قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية حب خاطئ للكاتبة هاجر الحبشي الفصل السادس

رواية حب خاطئ للكاتبة هاجر الحبشي الفصل السادس

رواية حب خاطئ للكاتبة هاجر الحبشي الفصل السادس

- جميع الطُرق تؤدى إلى السعادة، عدى طريقي إليك فإنه يؤدي إلى الجحيم -.

تنهدت وهي تجلس على الفراش المُرتفع عن الأرض بأربع أعمدة ذهبية، نظرت في أرجاء الغرفة تتفحصها بعسليتيها بثقب تبحث عن خطأ ما، لكنها جيّده نظيفة، مُرتبة، أنيقة، رُبما تفوق غُرف الفنادق ترتيباً وأناقة فهم نظيفين جداً كما يبدو، حسناً جميع الصعيد هكذا فالمرآة هُنا لا تفعل شيء سوى الترتيب والتنظيف وطهي الطعام فقط، وذلك الطابع القديم الذي يغلفها زادها أناقة ورونقاً لقد راقتها لأنها جميلة و بها شرفة واسعة ماذا ستحتاج أكثر من هذا؟

أستفاقت من شرودها على طرق باب الغرفة بخفة ثم دلفت منه الخادمة وتحدثت باحترام: الفُطور جاهز حضرتك..
أومأت ليلى وهي تبتسم وهتفت بهدوء: شكراً هحصلك..
أومأت لها الخادمة باحترام وذهبت في طريقها لـ تصطدم بـ حُسنة التي كانت تدلف من باب الغرفة، فوبختها بحدة: أُنضرى جِدامك يا حزينة؟

أومأت بطاعة ثم تابعت طريقها إلى الأسفل لـ تغلق حُسنة الباب خفلها ثم تقدمت من ليلى حاملة بين يديها زجاجة صغيرة بها نوع من أنواع الزيوت الطبيعية الخالصة..
إبتسمت حُسنة وقالت لها وهي تلوح بيدها تشرح لها: عمّار جالي إن ظهرك عيوجعك صُوح؟
أومأت لها ليلى ثم عادت تتأوه وكأنها تذكرت الآن أنها تتألم وقالت بخفوت: أه يا حاجة أم عمّار..

قهقهت حُسنة وهي تتفحصها بنظراتها بثقب ثم قالت وهي تهز رأسها لـ يتراقص قِرطها الذهبي: زينة حاجة مِنيكي يا غالية..
ابتسمت ليلى بهدوء لتجدها تقدمت منها ومن دون سابق إنذار رفعت قدميها على الفراش جعلتها تتعجب ثم هربت شهقة رقيقة خافته من بين شفتيها عندما سطحتها وقلبتها على معدتها كـ طفلاً رضيع في أقل من الثانية..

رمشت بتعجب وهي تنظر إلى الوسادة التي إحتضنت وجنتيها ثم صرخت بألم عندك شعرت بسحاب فستانها يفتح ويدها الباردة تتحسس ظهرها باحثة عن مكان إصابتها..
أردفت حُسنة بتهكم وهي تخلع ثوبها الضيق: ايه الخلجات الديِجة ديّ بتتحمليها على جِتتك كيف؟ وماله جسمك أوحمر إكدِه ليه؟
هتفت بألم وهي تشعر بيدها تمسد ظهرها بذلك الزيت: عندي حساسية..

توقفت يدها متعجبة ثم هتفت وهي تلوي شدقيها: واه! عندك حساسيه وعتلبسي خلجات ديِجة إكدِه؟ مخبولة إنتِ وَلِّيه؟
هتفت ليلى بأعين دامعة وهي تدفن وجهها بالوسادة: والله ما في حد مخبول غير الخنزير اللي طالعين بيه السما..
توقفت حُسنة مشدوهه ثم هتفت بغيظ وهي تصفع ظهرها بخفة لكنها تألمت: واه واه واه، شكل لسانك مِتبري مِنيكي وعاوز يتجصجص يامرة؟

هتفت بقهر وهي تقلد نبرتهم: يَد ولدِك العار هي اللي عايزِه تتجصجص لاه تتجطِع تجطِيع يا حُسنة..
توقفت وهي ترمش بتعجب من تلك الوقاحة وسب عمّار بتلك الطريقة دون خوف ثم هتفت بتهكم: شكلك مش ناوية على خير واصل يا بت البندر إنتِ عينك مفنجلة وِكَدْ إكدِه! أنا كَد أُمك يا بت! بس ماشي، ماشي يا بت البندر ملحوجة كُله بالهوادِه..
زفرت بضيك ثم هتفت وهي تدفن وجهها في الوسادة أكثر وبكَت بألم: متزعليش مني..

توقفت ناظرة لها بتعجب تلك المرأة المجنونة لما تبكِ الآن وهي المخطئة؟، نزعت الثوب عن جسدها وهي تهز رأسها بتعب فعقلها مشتت كفاية كي تأتيها و تشغل تفكيرها هي الأخرى، دثرتها تحت الغطاء جيّداً ثم سطحتها على ظهرها وعدلت نومتها وسألتها بحزن وهي ترى عبراتها: بتبكِ ليه عاد؟ متخافيش محدش عيزعلك واصل إهنِه؟

هزت رأسها وهتفت بألم: أنا متعودتش أكلم حد بالطريقة دي بس آسفة إبنك همجي ومعندهوش قلب وأنا مش موافقة على الجوازة دي..
توسعت عينيها في ذهول وهي تضع يدها أسفل ذقنها تفكر ثم صعدت وجلست أمامها على الفراش وربعت قدميها وسألتها بتعجب: واه! وايه اللى جابك إنتِ وبتك عاد؟ جيتي إهنِه يعني موافجة و مفيش حاجه عتمنع الجوازه ديّ واصل؟ إنتِ ما هتعرفيش عمّار ده يجيب عليها واطيها يا بتي؟

أومأت وهي تشهق ثم تابعت بحرقة: قولتله مش موافقة بس جبني غصب عني وكان هيضربني بالحزام وكان هيكسرلي ضهري هو السبب في حالتي دي وحالة دراعي كمان هو اللي بيأذيني..

تنهدت حُسنة ومحت عبراتها بأسى وقالت بحنان أم: بصي يا حبيبتي عمّار عصبي جوي، وهادي جوي جوي، ومِتبلد، وعيضحك ويهزر وعيحب كومان! عمّار فيه كُل حاجة يا بتي وعلى حسب ما تجولي عتشوفي مِنيه! أني مِتوكدِ إنك رطيتي معاه في الحديت صُوح؟ ده وَلدِي وأنا خبراه مش عيعمل فيكِ إكدِه ظُلم عمّار ماهيظلمش حد واصل يا حبيبتي ده نسمة مع اللي عيحبهم!.

هزت ليلى رأسها بسخرية وهتفت بحزن وهي تحني رأسها: اللي يحبهم بقي مش أنا..

ضحكت حُسنة وهي تهز رأسها ثم مدت يدها ورفعت ذقنها بين يديها كي تنظر لها، إبتسمت لها بحنان لـ يتجعد حول عينيها الدال على كِبر سنها وهي تتأمل ملامحها الرقيقة: ومين جالك إنه ماهيحبكيش عاد؟ عمّار ماهيدخلش علينا البيت غير الغالبين بس يا غالية مش أي حد عاد؟ يلا يا حبيبتي جومي عشان الفُطور وتحددتي معاه بـ هوادة وصدجيني مش عتشوفي مِنيه غير كل حاجة زينة عمّار جلبُة كَبير وطيب..

أومأت لها وهي تجفف عبراتها بظهر يدها وقبل أن تتحدث وجدت حُسنة تتحدث بابتسامة مُتمنية: كُنت مفكراكِ إنتِ العروسية، بس ملحوجة الغندورة الصِغيرة عتكون زينه كيفك صُوح..
ابتسمت ليلى بنعومة وأومأت مؤكدة: دي أحسن مني يا أم عمّار..

أومأت ونظرت لها مطولاً وهي تفكر في ذلك السؤال الذي يُحيرها لكن قبل أن تتحدث وجدت باب الغرفة يصفع أثر هجوم نادين وهي تصيح: مامي القمر جاهزة؟، شهقت بمكر ثم سألتها وهي تضع عينيها عندما رأتها تُدثر نفسها بالغطاء: ايه ده مالك سلبوتة كده ليه؟

قهقهت ليلى ثم طلبت منها قبل أن تصل إلى الفراش: طلعيلي هدوم من الشنطة قبل ما توصلي، أومأت نادين وهي تتحرك برشاقة بتلك العباءة الضيقة المنشقة من الجانبين بأكمام واسعة لونها أحمر داكن وتركت شعرها منسدلاً وهي تبتسم بسعادة فهي تحب التغيير والتجول بالأماكن المختلفة طوال الوقت، فلا تُحب أن تمكث في مكانٍ واحد طويلاً وهذا يجعلها تسافر كيثراً في الأماكن الساحلية وقد قابلت عمّار هُناك في المرة الأخيرة..

قهقهت ليلى وهي تراها تتقدم منها بالثياب وهي تهز رأسها للجانبين كي يتراقص القِرط الدائري الكبير في أُذنها..
تحدثت بإعجاب وهي تتفحصها بنظراتها: مين القمر دي؟
إبتسمت نادين بسعادة وهي تدور حول نفسها جعلت حُسنة تقهقه عليها ثم وقفت وإنقضت عليها وأغرفتها بوابلاً من القُبلات ثم عانقها وهتفت بسعادة: كيف الجَمر يا حبيبتي..

إبتسمت نادين وقالت بسعادة وهي تقلدهم: أنا بحبكم جوي جوي يا أم عمّار دهب اللي ظبطتني إكدِه..
ضحكت ليلى وهي تراقب سعادتها ثم أخذت الملابس ودلفت إلى دورة المياه المُلحقة بالغرفة..
ضحكت حُسنة وهي تُرتب على شعرها بحنان وهتفت بابتسامة: إنتِ مِسكره جوي يا حبيبتي، ثم تابعت وهي تُراقب سير ليلى: أمك ديّ يا حبيبتي كيف البسكويتِّة الدايبة يابتي..
عبست نادين وسألتها بحزن: وأنا ايه؟

قبلتها بحنان وهتفت وهي تعانقها: إنتِ إنتِ كيف الملبن يا حبيبتي كفاية إنك عتبجي مَرَتْ الغالي..
بعد بعض الوقت..
هبطوا الدرج ثلاثتهم معاً، توقفوا داخل المطبخ الكبير ومقلتيهما تتجول على كل شيء بتفحص واستفهام في كيفية استخدام تلك الأدوات؟، قاطع صفونهما صوت حُسنة التي حثتهم على التقدم وهمت بالتحدث: بت يا صباح خدي الجمرات دول وصْلِيهم المُندرة اللي بناكلوا فيها يلا هِمي..

أومأت الفتاة بطاعة ثم تقدمتم في السير إلي الخارج لـ يلفحهم هواء الصباح النقي مع ضوء الشمس الدافئ الخاص بالعاشرة صباحاً، إبتسمت ليلى وهي تأخذ شهيقاً طويلاً مع تطاير بعض خصلاتها الكستنائية التي رفعتهم بإهمال لـ تنسدل مداعبه وجهها بنعومة..
أراحت نادين رأسها على كتفها وقالت بسعادة: الجو حلو أوي هنا يا مامي صح؟
أومأت ليلى وهي تنظر إلى الأرض الخضراء الواسعة أمامها بابتسامة ثم قالت بنبرة هادئه: أه حلو..

قاطع تأملهم قول الفتاة بنبرة غلب عليها الخوف: إتفضلي ياسِت هانم من إهنِه سيدي عمّار لو شافكم برا بخلجاتكم دِيّ عيخلي نهاري مغفلج..
حدقا الإثنان ببعضهم البعض قليلاً ثم هتفت نادين باستفهام: ايه مغفلج دي يا مضروبة؟
لكزتها ليلى بذراعها بضيق وزجرتها بحدة: بس الألفاظ متنطقهاش..
ضربت الفتاة فخذيها براحة يدها هي تقول بخوف: يا مراري الطافح يا مراري، فوتوا الله يخليكم..

اومأت ليلى وأمسكت ذراع نادين وأخذتها معها إلى الداخل، فكانت ترتدي بنطال قطني ضيق بالكاد وصل إلى ركبتيها لونه أزرق داكن و فوقه كنزة بحمالات رقيقة زرقاء أيضاً وفوقها كنزة بيضاء أسدلتها عن كتفها الأملس وتركته فهي ارتدتها بدون أكمام بسبب وجود الجبيرة، رغم شعورها بالبرد من الطقس ألا إن المنزل دافئ من الداخل..

جلست أمام المنضدة المستديرة المنخفضة بتروي وهي تتأوه بسبب ظهرها وجلست نادين يسارها وظلا يُراقبان الفتيات وهن يضعن الطعام أمامهم بمختلف الأصناف، لما كل هذا الطعام الكثير؟ ألا يتبعون حميه هُنا؟
صفقت نادين بحماس وهي تقول بسعادة: هيعلفوني يا مامي الحقي..

ضحكت ليلى وهي تعانقها بحنان وقالت برفق: عشان تاكلي وتبقي وظووظة على رأي الخنزير، قهقهت نادين عليها وهي تهز رأسها حتى لفت انتباههم صوت ضحك القادم من الأعلى..
هبط الدرج وهو يُمازح دهب فضربت كتفها بكتفه بمزاح فلم تُزعزع به شعره واحده لـ يرد لها تلك الضربة بكتفه أسقطها على حافة الدرج وظل يضحك عليها..
تأوهت بألم وهي تشتمه بضيق: جولتلك ميت مرة متهزِرش معايا واصل وإنت كيف الطور إكدِه..

ضحك بتسلية وهو يحدق بها ثم أوقفها بهدوء وربت على رأسها بخفة: إنت اللي ما هتبطليش مُناجره يا بجرة فوتي جِدامي..
عبست نادين وهمست إلى ليلى بحزن: مامي دهب دي هتاخدو مني!
ربتت ليلى على كتفيها بحنان ونفت قولها: لأ مش هتاخدو يا حبيبتي دي متجوزة وهي هنا زيارة وشوية وهتروح بيتها متقلقيش، أومأت بعبوس وهي تنظر لها بعدما جلست مُقابلها..

حدق عمّار بظهر ليلى بوجوم وهو يتقدم منهم تلك اللعينة لما لا ترتدي كـ البقية هل هي تمكث في فندق، أم أنها برحلة هُنا..
رفع طرف عباءته وجلس على رأس المنضدة بهدوء، يمينة ليلى ويسارة دهب..
جلست حُسنة بجانب نادين لـ تعرض عليها ليلى برقة: تيجي هنا مكاني يا أم عمّار؟
إبتسمت لها حُسنة ونفت بهدوء: لاه يا حبيبتي خليكِ مِرتاحة..

أومأت لها ليلى وهي تبتسم ثم نظرت إلى نادين وحثتها على تناول الطعام: يلا يا حبيبتي كُلي..
أومأت بهدوء وهي تنظر إلى الطعام ولا تعلم بماذا تبدأ لـ توفر عليها حُسنة عندما وضعت أمامها بعض الفَطِير الدسم: كُلي فَطِير مِشلتت مخبوز بالسمنة البلدي كُلى..

أومأت بابتسامة وبدأت تتناول الطعام بهدوء، بينما ليلى تناولت طعامها الطبيعي المُكون من بيضة واحدة مسلوقة دون خُبز وبعض قطع الجُبن أخذتهم بالشوكة فقط، وظلت تراقبهم وهم يتناولون الطعام بهدوء..
طلب عمّار وهو يمضغ الطعام: لا فيني جَحرودِه يا دهب، لم ترد ولم تنتبه له بسبب إنغماسها في الطعام فأعاد وهو يمد يده لها: جَحرودِه يا جموسية..

زفرت ليلى وأخذت بيضة ووضعتها في راحة يده بهدوء، ضم قبضته عليها وأعاد يده لكنه قطب حاجبيه عندك رافع رأسه ووجد تلك اليد الناعمة تبتعد، فقبض عليها سريعاً كأنه أمسكها تسرق بالجرم المشهود ثم سألها بشك: وعرفتي منين اني عايز بيضة؟

زاغت عينيها وهي تنظر له كـ الفرخ المُبلل مثل سابقاً كأنه سيضربها إن لم تتحدث الآن، حركت شفتيها المرتجفة بعد إن جمعت حروفها وقالت بهدوء: عشان، عشان، عشان هي شكلها مجحرد وكده، ماهذا التفسير المُعجز يا إلهي..
رفع حاجبيه مع زاوية شفتيه بسخرية من وقع هذا الرد الساخر على مسامعه، هل تسخر منه؟.
سألها بشك وهو يضيق عينيه: حماتي إنتِ جوزك كان صعيدي؟

هزت رأسها نفياً كـ طفلة مذنبه وهي ترمش بتعجب لـ تضيف حُسنة وهي تأكل: دي تحددت معايِه فوج كيف المرة الجِرَرية يا وَلدي شكلها عتحبنا..
ضحك عمّار بسخرية وترك يدها وهو يقول مؤكداً: أه عتحبكم جوي جوي، زفرت ليلى بأنفاس مرتجفة وهي تضم يديها إلى صدرها بذعرٍ أخفته جيّداً فهي ليست مستعدة كي تخسرها هي الأخرى بعد..

سألتها حُسنة بتعجب عندما رأتها لا تأكل: إنتِ وجفتي وَكْل ليه؟ ولا تكونيش مِفَكْرة إنك عتدفعي حَجو إياك؟
هزت رأسها نفياً وقالت بهدوء: ده فطاري الطبيعي مش باكل أكتر من كده معدتي تتعبني..
رفعت حُسنة حاجبيها وهتف باعتراض: ومِعدة ايه ديّ اللي عتجوعك إكدِه؟

رد عمّار بدلاً منها ساخراً: ديّ مِعدة بتتعشي ستيك أوت يا أم عمّار، قهقهت نادين عليها حتى غصت اللقمة داخل حلقها، بينما هي نظرت له بحنق وضيق، لـ ترد حُسنة وهي تقطب حاجبيها بجهل لهذا: و ايه دِيه ان شاء الله؟
ضحك عمّار وقال باستياء: دي حكاية واعرة جوي بعدين بعدين، أجفلهم صوت دهب وهي تصيح فجأة: مفيش حكاية واعرة وخفعانِه إهنِه غير حكايتك يا واد عمي..

ضرب البيضة بجبهتها بضجر كي يقشرها جعلها تصرخ وهي تضرب كتفه بغضب لـ يقول بضيق: بطلي طج حنك ورطرطة عمال علي بطال يا بومِية وخلصي وَكل وغوري على بيت جوزك..
هزت رأسها بضجر وهتفت بتهكم وهي تعود لتناول الطعام من جديد: بيت أبوك دِيه إياك يا فحل إنتِه! روح جصجص دجنك اللي بجِت كيف المجشة لوْوَل وبعدين تحددت بالثِجة ديّ..

دفعها بضجر وهو يلعنها فضربت مؤخرة رأسه وقبل أن تشتمه تأوه بألم فصرخت بها والدتها بحدة: إتهدي يا بت يا مخبولة إنتِ وبطلي صغرنه!، ثم نظرت إلي عمّار وسألته بقلق: مالك يا عين أمك راسك مالها؟
ضحك وهو يرى تعابير دهب الحانقة وقبل أن يتحدث تحدثت هي بتهكم: عين أمك ما إنتِ بتجلعِيني بس وهو مش موجود وأول ما ياجي أتركن أني..

وقفت حُسنة بغضب وتقدمت منها وهي تخلع حذائها: شكلك عاوزاني أجطع الكتنلِة ديّ على صِدغك يا ناجصة..
قهقهة عمّار وهو يوقفها: دي حبيبتي دي يا أم إقعدي كملي وَكلك إنتِ وهمليها..
تنهدت ليلى وهي تلعب في الطعام بصمت لـ ترتجف فجأه عندما مرر عمّار يديه على جبيرتها رغم أن يديه لن تصل إلى جلدها لكنه شعرت به..
سألها بابتسامة وديعه: كيف يدك يا حماتي دلوك؟

أومأت بهدوء وهي تتحاشى النظر له ترى بريق عينيه الشيطاني وهو يخترقها بنظراته، هل رأها وهي تضحك عليه ياتُرى عندما تألم من دهب؟
سألت دهب والدتها بهدوء: عنعمل ايه معاها لما تاجي يا أم؟
تنهدت حُسنة بحزن وقالت بقلة حيلة: ولا حاجة يابتي إنتِ خابره وواعية انهم ماهيرجعوش حتى لو جتلناها.

صاحت بصوت مرتفع غاضب افزعتهم: واه، أني جاعده إهنِه مستنظرة اليوم اللي عتاجي فيه عشان أطلِع البلا الأزرج كُله على جتتها وإنتِ عتجولي ماهتعمليش حاجة واصل؟ داني أروح فيكم في داهيِة صوح! بت الناجصة ديّ وربي عجطف شعرها تَجطِّيف..

صرخ عمّار بها بعصبية جعل من عروقة تبرز داخل جبهته هو يضرب المنضدة بقوة: هو مفيش سيرة غير سيرة بت الفاجرة ديّ ولِّيه مسمعش حد يتحددت عنها واصل في المخروب دِيه فاهمين؟ وإنتِ يا بومية لو سمعتك تتحددتي عنها واصل عسفخك بالجلم على خلجتك ديّ معلوم؟
صمتت دهب على مضض وتابعت طعامها على بضيق، وظل الجميع صامتاً لا يتحدث..
قطع ذلك الصمت صوت نادين الخافت العابس: سي عمّار..

إبتسم رغم ضيقة عندما نظر لها وهتف بابتسامة عابثة وهو يرى هيئتها: عيون سي عمّار..
نظرت له وهي ترمش برقة ثم قالت بنعومة: متعصبش نفسك ياقلبي..
إبتسم وبعث لها قبلة في الهواء: حاضر يا عيوني..
ضحكت دهب بسخرية وهي تهز رأسها جعلته يشد جديلتها بضيق: بطِلي وإنتِ شبه بت النِتن إكدِه..

شهقت وكادت تتشاجر معه وتخبره أنه من يأتي بسيرتها لكن أجفلهم صدوح صوت تلك العصا التي ضربت الأرض بقوة مع قول صاحب ذلك الصوت الخشن الوقور: مين ديّ اللي عتجول عليها شبه بِت النِتن يا وَلدي؟

هب الجميع واقفاً إحتراماً له عدى ليلى ونادين اللتان تعجبا من هذا من ذلك!، نظرت نادين حولها بتعجب ثم وقفت مثلهم وهي تحدق بذلك الرجل ذات الملامح القاسية وتلك العينان المسكونتان بالقسوة والقوة والصلابة إضافة إلى البسمة البشوشة التي اعتلت شفتيه، يرتدي عباءته الثقيلة الفخمة وعمامته البيضاء يقف بوقار وشموخ يتكئ على عصاه السوداء براحة يده و نظره معلق على عمّار وبجانبه يقف رجلاً يشبهه كثيراً يبدو أنه عمه، بالتأكيد هو، وكم هو هادئ ساكن وبداخل عيناه حزن عميق لا يستطيع الجميع التعايش معه كما يفعل هو..

همس عمّار سريعاً إلي نادين قبل أن يذهب له: لما أشاورلك تعالي سلمي عليه وتعملي زي ما هعمل دلوقتي بالظبط ماشي، أومأت له سريعاً وهي تلتفت وراقبت ما يحدث بحماس بين بينما هو تحرك من مكانه وتقدم مهرولاً إلى والده وهو يبتسم مع قوله بسعادة: أبوي..
توقف أمامه ثم أنحني وقبل يديه باحترام لـ يربت متولي والده على رأسه بحنان: حمد الله علي السلامة يا وَلدي، كيفك؟

إبتسم عمّار ورفع رأسه وقال باحترام وهو يبتسم: الحمد الله يا بوي أنا كويس طول ما أنت كويس، ثم نظر بجانب كتف والده وهتف بسعادة وهو يترك والده وعانق عمه عبد الغفور: عمي كيفك يا عمي توحشتك جوي، إبتسم عمه بود ثم ربت على ظهره بحنان وتحدث برفق تحت أنظار حُسنة الحزينة: إنت أكتر يا وَلدي..
أدمعت عينا حُسنة وهي تُراقب زوجها بقلب مفتور بسبب حالته التي لا تجد لها حلاً منذُ سنوات منذ قتل أولاده تقريباً..

فصل العناق ولوح إلى نادين فهرولت له سريعاً بارتباك وقلب يخفق بقوة، توقفت أمام والده وهي تبتسم ثم مالت بجذعها وقبلت يديه وهتفت بابتسامة: توحشتك جوي جوي يا بوي، ضحك عمّار وبعثر شعرها ثم قال إلي والده المبتسم وهو يراها: نادين يا بوي العروسية، إبتسم والده وربت على رأسها بحنان
بحنان وقال برضي عن اختياره: زينة يا وَلدي زينة.

تركت نادين يدية ثم عانقت عمه بقوة جعلت عينيه تجحظ وتوسعت عينان عمّار ثم أخذها من حضنه سريعاً وسألها بتعجب: بتعملي ايه؟
هتفت بعفوية وهي ترتب شعرها: مش قولت أعمل زيك..
أوقفها بجانبة وهتف بهمس: زيي مع ابويا مش عمي يخربيتك! كويس إن أمي مخدتش بالها دي ممكن تاكلك..
أومأت وهي تضحك بخفوت لـ يأشر عمه إلي إبنته دهب أن تأتي خلفه ثم صعد إلى الأعلى..

تحرك والده هو الآخر صاعداً إلى الأعلى لكنه توقف عندما أبصر ليلى التي مازالت جالسة في وجوده وشاردة أيضاً، لعنها عمّار بخفوت ثم تحدث مبررا وهو يضع يديه خلف ظهره: دي حماتي يا بوي جِتتها مردوخة شوي ومش جادره توجف..
أومأ له بهدوء ثم صعد إلى الأعلى وهو ينظم حلقة بصوت مرتفع، لكن أوقفه سؤال حُسنة: الفُطور جاهز؟ يا أخوي..

هتف بنفي وهو يصعد الدرج: أنا هنعس شوي، بعدين، صمت الجميع مراقبين صعوده إلى الأعلى باحترام كأنه يقف أمامهم وليس يوليهم ظهره، حتى اختفى عن وقع أنظارهم..
عادت نادين ظافرة وجلست بجانب ليلى بفخر فزجرتها بحدة قبل أن تتحدث: إنتِ بتبوسي ايده ليه؟
صمتت قليلاً تنظر إلي ملامح والدتها الحادة ثم قالت مُبررة: زي عمّار ما قال! وبعدين ده مش زي بابا؟

ضمت قبضتها على الملعقة بغضب وقالت بضيق ونفاذ صبر: لأ مش زيه لسه مبقاش..
هتف عمّار بهدوء وهو يجلس: لأ بقي من ساعة مادخلت البيت ده ومتزعليش أوي كده يا حماتي أدي إيدك أهي، وأمسك يدها ومال يقبلها ببطء وهو ينظر لها بضخراوية الماكرة أربكها، فكان يتذوق يدها، هذه لم تكن قبلة خاطفة بتاتاً، وليست بريئه كذلك!.
تركها وهو يبتسم بخبث ثم قال ببطء وخفوت: كل ما نادين تبوس إيد أبويا هبوس ايديك خالصين يا حماتي؟

هزت رأسها بنفي وضمت يديها إلي صدرها وقالت بضيق: لأ، شكراً، خلصتي أكل يلا عشان تطلعي ترتاحي شوية، أومأت نادين ووقفت ثم مالت بجذعها عندما وجدت ليلى تتأوه وهي تحاول الوقوف باتزان.

لـ تقول حُسنة: أستندي عليها أستندي عليها يابتي ومتجلجيش عاجيكي بليل وعحطلك تاني لحد ما ضهرك يصحي، أومأت لها ليلى وهتفت بامتنان: تسلم ايدك يا أم عمّار، إبتسم عمّار ابتسامة عابثة وهو يستمع إلى ذلك الإسم من بين شفتيها فهو يروقه..
تحركت ليلى مع نادين بهدوء لـ يوقفها طلب عمّار بهدوء: معلش يا حماتي لو ممكن تلبسي زي نادين أو أمي يعني عشان الهدوم دي متصحش هنا؟

نظرت ليلي حولها بتعجب فكل شيء مخفي هُنا ولا وجود إلى رجال بالمكان ماذا إذاً؟
حركت شفتيها وهمت بالتحدث لكن قاطعها قول حُسنة باعتراض: ليه يا وَلدي مفيش غريب وِسطينا أبوك وعمك مش بيجعدوا زي ما إنت شايف هملها براحتها؟ إطلعي يا بتي ريحي ظهرك إطلعي، أومأت لها ليلى وهي تبتسم باستفزاز ثم غمزته بعبث وتابعت سيرها إلى الأعلى مع نادين، ضم قبضته بغضب وهو ينظر لها، تلك الشيطانة، سيقتلها يوماً..

هتف عمّار بضيق وهو ينظر إلى والدته: ليه إكدِه بس؟
هتفت حُسنة بتعجب: ليه إيه يا وَلدي؟ واحدِة واحدِة عالبِنية وملكش صالح بيها عاد بعد كل اللي عملتهُ دِيه؟.
حرك شفتيه وكاد يتحدث لكنها أصمتته بنبرتها الحادة: هملها لَحالها يا ابن الصعيدي وكفاياك عاد دي بَكَت فوج وجالتلي على اللي عمِلتهُ فيها! من مِيته وإنت بتتعافى على حُرمة يا وَلدي؟

مرر يديه على وجهه بنفاذ صبر وهتف بتهكم: ديّ شيطانة اللي هتحابلها ديّ ولسانها فلتان مِنيها!.
تنهدت حُسنة وقالت بهدوء: خابره يا وَلدي خابره بس مش إكدِه دي حُرمة بردك! وبعدين دي كيف النِسمِه وحَجْها تخاف على بِتها!
زفر وهتف بنفاذ صبر: دِيه مش موضوعنا دلوك واللي فات مات! أنا عتحددت على المحروجة الخلجات جولتلها لاه ليه؟

ضربت كفيها معاً وقالت بتعجب: واه؟ مالك إنت بخلجاتها وبعدين مين راجل بيفوت عِندينا وعيشوفها مفيش عاد!
هتف بانفعال هو يضرب صدره: أنا موجود؟ ولا مش راجل أنا إياك؟
رفعت حاجبيها ووضعت أناملها أسفل ذقنها وهتفت وهي تهز رأسها إلى الجانبين: وإنت عتبص لحماتك و لِّيه يا محروج إنتِه؟

نفي سريعاً وقال كـ رجلٍ نبيل تم إتهامة بالقيام بأكثر الذنوب إثماً: واااه! إنتِ عتغلطي إكدِه يا أم عمّار! إنتِ خبراني عاد تعرفي عني إكدِه؟ بجي أنا أغازل حماتي على آخر الزمن؟ واه واه واه نسوان الأرض اتحرجوا وليِّه عشان ملاجيش غير عود القصب ديّ وأغازلها؟
ربتت على صدره وهتفت بنبرة ذات مغزي وهي ترفع حاجبيها: جول لنفسك عاد يا يا حبيب أُمك، تحب تاكلوا ايه النهاردِه؟.

مرر يده على وجهه بضيق وهو يزفر لـ يقع نظره عليها وهي تصعد ببطء تتحامل على نادين في نهاية الدرج جعلته يدرك اليوم فقط أنهم يملكون سُلم طويل للغاية..
هتف بضجر وهو ينظر إلى جسدها المتمايل أمامة بإغواء يغري أكثر الرجال صموداً: محشي ولِفّيه زين يا أم عمّار لِفيه زين لما نشوف أخرتها..

ترجلت من السيارة عندما توقف بها في الحي الشعبي الخاص بمنزل جـنّـة، تجول نظرها في المكان وهي تبتسم بسخريه هل قُصيّ رشدان بجلالة قدره سوف يتزوج واحدة من هنا؟ إنها تعيش بمقلب قمامة مُثير للسخرية؟! لكن لا يهم فهي إبنة عمه ولن يشكل هذا فارقاً كبيراً معه! هو لا يلتفت إلى تلك الأشياء بقدر التفاته إلى جسدها وتقييمه فهي تعلم جيّداً اهتماماته التي تأتي أولاً ودائماً!.

صعد الدرج بهدوء وهو يمسح الدرابزون وهي خلفه، توقفت عندما توقف أمام الباب في الطابق الثالث ونظر لها بثقب جعلها ترتاب منه..
رفع إصبعه مع حاجبيه محذراً أن تفتعل شيئاً أحمقاً كما أوصاها داخل السيارة، طوال الطريق لم يتوقف عن التحدث بالترهات وعن الإحترام في الحديث والهدوء والرقة، اللعنة على جـنّـة..
قلبت عيناها وتحدثت بسخط: خلاص خلاص عرفت إتفضل خبط خليني أخلص وأغور..

تأفف وكاد يتحدث لكنه وجد الباب فتح فجأة وحده ليطل عليه مسعود عمه الذي تحدث بابتسامة قبل أن يراها: بتكلم مين يا ابن أخويا؟!

تحرك قُصيّ إلي الجانب قليلاً لتتبين له عشق التي كانت تنظر له بامتعاض ومن دون سابق إنذار ومن دون أن تتوقع، جذبها من حجابها بقوة قابضاً على شعرها من أسفله جعلها تتأوه ثم دفعها إلى الداخل بعنف كادت تكتفأ على وجهها أثره، توسعت عينا قُصيّ بتفاجئ لكنه ضحك من ذهولة ودلف خلفها سريعاً وأخذها من يد والدها وقبل أن يتحدث تحدثت هي بوجه محتقن بالحمرة من الغضب وهي تعدل حجابها: إنت مجنون ياراجل إنت؟!

أغمض قُصيّ عينيه بنفاذ صبر وهو يدحجها بنظرات ناريه فقالت له بحدة وعينان جاحظة: متبصليش كده إنت كمان هو بيمد ايده عليا وجوزى واقف؟ لأ و بتتفرج راجل صحيح!
رفع حاجبيه وهو ينظر لها بتعجب فبادلته بأخرى عابثة ألن يطلب منها أن تكون جـنّـة! ستكون ولكن على طريقتها..
رمقها بأخرى تحذيرية وهتف وهو يصك على أسنانه بقوة: معلش يا عمي هي أصلها متعصبة مني شوية..

سألها مسعود بتهكم وهو يدحجها بنظرات ناريه: وكنتي فين بقي يا صايعه؟!
رفعت حاجبيها وردت ببرود: الصايعه دي تربيتك يا والدي، مرر قُصيّ يده علي وجهه بنفاذ صبر بينما والدها تقدم وهو يضم قبضته بقوة وبعينيه نذير شر وقبل أن يمسكها وقف قُصيّ عازلاً بينهما وهتف وهو يبتسم: أقعد يا عمي لازم نتكلم عشان الفتره دي كانت معايا أنا إحنا دخلنا..
إنتفض وصرخ به بغضب: نعم يا خويا عملتوا ايه؟!

تحدثت عشق بتهكم وهي تضع يدها بخصرها: دخلنا إيه إللي مش مفهوم؟!
هتف مسعود بعدم تصديق: دخلتوا إزاي؟!
ضحكت عشق بسخرية وتحدثت بتسلية: دخلنا على رجلينا زي كده، وأخذت تسير في الغرفه أمامه وهي تلوح بجلبابها كإحدي الأميرات فتنهد قّصيّ وهمس لنفسه بضيق: الله يحرقك يا عشق..
تقدم مسعود بغضب وقبض على ذراعها بعنف جعلها تتأوه وهتف بتهكم: تعالي هنا يا سافله..

تحدثت ببرود وهي تدفع يده: قولت مره تربيتك يــ، ثم نظرت إلى قُصيّ وتحدثت بازدراء وهي تأشر عليه: إسمه إيه ده؟!
قبض مسعود علي شعرها مجدداً بغيظ جعلها تتأوه أكثر وهو يقول بحدة: بقي عيشتك معاه في العز نسِتك إحترامك يا فاجرة..
إقترب قُصيّ وأخذها من بين يديه ثم دفعها إلى الغرفة وقال بتحذير: ماما جوه إدخوللها إنتِ جايه عشانها يلا..

تحركت وهي تُدحج والدها بنظرات ساخرة، لِـ يهم بالتحدث وهو يضع يديه على كتف قُصيّ عندما رآها تذهب: تعالي بقي يا ابن أخويا إحكيلي علي التفاصيل عشان الفرح إللي متعملش ده هاخد حقه كاش..

: حسبي الله ونعم الوكيل فيك ياشيخ الهي ما تتهني بيهم، هذا ما أردفت به حنان والدتها بقهر عندما سمعته فاستدار قُصيّ ونظر إلى عشق التي تقف خلفها تشاهدهم وهي تبتسم بعبث فعلم أنها فعلت شيءً ما؟! لكن كيف في هذه الثوانِ القليلة!.
هي لم تدلف بل وجدتها تخرج عليها ويبدو أنها سمعت كُل شيء..
رفعت عشق نظرها لتجد قُصيّ ينظر لها بحدة فهزت كتفيها بقلة حيلة وهي تبتسم بتشفي..

تحدث مسعود وهو يقترب من حنان مكوراً قبضته بقوة وكاد يعنفها: إنتِ بتدعي عليا بعد كُل إللي عملته عشانك يا فقريه إنتِ وبنتك الفقر..
تحدثت وهي تبكِ بقهر: بعد كُل ده إيه إنت عملت إيه إنت ياراجل يا عايب حسبي الله ونعم الوكيل فيك..

تحرك مسعود بعصبية لكن قُصيّ قيده بقبضته وهو ينظر إلى عشق بحدِة، فأمسكت بيدها بحنان عندما شعرت بتغير الأجواء بسبب ذلك الرجل البغيض ويبدو أنها إمرأة صالحة لن تتركها هكذا تتأذى بلا ذنب من ذلك الرجل..
ابتسمت لها بنعومة واخذتها ودلفت إلى الغرفة و.

بعد دخولهم مباشرةً عانقتها والدتها بقوة وحنان بالغ وهي تبكِ بحرقة وتحدثت بقهر: ليه عملتي في نفسك كده؟ يا بنتي مش قولتي مش عايزاه وده كان سبب الخناقة الأخيرة قوليلي لو مش عايزاه مستحيل اسيبك تمشي معاه مش هجبرك علي حاجه اهم حاجه تكوني مرتاحه يا حبيبتي كفايه اللي حصلك كفايه أوي..
تساءلت عشق بتعجب هي تمسك يديها بين راحة يدها مظهره التأثر علي ملامحها: هو أنا كنت رافضة قُصيّ يا ماما؟!

أومأت بحزن ثم تحدثت بأسف: أه كنتي رافضاه عشان دخل حياتنا فجأه وبعدين طلبك ورفضتيه لكن أبوكِ المادي الله يجازيه هو السبب هو اللي راحلهم لما أخوه مات وعرفهم إنه أخوه وكل ده عشان ياخد فلوس من ثروِته فاكر إنه ده وِرثه وهمه مكنش حِلِتهم حاجه أصلاً وأخوه هو إللي أشتغل وكون نفسه بنفسه وهو عايز ياخذ علي الجاهز ومن سعتها وإحنا في القرف ده وإنتِ اللي بتدفعي الثمن..

أومأت عشق بشرود ثم تساءلت: طيب ليه موفقتش عليه هو مش وحش؟!
أومأت والدتها وتابعت حديثها بتعب: أيوه ياحبيبتي مش وحش وإنتِ بعد فتره وافقتي عليه بس جيتي بعدها بيومين بالظبط قولتيلي إن قُصيّ عامل علاقه مع واحده وجيبلها شقه بيتقابلوا فيها في وقت معين من السنة، ومن ساعتها وإنتِ كارهاه..
توسعت عينيها و خفق قلبها بعنف ثم أزدردت ريقها وتحدثت بارتجاف: و و و عرفت هي مين؟!

نظرت لها والدتها بتعجب ثم سألتها باستفهام: إيه يا جـنّـة إنتِ مش فاكره؟!
ضحكت عشق بتوتر وهي تقبض على أناملها بقوة وقالت وهي تقضم شفتيها وبدأت تهز قدمها بتوتر: مش فاكره أوي يعني يا ماما فرحتي بـ قُصيّ نستني كل حاجه..

أومأت والدتها وهي تنظر لها بحنان وقالت بذهول: أنا مش مصدقه اللى بيحصل ده بس اهم حاجه تكوني مبسوطة معاه يا حبيبتي، أومأت لها عشق وهي تبتسم بوجه ممتقع وصبرٍ نفذ، فتابعت والدتها بنفس النبرة الحزينة: المهم جتيلي وكان معاكِ ورقه فيها عنوان الشقه بتاعته وإدتهاني..
إبتسمت عشق بعصبية ورفعت راحة يدها تجفف جبينها المتعرق بتوتر: وهي معاكِ الورقة أصلي نسيت العنوان ده؟! عشان اتأكد بس..

أومأت والدتها ثم تحركت بالغرفه وبحثت بإحدي الأدراج الملحقة بالكومود البالي حتى ألتقطت تلك الورقة المُلقاة بإهمال وأعطتها لها..
فتحتها بعيون زائغة، توسعت عينيها وشحب وجهها عندما وجدت عنوان الشقة التي تمكث بها؟، ماهذا؟
تساءلت بوجه قد نحل واصفر: هو أنا مقولتلكيش مين ساعدني عشان اعرف العنوان ده؟!
شردت والدتها وهي تفكر بعمق ثم تحدثت فجأة: أه صح قولتيلي إسمها عشق..

هزت رأسها باستنكار وهتفت بنبرة مرتجفة مُشوشة وهي تكاد تبكِ: عشق مين؟! صاحبتها معاها في الجامعه وكده يعني؟!
هزت والدتها رأسها بنفي وقالت بهدوء: لا عشق نفسها عشيقة قُصيّ!
خفق قلبها بعنف ثم هتفت بذهول وعدم فهم: أنا.

هزت والدتها رأسها وقالت بتعجب: أه يا حبيبتي إنتِ قولتيلي إنها قابلتك وحكتلك كل حاجه وإدتك العنوان عشان تثبتلك إن قُصيّ خاين، أومأت عشق وهي تحدق في ذلك العنوان بأعين جاحظة وكل مايجول برأسها ماذا يحدث بحق الجحيم ماذا يحدث؟! كيف تعرفها؟!.
جمعت حروفها ثم تحدثت بتلكأ في محاولة لضبط نبرتها حتى لا تخرج مرتجفة: طيب يا ماما أنا لازم أمشي ومتقلقيش عليا أنا قابله حياتي كده ومبسوطة..

سألتها حنان بحزن وهي تنظر لها بلوم: مش هتديني عنوانك؟!
ابتسمت عشق بتوتر وهي تنظر بكل الإتجاهات عدي وجه والدتها ولا تعلم ماذا تقول، فابتسمت حنان وضربت كتفها بكتفها وقالت: خلاص متقوليش أنا عارفه العنوان خلاص..
قطبت ما بين حاجبيها وهي تفكر ثم سألتها باستفهام مُراوغه: طيب ما تقوليلي عشان أعرف إنتِ عارفه العنوان الصح ولا لأ؟!

هتفت بتلقائية وهي تداعب وجنتيها بحنان: قُصيّ معندهوش غير بيت واحد محدش مننا يعرفه ولا دخله قبل كده بس أبوكِ إللي مش بيسكت عرف وجبلنا العنوان..
ابتسمت عشق و هتفت بحماس مصطنع: كويس أوى فين بقي يا قلبي إنتِ..
ضحكت والدتها وقبلت وجنتها بحنان بالغ ثم قالت: في
رفعت عشق حاجبيها بتفاجئ أخفته سريعاً ثم صفقت لها وهي تبتسم: شطوره يا ماما تنوريني والله..

عانقتها والدتها بحنان بالغ ودَعت لها برضا: ربنا يسعدك يا حبيبتي، ثم فصلت العناق وظلت تتأمل تلك الملامح الرقيقة التي إشتاقت لها كثيراً، لكن، هُناك شيءً مُختلف بها لا تعلم لكنها مُختلفة؟ ابتسامتها مهتزة! لا تتحدث براحة معها كما كانت في السابق! توقفت عن كونها بريئة؟ لا تعلم إنها مُختلفة؟ رُبما لأنها تزوجت رُبما!، لا تعلم!

عانقتها بحنان و أراحت رأسها على صدرها وهي تبتسم لكن ابتسامتها اختفت وتحدثت بتعجب عندما رأت لون شعرها: إنتِ غيرتي لون شعرك؟!
إبتسمت عشق وهي ترفع رأسها ثم عدلت حجابها المنزلق بنفاذ صبر فهي تكرهه بسبب تحركه بتلك الطريقة المزعجة وعجزها عن تثبيته والتحكم به: أه قُصيّ بيحب اللون الأسود عملته عشانه..

أومأت والدتها وهي تتنهد براحه فهي قد اطمأنت عليها الآن لقد أصبحت بخير في أيدٍ أمينةٍ الآن، كادت تتحدث لكنها وجدت قُصيّ يدلف عليهم وهو يبتسم فابتسمت له بالمثل فهو يسعد فتاتها وهذا أكثر من كافي بالنسبةِ لها..

حاوط خصر عشق بتملك ونعومة لـ تهتز مقلتيها بتوتر ويرتجف قلبها وهي تزدرد ريقها ثم رفعت نظرها له كي تري إن كان هو أيضاً يتأثر ويتبعثر من قُربها مثلما يحدث معها أم لا، وكانت الإجابة واضحة، لا، لقد خذلها تماماً مثلما يحدث كل مرة، لقد اعتادت على هذا..
أخرجها من شرودها اقتراحه عليها: مش نمشي بقي؟!
أومأت له بهدوء فتحرك بها ليذهب لكن حديث حنان أوقفه جعله يقطب حاجبيه وهو يحملق في عشق: هجيلك بكره يا حبيبتي..

استدار وتحدث بهدوء وهو يبتسم: إيه ده جـنّـة مقلتلكيش يا ماما إننا مسافرين بكره عشان هنقضي شهر العسل برا؟.
ابتسمت حنان وهتفت بسعادة: ربنا يسعدكم ياحبايبي تبقي طمنيني عليكِ ها؟!، أومأت عشق وهي تأشر على عينيها بالتناوب واحده تلو الأخري: من عنيا الاتنين يا حبيبتي..
نظر لها قُصيّ وهو يرفع حاجبيه يبحث عن عشق التي يعرفها فرفعت رأسها ونظرت له وهي تبتسم بنعومة ثم مررت يدها على صدر برقة: نمشي يا حبيبي؟!

أومأ وهو يرمش بتعجب ثم أخذها وذهب في طريقة..

وطوال الطريق كانت صامته تحدق بالورقة التي بين يديها باقتضاب وهي تُفكر بذلك الحديث كيف تعرف عنها جـنّـة وكيف تخبر والدتها أنها قابلتها وهي لا تعرفها كيف؟! قُصيّ بالتأكيد لن يفضح نفسه أمامها ويخبرها أنه يملك عشيقة! هل تتجسس عليه؟ حتى إن فعلت لن تستطيع معرفتها! قُصي نفسه لا يعرفها كيف علمت هي؟، وعنوان منزلهُ هو الآخر لما لم يخبرها به لما؟! هل توجد امرأة ثالثة في حياته ذلك القذر؟ وأين إختفت جـنّـة؟ يُجب أن تجدها أولاً لكنها تريد الذهاب من هنا فكل مايحدث لن يُفيدها بشيء سواء عملت حقيقته أم لا!، فهي لن تستفيد سوى الحزن وتحطيم فوائدها أكثر وتعلم هذا، لأن قُصيّ لا يفعل سوى هذا، لا تتوقع منه أن يسعدها يوماً حتى ولو عن طريق الصُدفة!.

استفاقت من شرودها على هُتاف قُصيّ بصوت مرتفع: فوقي يا ماما فى إيه؟!
نظرت حولها بتعجب وهي تحرك أهدابها في ذهول هل وصلوا بتلك السرعة؟.

تحدثت بهدوء وهي تنظر له بتعجب وكأنها لم تعرفه يوماً: مفيش أنا طالعه، ثم ترجلت من السيارة وصعدت إلى الأعلى دون أن تنبس ببنت شفة معه تحت تعجبه ونظره الثاقب المُعلق عليها هي ستفعل شيءً ما بالتأكيد، شرد قليلاً وهو يُفكر بكل لحظاتهم معاً وحديثها المُتكررعن ذهابها لتجحظ عيناه فجأة ثم ترجل من السيارة وصعد خلفها ركضاً..

بينما هي في الأعلى كانت قد إنتهت من تبديل ثيابها وارتدت جينز أسود و كنزة سوداء ثقيلة سريعاً وأخذت حقيبتها التي قامت بتجهيزها منذ أمس..

توقفت أمام الباب ولملمت شعرها تحت إحدي القبعات كي لا يعرفها أحداً هذا إن قابلت أحداً للإحتياط فقط، ثم وضعت يدها على المقبض وأدارته بخفة لـ تقطب حاجبيها عندما وجدته مغلق، حاولت من جديد وهي تفرغ فاهها بذهول لكنه لم يفتح! توسعت عينيها وأعادت إدارته مُجدداً بعصبية وهي تطرق علي الباب براحة يدها لكنه لم يفتح فصرخت وهي تلقي القبعة بعيداً وركلت الباب بقوه وغضب عدة ركلات بقدمها وهي تشتمه: غــبــــــي حيوااااااااااااان ربنا ياخدك يا قُصااااااااي.

بينما في الخارج كان يقف يستند على الحائط بجذعه يرفع إحدى قدميه عليها واضعاً يديه في جيب بنطاله وهو ينظر إلى الباب بتسلية، إنفجر ضاحكاً وهو يهز رأسة باستخفاف فهو توقع أن تفعل هذا مسبقاً فسبقها بخطوة كما يفعل دائماً، إعتدل بوقفته ثم عدل سترته وهز رأسه بأسي وهو يستمع إلي صراخها في الداخل ثم ترك المبني وغادر، هل تظن أنها ستهرب وتذهب متى أرادت؟ تحلم..

في الإسكندرية..
ألقت جسدها على الأريكة بإرهاق وهي تزفر بتعب فجثا جاسم على الأرض بجانبها وهتف وهو يضرب أرنبه أنفها بسبابته: أقدر أفهم إنتِ تعبانه من إيه؟!
تنهدت وهي تمرر يدها على وجنته بنعومه وهتفت برقة: كفايه إني أشوفك بتعمل مجهود ده يتعبني لوحده..
إبتسم ورفع حاجبيه وهو ينظر لها؟ فهذا غير متوقع! فقال بمزاح: لا مش معقول انا كده أقعد جنبك بقى عشان أطمن إنك هتبقي دايماً كويسه..

أومأت له وهي تزم شفتيها ثم أمسكت يده ووضعتها تحت وجنتها وأغمضت عيناها بنعومة كي تنام فابتسم بحب وهو يتأملها، لما هي جميلة ورقيقة هكذا؟، قرب وجهه منها أكثر كي يُقبلها وقبل أن يلتقط شفتيها أجفله صوت والدته الحاد: بتعملوا إيه اطلعوا وضبوا الأُوض قبل ما نمشي..
هز جاسم رأسه سريعاً موافقاً لـ تتحرك والدته وصعدت إلى غرفتها، ليزفر براحه ثم همس لـ جـنّـة بخفوت: مرعبه أوى..

ضحكت بنعومة وهي تومئ له فحملها عن الأريكة فجأة لـ تشهق بخفه لكنها حاوطت عنقه بنعومة وهي ترمش ثم دفنت رأسها برقبته كـ قطة فابتسم وتحرك صاعداً بها إلى الأعلي كي يقوم كل واحداً منهما بترتيب غُرفته قبل الذهاب..
بعد بعض الوقت..
صاحت بإسمه وهي تنزل الدرج بتعب بسبب ثقل الحقيبة عليها: جاسم إنت فين جاسم!
شهقت برقة عندما وجدته يحاوط خصرها بنعومة وتحدث بعبث أمام شفتيها: عيوني..

ابتسمت وهي تُداعب أرنبه أنفها بأنفه ثم قوست شفتيها وهتفت بحزن: إيدي وجعتني من الشنطه ينفع كده؟!
قوس شفتيه مثلها وهز رأسه بنفي وقال بعدم رضي: لا طبعا مينفعش عشان كده البرنسيسه عشق هشيلها لحد العربية بنفسي..
أومأت بسعادة وهي تحاوط عنقه بقوة فقام بحملها
كـ ريشة ناعمة ثم توجه بها إلى الأسفل، وضعها على المقعد الأمامي بجانبه ثم عاد إلى الداخل وجلب بقية الحقائب حتي انتهي أخيراً..

استقل السيارة وأدار المقود كي يتحرك لكنه توقف وانتظر حتى أتت والدته، استقلت السيارة وبعدها تحرك..
سألته جـنّـة باستفهام: إيه ده هي ماما جايه معانا؟!

ابتسم جاسم وهو يومئ لها وتحدث بسعادة: دي كانت مفاجأتي ليكِ قررت إننا هنفضل مع بعض علي طول مش هتقعدي في المدينه الجامعيه ولا الشقة لوحدك هنفضل مع بعض ولو ماما عجبها الوضع هنستقر هناك دايماً، وأنهى حديثه بإبتسامه ساحره فهزت رأسها له بابتسامة مُماثلة ثم شردت ولم تتحدث وهو لم يتحدث مجدداً بل صمت، وتابع قيادته إلى القاهرة..

استقلت السيارة وهي تبتسم بنعومة، ثم قالت بجوع وهي ترتب كُتبها على قدمها: آدم، الحقني بالأكل أنا جعانة أوي، ثم أخذت شهيقاً طويلاً وصاحت كـ طفلة بصوت مُرتفع تستعجله: آدم أنا جعانة جداً وعايزة آكل دلوقتي يلا..

إبتسم وأدار المقود وهو يبتسم لها بحنان لـ تبادله نفس الإبتسامة بنعومة لكن إبتسامتها اختفت سريعاً عندما سمعت صوت تلك الضحكات الخافتة فنظرت خلفها بتفاجئ لتجد سالي تجلس في المقعد الخلفى وتبتسم لها..
بادلتها ابتسامتها بأخرى متعجبة ومتفاجئة لما لا تجلس هي في المقدمة؟ طالما هي هُنا؟ ولما لم يخبرها أنها سوف تكون معه..
قامت تالين بتحيتها بهدوء: ازيك يا سالي..

ابتسمت سالى وردت التحية بهدوء: الحمد الله كويسة، أتمنى إني مكنش تقيلة عليكم النهاردة!
إبتسم آدم ونفي: لأ، طبعاً يا حبيبتي بالعكس اليوم هيبقي جميل أوي..

أومأت وهي تبتسم له عبر مرآة السيارة وإعجابها به بيّن جلياً على وجهها، بينما تالين اعتدلت في جلستها بضيق وظلت صامتة ثم أخرجت هاتفها وعبثت به بيد والأخرى بدأت تقضم أظافرها وهى تفكر به وبتصرفاته ذلك المنفصم هل هو أحمق؟ أمس يخبرها أن لا يجعل زوجها يقترب منها لأنه يشعر بالغيرة وهاهو الآن يُغازل حبيبته؟ أليست تشعر بالغيرة هي الأخرى؟ هل هي تفعل حقاً؟

استفاقت من شرودها على طرقعة آدم لأصابعة أمام وجهها وهو يوقظها: تالين، تالين، فوقي وصلنا يلا عشان ناكل..
أومأت بشرود وهي تفغر فاها ثم تحركت سريعاً بارتباك أسقطت الكُتب عن قدمها جعلته يتعجب وهو يراقبها ثم انحنى وقال بهدوء: سبيهم هلمهم أنا..
هزت رأسها بنفي ولملمتهم باقتضاب ثم نزعت الكتاب الذي التقطه من يده بعنف بيّن وحملته أمام صدرها مع البقية لـ يسألها بتعجب: إنتِ هتاكلى بالكُتب؟

لاحت إبتسامة ساخرة على مِحياها لم يراها من قبل ثم قالت باقتضاب وحِدة لم يتوقع أن تتحدث بهما يوماً: لأ أنا مروحة شكراً وأعمل حسابك مش هتصولني تاني لا رايح ولا جاي اعتبرني مش موجوده مفهوم، ثم ترجلت من السيارة وصفقت الباب بوجهه بعنف جعلته يتعجب أكثر هو ماذا فعل لها لنوبة الغضب هذه؟
راقبها من نافذة السيارة وهي تستقل سيارة أجره وهو يرمش متعجباً حتى إختفت عن وقع أنظاره نهائياً..

أخرجه من شروده جلوس سالي بجانبه بعد أن استقلت السيارة من جديد وسألته بتعجب: ايه يا آدم مش بتنزل ليه؟ وتالين راحت فين؟
هز رأسه بنفي ثم قال وهو يدير المقود وأخبرها بتلك الحِجة: أصل طلع عندي إجتماع مفاجئ وهي روحت عشان عايزه ترجع بدري و هتتأخر لو فضلت معايا وأنا دلوقتي هوصلك إنتِ..
أومأت بإحباط وهي تقوس شفتيها ثم قالت بعبوس: طيب رجعني الشركة تاني..

مساءاً...
عاد قُصيّ مساءاً وكل تفكيرة طوال تلك الساعات كان محصور حولها، هو فقط تركها قليلاً كي تهدأ ومن ثم سيعود لها فهو لا يملك غيرها..
أدار المفتاح داخل المقبض ببطء كي لا يصدر صوتاً وتأتي ركضاً من الداخل وتقتله! ورُبما تكون متربصة به خلف الباب أيضاً، دلف وأغلق الباب خلفه بهدوء و متأكد تمام التأكد أنها في الداخل لكن لا صوت، صوت أنفاسه فقط هو ما كان مسموع..

بحث عنها في غرفة النوم لكنه لم يجدها، بحث في كل ركن وكل مكان في الشقة لكنهُ لم يجدها! عاد إلي غُرفة الجلوس أمام الباب المفتوح من جديد لـ يفرغ فاهه بذهول وهو يلتفت باحثاً عنها بأنظاره في الأركان الضيقة رُبما تمازحهُ وتختبأ لكنها ذهبت حقاً كيف خرجت تلك اللعينة؟، أغلق الباب بقدمه، لا، بل صفعه وهو مازال يبحث عنها لا يريد أن يصدق أنها ذهبت حقاً..

إنفجر ضاحكاً عندما أبصر تلك الورقة البيضاء الكبيرة المعلقة على ظهر الباب نُقش عليها بخطٍ بشع عريض: معايا مفتاح يا زباااااله يا غـــبـــي، ضحك من جديد بعدم تصديق وهو يلعن غبائة أثناء تحديقة بتلك الورقة ثم فتح الباب وذهب كي يبحث عنها فإن كان يعرفها تمام المعرفة كما يعلم فيعرف أين يجدها الآن، إنها لاتملك أموالاً صحيح؟

بعد ساعتين تقريباً من مغادرتها الشقة كانت تقف بمحل مصوغات تحدق بالرجل الذي يُقيِّم تلك القلاده الذهبية المحلقة بالقِرط الخاص بها موضوعين معاً بعلبه واحده كانت قد ناولته إياها من دقائق فقط، وضعهم أمامه على الكاونتر وهو يبتسم ثم قال: دول حلوين جداً هدفع فيهم إللي إنتِ طلبتيه..

أومأت له وهي تبتلع غصتها بحزن وأدمعت عينيها وهي تحدق بهم لأنها تفرط بأغلى ماتملك الآن فهم ملك والدتها قد أهداها إياهم والدها بيوم زفافهم بعد قصة حُب أسطورية بينهم ومن المفترض أن ترتديهم هي أيضاً بيوم زفافها مثلما كانت تخبرها والدتها دائماً وهي صغيرة، لكنها ظلت تقنع نفسها طوال الليل أمس وهي تتكور على نفسها فوق الفراش كي تبرر فعلتها وهو كـ التالي، أنه من المُفترض أن تصنع قصتها الخاصة بها يُجب أن ترتدي ما يجلبهُ لها زوجها وليس ماهو ملكاً لوالدتها وقد ذهب الآن على أي حال..

انتهى الرجل من عد الأموال النقدية ثم ناولهم لها، أخذتهم من بين يديه ووضعتهم في حقيبة ملابسها ثم تحركت كي تذهب لكنها ارتطمت بكتف شخصٍ ما كان يدلف فكادت تسقط لكنها تماسكت وتابعت سيرها بترنح وقلب يخفق بقوة..
تحدث معتذراً وهو يطالع ملابسها المحتشمة وحجابها: أسف، أومأت بصمت وهي تكتم أنفاسها ولم ترفع رأسها عن أرضية المتجر قط ثم عجلت بخطواتها وذهبت سريعاً..

تنفست الصعداء بعد خروجها مباشرةً ثم نظرت خلفها وهمست لنفسها بذهول: قُصيّ بيعمل إيه هنا؟
سأله قُصيّ وهو يضع الهاتف أمام وجهه: دي جت هنا؟!
نظر الصائغ إلى الصورة مُطولاً ثم هتف بذهول: أه دي لسه خارجه المُحجبه!
رمش قُصيّ قليلاً ثم توسعت عيناه عندما تذكر تلك الغبية التي ارتطمت به كيف تُفكر؟ يا الهي؟ ألم تُحاربه كي لا ترتدي تلك الملابس؟

سأله قُصيّ من جديد و عينيه تتجول عليه مُراقباً ابتسامتهِ وسعادتهِ بالقلادة كأنه حصل على ثروة قومية: هي باعت حاجه؟!
أومأ الرجل وهو يبتسم ثم ناوله القلادة لِـ يهم قُصيّ بالحديث وقال دون تفكير وهو يحدق بها: هشتري كل اللى باعته..
هتف الصائغ بتعجب: بس ده غالي اوي!

فتحدث قُصيّ بتهكم وهو يدحجه بنظرات غاضبة: شايفني شحات قدامك خلص هاتهم، أومأ الرجل بإزدراء وهو يلعنه بسره هل يعمل لديه؟! هو حتى لم يتأمل تلك القطعة الثمينة ويحتفظ بها لوقتٍ طويل..

توقف جاسم بالسيارة أمام متجر المصوغات بابتسامة، فهو يريد أن يأتي لها بـ دُبله جديدة عوضاً عن الأخرى لأنه يشعر أنها تجلب النحس لهم وتغيرها سيكون جيّد، إبتسم وحث جـنّـة على الترجل معه: جـنّـة انزلي بسرعه انزلي، أومأت وترجلت من السيارة معه وهي تبتسم فأمسك يدها وأخذها معه ودلف إلى المتجر بهدوء..

إبتسم البائع عندما رآها وقال بأسف وبعض التعجب عندما وجد الملابس متغيرة: جيتي تاني ده في واحد سأل عليكِ واشتري العقد والحلق شكلهم يهموه أو إنتِ اللي تهميه..
تبادلت جـنّـة النظرات مع جاسم بتعجب ثم هتفت وهي تأشر على نفسها: انت بتكلمني انا؟!
إبتسم وهو يومئ لها وتابع: أه و بعد ما إشتراهم خرج يدور عليكِ..

نظرت لها بدون تعبير ولم يصدر عنها أي ردة فعل فقطب الرجل حاجبيه وهو يرى نظراتها المُكذبة له ثم أخرج هاتفه ورفعه أمام عينيها كي تصدقة: شكلك نسيتي بس أنا صورت الحاجه اللى بعتيها عشان نادرة من نوعها أهي ثم ناولها الهاتف..

أخذته من بين يديه ونظرت إلى الصورة بهدوء ثم نظرت إلى جاسم وهزت رأسها بعدم فهم وناولته الهاتف ليراها، قطب حاجبيه وهو ينظر إلى الصورة بجهل فهو لم يراه من قبل أيضاً لكن نقل الصورة على هاتفه ثم أعاده إلى الرجل وتحدث وهو يبتسم: جايز واحده شبها يخلق من الشبه أربعين..
ضحك الرجل وقال بقلة حيلة: قالوا يخلق من الشبه! مش الشخص نفسه دي إنتِ بالظبط أنا مُتأكد والمرة الجاية هصورها لو رجعت يعني..

فسأله جاسم وهو يرى ذلك الإصرار عن كونها هي نفس الشخص: طيب عرفت إسمها أو حاجه عنها ولا حاجه؟!
هز الرجل رأسه بنفي وتحدث بهدوء وهو يتذكر بتروي: لا بس جه راجل سأل عليها وطلع اسمه قُصيّ باين؟ إسمه مكتوب في الفاتورة قُصيّ..
دق قلب جـنّـة بعنف و نظرت إلى جاسم بخوف ثم تحدثت بقلق: أنا حاسه إني سمعت الاسم ده قبل كده؟!

أومأ جاسم بشرود وهو يحدق في الفراغ ثم قال بهدوء: نمشي؟، أومأت له وهي تبتسم بشحوب فأمسك يدها بين راحة يده وذهب..
إستقل السيارة بهدوء وقبل أن يدير المقود تحدث بسخط وهو يضرب جبهته: إيه ده أنا مجبتلكيش الحاجه إللي كُنت عاوز اجيبها!
ربتت على صدره وهي تبتسم بنعومه: مش مهم يا حبيبي إنت عندي بالدنيا، أمسك راحة يدها ورفعها عن صدره وقبلها بحب وهتف وهو يحدق بفيروزتيها بحنان: ربنا يخليكِ ليا..

تبسمت والدته بحنان وهي تراقبهم من مكان جلوسها في الخلف بسعادة وهي تدعو أن تدوم تلك السعادة والمودة بينهم دائماً..
تنهد قُصيّ براحه عندما رآها تجلس على أحد المقاعد الخشبية المطلية باللون الأخضر بالطريق العام ويبدو أنها شاردة، بالتأكيد ستكون شارة..

تقدم منها بهدوء وهو يبتسم ثم جلس بجانبها وتحدث بخفوت: لسة بتيجي هنا لما بتبقي مخنوقه؟!، لم يأته رداً منها فرفع رأسه ونظر لها ليجدها شاردة والحزن والهم يكتسي ملامحها الرقيقة، هتف وهو يطالع هيئتها قاصداً السُخرية منها: مبروك الحجاب!
هزت رأسها وهي تبتسم باستهزاء: بتتريق!
نظر لها بعمق ثم سألها بعتاب: إنتِ عايزه تمشي ليه؟!

ابتسمت بحزن وهتفت بنبرة مرتجفة حزينة وهي على وشك البُكاء: عشان انا اتخنقت وزهقت وقرفت من نفسي عرفت ليه؟!

تنهد بحزن وإقترب أكثر منها ثم أمسك يدها بين راحة يديه ورفع ذقنها بإبهامه جعلها تنظر له وهتف بكل صدق ونبرة حانيه لأول مرة يتحدث بها معها: أنتِ أي حاجه هتقوليها هيبقي عندك حق فيها بس أنا مش جاهز إنك تخرجي من حياتي! الفكره مش مستوعبها سميها حُب إعجاب تعلُق سميها زي ما تسميها بس أنا مش جاهر إنك تسبيني وتخرجي من حياتي مش جاهز يا عشق ومش عاوز كده!.

سقطت عبراتها بأسى وهي تستمع له وخاصتاً إلى تلك الثلاثة أحرف، أحرف إسمها من بين شفتيه كم هو جميلاً، كانت تتمني حقاً أم تستمع له من بين شفتيه عندما يعلم أنه إسمها الحقيقي..
رفع يده وقام بمحو تلك العبرات اللؤلؤية خاصتها وهتف برقه وحنان بالغ: متعيطيش بتعيطي ليه أنا مش متعود عليكِ كده! وإنتِ مش بتعملي حاجة الفترة دي غير العياط؟.

شهقت وهي تغمر وجهها بين يديها وهتفت بحرقه من أعماقها: عشان أنا مش كويسه يا قُصيّ وانت هيجيلك يوم وهتسيبنى وأنا متأكده من ده! قُصيّ إنت لو خيروك بيني وبين جـنّـة هتختارها هي مش هتختارني أنا، عانقها بحنان وهو يدفن رأسها بصدره مطلقاً زفيراً حزيناً من أجلها..

بكت أكثر وهي تشهق وجسدها ينتفض على صدره بقوة فرفع رأسها ومحي عبراتها وهو يهدئها مربتاً على ظهرها بحنان ثم أردف بوعدٍ صادق: أنا مش هسيبك ولو معايا ميت جـنّـة إنتِ فاهمه ولا لأ؟! أنا قبلتك إنتِ الاول، دخلتي حياتي الأول، وهتفضلي الأول دايماً صدقيني هاا؟!، هزت رأسها بإيماءات سريعة وهي تستنشق ما بأنفها فقام بمسح بقية دموعها من جديد وهو يبتسم بعبوس ثم إقترح عندما رأي مُثلجات: هروح اجبلك آيس كريم بقي، ابتسمت بنعومة وأومأت له بهدوء..

تركها وذهب صوب بائع المثلجات مباشرةً والإبتسامة تعتلي ثغرة، توقف أمامه وقام بشراء إثنان واحدة لها والأخرى له وعاد أدراجه بقربها من جديد لكنه توقف بمنتصف الطريق عندما لم يجدها مكان ماتركها هي وحقيبتها، وهُناك من جلس مكانها أيضاً رجلاً!

زفر وهو يلعن غباءه لقد صدقها تلك اللعينة ذات الإبتسامة الخادعة، لكن مازاد الأمر سوءاً رؤيته ذلك الرجل الجالس يلتفت يمينه ويساره ليتبين وجهه بوضوح، أليس هذا الذي قابله في المطعم؟ لم يعرف إسمه لكن عشق عندما بكَت قالت أنه سامي صحيح؟.

كانوا يجلسون على طاولة الطعام يتناولون عشائهم بهدوء مُثير للريبة دون أن ينبث أحداً منهم ببنت شفة..
فقط صوت الملاعق وارتطامها بالأطباق كان مايقطع ذلك الصمت الرهيب المؤذي إلى العقل والفكر..
قطع ذلك الصمت صوت شهيرة المتسائل: جيتي النهارده بدري يعني يا تالين؟

نظر لها آدم يتابع تناولها إلى الطعام بهدوء وتركيز يحاول قرائتها أو قراءة أي شيء يجعله يعرف سبب غضبها منه! لكنه لم يعرف سوى أنها غاضبة منه بشدّة فقط على ما يبدو..
ردت تالين بهدوء: مفيش عادي سبت محاضرة عشان تعبت شوية..
أبتسمت شهيرة وقالت بنبرة ذات مغزى: طيب ما روحتيش للدكتور ليه؟
نظرت لها بتعجب ثم سألتها باستفهام: ليه أنا كويسة ده أرهاق بس؟

ابتسمت شهيرة ثم لكزت ذراعها وهي تلفت نظرها: مش بتقولي تعبانة! ممكن تكوني حامل..
توقفت عن مضغ الطعام بتعجب لـ يبتسم مصطفى وهو يحاوط كتفها ثم قال بسعادة: ده يوم المُنى لما تالين تجبلي بيبي..
إبتسم آدم بسخرية وهو يلعب في الطعام ثم هتف بهدوء كي ينهي ذلك النقاش قبل أن يخرج عن شعورة ويقول ما لا يحمد عقباه: أنا بعد أسبوع أسبوع ونص كده مسافر لواحد صاحبي تبقى وصل إنت مراتك بقي..

هتف مصطفى بابتسامة: طيب ما تاخدها معاك
قطب آدم حاجبيه بتعجب ثم هتف باستفهام: أخدها معايا فين وليه؟
هز مصطفي كتفية وقال بهدوء: عادي مش عشان حاجة معينة، إنت عارف إن تالين مش بتخرج غير بتروح الجامعة بس متهيألي كان قصدي تغير معاك جو شوية، ثم صمت قليلاً يفكر وتابع: ولا أقولك خلاص إنسي ممكن أخدها أنا معايا السفرية دي..

أومأ له آدم وهو يفكر بعمق لـ تتحدث تالين معترضة: ولا إنت ولا هو أنا عندي إمتحانات محتاجة مذاكرة وتركيز..
إبتسم مصطفى وقال بعدم إهتمام: و ايه يعني؟ عادي لو شلتي مادة أو اثنين مش حكاية؟
هزت رأسها وهي تبتسم بغباء: لأ طبعاً أنا متفوقة في كل سنين دراستي هاجي أفشل في الآخر ولا ايه؟ وبعدين أنا عايزة أتعين في الجامعة ولو متعينتش على الأقل أشتغل في مستشفى كويسة!

ربت مصطفى على شعرها برفق وقال بهدوء: طيب افرضي إنك فجأة بقيتي حامل هتفضلي تلفي بقي وتتعبي نفسك؟
هزت رأسها بعصبية وقالت بضيق: لأ مش حامل يا مصطفى، واحنا متفقين إني هشتغل! أنا مش بعمل كل ده عشان اقعد في البيت في الأخر فاهم!، ثم نظرت إلى آدم الذي كان يحدق في طبقة بصمت دون أن يشارك رأيه كما كان يفعل دائماً ويقف في صفها وكم هذا أزعجها جعلها تصرخ به بعصبية: إنت ساكت ليه إنت التاني؟ قول حاجة؟!

رفع رأسه متعجباً ثم هتف وهو يبتسم باصفرار: أصلى مش هوصلك تاني ولا هجيبك عشان مشغول فا مجتش على دى بقى اعتمدي على نفسك، تصبحوا على خير، وتركهم وصعد إلى غرفته تحت نظراتها الحزينة التي كانت ترمقه بها..
بعد عدة ساعات، كانت تقف داخل شرفتها تحدق إتجاه شرفته في هذا البرد القارص تنتظر دخوله لكنه تأخر اليوم ولم يدلف هل هو غاضب منها إلى تلك الدرجة؟ هي مخطئة وتعلم لكن هو طيب ويُحبها أليس كذلك؟

رفعت هاتفها الذكي ونقرت على شاشته بخفة وكتبت له تلك الرسالة النصية بتردد: آدم، أنا آسفة، حدقت بها قليلاً ثم هزت رأسها بنفي وقامت بمسحها سريعاً ثم أغلقت الهاتف وتركته على سور الشرفة بضيق وعادت تلتقط قدح قهوتها وبدأت ترتشفه بحزن وحدها وهي تنظر داخل شرفته باقتضاب وانزعاج ثم نظرت إلي قدح قهوته الخاص التي صنعته من أجله ذلك الطفل الغاضب، لما لم يخرج اليوم؟ هل نام كـ طفلاً رضيعاً مبكراً! زوجها وتعلم أنه لا يفعل سوى النوم أما هو فما سببه؟! هل تنادي عليه بحجة القهوة كي لا تهدر سُكراً ولا يرتشفها في نهاية المطاف هذا إسراف؟ حسناً هي غبية هو يشربها بلا سُكر يشربها مُره كـ حياتها، حسناً، حسناً، فليفعل ما يشاء لن تتحدث معه! لن تفعل هي ليست مخطئة..

دلفت إلى الداخل بحزن وهي تقوس شفتيها ثم تسطحت على الفراش بجانب مصطفي، نظرت إلى ظهرة قليلاً بتركيز تري كيف يغفي بعمق دون أن الشعور بما حوله، ليتها تستطيع التجاهل مثلما يفعل هو..

وضع يديه على خصرها عندما تقلب على حين غرة، أبعدتها بضيق وهي تتقلب وأولته ظهرها عندما وجدت وجهه مقابلها وقليلاً فقط وحاوط خصرها بقوة وسحبها مقرباً جسدها منه دون أن يدري جعلها تزفر وهي تنفخ وجنتيها ثم أبعدته بضيق وأخذت غطاء ثقيل وبدلت مكان نومها واستقرت على الأريكة..
دلف إلى الشرفة متسلِلاً بخطوات حثيثة بطيئة كي لا يصدر صوتاً كـ اللص، ثم سرق قدح قهوته وهو يبتسم ودلف إلى الغرفة سريعاً قبل أن يتجمد..

جلس على تخته أسفل الغطاء الدافئ ثم أرتشف منه بتمهل وبطء وهو ينظر داخله بعد كل رشفة وأخرى يطمئن أنه ممتلئ كي لا ينتهي لا يريده أن ينتهي، هو لا يستطيع شرب القهوة سوى من يدها الآن، لقد أدمنها، سابقاً كان يرتشف قهوته في العمل ويضع بها الكثير الكثير من السُكر، لكن عندما أعدتها له في مرة صدفة دون سكر وتذوقها لم يعد يشربها سوى مُرة وللغريب أنه يتلذذ بها أصبحت المُحلاه مُرة والمُرة مُحلاه بالنسبةِ له، فهي تدفئة كثيراً في هذا البرد القارس، ومن المفترض أن يستفيق عندما يرتشفها أيضاً لكنه يغط في نومٍ عميق كـ أهل الكهف كل يوم بعد ارتشافها كأنه ارتشف حليباً دافئ وليس مُنبه!.

تنهد وهو يفكر بعمق مُمرراً أنامله على حافة الكوب، لقد لفت مصطفي نظره إلى السفر، هو لم يفكر بهذا من قبل بتاتاً لأنه من الطبيعي ألا تذهب معه وألا يوافق شقيقة، فكيف ستذهب معه من الأساس؟ وبأي صفه سوف تسير معه؟ لكن يبدو أن شقيقة الحبيب لا يُمانع؟، فكم يحبهُ عندما يوفر عليه الكثير من الجهد والعناء..

هز رأسه بملامح ممتعضة وهو يتساءل بنفسه ذلك السؤال الذي يلح على عقله كثيراً، شقيقه مما هو مُركب يا تُري؟ هذا كيف يفكر بتلك الطريقة؟، إنه يقسم لو كان يملك أخاً وسيماً مثله لم يكن ليترك زوجته معه فوق الخمس دقائق سواء كانت قبيحة أم جميلة، يحبها أم يكرهها! فهذه الأشياء لا تتعلق بمقدار الجمال فقط ولا تتعلق بالثقة! هي فقط تتعلق بكونك رجلاً ولا يمتلك الجميع تلك الصفه فهو لا يغير عليها كـ خروفٍ..

لا يهم، هو الآن سوف يفكر بطريقة تجمعهم معاً كـ صدفة كي تصالحة وتبعد غضبه! هو حقاً ليس حزين ولا غاضب، بل يُحبها ورؤية جوانب شخصيتها الأخري تروقة ولا تُزعجه بتاتاً، فكم بدت لطيفة وهي غاضبة وخاصتاً عندك صرخت به كي يساعدها يالهي كاد يضحك، فهي كانت كـ الطفلة التي تستنجد بوالدها حقا، وهذا أسعده، جعله يتلذذ بتلك الكلمات القليلة التي عنت له الكثير..

فقط لا يُجب عليها أن تقلق بهذا الشأن فهو سوف يقوم بشراء مستشفى خاصة بها وحدها إن أرادت حتى إن أنفق كل ما يملك لا يهم هي وهو واحد، هو لن يتركها! سيظل في ظهرها دائماً يُساعدها ويساندها حتى يمل، ولن يمل أبداً..
فقط تلك المصادفة المُدبرة التي سيفكر بها سوف يطلب من خلالها أن تسافر معه وستكون هذه حجة جيّدة كي يسامحها هذا إن كان غاضباً من الأساس..

هو يرى أن هذه ستكون فرصته الأخيرة كي يقترب منها دون عوائق كـ والدته وسالى مثلاً، يُجب أن تأتي معه لأنه لن يقبل أن تعود سوى وقلبها يخفق بإسمة هو سيصبح ملكاً له، هو سيحصل عليها على أي حال طالما شقيقة يساعده دون عناء بتصرفاته وسكونه يساعده بالأثنين!.
لكن يُجب أن يطلب منه مصطفي هذا أولاً وألا يبادر هو بذلك الطلب، ليفكر الآن في كيفية فعل هذا؟!

هدوء، هدوء ما كان يعم المكان، سماء صافية عدى من تلك النجوم اللامعة والقمر الغير مكتمل في منتصف السماء، صوت صرصور الحقل هو ما كان يسمع في تلك الساعة المتأخرة من الليل، صوت الضفدع الذي كان يصدح من داخل بركة المياه كان مزعجاً كثيراً لكن الجميع هُنا قد اعتاد عليه..

في تلك الأرض الخضراء الواسعة كان الحراس يجلسون حول بعض البعض كـ دائرة في منتصفها الحطب الذي أشعلوه كي يتدفئوا من تلك البرودة، كُل واحداً منهم يحمل سلاحة، منهم من كان يتكأ عليه ومنهم من كان يضعه على قدميه ومنهم من وضعه على العشب بجانبه والجميع تارة يتبادلون أطراف الحديث بتسلية وتارة أخرى يلقون مزحات مبتذلة كي لا يتجمدوا ويموتوا من البرد مع الملل أثناء مناوبة حراستهم..

أما في الغرفة في الطابق الثاني..
كان الفراش الحديدي يهتز به بقوة بصوت مزعج من رجيج جسده عليه بعنف وهو يتفصد عرقاً بغزارة، يهز رأسه يميناً ويساراً بهستيريا يحاول التحدث لكنه أبكم لسانة معقود لا يتحرك، جسده متصلب، يضم قبضته بقوة على الملائة يقاوم ويقاوم ويقاوم، حاول التحدث من جديد أكثر وأكثر حتى زمجر بخشونة مع إنتفاضة جسده..

إنتفض عن الفراش وهو يتنفس بإرهاق، متعب، متعب يا إلهي، مختنق الهواء لا يصل إلى رئتيه، قلبه يؤلمه يؤلمه بشدّة، نبضاته السريعة المؤلمه كمن هرب من موته الآن لا يتحملها، يكفي عذاب إلى الآن يكفي، يريد أن يحيا حياة طبيعية كـ البقية! هي تحيا حياتها سعيدة بالتأكيد لما حياته هو هكذا إذاً؟.

يقسم أنها لو وقعت بين يديه سيذيقها الويلات، سيشفي غليله بها، غليل كل تلك السنوات التي أضاعها هباءًا، هذا الإرهاق والعذاب ستتجرعة أضعاف مضاعفة دون سبب، ستتمنى الموت ولن تحصل عليه، ستطلب الرحمة ولن تراها يوماً، يُريد قتلها سوف يقتلها!.
مسد صدره بألم شاعراً بـ ببلل جسده من العرق، زاغت عيناه وهو ينظر حوله بتشوش ثم مرر يده على وجهه زافراً بسخط وهتف بغضب وجسده متصلب: هي ليلة مغفلِجة باينلها..

لكم الكومود بعنف ثم فتح الدُرج بغضب، أخذ منه القلادة الخاصة بها ثم ضرب الدُرج أسقطه أرضاً بضجر ومقتٍ شديد، هو المُخطئ لأنه غفي هُنا!

إنفجر ضاحكاً عندما سمع صوت صراخ أنثوي مذعوراً من الغرفة المجاورة، من الجيّد أن هُناك من لا يستطيع النوم مثله، إنها ليلى، كان يعلم أنها لن تستطيع النوم، لا يعلم ما خطب منزلهم! لكن هذا مايحدث عندما يأتيهم أي ضيف، لا يستطيع أن ينام الليلة الأولى من كثرة الكوابيس، الجميع يقول أن الموضوع متعلق بـ عُمار المنزل والجن وأشياء من هذا القبيل، هو لم يجرب هذا من قبل ولم يحدث له شيءً مريب، لكن كل من يأتي إليهم يستيقظ صارخاً في منتصف الليل بوجهه شاحب كـ الأموات مِصفر باهت ويظل يتمتم بكثير من الترهات التي تجعل عمّار يضحك عليهم لكنه علم ما يصيبهم بسبب مايتكرر على ألسنة الجميع، وحله شيءً واحد فقط..

نظر إلى العروسة الصغيرة التي تتراقص داخل القلادة وهتف بأسف: هخلص منك، ما أنا لازم أخلص منك..
ترك الفراش ثم دلف إلى الشرفة لـ يلفح الهواء الطلق جسده العاري نسبياً الرطب بسبب العرق..
هتف بصوت مرتفع نسبياً وهو يضرب حائط الشرفة التي بجانبه وهو يبتسم: حماتي، حماتي، تعالي أنا هنيمك، ضحك بسخرية ثم أعاد بحدية: حماتي أخرجي بس وهقولك تنامي إزاي..

مررت أناملها داخل شعرها بارتجاف وهي تتنفس بعنف، وجسدها يرتجف بخوف دون توقف، لما عادت تلك الكوابيس تُطاردها من جديد لما؟، نظرت حولها بارتياب وهي تضم جسدها فهي تخاف المكوث وحدها والغرفة كبيرة ولا تستطيع ترك الباب مفتوحاً أيضاً، شردت بذكرياتها المشؤومة وهي ترتجف أكثر..

انتفض جسدها بهلع عندما سمعت صوت هتافه من الخارج، لعنتهُ بضيق وهي تمسد قلبها المذعور برقة ثم أسندت ذقنها إلى ركبتيها بشرود وهي ترمش كل برهه وأخرى ببطء لـ يفزعها صوته المزعج كـ صوت الحمير من جديد..

وقفت عن الفراش بغضب وهي تسبهُ سُباب لاذع بأنفاس مرتجفة ثم وضعت وشاح ثقيل حولها تلفحت به واتجهت إلى الشرفة، فتحتها بيدها السالمة بهدوء لـ يلفح جسدها الهواء جعلها ترتجف من البرودة، البرودة التي تعادل البرودة في القاهرة ثلاثة أضعاف حقاً..

تقدمت إلى الأمام وهي تبتسم برقة وعذوبة ونسمات الهواء تداعب شعرها جعلته يتطاير حول وجهها بنعومة، رفعت رأسها ونظرت إلى السماء تتأملها بتروي كأنها ترى بُساط أرزق خُرافي مزخرف وليست سماء صافية حقيقية، فهي لا تمل من النظر لها أبداً..

تأمل هيئتها وهو يبتسم بهدوء ومقلتية اللامعة تتجول على وجهها بدءاً من خصلات شعرها التي تميل إلى الأحمرار حتى أصابع قدميها الصغيرة، فقط سؤال واحد هو ما يشغل تفكيره كُلما رآها، كيف تكون هكذا؟ فقط ليجيبه أحداً كي يرتاح، هو آخر معلوماته عن النساء أنهم يكبرون قبل الرجل! أي كُبر هذا واللعنة هو عجوز بجانبها، هي تبدو كـ طفلة أمامه! ونادين يا إلهي يتخيلها عندما تكبر ستظل هكذا، يبدو أن نساء تلك العائلة لا تكبر؟ لكن أي عائلة؟ المِنشاوي؟!، لا يعرف، ولن يعرف شيء إن ظل بعيداً هكذا، يُجب عليه أن يكسب حماته بصفة كي يتحدثان براحة أكبر لكن كيف؟ فهي لا تملك رأساً بل حذاءاً مُدبب هكذا هو يرى رأسها، فقط لما تكرهه دون سبب لما؟ سيحاول معها لكنه إن فشل سوف يصفعها لأنها سليطة اللسان..

يعلم أن أكبر خطأ اقترفه في حياته بعد إدخالها هي وأبنتها حياته اللعينة هو مكوثها بجانبه هُنا لكن لا يهم فهو لن يهرب منها يُجب أن تصبح شيءً من روتينه اليومي كـ دهب التي لا يكف عن ضربها كُلما رأها ومثل تلك الندي التي لا يكف عن لعنها يجب أن تكون عادية بالنسبةِ له، لكن منذ متى وهناك امرأة تعجبه ويظل يحملق بها بتلك الطريقة؟ حسناً كل من قابلهم يفعل معهم هذا فالجمال جمال لكنهم عابرين، ليسوا مثلها بتاتاً، هي شيءً مختلف!.

يعلم ما خطبها وما يجعله هكذا بالتأكيد حاجبيها الأسودين الداكنين خلافاً إلي لون شعرها لما هم هكذا؟ شفتيها؟ لما يملكان ذلك الإغراء والجاذبية يا الهي من تلك الشفتين بالتأكيد مُسكِرة تُسكِر من يرتوي من رحيقها وهو متأكد، فهذه هي المرة الأولى التي يحسد بها شخصاً ما حقاً فهو يحسد زوجها عليها، حقاً يحسده بشدّة، فإن مات فهو يشفق عليه لأنه ترك كل هذا الجمال مُبكراً قبل أن يموت مهووساً بها..

وإن كان حياً يرزق وتركها فهو آبله أحمقاً لا يفقه شيء، لا يُسمى رجلاً من الأساس حتى، ليلى هذه بحاجة إلى شيء مميز، رجلٍ مُختلف ليس كأي رجل رُبما رجلاً مِثلهُ مثلاً؟!، قهقهة وهو يهز رأسه بسخرية وهو يتساءل بنفسه إن لم يحب ندي يوماً ورأي ليلى ماذا سيحدث؟

سيعيد من جديد تخطيطه، حسناً، هو إن أراد امرأة جميلة رُبما كانت ستعجبة ليلى، وإن أراد رقة وهشاشة ستكون ليلى بالتأكيد هو إلى الآن مازال يشعر بجسدها الهش الذي حاصرة بينه وبين الحائط، وإن أراد ملامح رقيقة فهي تملكها دون تصنع ولا مساحيق تجميل، إن أراد عينان جميلتان فهي تملك أعين غزال براقة لامعة، أن أراد طفلة فهي تكون طفلة عندما تبكِ وتشهق، إن أراد جسد منحوت وقوام ممشوق فهي غزالاً متجولاً يبحث عن صائد، إن أراد شعراً جميلاً، فهي تملك شعراً أجمل من حصانهُ الذهبي، حسناً ماذا أيضاً، شخصية قوية؟ هي بالفعل تملكها لكنها تتلاشى خوفاً أمامه وهذا يروقة، ماذا ينقص أيضاً؟، نعم الرقص هو يحب المرأة التي تستطيع الرقص هل تسطيع؟ لا يهم هو سوف يعلمها، في النهاية إن تحدث عن المرأة التي المثالية ستكون ليلى بالتأكيد، وبعد كل هذا يقول أنها كـ عود قصب!، مثير للسخرية، هي رُبما تكون المثالية حقاً إن لم تكن أكبر منه سِناً بالطبع، لهذا هي مستبعدة من تلك المسابقة كي تفوز بـ عمّار في نهاية المطاف، يظن أن الجميع يتلهف عليه، مريض..

لكنه سيفعل معادلة صغيرة، هُناك نادين إبنتها وبالطبع تشبهها، هل يصنع منها ليلى أخرى إذاً؟، لا، لن يفعل لأنها ستكون وحدها رُبما هي صغيرة الآن لكنه متأكد عندما تصل إلى الثلاثين ستكـ، لا، لا، عندما تتزوج صحيح؟ لكن إن لم تتغير سينتظر حتى تبلغ الثلاثين ويكون هو في الأربعين!، هذا كثير، هل يُجب عليه أن يمارس رياضة أكثر كي لا يكبر؟، يا إلهي إنه مريض مريض حقاً، وسوف تسوء حالته أكثر إن لم ينقذه أحداً من هذا؟ فهي مُهلكة وهذا ليس عدلاً، هو الأكبر ومتأكد من هذا، هي مجرد شيطانة كاذبة..

مرر يديه على وجهه بسرعة صعوداً إلى شعرة وهو يتنهد ثم تحدث..
أعادها إلى واقعها البغيض صوته الأبغض منه بالنسبةِ لها عندما قال بعبث: أنا شايف إن الجو عاجبك هنا ياحماتي ومش محتاج تقولي عشان أنا عارف..

رفعت زاوية شفتيها بسخرية والتفتت له كي توبخه لكنها توقفت رامشة بتعجب وهي تري هيئته! ما هذا هل فقد الإحساس؟ هي تقف و تكاد تتجمد من البرد بينما هو يقف يرتدي كنزة بحمالات تظهر ذراعيه و الضخمة وعضلات صدره الصلبة، حتى إن الوشم ظهر نسبياً من عري تلك الكنزة، ومعها بنطال قطني، هذا غريب، فآخر ما جال في خاطرها عنه، أنه يسير في المنزل حافي القدمين يرتدي عباءته، يمسد معدته بجوع طوال الوقت ثم يبصق على الدرج أثناء سيرة وبعد إنتهاء طعامه يتجشأ بوجه من يقابلة، هذا ماتخيلته عن الجميع خاصة وليس هو وحده، لكن تبين لها أنه إنسان طبيعي كـ البقيه هذا جيّد..

تقدمت من سور شرفتهُ ثم لكزت ذراعه بسبابتها كـ طفلة تستكشف جعلته يرفع حاجبيه وهو ينظر لها لكنها سألته باستنكار: هو إنت مبتحسش ولا ايه؟
ضحك ببحة رجولية وصوت رنان وهو ينظر لها جعل قلبها يركل قفصها الصدري بعنف جعلها تنحني متأوه بألم..
توقف عن الضحك و سألها بقلق: مالك تعبانة؟

هزت رأسها نفياً وهي تمسد جهة قلبها بملامح متألمة وقالت ببطء: مفيش، أنا لما بخاف أو أتفاجأ أو أتحمل زيادة عن اللزوم بتعب وبفقد الوعي..
أومأ متفهماً وهو ينظر لها ثم سألها بعدم فهم: طيب ايه حصل دلوقتي فاجئك أو خوفك؟
هزت رأسها بنفي وقالت بهدوء: مفيش مفيش ممكن يكون البرد، أومأ لها بتفكير ثم قال بهدوء وهو يرفع أمامها القلادة: أنا ندلك بس عشان كُنت هديكِ دي..

ابتسمت بنعومة وهي تحدق في الفتاة التي تتراقص مع أمامها مع الهواء الطلق، حملتها بين راحة يدها وظلت تحملق بها بابتسامة رقيقة ناعمة ثم رفعت رأسها ونظرت له وقالت وعسليتيها تلمع ببريق سعادة: دي جميلة أوي دي لـ نادين؟
إختفت إبتسامته ونظر لها باقتضاب ويُقسم أنها لا تستحق سوى الضرب والإهانة تلك الغبية، هو الغبي لأنه فكر بها وليست هي..

تحدث برفق وهو يبتسم لها باصفرار: لأ، دي ليكِ إنتِ يا حماتي، دي فضة البسيها و خليها في رقابتك دايماً وإنتِ نايمة ومش هتشوفي كوابيس ونفضي السرير وأقري المعوذتين وآية الكرسي بس وهتنامي مرتاحة من غير كوابيس..
فغرت فاهها وهي تحرك أهدابها بتعجب ثم سألته وقلبها مازال يخفق بقوة: هو هو إنت عرفت منين؟

إبتسم وقال بهدوء: سمعت صوتك وإنتِ بتصرخي، وبعدين يعني اللي متعرفهوش إن الاوضة دي الاوضة بتاعتي حالياً كانوا واحدة ومفتوحين على بعض والصوت بيسمع من هنا لـ هنا..
أومأت بهدوء وهي تنظر له ثم هتفت باستفهام: يعني ايه يعني كانوا مفتوحين علي بعض؟ عايز تقول إنها بتاعتك وسيبني قاعدة فيها بمزاجك؟

قهقهة عليها وهتف ساخراً وهو يأشر على القلادة: كنت فاكر إنك كبرتي على العروسة بس فعلاً مينفعكيش غير العروسة، تفكير عقيم..
رفعت حاجبيها وسألته بحدة: أنا بفكر تفكير عقيم؟

جلس على سور الشرفة الملتصق بصور شرفتها وأسند جزعة على الحائط وقال وهو يعقد يديه على صدره: طبعاً عقيم وأكبر دليل إنك لحد دلوقتي مش مدياني عُقاد نافع بموافقتك على جوازنا رغم إنكم في بيتنا!، صمت قليلاً ثم تابع عارضاً عليها بهدوء: ينفع نتكلم بصراحه ومن غير عصبية ولا تخطي الحدود ونبدأ صفحة جديدة مع بعض..

تنهدت وقالت بهدوء وهي تقف مقابلة: أنا موافقة ياعمّار رغم إني جيت غصب عني وانت عارف كده كويس بس عشان نادين بس، نادين مبسوطة وأنا مش بتمني غير سعادتها، ثم رفعت سبابتها أمام وجهه بتهديد وهي تتقدم منه ثم لكزت ذراعه بخفة: بس خليك فاكر إنك لو أذيتها ولا شوفتها بتعيط بسببك هولع فيك يا عمّار فاهم، هولع فيك..

ضحك بتسلية وهو ينظر إلى تلك الملامح الطفولية التي تملكها ثم مال وهتف أمام وجهها الناعم بعبث: دراعي عاجبك ولا ايه يا حماتي؟
أبعدت أناملها بارتباك ثم هتفت بحنق: أنا بس مش عارفة انت قاعد كده ازاي؟ مُتبلد..
سألها من جديد بنفس العبث: خايفة عليا من البرد ولا ايه؟
هتفت بسخط وهي تقطب حاجبيها: بقولك ايه متفهمش الكلام على مزاجك، وبعدين ايه ده وشم ده؟

اتسعت ابتسامة أكثر واومأ لها وقال بهدوء: أه وشم، إسم البنت اللي بحبها..
رفعت حاجبيها وهي تحملق به، هل ذلك القاسي يستطيع أن يُحب أحداً غير عائلته؟، شهقت عندما رأت تلك النقطة على حرف النون، فسألته مشدوهة: نادين؟ عاملة نادين؟

ضحك بتسلية وأومأ مؤكداً: أيوا نادين طبعاً عشان تعرفي معزتها في قلبي عاملة ازاي بس، ثم صمت قليلاً وقال بنبرة هادئة: هتصدقينى لو قولتلك إني بحسها بنتي معظم الوقت؟ صمت قليلاً منتظراً أن تتحدث وتمدحه وتثني عليه بحديثها لكن لم يأته رداً منها!

نظر بجانبه لـ تتسع عيناه بتفاجئ عندما وجدها قريبة منه بشدّة تكاد تلتصق به وهي تحملق في صدرة دون أن تحيد بنظرها عنه قط، رفعت يدها وقربتها من صدره وخصوصاً جهة قلبه كي ترى ذلك الوشم فأبعد يدها وقفز عن سور الشرفة متعجباً وسألها باستفهام: بتعملي ايه؟
حركت أهدابها بتعجب وأشرت على صدره: عايزه أشوف الوشم، ورهوني ده مش اسم بنتي؟

هز رأسه بضجر وهتف بسخط: مش هتشوفي حاجة ده مفاجأة لـ نادين متقوللهاش كمان ويلا نامي ولا روحي اطمني عليها وشوفيها يمكن في حد مكتفها..
شهقت بقلق عليها وهرولت إلى الخارج تحت قهقهاته المتسلية، توقفت أمام باب الشرفة من الداخل وسألته وهي تحدق في القلادة بتردد: هو بجد الكلام ده مظبوط؟

أومأ وهتف بجدية: أه بجد وأنا هخلي حد يجبلك سكينة وتبقي حطيها تحت المخدة، أومأت له وهي تبتسم ثم قالت بامتنان: شكراً أوي يا عمّار..
هز رأسه بخفة وهو يبتسم لها لـ تتهجم ملامحه عندما سمع بقية حديثها بسخط: بس برده مش هنسي إنت عملت معايا إيه يا خنزير، اللعينة..

تركته يسبها ودلفت إلى الداخل من ذلك الصقيع فهي كادت تتجمد كيف يقف هكذا و اللعنة ألا يشعر؟، ألقت القلادة على الفراش ثم ذهب صوب غرفه نادين كي تطمئن عليها..

أدارت المقبض بهدوء كي لا تزعجها إن كانت نائمة، ابتسمت بنعومة عندما وجدتها مستغرقة في النوم، تقدمت منها بخطوات حثيثة بطيئة، قبلت جبهتها بحنان ثم أخذت الهاتف من بين أحضانها وهي تهز رأسها بأسف بسبب تلك التكنولوجيا المُدمرة، وضعته على الكومود ودثرتها في الغطاء جيّداً ثم جلست تتأملها قليلاً بحنان، وتركتها وغادرت بعد بعض الوقت..

دلفت إلي غرفتها وأغلقت الباب خلفها لكن لحقتها الخادمة قبل أن تغلقة نهائياً جعلتها تستدير لها متعجبة عندما ركلت الباب بقدمها..
ابتسمت لها ليلى بعذوبة وسألتها بهدوء: في حاجة؟
أومأت الخادمة و مدت لها يديها بالمدّية الموضوعة فوق بعض الثياب وتحدثت باحترام: سيدي عمّار جلِّي أجيبلك دول وعيجولك إلبسي من الخلجات ديّ و إتحشمي يا مرة..
فغرت فاهها وهي تنظر لها مشدوهة عاجزة عن التحدث، هل قال هذا ذلك اللعين؟.

أعادت ليلى بنبرة مهتزة بالكاد خرجت لتسألها: قولي كده تاني عمل ايه؟
هتفت الفتاة بتردد وهي تري تجمدها: عيجول البسي من الخلجات ديّ وأتحشمي يا مرة..
أومأت بهدوء وهي تضم قبضتها بقوة شاعرة بحرارة جسدها ترتفع من غليان الدم بعروقها ثم طلبت منها برفق: ممكن تدخليهم عشان ايدي مش هعرف؟

أومأت لها بابتسامة ودلف، وضعت الثياب على الأريكة، ثم حملت المدّية ووضعتها تحت الوسادة مثلما أخبرها عمّار لـ يلتقط بصرها القلادة الملقية على الغطاء، أخذتها بهدوء ثم تقدمت من ليلى وقبل أن تتحدث قامت بوضعها حول رقبتها وهي تبتسم ثم قالت بابتسامة: سيدي عمّار جلِّي أعمل إكدِه لو نضرتها في في أي موطرح، أومأت لها ليلى بهدوء وهي تتحسسها بأناملها وضحكة طفولية سعيده كادت تنفلت من بين شفتيها لكن ملامحها تهجمت عندما تذكرت قوله فتقدمت من الثياب بغضب وحملت ثوب بهمجية لـ تسقط ورقة من داخله، ألقته أرضاً بإهمال ثم فتحتها بخفة وهي تأن من ألم ظهرها الذي أصبح بخير قليلاً فقليلاً بفضل حُسنة..

أبعدت شعرها خلف أذنها بعصبية وبدأت تقرئها: متنسيش تلبسيهم و تستري نفسك إنتِ مش في فندق هنا وإوعي تكوني إضايقتي من كلمة مرة يا حماتي هو ده اسمك هنا، ويلا اتخمدي
ضمت قبضتها حول الورقة بقوة ثم كورتها وألقتها أرضاً بعنف وصرخت بإسمه بصوت مرتفع غاضب: عمّاااااااااار
ضحك بتسلية من داخل الشرفة وهو يغلق أذنيه بأنامله كـ الأطفال كي لايسمع صوتها ثم هتف بصوت مرتفع: تصبحي على خير يا حماتي، ودلف إلى غرفته..

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة