قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية حب خاطئ للكاتبة هاجر الحبشي الفصل الثاني عشر

رواية حب خاطئ للكاتبة هاجر الحبشي الفصل الثاني عشر

رواية حب خاطئ للكاتبة هاجر الحبشي الفصل الثاني عشر

- لا يوجد ما يُسمى بـ سِر ويظل مُخبَّأ إلى الأبد -
ارتجف جسدها بين يديه وشحب وجهها وبهت لونه وهي تنظر له بضياع بعد سماع هذا القول منهُ..

ازدردت ريقها بشكل مُتكرر ثم ابتسمت بخفة انذرته بقدوم نوبة الضحك التي تأتيها دومًا كُلما تحدث معها عن ندى لكنهُ لم يسمح لها بل أبعد خُصلات شعرِها المتداخلة في اللونين الأحمر والأسود خلف أُذنها وهو يمط شفتية هازاً رأسهُ بنفي ثم سألها باستفهام وهو ينتقل بأنامله مُرتبًا منابت شعرها: و دلوقتي بقي قوليلي كُنتِ بتقوللها يا حقيرة يا كدابة الصُبح ليه ها؟

أخفضت وجهها المُتدرج بألوان قوس قزح وهي تفكر في حلٍ كي تهرب من هذا المأزق، تنفست باختناق وهي تتحرك بين يديه بانزعاج مع قولها بـ صوتٍ مكتوم: سبني يا عمّار أنا عايزة أمشي..
تحركت يده من فوق خصرها صعوداً إلي ظهرها وهتف باستنكار وهو ينظر لها: انتِ ليه مش بترد عليا زي الناس الطبيعية ليه؟ هتتعبي لما تردي عليا؟
علت وتيرة تنفسها بانفعال وقالت باختناق وهي تدفع صدره: انا مخنوقة ابعد عني؟

رفع زاوية شفتيه بسخرية وهتف بسخط وهو يدفعها عنه جعلها تترنح إلى الخلف: مخنوقة من ايه وانتِ رِحتك ملوخية ولمون! انتِ اللي عاملة الخنقة روحي استحمي بدل ما انتِ عمالة تقولي عايزه امشي روحي..
قطبت حاجبيها وهي تلتقط أنفاسها بصعوبة، أخفضت وجهها ونظرت إلى هيئتها بغضب ثم صرخت بـ صوتٍ حاد وضربت قدمها أرضاً و وبخته بوجه ممتقع: استحمي ايه يا عديم الذوق انت اسمها استحمي؟!

قلب عينيه بسخرية وهو يعقد يديه أمام صدره وقال بازدراء: روحي خُدي شاور وسط الورد و الياسمين حلو كده؟
ردت بغلظة وهي تضع يدها بخصرها: لأ مش حلو يا سخيف، صك اسنانه بغضب ثم ضرب سور الشرفة بـ راحة يده بقوة وصرخ بها بقسوة جعلها تنتفض: نزلي ايدك وانتِ بتتكلمي معايا!.

وهاهي بوادر البُكاء تظهر عليها، قوست شفتيها و ارتجفت مع ذقنها واغرورقت عيناها بالدموع ثم انفجرت باكية وهي تغمر وجهها بين راحة يديها، يا إلهي إنها مريضة! وهو الآخر تجاهل قولها ولم يري سوي يدها الموضوعة بخصرها!.

نظر لها باستياء شديد وهو يلوك بـ لسانه داخل فمه ثم اقترح بجدية: بُصي يابنت الناس! انتِ مريضة وانا اعرف دكاترة كتير روحي اتعالجي على حسابي ومتشليش هَمْ عشان اخرتك هتبقي وِحشه اوي لو فضلتي كده!.
صرخت به بـ صوتٍ مبحوح وهي تنتحب وكم كانت لطيفة: دكاترة ايه اللي تعرفهم يا جربوع! ده انت هربان من الحضانة يا متسول يا بتاع اللمون..

ضحك بـ تسلية وهو يُمرر لسانه على شفتيه مُمسداً جبهتهُ بخفة، يقسم أنها لو علِمت ماذا يعمل سيغشى عليها محلها وفى وقتِها، إنه أقل شأناً وأحط قدراً، حقيراً بنظرها بلا مُبالغة هو حقيراً فقط لا شيء آخر..
أشر عليها بسبابته وهتف بـ ثقة وهو يرفع حاجبيه: طب بزمتك طعمة مش حلو؟ ده انا هخليكِ تخللي بدل اللي انتِ دلقتيه عليها تحت ده، انا مقدرش اقعد من غير لمون!

ضحكت بنعومة وهي تمسح عبراتها بخفة جعلتهُ يبتسم وهو يُراقبها ثم قالت بخفوت وهي تستنشق ما بأنفها: فعلاً كان طعمه حلو اوي وفَتح نفسي تسلم ايدك، رفع حاجبيه بتعجب شديد وهو يحملق بها! هل قامت بالثناء عليه الآن؟ هي فعلاً مجنونة!
قال وهو ينظر لها بابتسامة: انا اتأكد دلوقتي انك محتاجة دكتور..
ابتسمت بحزن وجلست محلها على الأرض الباردة وأردفت بشرود: ومين فينا مش محتاج دكتور انت
نفسك محتاج فريق طبي..

ضحك وهو يجلس أرضاً مقابلها وأردف وهو يهز رأسه مؤكداً: عندك حق..
نظرت له قليلاً ثم هتفت بـ إسمة بنبرة ناعمة: عمّار..
همهم لها بهدوء وهو يغمض عيناه لتسأله باستفهام وهي تحتضن جسدها بيديها: لما تلاقي ندي الحقيقة باعتبار إن دي مش ندي هتعمل فيها ايه؟
فتح عيناه وقال بهدوء وهو يبتسم: هاخدها في حضني وهقولها معلش..
خفق قلبها بقوة وسألته بنبرة مرتجفة وهي تبلع غصتها: ليه؟

تنهد بعمق ثم حدق في نجوم السماء اللامعة وقال بهدوء: عشان تعبت واتحملت حاجات محدش في سِنها يقدر يتحملها..
وضعت يدها على فمها تكتم شهقاتها وأعادت سؤاله باختناق وأعين زائغة: وهي كانت بتتحمل ايه؟
مط شفتيه وهو يتذكر ما كان يشاهده في الشرفة الخاصة بها كأنهُ يحدث على مرأى من ناظريه الآن: كانت بتتحمل، وتوقف وقطب حاجبيه وظل صامتاً قليلاً ثم قال بسخط: طب وانتِ مالك انتِ ياعيوطة؟

هزت رأسها وهي تمسح عبراتها و سألته بلهفة كـ لهفة المدمنين إلى المُخدر: طيب، طيب بعد ما تقولها معلش هتعمل فيها ايه؟
ضحك بخفة وقال وهو يمط ذراعيه: هضربها بقي مش قولتلها معلش! خلاص..
أبعدت شعرها إلى الخلف بعصبية وسألته باستنكار بـ بحة أثر البُكاء: انا مش فاهمة ايه الفخر في الموضوع انك كل شوية تتكلم عن الضرب؟ انت شايف ان الراجل اللي بجد ينفع يضرب؟ في حاجة اسمها عقاب لو متعرفش يعني!

ضحك بخفة وهو يومئ لها وهتف باستفهام: عقاب؟ انتِ شايفاها اختي او مراتي عشان اعاقبها؟ يعني واحدة زي اللي تحت دي اعملها ايه؟ اقولها اقفى وخلي وشك للحيطة وارفعي ايدك يعني ولا اعملها ايه؟
تنهدت بتعب وهي تخفض رأسها ووضعت يدها على جبهتها وهي تنظر له ثم سألته بصوتٍ منخفض: مش هتتكلم جد ابداً!

رفع حاجبيه وقال باستنكار: انا بجاوبك ومش بهزر دى كُنت اعمل فيها ايه؟ بصي يا ليلى أنا عارف أني ضربتك جامد ويمكن محدش ضربك قبل كده ولا اتعرضتي لموقف مماثل بس انا قولتلك، قولتلك لما تيجي هنا خلي بالك من كلامك و قولتلك هنا تاني لما جيتي يبقي الغلط مش عندي ومش المفروض اني اعاقبك!

ردت بتهكم من بين أسنانها وهي تشعر بالغليان: يبقى تضربني؟ وبعدين ازاي ابـ، قاطعها وهدر بنبرة صلبة جدية دون مُزاح عندما علم ما تريد قولهُ، وهو أن والده كيف يجرؤ على طلب مثل هذا الطلب منها وكثيراً التُرّهات الأخري: مفيش ازاي ومش ازاي مسمعتيش عن البنات اللي بتتجوز رجالة قد ابوها عادي يعني واكبر من كده كمان؟

ابتلعت غصتها بمرارة وتساقطت عبراتها دون بذل مجهودٍ منها وهي تخفض رأسها، لقد ذكرها بجرحٍ قديم لم يلتئم بعد..
هتفت باختناق وهي تبكِ بأسى: لأ، سمعت وشوفت عادي يعني بس انت مـ، قاطعها بقوله وهو ينظر لها بدون تعبير: أنا وَحش وحقير وأسوأ انسان في نظرك! ومش مُطّر اني اغير فكرتك دي عني! انتِ ممكن تتأقلمي لكن متطلبيش من حد انه يتغيّر!

محت عبراتها وهي تزم شفتيها ثم قالت وهي تستنشق ما بأنفها بسبب سيلانها: بس انا مكُنتش هقولك انت وَحش ولا هقولك اتغيّر! انا كُنت هقولك ان جواك اكيد في حاجة حلوة كُلنا جوانا الحلو والوِحش بس انت مش بتظهر غير الوِحش بس!
ابتسم بحزن وقال بنبرة ساخرة مثيرة للشفقة على نفسه: اصلي مستني ندى تغيرني، وضعت يدها على فمها تكتم ضحكتها التي كادت ان تنفلت من بين شفتيها، حقاً الجلوس معه مُسلٍ جداً..

نظر إليها قليلاً لينفجر ضحكاً هو الآخر ساخراً من نفسه وهو يُمرر يده على وجهه ثم هتف بحزن من بين ضحكاته: حاجة تضحك فعلاً!
توقفت عن الضحك ثم سألته باستفهام وهي تتنفس بعمق: انت مِستنيها عشان تضربها ولا عشان تغيرك ولا عشان تحبها ولا عشان ايه بالظبط؟.
توقف عن الضحك وقال بابتسامة هادئة: عشان كُله!، إني أحبها حاجة وإني اضربها حاجة ثانية وهي المفروض كـ حبيبتي ومراتي تستحملني انا الاثنين!

رفعت حاجبيها وسألته وهي تهز رأسها باستنكار: ولو هي مش بتحبك ولا عايزاك هتعمل ايه؟

قهقهة بخفة وهز كتفيه بقلة حيلة وهو يقول: دي حاجة تخصها هي! بتكرهنى براحتها تحبني برده براحتها لكن في الحالتين هتتجوزني! ومش هقولك بقي ده عشان الصُلح ومش الصُلح لأ أنا حبيتها قبلها وهاخدها يعني هاخدها حتى لو ملقتهاش دلوقتي ولقيتها وانا عندي خمسين ستين سنة وانا بمشي بالعكاز هتجوزها برده عشان ندي بتاعتي وتخصني انا! مع العلم اني هخليها تعشقني هتبقي مجنونة بـ حاجة اسمها عمّار وساعتها بقي أخد حقي منها..

ارتجفت اوصالها وهي تومئ بتفهم ثم سألته بشفاه ترتجف: اه وبعدين هتستفاد ايه؟ واصلا هي عملت ايه لكل ده؟ ايه ذنبها؟
قال بدون تعبير وهو يحدق في العدم: عملت ايه؟ سبتني اتعذب طول حياتي واتعلق في سراب! وجع قلبي ده مش هسامحها عليه، وذنبها بسيط كفاية أنها بنت خليل أكيد فيها منه و مستبعدش ان قلبها يكون اسود زيه كمان ماهي مش هتجيبه من برا!.

زفرت بعصبيه وهي تغلق سحاب كنزتها بسبب الرياح الباردة وسألته بتهكم: وانت تعرفها منين عشان تحكم عليها! وهي مالها بوجع قلبك! حد قالك حِبها!.
هز رأسه بنفي مُصِراً على قوله وهتف بلوم مُوجه إلى ندى: هي اللي ظهرت قُدامي؟ وهي السبب اني حبِتها!.
سألته باقتضاب وهي تقضم شفتيها: يعني مُلخص كل ده انك هتتجوزها عشان تِكسر قلبها صح؟

غمغم بضيق وهدر بخشونة ممزوجة باستياء: أنا كمان قلبي مكسور وانا كـ عمّار مقبلش اني اكون صُغيّر في نظر نفسي وبسببها صِغِرت كتير!
ردت باستياء مُماثل وهي تنظر له: كده هتظلِمها؟
ابتسم وهتف بعبث وهو يلاعب حاجبيه بمكر: بس هدلعها، هتشوف عمّار تاني مش هيخرج غير معاها هي بس!
ازدردت ريقها وهي تنظر له بسخط مُراقبة تلك المُقلتين الماكرة التي تنظر لها وفقط لا تستطيع وصف ما تشعر به الآن سوى بـ يا إلهي..

سألته باستخفاف وهي تنظر له باقتضاب: وهو حد قالك انها عايزه تشوف عمّار تاني ولا تالت حتى؟
ضحك بخفة وقال بهدوء مُستفز: هفرض نفسي عليها مش حوار يعني!
صكت اسنانها بغضب جامح وهي تنظر له ثم قالت بتهكم: على فكرة بقى الستات مش بتحب الراجل المدلوق عليها!

ابتسم بخبث وقال بمكرٍ وغرور شديد وهو يغمز لها بعينه اليسرى: لأ انا تقيل اوي ميغُرِكيش تنازلي وقعدتي معاكِ دي؟ انتِ بس حد مُميز عشان كده وصلتى لدرجة من التميز مش اي حد يوصلها!.

رفعت زاوية شفتيها بسخرية وقالت بـ بُغض وهي تأشر عليهِ بسبابتها باستصغار: بس يا لمونة انت خليك مكانك في الأرض انت مش هتتقدم خطوة واحدة ويارب متلاقيهاش ابداً ابداً ابداً، ضحك بخفة وهز رأسه موافقاً لِمَ تقول وقال بصوتٍ منخفض: احسن برده بيني وبينك انا لقيت فتاة أحلامي دلوقتي! وعايزها جداً يعني ولو ندى ظهرت هتشغلني عنها وانا مش عايز كده! اصلي طماع وعايز الاثنين، فـ لو قبِلت ندى على السِتين هيبقي حلو اوي كده ودلوقتي اتجوز الثانية لحد ما اقابلها..

قضمت شفتيها بغضب وهي تضم قبضتها وقالت باحتقار بيّن: انت مريض! لو بتحبها مش هتبص لغيرها وتقول اتجوزها ده حُب تملك ومرض هتعذبها بس مش هتحِبها انت مش بتحبها افهم بقي!.
رفع حاجبيه وسألها باستفهام: ومالك محموقة عليها كدة ليه؟، أبعدت نظرها عنه وعقدت يديها أمام صدرها بغضب شاعرة بالاحتراق داخلها وليس الحرارة فقط..

زفر بضيق ثم قال باستياءٍ شديد وهو يقرب رأسه من حديد الشُرفة الفاصل بينهم: اصلك متعرفيش انا بواجه ايه هنا؟ لو تشوفي قد اية هي جميلة بزيادة هتعذريني فـ لازم اتجوزها هتجوزها يعني هتجوزها مش هسِبها..
ابتسمت بحزنٍ على طفلتها ثم سألته باستفهام: ونادين فين من كل ده؟

نظر لها وهو يُفكر ثم قال بهدوء: نادين! نادين جميلة ورقيقة و، وقاطعته بصوتها المرتفع الحاد وهي تسأله بشراسة: انا بسألك وضعها ايه مش بقولك امدح فيها؟.
ابتسم بعصبية وهو ينظر لها بحدة بسبب صوتها المُرتفع ثم قال بامتعاض وهو يُهدّأ نفسه: نادين كُنت هتجوزها عشان تخلف عشان هنا عايزين يشوفوا عيالي قبل مايموتوا او قبل ما انا اللي اموت مش هتفرق كتير!

هزت رأسها بتفهم وهي تبتسم بحزن ثم قالت كمن تعرض إلى الخذلان: كُنت عارفة انها بالنسبالك مش اكتر من كده! انتوا كده السِت هنا بالنسبالكم مش اكتر من ماعون عشان الخِلفة وبس! محدش منكم يعرف يحب ولا حتى يربّي انتوا حسابكم عند ربنا عسير..
وضع يده أسفل ذقنه وهو يقطب حاجبيه بتفكير ثم قال وهو يأشر عليها: شكلك مقهورة منهم أوي!

أومأت مؤكدة وهتفت بـ حسرة وهي ترفع حاجبيها تأثراً مع ارتجاف شفتيها: ومقهورة منك انت كمان عشان انت زيهم! بنتي كان هيحصلها ايه لو فضلت معاك؟ كُنت هتدمرها! إنت أناني ومغرور وبارد ومش بتحب غير نفسك!
هز رأسه بـ إيماءة بسيطة وقال بهدوء: انا قولتلك معنديش رد غير إتأقلمى!
نظرت له بدون تعبير ثم قالت ببرود: انت مريض!

ابتسم بتسلية وقال بابتسامة كما قالت له منذُ قليل: ومين فينا مش محتاج دكتور؟ انتِ نفسك مِحتاجة فريق طبي..
ضمت قبضتها على الهاتف بغضب وفقط اكتفت بقول هذا وهي تقف: ربنا يهديك يا عمّار..

ابتسم وقال مُقلداً نبرتها الحانية عندما تتحدث: أنا وانتِ في يوم واحد يارب، هزت رأسها بيأس وأخذتها خطواتها إلى الداخل لكنها توقفت في منتصف الطريق عندما سمعت نبرتهُ الساخرة بعض الشيء: شوفي انا جاوبت كام سؤال من غير حتي ما أقولك ليه وانتِ برده هربتي من السؤال عشان ماتجوبيش؟!

توقفت محلها قليلاً وهي تتنفس بنفاذِ صبر ثم استدارت وقالت على مضض: عادي انا حسيتها حقيرة وكذابة مفيش مُناسبة ولا اعرفها مُجرد كلمة قولتها وانا مضايقة عشان كانت مضايقاني بس!
أومأ بتفهم وهو يفكر ثم سألها أن تجلس معه: طب ما تيجي تقعدي عشان عايز اسألك على حاجة؟

ضحكت بسخرية وهي تستدير له عاقدة يديها أمام صدرها ثم قالت بتعالي وغرور وهي تُقلده: ميغُركش تنازلي وقعدتي معاك هنا! انت لسه موصلتش لمرحلة التميز عشان اقعد معاك واخليك تسألني!.
رفع يديه وصفق لها وهو يضحك وقال بابتسامة: انتِ واحد وانا صفر، أكدت قوله بتهكم وهي تهز رأسها: وهتفضل صفر، وتركته ودلفت الى الغرفة..

همس مؤكداً لنفسة بـ صوتٍ منخفض: لازم ابقي صفر جنبها طبعاً هتهزر ولا ايه!، ثم تابع صائحاً بـ صوتٍ مرتفع: ماتيجي أصالحك طيب وخُدي بوسه! طب مش عايزة تعرفي مين المُزة؟، ضحك عندما سمع صوت صفع باب الغرفة بقوة ليهمس لنفسه وهو يرفع حاجبيه: لا هتتعبني هتتعبني، إنها ليست سهلة بالمرة ليست سهلة!

تنهد وهو يحدق في السماء حتى سمع صهيل صوت ندى يأتي من الأسفل، قطب حاجبيه ثم وقف ونظر أسفل الشرفة، صرخ بغضب في قُصيّ عندما وجده يمتطيها: انزل يا زفت انزل مين قالك خرجها من جوا..
ضحك قُصيّ بتسلية ثم صاح بـ صوتٍ مُرتفع كي يصل له: السايس بيقول انها حامل تعالي شوف السافلة عملتها مع مين انزل؟
ضحك عمّار بسعادة ولوح له: جاي جاي، وترك الشرفة ثم الغرفة وهرول إلى الأسفل وهو يبتسم..

توقفت في منتصف السُلم على حافة الدرج وهي تتأفف تخفض وجهها وتميل على بنطالها تحاول ان تنظفه بالمنديل الذي بيدها حتى تصل فقط إلى المنزل لأنها لن تفتح الحقيبة مجدداً من أجل ثياب..
توقف عمّار خلفها وهو يبتسم بخبث ثم رفع يده كي يصفعها على مؤخرتها لكنهُ توقف وهو يفكر، هي ليست بهذا القرب كي تتقبل هذا؟ سوف تدفعه من على الدرج إن فعل! أو هو الذي لم يصبح بهذا القُرب بعد..

مال بجذعة ونفخ في أذنها بـ أنفاسه الحارة جعلها تنتفض صارخة بهلع وقد انخلع قلبها من محله وغادرت روحها جسدها وهي تشعر بنفسها تتهاوى ساقطة من على الدرج لكن يديهِ الصلبة حالت بين ذلك!

رفعها من خصرها النحيل إليه وهو يبتسم بعبث تحت أنفاسها اللاهثة المرتجفة، استغل تلك الفُرصة قبل أن تصبح بخير وتدفعه ثم مال وقبل وجنتها التي صفعها عليها بنعومة ورقة وقال وهو ينظر داخل عسليتيها بعمق تحت تجمدها بين يديه: متزعليش، حركت أهدابها في ذهولٍ مستمعة إلى صوت ضجيج قلبها ونبضاتها المتسارعة مما حدث! هل هو أحمق أم ماذا كي يُقبلها؟ لقد جُنّ؟ إنها حتى لم تكن قُبلة بريئة بالمرة! بل كان يتذوق وجنتها بحركة شفتيه وشعرت بهذا مثلما فعل سابقًا عندما قبّل يدها!، هذا الوقح القذر!.

دفعتهُ عنها بغضب وهي تلكم صدر بـ قبضتها بقوة وشراسة ثم ركلت ساقة بعنفوان جعلته يضحك بتسلية وهو ينظر لها ثم ضرب أرنبه أنفها بسبابته وهمس بـ مكرٍ و مقلتية تجول على وجهها: انتِ ملبن بس شرسة واموت انا في الشرس، وتركها ونزل الدرج وهو يضحك دون أن يُضيف شيء أو يعتذر عن فعلتهُ..

حركت أهدابها بذهول وقلبها يخفق بقوة، وضعت يدها على وجنتِها الناعمة محل قبلتة لتصرخ به بـ صوتٍ كريه وهي تشتعل من الغضب: يا قليل الأدب يا عديم التربية بكرهك يا عمّار بكرهك..
توقفت قدماه عن السير في نهاية الدرج ثم استدار وقال لها بكل هدوء وجدية قد تحدث بها يومًا وهو يرفع حاجبيه ومازال يبتسم: بُكرة تحبيني، وتركها تشتعل خلفهُ وغادر..

أوقفه سؤال حُسنة قبل أن يخرج من الباب: رايح فين يا ولدي؟، ابتسم وقال بـ سرور وهو يمسك ذراعها: ندى حِبله، حِبله، وتركها وركض الى الخارج لتحرك حُسنة أهدابها بتفكير ثم هتفت باستفهام: معلوم ياولدي ايه الجَديد؟
هتف بـ بصوتٍ مرتفع وهو يبتعد بـ خطواته: الحصان الحصان مش المخفية التانيِّة ديّ..
أما في غرفة الطعام..

تنهدت عشق وهي تبتسم بحزن أثناء جلوسها مع تالين التي كانت تستمع لِمَ تقول بتأثر: مش عارفة أعمل ايه؟ مش هدخل الامتحانات..
ربتت تالين على ذراعها بحنو وهي تنظر لها بحزن وقبل أن تتحدث سمعت صوت نادين الذي غلب عليه الحزن عندما وقفت أمامها: ممكن اقعد معاكم؟
ابتسمت تالين ولوحت لها كي تتقدم، جلست نادين بينهم وهي تزم شفتيها بحزن، ربتت عشق على كتفها بخفة لتسألها تالين باستفهام: هي أختك الكبيرة مالها؟

ابتسمت نادين وقالت بحنو: دي مامي مش اختي
ابتسمت تالين وهي ترفع حاجبيها وقبل ان تتحدث قالت نادين وهي تبتسم: هي مُزة انا عارفة..
ابتسمت عشق ثم قامت بسؤالها باستفهام: طيب وهي كانت بتعيط ليه وعمالة تقول عايزه امشي عايزة امشي؟
تنهدت نادين بحزن ثم قالت بجهل ممزوج بإحباط: مش عارفة! بس احنا المفروض كُنا هنمشي النهاردة بعد ما كُل حاجة خلصت خلاص..
ضيقت عشق عيناها وسألتها باستفهام: ايه اللي خلِص؟

تنهدت نادين بخفة ثم بدأت بـ قصّ جميع ماحدث بتأثر وضيق لتطرح عليها تالين سؤالها باستفهام: يعني كُنتي انتِ خطبته مش هي؟
أومأت نادين بخفة وهي تزم شفتيها لـ تتبادل تالين النظرات مع عشق بتعجب لأن الوضع يبدو مُعاكسًا لِمَ تقول!
سألتها عشق باستفهام لا ينتهي: بس هو كان بيجري وراها لما جينا ليه؟
قهقهت نادين بخفة وقالت بجهل: مش عارفة والله بس عمّار هيحلها عمّار حنين..

ربت عمّار على وجه ندى صعوداً ونزولاً بحنو وهو يبتسم مستمعاً إلى قول السايس الذي يعتني بها: من ساعة ما بجِت حِبله ماهتحِبش حد يركبها واصل عشان إكدِه وجعتك من عليها جبل سابج انت والسِت هانم..
أومأ عمّار وهو يبتسم، إختفت ابتسامته بالتدريج عندما أبصر قُصيّ يتسلل داخل الإسطبل وهو يسحب آدم معهُ عُنوة..

صرخ به بغضب: انت يازفت انت رايح فين؟، تركه آدم وعاد أدراجة ووقف بجانب عمّار وهو ينظر له باستياء فهو لا يُريد رؤية هذا..
التفت قُصيّ رامشًا ببراءة ثم هتف بابتسامة: داخل اشوف الولا عشان اطمن على العيال هيبقوا حلوين زي ماما ولا لأ..
قضم عمّار شفتيه بـ غل وهو ينظر له باقتضاب ثم سأله بسخط: انت ايه اللي جابك؟ انا عزمتكم امبارح مجيتوش ايه اللي جابكم دلوقتي؟

قطب آدم حاجبيه ثم سأله وهو ينظر في أنامله: صح فين دبلتك؟
رد باقتضاب وهو يحملق في قُصيّ: اصلي فسخت..
رفع آدم حاجبيه وسأله مستنكراً: ده اسمه ايه ده؟
هتف قُصيّ وهو يتقدم منهما: ده أسرع واحد يخطب ويسيب عقبالي بقي، نظرا الإثنان له بسخط ثم قالا معاً: بس يا خاين، زفر قُصيّ وهو يخفض وجهه قليلاً ثم رفع وجهه فجأة وقال لهما بتهديد: لو سمعت حد منكم قال كده تـ، انتوا رايحين فين أنا مش بتكلم؟

قهقهة عمّار وأخذ آدم ودلف إلي المنزل وهو يقلب عينيه مع سماع صوت تهديدات قُصيّ التي بدأت تنخفض حتى تلاشت نهائيًا كُلما ابتعد..
جلست ليلى على حقيبتها الموضوعة خلف الباب الذي دلف منه آدم وعمّار الآن، تعبث بهاتفها وهي تنظر إلى الوقت كُل برهة وأخرى تهز قدميها بتوتر وهي تزفر مُنتظرة انتهاء توديع نادين لـ عشق وتالين التي تعرفت عليهما اليوم..

حدقت في ظهر عمّار بسخط وهي تقضم شفتيها بقوة متذكرة قبلتة ذلك الوقح ليزداد اهتزاز قدميها بتوتر..

أبعدت نظرها عنهُ عندما شعرت بـ قلبها المضطرب يخفق بقوة وعادت تلك الكلمات الخاصة به ترن داخل أذنها كأنهُ يلقيها على مسامعها الآن: انتِ حد مُميز، بس هدلعها، اصلي مستني ندى تغيرني، هتشوف عمّار تاني مش هيخرج غير معاها هي بس، انتِ ملبن، هي السبب اني حبِتها!، مع العلم اني هخليها تعشقني هتبقي مجنونة بـ حاجة اسمها عمّار..

أخفضت وجهها ووضعت يديها على أذنها بقوة وهي تهز رأسها بنفي، أطبقت جفنيها بقوة لاهثة وهي تلتقط أنفاسها بصعوبة شاعرة بـ شيءٍ يطبق علي صدرها يخنقها، رفعت رأسها وأبعدت شعرها إلى الخلف لتتساقط عبراتِها بحرقة وهي تحدق في ظهر عمّار ولا تعرف ماتفعل! ماذا تفعل؟ إن هربت من براثن أحدهما سوف تسقط بين يديّ الآخر! والاثنان سيئان بطريقة تكرهها وتجعلها تشمئز ولا مفر لديها لن تستطيع الهرب..

دلف قُصيّ من الباب وهو يزفر بغضب، نظر بجانبه باقتضاب عندما سمع صوت أنين خافت! رفع حاجبيه وتلاشي غضبه لتعتلي شفتيه ابتسامة عابثة عندما وجدها تجلس تبكِ تحدق أمامها بتركيز دون أن يرف لها جِفن، التفت ونظر في الإتجاه الذي تنظر له ليجده عمّار! رفع حاجبيه ونظر لها قليلاً بتركيز ثم ركل الحقيبة أسقطها وركض إليهم، صرخت بتفاجئ وهي تشعر بنفسها تسقط أرضاً مع الحقيبة فوق الأرض الصلبة..

قطب عمّار حاجبيه عندما سمع صوت صرختها، استدار ليجد قُصيّ يقف خلفه وهو يبتسم ببلاهة، تركة وتقدم من عشق لتظهر ليلى بوضوح بعد ذهابة وهي تقف ورفعت الحقيبة معها ويبدو من حركة جسدها انها تبكِ تبكِ من جديد! اللعين قُصيّ ماذا فعل؟.
فقط خطوة واحدة بقيت له كي يصل إلى عشق لكن عمّار جذبه من ياقه قميصه بقوة واحتجز رأسه أسفل إبطه وهتف من بين اسنانه وهو يشدد ذراعة حول رأسه بقوة: عملتلها ايه وانت داخل؟

ضحك قُصيّ وهو يمسك خصر عمّار وهتف بصدق: والله انا بس وقعت الشنطة معملتش حاجة تاني!
شدد قبضته حول رأسه أكثر وسأله بخشونة: وبتعيط ليه؟
هتف بسخط وهو يتملص من أسفل ذراعه: لما دخلت كانت بتعيط وهي بتبصلك لوحدها مش بسببي..
قطب عمّار حاجبيه ونظر لها لكنها لم تتبين بسبب تجمعهم حولها هُناك لِمَ؟
قطع شروده قول قُصيّ بضيق: انا هريحك مني فين الاوضة اللي هنام فيها؟

ربت عمّار على كتفه وقال بهدوء: معايا هتنام فين يعني؟
هز قُصيّ رأسه بنفي وقال باستنكار: معاك فين؟ وعشق!
تنهد عمّار ورفع يده و ضغط على كتِف قُصيّ وقال بجدية بنبرة ذات مغزى محذرة فهمها قُصيّ جيّداً: دي مش مشكلتي ومش في بيتي يا قُصيّ مش في بيتي!، وتركه وتقدم منهم هُناك بسبب هذا التجمع..
زفر قُصيّ وهو يمسح وجهه بضيق ثم ذهب خلفهُ، يبدو أن هذه الليلة لن تمر بسلام..

هتفت نادين بحزن وهي تعانق ليلى عناق ترجي: بليز خلينا مش شايفة آدم بيقول ايه؟ مش خايفه علينـ، قاطعها سؤال عمّار باستفهام عندما وصل: في ايه؟
نظر له آدم وأخبره بكل هدوء وغمزه وسط حديثة: عايزين يمشوا بليل وانا لسه جي وكان في عربيتين نقل مقلوبين قاطعين الطريق! كويس اننا وصلنا أصلاً انا كنت خلاص فاقد الأمل اننا نوصل النهاردة!

قطبت تالين حاجبيها ونظرت له بطرف عينها بـ شك فهو كاذب! لكنها ظلت صامتة ولم تتحدث..
رفع عمّار حاجبيه وهتف بذهول مصطنع: ياااه اثنين مرة واحدة لأ كده كتير!
هتفت ليلى بهدوء ممزوج بإصرار وهي تحوط خصر نادين: عادي مش هنموت ناقصين عُمر يعني وبعدين أنا خلاص طلبت أوبر وجاية في الطريق وعندي اجتماع مهم بُكرة الصبح بدري..

سألها آدم باستنكار: وهي أوبر مُحصنة ضد الموت يعني؟ وأصلاً الطريق هنا وِحش بليل ماتقول حاجة يا عمّار..
هز عمّار كتفيه وقال بقلة حيلة: سيبها براحتها عشان متقولش اننا عايزينها تفضل معانا وخلاص سيبها..
زمت نادين شفتيها وهتفت بحزن: اخص عليك يا عموري مش خايف علينا؟

ابتسم عمّار ابتسامة صفراء عندما سمع قهقهة آدم منتظراً سماع سخرية قُصيّ لكن لم يتحدث! نظر خلفه باحثًا عنه لكنه اختفى هو وعشق! اللعين أين أخذها وذهب؟!.
زفر بغضب وهو يتلفت حوله بانزعاج، ذلك اللعين المخادع لن يتركه!، تحرك عمّار وتركهم وصعد باحثاً عنهُ قبل أن يصعد أحداً آخر لأنهُ سوف يقتله عندما يمسك به..
حملت ليلى الحقيبة وحثت نادين على التحرك: يلا يا حبيبتي العربية شكلها جات برا يلا..

أدمعت عينا نادين وهي تنظر إلى تالين كي تقول أي شيء وتساعدها به..
تنحنحت تالين وأوقفت ليلى عندما قالت بارتباك: أنا، أنا عارفة ان مش من حقي اني اطلب منك طلب زي ده بس خليكم يومين مش كتير!
ابتسمت ليلى بعذوبة وقالت برفق: هي عندها امتحانات ولازم تذاكر كده كتير!
ابتسمت تالين وقالت بهدوء: طيب ما أنا عندي امتحانات برده وجيت اغير جو شوية مش هيحصل حاجة يعني؟.

ردت ليلى وهي تبتسم بنفاذِ صبر تلك المرة: انتِ جيتي تغيري جو لكن هي طول السنة بتغيّر وجو ولازم تذاكر دلوقتى كفاية كده!
أمسكت نادين يديها وقالت بترجي: عشان خاطري خلينا ووعد والله أول ما نرجع هذاكر ومش هروح في حته تانية خالص، زفرت ليلى وهي تنظر لها بعدم رضى لتكتمل عندما وجدت حُسنة تتقدم من محل وقوفهم وهتفت بتعجب: وجفة اكدِه ليه يا بتي؟

هرولت لها نادين وقالت بحزن تستنجد بها: خليها تفضل يومين كمان عشان مش راضية..
ربتت حُسنة على وجنتها بحنان ثم تقدمت من ليلى وطلبت منها برجاء لم تستخدمه قبلاً: عشان خاطري أني يا حبيبتي خليكِ ماليش خاطر عِنديكِ؟
قضمت شفتِها وهي ترمش بسرعة شاعرة بالحرقة داخل عيناها بسبب عبراتها التي تحتجزهم في الداخل ثم قالت بنبرة مرتجفة وهي تبلع غصتها: انتوا بتضغطوا عليا ليه؟

ركضت عشق بخوف ثم توقفت أمام الفراش قابضة على الملائة بقوة وهي تلتقط انفاسها بلهاث وقُصيّ يقف مقابلها وهو يلهث بعنف وصدره يعلو ويهبط من كثرة الركض حولها في الغرفة اللعينة التي لا يعرف لمن هي؟
صرخت بغضب وهي تحذره بسبابتها عندما وجدته يتحرك اتجاهها كالفهد: والله العظيم لو موقفتش هصرخ وهلِم عليك البيت كُله فاهم ولا لأ؟
ضحك بسخرية وهو يضع يده على صدره باستهزاء وسألها بتهكم: هتفضحي نفسك؟

ضحكت بصوت رنان ثم قالت باحتقار وهي تنظر له: خليها فضيحة بـ فضحية مش هتفرق! انت كده كده فضحني! واكبر دليل انك جبتني هنا عند صاحبك واكيد عارف انا ايه معاك ولا تكونش قايلة انك متجوز يا حقير؟
صرخت وصعدت على الفراش وقفزت في الجهة المقابلة عندما ركض خلفها بملامح متجهمة شرسة وهو يقول: بُصي ما أنا هبوسك يعني هبوسك مليش فيه وحقير دي هحاسبك عليها بعدين؟

صرخت به بعصبية وهي ترتجف من الخوف لأنها تعلم أنه يتركها تهرب وتركض لأنهُ يُريد هذا كي يتسلى قليلاً وعندما يمل لن تقدر عليه لن تقدر: والله هصوت مش عايزاك انت فاهم؟ انا قولتلك عايزني طلق جـنّـة وانت مطلقتش براحتك بقي بس ماتجيش جنبي! واحترم نفسك احنا ضيوف هنا مش بيت اهلك هو؟!

صمت وظل واقفاً أمام الفراش يلهث وهو يضع يده بخصره ينظر لها بتركيز ووجوم، رفعت يدها وهي تزفر تُجفف جبينها ليستغل الفُرصة وقفز فوق الفراش سريعاً وقبض على خصرها قبل أن تركض وهو يبتسم بتشفي..
هتف بحرارة وهو يدفن أنفه داخل شعرها: إنسي جـنّـة كأنها مش موجودة! وحتى لو طلقتها هتطلقي ازاي وانتِ هربانة كده؟

هزت رأسها بنفي كارهه هذا الشعور وهي تحاول الإبتعاد عنه وقالت بنبرة مرتجفة وهي على وشك البُكاء: انت رخصتني لما جبتني هنا؟ جبتني عشان توريني لصحابك صح؟ هيقولوا عليا ايه دلوقتي؟
هز رأسه نفياً وهو يبتسم ثم قال بهدوء: كل واحد عنده حياته ومشاكلة مش هيسيبوا كُل ده وهيركزوا معاكِ..

أومأت وهي تبعد يده بصعوبة تقتلعها اقتلاعا من على خصرها: يبقى طول ما احنا هنا تخلي في مساحة ما بينا ومتقربش لو سمحت ممكن؟، وتركته واتجهت إلى باب الغُرفة كي تخرج..
وضعت يدها على المقبض وقبل أن تُديرة حاوطها من الخلف وهتف بحرارة وهو يداعب خصرها بنعومة جعلها تزدرد ريقها: بس انتِ وحشتيني!

هزت رأسها بنفي وقالت بتجاهل ولا مُبالاة: ده مش ذنبي!، وحركت المقبض وفتحت الباب لكنهُ أغلقهُ بقدمه وأدارها من خصرها بقوة كي تكون مقابلة وقبلها عنوة وهو يضمها لجسده بشوق معمقاً قُبلتهُ أكثر لكنها ظلت تضرب صدره بقوة وهي تقاومه حتى ابتعد بانزعاج وقبل أن يتحدث صرخت بصوت مرتفع وهي تطرق على الباب بعنف: الحقوني الحقوني هيـ، وضع يده على شفتيها وهو يثبت رأسها من الخلف بيده الأخرى، رمقها بنظراته الحادة المُحذرة كي تصمت لكنها عضتهُ بعنف جعلتهُ يتأوه بألم وهو يبعد يده عن فمها وتابعت بصراخ بدلاً من الخروج لأنها تُريد فضحة: الحقوني الحقوني..

نزل عمّار من الطابق الثالث الخاص بـ عمه وهو يزفر واضعاً يده داخل جيب بنطاله بعد أن بحث عنهما في الأعلى ولم يجدهما..
إستوقفه صوت صُراخ عشق الذي ملأ المكان لـ يهرول إلى الأسفل وهو يلعن قُصيّ بغضب، توقف أمام الغرفة فاغر الفاه ذاهلاً؟ اللعين في غُرفة ليلى!
فتح باب الغُرفة لترتطم عشق بصدره وهي تركض هاربة لكنها تسمرت محلها عندما وجدت حُسنة تتقدم منهم..

ركضت لها وألقت نفسها داخل أحضانها وهي تتصنع النحيب وهتفت بحرقة: الحقيني، الحقيني عايز يغتصبني..

توسعت عيناها بقوة ثم تقدمت من الغُرفة بتهجم وهي تسحب عشق من يدها معها، دفعت عمّار من صدره بغضب وهي تقول باستياء وحِدة عندنا أبصرت قُصيّ الذي يقف ذاهلاً من تلك الشيطانة التي قامت ببيعه: اني كُنت عارفِة انك جليل الربايِة، ثم ضربت صدر عمّار بغضب وهي توبخه: هو ديِه اللي مدخلهُ بيتك ومصاحبة؟!، دحج عمّار قُصيّ بـ نظرة حارقة بسبب هذا الموقف المُغزي الذي وضعهُ به ولا يُحسد عليه..

مسح قُصيّ وجهه بقوة وهو يتنفس بغضب وعيونه معلقة على عشق بنظراتٍ قاتمة وملامح حالكة أرجفتها جعلتها تزدرد ريقها بخوف ثم قالت بنبرة مرتجفة متلعثمة: هو، هو جوزي، بس، بس احنا كاتبين الكتاب بس..
تنهدت حُسنة بـ راحة وهي تنظر له نظرات غير مُريحة بالمرة ثم قالت بهدوء: لو مستعجل اوي إكدِه اعمل الدُخلة اهنِه وجول لأهلك يا جوا!
أسند عمّار جذعة على الحائط ووقف يحدق في قُصيّ منتظراً رده وهو يرفع حاجبيه..

ابتسم قُصيّ بتوتر وقال مُبرراً وهو يجمع حروفة: كان نفسي والله بس لازم اهلي واهلها يكونوا موجودين مش هينفع خالص هنا..

هزت رأسها بتفهم ثم ردت بحدة اجفلتهم: يبجي تقعد اهنِه باحترامك و بلاش صغرنه و جِله جيمه وجِله حيِه معلوم؟، أومأ قُصيّ بطاعة دون التحدث لـ تتابع باستنكار وهي تنظر له من أعلاه لأخمص قدميه بـ قليلاً من الاحتقار لاحظة ثلاثتهم: معرِفش عمّار مصاحبك علي ايه عاد وانتِه اكدِه؟! أني مش مرتحالك يا واد انتِه إجلب من جِدامي بـ خلجتك العِفشة ديّ، كتم عمّار ضحكته وهو ينظر له ليقول قُصيّ بتهكم: على فكرة بقى عمّار اللي فرحانه بيه و بأخلاقه العالية ده هو اللي معلمني قِلة الأدب وكُل حاجة وِحشة وقالي اعملها ازاى كمان، ثانياً بقي خِلقة ربنا ده هتكفروا ولا ايه؟

انحنت على حذائها كي تخلعه وهي تقول بحدة: مش عاجبك عمّار وتربيتيّ ولِّية يا جِرد انتِه!، تنبهت جميع حواسه وهو يُراقبها بجزع، فرّ هارباً من الغرفة واحتمي بـ عمّار الذي دفعة بسخط وضيق وقبل أن يحدث ويقول ما هو متوقع سمعوا صوت آدم الذي صعد مع تالين ونادين وليلى بعد أن ألقي مُحاضرة طويلة في الأسفل إلى ليلى كي تقتنع وتظل يومين إضافيين ستندم عليهما لاحقاً..

ربتت حُسنة على كتف عشق بحنو واقترحت عليها: تعالي نامي فوج معايِه؟
اعترض قُصيّ بنفي: لأ خليها هنا جنبي، نظرت له حُسنة بحدة و وبخته بضيق: مسمعش حسِك يا خبيث انتِه، ثم نظرت إلى آدم الذي يقف يضحك عليه وسألته باستفهام: وديّ مرتك بردك ولا مين؟
ابتسم آدم وقال بهدوء: دي مِرات اخويا، لوي عمّار شدقيه بينما قُصيّ ضحك بسخرية وهو يغطي فمه بيده..

استدارت حُسنة ونظرت له بتفحص ثم سألته وهي تُراقص حاجبيها وتضع يدها اسفل ذقنها: وهي مهملة جوزها وجايِه معاك ليه عاد؟ وكيف تاجي معاك؟
نظر آدم إلى عمّار وهو يهز رأسه بتعجب بسبب تلك الأسئلة ثم أضاف بثبات دون أن يتوتر: أصلها مرات اخويا وبنت عمي وانا وهي راضعين على بعض أخوات يعني ونفسها تتفسح جبتها معايا لكن ممكن أروح عادي! أروح؟

سألته ليلى باستفهام وشك قبل أن ترد حُسنة: هتروح ازاي مش الطريق واقف وفي عربيتين عملوا حادثة؟
ابتسم آدم ببلاهة وقال مُبرراً: انا مش همشي بهزر وكمان عموري مش هيسبني صح؟
نظر له عمّار بسخط وسألهم باستفهام: انتوا هتناموا فين؟ حد هيطلع فوق وحد هيستنـ، قاطعتهُ ليلى وهي تقول بهدوء: متهيألي احنا لما نمشي مش هيبقي في مشاكل على المكان..

نفت حُسنة حديثها باستنكار: واه كل دِيه ومفيش مكان همه بس اللي عايزين يتكربسوا كلهم اهنِه!
هتفت ليلى باقتراح: ممكن أنام أنا ونادين مع بعض وهمه ياخدوا الأوضة اللي فيها نادين..
تذمرت نادين برفض: لأ بحب الاوضه دي تعالي انتِ نـ، صرخت بها ليلى بعصبية افزعتها: ده مش بيتنا عشان تتشرطي وتنتنكي! واعملي حسابك هنمشي الصُبح، وتركتهم و دلفت إلى الغُرفة..

ربتت حُسنة على كتف نادين وقالت بحنان: متزعليش نفسك يا حبيبتي روحي جوطتك والجمر ديّ هتنام حداكِ موافجة يا حلوِه؟
أومأت تالين وهي تبتسم ثم تأبطت ذراع نادين وأخذتها و اتجهت إلي الغرفة وهي تتسامر معها كي لا تبكِ وتخرج من حُزنها..

دفعت حُسنة عشق إلي غرفة ليلي برفق وهي تقول أثناء إلقائها على قُصيّ نظراتٍ حادة: فوتي يا حبيبتي واجفلي عليكم من جُوِه كويس، أومأت لها عشق بـ صمت وهي تدلف متحاشية النظر إلى قُصيً خوفاً منه ولا تعلم كيف ستواجهه طوال جلوسها هُنا؟ أو غداً على الأقل!.
لتتابع حُسنة وهي تطلب من عمّار: وانت يا ولدي إدلي وطلِع الشُنط لجل ماتغير ليلي الخلجات اللي باظت طبيخ ديّ!

أومأ وذهب إلى الأسفل بينما آدم وقُصيّ دلفا إلى غرفة عمًار دون النبس بحرفٍ واحد معترضاً..
حمل الحقيبتين وكاد يسير لكنه توقف عندما أبصر هاتف ملقى أرضاً، أنه هاتف ليلى لقد نسته!
أنار ثم صدح صوتهُ وبدأ بالرنين عالياً وهو يهتز..

انحنى وحمله بين يديه وهو يحدق في اسم رنا الظاهر أمامه على الشاشة بتفكير والابتسامة تعلو ثغرة، أغلق في وجهها وهو يضحك ثم توقف و ابتسم بحنان عندما قابلته صورة ليلى و نادين معاً وكلتاهما تبتسمان بسعادة في وجهه مظهرين صفيّ أسنانهم اللؤلؤية..

مرر أنامله على وجه ليلى المُبتسم فوق شاشة الهاتف ابتسامته الحانية تتسع معها أكثر وقلبه يطرق قفصه الصدري بعنف وهو يتساءل بنفسه، هل سينضم إلى تلك الصورة السعيدة في المستقبل القريب أم ماذا؟ لا يهم لقد حسم أمره وستصبح ملكة عاجلا أم أجلاً! فهو لا يستطيع أن يرفض لنفسه طلباً قط!.

صدح صوته مجدداً وتلك الرنا مُصرة علي الحديث كما يبدوا! حسناً لا يوجد أمامه حل سوى هذا عُذراً ليلى، بدأ بالنقر فوق الشاشة يكتب رسالة نصية لكن قاطعه رنين الهاتف بسبب رنا من جديد! زفر وهو يسبها ثم تابع كتابة رسالته وهو يقهقه ثم بعثها لها وفقط ثانية اثنان خمس دقائق و توقف الرنين نهائياً..

حذف الرسالة وكاد يسجل رقمهُ لكنهُ تذكر أنها راسلتهُ إحدى المرات و رقمهُ بالتأكيد معها، بحث عنهُ متوقعاً أن لا يجده او رُبما تكون وضعته بالقائمة السوداء لأن هذا متوقعاً منها وليس غريباً..

ضحك بصوت رنان عندما رأى اسمه ما هذا؟ انه ببساطة الحقير، و ما هذا الرمز التعبيري الذي وضعته بجانب اسمه! مُسدس! هذا طفولي جداً أنها تريد قتله؟، بحث عن اسم نادين وكما توقع يوجد بجانبه الكثير الكثير من القلوب هي أغلى ماتلك، لِمَ لا يملك حتى قلباً واحداً بجانب اسمه؟

تنهد وهو يهز رأسه فالطريق أمامه مازال طويلاً!، أخرج هاتفه كي يصور تلك الصورة ليدرك غبائه وهو يفعل هذا؟ لما لا يأخذها الأحمق؟ انزل هاتفه ونقر على معرض الصور في هاتف ليلى ليقابله الكثير والكثير من الصور التي ستقتلع عيناه عليها لكنه أبي أن يفعل..

تنهد وتجاهلهم على مضض دون أن يشاهدهم لأن هذه سرقة وخطأ ولا يصح أن يفعل هذا لكن يُقسم أنهُ سيأخذها لأنها مُبهجة كثيراً وجعلتهُ يبتسم لا أكثر سيأخذها هي فقط ولن يأخُذ شيءً آخر..
توقف إبهامه فوق الصورة التي تُعانق ليلى كتف نادين من الخلف وهي تضحك بسعادة، هذه هي، أخذها سريعاً شاعراً بتأنيب الضمير لكن لا يهم سيتزوجها..

انتهى واغلق الهاتف بعد أن حذف أثر ما فعله وكاد يتحرك لكن قُصيّ ظهر له فجأة من العادم والقي حقيبة صغيرة الحجم أمامه وهتف وهو يركض الى الخارج كي لا يمسك به: طلع دي لـ عشق معاك..
استدار سريعاً وركض خلفه وهو يتوعده بغضب: كده مش هجيبك يعنى ماشى؟
ضربت ليلى جبهتها بخفه وهي تقول بضيق: نسيت الشنطة والموبايل تحت!

اقترحت عشق وهي ترتب شعرها: انا ممكن اجيبهالك كده كده نازله اشوف شنطتي تحت، أومأت لها ليلى بامتنان وردت بهدوء: هاجي معاكِ الشنطتين هيبقوا تقال عليكِ مش هتـ، توقفت عندما سمعت طرقات على الباب، تقدمت عشق وفتحت الباب بهدوء لتجد الحقيبتين أمام الباب والهاتف فوق حقيبة ليلى..

ابتسمت عشق ثم حملت الهاتف وقامت بـ جر الحقيبتين خلفها ودلفت وهي تبتسم ثم قالت وهي تناول الهاتف إلى ليلى المتفاجئه: اهي جات لحد عندنا اهي، ابتسمت ليلى وهي تفتح الهاتف بـ قليلٍ من التعجب لأنها لم تتركه مُغلقاً هل فصل؟

مر بعض الوقت لتجلس ليلى على المقعد أمام المرآة تُراقب تحرك عشق في أنحاء الغرفة حتى بدلت ثيابها و تسطحت على الفراش كي تنام، لاحظت عشق تلك النظرات ثم سألتها بـ قليلاً من الأرتباك: هو، هو، انتِ مضايقة عشان هنام معاكِ هنا؟ ممكن أنام على الكنبة لو ده هيريحك؟

هزت ليلى رأسها وهي تبتسم بعذوبة وقالت بنفي: لأ بالعكس انتِ هتسليني، ثم زمت شفتيها و سألتها بأحباط وهي تبعد شعرها إلى الخلف: انتِ مش معاكِ استشوار اي حاجة اعرف أفرد بيها شعري؟

ابتسمت عشق وأشرت على حقيبتها: طبعاً معايا في الشنطة خديها في أي وقت، تهللت أسارير ليلى كأنه تم إنقاذها الآن وقالت بامتنان وهي تبتسم: بجد شكراً ليكِ جداً هحضنك بس لما اغير الهدوم الأول، أومأت عشق وهي تضحك بينما ليلى فتحت الحقيبة وأخرجت منامة ثقيلة ثم أخذتها وولجت إلى دورة المياه كي تأخذ حماماً دافئ..
بينما لدي نادين وتالين..

كانت نادين نائمة تريح رأسها على صدر تالين كأنها تعرفها منذ زمن طويل وهي تتذمر وتشكو لها من عصبية والدتها المُفرطة منذُ أن أتت إلى هُنا..
ربتت تالين على رأسها بحنان وهتفت برفق: تلاقيها متضايقة من حاجة ياحبيبتي المفروض تسمعيها وبعدين انتِ مش صُغيرة وانا شايفة انك دلوعة حبتين وبتدلعي عليها كتير عشان بتحبك فـ براحة وبلاش ضغط واسمعي الكلام شوية..

زمت نادين شفتيها بحزن وسألتها بأعين دامعة: يعني انا وِحشة؟
ابتسمت تالين وربتت على وجنتها برقة وقالت بهدوء: لا يا حبيبتي مش وِحشة ولا حاجة بس انتِ بتصري على رأيك من غير ماتفكري هي عايزة ايه فهماني؟
هتفت بحزن وهي تشعر بتأنيب الضمير: ماهي مامي اومال اطلب وأصر على مين؟
ربتت تالين علي كتفها وقالت بهدوء: منها هي طبعاً بس اسمعي الكلام شوية! وبعدين مش كل حاجة نطلبها نلاقيها بسهولة! هي شكلها تعبان ريحيها..

هزت نادين رأسها بطاعة وظلت شاردة تزم شفتيها بحزن وهي تفكر في والدتها، فهي معها حق! هي لا تشتكي ولا تمل من كثرة طلباتها ولم تشعرها يوماً أنها منزعجة أو تفعل هذا رغماً عنها! هي دوماً تبتسم وتنتظرها فقط أن تطلب كي تأتي لها بما تُريد وتحقق لها كل ماتتمني هي لم تتذمر يوماً وتخبرها أن تكف عن الطلبات! هي فقط منذُ أن أتت إلى هُنا؟ أو منذُ أن أدخلت عمّار إلي حياتهما وكل شيء قد تغير ووالدتها على وجه الخصوص هي أكثر من تغيرت وأصبحت عصبية ومتوترة طوال الوقت..

في الأسفل لدي عمّار..
ركض خلفه في الأسفل وهو يقذفه بكل مايقابله أمامة وهو يقول بغضب: انا قولتلك مش في بيتي يا وكمان في اوضة ليلى يا واطي انا مش هسيبك النهاردة..
توقف قُصيّ أمام المسبح وهو يلهث بقوة ثم هتف بضجر وهو يضع يديه بخصره: هي اوضة ليلى مُراد يعني؟ وأهو محصلش حاجة يا فقر اسكت بقى وكفاية عشان تعبـ، وركض عندما ركض خلفه بسرعة بملامح مظلمة..

رفع آدم جسده من أسفل المياه وهو يهز رأسه يميناً ويساراً مبعداً المياه عنه: ما تلعبوا مع بعض في ايه متعملوش دوشة؟.
أمسكه عمّار من ياقة قميصه بقوة وهو يشده إليه بعنف وقبل أن يفعل شيءً ما هتف قُصيّ سريعاً كي ينجو بحياته: استني اسمعني الأول اسمع..
زفر عمّار بنفاذِ صبر وهو يقبض على قميصه كـ اللص وهتف بضجر: قول؟
تحدث قائلاً بهدوء قول لا دخل له بما يحدث الآن: معرض العربيات بتاعك..

زفر عمّار وهتف بسخط: ماله؟
قال بهدوء وهو يحاول التملص من يده: كان في مشكلة وأنا حلِتها، قطب عمّار حاجبيه وهو ينظر له باستفهام! فإذا حل المشكلة لِمَ يتحدث؟
سأله باستنكار: مش حلِتها بتقولي ليه؟
قال قُصيّ بحزن مصطنع: عشان متضربنيش؟

قضم عمّار شفتيه بغيظ ثم ألقي به داخل المياه وتحدث مُحذراً الإثنين بغضب: انتوا مش جايين تقعدوا في كبارية النجوم هنا فاهمين ولا لأ! كل واحد يحترم نفسه؟ وانت يا قُصيّ على وجه الخصوص تحترم نفسك ومتحاولش تقرب منها تاني في البيت وسي آدم الخبيث، ابتسم آدم ولوح له ببراءه ليتابع عمّار بسخط: أنا عارفة أنك بتخطط لحاجة وهدوئك ده مش مريحني! شكلكم انتوا الإثنين أصلاً مش مريحني! بقولكم ايه انتوا ايه اللى جابكم؟

ضحك آدم وقال ببراءه وهو يهز كتفيه: على فكرة انت ظلمني عشان انا قولت انها اختي اختي يا عمّار في حد يحب اخته؟
ابتسم عمّار بسخرية وقال باستياء: ظلمتك فعلاً! انتوا ملايكة وانا بتبلي عليكم عارف، انا رايح اتخمد مسمعش صوت وياريت لو تغرقوا كمان، وتركهم ودلف إلي غرفته المُطِلة على المسبح وأغلق الستائر وهو ينظر لهم بانزعاج ثم استدار واتجه إلي التخت وهو يبتسم، هو يُحبهم كثيراً ويعترف بهذا..
لدي ندى..

شهقت ندى بحرقة وهي ترفع المنشفة المُبللة بالمياه الباردة من فوق وجنتها التي تشعر بـ اللهيب المستعر داخلها..

سمعت صوت رنين هاتفها قديم الاصدار يصدح بجانبها، قذفت المنشفة من يدها بعنف ثم رفعت الهاتف وهي تنظر إلى إسم المُتصل بـ كُره شديد وضغطت الزِر بقوة وصرخت به بشراسة وهي تشهق بتقطع: انا لو ممشيتِش من اهنِه والنِعمة عجول علي كُل حاجِة سمعتنيّ ولا أجول من تانيّ سمعت ياخليل ولا لاه؟ بُكره تاجى، وأغلقت الهاتف في وجهه ثم قذفته بغضب، تهشم في الحائط وتناثرت أجزائه في أرجاء الغرفة لتتابع بكاءها بقهر وهي تتحسس رأسها بخفة بسبب ألم رأسها الذي لا يحتمل، لِمَ هو عنيفاً هكذا؟، هي أن ظلت هُنا سوف تموت وتفقد طفلها من كثرة العمل الشاق يُجب أن تذهب في أسرع وقت يُجب أن تذهب..

عند بزوغ الفجر..
حدقت ليلى في انعكاسها في المرآة دون أن ترمش بعد أن صففت شعرها بهدوء، هي الآن فقط شعرت بالراحة عندما صففت شعرها لكن العِلة لا تكمن به أبداً! بل تكمن في هذا الوجه الذي تراه بشِعاً في بعض الأحيان بسبب الدماء التي تسرى، نظرت إلى عشق المستغرقة في النوم وهي تبتسم ثم تقدمت وقامت بتعديل الغطاء فوقها جيّداً ثم تلحفت بـ وشاحٍ ثقيل ودلفت إلى الشُرفة..

وقفت تُشاهد شروق الشمس وهي تحرك جفنيها ببطء وتثاقل وهي تميل برأسها بسبب عدم نومها وقلقها طوال الليل حتى جف شعرها وصففته، ضمت جسدها بيديها وهي ترتجف بخفة وشعرها يرفرف حول وجهها بنعومة بفعل الهواء النقي الذي نظفت به رئتيها..
حركت رأسها ونظرت داخل شرفة عمّار لتجدة يقف يبتسم لها ببلاهة لمْ تعهدها من قبل؟ لِمَ يبتسم ومن أين أتي؟ لم يكن هُنا عندما دلفت؟!

نظرت إليها مُجدداً وهي تفرك عيناها لتجد الشرفة فارغة! انها تهذي ام ماذا؟ الشرفة فارغة؟ لقد أصابها الخرف..
هزت رأسها وهي تمسد جبينها ثم تركت الشرفة واغلقتها بخفة كي لا تصدر صوتاً وتركت الغرفة نهائياً وتجولت في المنزل وهو هادئ لأنها لم يتثني لها الفُرصة لفعل هذا من قبل..

جلست في الأرض الخضراء خلف المنزل وهي تتنهد بعمق، لا يوجد بعوض الآن هذا جيّد، حدقت في ذلك الكوخ الصغير في المُنتصف باستفهام؟ ماذا به يا تُرى؟ تُريد أن تذهب إليه، هل تذهب؟

وضعت راحة يدها أرضاً بجانبها كي تقف لكنها شعرت بشيءً بارد أسفل يدها! رفعت يدها ببطء وحذر ثم نظرت بجانبها وأبعدت العُشب القصير بأناملها بارتباك وقلبها يخفق بخوف متوقعة أن تجد حشرة! ثعبان صغير لا تعلم لكن، شهقت بخفة عندما وجدتها القلادة التي أعطاها لها عمّار وأعطتها إلى نادين! كيف جاءت إلى هُنا؟ إنها مُلقاة بإهمال!

رفعتها بين يديها ونظفتها بأناملها باقتضاب شاعرة بالغضب الشديد، كيف تفعل بها هذا ألم تأخذها لأنها أعجبتها! هل هكذا تتصرف بها؟
ارتدتها حول رقبتها بهدوء وهي تقف لتشهق بخضة وهي تستدير عندما وجدت عشق تقف خلفها..
سألتها بلهاث وهي تضع يدها على قلبها بخضة: خضتيني! صحيتي امتى؟

ابتسمت عشق وربتت على كتفها وقالت بنعومة: صِحيت لما خرجتي من الأوضة ولبست وجيت وراكِ على طول، هزت ليلى رأسها بتفهم وهي تُمسد صدرها بخفة تهدأ من روعها، لتقترح عشق عليها بنبرة ناعسة: أنا كُنت عايزة أخرج اتمشى برا شوية ممكن تيجي معايا؟
صمتت ليلى تفكر قليلاً وهي تقطب حاجبيها ثم قالت باعتراض: بس محدش صاحى عشان نقوله؟

اقتربت عشق منها ثم أمسكت يدها وقالت بهدوء: احنا مش هنتأخر محدش هيحس بينا وبعدين تالين ونادين نايميـ، توسعت عيناها وهي تسمع صوت حمحمة تأتي من خلفها، التفتت سريعاً لتجد تالين ونادين يقفان خلفها، تالين تبتسم ببلاهة بينما نادين تتأبط ذراعها وتسند رأسها على كتفها وهي تتثاءب بنعاس..
قالت تالين مُبررة موقفها: انا بصحى كل يوم بدري وسمعت صوت الباب فـ صَحيت نادين وجينا على طول رايحين فين بقي؟

تقدمت ليلى وعانقت نادين وسألتها بقلق وهي تربت على وجنتيها: انتِ ايه اللى نزلك في البرد ده دلوقتي؟ يلا اطلعي فوق..
هزت رأسها بنفي وهي تقول بثقل: لأ هاجي معاكِ، تنهدت ليلى واحاطتها واخذتها وسارت بها إلى الداخل وهي تسندها كي لا تسقط حتى صعدت بها ووصلت إلى الغرفة في الأعلى، سطحتها على الفراش ثم دثرتها تحت الغطاء الدافئ وقبلتها بحنان وتركتها تغفو..

عادت إليهم في الأسفل من جديد لتقول عشق بحماس عندما رأتها: تالين معاها مفتاح عربية آدم..
قالت ليلى بقلق وهي تأشر على الخارج: الغفير ممكن يصحي ومش عارفة هيسبنا نخرج ولا لأ!
ردت تالين بهدوء مقترحة عليهم: احنا نفتح الباب الأول وبعدين نركب العربية ونمشي بسرعة بس انا مش بعرف اسوق!
قالت ليلى بهدوء وهي تمد يدها لها: أنا بعرف فين المفتاح؟، ناولتها تالين إياه وتحركوا ثلاثتهم إلى الخارج بخفة..

فتحت عشق وتالين الباب بمساعدة بعضهما البعض بينما ليلى استقلت السيارة بعد إن ضغطت على الزِر المتحكم كي تتعرف عليها عندما تُنير، أدارت المقود بخفة وهي تدعو ألا يستيقظ الغفر ونظرها معلق على الغُرفة التي يمكثون بها..
قادت ببطء وحذر وهي تحدق في المرآة ترى ما يحدث خلفها حتى مرت من البوابة بسلام، لتضحك عشق وتالين معاً بحماس وركض كلتيهما إلى السيارة تاركين الباب خلفهم مفتوحاً على مصراعيه!.

أما في الجانب الآخر بعيداً عن تلك المنطقة نهائياً كان جاسم قد وصل إلى خالته من عدة ساعاتٍ قليلةٍ فقط وقد غفى من التعب..
ولجت إلى الغرفة إمرأة في بداية الأربعينيات تحمل صينية ممتلئة بالطعام، قامت بتغطيتها ووضعتها جانباً على الطاولة بخفة ثم تحركت للذهاب لكن جاسم تحرك وهو يمط ذراعيه ثم انتصب جالساً وسألها باستفهام بأعين نصف مغلقة: رايحة فين؟

توقفت تغريدة محلها وهي تبتسم ثم تقدمت وجلست على طرف الفراش وسألته برفق: صباح الخير، عامل ايه يا حبيبي كويس؟
ابتسم جاسم بخفة وقال بهدوء: الحمد الله كويس..
ابتسمت له وهتفت وهي تتأسف: عارفة الجو هنا مش زي مصر و دوشة و صحيان بدري من الصوت بس بجد هتحبه اوي..
ابتسم جاسم وقال بإعجاب: هو أصلاً خلاص عجبني ومرتاح كده، هزت رأسها بخفة وهي تبتسم بعذوبة ليسألها باستفهام وهو يبتسم: مبسوطة هنا؟

توهجت عيناها ببريق سعادة وهتفت بابتسامة رقيقة لا تخرج سوى عندما تتحدث عن زوجها: طبعاً مبسوطة، عمري ما تخيلت اني ممكن أكون مبسوطة في حياتي كده؟ عارفة اني بعدت عنكم وعن الجو في مصر بس مش حاسة بـ كده! بجد يا جاسم لما تكون مع حد بتحبه مش هتفكر في اي حاجة تانية ولا انت فين حتي؟ عارف انا عمري ماتخيلت اني اكون هنا ولا حتي اني احب حد كل الحب ده! منصور ده أجمل راجل في الدنيا كُلها من غيره مش هعرف اعيش هو اللى علمنى معنى الحب يا جاسم!.

ابتسم جاسم وقال بتأثر وأعين دامعة: كلمة زيادة وهعيط، ضحكت بخفة وهي تربت على يده ليسألها بمزاح: مين منصور ده؟، ضربت ذراعة بخفة وهي تقطب حاجبيها بانزعاج: جوزي يا جاسم جوزي!
ضحك بـ تسلية وهو يومئ لها وقال بثقة: طب مانا عارف هو اللي استقبلني امبارح وانتِ نايمة زي الفراخ من بدري زي ماما بالظبط انتوا قرايب فعلاً..

ابتسمت بنعومة عندما تحدث عن والدته وسألته بحنو: عاملين ايه يا حبيبي؟ روحية عاملة ايه؟ وعشق! هتتجوزا امتي بقي؟!
ابتسم جاسم بحزن وقال بإحباط: مفيش افراح! كل حاجة باظت حتى عشق نفسها مش عارف اذا كانت هي عشق ولا لأ! مش عارف حاجة؟
قطبت حاجبيها وسألته باستفهام وقلق: لأ احكيلي بقي في ايه؟
تنهد وهو يُمرر يده بشعره ثم حرك شفتية وبدأ بـ قص كل ماحدث معه من البداية حتى الآن..

هزت رأسها بتفكير وعقل مُشوش بسبب قوله ثم قالت بعدم فهم: بس، بس، مستحيل ازاي كده؟
هزررأسه بجهل شاعراً بهموم العالم أجمع تطبق فوق صدره ثم سألها ويتمنى أن تفيده: انا جيتلك عشان كده؟ انتِ كُنتي اقرب واحدة لـ خالتو واكيد لو كان جوزها اتجوز عليها أو حب واحدة تانية وخلِف منها هتكونى عارفة كل حاجة صح؟

هزت تغريدة رأسها بخفة وقالت وهي تعتصر عقلها من كثرة التفكير: لأ مفيش حاجة من الكلام ده خالص بالعكس دول كانوا بيحبوا بعض جداً جداً مستحيل تكون حاجة زي دي حصلت ولو صُدفة مستحيل وهي مقالتش اى حاجة من دي!، ثم صمتت قليلاً تفكر لتتوسع عيناها عندما تذكرت شيء وقالت بلهفة: بس قالتلي حاجة ثانية مش عارفة هتفيدك ولا لأ بس هي مالهاش علاقة بالموضوع ده خالص بس هقولك؟!

أومأ لها جاسم مشدوداً يستمع لها بتركيز وكُله أذانٌ مُصغية لِمَ تقول رُبما يعرف شيء ويتوصل إلى الحقيقة..
هز رأسه باستنكار وهتف بذهول: يعني ايه الكلام ده؟ أنا أول مرة أسمع حاجة زي دي؟ حتي ماما متأكد انها متعرفش! حاجة من دي؟

مسدت تغريدة جبينها بتعب وقالت بأسف: أنا مكنتش عايزاك تعرف ولا حد تاني يعرف وخصوصاً عشق عشان ده باباها وانا الصراحة مش هكذب عليك انا لحد دلوقتي مش مصدقة الكلام ده ومحاولتش ادور وابحث عن اي حاجة وخصوصاً لما عرفت انهم ماتوا! ومتهيألي أن سِرهم مات معاهم ومفيش داعي اننا نفتح المواضيع دي تاني عشان محدش هيتّضر غيركم انتوا!

هز جاسم رأسه بخفه وهو يفكر بشرود ثم سألها بوجه باهت: طيب هي مقالتش اي حاجة عشان نقدر نوصل للحقيقة؟
هزت رأسها بنفي وقالت بهدوء وهي تتذكر: هي قالتلي في واحد اسمه حبيب حبيب حاجة مش فاكرة دلوقتي بس هحاول افتكر، هي قالتلي حبيب ده اللي عارف كل حاجة وممكن أسأله عشان لو بجد الكلام ده صح بس الاكيد واللي عرفناه ان مفيش حاجة من دي حصلت!

هز رأسه بخفة وقال بضياع بعد أن تداخل كل شيء معاً: يعني المفروض ندور علي حبيب اللي منعرفش هو حبيب مين صح؟

أمسكت يده وقالت مواسية بحزن: جاسم يا حبيبي متشغلش عقلك بالكلام ده دلوقتي اهم حاجة تشوف عشق، يمكن هي فعلاً عشق وفي الاسبوع اللي اختفت فيه حد لقاها وحصل حاجة! او الوحمة ممكن تطلع مكنتش وحمة اصلا ودي علامة من طريقة نومها غلط مثلاً وهي مخدتش بالها ممكن بتحصل؟ اصلها مش هتصحى الصبح وتقعد تدور على علامات في جسمها صح!

هز جاسم رأسه بنفي وهو يضع رأسه بين راحة يده وهتف بـ همٍ: مش عارف بس هي كانت بتشتكي منها في الرايحة والجاية المفروض تفتكر بقى وكفاية كده؟
تنهدت تغريدة بإحباط وهي تفكر ثم سألته عندما خطر لها هذا: طيب صوتها! صوتها عامل ازاي عشق بتاع زمان ولا ايه؟

رفع جاسم رأسه وهو ينظر لها بتفاجئ وكأنهُ تذكر هذا الآن، هو لم يلاحظ شيء مثل هذا ولم يخطر له فـ هناك أصواتاً تتشابة كثيراً لكن هذا إن كان بينهما صِلة قرابة قوية لا يعلم لكن صوتها لم يُشكل فارقاً معه؟ هو الآن يحاول تذكر نبرتها لكنهُ يشعر أنهُ لم يسمعها تتحدث منذُ ان عادت لا يستطيع التركيز لا يستطيع..

قال سريعاً وهو يفتح هاتفه: طيب انتِ عارفة صوتها وبتكلميها دايماً هتصل بيها دلوقتي واسمعيها وهي بتتكلم يمكن انا مش واخد بالي! انا مش عارف اركز ممكن؟
أومأت له بخفة وهي تراقبه بشفقة وحزن، هو لا يستحق كُل هذا لا يستحق..
وضعت جـنّـة الهاتف على أُذنها وهي ترتجف من كثرة البُكاء ثم تحدثت بحالةٍ مزرية وهي تشهق بوجه أحمر باكِ على وشك الاختناق: أ، لو..

تنبهت حواس جاسم وفتح مُكبر الصوت ثم نظف حلقة وقال بهدوء كان بمثابة نبرة باردة استشعرتها جعلتها تبكِ أكثر: ايوا يا عشق عاملة ايه؟، لن يأته رداً منها سوى صوت بكائها بحرقة بقلب منفطر بسبب ما فعله معها، مسد جبهتهُ بـ أعصاب تالفة وهو يستمع لها بقلب مُعذب فهو آسفاً لها آسفاً جداً..
قال بهدوء وهو يتنهد باختناق: انا بكلمك عشان تكلميني مش عشان تعيطي اتكلمي!

شهقت وهي تضع يدها على فمها ثم قالت بحرقة وتقطع وهي تلتقط أنفاسها بصعوبة: انت، ليه، ليه، بتعمل فيا كده ليه؟، ليه؟
صرخ بها بغضب جعلها تنتفض محلها فوق الفراش: انا بسألك عاملة ايه دي مش إجابة سؤالي! انا غلطان اني كلمتك أصلاً، وأغلق الهاتف في وجهها وهو يزفر ثم قذفه على الفِراش وأمسك رأسه بقوة وهو يتنفس بعنف..

سقط الهاتف من بين يديها وهي تبكِ بحرقة حتى بحّ صوتها، عانقت الوسادة وضمتها بقوة وهي تستلقي على الفراش تبكِ وتشهق دون توقف وهي تبحث عن خطأ ارتكبتهُ جعلتهُ يعاملها بتلك الطريقة؟ هي ماذا فعلت حقاً لا تعلم! لِمَ لا يخبرها لكي تتفاهم معه لِمَ؟

ربتت تغريدة على كتفه بحنو وهتفت برفق: كل حاجة هتتحل ان شاء الله يا حبيبي متقلقش، ولو علي صوتها هو مختلف شوية عشان بتعيط وانا مش عارفة ومقدرش اقول حاجة مش متأكده منها دلوقتي اصبر شوية وكل حاجة هتبان، ريح اعصابك اليومين دول وبعدين ارجع فكر تاني، أومأ موافقاً وهو يمسح وجهه بيده بضيق لتتابع وهي تبتسم: انا حضرتلك الفطار عشان كُنت نازله السوق يلا إفطر وروق لحد ما أجي مش هتأخر، وتركته وغادرت بعد أن قربت الصينية ووضعتها أمامه على الفراش..

في القاهرة..
نزل مصطفى الدرج بهدوء وهو يبتسم حاملاً حقيبة سفرهُ بين يديه، وضعها في مؤخرة السيارة وهو يبتسم ومع إغلاقه للباب وجد والدتهُ تقف امامه تنظر له بحدة فاجأته حقاً في هذا الصباح الباكر؟
إبتسم بخفة وسألها باستفهام ممزوج ببعض التعجب عندما وجدها ترتدى ملابس رسمية: صباح الخير يا ماما! خير في حاجة كُنتي في حته؟

أومأت بخفة وقالت بهدوء: كُنت عند أبوك، هز رأسه بخفة وهو يقطب حاجبيه مراقباً سيرها إلى الداخل وهو يتساءل بنفسه، هل كانت في المقابر الآن؟ أم ماذا! و متى ذهبت كي تأتي في وقت مُبكر هكذا؟
كاد يذهب لكنها استدارت له وقالت وهي تنظر له بنفس النظرة الحادة التي كانت ترمقهُ بها: تعالى ورايا عايزاك..

قال معتذراً وهو ينظر في ساعة معصمه: معلش ياماما انا متأخرة كده ممكن اتصل بيكِ لما أوصل ونتكلم براحتنا!، هزت رأسها بنفي وقالت برفض وهي تقول بحدة: لأ عايزاك دلوقتي، رفع حاجبيه وهو يهز رأسه باستنكار! هل تظن أنه طفل وسوف يخاف منها ويركض خلفها أم ماذا؟
هتف بضيق وهو يستقل السيارة: آسف متأخر وده معاد طياره لما ارجع نتكلم لو رافضه الموبايل سلام..
وأدار المقود وانطلق من هنا نهائياً حتى إختفى..

هزت رأسها بأسف على تلك الشخصية وهي تنظر في أثره ثم هتفت باستياءٍ شديد: هتفضل طول عمرك غبي، وأخرجت هاتفها مع نهاية حديثها وهاتفت تلك الرخيصة كما أسمتها..
وصل إلى مسامعها صوتها الرقيق وهي تتحدث بلباقة لتبتسم بعصبية وقالت بتهديد وهي تصك اسنانها بغضب: سالى انا مش حذرتك وقولتلك تبعدي عن ابني؟

ابتسمت سالي بسخرية وهي تبعد شعرها المتطاير خلف اذنها أثر الرياح وهي تقف في المطار أمام سيارتها: سوري يا شهيرة هانم انتِ اللي بدأتي والبادي أظلم و متحاوليش تعملي أي حركة مش لطيفة معايا عشان مصطفي خاتم في صباعي و مش هيصدقك، ثم ابتسمت وتابعت بتسلية وهي تضحك: وأصلاً قبل ما تعملي حاجة هتلاقي ولادك بيتفرجوا علي فضايحك يا محترمة يا شريفة، وأغلقت الهاتف في وجهها ثم بصقت عليها بملامح مشمئزه واستقلت السيارة وظلت جالسة في الدفء تنتظر وصول مصطفي..

صرخت شهيرة بـ صوتٍ مكتوم وهي تركل الباب الحديدي بغضب جامح شاعرة بالدماء تغلي داخل عروقها بقوة، لا تطيق هذا الشعور! لا تطيق تُريد قتلَها وضربها لن تحتمل الجلوس هكذا! لن تحتمل..

في الصعيد وتحديداً السوق..

في وسط الحشود والمارين ذهاباً وإياباً في السوق المُزدحم، الذي يصرخ به كُل بائع ويصيح بالمارين كي يجذبهم إليه بما يبيع مما لذّ وطاب من الفواكه الطازجة والخضراوات النيِّئة، والأخر الذي يصيح بأسعارٍ بخسة الثمن كي يبيع الملابس الخاصة به المُعلقة بواسطة حبلٍ عريض وبجانبها بعض المفروشات والألحفة المزركشة الخاصة بالعرائس مُظهراً إياه بشكلٍ زاهي يجذب المارين ويجبرهم على النظر إليها..

وفي الأسفل متاجر جانبية لبيع الأسماك واللحوم ثم بعض المفترشين الأرضية ببعض الأعشاب والتوابل التي تُطيِّب الطعام، والصغار الذين يركضون في كُل مكان دون ان ينتبهوا بمن يصطدمون او يلتفتوا له حتى! فقط كُل مايشغل تفكيرهم، تلك الكُرات الصغيرة المُدحرجة المصنوعة من الزجاج والتي يبحثون عنها بتلهف كي يلعبون بها معاً..

وعند تلك العربة الخشبية البسيطة المتهالكة التابعة لهذا البائع الفقير الذي يُعلق فوقها بعض القلادات البسيطة الخاصة بالفتيان والفتيات معاً، وبعض الأساور، والأقراط، ومشابك الشعر، وبعض طلاء الأظافر ذات اللون الزاهي بـ ثمنٍ بخسٍ جداً، فـ كانت تلك العجوز الهرِم تجلس تتسامر مع ذلك الشاب خلف العربة تشكو له من الأيام وما فعلتهُ بها وخاصتاً ما حدث في ذلك المنزل الذي كانت خادمةً به يوماً ما، هي بالفعل مازالت خادمةً به إلى الآن، لكنها لا تفعل شيءً سوى الجلوس ومراقبة مايحدث حولها..

حركت يدها المرتجفة بـ حُكم عمرها فوق العصا الخاصة بها بخفة وهي تقول باستياء شديد وعلامات الانزعاج تكسو ملامح وجهها المُشبع بالتجاعيد =: وبس إكدِه خد المحروج شبيه الرِجال دِيه مرتُه ولبِسها كيف البِنِتِه وعلى يدي ديّ جبلها باروكِة بـ شعر مكَتكَت إلهي لايكسب ولا يستفاد وِلد النتِن دِيه وشيِعها ياخويِه وهملها هناك وحدِيها في بيت الصعيدي وجاعد في البيت كيف النسوان مستني الأخبار مِنيها ليه؟.

صمت الشاب ونظر لها باستفهام لتضربه بعصاها وهي تقول بحدة غير متماشية مع صوتها المرتجف: جولي ليه يا محروج؟!، ضحك وهو يسألها باستسلام: ليه عاد؟.

تابعت حديثها بـ همس وهي تلوح له أن يقترب: المحروج خليل مِفكِر إن عمّار أهبل ويخيل عليه ان الجربوعة ديّ ندي! ندي فلجة الجمر ده أني اللي كبرتها علي يدي ديّ بعد المرحومه امها ياحبِه عيني ربنا ينتجم منك يا خليل واشوف فيك يوم اسود من جرن الخروب، لاه أسود من الزِفت كيف وشك العِفش..
ضحك الشاب الذي بـ عُمر حفيدها ويبدو عليه الشقاء الذي أثقل كاهله وجعل منهُ شخصاً كبيراً مهموماً..

سألها باستفهام وهو يفكر: ومش بتجولي اكدِه في وشه ليه عاد؟
توسعت عيناها وقالت بعويل: واه؟ عاوزه يديني عِيرين في نفوخي عشان مجومشي منيها تاني عاد ولِّيه؟ أني بس بجولك بدل ما جنابي تِطَج من الكتمِة في نفسيّ يا ولدي وانتِه طيب وتصون السِر صوح؟، كاد يتحدث لكنه سمع صوت صياح فتيات رقيقات ويبدو انهن يتشاجرن على قلادةٍ ما..

إختطفتها عشق من يد نادين وقالت بشراسة وهى تضحك: لأ انا اللي هاخدها انا شوفتها الأول..
تذمرت تالين وهي تبحث عن غيرها تزم شفتيها بحزن: انتِ نوتي متكلمنيش تاني..

قهقهت ليلى وهي تراقبهما بابتسامة، مررت أناملها على أحدي القلادات وهي تتذكر هذا المكان المألوف بالنسبةِ لها، هي تذكر القليل فقط لكنها مُتأكده أنها كانت تُريد شيءً ما من هُنا في أحد الأيام لكن لا تذكر ماهو! لقد مرّ اثنان وعشرون عاماً على هذا! هذا كثير، وبالتأكيد كل شيء تغير حتى الرجل صاحب تلك العربة هل مازال حياً؟ يبدو أن من يبيع شاباً بالتأكيد هو شخصاً آخر لا يمت للبائع القديم بـ صِلة لا أحد سوف يظل في نفس المكان لـ سنواتٍ قليلة كي يظل اثنان وعشرون عاماً! هذا كثير جداً! لكن هل تلك المُربية مازالت حيّة؟ هي فقط تتمنى أن تكون بخير لأنها هي الوحيدة التي كانت تشفق عليها وتُحبها دون مُقابل..

توقفت تلك السيارة السوداء في جانب الطريق بعيداً عن السوق ببعض السنتيمترات القليلة فقط، ترجلت منها دهب وهي تسير بـ عجلة تبحث عن شيءً ما خاص أتت كي تشتريه سريعاً بنفسها ومن ثم سوف تعود إلى المنزل..
في منزل عمّار..
هتف قُصيّ بضجر وهو يتثاءب اثناء استلقائه أرضاً على العشب الأخضر مريحاً رأسه فوق فخذ آدم: فين القهوة يا عمّار مش شايف قدامي؟

اختفت ابتسامته وانزل الهاتف من يده بعد أن قطع قول هذا البغيض وصله تأمله للصورة وهتف بضجر: اهدي ماهي مش بتتعمل على الشمس يعني؟
كاد قُصيّ يتحدث لكنه لمح تلك الفتاة التي تأتي اتجاههم تحمل بين يديها الصينية، نظر لها عمّار وهو يبتسم بسخرية أثناء تقدمها بتمهل وبطء كي لا تسقط وجه القهوة لأنه أخبرها بكل بساطة إن سقط وجه القهوة سيضع وجهها هي داخل القدح عوضاً عنهُ..

سأله آدم باستفهام وهو يراها من بعيد: هي دي ندى؟
هز عمّار رأسه بنفي وهو ينظر لها بحدة وكم يرغب في ضربها حتى الموت، إنها شخصية مستفزة حتى ان كانت ندى هي مُستفزة ومُنفرة! مثل ليلى لكن شتان بين ليلى وهذه؟ ليلى تجعلة يرغب بها أما هذه تعجلة يرغب في التقيؤ عليها ودفنها حيّة!.

توقفت أمام آدم وهي تنفس بعمق، ثم انحنت قليلاً أمام آدم كي يأخذ القهوة لكنهُ ظل يحملق في وجهها باستفهام لأن عمّار أخبرهم أنها هُنا معهُ لِمَ يقول الآن انها ليست هي؟
زجرته بحدة عندما طال انحنائها ولاحظت نظراته لها: بتبحلج اكدِه ليه يا منسوَن انتِه؟!
ضحك قُصيّ وهو ينتصب جالساً ثم ربت على كتف آدم وقال مواسياً: معلش..
حرك آدم أهدابه وهو يفكر بقولها ثم قال باستفهام: انا كده اتهزقت صح؟

صاح قُصيّ بـ صوت مرتفع كي يسمع عمّار الذي كان مُنشغلاً مع ندى بعد أن أخرجها كي تستنشق هواء نقى: آدم اتهزق يا عمّار بتقوله يا منسون يانتن ده انت شبه عمّار إلحق، توسعت عيناها وقذفت الصينية من يدها بجانبهم وركضت إلى الداخل بخوف كي تختبئ هذا الكاذب هي لم تتفوه بهذا؟
ضحك قُصيّ بـ تسلية وهو يراقب ركضها ثم قالت باستياء عندما وجد القهوة تسيل فوق العشب: طب والقهوة؟

قضم عمّار شفتيه بغيظ وهدر بخشونة: والله ما انت شارب عنك مافوقت مش عاجبك روح بقي..
ضحك قُصيّ باستفزاز أغضبه أكثر ثم صمت وظل جالساً هادئاً لخمس دقائق فقط، تهللت أساريره وابتسم ثم قال بعبث عندما وجد نادين تأتي ركضاً إليهم: الكتكوتة جات يا عمّار، هقوم اشوفها عايزه ايه خليك مع ندي محتجالك..

توقف أمامها وقبل أن يتحدث تخطتهُ وهرولت إلى عمّار بوجه شاحب، ضحك آدم عليه بـ تسلية وصاح قائلاً: تعالي خبي وشك تعالى..
عاد قُصيّ أدراجه ذلك زير النساء، لكنه ذهب اتجاه عمّار، هو مُصر على هذا كما يبدو..

اختفت ابتسامة عمّار عندما رأى ملامح نادين الخائفة كاد يسألها ما خطبها لكن هي تحدثت أولاً بخوف وهي تلهث: إلحق يا عمّار مامي مش موجودة في البيت كُله، قطب حاجبيه وسألها باستفهام: ازاي يعني دورتي عليها كويس؟ ممكن تكون مشيت؟
هزت رأسها بنفي وقالت بأعين دامعة: لأ مستحيل تسبني وكمان شنطتها فوق وتالين وعشق كمان مش موجودين؟
غمغم قُصيّ بغضب وقال باستفهام: يعني ايه مش موجودة؟ راحوا فين؟

اتسعت عيناها بانفعال وشهقت بتفاجئ وهي تقفز ضاربة جبهتها بخفة ثم قالت سريعاً عندما تذكرت: الصُبح بدري اوي كلهم كانوا متجمعين هنا عشان يخرجوا والمفروض كُنت أخرج معاهم بس مش فاكرة حاجة ثانية مش فاكرة بس هُمه كده برا خرجوا برا..
مسح عمّار وجهه بغضب وهو يلعنهم فـ كيف سيأتي بهم الآن؟ كاد يتحدث لكنهُ وجد الغفير يركض باتجاهه ويبدو على ملامحه الخوف من ردة فعله..

هتف بلهاث وهو يخبره: إلحج جنابك في عربية من عربيات الضيوف ناجصِة ومش موجودِية!
توسعت عينا آدم وهتف بقهر: لأ، عربيتي لأ المفتاح مع تالين و مبتعرفش تسوق!
ربت قُصيّ على كتفه وقال بأسف: الدنيا جاية عليك النهاردة معلش..
في السوق..
وقفت المرأة العجوز وهي تتكئ على عصاها محنية الظهر تسير ببطء وهي تلهث، أمسك الشاب يدها وساعدها في السير وترك مقعده وهو يبتسم بهدوء..

استدارت ليلى وهي تبتسم لـ تختفي ابتسامتها ويرتجف قلبها عندما رأت تلك المرأة تبتسم برضى وهي تسير!، يا إلهي ما هذا؟ إنها هي مازالت حية؟ لقد كبرت كثيراً؟ لقد تجولت معها في السوق في طفولتها كثيراً انها هي حقاً!، لقد قابلتها بعد كل تلك السنوات!، هي لا تُصدق! لا تستطيع..
ضحكت بعدم تصديق وعيناها تذرف الدموع دون توقف وهي تضع يدها المرتجفة على فمها ماذا ستفعل الآن؟.

توقفت عن السير عندما وجدت تلك الفتاة تقف أمامها جامدة دون التحرك، رفعت رأسها بانزعاج وهي تقول بتعب ولهاث من السير: ايه يا بتى وسعـ، وتوقفت عن الحديث عندما رأتها تقف أمامها تبكِ وهي تنظر لها بحنو!
رفعت يدها بخفة وعدم اتزان وربتت على كتفها وقالت بحزن: بتبكِ ليه عاد؟

أبعدت ليلى يدها عن فمها وأعادت شعرها إلي الخلف وهي تنفي بـ هز رأسها وقالت بقلب يخفق بقوة: مفيش، مفيش انا كويسة، آسفة عشان واقفة في الطريق..
ضيقت المرأة عيناها وهي تنظر لها بتركيز، شهقت بخفة على قدر ما استطاعت أن تشهق ثم قالت بصوت مرتجف وهي تقترب منها بترنح: انـ، تيّ، ندى؟ ندى؟، هزت رأسها بنفي وهي تشهق ثم قالت بـ صوتٍ مرتجف وهي تحاول الثبات: لأ، مش أنا..

لكن المرأة أبت التصديق وهتفت بإصرار ووتيرة صوت أعلى: لاه انتيّ ندى أني وعيالك عاد وعارفِة انك مش عاتجولي انك رجعتي، واني مش عاجول لحد واصل توحشتك جوي يا بتي توحشتك، وتقدمت منها لكن ليلى ابتعدت إلى الخلف وهي تنفي بعصبية: أنا مش ندى قولت مش ندى!.
صاحت المرأة بغضب وهي تنفي: لاه انتيّ ندى متسبهاش تمشي ياولدي متهملهاش ديّ ندى!، هزت ليلى رأسها بنفي وهي تعود إلى الخلف ثم ركضت مبتعدة عنهم وهي تبكِ..

شهقت عشق بتفاجئ وصاحت باسمها: ليلى ليلى!، لكنها لم ترد، نظرت عشق إلى تالين ثم وضعت بين يديها مُفتاح السيارة وركضت خلف ليلى..
أنزلت دهب الوشاح عن وجهها ثم تقدمت من تلك المرأة العجوز بعد أن سمعت هذا الحِوار الشيّق..
حركت تالين أهدابها بتعجب وهي تحدق في المفتاح الذي بيدها لتدرك أنها أصبحت وحدها الآن؟ كيف ستتصرف؟ هي لا تستطيع القيادة لا تعرف؟.

اشتدت قبضتها فوقهُ وسارت في السوق وهي تنظر حولها بخوف شاعرة بالغربة وهي ترى الجميع مُختلفاً عنها! يرتدون الحجاب وعباءات واسعة منهم من تحمل فوق رأسها حقائب بعد تسوقها وأخرى من تسحب معها طفلين في يدها إضافة إلى تلك النظرات التي كانت تمسحها من أعلاها لأخمص قدميها لأنها مُختلفة! هي لم تشعر بهذا وهي تسير معهم لِمَ ركضت بعيداً ولِمَ الأخرى ركضت خلفها وتركاها وحدها؟ هي خائفة من أن تضيع وحدها وهي هُنا! انكمشت على نفسها كـ فرخٍ صغير وهي على وشك أن تبكِ..

شهقت بخضة عندما شعرت بيد توضع فوق كتفها، استدارت بخوف لتجدها امرأة لا تعرفها! نظرت لها باستفهام وخوف لتتحدث الفتاة وهي تبتسم تُعرف عن نفسها: محسوبتك صباح أني شغالِه عند سيدي عمّار شوفتك عِنديهم وِلجيتك تايهِه اكدِه جولت اجي اشوفك مِحتاجة حاجة ولا لاه!
امسكت تالين يدها بقوة مُكبلة إياها ثم قالت بامتنان كأنهُ تم إنقاذها الآن: الحمد لله يارب الحمد الله خديني معاكِ روحيني معاكِ..

أعادت المرأة العجوز مؤكدة وهي تضرب عصاها أرضاً: والنِعمة ديّ ندى يا دهب واني عارفة طبع الحسن دِيه ماهيفوتش عليِّه اكدِه! والختمة الشريفِة هي اسمعي منيّ أني اللى مربياهِه بيدي ديّ، هزت دهب رأسها بتفهم وهي تضم قبضتها بغضب جامح ثم وقفت وهي تتنفس بانفعال لكن المرأة أمسكت يدها وسألتها وهي تحرك رأسها: عاملة ايه ويا جوزك؟ حِبله في واد حلِيوِه كيف أبوه ولا بنتِه جمر شبهك اكدِه؟

زفرت دهب وقالت بسخط وهي تنزع يدها منها: خليكِ في حالك عاد وبطِلي رطرطة وحديت النسوان الماصخ دِيه ده انتيّ جربتي تموتي اتجي الله وبطلي حديت على اللي رايح واللي جاي يا مرة!، و تركتها وغادرت وهي تشتعل من الغضب وسارت في ذلك الاتجاه الذي ركضت به ليلى مُنذُ قليل..

توقفت وهي تلهث في زقاق ضيق مشابه إلى الذي علقت به المرةِ السابقة، تهاوت وسقطت أرضاً وهي تلهث وتبكِ بتقطع، وضعت رأسها بين راحة يديها وهي تنتحب ندماً بسبب خروجها لِمَ خرجت؟ ليتها لم تخرج! صحيح أنها كانت متوترة قليلاً لكن الآن أصحبت مُرتعبة ولا تستطيع التعايش مع هذا الشعور، لا تستطيع!.

الشيء الصغير إن عرفتهُ تلك المرأة التي تعرفها يعني أن جميع من في القرية عرفهُ الجميع بمعنى الجميع فهي لا تتوقف عن الحديث، لا تتوقف ولا يتوقف لسانها عن التحرك والتفوه بما يصِح أن يُقال وبما لا يصِح أن يُقال!، هي جيّدة بنقل الأخبار وجعل الشخص مشهوراً هُنا!

صرخت بصوت مبحوح ذعراً عندما شعرت بتلك اليد توضع فوق كتفها، هدأتها عشق وهي تربت على ظهرها برفق وسألتها بحزن ممزوج بشفقة: مالك بس بتعيطي ليه؟ والسِت الكبيرة دي كانت بتقولك ندى ليه؟
هزت ليلى رأسها وهي تشهق بحرقة وقالت باختناق وهي تتنفس بصعوبة: أنا، أنا، أعصابي تعبت، مش قادرة استحمل اكتر من كده مش قادرة عايزة امشي..

ترجتها عشق بأسى وحزن من أجلها هي تحوط كتفها: احكيلي مالك وصدقيني مش هقول لحد! قولي وريحي نفسك متتحمليش لوحدك!.
رفعت وجهها الأحمر الباكِ وهتفت بانهيار وهي تسأل نفسها: أنا، أنا، أنا مين؟، تأوهت عشق بحزن وعانقتها بقوة وهي تربت على ظهرها بحركة سريعة حانية كي تهدأ وقالت بترجى: خلاص إهدي إهدي متعيطيش، إهدي..

مر بعض الوقت حتي هدأ قليلاً وتوقفت عن البُكاء، رفعت رأسها ونظرت إلى عشق بأعين شديدة الإحمرار، لا تستطيع أن تلتزم الصمت أكثر من هذا، حركت شفتيها باستسلام وتعب من عدم البوح بكل مايثقل كاهلها وبدأت تقص عليها جميع ماحدث في حياتها مُنذُ ولادتها حتى تلك اللحظة..

وعادت تبكِ وتنتحب من جديد أثناء حديثها بانفعال وهي تتذكر تلك الذكريات المؤلمة التي جاهدت كي تنساها وتبدأ من جديد! لقد بدأت من جديد بالفعل لكنها عجزت عن النسيان! ليس كل الذكريات نستطيع نسيانها متى أردنا، هي فقط تذكرت الآن حديث عمّار عن التأقلم معهُ حق! فإن لم تنسي يُجب أن تتأقلم مع الألم كأنه شيءً من روتينها اليومي..

تارة كانت تتشنج ويتشنج جسدها وهي تعانق نفسها كي تشعر بالأمان وهي تخبرها بكم العنف الذي تعرضت له، وتارة أخرى كانت تتحدث بهدوء وهي تسند رأسها على الحائط تحدق في العدم كأنها لا تتألم كمن فقد الشعور ثم تعود إلى البُكاء بصوتٍ مرتفع متأثرة بما تقول وهي تخبرها بـ كم الألم والقهر الذي تشعر والإنكسارالذي بالرغم من أنهُ هو من جعلها قوية صامدة من الخارج لكنها لطالما كانت هشّة من الداخل وتظل تبكِ وحدها دون أن يستمع لها أحداً..

الحياة لن تُعلمها درساً قاسياً لا! بل جعلت كُل حياتها قاسية واجهتها وحدها، لن تستطيع نسيان تلك الطفولة التي كانت عبارة عن قهر وتعذيب من قِبل والدها كأنها خادمة في منزلها!، لتجد نفسها فجأة بين ليلي وضُحاها مُباعة، متزوجة وذاهبة بعيداً عن قريتها إلى المدينة، لقد كانت طفلة وأنجبت طفلة، ولا تفقه شيء والمُطالب منها أن تعتني بها..

هي حتى لم ترتدي دبلة كـ بقية الفتيات! هي لم تحصل على أقل الأشياء التي تتمناها أي فتاة ولو بسيطة حتى! فشلت في الحصول على كُل شيء، حتى المتعة! هي لا تذكر سوى بعض الأشياء من تلك الليلة أو لا تستطيع النسيان! فقط كل ما تذكر أن الغرفة كانت مظلمة حالكة السواد اشعرتها بالاختناق وفقط الآلام المُبرحة هي ما شعرت بها وصاحبتها تلك الليلة، كانت أضعف من أن تتحمل تلك الوحشية.

وكم العنف والقسوة حتى فقدت الوعي كـ جثة بين يديه..
لا تعلم ماذا حدث لزوجها بعد هذا لكنهُ لم يقترب منها مجدداً بعد تلك الليلة! هي لم تفهم في هذا الوقت لكن عندما كبرت وتذكرت تلك الليلة ونظراته المشفقة عليها فهمت وتوقعت أنه رُبما شعر بتأنيب الضمير بسبب كونها طفلة وهو كان بـ عمر جدها وليس والدها، لقد تم بيعها ببساطة من قبل والدها الجشِع، وهذا أكثر من كافي كي ترفض الزواج مجدداً بل تكرههُ وتخافهُ..

لكنهُ رغم هذا عوضها، جعلها تكمل دراستها كما تمنت وأصبح يُعاملها كـ ابنته لكن فقط لمدة شهرين ثم فارق الحياة وبعدها اكتشفت شقيقته أنها حامل، لقد كانت كبيرة هي الأخرى أيضاً لكنها ظلت بجانب ليلى وعلمتها الكثير من الأشياء وقامت بمنحها إسماً جديداً وأخبرتها ببساطة أنها ستكون ليلى المِنشاوي زوجة عبد الرحمن المِنشاوي!، وكي لا تفتقد اسمها ستقوم بتسمية ابنتها نادين وتكتفي بهذا وتنسى تلك القرية التي جاءت منها لأن لا أحد يقبلها هُناك ولا حتى والدها وهي لن تعود لأنها ستبدأ حياة جديدة، سوف تكون سيدة مجتمع راقى ليست بحاجة إليهم مجدداً؟.

ولن تكذب لأن هذا كان أكثر الأشياء راحة على الإطلاق وقد جعلها تطمئن وتشعر بالسلام، فلن يجدها أحداً وإن بحث سيبحث بإسم ندى ولا وجود لها لن يجد ندى ندى ماتت مُنذُ أن خرجت من هُناك..

لكن شقيقة زوجها فارقت الحياة بعد خمس سنواتٍ فقط وتركتها وحدها، كان عمرها في هذا الوقت عشرون عاماً وكانت نادين في هذا الوقت طفلة تبلغ أربع أعوام فقط، ومن هذا الوقت وهي وحدها ولم يبقى لها أحد سوى نادين أصبحت هي كُل شيء بالنسبةِ لها، انهت دراستها كاملة وبدأت بالعمل في مجموعة الشركات الخاصة بزوجها مع سعيد، كان هو من يُديرها في هذا الوقت حتى تكبر هي وتفهم وتستطيع التعامل مع الأمور وظل معها خطوة بخطوة يُعلمها عندما كانت في عُمر الزهور..

كانت جميلة ومتوهجة رغم حُزنِها العميق لكنها كانت جميلة لهذا أحبها، ولم يمل يوماً من طلب الزواج منها رغم رفضها كل مرة بحدة أكثر من سابقاتها حتى الآن..

وظلت حياتها روتينية من العمل الى المنزل وفي بعض الأحيان تذهب الى النادي صباحاً، وأحياناً تذهب كي تمتطي الخيول وشاركت في سباقات من قبل، وأحياناً أخرى كانت تسافر هي ونادين معاً في مناطق ساحلية، وكي تكسر الروتين عندما تختفي نادين مع أصدقائها كانت هي تذهب إلى حفلات العشاء الخاصة بالعمل فقط هذا، حتى مرت الأيام والسنوات وقد كبرت!.

أدركت في وقتٍ قريب فقط أنها غير قابلة للبدء من جديد، بدء أي شيء! لقد اعتادت على كونها وحيدة ولا تُريد أن يُشاركها أحداً هذه الوحدة ويكون أنيسها..
هي فقط لا تستطيع بدء حياة لم تعشها قبلاً ولن تُجازف بفعل هذا الآن بعد هذا العُمر؟.

لأنها و ببساطة لن تحيى عُمراً فوق عمرها كي يكون لديها مجال للندم و تصليح الأمور!، إنها مُتعبة ومُرهقة ولا تستطيع الخوض في كل هذا لأنها تشعر أنها صغيرة كثيراً أمام شيء يُسمى بالحُب ولا تُريد أن تُجرب! لقد قضت حياتها تتعذب من شعورها بالكُره تجاه والدها ماذا سيحدث إن أحبت إذاً؟! هي تكتفي فقط برؤية ابتسامة نادين وسعادتها هذا كافي وكثيراً بالنسبةِ لها، يُجب أن تفعل وتحقق لها كُل ما تُريد، لن تجعلها تواجه ما واجهته هي، إن جرحها يطيب عندما تجد نادين سعيدة..

لن تنكر رغبتها في الموت كل لحظة وتفكيرها الدائم بالانتحار بسبب تلك الذكريات التي تطاردها حتى في أحلامها، تؤرق حياتها ومهما حدث وكُلما تقدمت خطوة تخبر نفسها أنها لن تستطيع الهرب منهم قط ستظل عالقة في سراب تلك الذكريات طوال حياتها، الموت أفضل بالنسبةِ لها..

لكن عندما تستيقظ صباحاً وتخرج من غرفتها التي قررت بها كيف سوف تموت تجد نادين تعانقها بنعومة وهي تبتسم قائلة بكل رقة صباح الخير !، كيف من المفترض أن تتركها وحدها في هذه الحياة؟ لم تجرؤ على التفكير في الموت مجدداً بعد هذا وذهبت إلى طبيب نفسي..
نادين هي من تجعلها تشعر بالتحسن، تشعرها أنها تملك هدفاً لا تحيى هباءاً في هذه الحياة، تفعل ما كان والدها سيفعلهُ معها إن كان حياً..

ترد له قليلاً من فضله عليها وانتشالها من تلك الحياة..
لا يهم هي ماذا فقدت؟ لأنها بالتأكيد لن تحصل على كُل شيء في هذه الحياة! هي تفقد لتحصل وقد كانت نادين هي جائزتها والتي لا تجعلها تندم وتحزن على شيء أصبح من الماضي الآن، هي معها وأجمل ماحدث لها ويكفي هذا، هي لا تفكر ولا تعبأ سوى بـ جعلها سعيدة وجعلها تُحقق ما عجزت هي عن تحقيقه..

ليظهر عمّار الآن، كي يقلب حياتها رأساً على عقب، ويُريد أن ينتزع طفلتها منها بكل بساطة كي يُدمرها هُناك! هي قطعة من قلبها!، لقد جُنّ!

هي فقط لم ترى عمّار سوى تجسيد لشخصية والدها القاسية وصورة أخرى منهُ، قاسي متحجر القلب لن يُشكل معهُ فارقاً إن كانت الفتاة التي معهُ رقيقة أم متحجرة مثلهُ؟ الجميع سيان هُنا ولا أحد مُختلف، وهذا ماكان يجعلها تتخطى الحدود في حديثها معهُ وتجرحه بالكلمات هذا إن كان يشعر من الأساس! كي يترك ابنتها! لكن هو فقط لا يُريد أن ينهزم ويبتعد من قِبل امرأة لا أكثر! لأنها نكرة بالنسبةِ لهم..

صحيح أنه غيَّر نظرتها عنهُ قليلاً عندما أتت إلى هُنا لكن هذا لم يُغيِّر كونهُ مازال قاسي يجعلها تخشاهُ وتنفر منهُ وتكره الحديث معهُ..

لأنهُ لا يتحدث سوى بالوقاحة وبطريقةٍ قذره كـ شخصٍ مُنفلت لا يعرف معنى الإحترام إضافة إلى أنه صفعها، و لم يُعاملها سوى بقسوة وهمجية ووقاحة غبر عابئاً بـ فارق العُمر بينهم! وفي النهاية عندما يتحدث بهدوء يخبرها أن تتأقلم ولا تسأله التغيُّر بكل غرور كأنهُ ملِك الكون ولا يُحاسب وهو ليس سوى شخصاً أصغر منها لن تنظر له سوى نظرة مُتدنية تستصغرة بها!.

لا تعرف حقاً من أيّ جحيم ظهر لها كي يفعل هذا بحياتها ويأتي بها إلى هُنا رغماً عنها ويجعلها تصرخ على طفلتها بقسوة كُلما تحدثت معها؟، لعين تكرههُ بشدّة..
لقد أخبرها أن تُقابلهُ إن خرجت من هُنا، لقد سخِرت منهُ في هذا الوقت وأخبرته بكل غضب أنها سوف تقابلهُ الخنزير! لكن يبدو أنهُ معهُ حق ولن تخرج؟

هو أصبح كابوساً في حياتها مُنذُ أن علمت علاقتة بـ عائلتها، هي هالكة إن علم حقيقتها! هو أخبرها أنهُ يكره الكذب والاستخفاف به وهي بكل بساطة كانت تجلس تُحقق معهُ بخصوص ندى، كم هي ذكية وفعلت خير للمستقبل الأسود الحالك الذي سوف تراه على يديهِ دون مُبالغة، لكن في النهاية هو لن يستطيع تدمير شخصاً مُدمر! لا تملك ما تخاف وتحزن عليه سوى نادين وهو يحبها ولن يقسو عليها، لكنهُ حقيراً أيضاً ولا تثق بما قد يفعل؟

محت عشق عبراتها وهي تكتم شهقتها حُزناً عليها وتأثراً بما سمعت وحقاً لا تتمنى لها سوى حياة أفضل لأنها تستحق، لقد تعبت..
أمسكت ليلى يدها بقوة وهي تقبض عليها بخوف وهتفت بحرقة: أنا خايفة، عمّار مش هيسبني لو عرِف مش هيسبني..

=: مش عمّار لوحدِيه!، تجمدت الدماء في عروقها وشحب وجهها وتيبست محلها عاجزة عن تحريك جفنيها حتى ازدراء ريقها لم تستطع فعلهُ، هذا صوت دهب! لقد سمعت كل شيء! هي ميتة لا محالة دهب سوف تقتلها، لا تحتاج إلى توصية..

رفعت رأسها ونظرت لها بحزن رُبما تستعطفها لكنها لم تقابلها سوى بنظراتها القاسية الباردة التي تنبئها بما سيحدث معها، بالتأكيد سوف تضربها الآن كما كانت تفعل مع ندى كُلما رأتها، حركت شفتيها وكادت تتحدث لكن دهب انحنت وقبضت على معصمها بقوة أوقفتها معها بعنف وهي تهزها بين يديها كـ ورقة رقيقة ضعيفة تتخبط مع الرياح: بجي بتلبسينا كُلِنا العِمِة يابت المحروج؟

ترجتها ليلى بصوت مبحوح وعيناها تفيض من الدمع وهي تسمك يدها عندما وجدتها تسحبها خلفها بقسوة وعنف: دهب، اسمعيني، اسمعيني، صرخت بها بعنف وهي ترفع يدها كي تصفعها وتلقائياً أخفت ليلى وجهها بخوف وهي تشهق مستمعة لقولها الحاد المُحذر: مسمعش حِسك يا محروجة اجفلي خشمك دِيه..
كتمت شهقتها وسارت معها دون أن تنبس ببنت شِفة وقد ذهبت عشق خلفها وهي تمسك يدها بخوف عوضاً عن طمئنتها هي..
بعد مرور نصف ساعة..

غمغم عمّار بغضب وهو يركل إطار السيارة بقوة، هو قلق عليهم والبغيضين يرتديان ملابس في الداخل بكل هدوء وبرود..
زفر بضيق وهو يراقبهما كيف يتقدمان منهُ: انتوا رايحين تدوروا على ناس تايه مش حِنة خالتك هي انت وهو!
قال قُصيّ وهو يغلق أزرار قميصه: عشان الشكل العام بس!

سخر منهُ بسخط: شكل ايه هو حد هيعبرك أصلاً؟، كادت قُصيّ يرد عليه لكن قاطعهم دخول سيارة من الباب الرئيسي، تنبهت حواسهم ونظروا إلى السيارة في ترقب لـ تترجل منها صباح وهي تحمل معها بعض الحقائب ثم تالين خلفها جعلت آدم يتنفس الصعداء براحة، وانتظرا الأثنان الآخرين! لكن السيارة فارغة..

اعتدل عمّار بوقفته بقلق عندما لم يجد ليلى معها، ركضت تالين باتجاه آدم وعانقته بقوة كي تطمئن وتهدئ من روعها، ابتسم قُصيّ بعبث وهو يراقبها يبدو أن هذا الخبيث نجح حقاً، هو يُخطط منذُ وقتٍ طويل..
سألها بقلق وهو يربت على وجنتها عندما رأى وجهها باهتاً: انتِ كويسة؟ كُنتي فين؟
وضعت مُفتاح للسيارة بين يديه وقالت بحزن وهي تزم شفتيها: العربية سِبتها في السوق وجيت علي هنا عشان خوفت أفضل لوحدي هناك!

تقدم عمّار وسألها باستفهام مشوباً بقلق: هُمه مش كانوا معاكِ؟
أومأت مؤكدة ثم تابعت باعتذار: احنا كنا في السوق ليلى كانت واقفة بتتكلم مع واحدة ضايقتها باين مش عارفة مكنتش مركزة اوي بس هي عيطت وبعدين جريت على طول وعشق جريت وراها..

تركهم عمّار بملامح متهجمه، ثم استقل السيارة وأدار المقود بعصبية وهو يفكر بها كيف ستكون الآن!، تم فتح الباب له ليتحرك لكنه توقف وأغلق المقود عندما رأى عشق تتقدم وبجانبها ليلى تسير ببطء وهي تترنح بعدم اتزان كأنها تتحامل على نفسها كي تسير!

ترجل من السيارة وصفع بابها بقوة وانفعال بسبب هذا الاهمال وعدم المسؤولية، توقف أمام السُلم قبل أن تصعدان عليه وهتف باستفهام وهو يرمقها بنظراتٍ حادة: انتوا كنتوا فين؟
ازدردت عشق ريقها وظلت صامتة تعبث في أصابعها بارتباك ثم تترك يدها وتبعد شعرها خلف أذنها بعد أن تنتهى بتوتر وهي تتحاشى النظر لهم..

بينما ليلى كانت تقف جامدة كـ صنم لا تتحدث كأنها تلقت صدمة عمرها الآن، فقط حركت رأسها ونظرت إلى عمّار بجمود صانعة تواصلاً بصرياً معهُ بأعينها الحمراء الدامية التي تحرقها بشدّة دون تعبير ولا مبالاة، ولا تعلم من أين لها تلك القوة التي تجعلها مازالت صامدة وتقف على قدميها بينما قلبها يخفق بقوة مؤلمة وجسدها يرتعد من الخوف و رؤيتها مشوشة وضبابية..

تفحص عمّار هيئتها بناظرية من أعلاها لأخمص قدميها باستفهام للمرة المئة في تلك الثوانِ القليلة، لقد نسي مظهرها بـ شعرها المُصفف حقاً إنها أجمل بـ شعرها المُجعد، لكن لما حالتها مُذرية بتلك الطريقة؟ البُكاء واضح جداً عليها!، لِمَ البُكاء ماذا حدث؟.

عشق هي من ردت بهدوء: كُنا في السوق و الجو كان زحمة بس وفي كلب جري ورانا عشان كده سِبنا تالين، رفع عمّار حاجبيه وهو يعقد يديه أمام صدره لأن كُل ما تقولهُ كذب ولا يوجد جراء في السوق و مُنافي لقول تالين أيضاً!.
بينما تالين نظرت لها بخذلان ولوم لأنها هكذا ستكون الكاذبة أمامهم!
سألها عمّار باستياء: خرجتوا ليه أصلاً..؟
قالت عشق بسخط وهي تقلب عينها: عشان عايزين نخرج عايزين ايه يعني؟

نظر لها عمّار بغضب بسبب تلك الحركة التي يكرهها لكن قُصيّ تدخل وجذب عشق بجانبه عندما سحبها من خصرها إليه، ولم يُصدق حرفاً مما قالت أيضاً هي مُراوغة ويعرفها جيّداً وتلك التالين البريئة صادقة يعلم هذا..

لـ يتبقى له فقط ليلى، كان عمّار يتقدم منها ببطء وهو يتفرس ملامحها بنظراته الثاقبة المستفهمه وهو يراها تترنح في وقفتها و فقط بقي له خُطوة واحدة كي يصل أمامها، لكنها أسقطت قلبهُ عندما تهاوت وسقطت فاقدة للوعي في أحضانه..

حملها بين يديه بقلق و هتف بإسمها بلهفة: ليلي، ليلي، هز رأسهُ وهرول بها إلى الداخل، تحركت عشق بقلق لكن قُصيّ شدد قبضته حول خصرها وقال بخبث: لا يا قمر انتِ هتيجي معايا الأول عشان نصفي حسابنا و بالمرة نبعتلهم مايه بـ سُكر تعالي، تعالي، وسحبها خلفهُ عنوة أثناء مقاومتها الضعيفة له..

تنهد آدم ثم وضع يده على كتف تالين الشاردة بحزن واقترح عليها وهو يبتسم: تيجي معايا وانا بجيب العربية؟، أومأت بحماس وهي تبتسم ليقرص وجنتها بخفة ثم أخذها وغادر..
جلس على الطاولة المقابلة إلى الأريكة بعد أن أراح جسدها عليها، أبعد خصلات شعرها خلف أذنها وهو يتنهد بحزن لا يعلم مصدرهُ، لأن حالتها هكذا لا تروقهُ بتاتاً، ماذا حدث في الخارج؟ ومع من تحدثت؟، لِمَ هي غامضة هكذا؟

مرر أنامله على وجهها المتورم بخفة كـ قطعة زجاج يخشى عليها اللمس مستشعراً نعومته أسفل أنامله، داعب وجنتها المتوردة الرطبة أثر البُكاء الشديد و عيناه تتوهج ببريق جديد من نوعٍ آخر كأنهُ أدرك الآن أنها تعني لهُ شيءً ما، بل تعني له الكثير..

رفع معصمها وقام بـ تحسس عرقها النابض بأناملهُ وهو يميل عليها بجذعة لتضرب أنفاسها الدافئة المنتظمة وجنته، حسناً هي بخير أم يصفعها كي تستيقظ؟، تنهد وهي يرفع جسده ليقطب حاجبيه عندما أبصر القلادة حول رقبتها!.
ابتسم و التمعت خضراوية ببريق وهو يرفع القلادة بين يديهِ، كيف وجدتها؟ هل هي مهمة بالنسبةِ لها كي تبحث عنها وتجدها؟ كيف وجدتها حقاً؟ لقد ألقاها ولم يبحث عنها!.

زفرت ندى المُزيفة وهي تتقدم منهما تحمل بين يدها كوب به مياه قامت بـ تذويب بعض السُكر داخلهُ وكم تمنت لو كان سُم قاتل لأيّ شخص سوف يأخُذهُ لا يُهم..
هزت شفتيها للجانبين بشعبية عندما رأته يجلس أمامها بهذا الهدوء ويميل عليها بتلك الطريقة المُثيرة للريبة، توقفت أمامهُ كأنها سوف تُحادث شقيقها الحنون الذي يمزح معها وسوف يشكرها الآن..

مدت يدها بالكوب بحركة سريعة أسقطت بعض المياه فوق قدمه وهي تقول بامتعاض: اتفضل..
نظر إلى قدمه قليلاً وهو يبتسم بإجرام ثم وقف لترى فرق الطول الشاسع بينهم، ازدردت ريقها بخوف وهي تعود إلى الخلف شاعرة بالرهبة، كادت تستدير وتذهب لكنه قبض على شعرها بقسوة وهو يعيدها أمامه لكن شعرها هو من عاد معهُ لقد اقتلعهُ دون أن تصرخ! فقط شهقت؟!.

رفع حاجبيه وهو يحدق في الشعر المُستعار المُجعد الذي خرج بين يديه لـ تنسدل خصلاتها الناعمة أمام ناظرية؟!.
إبتسم بعصبية وعضلات صدره تنقبض وتنبسط بانفعال مُحاولاً إقناع نفسهُ أنه لم يكن مُغفلاً إلى تلك الدرجة؟.

لهذا السبب لم تتألم في المطبخ وهي تشدّه بقوة حتى اقتلعته أمام ليلى كي تقول انها من فعلت بها هذا! لقد تلاعبت به هي والشيطان الآخر! هو اكتشف قبلاً أنها ليست ندى لكن لم يتوقع أن يصلوا إلى تلك الدرجة؟ هل يرونهُ أحمق؟ هو أحمق في نظرهم! وقلبه اللعين الغبي الذي صدق في البداية هو ما أوصلهُ إلى تلك المرحلة! تلك النتِنة استصغرتهُ وضحكت عليه..

صدره، صدره يتأجج بالنيران الآن، وعيناه لهيباً مُشتعلاً، هي من كتبت نهايتها بيدها هي من فعلت هذا!.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة