أوقفها وهز رأسه بنفي كي تتركها تتصرف وحدها لن يتدخل أحد..

اغرورقت عيناها بالدموع وهي تضع يدها على وجنتها المُلتهبة بألم، صفعتين في يومٍ واحد كثير هذا كثير عليها لـ تتحملهُ يكفي لم تعد تتحمل أكثر، فهي تجرأت عليها فقط بسبب رؤيتها لـ عمّار يضربها بسببهِ هو، هو إن لم يفعل هذا لم تكن لـ تجرؤ على فعلها هو السبب في كل شيء يحدث هُنا هو السبب، لكنها لن تبكِ و تصمت لن تتركها..

استدارت بوجه محتقن غاضب وصدرها يشتعل من الغضب والقهر ثم صفعتها بظهر يدها بقوة جعلت وجهها يلتف للجهة الأخرى..
رفعت ندى رأسها ونظرت لها بشراسة وهي تتقدم منها كـ ثورٍ هائج لـ تباغتها ليلى بالصفعة الثانية جعلتها تصرخ الآن بحق و أدمعت عينيها..
صاحت ليلى بقسوة وهي ترفع رأسها بشموخ لكن نبرتها الرقيقة المرتجفة خانتها: ايدك متترفعش على اسيادك يا نكرة يلي جاية من تحت الجاموسة..

صرخت ندى بجنون وأخذت مدِّيه ورفعتها أمام وجهها وهتفت بهستيريا: أني عاجطعك تجطيع يا مجرِمِه عاجطعك يـ، وصرخت بتفاجئ عندما قذفتها ليلى بالمياة القليلة التي وجدتها بجانبها في كوب صغير..
نظرت لها ليلي بتوجس وهي ترى نظراتها الشرسة تجاهها ومازالت تمسك بالمدِّيه بين قبضتها تتقدم منها ببطء ونظراتها تنذر بالشر..

عادت ليلى خطوتين إلى الخلف وصرخت بها بشجاعة وهي تلوح بيدها امامها: نزلي البتاعة دي لا تتعوري يا شاطـ، يا ماما، وركضت إلي الخارج في هذا الظلام الدامس وهي تصرخ بعد إن ضربت يدها وأسقطت المدِّية أرضاً، ركضت ندى خلفها وهي تصرخ بها أن تتوقف بأعين جاحظة غاضبة..

لكنها لم تقف بل ركضت بقوة بأنفاس متسارعة في الخارج وهي تصرخ بذعر و ازداد ذعرها أكثر عندما سمعت صوت البعوض الذي يتطاير فوق رأسها كأنها سقطت في خلية النحل، إن جسدها يتحسس منهُ ولديها رُهاب من الحشرات، هذا الأكثر رُعب بالنسبةِ لها أكثر رُعباً من عمّار نفسهُ..

توقفت وهي تلهث بأنفاس متسارعة عندما اختفى صوت الخُطوات من خلفها، استدارت بتوجس وحذر باحثة عنها بعينيها بخوف بأنفاس مرتجفة وهي تتلفت حولها بهستيريا لكنها ليست خلفها!، عادت راكضة إلى المطبخ عندما تأكدت من اختفائها..
دلفت إلي المطبخ بخطواتٍ حذِرة وهي تنظر حولها بعين زائغة متوجسة تحت أنظار عمّار وحُسنة المختبئين يشاهدان مايحدث وندى، تلك الشيطانة كانت تختبأ خلف الباب من أجلها..

شهقت بخضة عندما شعرت بذلك السائل الساخن يسقط فوق ملابسها فهي لم تستطع الوصول إلى رأسها إنها قصيرة..
نظرت ليلى إلى ملابسها بأعين كادت أن تخرج من محجريها من التفاجئ ثم إلى بنطالها الأبيض الذي أصبح مُتسخ الآن بفضل ذلك الطعام، إنها ملوخية..

صرخت بقهر كمن فقد عزيزاً، وتلبسها الشيطان وهي تستدير لها بملامح متجهمة ثم حملت ذلك البرطمان الممتلئ بالليمون الخاص بـ عمّار وأفرغته فوق رأسها جعلتها تصرخ وتدور في المطبخ لكنها لم تتركها بل دارت معها وهي تفرغه فوق رأسها حتى انتهى مع قولها بقهر: البنطلون أبيض أبيض ده انضف من قلبك يا حقيرة، قذفته من يدها بعيداً وركلتها بقدمها أسقطتها أرضاً وجثت على ركبتيها بذلك البنطال الذي تلون بالأخضر والأصفر وقامت بـ عضِها بقوة جعلتها تتلوى وهي تصرخ بألم..

رفعت ندى يدها وشدت شعر ليلى بعنف جعلتها تصرخ متألمه ثم ركلتها بـ معدتها بحدة اسقطتها أرضاً وأعتلتها وقامت بشد شعرها بقوه أكبر وهي تضرب رأسها في الأرض المصقولة بشكل مُتكرر جعلتها تبكِ بألم غير قادرة على الحراك، ووسيلتها الوحيدة في التحرر هي ركلها وهي حامل لن تستطيع فعل هذا بها لن تستطيع؟

توقفت ندى وهي تلهث عندما توقفت ليلى عن المقاومة، ضربت رأسها في الأرض للمرة الأخيرة بـ غِل جعلتها تصرخ بـ عويل وهي تمسك رأسها بألم شديد وما زالت تبكِ بانتحاب تلك المتوحشة، فليأخذها الله..
توقفت ليلى عن النحيب عندما سمعت صوتها وهي تقول بحقد: وربي لاخرجك من اهنِه بـ فضيحة..

رفعت ليلى رأسها وهي تنتصب جالسة وكل أنش بجسدها يصرخ ألماً لـ تشهق بعدم تصديق عندما وجدتها تشُق ملابسها ثم قطّعت بعضاً من شعرها دون أن تتألم تلك القاسية وهي تصرخ: الحجوني، الحجوني، الحجوني عاتجتلني الحجوني، الحجني يا عمّار، ضحك عمّار وهو يفرك منحدر أنفه و عينيه مُعلقة على حُسنة التي امتقع وجهها من الغضب بسبب تلك الشيطانة التي أدخلوها منزلهم..

تركتهُ حُسنة ودلفت إلى المطبخ، دفعت ندي من أمامها وهي تزجرها بعنف: اخرسي يا تربية التعابين يا مِحراك الشر جطم رجبتك يا فاجرة..
انحنت وساعدت ليلى في الوقوف وهي تتأسف لها بحزن: جحك عليِّه أني ياحبيتي حجك عليِّه..
هزت ليلى رأسها وهي تخفض وجهها قاضمة شفتيها بألم لـ تقف ندى بغضب وهتفت بـ بكاء مصطنع: دي ضربتني وبهدلتني كيف تجفي معاها وأني لاه؟

صرخت بها حَسنة بنفاذِ صبر وهي تشدها من ملابسها بعنف: انتيّ لِساكي عاتكدبيّ يا محروجة انتيّ اني شوفت كل حاجة يا واطيِة ياجليلة الربايِه..

دفعت ندى يدها بحدة دون ان تعلم أن عمّار يرى كل شيء ثم صرخت بها بغضب: شوفتي ايه يا مرة يا خرفانه انتيّ شوفتي ايه انتيّ لسه فيكِ حيل تتحددتي وتجولي شوفتيّ ده انتيّ جربتي تمـ، وقبل أن تنصدم حُسنة وقبل أن تنهي حديثها صرخت بألم عندما شعرت بتلك الصفعة الحديدية تهوي على وجنتها أسقطتها أرضاً وسط ماء الليمون المالح المختلط بالملوخية..

شهقت ليلى بتفاجئ ووضعت يدها على وجنتها وهي تنكمش على نفسها تنظر إلى ندى المطروحة أرضاً بشفقة، هذا قاسي؟ قاسية تلك الصفعة عن التي أخذتها هي هل حُسنة أهم من والده؟!، انتفضت عندما سمعت صرختها من جديد أثر الصفعة الثانية، يا إلهي هذا مُرعب..

رفعها من ملابسها وهو يزمجر بغضب، دفعها على الحائط بعنف شعرت بتهشيم عظمها أثرها ثم طوق عُنقها بعنف وقال بنبرة مُميتة ونظرتهُ، نظرتهُ رأت موتها المحتوم داخلها: أجلتلك دلوك وأطلع خبرك؟ مين ديّ الخرفانه يا بتدي ستك ديّ يا خدامِه اتجنيتيّ؟ اتجنيتيّ؟، نظرت له بأعين حمراء جاحظة ووجهه أزرق داكن لم يصل له الهواء بسبب اختناقها بفعل يده..

رفعت يدها ووضعتها على يديه تحثه على تركها وعيناها تجحظ أكثر وهي تهز رأسها بنفي ستموت لا تستطيع التنفس لا تستطيع، تركها وهو يجأر بغضب لـ تشهق وتسعل في آنٍ وهي تضع يدها حول رقبتها تلتقط انفاسها بلهاث، فتحت فمها بقوة وصدرها يعلو ويهبط في عُنف تستنشق الهواء على آخر رمق تملأ به رئتيها لـ تصرخ وهي تشعر بصفعة قاسية أكثر من سابقاتها طرحتها أرضاً بجانب قدم حُسنة..

رفعها من ملابسها ثم نظر لها باحتقار وألقاها بعنف أمام قدم حُسنة من جديد وصرخ بها بنبرة جمهورية غاضبة جعلها تنتفض وسط ذهولها وعدم قدرتها حتى على البكاء: حِبي على رِجليها دلوك وجولي أسفِه خلِصي..
أومأت سريعاً وهي تحبو أمام قدمها لكن حُسنة عادت إلى الخلف وقالت برفض: استغفر الله يا ولدي خلاص هملها لحالها كفايِه عليها اكدِه..

هز رأسه بنفي وهسهس بغضب وهو يرفعها من تلابيبها: بت الـديّ غلطت فيكِ عارفة يعني ايه ديّ يعني ايه؟، ثم صفعها من جديد لأن غليله لم يشفى بعد وصرخ بها بنبرة صخرية جعلها تحبو قبل أن ينهي جملته وقبلت قدم حُسنة وقالت بصوت مبحوح بالكاد خرج وهي ترتجف بخوف: أنـ، أنـ، أني، أسفِه اسفِه، اومأت حُسنة وهي تنظر لها بشفقة، كادت تتحدث لكن ليلى تركت المطبخ وركضت إلى الخارج وهي تبكِ، تقسم أنهُ وحشاً ليس بإنسان ليس إنسان..

جلس القرفصاء بجانبها مستمعاً إلي صوت أنينها وهي تنتحب، رفعها من رقبتها وهتف بنبرة خشنة مخيفة وهو ينظر لها نظرة أرعدت أوصالها: انتِ اهنِه خدامِه خدامِه وبس فاهمِة؟، أومأت سريعاً وهي تنظر له برعب غير قادرة على النطق لـ يصيح بحدة بإسم صباح: صبااااااااح، أتته مهرولة بخوف من الأسفل من محل نومها، شهقت بتفاجئ عندما أبصرت هذه الفوضى في أنحاء المطبخ! ما هذا؟

قاطعها قوله الحاد المُحذر: من النهاردِة انتيّ أجازِه والمحروجة ديّ هي اللي عاتعمل الشغل كُله وهي اللي هتخدِم علينا وانتِ ماهتعمليش حاجة واصل بس تشرفي عليها معلوم؟، أومأت سريعاً بخوف وهي تنظر إلى هيئة ندي المشابهة إلى الجثة بين يديه لـ يتابع بوعيد: لو عرِفت غير اكدِه أقسم بربي هـ، قاطعه قول صباح سريعاً بطاعة قبل أن تسمع بقية حديثة: معلوم ياسيدي معلوم كل حاجة زي ماتجول وتؤمر نعملوها، أومأ بهدوء ثم رفع نظره إلى حُسنة المُعترضة على قولة وهتف بنبرة صخرية راعده لا تحمل النقاش: مليش صالح حِبله ولا محِبلاش هي الخدامِه من النهاردة ودِيه مش هيتغير عاد، ثم ضغط على أسنانه وضرب رأسها أرضاً بعنف جعل جسدها يتشنج غير قادرة على الحركة كما فعلت مع ليلى منذ قليل ثم سألها وهو يقف بتشفي: بتوجع!، وترك المطبخ وغادر بـ خطواتٍ مدمرة وهو يضم قبضته بغضب..

صعدت إلى الأعلى بعد مروره أمامهم في الخارج ظناً أنهم يستمعون لكل شيء! لكنهم كانوا يتسامرون ويضحكون وكأن لا شيء يحدث في الداخل هذا جيّد..

صفع باب الغرفة خلفه بغضب ثم فتح الشرفة بعنف ودلف يستنشق الهواء النقي قليلاً لأنه يختنق، ولا يعرف سبب واضح لهذا لا يعرف أي سبب لهذا؟، لقد تشاجرت وأخذت حقها وقد أخذ حقها معها لما غاضب الآن! ولما تدخل من الأساس، حسناً بسبب والدته لكن الضربة الأخيرة لم تكن من أجلها بتاتاً، هي تستحق! وان لن تعترف في يومين فقط يومين سيتركها تمرح في المنزل وإن لم تعترف بالحقيقة لن تلوم سوى نفسها..

أعتصر رأسه بين يديه بغضب ثم ضرب سور الشرفة بقبضته بقوة وكاد يصيح لكنه تفاجئ عندما سمع صراخها وهي تتحدث في الهاتف في الشرفة بجانبه وهي تبكِ الحمقاء لما تبكِ: انا قولتلك ميت مرة يا سعيد مش موافقة ومتتكلمش في الموضوع ده تاني بدل والله هلغي الشراكة اللي بينا فاهم؟ انت مالك انت بعيط ليه انت مالك؟، وأغلقت الهاتف بغضب ثم ضربت سور الشُرفة براحة يدها وهي تحادث نفسها بحدة: الرجالة اتجننت اتجننت! يتجوز مين ده هو فاكرني ايه؟، ثم وضعت وجهها بين راحة يدها وشهقت وهي تتابع بحرقة: أنا عايزه امشى من هنا عايزة أمشي..

هز رأسه بيأس وهو ينظر لها بذهول، هي مجنونة؟ انها مجنونة بالفعل! كان يشك بها لكنه تأكد الآن أنها مجنونة؟ لكن هل سعيد هذا الذي تقدم لها بـ عدد شعر رأسها مازال يزعجها؟هل يخطبها كي لا يطلبها أحدهم؟ هي لا تقبل بمن هو أكبر منها سناً هل توافق بالأصغر؟ هل يُجرب!
نزل بنظره إلى بنطالها المُلون بأسف فهو كان جميلاً لكن لا بأس، استدار وتحرك إلي الداخل لكن أوقفه صوتها الباكِ: استني عندك!

التفت ونظر لها في ترقب وهو يبتسم بهدوء لتقول بترجي وهي تشهق: انا عايزه اروح عايزه اروح
قطب ما بين حاجبيه و تحسس جيب كنزتهُ الثقيلة بتفكير لـ تصرخ به وهي تشهق بعصبية بسبب لا مُبالاته: انت بتعمل ايه؟
قال بسخرية وهو يرفع يده: بدور علي مفتاح الباب اللي انا قافله؟
ارتجفت شفتيها ونظرت له بحزن بتلك العينان اللامعة جعلته يزفر وهتف بضيق: اقدر افهم انتِ بتعيطي ليه دلوقتي؟

شهقت وهي تتقدم منه ثم ضربت صدره بقوة كما كانت تظن وهتفت بحرقة: عشان كل حاجة وحشة بتحصلي بسببك عشان قاعدين هنا، ضرب واتضربت واهانه واتهانت وجسمي كله بيوجعني عايزين تموتوني يعني قبل ما أمشي ولا ايه؟
مسد جبهته وهو يزفر ثم قال بهدوء لا يُناسب حالتها الثائرة: انتِ مش محبوسة هنا تقدري تمشي في اي وقت محدش قالك انتِ رايحة فين؟

صرخت به وهي تلكزه بصدره بسبابتها بشكلٍ مُتكرر ضايقة: لأ نادين متعلقة بيكم ومش عايزه تمشي، قولها تمشي خليها تكرهك معرفش تعمل ايه بس قولها تمشي وتسمع الكلام عشان مش راضية تمشي..
تنهد وقال بازدراء وهو يدفع سبابتها بعيداً: ماشي هقولها خلاص بطلي عياط، بتعيطي ليه؟

محت عبراتها بظهر يدها وهي تستنشق ما بأنفها ثم سألته باستفهام وحزن: عشان انت وَحش مش انسان! انت ازاي تضربها بالطريقة دي؟ وازاي بتحبها وتعمل معاها كده؟

سحبها من خصرها الصقها بالحاجز الحديدي الذي بينهم جعلها تشهق بخضة وهي تنظر له بعين زائغة ووجه متورد وجفن متورم باستفهام لـ يقول قبل أن تتحدث هي: انا ضربتك قبلها ده معناه اني بكرهك؟ لأ، انا ضربتك بعد ما حذرتك مرتين ومسمعتيش وتستاهلي الضرب عشان انا مغلطتش في حقك!

تهجمت ملامحها و ضربت صدره بغضب ودفعته بشراسة هذا المتبجح لكنهُ شدد قبضتهُ على خصرها النحيل وهي توقفت عن المقاومة لأنها تتألم لـ يتابع بنبرة عميقة وهو ينظر داخل عسليتيها التي كانت تخفيها عن خضراوية بتحرك أهدابها السريع بسبب بكاءها: ضربتها هي عشان غلطت وهي عارفة ان ده عيب عندنا وهي تستاهل عشان دي انسانة وقحة ومش متربية وفوق كل ده غلطت فيكِ وانتِ ضيفة عندي يعني غلطت فيا انا كمان وكان لازم تتربى!، ثم ابتسم وتابع ببحة رجولية عميقة وهو ينظر داخل عيناها: انتِ الغالية!.

حركت أهدابها بارتباك واخفضت وجهها الذي شعرت به ينصهر من الحرارة وتدرج بالحمرة فوق حُمرته، لِمَ يقول لها هذا الآن؟ لا يحق له فقط حُسنة من تخبرها بهذا! وما سِر تلك النبرة؟.
ليتابع بنفس النبرة العميقة: بصي مش عارف اوصلهالك ازاي بس دي تبع خليل الطحاوي خليل الطحاوي ده شيطان ومش بيجي من وراه غير المصايب بس ودي اقل حاجة ممكن تحصل! صدقيني حملها هو اللى رحمها مني..

هزت رأسها بتفهم وهتفت بصوتٍ مبحوح بنبرة مرتجفة تأنبه و كأنه سيتأنب: بس برده بتحبها وده سبب يخليك متعملش معاها كده؟ متفتكرش اني مبسوطه عشان انا برده ضربتها!

هز عمّار رأسه بخفة وأردف بهدوء وهو يبتسم: وانتِ مش السبب! ليلى بصى، رفعت نظرها له وقلبها يخفق بقوة وهي تزدرد ريقها بحلق جاف، هي تُفضل نبرتهُ الرسمية معها عوضاً عن هذه النبرة التي تستشعر منها الدفء تجعلها تظن أنها بهذا القُرب بالنسبةِ لهُ!، انها تتوهم هي فقط نبرة هادئة لهذا هي متفاجئة!.
أخفضت وجهها عندما شعرت بهذا الدور يُداهمها جعلها تغلق عينيها بقوة وتفتحها وقد تكرر منها هذا الفعل..

رفع وجهها بين يده ومرر إبهامه على ذقنها بنعومة وهتف بهدوء وهو ينظر إلى عينيها مباشرةً: أنا بحب ندى، هزت رأسها بتفهم وهي تحرك أهدابها سريعاً وعلت وتيرة تنفسها المضطربة وهي تبعد شعرها المتطاير إلي الخلف بأناملها المرتجفة وحاولت التملص والعودة إلى الخلف لكنه لم يتركها بل شدد قبضته على خصرها بخفة كي تنتبه وتنظر له ثم تابع بنفس الهدوء لكنهُ مغلف بتحذير كأنه يُحذرها هي على وجه الخصوص غير متجاهل اضطرابها: انا مبكرهش فى حياتى اد الكذب وان اللي قدامي يستغفلني و يستصغرني ويفتكر انه بيديني علي قفايا! لأ انا بعدي وباخد على قفايا بمزاجي لكن محدش يديني فاهمة؟ وهي تخطت الحدود و تخطتها أوي كمان!

نظرت له بعدم فهم واستفهام لـ يزفر وهتف باستياء شديد وهو يمط شفتيه: بيني وبينك كده يا ليلى البت دي مش ندي!.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة