قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية حب خاطئ للكاتبة هاجر الحبشي الفصل الثالث عشر

رواية حب خاطئ للكاتبة هاجر الحبشي الفصل الثالث عشر

رواية حب خاطئ للكاتبة هاجر الحبشي الفصل الثالث عشر

- الغاية لا تُبرر شيء -
أنهت صلاتها بخشوع ثم لملمت سجادة الصلاة، اتجهت إلى المطبخ بـ خُطى بطيئة، أخرجت حُقنة الأنسولين الخاصة بها، حقنت نفسها بها بهدوء وتركيز ثم قذفتها في القمامة ووقفت تُحضر فطور بسيط من أجل جـنّـة المُكتئبة..
بعد بعض الوقت، أدارت المقبض بيدها ثم دفعت الباب بساقها وولجت إلى غرفة جـنّـة، وضعت الطعام على الطاولة بخفة ثم تقدمت من تختِها كي توقظها..

ربتت على شعرها بنعومة وهي توقظها بخفة: عشق، عشق، عشق، همهمت وهي تتقلب ليتبين لها وجهها المتورم جعلها تقلق وتابعت: عشق يا حبيبتي اصحي، حركت رأسها بانزعاج وهي تفتح جفنيها ببطء لتفرج عن فيروزتيها بصعوبة من شعورها بالحرقة داخلها..

انتصبت جالسة والحزن يكتسي ملامحها الرقيقة، ربتت روحية على وجنتها بحنان وسألتها بعدم رضي: كفاية يا حبيبتي العياط مش هيحل حاجة! لازم تاكلي وتخرجي من اللي انتِ فيه ده وتشوفي جامعتك ومذاكرتك!

تساقطت عبراتها بغزارة وهي تهز رأسها بنفي وقالت بحرقة: مليش نفس اعمل حاجة مليش نفس، عانقتها روحية بحنان وواستها وهي تربت على ظهرها: كل حاجة هتتحل يا حبيبتي مفيش مُشكلة ملهاش حل قومي بس انتِ فوقي وصحصحي الاول وكُلي عشان عاملالك مُفجأة..
توقف جسدها عن الإهتزاز و فصلت العناق ثم نظرت لها باستفهام وهي تستنشق ما بأنفها وهتفت بتعجب: مفاجأة ايه؟

ابتسمت روحية ثم قالت بابتسامة حانيه وهي تربت على وجنتها: بعد ما تخلصي فطارك هاخدك وهنروح نشتري حاجتك اللي ناقصاكي..
هزت رأسها بعدم فهم وسألتها بـ صوتٍ مهزوز: حاجات ايه؟
ابتسمت روحية باتساع وقالت بحنو: حاجتك بتاعة فرحك يا حبيبتي!
هربت شهقتها وعادت تنتحب من جديد دافنه رأسها بين ركبتيها تبكِ بحرقة دون توقف..

إستغفرت روحية وهي تضرب كفيها معاً ثم وضعت يدها علي كتف جـنّـة وقالت بنبرة حانية: وبعدين معاكِ بقي يا عشق!
رفعت وجهها الباكِ وهتفت وهي تجفف دموعها بعنف: حاجتي ايه؟ انتِ مسمعتيش جاسم قال ايه؟ مفيش افراح ده مش عايزني!

هزت روحية رأسها وقالت بهدوء وهي تمسح على شعرها بخفة: لأ مش حقيقي هو بس مضايق مش أكتر عشان كده هنعملهُ مُفجأة، صمتت جـنّـة ونظرت لها باستفهام لتتابع روحية: اليومين الجايين دول هنحضر للفرح زي ما المفروض كُنت هعمل وجاسم هنا بس جاسم مش موجودة دلوقتي بس هنفاجئة و هنخلية يرجع على الفرح على طول هندبسه يعني!

حركت جـنّـة أهدابها بتعجب وهمت بسؤالها وهي تهز رأسها برفض: ده مش حل وهنجيبه ازاي على الوقت؟ ومعاد الفرح! و هنلحق أصلاً؟؟

ابتسمت روحية بعذوبة وربتت على ذراعها بحنو وقالت بـ وتفاؤل: لو فطرتي وبطلتي عياط هننزل نتفرج على الفساتين ونشوف بيوتي سنتر حلو عشانك وكده هنكون خلصنا معظم الحاجة! الحاجات الباقية بقي مش مُهمه دلوقتي ومش هتحتاجيها طول ما انتِ قاعدة هنا، تبقي جهزي شقتك بنفسك مع جاسم على مهلك، ثم تنهدت بعمق وتابعت بقلة حيلة: انا كُنت مُعترضة على الجواز دلوقتى لكن طالما الدنيا اتلخبطت في الآخر كده يبقي تتجوزوا أحسن دلوقتي، وبعدين انا جيبالك حاجات كتير هنلحق ان شاء الله قولي بس يارب..

هزت جـنّـة رأسها بتفهم وقالت بحزن وشرود: يارب..

في الصعيد..
ركضت بكل ما أوتيت من قوة في الأرض الخضراء خلف المنزل وهي تصرخ بأنفاس متسارعة تكاد تنقطع من التعب..
شهقت عندما انغرست قدمها في الوحل، نظرت خلفها بذعر تُراقب تقدم قُصيّ بملامح شيطانية فهو أن أمسكها لن يتركها، إن الشرر يتطاير من عينيه اللعنة عليها لِمَ علقت معه لِمَ؟ ولِمَ علقت هُنا؟!

نزعت قدمها بقوة وهي تغمغم بغضب ثم تابعت ركضها وهي تصرخ بـ صوت مرتفع وفقدان أمل: ألحقوني يا ناس يلّي هنا، اي حد يا غفر الحقوني يا حيوانات طيب، يا آدم يا تالين الحقوني..
لكن لم يستمع لها أحداً سوى نادين التي كانت تُحادث أحدهم في الهاتف وهي تبكِ في عالمٍ آخر غير عابئة بما يحدُث حولها..
توهجت عيناه بمكرٍ عندما رآها تقترب من الكوخ، هذا جيّد لتختبئ به فقط هو لا يُريد سوى هذا؟ وبعدها لن تستطيع الهرب..

توقف واضعاً يديه بـ خصره وصدره يرتفع ويهبط أثر انفاسه الثائرة وهو يلهث مُراقباً ركضِها حتى يرى أين ستتوقف و ما الذي ستجنيه من كُل هذا؟!
لعن من تحت انفاسه عندما تخطت الكوخ وتابعت ركضها، لم تصب الهدف تلك المرة ولن يحصل على ما يُريد بنفسٍ راضية منها كما يبدو، هي تُحب العُنف وستحصل عليه، تحرك اتجاهها بخطوات حثيثة حذرة وهو يبتسم بخبث كي لا يصدر صوتاً..

توقفت خلف الكوخ وهي تلتقط انفاسها بلهاث، أسندت ظهرها على الكوخ وهي تغمض عينيها بقوة ويدها أخذت طريقها إلى صدرها تمسده بخفة، هدأت قليلاً ثم حركت جفنيها قليلاً ثم بدأت فتح عينيها ببطء، صرخت بفزع وهي تجد قُصيّ يقف أمامها وتعتلي شفتيه ابتسامة ساخرة..

لم يترك المجال لتتحرك بل جذبها من مؤخرة رأسها أسقطها بأحضانه، انقبض قلبها بخوف وهي تشعر بيده تعبث، رفعت رأسها له وترجته بأعين دامعة ونبرة مهزوزة: قُصيّ بالله عليك سبني أبوس رجلك سبني..
رفع حاجبيه وهو ينظر إلى ملامحها المترجية والخائفة من اقترابه إلى هذا الحد لِمَ؟.
قربها منهُ أكثر وسألها بعبث: انتِ قد اللي بتقوليه ده؟

أومأت وهي تزم شفتيها كي لا يظهر ارتجافها أكثر ولم تشعر به سوى وهو يُحررها من قبضته بسهولة دون التحدث، كادت تتحرك بذهول وتذهب لكنهُ أمسك معصمها ثم رفع قدمه وخلع حذائه وهو يبتسم ثم خلع جوربه ورفع ساقة للأعلى وقربها من وجهها وقال بكل هدوء: بوسي يلا..
فغرت فاه وهي تحملق بقدمه ثم نظرت له وهي تهز رأسها باستنكار، هل هو أحمق كي يظن أنها ستفعل هذا حقًا؟

رفع حاجبيه وهي يحرك ذقنه اتجاه قدمه مع ناظرية كأنهُ يحثها على تقبيلها، ازدردت ريقها وناظرت قدمه مرة أخرى ثم أومأت وانصاعت لأمره و اخفضت رأسها قليلاً وهي تنظر له ثم رفعت يديها على حين غرة ودفعت صدره بقوة جعلتهُ يترنح بسبب وقوفهُ على قدمٍ واحدة وسقط في الوحل..

ضحكت وهي تنحني ثم خلعت عن قدمه الحذاء الآخر وقذفته بعيداً ثم أخذت الملقي أمامها وقذفته خلف الآخر وأخرجت لسانها له بغيظ وهي تضحك برقة ثم عادت راكضة وتركتهُ عالقاً في الوحل..
صاح بـ صوتٍ مرتفع متوعداً لها: هتروحي مني فين يعني؟ انتِ مالكيش غيري يا كلبة ماشي، زفر بضيق ثم ألقى برأسه إلى الخلف مفترشاً الأرض بجسده شاعراً بالوحل الذي التصق على قميصة وهو يقول بقلة حيلة: كده كده هاخد دُش..
في السوق...

ابتسمت تالين بسعادة وهي تتجول مع آدم في السوق ويداه تحتضن يدها بتملك بعد أن أطمئن على سيارته..
توقف عندما سمع رنين هاتفه في جيب بنطاله، ابتسم إلى تالين بخفة وحثها على السير عندما توقفت عن السير معهُ ونظرت له باستفهام وهي تبتسم وعاد يسير وهو يخرجه..
تحدث بهدوء وهو يحمحم: ألو!
تحدث إحدي العاملين مع شقيقه في الشركة: ألو آدم بيه معايا؟

أبعد الهاتف عن أذنه ثم حدق في الرقم قليلاً بتعجب وأعاد وضعه ورد بهدوء: معاك اتفضل!

تحدث الموظف باستياء شديد وهو يقف بعيداً في زاوية وحده كي لا يستمع إليه أحد من المدسوسين من قبل والدته: آدم بيه اللي بيحصل في الشركة ده مينفعش؟ مصطفي بيه هامل الشغل وكل يوم والتاني يسافر بـ حِجة الشُغل والاجتماعات ومفيش اي شُغل لينا برا اصلاً! والهانم والدتك كُل فترة تيجي تاخد مبالغ كبيرة من الأرباح ولو مفيش تاخد من سيولة الشركة ولما حد يتكلم تطرده شر طرده ومش بتديلة فلوسهُ وبقيت حسابه كمان! الشركة بقِت في النازل وسُمعتنا اتهزت في السوق وده ميرضيش ربنا! انا واحد بقالي عشر سنين شغال فيها ومقبلش اني اشوفها بتنهار بالشكل ده واسكت؟!

تنهد آدم وهو يأخذ نفسًا عميقًا ثم قال بنبرة هادئة وهو يمسد جبهته: طيب أنا دلوقتي مسافر يومين ثلاثة بالكثير وراجع وهنتقابل وهنتكلم في كل حاجة ولو مش عاجبك الشغل ممكن تيجي تشتغل معايا بما انك خبرة عشر سنين حلو كده؟!

زفر الطرف الآخر وقال برفض واستياء مُضاعف: حلو ايه؟ أنا لو بفكر في الفلوس والمكان مكُنتش اتصلت عشان احكيلك! ممكن بسهولة أقدم استقالتي واخذ فلوسي علي داير مليم وامشي مُعزز مُكرم وأي شركة تتمناني وخصوصًا الشركات المُنافسة لكن أنا بقولك عشان تلاقي حل مش تقولي اشغلك عندي؟

غمغم آدم بضيق ثم قال بهدوء: تمام فاهم قصدك وعارف انك عايز تقول إن الشركة بقِت زريبة لأخويا وأمي وأنا عارف عشان كده عملت شُغل مُنفصل عنهم بس متقلقش اول ما انزل هاجي واشوف اقدر انقذ ايه، ثم صمت قليلاً وابتعد عن محل وقوف تالين وهو يفكر وتابع وهو يضيق عينيه كأنهُ يراه: بس الأول قولي كده مصطفي بيسافر بيروح فين طالما مفيش شُغل بما انك عندك خلفية عن الموضوع؟

وصل إلى مسامعه تنهيدة الآخر قبل أن يقول: مش عارف بس بيروح مناطق سياحية يتفسح باين والمرادي غيّر المكان وراح مناطق ساحلية راح هاواي وِجَر معاه الكلبة بتاعته سالي..

رفع آدم حاجبيه وغمرتهُ سعادة لا يعلم مصدرها، لا بل يعلم مصدرها ويعلم من أين أتتهُ بالتأكيد، لقد فهم الآن كُل شيء، هذا كان واضح وضوح الشمس، لكن تفكيرهُ أن شقيقة ليس رجلاً بل خروف هو من جعلهُ غبيّ ولم يُلاحظ رغم أن شقيقه هو من اقترح عليه سالي!، لقد صدق انهُ فعل هذا كي يرد لهُ جميلهُ بسبب تزويجه تالين كما ظَنّ..
ابتسم ثم سأله بنبرة مرحة: سالي بتسافر معاه على طول؟

قطب الموظف حاجبيه ثم قال بهدوء: اه كُل سفرية بتروح معاه! وكمان الموظفين في الشركة شوية بيقولوا انهم عاملين علاقة مع بعض وشوية تانيين بيقولوا انه متجوزها عُرفى معرفش!، ثم صمت وسأله ببلاهة: هي بجد خطيبتك؟ اسف لو كلامى ضايقك اكيد مش هيأثر على علاقتهم صح؟!، حقًا إن كان قاصدًا أن يخبرهُ لم يكُن ليتحدث هكذا!

ضحك آدم وهو يرفع حاجبيه ثم قال بهدوء: مش هيأثر متقلقش وشكراً على اهتمامك واكيد اكيد هقابلك مع السلامة..
أغلق الهاتف وهو يبتسم، حدق في ظهر تالين التي انشغلت بالأشياء المعروضة أمامها قليلاً وهو يعقد يديه أمام صدرهُ وعقله لم يكف عن التفكير ورسم الدراما الهزيلة بفضل ما سمعهُ!.

هل شقيقة خائن؟ أم متزوج؟ أم أنه قام ببدء عملٍ خاص به في الخارج؟ كُل هذا وارد ويتوقع أن يجدهُ لا شيء غريب! لكن لا يهم هو سوف يُصدق الشائعات التي سمِعها ببساطة لأنهُ لن يلتمس له أعذار حتى يعلم الحقيقية! لا بل سوف يُصدق الشائعات لأنها تتفق مع إرادته..
لن ينكر رغبته وأمنيته أن يكون مصطفى خائن حقاً، وهو بالفعل بدأ يشُك بهذا بسبب جعله يخطب سالي بتلك السُرعة!.

ابتسم ثم تقدم منها، وضع يديه على كتفها وقال بسعادة حقيقية: انا مبسوط تعالي اجيبلك برقوق، ضحكت برقة وسألته باستفهام وهي تسير خلفه: اشمعنا برقوق؟
رد وهو يهز كتفيه: عشان بحب أكله وانا مبسوط..
في المنزل لدى عمّار..
تقهقرت عائدة إلى الخلف بخوف وهي ترى عينيه الدامية، لتدرك أن لا مفر منهُ سوف يُمزقها ويُقطعها إربًا ويلقيها خارجًا..

ركعت عند قدميه وترجته وهي تبكِ بحرقة وعيناها تفيض من الدمع: ابوس يدك ارحمنى اني مليش ذنب خليل خليل هُوِه اللي جالي اجي واعمل اكدِه خليل وِربي خليل..
التهم شفتيهِ بغضب جامح وهو يضم قبضتيه بقوة كاتمًا انفاسه بغضب كي لا يلكمها ويركلها بمعدتها وهي حامل، هل هي حقًا حامل أم هذا كذبًا كما هي ايضًا؟

غرز أنامله في رأسها ورفعها من شعرها بقسوة وهو يسألها بأعين جاحظة تحملق بها بقوة تكاد تخرج من محجريها اخافتها منهُ أكثر: تجربي ايه للمحروج دِيه؟ انطُجي وحِبله جاد ولا بتكذبي..
هزت رأسها بهستيريا وقالت بنحيب كي تنجو بحياتها: حِبله والكعبة الشريفة حِبله، خليل يبجي جوزي جوزي..

ترك شعرها وهو يهز رأسهُ باستنكار! هل هذه هي الرجولة! يترك زوجته في منزل لدي غريب؟ لقد استحقرهُ لأنهُ ظن أنها ابنته لكنها زوجته يا إلهي ما هذا؟ أنه مُنحط بلا رجولة؟
لكن هذا لن يشفع لها ويجعلهُ يتركها! هي وافقت وشاركت بهذا! قبض على ذقنها بعنف سحقها بين يديه وهو يرفعها أمامه وقبل أن يتحدث قالت هي سريعاً بانفعال لعلهُ يعفو عنها: عاجول كُل حاجِة بس اديني الأمان..

ابتسم بإجرام وخطورة وهو يتنفس بانفعال ومن دون سابق إنذار صفعها بظهر يده أسقطها أرضًا على وجهها مع دوي صوت صرختها المتألمة التي أفزعت ليلى من مكانها..
انحنى وقام بلف شعرها حول كفه بعنف مستمعًا إلى تأوهها بألم وهو ينتصب واقفًا صارًاعلى أسنانه غضبًا وهدر بخشونة وهو يهز رأسها بين يديه يمينًا ويسارًا بقسوة كاد يقتلعهُ: لو مش مستغنية على روحك اتكَلمي عاد..

أومأت سريعًا وهي تضع يدها فوق يده على شعرها وهتفت وهي تنتحب: جَلي أعرِف انتوا بتشيلوا السلاح فين واخليك تحبني وتجولي كُل اسرار شُغلكم بس مفيش حاجة تانيِة..
هز رأسهُ وهو يُغمغم بغضب ثم شدد قبضته على شعرها أكثر وهو يسألها من بين أسنانه: ليه؟
هزت رأسها بنفي وهي تنظر له بجزع و قالت بألم: معرِفش معرِفش..
أخذ نفسًا عميقًا وسألها بحدة: وندي فين؟

هزت رأسها بجهل وهي تشهق بتقطع مع قولها: اني معرِفش غير انه جوزها وهي صغيِّرِة ومن ساعتها واخبارها انجطعت ميعرِفش عنِيها حاجة واني معرِفش..
تركها وهو يزفر بغضب ثم سألها باستنكار: وتجوزتوا ميتِه؟
قالت بأسى وهي تمسح عبراتها: من خمس شهور بس في السِر محدش يعرِف غير أهل البيت والخدم بس، ثم صمتت قليلاً وتابعت بحقد ممزوج بحسرة: أبويِه كان تاجر معاه خسِّروا كُل حاجِة واشتراني عشان أخلف الواد اللى نفسهُ فيه؟

مسح عمّار وجهه بغضب وهو ينظر لها وقبل ان يتحدث تابعت هي بنبرة هادئة وهي تنظر له نظرة حانية جعلته يتعجب: اني وافِجت اني اجي اهنِه عشانك انتِه! انت حِلم كُل بت اهنِه ياعمّار بيستمنوا بس نظرة مِنيك و اني مِنيهم كان نفسي اكون مرَتك جاد اني بحبك يا عمّار بحبك..

ضحك بخشونة وهو يهز رأسه بسخرية، حقًا هذا مثير للسُخرية، توقف عن الضحك ثم جذبها من حاشية ملابسها بقوة وتحدث بتهكم: انتِ اتجنيتي ولِّيه ديّ فيها دبح ديّ اتجنيتي؟
اهتزت مقلتيها باضطراب وقالت بحب: اتجنيت بـ حُبك!
ضرب كفيه معًا وهو يكاد يضحك ثم هتف بنفاذِ صبر: يا مثبت العَجل والدين يارب، تعرِفي وربي كُنت ههملِك لكن بعد البؤجين دولم تستحِجي اللي هعمله فيكِ..

وقبل أن تتفاجأ به قربها منهُ ومال علي كتفها وعضهُ بـ غِل جَعل صرخاتها تتعالى وهي تتلوى بين يديه، فهو لا يجد ما يفعلهُ بها سوى هذا! وجهها لم يعد به مكان فارغ كي يصفعها..
شهقت ليلى وهي تعتدل جالسة وقلبها يخفق بعنف، وضعت رأسها بين يديها وهي تتذكر جميع ماحدث معها، من أتي بها إلى هُنا يا تُري؟ رفعت رأسها بفزع على تلك الصرخات التي اخترقت أذنها..

ارتجفت واقشعر جسدها وهى ترى عمّار يعُض ندى المُزيفة بتلك الطريقة؟ هل علم حقيقتها أم ماذا! أنه أكل لحوم البشر! يا إلهي..
نهضت وسارت مُبتعدة كي تدلف إلى الداخل بتسلل وهي تسير من جانبه بحذر فلا طريق آخر، كتمت أنفاسها وسارت على أطرافها كي لا يراها لكنها صرخت بفزع عندما أمسك معصمها وابتعد عن ندى المُزيفة ودفعها بعيداً عنه، انهُ شبيه لـ مصاصِ دماء ارتوى بعد أن أنهي دِمائها كُلها..

سألها بـ تهجم بانفعال مستفهمًا: ايه اللي فوقك دلوقتي؟، ما هذا السؤال؟ هل تأخذ الإذن منهُ قبل أن تفيق!
ازدردت ريقها وقالت بتلعثم وخوف وأعين دامعة وهي على وشك البُكاء من جديد أثناء سحب معصمها من بين كفه بضعف: أنـ، انـ، سيبني يا عمّار سيبني..
تركها بانصياع دون أن يتحدث أو يعترض أو يضيف شيء جعلها لا تُصدق نفسها وظلت جامدة تُحدق في كفه الذي ابتعد عنها بنوعٍ من الذهول..

لاحظ جمودها فابتسم وعاد يمد يداه لكنها ابتعدت إلى الخلف سريعًا وفرّت هاربة من أمامه بطفولية جعلتهُ يبتسم وهو يراقبها..
تهجمت ملامحه واختفت ابتسامته واستفاق من أحلامه الوردية على صوت أنين تلك الغبية التي تبكِ ارضًا..
رفعها بخفة دون أن يقسو عليها فـ يكفي عليها حقًا الزواج من ذلك الشيطان والجلوس معهُ، فقط يتساءل ماذا تفعل عندما يقترب منها بـ رائحة فمه القذرة الكريهة هذه لا يُهم لا دخل لهُ بها!.

هو فقط كان يشتهي حقًا ضربها حتى الموت، كان يرغب في سماع صوت تهشيم عِظامها! لكنهُ ببساطة يُريد الركض خلف ليلى وسؤالها ماذا حدث معها..
ويعترف بكل صراحة أنهُ أصبح رقيقًا في الآونة الأخيرة لِمَ يا تُرى؟ هذا لا يروقه بتاتًا، لا يروقه..
كاد يتحدث لكن دلف الغفير راكضًا وهو يصيح: سيدي عمّار خليل الطحاوي واجف برا!

هز رأسه وقال بـ صوتٍ مرتفع وهو يدحجها بغضب: خليه يفوت، امسكت يده وقالت بترجي وهي تبكِ وجسدها ينتفض: ابوس يدك متجُلُوش اني جولتلك حاجِة ده ممكن يجتلني فيها وحياة أغلى حاجة عندك انا في عرضك متجُلُوش..

ربت على قمة رأسها بنعومة وهو يبتسم ثم سألها بهدوء: والمقابل؟، توقف وجسدها عن الاهتزاز ونظرت لها بصمت مُنتظرة مُتابعة قولهُ ليتابع وهو يبتسم باتساع: اللي جالك تعمليه وانتِ اهنِه تعمليه لما ترجعي معاه فاهمِة؟
اتسعت عيناها وهزت رأسها بنفي ثم قالت بذهول: بس ده جوزي؟

قهقهة عمّار بخفة وسألها وهو يوفع حاجبيه كان كـ تهديدًا لها: مش من شويِة كُنت حِلم كُل البنتِه اهنِه وانتِ مِنيهم ولا اني غلطان؟ مش بتحبيـ، وقاطعته وهي تبكِ بحسرة وندم عندما أدركت غباءها بسبب تفوهها بتلك التُّرهات التي ستنهي حياتها لو علمها أحد: تحت أمرك كُل اللي تؤمرني بيه هعمله بس ارحمني..
ابتسم برضى وربت على رأسها كـ جرو مُطيع بخفة وقال بابتسامة: متخافيش، متخافيش، جولتي اسمك ايه؟

هتفت بنبرة مرتجفة: اسمي، اسمي، نسمة..
اتسعت ابتسامته وضرب كتفها بخفة كـ صديق: حلو نسمة يا نسمة حلو..
تحمحم بقوة وهو يُنظف حلقة أثناء سيره إلى الداخل وهو يقول بخشونة: يارب يا ساتر، ارتجفت نسمة بخوف وهي تبتعد عن عمّار ووقفت بعيدًا عنهُ تزامنًا مع انقباض قلب ليلى واختبائها خلف الباب الفاصل بينها وبينهم تسترق السمع عليهم باضطراب..

ناظرة خليل من أعلاهُ لأخمص قدميه ثم تحمحم وقال بتعجب عندما رأى نسمة تقف في زاوية: واجفة اكدِه ليه يابتي جَرِبي؟
رفعت نسمة وجهها المُشوه ونظرت له بأعين دامعة لـ تتوسع عيناه بانفعال عندما أدرك وضعها ورأي الشعر المستعار ملقي أرضًا!، هو بوضعٍ سيء لا يُحسد عليه!

عقد عمّار يديه أمام صدره وأشر عليها وهو يرفع حاجبيه باستفهام وقال بسخرية: طِلِعت بجرون يا خليل يا طحاوي؟ فين ندى؟ مفكِرني مش هعرِف انها مش ندى! بتكدب ليه عاد؟ وانت خابر ان الحاجات دى مفيهاش هزار!
زفر خليل بضيق ثم قال بهدوء ونبرة حانية كأنهُ لم يفعل شيء: هتصدِج لو جولتلك اني عملت اكدِه عشان واعي انك عاتحبها من وانت صغيِّر وحبيت اعمل فيك خير ده جزاتي؟

وضع عمّار يده على قلبهُ بتأثر وقال بامتنان مغلف بالسخرية: واه واه واه! كتِر خيرك يا غالي بس مش بـ مرَتك يعني! بس مش مهم دلوك مش مهم، فين ندى؟
تنهد خليل وقال بقلة حيلة: كان على عيني يا ولدي! معرِفش! اني حبيت اعمل خير ونعمل صُلح لكن ملحجتِش كان غرضي خير يلا مالناش نصيب!

أومأ عمّار بخفة وقال بنبرة ذات مغزى: ملكش نصيب ليه عاد؟ رجِع ندى وكل حاجة تتحل! ولا اجولك مترجعهاش انت جايِيك ولد في الطريق وياعالم يمكن ينجتِل وناخد بطارنا ونهدي بعدِيها صوح؟
تلون وجه خليل بألوان قوس قُزح وهو ينظر له بتهجم ليتابع عمّار بتهديد وهو يبتسم: تِدوِر على ندي وتجيبها زي ما ضيعتها ودلوجتي خُد مرَتك واجلب..

ضم خليل قبضته بغضب جامح وهو يقطب حاجبيه أثناء ضغطه على أسنانه من الداخل بقوة، حرك رأسه إلى الجانب ورمقها بنظرة حارقة غاضبة شملتها من أعلاها لأخمص قدميها جعلت أوصالها ترتعد وابعدت نظرها عنهُ وهي ترتجف من الداخل والخارج..
شهقت بتفاجئ وهي تجد خليل يُصوب سلاحه اتجاهها بوجوم وهتف دون تعبير: انتيّ لازم تموتيّ لازم تموتيّ..

ابتسم عمّار بتسلية وهو يشاهده بثقب، يظن انهُ سيتدخل ويمنعهُ من قتلها؟ أحمق بل يُريده أن يقتلها الآن وليرى كيف سيفعل هذا حقًا؟!

ألقي خليل مُسدسة أرضًا مُتقصدًا وهدر بنبرة صخرية غاضبة: أخرك معايِه لحد ما اشوف ولدي وبعدِيها هرمي جِتتك لِكلاب السِكك يا محروجة يا جلابه المصايِب، غوري من اهنِه اجلبي، هزت رأسها سريعًا عِندما ميزت أُذنها تلك النبرة التي تخبرها أن تذهب الآن ثم ركضت إلى الخارج عائدة إلى المنزل..

جفف خليل جبينه وهو يزفر ثم قال بهدوء مستفز: لسه معايِه تمن شهور عجبال ما تولد وسنين كَتيرة لحد ما ولدي يبجي راجل و يا عالم يمكن أخلَف بِنتِه اصلي ملعون بيهم! دفنت واحدِه حيِّه والتانيِه بينلها كان مكتوب ليها عُمر جَديد وعاشَت! عشان اكدِه يابن الصعيدي عايز ندى دوِر عليها ارض الله واسعه..

و استدار ومضى في طريقه تاركًا مُسدسهُ خلفه مُتقصدًا لأنهُ سيعود، ولأنهُ يعرف عمّار ويعرف انهُ سيعاود ويتحدث معهُ كي يصل إلى حل لأن ندى أكثر ما يهمهُ الآن، ولا طريق لها سوى عن طريقة والدها كما يظُن وهو فى الحقيقة لا يعرف عنها شيءً مِثله تمامًا!

حدق عمّار في أثره بذهول وهو يُحرك رأسه مُستنكرًا بشاعة ذلك الرجل! هل كان لديه طِفلة أُخرى ودفنها بتلك السهولة؟ من ماذا هو مُركب كي يفعل هذا؟ لقد تخطى مرحلة القسوة، انه بلا قلب!، بالتأكيد كانت ابنته الكُبيرة لأنهُ لا يعرف سوى ندى وهي كانت وحيدة في ذلك الوقت..

ضحك بغضب وهو يُمرر لِسانه على شفتيهِ عِندما وقع نظرة على مُسدس خليل الذي تركهُ، ذلك اللعين البغيض تابِع إبليس على الأرض انهُ سيعود كي يُراوغه، هو يعرف كُل شيء وسيقتلهُ يومًا ما..
صاح بغضب وصوتٍ مُرتفع جعل ليلي تنتفض مكانها خلف الباب بعد إن قطع وصله ذكرياتها الأليمة التي كانت شاردة تتذكرها على مهل وهي تذرف الدموع دون توقف: فين الجهوة؟

محت عبراتها سريعًا وهرولت إلى الداخل لتصطدم بـ صباح التي كانت تحمل قدح القهوة وتسير بتمهل..
شهقت بتفاجئ وهي تبتعد عن شظايا الزُجاج المُتناثرة في الأرض وركضت إلى الداخل، زفرت صباح بضيق وهي تنحني تلملم تلك الشظايا على عجل بسبب طلب متولي لها..

تركت حُسنه ما بيدها بتعجب عندما ابصرت ليلي تتلفت حولها تبحث عن شيءً ما، وإن لم تكن مُخطئة فهي تبحث عنها، تقدمت منها بقلق، وضعت يدها على كتِفها لـ تستدير بخضة ثم شهقت عندما رأتها وأمسكت يدها سريعًا وترجتها بـ صوتٍ مبحوح: ساعديني ساعديني واحميني..
ضمتها حُسنه بحنان وهي تُربت على ظهرِها برقة وحزن ثم سألتها باستفهام: لو اعرف كيف اساعدك مش هفكِر لحظة؟

فصلت ليلى العناق وهي تشهق باكية ثم أعادت إمساك يدها وقالت بهستيريا وهي تضغط عليها: تقدري تساعديني، لما اقول انا ماشيه ما تقوليش اقعد ابوس ايدك متمسكيش فينا وسيبينا نمشى ابوس ايدك، ومالت كي تقبل يدها وهي تبكِ لكن حُسنه أبعدتها وهي تستغفر ربها ثم سألتها بتعجب ممزوج بشفقة: ههملك براحتك ومش هضايجك بس مالك بس انتيّ مكُنتيش اكدِه!

جلست أرضًا وغمرت وجهها بين يديها وقالت وهي تشهق: عشان محدش كان يعرف إن أنا ندى الطحاوي، لكن دلوقتي اتفضحت!، انا ندى..
ضربت حُسنه قلبها بيدها وهي تصيح بتفاجئ: واه كيف يعني؟، شهقت ليلى بحرقة ثم بدأت تقص عليها قِصة حياتها التى سبق وقصّتها على عشق صباحًا او مُنذُ قليل..

توقفت صباح خارجًا أمام الباب وامتنعت عن الدلوف وهي تسترق السمع وعيناها تتسع بذهول وظلت واقفة تارة تشهق بخفة وتارة تتفاجئ وبعد إنتهائها من الحديث، عادت خُطوتين إلى الوراء وهرولت إلى عمّار كي تخبرهُ ما سمعت..

زفر عمّار بغضب وهو يفرقع أصابعه ثم التقط مُسدس خليل وقام بتفريغ الرصاصات منهُ وهو يبتسم، رفع رأسهُ ليجد صباح تهرول له بـ خطوات سريعة فـ وبخها بحدة: وِش الجهوة يا مخبولة انتـ، ولم يُكمل بسبب رؤية قدح القهوة مُهشم فوق الصينية وهي تتقدم به!
سألها باستفهام وهو يُأشر علي الزجاج: جيباهولي اجرجشوا ولِّيه؟

هزت رأسها بنفي وهي تقترب منهُ أكثر ثم نظرت حولها بريبة وهمست بخفوت بجانب أُذنه: دِىّ وِجعت مني بسبب سِت ليلي صطِّت فيا وهي بتجري على المطبخ وبتبكِ المهم لملمت الجِزاز ودخلت وراها وسمعتها وهى بتـ، اوقفها عِندما وبخها كما يفعل كُل مرة وبعدها يستمع لكل ما تقول بتركيز ثم يصرخ بها بغضب لأنها لم تكمل استراق السمع: مش جولتلك بطِّلي تلميع أوكر يابت؟ هتتعلجي مِنِيهم في الآخرة دول، عبست وهي تحني رأسها بندم ليتابع بتهكم: جولي جولي خلاص خدتي السيئات هيروحوا على الفاضي جولي..

في منزل خليل الطحاوي..
دوي صوت صرختها المُتألمة بسبب صفعاته اللامتناهية التي كانت تتساقط على وجنتيها أكثر من عدد عِبراتها وهو يُوبخها بغضب وقسوة دون رحمة: بيضربك يابت المحروجة ليه عاد؟ كيف يمد يده عليكِ وتسكتي؟
صاحت صارخة بقهر وهي تضع يدها أمام وجهها كي تخفيه عن وقع يديه العمياء: اومال، عاوزه، عاوزه، يطبطب عليِّه لما يِعرف اني مش المحروجة بتك؟

توسعت عيناه وتلبسه الشيطان وهوى على وجنتيها بصفعاتٍ مُتعددة وهو يصرخ بها بجنون: مين ديّ اللي محروجة يابت اني هوريكِ مين المحروجِه دلوك..
خلع عباءته وهو يلهث من المجهود الذي بذله، ألقاها أرضًا ليبقى فقط بذلك البنطال الصوفي الأبيض مع الكنزة الملحقة به كي تدفئة في الشتاء أسفل العباءة..

ساقته خطواتِه إلى حُجرة ابنته المُغلقة، فمنذُ سنوات وزمنٍ طويل لم يدلف لها أحدًا قط، أدار المقبض ليجده عالقًا، ركل الباب بغضب وهو يتنفس بثوران لـ يسعل بحدة بسبب تلك الأتربة المُتراكمة التي ضربت أنفه..
سار وخطواته توصم الأرضية على الأتربة أسفل قدميه، أبعد الملائة البيضاء المُعلقة على قطعة الأثاث الخشبية الخاصة بتعليق الملابس ليتبين له تلك الأسواط التي لم يمسّها مُنذُ زمن..

توهجت عيناه ببريق شيطاني و أخذ واحدًا من المُنتصف، المُفضل لديهِ والذي كان يستخدمهُ دائمًا في تعذيب ندى، ومن أجل ألا يكون ظالمًا كثيرًا كان يأتي بغيرهم ويجعلها تنتقي من بينهم وتختار ما تُريد أن تُضرب به..
أخذهُ وغادر الغُرفة وهو يُجربه ضاربًا به الأرض بعنف حتى وصل إلى غرفتهما معًا..

رفع يديه وهو يتصبب عرقًا وهوى على جسدها بالسياط جعلها تتلوى ألمًا وهي تصرخ لـ يُعنفها أكثر وهو يقول ويداه لم تكف عن تعذيبها: يا جربوعة ده اني لميتك من الشوارع بعد اما ابوكِ بجي على الحديدِه وعملتلك جيمة وجايِة دلوك تجولي على بتي محروجِة؟ اني اجول انتيّ لاه فاهمة ولا مفهماش يا مرة انتيّ، توقف لاهثًا وتابع بحدة وتهديد وكأنها هي المُتحكمة بهذا: وربي لجطِّع جِتتك نسايل نسايل لو مجبتيش الواد، هدفنك انتيّ وهيِّه في جبر واحد لو طلعت بت..

ألقي السوط من يده بغضب ثم انحني والتقط عباءته، ارتداها وهو يصرخ باسم الخادمة: بت يا محروسة انتيّ يـ، وقاطعته عندما توقفت أمامه وهي تضع يدها على قلبها بألم تلهث بقوة بسبب ركضِها: نعم، نعم..

أمرها بحدة: شيِّعي للحكيم خليه ياجي يشوفها واعمِللها وَكل يِرُم العضم عشان وَلدي وشيلي الجرباج دِيه علجية مكانه تاني اني رايح مِشوار صِغيِّر لبيت الصعيدي وجاي، وتركها وغادر وهو يُراجع حروف إسمه بين شفتيه بحقد: عمّار..
في منزل عمّار..

خيّم الصمت على المكان وهو ينظر لها باستنكار رافضًا هذا الحديث!، بالرغم أنهُ الأقوى والأقرب إحتمالاً والأكثر تصديقًا لكن كيف تكون ابنة هذا الرجل حقًا كيف؟ هذا خارق للطبيعة!، لكن لِمَ تقول ليلى شيءً كهذا كذِب؟!

شعرها المجعد ليس مُعجزة كي يجزم أنها هي! فإن ملايين النساء تملك شعرًا مُجعداً ما المُشكلة؟! والكثير منهن يملكن طابع الحُسن كذلك ما الخطب معهُ؟ إن كانت تملك نفس الشعر المُجعد وطابع الحُسن هذا لا يعني أنها ندى؟ لكن ما تفسير انجذابه لها؟
إن لم يسمع هذا هل كان سيتوقف عن كونهُ مُنجذب! لا لكن هل هو مُنجذب لأنها ندى الحقيقية ولا يعرِف، حتى إن لم يعرِف فإن قلبهُ ميّزها!.

هذا القول اربكهُ حقًا ولايستطيع التفكير سوى بـ أنهُ مُوافق، ومهما أعاد التفكير في النهاية سيتوقف عِند التوقع الذي يرضيه وهو المُوافقة كُل مرة لأن لا مانع لديه أن تكون هي، فقط متى موعد الزفاف؟.
هز رأسه بنفي وهو يبعد تلك الأفكار عن رأسه لاعنًا صباح، التي مازالت تقف أمامه تشاهده وهي تبتسم ببلاهة..

أفزعها عندما زجرها بحدة: واجفة بتهببي ايه عاد؟ انجلبي واعملي جهوة ولو عرفت انك سمعتي حاجة تانيِّه هجطعلك ودانك اللي كيف ودان الفيل ديّ..
لويت شدقيها وقالت باعتراض: سيدي متولي شيعلي من ساعة و اتأخرت عليه اكدِه لازم اروح عاجولهم في المطبخ جبل ما امشي عشان هُوِه جاعد في الأرض جِبلي مش اهنِه وجرب ياجي، وقبل أن يتحدث باعتراض هرولت إلى الخارج سريعًا..

لعنها بسخط وهو ينظر في أثرها، هي فقط تتصرف بعفوية لأن والدتها كانت تعمل هُنا مُنذُ زمن وقد انجبتها هُنا وقد كبِرت هُنا، هذا منزلها والجميع يُحبها وتختلف عن البقية رغم أنها أكثر من تتحمل المسئولية هُنا لكن هذا فقط لأنهم يثقون بها..

زفر بضيق وقام بفرد ساقه على الطاولة وهو يُفكر بـ عقل مُشتت، فإن كانت هي حقًا ماذا سيفعل؟ وكيف كانت تملك تلك الهيئة الطفولة الصغيرة في ذلك الوقت وهي أكبر منهُ سِنًا حتى يُحبها! هي إلى الآن مازالت كذلك وهذا مُحيِّر! هي فقط فتاة عادية لِمَ تملك هذا الجمال إضافة لكونها ابنة ذاك القذر! هذا غريب!، غريب جدًا، وليس مُسلٍ على الإطلاق، لكنهُ مقبولاً إلى حدٍ ما ويُفسر الكثير..

الكثير من الأشياء سوف تتغيَّر إن كانت هي حقًا، أول ما سيتغير هو! صحيح انهُ يُحب التأقلم لكن تلك الليلى لن تأتي بتلك السهولة ولا بالتأقلم، هي مُتمردة، لكن إن كانت ندى لن تجرؤ على التحدث! هي ستكون قُربانًا عوِضًا لا تسوى فِلسًا ولن يستمع لها أحدًا صحيح؟

حتى ان لم تُحبهُ يومًا يكفي ان يُحبها هو، هي كـ ليلى تعجبهُ، هل تعجبهُ فقط؟! لا يعلم ولا يستطيع تفسير شعوره والقول انه حُبًا! لكن لا مُشكلة لديهِ بالزواج منها! وإن كانت ندى حقًا، حسنًا هذا مُعقد قليلاً لأنهُ لن يستطيع أن يكون جيّد ولا سيء سيعلق في المنتصف عاجزًا عن التصرف!، تلك العِبرات اللؤلؤية تُحزنهُ عِندما يراها تتساقط من عينى ليلى فقط..

يعلم أنهُ يُفكر بتلك الطريقة المُسالمة والهادئة فقط لأنهُ لا يُصدق أنها هي بالرغم ان جُزءًا بداخله يُصدق هذا..
قطع حبل افكاره حمحمة خليل الذي وصل الآن..
في المطبخ..
ضمتها حُسنه إلى صدرها بحنان وهتفت بحنو وهي تربت على شعرها أثناء نحيبها: بزياداكي بُكى عاد صدجيني مش عاجولك خليكِ معانِه تاني ارجعي لحياتك، حقًا! هل تقول هذا بتلك السهولة؟!.

رفعت ليلى نفسها من أحضانها وقامت بسؤالها وهي تنظر لها بحزن: مش بتكرهيني؟
هزت حُسنه رأسها بنفي وقالت بحنو وهي تربت على وجنتها: أكرهك ليه عاد! انتيّ مالكيش صالح بـ أي حاجة حصلت عاد، هتفضلي الغاليِة عِندي وغلاوتك من غلاوه دهب في جلبي، تأوهت ليلى بحزن وعانقتها بقوة وهي تقول بأسى: يِعز عليا اني اسيبك بس غصب عني والله غصب عني..

ابتسمت حُسنه بـ بشاشة وحثتها على الذهاب برفق: الاحسن ليكِ انك تمشي جبل مايعرِف حد النهاردِة، امشي النهاردِة، هزت ليلى رأسها بطاعة وكادت تتحدث لكن نادين دلفت وهي تجر قدميها خلفها تُقدِم واحدة وتُأخر الأخرى..
جلست ارضًا بجانب قدم ليلى، أراحت رأسها على فخذها وسألتها بنبرة حزينة ببحة أثر بكائها: احنا هنمشي من هنا امتي؟
رفعت ليلى وجهها بين يديها وسألتها بقلق وهي ترى جفنها المتورم: انتِ كُنتي بتعيطي؟

هزت رأسها بنفي وهي تحرك أهدابها سريعًا وأعادت وضع رأسها على فخذها وقالت ببطء: مش بعيط، أنا بس عايزة أمشي، مسحت ليلى على شعرها بحنان وهي تقول برفق: هنمشي دلوقتي، قومي هاتي شنطتك، أومأت بانصياع ثم وقفت وتقدمتها في السير وهي تطرق برأسها على غير العادة جعلت قلق ليلى عليها يتفاقم فهي ليست بخير..
وقفت حُسنه وبدأت بإعداد القهوة الخاصة بـ عمّار بعد ان جاءت صباح واخبرتها سريعا وذهبت..

بعد وقتٍ قصير، دقائق تحديدًا..
حملت نادين حقيبتها ونزلت بها الدرج بهدوء، تخطت عمّار وخليل كأنها لا تراهم، وضعت الحقيبة بجانب الباب في الخارج ثم صعدت وأتت بـ حقيبة ليلى بهدوء مُماثل دون التحدث أو الإلتفات لشيء تحت أنظار عمّار المُتعجبة، هل وافقت على الذهاب؟ هي كانت ورقتهُ الرابحة التي يستخدمها كي تبقى ليلي لكن يبدو أنها ملّت وتُريد الذهاب!، و مسبحة الذي عامت به هل ذهب هباءًا؟

ترك خليل الذي كان يُتابعها بنظراتهُ بثقب وهو يُشبه عليها بعد أن أخذ مُسدسهُ ووضعه داخل جيبه..
تقدم منها وهو يقطب حاجبيه باستفهام عندما وجدها تقف أمام الباب شاردة..
أمسك ذراعها وهو يسألها باستفهام غير متجاهل انتفاضة جسدها بخضة: انتوا ماشيين؟
أومأت بهدوء وهي تتنهد ثم عانقتهُ بعفوية وهي تبتسم وتساقطت عِبراتها وهي تقول بتأثر: هتوحشني..

ربت على ظهرها بحنان مُتعجبًا سبب بكائها، فصل العناق ومحي عبراتها بانزعاج وسألها باستفهام: بتعيطي ليه؟
هزت رأسها بنفي وهي تبتسم ثم قالت وهي تزم شفتيها: مفيش أنا بس زعلانه انت مُستقل بنفسك ولا ايه؟
ابتسم بخفة وبعثر شعرها وقال بعبث: متقلقيش هحصلكم..
في المطبخ..

أفرغت حُسنه القهوة وهي تبتسم، استدارت كي تبحث عن شخصًا ما كي يأخذها إليه لتجد ليلى تقف خلفها تبتسم لها بحنان، كادت تتحدث لكن ليلى مالت وعانقتها بقوة وقالت بـ حُب: مقدرتش امشي من غير ما أسلم عليكِ، ابتسمت حُسنه بعذوبة و بادلتها عناقها وهي تُربت على ظهرها بحنان..

فصلت ليلى العناق وهي تبتسم بنعومة ثم قالت بتأثر ونبرة مُرتجفة مانعة عِبراتها من التساقط: لازم امشي بقى مع السلامة، أومأت حُسنه وهي تبتسم وراقبت تحركها بحزن، فهي تمنت لوهلة لو تبقي وتتزوج من عمّار لكنها لا تستطيع أن تكون بتلك الأنانية معها بعد إن قصّت عليها كُل ماعانتهُ في حياتها وحدها..

أوقفتها حُسنه بقولها للمرة الأخيرة وهي تُأشر على القهوة: خدي الجهوة ديّ في طريجك لـ عمّار، صباح مش اهنِه والباجيِه فى اجازة واني مش جادرة موافجة؟
ابتسمت ليلى وهي تومئ لها وقالت بنعومة: مقدرش ارفضلك طلب..
بادلتها حُسنه الابتسامة وقالت بهدوء: لو وجفتي ونديتي علي بسطويسي هياجي رامح وياخد الجهوة لـ عمّار لو مش عايزِة تروحي..

أومأت ليلى بتفهم وحملتها بخفة وهي تنظر لها بحذر كي لا يسقط وجهها مُحاولة عدم نسيان ذلك الإسم الصعب وهي تسير، وقفت خلف الباب وهي تتنفس الصعداء ثم حركت شفتيها لكنها شهقت وقضمتها بـ غِل عندما لم تذكر اسمهُ! ماذا ستفعل الآن؟

تأففت بغضب وهي تقبض على طرف الصينية وهتفت بهمس دون النظر: عمّار، عمّار، لعنت نفسها ثم أخذت نفسًا عميقًا واستسلمت وخرجت هي كي تُقدمها لهُ يُجب أن تودعهُ أيضًا انهُ الوحيد الذي لن تشتاق لهُ ولن تفتقدهُ بتاتًا..
تقدمت بنفس الحذر بهدوء وبطء دون أن تُحيّد بنظرها عن القهوة قط، مالت ووضعتها فوق المنضدة بخفة وحذر ثم رفعت رأسها وهي تبتسم بفخر لتموت ابتسامتها فوق شفتيها وعلا صوت خفقات قلبها الذي صرخ ذعرًا..

لجم لِسانها وتيبست قدميها ارضًا وشحب وجهها وهي تجد والدها بشحمة ولحمة يجلس أمامها ينظر لها باستفهام وعيناه المُخيفة تتفحصها وتتوسع بتمهل وتروى عندما بدأ يدرك أنها ابنتهُ فعلاً!.
لقد حاولت بشتى الطرق ألا يحدث هذا، لكنها، إكتشفت الآن أنها الاسوأ حظًا على الإطلاق، حتى بعد مُرور كُل تلك السنوات..

لقد تعرف عليها بالرغم من تغيّر ملامحها عن الطفولة! هذا الوجه الذي لطالما كرِههُ وكان دائمًا ما ينظر لهُ وكثيرًا كي يُضاعف ذلك الكُره في قلبهُ أكثر، لكن، هذا جاء بـ فائدةٍ لهُ الآن! وبالرغم مما حدث قلبهُ ينبض برؤيتها..

لا يعلم احُبًا أم كُرهًا لكنهُ ينبض ولايُصدق أنها هي حقًا، لقد ظنّ انهُ فقدها إلى الأبد، لكنها عادت، عادت لهُ وهي بذلك الجمال الذي لم يطرق سقف مُخيلته قبلاً، أن تكون ابنته بهذا الكم من الجمال!

هو تأكد من كونها هي فقط عندما رأي الملامح المذعورة التي ارتسمت على وجهها، فـ مهما حدث ومهما حاولت التصنع أنها ليست هي يستطيع أن يتعرف على ذلك الذعر والخوف الذي يقدح من عيونها ويحتل كيانها عندما تراه، تلك العينان البراقتان لم تتغير قط، تلك النظرات لا تخص سِواها ولا تخرج سوى أمامهُ خشيّةً منهُ..
صاح بـ صوتٍ مُرتفع وهو يهب واقفًا بعدم تصديق: ندي، بتي!

استدار عمّار ونادين على عقبيهما عندما سمعا صوتهُ المُرتفع..
وقف خليل وتقدم منها ببطء ومازالت عيناه تجول عليها من أعلاها لأخمص قدميها..
توقف أمامها ورفع يده وقربها من وجنتها لكنها توقفت في الهواء بفضل قبضه عمّار الذي امسك بها وهو ينظر له بتهكم، نزع خليل يده من بين كفه ودفعه بحدة أسقطة على المقعد فاجئة بسبب هذا الهجوم المُفاجئ والحدة..

زمجر بغضب وهو يقف لكنهُ توقف وظل مُتيبسًا محلهُ عندما رأه يكوب وجهها بين يديهِ وسمعهُ يقول بلهفة وعدم تصديق: ندى! بتي الغاليِة حبيبه أبوكِ، حقًا! هل يمزح معها؟!

ذرفت الدموع ببذخ وهي تحرك أهدابها شاعرة بحرقة عيناها، لتتساقط عِبراتِها على يديهِ وهي تنظر له بلوم وعتاب رغم كُل شيء، لطالما تمنت فقط لو يمنحها عِناقًا دافِئًا كي تشعر بالأمان لكن كان هذا كثير لتحصل عليه، كانت أحقر من أن يتنازل من أجلها ويمنحها عِناقًا، والآن هل يقول بكل سهولة أنها حبيبته و ابنته الغالية! هل هو جاد؟!

هزت رأسها بتعب وهي تحرك شفتيها المُرتجفة في مُحاولة يائسة للتحدث، شهقت وأردفت بنبرة مرتجفة وهي تعود إلي الخلف بخطواتٍ مترنحة: أنـ، أنا مش ندى..
انزل يده وترك وجنتيها وهو ينظر لها بشك، كادت تذهب لكنهُ وضع يده في مؤخرة رأسها وقربها منهُ عُنوة وقام بتجميع شعرها إلى الجانب بسرعة لتقضم شفتِها وهي تطبق جفنها بقوة، فلا مهرب الآن..

نظر خلف أُذنها باحثًا عن ذلك الحرق الذي صنعهُ لها بنفسه وقد وجده، انها هي ندى، صحيح أنها تغيرت كثيرًا لكنهُ يستطيع تمييز نظرة عيناها، عيناها مُميزة..
هز رأسه ونفي قولها بإصرار: لاه، انتيّ ندى بتي، بتي..
هزت رأسها بنفي وصرخت به بقوة وهي تنتحب وجسدها ينتفض بخوف: لأ مش ندى، مش ندى..
تهجمت ملامحهُ ورفع يده وهوى على وجنتها بـ صفعة قاسية جعلتها تصرخ ألمًا وهي تسقط أرضًا..

شهقت نادين بخوف وركضت لها بقلق لكنها توقف في مُنتصف الغُرفة عندما رفعها خليل من ذراعها بعنف وهي خائرة القوى ثم هزها بين يديه بعنف وهو يهدر بغضب: مِستعرية مِني ولِّيه؟ انتيّ بتي واني خابر بتي أكتر من أي حد عـ، توقف عن الحديث عندما ارتخت جميع أعضائها وفقدت الوعي بين يديهِ، لكنهُ لم يسندها! بل ترك ذراعها لتسقط ارضًا بقسوة..

ركضت لها نادين بخوف، جثت أمامها وأخذت تصفع وجنتها بخفة وهي توقظها بأعين دامعة: مامي، مامي، فوقي، هزت رأسها بيأس ثم وقفت وركضت إلى المطبخ كي تأتي بـ مياة من أجلها..

بينما عمّار، يا أسفاه عليه، إنهُ مثير للسخرية! يعترف انه غبيّ وأحمق والأكثر بلاهة على الإطلاق، إنهُ يُحملق بها بذهول كأنهُ لم يسمع هذا القول من صباح قبل دقائق من الآن! كيف لم يستطع التعرف عليها؟ كيف؟ هل كان يستعرض حُبها فقط وكُلما تحدث يقول انها ملكة ومن حقه؟ لقد كان فخورًا بنفسه كثيرًا وهو يقول هذا بينما هي كانت أمامهُ وهو كالاحمق لم يتعرف عليها وكُلما كان يُفكر كان يُفكر كيف يوقعها لأنها تعجبهُ ولا يعلم من هي؟.

هو لم يخطر لهُ ولا لثانية أنها قد تكون ندى! حتى إن كانت تُشبهها! يخلق من الشبه أربعين! ندى كانت في الصعيد فـ كيف يُفكر أنها قد تكون هي وفي المدينة أيضا هذا بعيد كي يُفكر به! وهو لا يعلم عنها سوى أنها تزوجت فقط بعد إن ذهبت من أمامه بالسيارة وهُنا في القرية وليس خارجها..

لقد كان صغيرًا كثيرًا ليعلم ويبحث كان في العاشرة، فـ كيف سيفكر انها ستكون في المدينة؟ إن الفرق شاسع حقًا بين هُنا وهُناك! فإن ظلت هُنا لم تكن لتصبح هكذا بتاتًا، تلك الشخصية القوية لم تكن لـ تمتلك نصفها حتى، هو لا يظُن أنها كانت ستحيى إلى هذا العُمر بفضل والدها!

لكن حقًا، حقًا، هل هي ندى؟، هل هي التي من المفترض أن يتزوجها ويهينها ويجرحها ويذلها ثم يُدللها! وهل هي من ستخضع له بتلك الشخصية المتعجرفة بكل سهولة؟ انها لا تطيقه حقًا ما هذا؟ والمثير للسخرية أكثر أنهُ كان يرغب في الزواج بها حتى تظهر ندى وها هى ندى ماذا سيحدث؟

و اللعين والدها الذي يُخبرها أنها حبيبتهُ هل تناسى ما كان يفعلهُ بها؟ أم انهُ سقط على رأسهُ؟ هو لن يتركها معهُ لثانيةٍ واحدة؟ إنها ستنهار إن ظلت معهُ..

ضحك بعصبية وهو يُمسد جبهته مُتذكرًا ضحكها معهُ في الشرفة كُلما تحدث عن ندى! لقد انفجرت ضاحكة عندما أخبرها أنهُ سيتزوجها يا إلهي، لقد كانت تسخر منهُ بسهولة، وماذا أخبرتهُ ايضًا؟ إن أنجب فتاة يقوم بتسميتها ليلى، يا إلهي لقد كان أضحوكة ومعها حق هو غبى، لكن هل قلبهُ هو من تعرف عليها أولاً حقًا أم ماذا؟

حسنًا، حسنًا، سيعترف، لقد تمت هزيمتهُ، ولم يستطع التعرف عليها كـ أحمق، وتمت السُخرية منهُ والتلاعب به واستصغارة من قِبل ليلى التى هي ندى..
لقد كانت تسأله في الشُرفة عن ردة فعله وهي تبكِ وتنفعل وكأنها هي ندى وهو كالأحمق كان ينعتها بالمريضة فقط!، هو المريض هُنا وليس هي، هي معها حق، لكن يُقسم أنها ليست سهلة ليست سهلة بالمرة، ماذا سيفعل بها الآن؟
هو لا يُفكر الآن ولن يفعل سِوى شيئين، فقط شيئين..

الشيء الأول، لن يتركها بتاتًا ولا حتى لوالدها البغيض لكنهُ لن يُعاملها أيضا سوى كـ ندى، ستظل ندى حتى يمل كي لا تُفكر أن تتلاعب به مُجددًا حتى إن رأتهُ غبيًا فلتقدر مشاعرهُ قليلاً! ستعود ليلى فقط عندما يكتفي منها، ورُبما لا يفعل معها شيءً بتاتًا هو لا يعرف أسبابها بعد، لقد أخبرتهُ صباح كُل شيء صحيح؟! لكن رُبما تُضيف ليلى أو ندى قولاً آخر لا يعلم؟ ولا يعلم ايضًا وضع قلبهُ بهذا! لا يعلم شيء؟!

الشيء الثاني، لن يكون سوى عهد على نفسه أنهُ سوف يُنجب فتاة، وسيقوم بتسميتها ليلى كما طلبت تمامًا ولن تكون تلك الليلى سوى ابنه ثانية لها ومنهُ هو..
هو في الحالتين لن يتركها سواء كانت ليلى أو ندى، لكن ليعترف فقط بهذا الشيء الصغير الأكثر عقلانية والأقرب إلى ما يشعر به، أنه يفضلها كـ ليلى كان أكثر راحة وهي ليلى، هو لا يُريد أذيتها بأي شكل من الأشكال من الأشكال وكونها ندى ليس جيّد له هو شخصيًا..

يعلم ويدرك تمام الإدراك أنها ستكون ضعيفة وبشدّة وهي ندى ستظل تبكِ وتنتحب وتندب حظها وهو لا يطيق بكائها حقًا، هذه ستكون مُشكلة عويصة بالنسبةِ له..
وليعترف بهذا ايضًا هو ليس سعيدا بكونها ندى هو كان يتمنى أن يستقبلها بـ صفعتين لكن الآن سيقف أمامها عاجزًا عن فعل شيء، هي حتى أكبر منهُ يا إلهي كُل شيء مُعقد، لكنهُ لا يهتم حقًا، لا يهتم..

تهجمت ملامحهُ وغلت الدماء داخل عروقه، صرخ به بنبرة صخريه عنيفة وانفعال عندما وجده ينحني عليها: بَعِد عنيها بَعِد!
رفع خليل جسده متعجبًا وقال بعدم فهم: ابَعِد عينها ليه عاد؟ دي بتي!

وقف عمّار من مكانهُ وأخيراً بعد أن استوعب مايحدث حولهُ، تقدم من المسكينة التي تفترش الأرض بجسدها ولا تشعر بما يحدث حولها، انحنى ووضع إحدى يديهِ أسفل فخذيها والأخرى خلف ظهرها وخضراوية تجول على ملامحها وعيناها الباكية المُخلفة تلك الماسات اللامعة على وجنتيها..
حملها بخفة لتستقر رأسها على صدره جهة قلبهُ، مكانها، كما يُجب أن تكون تمامًا، لطالما كان ذلك القلب يخفق من أجلها وسيظل دائمًا..

لكن ذلك اللعين والدها كما علِم مُنذُ ثواني قليلةٍ فقط، لن يهدأ حتى يأخذُها منهُ، يحلُم..
ألقى عباءته الصوفية المفتوحة بعد أن أبعدها عن كتفيه بغضب وهو يراهُ يحملها بتلك الطريقة وقبضتهُ تحتضن جسدها بذلك التملك الذي جعل النيران تنشب داخل جسدهُ، ألا يعلم أن دمهُ حار؟!.
تقدم خطوتين إلى الأمام وهو يرفع يديهِ أمامهِ كأنهُ يحمل كفنه ثم تحدث وهو يصر على أسنانه: لافيني..

زجرة عمّار بحده وهو ينظر له باشمئزاز: ألا فيك ايه عاد؟ هيّ جحرودِه ولِّيه؟ شوف انت رايح فين عاد بلا جَرف..
رفع خليل حاجبيه وهدر بغضب وعيناه تقدح شراً صاراً على أسنانه: انتِه اتجنيت ولِّيه؟ دي بتي بتكلَم افرنجي اني ولِّيه يا بَهيم انتِه!

غمغم عمّار بغضب وهدر بسخط ممزوج باستنكار: بتك كيف يعني؟ كيف يا منتَن انتِه؟ ملكش بنات عِندينا واصل روح دَوِر على بتِك في مخروبة تانيِة غير اهنِه عشان ديّ حماتي حماتي!.

قطب خليل حاجبيه بعدم فهم وهو يُفكر حتى تذكر تلك الفتاة التي كانت تهبط الدرج أثناء وجودة أمس ومن كانت توقظها الآن! إنها حفيدته لهذا ذكرتهُ بها إنها تُشبهها! لكن هذا يعني أن إبنته هي من رقصت ومن تحدث عنها جميع أهل القرية! لقد كان تفكيرهُ في محلهُ عنها مُنذُ أن كانت صغيرة، لقد كان مُتأكدًا أنها ستجلب له العار يومًا ما، كان مُتأكد، إنها جميلة كـ والدتها والجمال بالنسبةِ له نقمة على الفتيات، يكفي انها فتاة وهل ستكون جميلة ايضًا؟!.

يأخذها فقط وكل هذا سوف يتصرف به إضافة إلى حفيدتهُ لقد جاءت فتاة هي الأخري! انه ملعون بالفتيات، ملعون بهم..
قال بخشونة وهو يأشر عليها: حماتك كيف ديّ يا حلوف انتِه يلي جاي من تحت الجاموسِه ديّ بتي وهتهملها ورجلك فوج رجبتك واعي للحديت ولا لاه؟
رفع عمّار زاوية شفتيه بسخرية وهتف بنفاذِ صبر محاولاً الصمود وعدم الإنفجار به: لا مواعيش ملكش بنات عِندينا حتى لو ليك عاتبجي مَرَتي خلاص همِلنا وإجلب!

رفع خليل رأسه بشموخ وقال بنبرة جدية نافرة رافضة هذا: وأني مش مِوافج ومش عاوز صُلح عاد ديّ تبجي جواز الندامِه لو تمت وأني مش مِوافج، كيف يعني تاخد مني بتي بعد ما رجعت وهي كيف كيف الجمر وتستاهل جوازِه احسن من ديّ بـ كَتِير؟!.
مازال كما هو لم يتغيّر!، من الجيّد أنها ليست مُستيقظة كي لا تسمعهُ و تشعر بالقهر على نفسها أكثر!، حتى بعد كُل تلك السنوات الطويلة تفكيرهُ مازال مُنحدِراً كما هو..

ضحك عمّار بسخرية وسأله وهو ينظر له باحتقار: ايه عاتجوزها واحد ميِّت المرا ديّ ولِّيه؟ ولعلمك بجي هي مبجِتش جمر إكدِه غير عشاني كيف معرِفش بس هُوِه إكدِه!، غلت الدماء داخل عروقة عندما سمع تلك النبرة التي إستفزته عنها منهُ ثم صاح به بوجه متهجم ممتقع من الغضب: متهلفطش بالحديت يابن الصعيدي عشان شكلك اتخبلت وعجلك طار ولسانك دِيه عايز جطعة!

غمغم عمّار وهو يقلب عيناه ثم قال بجدية بـ صوتٍ مُرتفع إخترق أُذنه: روح هات شهادة الميلاد اللي تثبت انها بِتك وجمعلي صورها وهي صغيّرِه وكبيرة ولما تتوكد إنها بِتك عاد هات المأذون في يدك عشان مالهاش طالعة من اهنِه يا حمايِه!
صرخ به بنبرة جمهورية غاضبة: على جُثتي انك تتجوزها على جُثتي! مش هتطولها عُمرك يا عمّار عُمرك..
ابتسم عمّار ابتسامة خالية من الحياة وقال بكل هدوء: يبجي هجتلك!

ابتسم خليل بسخرية ثم ضرب كفية معًا وهتف كالنساء بغضب: يا مثبت العجل والدين يارب، يامخلف البنات يا شايل الهم للممات اني عارف عارف ومن وهيِّه صغيِّرِه انها عاتجيبلي العار عاتجيبلي العار..
ما العار بهذا أيها المريض؟

رفع عمّار حاجبيه وهدر بابتسامة عابثة نجح بإخفاء غضبه واشتعاله من الداخل خلفها وهو يضم جسدها إليه بقبضته أكثر: همِلِّي اني العار ولا تتعب نفسك بيه عاد!، من الأفضل لها ألا تستيقظ في وجودهِ حقاً هو يتمنى لها هذا من كل قلبهُ..

غابت عينا والدها داخل تلك الغيمة السوداء وهو ينظر إلى قبضته عمّار على جسدها ولا إرادياً وبحركة يستخدمها كثيراً ضع يده في جيب عباءته كي يخرج مُسدسه وينتهي كُل هذا! يكفي وقاحة وقِلة احترام يكفي..
هز عمّار رأسه بسخرية وهو ينظر له وكم يرغب في الضحك لكنهُ ليس في مزاج جيّد الآن كي يفعل هذا، هو خائن وهذا كان متوقع منهُ، لهذا السبب أفرغ المُسدس..

استشاط خليل غضبًا أكثر عندما رأى تلك السخرية وقبل أن يضغط على الزناد وجد متولي يقف بينهما هادرًا بـ صوتٍ خشِن: بترفع سلاحك وانت في بيتي يا خليل؟!
صاح بغضب وهو يكشر عن أنيابه: شوف ولدك اللي بيتصرف كيف الصغار بـ، وصمت عندما قاطعهم دلوف قُصيّ بذلك الوحل الذي يغطية وهو يقول بضجر كي يغضب عمّار أثناء تفحصه للملابس: شوف ندى السافلة عملت فيا ايه؟

تهجمت ملامح خليل الشيطانية أكثر ظنًا أنه يتحدث عن ندى حقًا ومن دون سابق إنذار جذب رأسه بقوة أسفل إبطه ووضع مقدمة المسدس على جبهته وهدر بنبرة جهورية: ندى ايه يا محروج انتِه؟
تأفف قُصيّ شاعرًا بالاختناق ثم سألهم باستفهام: مين عم هريدي ده؟
رد عمّار بسخط وهو ينظر إلي خليل: ده ابو ندى..
رفع قُصيّ حاجبيه وسأله باستفهام كما فهم: اومال معندوش ديل يعني؟

رفع عمّار زاوية شفتيه بسخرية وقال بامتعاض: لأ ده بـ قرون بـ..
صاح متولي بغضب وهو يضرب عصاه أرضًا: ايه الكلام الماصخ دِيه منك ليه؟ ايه اللي بيحصل اهنِه وشايل ديه على جلبك اكدِه ليه؟
نظر له عمّار ثم قال بهدوء وهو يستدير: هطلِعها وجاي..

صرخ به خليل رافضًا وهو يُصوب اتجاهه بـ ثقة كأنها ممتلئة بالرصاص: تِطلع ايه؟ هات بتي يا عمّار بدل ما تبجي دم؟، وضع متولى يده فوق مُسدس خليل وهو ينزل ذراعهُ وهدر بحدة: الكلام مش اكدِه والسلاح ماهيترفعش في بيتي يا خليل وانت خابر الحديت دِيه مليح!.
ركضت نادين إلى الأعلى خلف عمّار بقلق وهي تحمل كوب المياه وخلفها حُسنة التي تتحسر بداخلها بسبب كشف كُل شيء..
صعد قُصيّ إلى الأعلى كي يُنظف نفسهُ..

بينما في غرفة ليلى، قام بوضعها فوق الفراش الناعم بخفة ودثرها أسفل الغطاء ثم تنهد بعمق وجلس مُقابلها على طرف الفراش وظل يتأملها بحزنٍ عميق واناملهُ أخذت طريقها إلى وجنتها الحمراء بسبب صفعة والدها التي دمغت عليها وتركت علامة على بشرتها الناعمة..
فتحت عشق دورة المياه وخرجت وهي تحاوط جسدها بالمنشفة بعد أن أخذت حمامًا دافئ، شهقت بتفاجئ ثم ركضت إلى الداخل من جديد عندما رأت عمّار يجلس أمام ليلى..

التفت كي يرى من هذه وهو يقطب حاجبيه لكنهُ لم يلحقها وقد أغلقت الباب عليها، بالتأكيد إحداهن، ابعد نظره عن دورة المياه بعدم اهتمام، رفع أناملهُ لتتجه خلف أُذنها كى يرى ما هذا الذي رآه والدها جعله يجزم أنها ندى لكن باب الغُرفة صُفع بقوة..
ابتعد ووقف بهدوء وهو ينظر اتجاه الباب لتركض نادين تجاهه بخوف وهي تسأله بلهفه: ايه حصل ايه؟ بقِت كويسة جِبت مايه بـ سُكر اهي؟

ربت على شعرها بهدوء وهو يهز رأسه بـ إماءه بسيطة كي تطمئن وقال بنبرة هادئة: هتبقي كويسة خليكِ جنبها وفوقيها، هزت رأسها بخفة ثم سألته بعدم فهم وخوف: هو مين ده اللي ضربها تحت وبيقولها يا يابنتي وندى ليه؟
تنهد وقال لها بهدوء وهو يمسد جبهته: عشان هى ندى بنته وده جِدِك..
توسعت عيناها بصدمة وهزت رأسها بعدم فهم غير مُدركة هذا وهي تستعد لإلقاء سؤالاً آخر عليه لكن حُسنه دلفت وهي تلهث من الدرج..

تقدمت وأمسكت بيد عمّار وهي تنظر له تلك النظرة التي يعرفها جيّدًا ويعرف ما ستقول عقبها وهو، لاتقترب منها، هذا ليس ذنبها، انها طيبة، انت تعرفها قبل ان تعرف حقيقتها، لا تفعل هذا وإلخ...
ابتسم بهدوء و ربت على يدها قبل أن تتحدث ثم ترك الغرفة وذهب إلى الأسفل..

وجد خليل قد ذهب بكل هدوء وهذا ليس جيّدًا ولم يجعلهُ يرتاح بتاتًا لكن والدهُ أخبرهُ أنه سوف يعود في وقتٍ لاحق لأنهُ قال قبل أن يذهب لن يتركها لديهم وذهب..
لكن المشكلة ليست هُنا حقًا، المشكلة كانت في حديثة مع والده الذي علِم كُل شيء وقد انتهى هذا الحديث بـ شجارٍ حاد، ليأخذ عمّار نفسهُ وغادر المنزل نهائيًا تاركًا والده يقف في مُنتصف غُرفة الضيوف يصرخ باسمه بغضب..

اصطدم كتفهِ بكتف آدم وهو يدلف إلى المنزل مع تالين لكنهُ لم يهتم وتابع طريقة بصدر مشتعل من الغضب، فقط لو لم يكن والده يا إلهي..

هتف آدم باسمه بتعجب: عمّار، عمّار!، لكنهُ لم يلتفت وخرج من بوابة المنزل الرئيسية، توقف آدم محله بريبة، ثم صعد السُلم المصقول بالرخام حتي وصل إلي باب المنزل، جعل تالين تقف خلفه ومال بجذعة ونظر عبر الفراغات بين الباب يرى الأجواء في الداخل ليجد متولي مازال يقف يستشيط غضبًا وحده..

استقام وقال بتفكير وهو يضيق عينيه: تعالي نقعد في الأرض وناكل البرقوق لوحدنا وبعدين نشوي ذُرة ايه رأيك؟، هزت رأسها مُوافقة بحماس وهي تُصفق، فأمسك يدها واخذها وسار خلف المنزل..
أما هُناك، بعيدًا عن المنازل والزحام، بعيدًا عن المقابر وبداخل الجِبال..

كان خليل جالسًا ينظر حوله بريبة مُراقبًا الحارسين بثقب أثناء جلوسه مع ابن شقيقه المختبئ خوفًا من إن يُقتل بسبب قتله اثنان من عائلة الصعيدي ثم فرّ هاربًا تاركًا الثأر بين العائلتين..
تحدث خليل بهدوء مغلف بأسف مصطنع: ديّ آخر مرة هاجيك اهنِه اني هبعتلك فلوس وكل اللي تحتاجه بس مش هاجيك تانيّ عاد عشان لما تنمسك ميكونش ليا صالح بيك عاد؟
هتف الشاب في مُقتبل العُمر باعتراض وخوف: واه.

هتهملني يعني؟ اني مش في حمايتك؟ وبعدين انت اللي حرضتني عشان اجتلهم يا عمي!.
هز خليل رأسهُ باستنكار وقال بتهكم: واه، لو جولتلك ارمي نفسك في البحر هترمي نفسك عاد؟
علا صوت الشاب وقال باستياء شاعرًا بالظلم: اني مليش صالح بكل دِيه؟ شكلك بيجول انك لجيت ندى ومش عاوز تضيعها تانيّ صوح؟ عاتجوزهاني؟

زجرة خليل بحدة وهو يكاد يغرز اناملهُ في صدره ويخرج قلبهُ بين يديه بغضب: اجوزك ايه يا جالوس الطين انتِه! فكِر لوْول انك تُهرُب ومتموتِش مش تتجوز! جواز! ايه دِيه يا مجنون انتِه؟.
أعاد بإصرار وهو يُذكره: بس واحنا صغيرين كُنا عانتجوز؟
ضربه خليل على جبهته بغضب وهو يزجرة: زي ماجولت كُنتوا صغيرين و كيف تتجوزها وهي اتجوزت جِدامك ومشيت مع جوزها يا مخبول انتِه! يعني خلاص راحت عليك ملكش صالح بيها عاد..

قال بغضب وهو ينظر له بازدراء: يا عمي ما انتِه خُنتِنا وخمِتنا وجوزتها لواحد غني وكسرتلي جلبي..
نظر له خليل بدون تعبير وقال بسخط وهو يقف: اني ماشي ومش عايزك تخرج عشان العيون كُلاتها عليك وعمّار مش هيرحمك ولو عرِف انك ظهرت، هيجيبك ولو جابك اني معرفكش، مع السلامة يا وِلد اخوي..
في منزل خليل الطحاوي..

ربتت الخادمة على شعرها بشفقة وهي تُراقب حالتها المُزرية الممزقة للقلب بعد ذهاب الطبيب وتعليق ذلك المحلول وحقنها به..
بينما هي لم تكن هُنا بل كانت تُحدق في العدم تتنفس ببطء وعدم انتظام وصدرها ينبض بالحقد والكُره تجاهه، تُقسم أنها لن تتركه سوي ميتًا وسوف تُساعد عمّار كي ترى رأسه مُنفصلة عن جسده في نهاية المطاف، وإن لم يفعل عمّار ستفعل هي..
في منزل تغريدة..

كانت تجلس أمام منضدة الطعام شاردة وجاسم يجلس مُقابلها يشاهدها بتعجب..
سألها باستفهام وهو يتلفت حوله: هو جوزك مش هياكل ولا ايه؟
رفعت رأسها لهُ وهي تقطب حاجبيها بتشوش ثم سألته: كُنت بتقول حاجة؟
نظر له مطولاً وسألها باستفهام: في حاجة مضايقاكِ انتِ سرحانة من ساعة ما جيتي من برا!
هزت رأسها بخفة وقالت بتعجب: اصلي شوفت في السوق واحده شبه عشق كانت بتجري ورا واحدة تانية!.

قطب حاجبيه بتكفير ونظر لها بحيرة لتتابع: مشُفتش وِشها كويس كُل حاجة كانت بسرعة وبعدين اختفت، ابتسمت بخفة ثم تابعت: متشغلش بالك انت وكُل اكيد دي تهيئات عشان كُنت بفكر فيها بس..
هز رأسه بتفهم وبدأ يتناول الطعام بتفكير ثم سألها سؤاله السابق: جوزك مش هياكل؟
ابتسمت وقالت بهدوء: بيصلي في الجامع وجاي..
في منزل عمّار، في الحقل..

كان آدم يلوح بتلك المروحة اليدوية فوق النيران وهو يبتسم بعد ان طلبها من الغفير كي يشوي بعض الذُرة..
ابتسمت تالين وهي تُراقبة كيف يلوح بها بانتباه وهو يقلب الذرة أمامه كـ متمرس لتشرد به وتختفي ابتسامتها بالتدريج ثم قالت بهدوء جعلتهُ يتوقف وينظر لها: تعرف اني طلبت من مصطفى انه يطلقني قبل كدة!.
نظر لها بتفاجئ وسألها مشدودًا: بجد؟

هزت رأسها بخفة وتابعت وهي تتذكر: السفرية اللي قبل اللي فاتت، لما رجع اتخانقت معاه جامد وقولتله طلقني، قالي موافق ونام! مش هكدب عليك انا مجاليش نوم اليوم ده من الخوف، رفعت نظرها لهُ وقالت بتأثر وهي تعانق جسدها وتابعت: خُفت يطلقني بجد وارجع اعيش تاني الحياه اللي كُنت عايشاها! بس الصُبح لما صِحي لقيتهُ بيضحك عادي ولا كأنهُ قال حاجة امبارح ونسي وانا سِكت و قولت مش هتكلم معاه في السفر تاني براحته بقى..

هز آدم رأسه مُتفهمًا وهتف وهو يبتسم بحزن: بس انتِ اتخانقتي معاه عشان الاهتمام مش السفر يا تالين؟
أومأت بارتباك وهي تبعد شعرها خلف أذنها: هو مش بالظبط بس كان من ضمن الأسباب..
ابتسم بهدوء وهو يلوح بيده ثم رفع كوز الذُرة وناوله لها وهو يبتسم مع قوله بهدوء وثقة: ارجعي المرادي وقوليله طلقني هيطلقك..

قطبت حاجبيها ونظرت له باستفهام وكادت تتحدث وتسألهُ لِمَ كُل تلك الثقة لكن ذلك الصوت الذي خرج مترددًا أوقفها: الف وارجع تاني ولا ايه؟
نظرت تالين خلفها لتجد قُصيّ يقف بعد إن نظف نفسهُ وأخذ حمامًا دافئ وارتدى ملابس بيتية ويحمل فوق كتفه أعواد قصب!.
أغمض آدم عينيه من الدخان المُتصاعد ونظر له بطرف عيناه لـ يقهقه بخفة وهو يرفع كوز الذُرة لكن تالين اختطفتهُ من يده وركضت الى الداخل..

صاح آدم متذمرًا: ده بتاعي ده!
جلس قُصيّ بجانبه وهتف وهو يبدأ بتقشير القصب: اشوي غيره اشوي شكلنا هنقضيها اكل..
قهقهة آدم وهتف باستياء وهو يزم شفتيه: أنا بقول نمشي عشان حاسس اننا هنتقطع وهيعمولونا على ملوخية..
قهقهة قُصيّ وقال مُقترحًا: انا اصلاً بفكر اجيب اشيائي واستقر هنا..
ضحك آدم بتسلية وسأله باستفهام: وهتعمل ايه هنا يعني لما تيجي؟

هز كتفه وقال بتفكير: هفتح مزرعة حيوانات، انت تلم البيض بتاع الفراخ وانا ححلب الجواميس وعمّار يِشيل البيبي بتاعهم..
ضحك آدم وهتف بسخرية: والله لو سِمعك هيعمل منك بيبي اصلاً، ضحكا معًا ليجفلهما صوت الفأس القريب الذي هبط فوق التُربة جعل منهما يلتفتانِ معًا فإذا به عمّار بملامحه الغاضبة المتهجمة يمسك بالفأس ويحفر به في الأرض بقوة..

همس آدم بريبة وهو يحدق به: شوفت هيطير دماغنا بالبتاع ده وهيعمل علينا ملوخية زي ماقولت..
رد قُصيّ وهو يمتص القصب: لأ لأ ده تلاقيه مضايق عشان ليلي مراد طلعت ندى..
أومأ آدم بخفة وهو يحدق في ظهرعمّار لتتسع عيناه ثم صاح بتفاجئ: مين؟ ازاي يعني؟ وانت عرفت منين؟.

ضحك قُصيّ بخفة وقال وهو يتسطح مُستندًا على مرفقة: وانا نازل قابلت الحاجّة حُسنه علي السلم وقفت معاها وعرفت الحكاية من طقطق لسلام عليكم، بُص يا سيدي، ندي جوزوها وهى صغيرة لواحد كبير في السن من القاهرة متهيألي بس وهُمه كانوا بيدوروا عليها بس محدش عِرف هي فين؟ لكن مقابلة نادين لـ عمّار هي اللي وصلتهم لكل ده بس الغبي معرِفهاش برده بس، و دلوقتي بقي هو مضايق ليه؟ عشان طلعت ندى وهو كان مكنش يعرف و عشان شكلهُ كان مخطط لحاجة تانية فى دماغه و باظت..

هز آدم رأسه وقال باستنكار: طب ماهو طبيعي ميعرفهاش يعني بعد السنين دي كُلها! عادي وبعدين انا شايفها فُرصة احسن عشان لو هي عجباه فعلاً وطلعت ندى يتجوزها وخلاص مفيش مُشكلة!
ضحك قُصيّ بسخرية وتابع بـ صوتٍ مُنخفض كي لا يسمعهُ عمّار: ما انت معرفتش اللي فيها، وانا نازل من على السِلم بعد ما خلصت كلام مع الحاجة حُسنه سمعتهُ بيتخانق هو وابوه تخيل ليه؟

هز آدم رأسه بجهل وهو يُلوح بيده سريعًا بعصبية جعل الكثير من الدُخان يتصاعد و هتف بضيق: معرفش خلص إنجز..
قال قُصيّ بـ صوتٍ مُنخفض أكثر:
ابوه قاله بما انها طلعت ندى وكده كده هتتجوز و مش هيدفعوا فيها مليم واحد عشان الصُلح يتجوز هو ليلى وعمّار يتجوز نادين بس عشان كده وعنده حق يضايق والله ايه الأب ده؟.
رفع آدم حاجبيه وهو يفكر بذلك الرجل حقًا ماهذا؟
تحدث آدم واقترح عليه: طيب ماتيجي احنا نحلها..

نظر له قُصيً وسأله باستفهام: نعمل ايه يعني؟
شرد آدم وهو يُفكر: لما اعرف هقولك انا بفكر اهو، بس انت كُنت فين كل ده؟
قهقهة قُصيّ وقال بفخر: روحت اشتريت قصب وجيت..
هز آدم رأسه وهو قهقهة وظل يلوح بيده كي تطيب الذُرة..

هز قُصيّ رأسه وهو يُحدق في ظهر عمّار ثم هتف بـ صوتٍ مُرتفع كي يصل إليه وهو يُقشر المزيد من القصب: وايه يعني يا عمّار لما تطلع ندى مضايق ليه؟ ده اصلا مفيش حاجة احلى من انك تعذبها وتحبها في نفس الوقت والله..

تجاهله عمّار مُستمرًا في الحفر وهو يتصبب عرقًا بغزارة، بأنفاس لاهثة وعروقه بارزة من الإنفعال وهو يفكر بقول والده، هو يقتلها ولا يتركها لوالده، يمزح معهُ انهُ يمزح، لقد تعلم المُزاح على كبر حقًا لن يسمح أن يحدث ما يُفكر به والده قط..
توقف عندما سمع رنين هاتفه المُزعج، زفر والقي الفأس من يده وأخرجه كي يغلقه لكن وجده رقم دولى! انه شقيقة..
أخذ نفسًا عميقًا وهو يلهث ثم قام بالرد باختناق: الو..

قابلة صوت شقيقة المرح: ايه ده؟ ايه الوِش الخشب ده الو حاف كده؟
زفر عمّار وقال بضيق: آسر مش ناقصاك عايز ايه؟ فلوس؟
ضحك آسر وهو يُمسد جبهتهُ ثم قال باستياءٍ شديد: عشان تعرف انك ظالمني بس، انا كُنت بطمن عليك عشان اقولك كمان ان الكونتيسه عايزة تنزل مصر اصلك وحشتها..

غلت الدماء داخل عروقه و زمجر بغضب ثم صرخ به بحدة دون سابق إنذار: تنزل فين؟ مش عايز اشوف حد انا خليها مكانها هناك يمكن ينفعوها وخليك فاكر لو اتصلت تاني وجبتلي سيرتها مش هرد عليك فاهم!

تنهد آسر وهتف بضيق: بس يا عمّـ، لكنهُ أغلق في وجهه بغضب، هل يمزح هو الآخر، والدتك تُريد رؤيتك، يال الجمال حقًا هل انتبهت الآن بعد كُل تلك السنوات أنها اشتاقت لهُ حقًا!، نجوم السماء أقرب إليها من رؤيته لن يسمح لها، والغبي شقيقة المُتحمس الطائش إن عاد سيُقتل دون مجهود بسبب تلك البلاهة..

قذف الهاتف بغضب وظل واقفًا يُراقبه بوجوم، الجميع مُصِر على جعلهُ ينفجر اليوم، مهما حاول الصمود والتحكم في غضبهُ يفقدونهُ صوابه بشيءً آخر، الجميع مُسلط عليه..
وقف آدم من محلهُ وترك المكان بسبب رؤيته إلى عمّار يتقدم منهما بتلك الملامح، نظر له قُصيّ بتعجب وسأله باستفهام: ايه في ايه؟

كاد آدم يُحذرة لكنهُ إنفجر ضاحكًا عندما سحب عمّار قُصيّ من قدمه وجره خلفه وهو يسير بغضب، أليس صديقة فليتحملهُ إذا ويتحمل غضبه فلا يوجد أمامه سواهما..
ضحك قُصيّ بعدم تصديق وهو يجد نفسه يُجر غير قادرًا على التحدث بانتظام..
صاح بـ صوتٍ مُرتفع وهو يضحك بتقطع: انت، انت هتدفني ولا ايه استني بس، آدم الله يخربيتك الحقني، على فكرة مش انا اللي يتعمل عليا ملوخية انا قُصيّ رشدان، يا آدم..

وضع آدم يده على معدتهُ من الألم بسبب الضحك وهو يخفض وجهه غير قادرًا على التحدث ولا الوقوف باعتدال..
أسقطة عمّار داخل الحُفرة و قفز خلفهُ داخلها لـ يصرخ به قُصيّ بتذمر: انا لسه واخد دُش يا اخي حرام عليك، كُل ده عشان ندى لا عاش ولا كان اللي يزعلك ياشيخ روح اغتصبها وارحمنا بقي..

زفر بأنفاس حارة غاضبة ورفعه من ياقته وقال بـ غِل وهو يصر على أسنانه: انا لو مقتلتش حد دلوقتي هتشل هتشل، انت صاحبي وتتحملني متزعلش مني..
توسعت عينا قُصيّ وأوقفه سريعًا وهو يقول بترجي: لأ، انا لسه عايز اعيش ارجوك ارجوك، بُص انا هريحك هقولك تعمل ايه بس من غير تغفيل وضرب..

مسح عمّار وجهه بغضب وأخذ نفسًا عميقًا ثم خلع سترتهُ وقذفها من الغليان و الحرارة التي يشعر بها، جلس داخل الحُفرة أمامه ونظر له في ترقب..
اعتدل قُصيّ جالسًا وقال بهدوء: بُص انت دلوقتي ومن غير مبالغة هتتذل ليه قولي ليه؟

زفر عمّار وضم قبضتيه بغضب ونفاذِ صبر ليقول قُصيّ سريعًا: خلاص متقولش هقول انا، بص هي ندى او ليلى مش هتفرق كتير عشان في الحالتين بتكرهك ومش بتحبك يعني ومش مِدياك وِش اصلاً وده صدقني هيتعبك جامد جدًا، عشان كده مفيش حل قُدامك غير الهدوء الهدوء في كُل حاجة وكُل تصرف تتصرفه معاها خليها تحبك يا عمّار خليها تحبك وبعدين شوف انت هتعمل ايه لكن دلوقتي اي حاجة هتحصل هتخليها تكرهك اكتر وانت هتنفعل اكتر وساعتها هتتشل بجد عشان الانفعال بتاعك ده مش طبيعي، لو هي حبِتك صدقني كُل حاجة هتتحل وساعتها بقي براحتك يا هتكمل يا شوف بقى هتجرحها ولا هتعمل ايه..

قاطعهم آدم العاقل الذي كان يجلس فوقهم أمام الحُفرة يراقبهما بهدوء: غلط، غلط اللي انت بتقوله ده، ده فاشل يا عمًار متسمعش منهُ، انا معنديش ليك غير الحل ده وصدقني هو اللي هينجح، نظر له عمّار بانتباه في ترقُب لِمَ سوف يقول لأن العالم أجمع قد نفذِ منهُ الناس كي يستمع لأفشل اثنين في الحُب..
قال آدم بهدوء وهو يقذف عليه كنزته: ابدأ معاها من جديد وانسي كُل حاجة عشان ترتاح..

ثم تابع مُشددًا على قوله وهو ينظر لهُ بعمق: عّمار مش هنكدب على بعض انت بتحبها! بتحب ليلى مش ندى؟ ندى دي وهم مُجرد طفولة عبيطة عشان ملقتش حاجة تلهيك غيرها في الوقت ده، متضحكش على نفسك! وحتى لو بتحبها بجد اللي بيحب مش بيأذى يا عمّار ولو أذتها بـ حِجة انها ندى مش هتبقي غير انسان زبالة من الآخر يعني وضعيف عشان تستني لما تحبك وتديك قلبها اللي بتحلم بيه وانت زي برميل الطرشي غبي تروح تجرحها وتدوس عليه! ده ضعف وخيبة مش رجولة، وفي الاخر هتكرهك تاني ولو مكرهتكش هتكسر جواها حاجة لو فضلت عُمرك كُله تُحاول تصلحها مش هتعرف صدقني، ملكش دعوه بـ قُصيّ ده واحد خاين وواحدة من الاثنين اللي معلقهم معاه هتقتله فى الآخر سيبك منهُ..

لوي قُصيّ شدقيه وصمت ليتابع آدم: هتلاقى صعوبة في الأول عشان هي اكيد منهارة دلوقتي بس هتقبل الأمر الواقع بعدين واحدة واحدة حتى لو مش هتقبله انت حسِسها بالأمان وخليها تقبله فاهم، صدقني مفيش أسهل من انك تخلي واحدة سِت تحبك بس لو دخلتلها صح ودي دخلتها مش هنا ومش هينفع، سِبها ترجع مصر يا عمّار وسافر وراها..

هز عمّار رأسه بنفي وقال برفض شديد: مُستحيل مُستحيل، دي لو خرجت من هنا ابوها هياخدها ولو حصل زي ما بتقول ورجعت مصر ابوها مش هيسبها ولو شافني صُدفة معاها هيفتكر اننا على علاقة ببعض وهيقتلها! وغير كُل ده انت فاكر انها هتبص فى وشى؟ دي بتكرهني من غير سبب و دلوقتى هتكرهني اكتر مفيش حاجة هتنجح معاها مفيش صدقني، ثم تابع مستنكرًا: وبعدين اخليها تحبني اعملها ايه يعني؟ اللي انت بتقولوا ده ترجمته عندي يعني حَك وانا مش حَكاك! انا هتحايل عليها عشان تحبني ولا ايه؟

هز آدم رأسه بيأس وقال بحدة: حتى لو مش بتكرهك برده هتلاقي صعوبه معاها؟ اصلها مش من ثانية كده هتقبلك بشخصيتك الزفت دي اصلاً! وبعدين ما أي حد بيحب بيحُك وايه يعني ما تُحُك! وعلى فكرة بقى ما سمهاش تُحُك ياسوقي هي بس هتشوفك انسان لزِج لازق فيها و شوية شوية هي هتحب اللزقة دي!، ثم تابع باستياء شديد وهو يمسك الفأس وبدأ بإلقاء التربة فوقهما: انا غلطان اني اتكلمت خليك مع قُصيّ اللي هيضيعك وراه انتوا اصلاً شبه بعض وانا مش هصاحبكم تاني موتوا بقي موتوا..

ضحك قُصيّ وهو يختبأ خلف عمّار كي لا يتسخ، ليقف عمّار وهو يسعل بحدة ثم أمسك ساق آدم اوقعة ارضًا ثم سحبه واسقطة معهما داخل الحفرة..
وخرج هو وبدأ وبدأ بالردم فوقهما، شهقت تالين بتفاجئ وهي تقف في الشرفة الخاصة بـ غُرفة ليلى مع عشق ثم قالت بقلق وهي ترى عمّار لا يتوقف: هو هيدفنهم ولا ايه؟
نظرت عشق تجاههم بدون تعبير وهي تلعن قُصيّ اللعين الذي لا يتوقف عن العبث يستحق فليمُت كي ترتاح، لكن هل سترتاح حقًا..

قالت بلا مُبالاه وهي تُنظف فمها من بواقي الذُرة: مش مهم سيبيه يستاهل..
نظرت لها تالين باقتضاب وقالت بضيق: انتِ مضايقة مش قُصيّ آدم ماله بقى؟
رفعت عشق حاجبيها ولكزتها بذراعها وقالت بمكر: طيب وخايفة على آدم كده ليه برده؟
توردت تالين وكادت تتحدث لكن أفزعهم صوت صُراخ حاد يأتي من داخل الغُرفة إنها ليلى!
توقف عمّار وهو يلهث قاطبًا حاجبيه ثم سأل الجثتين في الأسفل: سمعتوا الصوت ده ولا انا بس؟

قال قُصيّ بضجر وهو يصعد من الحفرة: ده صوت الموت بيناديك إلحق..
زفر عمّار ووضع يديه بخصره لكن القلق إحتل كيانهُ رُبما ليلى!، هذا وكأنها ستسمح له أن يُهدئها، تنهد وسار إلى الداخل لكن اوقفهُ قول قُصيّ المتهكم: إلبس بدل ما تدخل عليهم تخضهم..

عانقتها نادين بقوة وهي تبكِ معها في محاولة يائسة منها كي تهدأ: عشان خاطري اهدي، متخافيش محدش هيعملك حاجة عمّار هيحـ، توقفت عن الحديث عندما صرخت ليلى بقهر وهي تدفعها بعيدًا عنها ثم قالت بانهيار وهي تنتفض فوق الفراش تلومها بـ صوتٍ مبحوح وهي تنتحب: كُل ده بسببهُ وبسببك انتِ السبب انتِ السبب قولتلك من الأول بلاش عمّار لأ بلاش عمّار لكن اصريتي عليه وفي الأخر سبتيه وسبتيلي الدنيا تطربق علي دماغي انا، انا هعمل ايه دلوقتي هعمل ايه؟، نظرات والدها في اتجاهها في الأسفل لم تستطيع نسيانها، تلك النظرات الشيطانية لا تنم على خيرٍ أبدًا، سيفعل شيء لن يتركها، لن يتركها..

أمسكت نادين يدها وهي تترجاها ببكاء: مامـ، صفعت ليلى يدها وصرخت بها بقسوة وهي تقول باختناق: أخرجي برا انا مش عايزة حد معايا اخرجي برا وانتوا كمان براا، مش عايزة حد..
تركتها نادين وهي تبكِ بأسى ثم ناظرتها بلوم وسارت مُبتعدة عنها إلى الخارج وهي تطرق برأسها مع تالين وعشق..

غمرت وجهها بين يديها وهي تبكِ بألم من أعماق روحها المُعذبة دون توقف، الموت أهون لديها على أن يتم التحكم بها من قبلهم، خصوصًا عمًار..
أدار عمّار المقبض ليجد الثلاثة يتكدسون خلف الباب كي يخرجون وصوت بُكاء ليلى يصل إلى الخارج..
ارتجف قلبها بخوف عندما أبصرته أمام الغُرفة ولايبدو من ملامحهُ أنهُ جاء كي يطمئن عليها بتاتًا..

دلف هو وسألهم باستفهام: في ايـ، ولم يتابع جملته بفضل صُراخها عليه بنبرة كارهه مهزوزة كانت واضحة جدًا: انت بتعمل ايه هنا برا انت كمان..
تنهد وقال لهم بهدوء مُتجاهلاً قولها وكأنهُ لم يسمع: اتفضلوا برا زي ما قالت..
صرخت به بـ صوت مُختنق ووجه أحمر باكِ وهي تلتقط أنفاسها بصعوبة: انت تخرج قبلهم اخرج..

توقفوا عن السير ونظروا إلى عمّار ليصرخ بهم بحدة أفزع ثلاثتهم: مش قالِت برا برااا، دفعت عشق نادين من ظهرها بخفة كي تحثها على التقدم و هرولوا ثلاثتهم معًا إلى الخارج..
أغلق الباب خلفهم واستدار وبدأ يتقدم منها لتنهض وتترك الفراش وقلبها يقفز هلعًا داخلها، حذرتهُ بسبابتها بانهيار وملامحها تتقلص بـ خوفٍ أكثر وعيناها لم تكُف عن ذرف الدموع قط: متقربش متقربش..

لكنهُ لا يسمع بل ظل يتقدم منها وهو ينظر لها ببرود، هزت رأسها بيأسٍ وهي تنظر حولها تبحث عن وسيلة للهرب وهي ترى بتشوش بفضل عبراتِها وقدميها ترتجف ولن تستطيع حملها لوقتٍ طويل وهو لن يتوقف ولم يترك لها حلاً آخر..
تتمنى فقط أن يعتني بـ نادين عِوضًا عنها كي لا تفتقدها، لقد تمنت الموت كثيرًا ولن تحصل عليه لكن يبدو أنها ستحصل عليه أخيرًا..

تفاجئ عندما وجدها تحركت وركضت اتجاه الشُرفة، جحظت عيناه وارتجفت أنفاسه عندما وجدها تصعد فوق سور الشرفة الغبية ستنزلق قدمها..

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة