قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية حب خاطئ للكاتبة هاجر الحبشي الفصل السادس والعشرون

رواية حب خاطئ للكاتبة هاجر الحبشي الفصل السادس والعشرون

رواية حب خاطئ للكاتبة هاجر الحبشي الفصل السادس والعشرون

- أنا مِثل قطٍ تزاحمتّ أرواحهُ السبعة للسقوط في حُضنكِ (مقتبس) -.

حطها فوق السرير بعنف وقيد ساعديها فوق رأسها بقوة مزمجرًا وجثم فوقها وأنفاسه الهادرة تضرب بشرتها تصهرها.
توسلته بصوتٍ مُختنق ضعيف واهن وهي توشك على فقدان الوعي: متكسرنيش يا عمّار والله مش هقدر أعيش كده متكسرنيش.
اهتزت مقلتاه باضطراب وكأنها نبهته بضغطها على وترٍ حساس لديه يخصها هي وحدها، وكيف لا يكون وهي أثمن شيء في حياته، هذه الغبية لا تعرف قدر حبه لها بعد لا تعرف.

إهتز صدره وقبضته تراخت قليلًا عن ساعديها وعينيه عادت لزهوها ولونها الطبيعي، ليزداد صوت نحيبها المتألم و انتفاضة جسدها المرتعد من الخوف أسفله هامسة بعذاب وهي تهز رأسها بإنهاك: أنت مش كده يا عمّار متكسرنيش.
فقط اللعنة على تلك السيطرة البغيضة التي تفرض نفسها عليه وتمنعه عنها كأنه مُقيد بأغلال.

تفاقم غضبه أكثر وأعتصر قبضته الأخري بسبب هذا الإذعان التلقائي وانقباض قلبه عليها من القلق ؛ أظلمت عيناه والغمامة السوداء عادت للتحليق أعلي رأسهُ وعيناه تغيب في ظلام دامس جحيمي مُصرًا على ما هو قادم عليه.
دنى منها وقبض على فكها بقسوة دافعًا برأسها في الوسادة القاسية بعض الشيء وهسهس بجانب أذنها ببغضٍ شديد وأنفاسه الحارة تلفح صفحة وجهها: هسيبك بس عشان ربنا مش عشانك أنتِ متستاهليش فاهمة؟

أنهي قوله بصرخة مدويه أصابتها بالطنين وزادتها رعبًا لتومئ بهيستيريا وانتحاب وهي تشعر بارتفاع السرير إثر نزوله و ابتعاده عنها.
حركت كفيها بوهن وتمسكت في الملاءة بضعف تساعد نفسها في الانتصاب و الجلوس باستقامة، وضمت ركبتيها إلى صدرها وانكمشت على نفسها وبدأت في الاهتزاز بقوة وهي تشهق باختناق وعيناها لا تتوقف عن ذرف الدموع والحرقة في آنٍ واحد.

لا تُصدق أنه تركها ونجت من هذا، إن ما تمر به الآن بمثابة كابوس لا تستطيع الإستيقاظ منهُ بتاتاً، لأول مرة تشعر بالكره تجاه والدها بهذا الكم وتتمنى موته واختفائه من هذه الحياة، إنه مصمم على تدميرها، لقد جعلها تقدم على أسوأ شيء قد تفعله أي إمرأة بمن تُحب، فلن يسامحها عمّار على هذا.
انتفضت بخوف عندما تناهى إلى مسامعها صوته الغاضب ونبرته القاسية: مش قُلت مسمعش صوتك..

وضعت كفها فوق شفتيها تكتم أنينها وجسدها يهتز بعنف بينما هو كان يهدأ نفسه داخل الشرفة في الهواء لعل تلك النيران المتأججة بين جنبات صدره تنطفئ، اشتدت قبضته فوق سور الشرفة الحديدي ذات القشور الصدئة أكثر وهو يتساءل بنفسه إلى متى سيظل غضبه عاجز مشلول أمامها! إنها محصنة ضد أذيته ماذا يفعل معها إذا لأنها لم تترك به عقل؟

هدأ قليلا ولا يعرف أهدأ حقا أم أنه يكابر لكي لا يترك نفسه للشيطان يتحكم به، إنه وبكل كيانه مازال يُريدها، لن يُفرط بها مهما حدث ومهما كافح خليل كي يبعدهم لن يتركها سوي بموته.
إنهُ يرغب في صفعها وضمها في آنٍ واحد الآن، إنها الداء والدواء بالنسبة له.

مسح وجهه بقوة زافرا على دفعات يفكر مليا فيما سوف يفعل ثم تحرك ودلف إلى الداخل بخطواتٍ توصم الأرض بقوة، مال يلتقط سترته واتجه إليها بتجهم، رفع كفها عن فمها بقسوةٍ أفزعها ثم سحبها من ساعدها بعنف يعتصره بين قبضته بقوة مؤلمة، أوقفها معهُ بتعثر وقذف عليها السترة وأمرها بتبلد: إلبسى.

أومأت بانصياع وارتدتها سريعا لتبتلع نصفها العلوي تزامن مع شدة للقلادة بعنف من رقبتها وقذفها أرضًا ثم مدَّ يده إلى أذنها وخلع قرطها وقذفه خلف القلادة بعصبية دون أكتراث لأي ألم تشعر به كأنه ينتقم منها بتلك الطريقة، مال علي السرير وقذف الوسادة ثم بعثر الملاءة وأزاح السرير قليلا محركا إياه من مكانه المُعتاد واعتقل ساعدها وجرها خلفه بسرعة بخطواتٍ واسعة لم تدركها ؛ دون مراعاه لحذائها المرتفع وحالتها المزرية وصعوبة وقوفها باتزان كي يجعلها تسير!، فكانت تسير معهُ مابين العدو والركض وهي تبكِ بوهن دون أن تنبس بحرفٍ واحد إليه.

وصل إلى السيارة ودفعها داخلها في المقعد الخلفي وحدها كأنه يخبرها أنها أصبحت وحيدة وتم وضع الحائل بينهما من هُنا، صفق الباب بعنف جعلها تنتفض وسار ناحية مقعده واستقل السيارة وذهب..

في هذا الوقت في الأعلى، استيقظت بسمة من غفوتها الطويلة وخرجت من غرفتها تتثاءب بنعاس، رفعت حاجبها بتعجب عِندما أبصرت غرفة ليلي مفتوحة فساقتها قدميها إلى هُناك بفضول، وضعت قدم داخل الغرفة ببطء متوجسة وعينيها تجيل هنا وهُناك لتشهق بذعر عِندما تبين إليها خليل الراقد دون حراك بتلك الحالة المزرية، هرولت إليه بقلق وركعت على ركبتيها ببطء وانتباه بسبب بروز بطنها البسيط إثر الحمل.

صفعت وجنته بقوة صارخةً بإسمه بخوف كي يفيق: خليل، خليل، خليـ، توقفت عن النواح وعصفت برأسها فكرة غريبة قاتلة لكنها كانت لذيذة في نفس الوقت ستخلصها من الجحيم الذي تحياه معهُ، انتقلت يدها من وجنته إلى رقبته ببطء وتردد ووتيرة أنفاسها تعلو أكثر من فرط التوتر وعيناها تتسع بانفعال، وهو كان بالفعل قد بدأ يستيقظ، فتح عينيه ببطء متأوهاً لتتجمد محلها وتجحظ عينيها.

نظر بينها وبين يدها الموضوعة حول عنقه، فتحولت عيناه إلي لهيبًا مشتعلا شُل أطرافها ولم تستطع التحرك.
زمجر وهو ينتصب جالسا بعدم اتزان صارخا بها بخشونة: عايزة تجتليني يا (، ) ده أني هجطع خبرك..

انتفضت صارخة وركضت إلى غرفتها تختبئ بها بخوف وأغلقت الباب خلفها ليلحق بها بترنح هادرا بتهديد: ده أني هجتلك يا محروجة، الهي تنفجدي في نجره ميعرفوش يطلعوكِ مِنيها إلا وأنتِ جته، بس جيبي الواد وبعديها هجطع من جتتك نساير نساير.

رفق قوله بركل الباب بغضب وعاد إلى غرفة ليلى يرى الفوضى التي أحدثها عمّار في الغرفة لـ تتقافز شياطين الجن والإنس أمامه أثناء تحديقة في السرير المُبعثر بأعين جاحظة، لترصد عيناه قلادتها وقرطها اللامعين معا ساقطين يتوهجان في الأرض، وقف يفكر قليلًا بتريث لأول مرة دون أن يتهور، فهو يعرف عمّار! مهما حدث ومهما بلغت ذروة غضبه لن يتهور ويفعل هذا، منذُ سنوات وهو يحاول أن يمسك عليه شيء كهذا لكنهُ لا يجد، فمن المستحيل أن يفعل هذا ليس من شيمه إطلاقًا، رُبما حاول تهدئة نفسه بهذا التفسير لأنه حتي لو فعل هذا الفراش لن يتحرك بقدرٍ كبير مثلما يراه لأنه ثقيل، وهو لا يُريد خوض حربا هو ليس مستعدا إليها بعد، يُجب أن يفكر مليا بعمق وهدوء كي تنجح خطته ويجعلها تتزوجه.

كزَّ على أسنانه بغضب جامح وخرج من المنزل صارخا برجاله بعنف: انتو يا شويه بهايم..
صف عمّار السيارة أمام المنزل ثم ترجل وصفق الباب بعنف، سارعت ليلى بفتح الباب لكن يده كانت تسبقها وفتح هو الباب ولم يمهلها فرصة النزول وحدها بل سحبها من رسغها بطريقة أسوأ من سحب حيوان، كان يسوقها خلفه للداخل بطريقة مهينة أكثر من كونها قاسية بالنسبةِ إليها.
ـ سيدي عمّار حمد للـ..

حياة الغفير عِند رؤيته لكنه تخطاه دون الرد أو الالتفات وهذا أثار في نفسه التعجب..
دلف من بوابة المنزل مباشرةً، كان الهدوء يعم المكان عدي من صوت نهنه بكائها المضني لقلبه، خفف قبضته قليلا عن رسغها وهو يزفر بقوة وعدم رضى بسبب لين قلبه، صعد السلم بتباطؤ وأعصابه تحترق كابحا نفسه عن جرها خلفه أكثر كي لا تتعثر وتؤلمها قدميها من كعب حذائها.

فتح غرفته ودفع بها إلى الداخل ثم أخذ المفتاح من المقبض وأغلق عليها من الخارج وركض إلى الطابق الثالث..
فتح غرفة والدته متوجسا بخوف واضطراب مما قد يراه ويدعو بداخله ألا يكون أصابها ضرر، وطأت قدماه الغرفة ببطء وإمارة الحزن تتجلى فوق وجهه وعينيه تعلقت على السرير لتجحظ ويفرغ فمه عندما رأي دهب تجلس فوق السرير بجانب والدتها المستيقظة وتبدو بخير! هل كذبت؟ كي يأتي؟ كاد ينجلط في الطريق وهي تكذب؟!

شهقت دهب بسعادة عندما أدركته عينيها، فتحركت مهرولة إليه تستقبله بحفاوة لتتوقف مرتابة جازعة عِندما مال وخلع حذائه بعنفوان وقذفه عليها صارخا بجنون: بتكذبي يا بومة، بوووووومة كنت هتجلط هتجلط وانا جاي في الطريج.
ركضت واختبأت في زاوية بجانب الحائط بخوف صارخة بالمثل: أنت السبب مش بترد علينا ليه عاد؟ بت خليل خطفتك مِنينا ولسه مبجِتش مرتك اومال لما تيجي هتعمل ايه عاد؟

ضرب كفيه معًا من الغيظ وقام بشتم الجميع بعصبية: يلعن خليل على بته على اللي جابوكِ يا كذابة يا جموسية أنتيّ عارفة كنت ههبب ايه! غوري على بيت جوزك مش عايز اشوف خلجتك ديّ واصل غوري، ورفق قوله بقذف حذائه الأخر عليها لتصرخ بفزع وتلوذ بالفرار خارج الغرفة مقهقه عليه واغلقت الغرفة خلفها.

زفر بقوة وغضب لكن لن ينكر تلك الراحة التي غمرته بسبب كونها بخير، تهللت أساريره وسارع بالركض إلى والدته، جثى على ركبتيه أمامها فراشها أحتضن كفها بين يديه بحنو ومال يقبل ظهر يدها عدة قبلات متفرقة بلهفة فرفعت يدها تمسح على شعره بحنان أمومي وهي تبتسم بعذوبة.
ارتاح قلبه و غمره الدفء من حركة يدها الحانية فوق شعره فأدمعت عيناه تأثرا وأسند جبينه فوق يدها وهو يفكر بأسوأ الاحتمالات
إن أصابها شيءٍ ما سيء.

ـ حمد الله على سلامتك يا حبيبي..
رفع رأسهُ إزاء قولها مبتسمًا في وجهها بأعين حمراء ثم قبل يدها مجددًا ووقف وجلس بجانبها وعانقها بقوة شديدة لا يتحملها جسدها الضعيف في هذا السن لكن قبضته لم تؤلمها بل كان ما يحدث محبب إلى قلبها.
سألها بقلق قبل أن يلثم جبهتها: أنتِ بخير؟
أومأت بابتسامة بشوشة وطمأنته: خدش بسيط في كتفي ياولدي محصلشي حاجة عاد هي دهب إكده تحب العويل والنكد زى عنيها.

ابتسم وعانقها بحنان، فرفعت يدها وربتت على صدره برقة لتشعر بقلبه النابض يلكم راحة يدها بقوة، بدي القلق على ملامحها ومسدت صدره بنعومة سائلةً بقلق: مالك يا ولدي؟
همس بتعب وهو ينخفض قليلا يريح رأسهُ فوق صدرها باحثا عن الراحة: قلبي بيوجعني.
مسحت على شعره برفق هامسة بحزن: سلامة جلبك من كُل شر يا حبيبي، مين اللي تاعبك يا عين أمك مين؟

لم يرد على هذا السؤال الذي وجده في غاية الصعوبة لوصف ما يثقل كاهله، أغمض عينيه و استكان في أحضانها وبدأ في الهدوء تدريجيًا والتقاط أنفاسه دون إنفعال أو لهاث وقلبه عاد للخفقان بهدوء.
مرت نصف ساعة عليهما وهو مستكين ينعم بدفئها وحنانها بافتقاد شديد، فإن روحه خاوية، وقلبه واجل.
ثقل جفناه وكاد يغفى لكن سؤالها الذي خرج بلكنة حانية شعر بابتسامتها من خلال جعله ينتبه إليها مشدوداً: عاتحبها كد ايه يا ولدي؟

رد بشرود وهو يحدق في العدم: مش عارف؟
تبسمت حتى تجعدت بشرتها أكثر ثم سألته بمكر عالمة بما يحدث معه وما يواجه ويحزنه إلى هذا الحد الميؤوس منه: عاتحبها أكتر مني؟
رفع رأسه بقوة كأن أحدًا قام بشتمه ثم إحتج معترضا على هذا القول بكل جوارحه كأنها اتهمته بالكفر: محدش يجدر ياخد مكانك في جلبي ولا هيكون.

داعب وجنته برقة وهتفت بحنو وهي تفهمه برفق باسمة كما اعتادت مُنذُ صغره: مش عيب يا ولدي لما تحب مرتك وتعشجها أكتر من أي حد واصل؟
ابتسم بسخرية وقال بمرارة: مش لما تبجي!
وكزته في كتفه وقالت بثقة مشوبة بمكر: هتبجي وبكره تجول أمي جالت، هي اللي بجيالك يا ولدي وهتحبها أكتر مني كومان.
رفض قولها رفضا قاطع وقبل رأسها بقوة هاتفا بحنان: ربنا يديكِ طولة العمر ويديمك ياست الكل يا غاليِة..

شاكسته وهي تضيق عينيها: هي الغاليِة ومفيش حاجة تغلى عليك يا ولدي.
لا أحد يستطيع رفع معنوياته وجعله يشعر بشعورٍ جيد بقدرها، إنها لا تحط من شأنه مثلما تفعل الأخري كيف تقارن نفسها بها؟!.
استفاق من شروده على يدها التي وضعت فوق وجنته وهمست بحنانها الأمومي تذكره: نسيت أنا علمتك إيه يا ولدي؟

هزَّ رأسهُ بنفي وقال بابتسامة مستذكرًا طفولته معها: كيف أنسي واني مش عايش غير بيه! من غير الصبر مش عارف كُنت ههبب ايه في الحياة اللي مابيلها شكل ديّ.
واسته برفق وهي تتبسم ببشاشة: أنت صبرت كَتير يا ولدي! سنين وأنت صابر واهي هانت وفرجة عن جريب سدجني هانت.

ابتسم وكاد يرد عليها لكن تناهي إلى مسامعه صوت غوغاء وطلقة نارية تلا هذا صفق الباب بقوة وهرولة دهب إليهم هاتفه سريعا بانفعال: أنتو جاعدين؟ ابويا وعمي رجعو من إهنه وخليل جه وجاب رجالته من إهنه وبجالهم نص ساعة بيتناجروا تحت بسببك فين بت خليل يا عمّار تاوتها فين؟.

هبّ عمّار واقفًا واندفع إلى الخارج سريعا عِندما تذكر المفتاح الذي تركه في المقبض، جن جنونه وانقبض قلبه عِندما لم يجده في المقبض كما تركه، فانحني وراح يبحث في الأرض بانتباه شديد وتدقيق هُنا وهُناك حتى قطع عليه كل هذا، صوت ضرب عصي والده الأرض..
انتصب ووقف باستقامة ورحب به بهدوء دون أن يتقدم منه ويقبل يديه: حمد الله على السلامة يا بوي..

زجره بحدّة شديدة بوجه مكفهر من الغضب: وهياجي منين طول ما أنت بترمح ورا بت اللي مايتسمي ديه! فين بته؟ وعملت فيها ايه؟
تنهد عمّار وقال بجدية دون أي ملامح تنم على المزاح أو التراجع: خليل ما لوش بنات عندي، وأني يا بوي مش هتجوز غيرها ومش هخلف غير منيها! هتوافج يبجي تتفج مع خليل ونتجوز مش هتوافج هاخدها وهمشي وبردو هنتجوز، هتجوزها يعني هتجوزها! عاشجها يا بوي ومش رايد غيرها؟!

كان يسمعه بغضبٍ جامح تفاقم أكثر بعد انتهائه، أنه لا يعرف ما المميز بها كي يجعله بهذا الجنون والأصرار، لقد حاول منذ أن كان صغيرًا أن يخرجها من عقله لكنه كان متشبثا بها باستماتة ولا يعرف لمَ؟، فعندما أتاه صغيرا يخبره أنه يحبها أخذ صفعة ظن أن هذه الصفعه ستكون النهاية لكنها كانت بداية تفاقم تلك المشاعر وجلب المشكلات وطيشة وصنعه لوشم دون أن يعرف عواقبه، وتطلعه للمستقبل مثلما كانت هي مع والدها، هو يعرف ومتأكد أنه غدي هذا الطبيب لأجلها وليس لأجل نفسهُ، لقد قرأ ذلك الدفتر صدفة سلفًا ولم يظن أنه يخصها سوي عِندما قارن بين الخطوط والكلمات ورأي إسمها منقوش في معظم الأوراق.

كانت بالنسبة إليه سراب ولن تعود لكن الآن، عادت وهذا يزعجه بشكلٍ لا يوصف ولا مفر مما يحدث سيوافق و يزوجه كما يُريد طالما هذه رغبته، وليري ما سيحدث بعد هذا، فهو يتوق لرؤية حفيده ويعرف أن إبنه عنيد ولن يتزوج غيرها.
كزَّ على أسنانه من الغضب وضم قبضته فوق رأس عصاه واستدار على عقبيه وتركه ليصيح عمّار بتعجب: على فين با بوي بنتحدت؟

التفت إليه وقال بدون تعبير: ابوها جاعد تحت وعمال يضرب أخماس في أسداس وهيجول إنك اغتصبتها وخدتها وياك صوح الحديت ديه؟
هزَّ رأسهَ بنفي وقال بسخرية: أني يا بوي؟ كيف يعني وهاخدها معايه ليه في الاخر ده كذاب كذاب جـ..

أوقفه تخلل صوت شهقاتها المُرتفع المنبعث من الغرفة قوله، شتم بداخله ونظر لوالده الذي انتقلت أنظاره إلى الغرفة بريبة كأنه أدرك ما يحدث ليومئ بتفهم وهمّ بالحديث بجدية: إني هتحددت معاه وهطلبهالك للجواز أهه وهحدد كتب الكتاب وهكذب وهجوله أن بتك مش عِندينا وأنت مش مخبيها في اوضتك والخميس الجي هيبجي كتب الكتاب حلو المعاد ومناسب ليك يا ولدي ولا أغيره؟

أنهي قوله الأخير بسخرية لكن عمّار لم يلاحظ قط، بل كان شاردا فاغر الفاه بتعجب بسبب امتثال والده إليه والإذعان تلك المرة! بهذه السهولة؟، تنهد متولي بيأس بسبب حالة ولده وذهب دون أن يأخذ ردًا مباشر منه، فواضحة جدًا لهفته من بريق عينيه المتألق وابتسامته الجذابة عليها.
النساء سرهم باتع فيما يخص إسعاد رجل.

استفاق من شروده على مرور دهب من أمامه بتسلل فأمسكها من تلابيب عباءتها جعلها تشهق وهو يعيدها أمامه سائلا بغيظ:
رايحة فين عاد يا بومة؟
ابتسمت بتوتر وهمست بارتباك: هلمع أوكر هعمل ايه يعنيّ؟
حدجها بسخط وتمتم بقلق: عمالة ترمحي إهنه وإهنه وإنتِ حبله!

تبسمت دهب وأردفت بلطف: متجلجش عليِّه، وقهقهت متابعة بسخرية وهي تضيق عينيها: إجلج على نفسك في واحد عايز يجتلك ادخل اتخبي وياها، ورفقت قولها بوضع مفتاح الغرفة بين يديه في نهاية حديثها، فضرب جبهتها براحة يده بغيظ وقبض عليها.
فتملصت من بين يديه وذهبت خلف والده كي تسترق السمع صائحة: هسمع بيجولوا ايه وجاية ماتجيش..

بالطبع لم يستمع إليها وذهب خلفها لكن يد أمسكت مرفقة أوقفته، استدار على عقبيه بتعجب فإذا بها والدته.
أسندها بقلق وسألها بعدم فهم: هملتي فرشتك ليه عاد؟
أمسكت كفه بين يدها تضغط عليه بقوة وتوسلته وهي على حافة البكاء من القلق: خليك جاري متهملنيش خليك جاري..
أومأ بإذعان دون تردد وسار معها إلى غرفتها لكن صوت ارتطام قوي صدر من الغرفة مخترقا قلبه قبل أذنيه أستوقفهما.
تلفتت حسنه حولها وسألته باستفهام: سمعت!

أومأ بقلبٍ منقبض وهرول إلى الغرفة سريعًا لتلحق به بقلق، وضع المفتاح في المقبض وفتح الباب مندفعًا للداخل ليعتصر الألم فؤاده عندما أبصرها ساقطة مغشي عليها خلف الباب.
انحنى وحملها سريعًا بخوف صائحًا بإسمها بلهفة وهو يأخذها للفراش: ليلي، ليلي..
حطها عليه برفق وحاول إيقاظها صافعًا وجنتها بخفة وهو يتحسس نبضها: ليلي، ليلي..

ناولته حسنه زجاجة العطر التي التقطتها من فوق المنضدة، فنثره فوق كفه وقربه من أنفها بينما حُسنه أمسكت كفها وأخذت تدلكه برفق حتى بدأت في الاستيقاظ..
حركت جفنيها ببطء وهي تئن ليتنفس الصعداء براحة ثم إتجه إلى الشرفة وفتحها كي يجدد هواء الغرفة ووقف داخلها قليلا.

أفرجت عن مقلتيها المرهقة بتباطؤ شاعرة بالحرقة تغزوها، حدقت في السقف قليلا وهي تشعر بيدٍ تسمد كفها برفق، كانت تشعر بالوجل وبجسدها ثقيل غير قادرة الاستقامة والجلوس لكن تغير كل هذا عِندما سمعت صوتها الحاني يسألها: عاملة ايه دلوك يا غاليِّة؟

اتسعت عيناها وانتصبت بانتفاضة وعدم تصديق وعيناها تسمحها من أعلاها لأخمص قدميها وهي تمسك يديها الاثنين بقوة سائلة بلهفة وانفعال: إنتِ كويسة؟ كويسة؟ عمـ، أوقفها قولها بإبتسامة مطمئنة وهي تربت على ظهر يدها: بخير يابتي الحمد الله متخافيش اني بخير، أنتِ بخير؟
أغرورقت عيناها بالدموع، تشدد قبضتها فوق يدها طالبة الدعم وهي تطرق برأسها حتى صارت الرؤية ضبابية وأجهشت في البكاء بحرقة دون أن ترفع رأسها قط.

تأوهت حُسنه بحزن وضمتها إلي صدرها وأخذت تمسح على ظهرها بحنان تسألها ما خطبها بأسي: مالك يا حبيبتي فيكِ ايه؟ مين زعلك؟

دفعت بنفسها لأحضانها أكثر بانتحاب دون أن تنبس بحرفٍ قط ؛ فظلت تواسيها ببعض الكلمات الرقيقة تطيب خاطرها وعمّار يقف يسند رأسهُ على الحائط يراقبها بثقب وعمق متسائلا عن كم الرعب والهلع الذي سببه إليها بفعلته! فهي ستظل تبكِ حتى الصباح، كم يرغب في ضمها الآن وبشدة كي تهدأ وتريح عينيها وقلبها وقلبه معها.
ـ مين زعلك يا حبيبتي مين؟
رفعت رأسها وأردفت من بين شهقاتها بحرقة: عـ، عمّار..

تنهدت حُسنه وسألتها برفق وهي تجفف وجنتها بنعومة وعيناها تجيل على وجهها الباكِ شديد الاحمرار: عمل ايه اللي ينحش في معاميعه..
ضحك عمّار بخفة دون إحداث صوت كي لا تنتبه إليه مستمعا إلي قولها المتذمر المتلهف: بعد الشر عليه متقوليش كده انا اللي عصبته و استفزيته جامد بس والله مكنش قصدي..

وعادت تبكِ من جديد بندم وهي تضم سترته ذات الرائحة الذكية إلي جسدها أكثر تعانقها بدلا عنهُ لتعيد حُسنه سؤالها وهي تمسد ذراعيها مدققة النظر إلى ملابسها: جولي يا حبيبتي جولي متخافيش..
جففت عبراتها بكم سترته بخفة وهي تستنشق مابأنفها ثم بدأت تحكِ لها كل ماحدث منذُ الصباح وكيف تحولت سعادتها الغامرة لبؤس بسبب والدها.

التفتت حُسنه ورشقت عمّار بنظرة نارية معبرة أخبرته بكم الغضب الذي تشعر به فهزَّ رأسه مع كتفيه بانفعال يخبرها بقلة حيلته وغضبه الذي لم يستطع السيطرة عليه.
قبلت رأسها بحنو وأعتذرت بدلا عنهُ وهي تمسح على شعرها: حجك عليِّه أني يا حبيبتي، هي ساعة شيطان وراحت لحالها ده والله روحه فيكِ وميهيحبش حد كدك وميجدرش يأذيك واصل، ده جاني ندمان يبكِ ويجول جلبي بيوجعني..

تفاقم ندمها أكثر وغمرها حزنًا عميق بينما عمّارفغر فمه ونظر إليها باستنكار! إنها تشوه سمعته أمامها من هذا الذي بكى؟، قطب كلا حاجبيه بانزعاج شديد وعقد يديه أمام صدره مراقبًا إبعادها لسترته عنها وقذفها أرضًا متقصدة كي تزعجه وتضايقه بينما تقول: تجيله وزمانها خنجاكِ اني هخليهم يجيبولك خلجات..

تحركت للذهاب لكنها أمسكت يدها ومنعتها قائلة بامتنان ببحة أثر البكاء: لأ، لأ، متشكرة أنا مش عايزة ممكن قميص بس بدل ده..
أومأت بابتسامة وتحركت لكن ليلي أمسكت يدها استوقفتها، نظرت إليها بحنو تحثها على قول ما تريد لتخجل وتتوتر أثناء قولها ببعض الألم: عـ، عمّار كان ماسكني جامد أوي وأنا مش قادرة أستحمل الوجع عايزة مُسكن أو مرهم أي حاجة..

ـ حاضر يا حبيبتي، قالت وهي تترك السرير وسارت في طريقها للخروج لتترك ليلي السرير عِندما شعرت بالهواء الذي لفح ظهرها العاري ارجفها، انحنت تلتقط السترة وقامت بارتدائها تحت أنظار عمّار الذي عادت إليه البسمة لكنها كانت مقتضبة..
اجفلهما صوتها الحانق: أنت لسه واجف مكانك؟ مفكرني ههملك وياها ولِّيه؟ يلا فوت جِدامي!

شهقت ليلى بتفاجئ و استدارت على عقبيها تنظر خلفها بأعين متسعة ليدركها الخجل ولا غيره، لم تهابه أو تنكمش خوفا منهُ بل خجلت لأنه كان يراها كل هذا الوقت وهي لا تعرف.
ضمت طرفي السترة حول جسدها وهي تزدرد ريقها متبادلة معهُ نظراته الجامدة بأخرى تسأله التسامح ورحابة الصدر، لكنه لم يلين قط، أخفضت بصرها بندم ثم تقدمت من حسنه تأخذ الأذن منها: ممكن أتكلم معاه شويه؟

نظرت بينهما بتردد ثم أطلقت أنفاسها بتنهيدة طويلة وهي تعطيها الموافقة بقلة حيلة: ماشي، واني مش هتأخر عليكِ لو دايجك نادمي عليه هجيلك طوالي..
أومأت بإبتسامة مراقبة ذهابها بهدوء ثم شجعت نفسها وسارت تجاهه كي تطلب السماح فهي إن لم تغتم أي فرصة كي ترضيه فلا تستحق هذا الحب.

توقفت أمامه تفرك يديها بتوتر وقلبها يخفق بقوة لا تعرف من أين تبدأ أو ماذا تقول، رفعت رأسها إليه تناظره بندم ورجاء أن يُبدل هذا الجمود وتلك النظرات الخاوية التي تسلبها أمانها الذي تشعر به بجانبه.
أسبلت جفنيها وهمست بنبرة مرتعشه بالكاد وصلت إليه: أنا آسفة..

لاحت ابتسامة ساخرة على شفتيه وظل على جمودة ووضعيته دون التحرك يشد على قبضته المخبئة من عقدة يديه بقوة كابحًا نفسه عن عناقها، إنه مذنب وتقريع الضمير لا يتوقف.
لكنهُ أيضا لم يرد يُجب أن يأخذ منها موقف كي تتعقل لأنه يشعر بكونه يتعامل مع طفلة صغيرة ليس إمرأة كبيرة تظل تخبره كلما سنحت لها الفرصة أنهُ طفلا صغير.

أطرقت برأسها وانهمرت عبراتها بغزارة وظلت تبكِ وتنهنه أمامه كـ طفله تطلب الصفح من والدها، صمد أمامها ولم يتراجع ويضمها، رفعت رأسها وتقدمت خطوتين منهُ ورفعت يدها تضعها فوق ذراعه لترتجف دواخله إثر نعومة يدها أثناء همسها بنبرة مضنية: عمّار إنت عارف كويس إني مقصدش أي كلمة قولتها وكل اللي حصل كان غصب عني.

لم يرد عليها مجددًا لكن لم يظل على جموده بل غضب منها بشكلٍ مضاعف وهي تعترف مستطردة بلومٍ لهُ: وعارف كمان إني مش بخاف من حاجة في الدنيا قد ما بخاف منهُ..
قبض على ذراعها صارخًا بها بعصبية حتى نفرت عروقة أجفلها: ولحد إمتي هتفضلي تخافي منه ها؟ الناقص لما نتجوز تيجي تقوليلي طلقني عشان أبويا حبيبي طلب مني وأنا بخاف منه! فين شدتك وصوتك العالي ولا دول بيطلعوا عليا أنا بس؟!

تبسمت بحنان ووضعت كفها فوق يده التي تمسكها بقوة مداعبة هامسة بشغف: مش هقدر أقول كده لأني هبقي شديدة بيك ومسنودة عليك.
كادت ابتسامة بلهاء تنفلت من بين شفتيه لكنه كبحها بصعوبة أكثر من صعوبة المحافظة على جموده أمامها، إنها تمتص غضبه بكل سهولة ويسر، تعرف كيف تنتقي كلمات تصمته.
أشاح بوجهه للإتجاه الآخر محافظًا على ثباته المزيف.

فرفعت يدها إلى وجنته كي ينظر إليها هاتفه بتوسل تستعطفه: متقساش عليا وتستغل إني مليش حد في الدنيا وتعذبني بعد ما بقيت كل حاجة بالنسبالي.
استنكر قولها وهتف باستهجان: أنا بستغلك؟ أنا! كويس والله كويس أوي.
أبعدها من طريقه بسأم وتحرك للخروج لكنها أوقفته بقولها وهي على حافة البكاء: إحنا بنتكلم متسبنيش وتمشي!

التفت إليها وصاح ملوحا بيده بانفعال وبينه وبين الجنون شعره بسببها: أعملك إيه أنتِ و كلامك المستفز يعني؟ مين اللي بيستغل التاني أنا ولا أنتِ؟! انا عملت كل حاجة وحاولت بشتي الطرق عشان ترضي بيا وكُنت هرجع الشغل عشانك! ولسه عندي استعداد أعمل اي حاجة عشانك لكن أنتِ عملتي ايه عشاني ها عملتي ايه؟
تقدمت منه بخطوات متلهفة ثم أمسكت يده بدفء وسألته بحنان: عايزني أعمل ايه وأنا هعمله مش هتردد لحظة؟

أبتسم بحزن وهتف بنبرة متألمه: حبيني لأني مش حاسس بحبك ولا مصدقك.
اهتزت مقلتيها و أدمعت عيناها وقبل أن تنبس ببنت شفة كان يصدح صوت طلقات نارية..
شهقت بفزع بينما هو تحرك للخارج متجهما فسارعت بالركض ووقفت بينه وبين الباب تمنعه من الخروج بخوف: مش هتخرج من هنا مش هتخرج انا مش مستغنيه عنك.
زفر وقال برفق لم يخفي عصبيته وانفعاله: طيب اوعي وسبيني أخرج لأني هخرج يعني هخرج..

انسلت عبراتها وصرخت في وجهه بخوف: لأ مش هتخرج فاهم ولا لأ، وانا بحبك غصبن عنك سواء صدقت أو لأ بحبك.
مسح وجهه بعصبية ممتنعا عن الصراخ في وجهها يكفيها ما فعله بها اليوم.
ارتفع كلا حاجبيه تزامنا مع تحريك رأسها وتحديقها في الباب بتعجب عِندما تناهى إلى مسامعه بل في أرجاء المنزل صوت زغاريد.

لم يتحكم في هذا التشويق أكثر فابتعدت هي من تلقاء نفسها عِندما تقدم وخرج من الغرفة ليجد دهب صاحبة تلك الزغرودة المجلجلة في المنزل..
سألها بعدم فهم مضجرا وهو يقف أمام غرفته تاركا الباب موارب قليلا وليلي تقف من خلفه تستمع باهتمام: خبر إيه يا بومة أنتيّ خليل مات؟
قهقهت بخفة ليزداد ضجرًا مُنتظرا إجابتها لتهتف بسعادة وهي تضرب صدره: مبروك قرأوا فاتحتك تحت وكتب الكتاب يوم الخميس الجاي.

طرف بتعجب وأردف مكذبًا إياها: قرأتوها من غيري كيف؟ ولا تكونوش هاتجوزوا عيل في أعدادي إياك؟
لوت شدقيها وردت متهكمة: شوف شوف اللي مكنش طايل حاجة واصل!
رد بحنق هازا رأسه بعدم تصديق: مش مسدجك مش مسدج اتفجوا كيف بالسرعة ديّ كيف كيف؟
ـ كيف مابيتفجوا هيبجي كيف يعني!.
جذب انتباههم صوت والده الذي إقترب، لاذت دهب بالفرار وهي تقهقه بينما عمّار أغلق الغرفة كي لا يراها والده.

توقف أمامه وهتف بنبرة غليظة بوتيرة مرتفعة قليلا كي يسمعها هي الأخرى: قرأنا الفاتحة واتفجنا على كتب الكتاب يوم الخميس في بيت ابوها وتاخدها وتاجي حلو؟.

ضحك عمّار بسخرية مدركا ما يحاول خليل فعله بخبثه الشيطاني المعتاد فشرع في الحديث بجدية أخفي خلفها تهكمه من هذا الاتفاق العقيم: يوم الخميس عندها في بيتها! وهو اللي هياجي يشهد ويمشي زي زي أي حد غريب، ولما نتفج على معاد الفرح أني وهيِّه مع بعض هنعمله هناك بالنهار و هيكون في واحد هنا عشانكم بليل نخلص ده وناجي علي ده ده اللي عندي، ولو خليل مش عاجبه ميعجبوشي لأني هتجوزها بيه أو من غيره ولما النهار يشجشج اني هاخدها وهنمشي ونتجابل يوم الخميس.

ضحك والده بخشونة وأردف بسخرية غليظة مستفهماً: وليه كل ديه ليه؟ لا تكون مفكرها صغيرة وبت بنوت إياك؟
ابتسم عمّار باستفزاز وقال بثقة مطلقة شوبت بتحدي: هي أحسن ولو طولت اجيبلها نجمة من السما هجيب واعملها ميت فرح كُمان ويبجي جليل عليها.
صرّ والده على أسنانه غيظًا و كيدًا منهُ ثم وافقة باستسلام قائلا بضيق جلي: ماشي يا عمّار لما نشوف أخرتها ايه مع بت الـ..

قاطعه عمّار عن ما أراد قوله وقال بكل هدوء وهو يحك ذقنه: إسمها ليلي يا بوي يعني جولها ليلي او ندى وممكن تجولها يا مرات ولدي أو أم عـ..
قاطعه بحدّة وسأم: هشش كفاياك رطرطة في حديت فارغ وشوف هتهبب ايه، ورفق قوله بمغادرته من أمامه بغضب..
قهقهة عمّار بخفة وإنزاح الثقل عن صدره وأخيرًا تنفس الصعداء بصدرٍ منشرح ؛ يبقى فقط الظفر بها كي يرتاح قلبه.

عدد على أنامله عدد الأيام حتى تصبح زوجته بابتسامة بلهاء: النهاردة التلات بكره الأربع وهنقول بكره ضايع والخميس، الله.

تراقص قلبه فرحا وكاد يدلف إلى الغرفة لكن أبصر والدته تأتي من آخر الممر فهرول إليها بينما ليلى في الداخل كانت تجلس خلف الباب تستمع إليه بقلبٍ يخفق بعشقٍ جارف، متى سيتوقف عن جعلها تغرق في عشقته أكثر، إنها تذوب كُلما سمعته يتحدث عنها، تعرف الآن الفرق بينهما، ربما هو جيد في البوح بمشاعرة عن طريق الكلمات أكثر منها، لكنها تستطيع التعبير بمشاعرها عن طريق الأفعال، هي سيدة أفعال لا أقوال، ورُبما عِندما يقتربان أكثر يفهمها ويعرف قدر حُبها، سوف تجعله يشعر به.

وقفت من مكانها عِندما سمعت صوت وقع أقدام في الخارج..
ترجاها عمّار للمرة العاشرة وهو يحاول أخذ ما تحمل بيدها عنوة: متتعبيش نفسك هدخلهم أني..
زجرته بحدّة وهي تضيق عينيها: ملكش صالح يا عديم الربايِة ومفيش تعب صباح هي اللي جابتهملي، وتلا قولها دخولها الغرفة وصفقت الباب في وجهه خلفها.

وضعت القميص فوق السرير وفوقه زجاجة صغيرة بها خليط زيوت طبيعية كانت قد استخدمته عِندما أتت ليلى أول مرة وكانت تتألم بظهرها بسبب عمّار والآن خصرها بسببه أيضًا.
ـ عايزة حاجة تانية ياحبيبتي؟
سألتها بدفء وهي تبتسم، فابتسمت ليلي في وجهها بنعومة تشكرها بامتنان: شكرا ربنا يخليكِ..
أردفت برفق كان كـ سؤال: ادهنلك أني؟
هزت رأسها بنفي وانحنت وقبلت يدها بنعومة هامسة بحب: تسلمي ربنا يخليكِ ويطول في عمرك يا أمي..

ابتسمت حُسنه بحنان وربتت على شعرها بينما تقول برضى: الله يرضي عليكِ يابتي ويهنيكِ ويتمملكِ بخير..
ردت بتمني وهي تحتضن ذراعيها بدفء: أمين.
ربتت على وجنتها بحنان ثم همت بالخروج كي تتركها ترتدي ملابسها. ، وجدت عمّار يقف أمام الغرفة كالحارس شاردا يفكر في سبب تلك الموافقة السريعة كأنه لم يفتعل شيءً في منزله! لا يشعر بالراحة تجاه خليل بتاتا ولا يصدقه.

ضربت كتفه بخفه موبخةً لهُ أفاقته: واجف كيف الصنم ليه عاد؟
تنهد وقال وهو يمسد جبينه بتعب: مستنيها عشان نمشي.
لانت ملامحها وربتت على كتفه وأردفت برفق: طيب خليك شويه متفوتش عليها دلوك عشان بتغير، ومتطولش علينا يا ولدي جلبي بياكلني عليك، أومأ وقبل يدها قبل أن تغادر وسألها الدعاء إليه.

خلعت قميصها الممزق ووضعته فوق السرير لتبقى بكنزتها السوداء الناعمة ذات الحمالتين الرقيقتين والتنورة، خلعت الحزام الرفيع وأنزلت التنورة قليلا ورفعت كنزتها ليتبين خصرها المكدوم، هرولت إلى المرآة ووقفت تحدق بذلك الإحمرار وهي تضغط عليه بسبابتها ببطء لتتقلص ملامحها بألم، كل هذا بفضل قبضته الفولاذيه، فقط كيف يتحول بتلك الطريقة الوحشية إنها لاتستوعب ماحدث منذَ ساعة لا تصدق أنها خاضت كل هذا ؛ تنهدت بحزن عندما تذكرت أنه مازال حزينا وغاضبا منها لتبدأ بتدليك تلك المنطقة برفق وهي تفكر بشيء ما.

إنتهت وارتدت القميص وعدلت ثيابها ورتبت شعرها باهتمام مراقبه شحوب وجهها وإرهاقه البين.
جلست على طرف الفراش دقائق حتى بدأت الحرارة تزحف إلي جسدها شاعرة بالحكة، تحسست خامة قماش القميص بشك لتزفر بقوة بسبب عدم انتباهها لهذا فهي تعاني من الحساسية ولا ترتدي أي شيء.
جلست محلها تفكر بوجه محُتقن والحرارة تجتاحها بشدّة عاجزة عن فعل شيء، طرق عمّار الغرفة عدة طرقات قبل أن يدخل بتردد.

جاب الغرفة بأنظارة ودلف عِندما لمحها تجلس، توقف على بعد خطواتٍ وأردف سائلا بنبرة عملية: تحبي تمشي دلوقتي ولا الصبح؟
تنحنحت متمتمه وهي تُفرق بين ياقة القميص الملتصق عليها باختناق: لو ممكن دلوقتي لاني قلقانه على نادين وعايزة أتصل بيها.
أومأ والأفكار تتزاحم في عقله، تقدم من خزانته يأخذ ملابس من الملابس القليلة التي يضعها هنا وعينيه معلقه عليها في المرآة.

لاحظ حركتها الغير مريحة كأنها تجلس فوق لوحٍ من الثلج فسألها باستفهام: إنتِ كويسة؟
أومأت بابتسامة متوترة وهي مازالت تلامس ياقة قميصها ليعقد حاجبيه وعيناه معلقة على يدها، استدار على عقبيه واقترب أكثر منها ليتبين له ذلك الاحمرار فسألها بقلق: في حاجة قرصتك؟
هزت رأسها بنفي وقالت بنبرة مستغيثة: لأ عندي حساسية من القماش ده..

نظر إلى القميص الذي ترتديه ثم إلي الممزق الذي خلعته فحمله بين قبضته وتحسس قماشة الناعم ليناولها قميصه الأبيض الذي أخرجه لنفسه قائلا دون تردد: إقلعى.
طرفت بتعجب وردت بذهول وتفاجئ: نعم؟
تنهد وعدل قوله كي لا تفهم خطأ: ده نفس قماشة قميصك خديه إلبسيه.
نظرت إليه بتردد وهي تفكر لثوانٍ قليلة ثم قالت باعتراض: بس ده كبير؟

رد بلا مبالاة: عادي يعني ايه المشكلة هيبقي حلو بردو، ورفق قوله بتقدمه إلى خزانته وأخذ قميص آخر وترك لها الغرفة.
تلعق بصرها في طيفة بذهول تعيد حديثه في رأسها متعجبة، هل هو يمزح؟ سترته كانت تبتلعها كيف سيكون القميص! لن ترتديه مستحيل..

خرجت بعد بعض الوقت ترتدي القميص الواسع بعد أن أدخلت نصفه في التنوره وقامت بـ طي أكمامه الواسعة وارتدت فوقه سترته لأنها تشعر بالبرودة، دلكت عنقها بخجل ورائحته تحوطها من كل الاتجاهات شاعرة بحضوره الطاغي معها، تلفتت حولها باحثة عنهُ بأنظارها بلهفة لتجده يقف بجانب الباب يتفحصها بمقلتيه ببريق جذاب لم تراه منذُ ساعات، أسبلت جفنيها بخجلٍ طفيف وكادت تتحدث لكن إقتراب حُسنه وخلع السترة عنها فاجأها وجعل عمّار يطلق صيحة غاضبة: واه هو في ايه عاد؟

قذفتها حُسنه عليه بعدم إهتمام وأحاطت كتفي ليلى بـ شال ثقيل صوفي بينما تقول إليه بفظاظة وهي تمسد كتفيها: جتتها متلجه وأنت ولا على بالك؟
سحق شفتيه أسفل أسنانه من الغيظ ثم انحني وإرتداها بحركة سريعة عصبية وقال بهدوء دون أن ينظر إليها: يلا بينا..

أومأت بطاعة مراقبة تقدمه وتوديعه لوالدته بحنان ثم تقدمها في السير، قبلت حُسنه وعانقتها بالمثل مودعة وسارت خلفه طواعية وهي تضم الشال حولها تنظر إلى خطواتها جيّدًا أثناء نزولها خلفه.
فتح لها باب السيارة الخلفي منتظرًا صعودها فظلت جامدة تقف محلها تنظر بين الباب وبينه قاطبة ما بين حاجبيها بانزعاج شديد وعدم رضي.

ظل جامدًا دون أي تأثر أو حديث منتظرًا إياها لتتخطاه وتجلس في المقدمة تاركة إياه يقف في الخلف.
زفر وصفق الباب بقوة وهم بالتحرك واستقل السيارة وجلس في مقعده الأمامي وبدأ في القيادة بهدوء سيطر على الأجواء قطعة طلب ليلي بتضرع: عايزة أكلم نادين ممكن؟
لم يرد عليها بل أخرج هاتفه ونقر على رقم نادين مترقبا إجابتها لكن لم يتوقع نفاذ الطاقة وانطفائه في وجهه.

تنهد وقذفه محله مجددًا بحنق ثم قال كي تطمئن عِندما أبصر ملامحها المقاربة للفزع: أنا كلمتها من شوية كانت نايمة ولمار هي اللي ردت عليا وقاعدة معاها متقلقيش.
أومأت بتفهم وأرخت رأسها للخلف مع جسدها بأريحية وهي تضم الشال بقوة، تريح ظهرها وعيناها وجفنيها المتورمان قليلا من كثرة البكاء، دقائق معدودة من شرودها في الخارج، كان الهواء قد خدرها وذهبت في ثباتٍ عميق.

أوقف عمّار السيارة أمام أحد المحال التجارية، أشتري بعض الطعام و المياة بسبب طول الطريق وعاد مجددًا، وضع الحقيبة على المقعد الخلفي و عينيه معلقه عليها، خلع سترته ووضعها فوقها برفق وابتسامة حانية لاحت على طرف شفتيه، متأملا سكونها ونعومتها أثناء النوم، امتدت أنامله تبعد خصلاتها المتطايرة شجارا أمام وجهها البشوش الناعم.

ودني منها أكثر مستمعا إلى صوت غطيتها الهادئ و استباح لنفسه تقبيل تلك الخصلة بنعومة وهو يوصد جفنيه باستمتاع، أبعدها خلف أذنها بابتسامة سعيدة متألقة وتوقف الزمن به وهو يتأملها دون كلل أو ملل، دون ان يشعر بمرور الوقت كأن الزمن توقف به وتم حذف الساعات الفائتة من رأسهِ.

ـ لأ يا قُصيّ مش موافقة..
قالت بجمود وهي تبعد يديه عن خصرها ودلفت داخل الشرفة و أولته ظهرها برفض.
صدمة ردها الجامد وعدم موافقتها وحملق في ظهرها بعدم فهم؟ إنها جادة في هذا الشأن، لم تكن تمازحه أو تنتظره أن يتوسل إليها كي تتزوجه لأنها رفضته حقا!
إقترب منها بلا تفكير وسألها باستفهام بنبرة ثقيلة وهو يمسد ذراعيها من الخلف: ليه لأ يا عشق! مش إحنا كنا مستنين الفرصة دي من زمان؟!

ضحكت بسخرية كادت تتحول لبكاء هيستيري لكنها تماسكت وقبضت على سور الشرفة الحديدي بعنف قائلة بنبرة محبطة وهي تستدير كي تكون قبالته: كُنا! تقصد كُنت انا لوحدي اللي كنت بتمنى أتجوزك مش أنت!
أحاط ذراعيها بحنان وقال بتلهف موافقا لها و عينيه تناظرها بحب: ماشي و دلوقتي جاي أطلب منك إننا نتجوز يبقى لأ ليه؟
أنزلت يديه عنها بطريقة أقرب للعنف قائلة برفض: عشان أنا متـ..

قاطعها بنبرة محتدة غاضبة: متطلقة، متطلقة يا عشق وبطلى تمثيل بقي ووافقي! دى فرصة مش هتجيلنا تاني؟!
ناظرته بهدوء تام بينما تقول بنبرة خافتة وابتسامه باردة تعلو ثغرها: أبطل تمثيل! أنت جي تحنن عليا؟ مش عايزاها يا قُصيّ الفرصة! ومش عايزاك اللي بينا انتهى وخلاص.
ابتسم بعصبية وقال من بين أسنانه: لأ مش جي أحنن عليكِ جي أصلح غلطتي.

أدمعت عيناها وهمست بنبرة منكسره وهي تعود اللاستداره تستذكر جميع أفعاله معها: تصلحها بعد ما فضحتني مش كده؟
رفع عيناه إلى السماء قليلا مبديا ضيقة عبر زفرته النافذة هاتفًا للمرة الأخيرة بحزم وانفعال: للمرة الأخيرة يا عشق هسألك هتتجوزيني ولا لأ!
لم تأخذ وقتا طويل أو حتى دقيقة كاملة تفكر مليا في إجابتها بل ردت عليه بحزم مماثل وجدية دون رجعه مرة أخرى: لأ مش هتجوزك يا قُصيّ..

المحزن أنه لا يستشف أي عِند من نبرتها، إنها صادقة ولا تعاند بتاتا وترفضه حقًا، ويبدو عليها اليأس كذلك.
عانقها من الخلف بحميمية دافعا بها إلى صدره بقوة هامسًا بجانب أذنها بترجي: يلا نبدأ من جديد يا عشق.
حركت يديها المرتعشتين ودفعت يده عنها بقوة هامسة بتعب: لأ، يا قُصيّ مش هنبدأ من جديد..
شد شعره بقوة وسألها بخشونة كابحًا نفسه عن الصراخ في وجهها بصعوبة: ليه يا عشق ليه؟

استدارت تنظر إلى عينيه بتأمل مدققة النظر إليها أسفل ضوء القمر هامسة بإبتسامة حزينة: أنت اتغيرت يا قُصيّ! دي عمرها ما كانت بصتك ليا وعينك مفيهاش حُب! أنت جاي تعمل واجب شايف أنك لازم تعمله مش جاي عشان بتحبني؟ أنت مقولتليش بحبك حتى لو كذب!
قبض على ذراعها بعنف وصرخ في وجهها باستهجان: إنتِ غبية؟ أنا بقولك تتجوزيني وأنتِ تقوليلي مقولتليش بحبك؟ اومال هتجوز عشان بكرهك؟

مدت يديها إلى وجهه وهتفت بانفعال و أعين متسعة وهي ترتكز بنظراتها داخل عيناه: بُص في عيني يا قصي وقولي بحبك ومقدرش اعيش من غيرك زي زمان يلا قول.
أنزل يدها بعصبية وهتف باستنكار: عشق أنا مش مصدق اللي بتعمليه! بقولك هنبدأ من جديد وهنتجوز وأنتِ مش موافقة؟ نسيتى زمان اللي بتتكلمي عنهُ؟ نسيتي نفسك؟
ابتسمت بألم وانسلت عبراتها وهي تنظر إليه، فإنه لا ينفك عن جرحها قط.

همست بانكسار وهي تبتسم في وجهه أغضبته أكثر: لأ منستش بس مش هيتكرر تانى على هيئة جواز وأنت زي ما أنت!
سألها باقتضاب: يعني ايه الكلام ده؟
أجابت ببرود وهي تستنشق ما بأنفها: يعني مش موافقة يا قُصيّ مش موافقة واتفضل إمشي..
قبض على فكها بقسوه وسألها بتهكم وعيناه تغيم في سوادٍ قاحل والنيران تتأجج بين جنبات صدره: وده ليه بقي إن شاء الله؟ عجبك الدكتور؟

شهقت بحرقة وهمست من وسط بكائها بحسرة: حلوه اوي الثقة اللي بينا دي هيبقي لينا مستقبل باهر لو اتجوزنا..
تركها زافرًا بعصبية لتعلو شهقاتها الحارقة، فركل الكرسي الذي وجده خلفه بعنف يشفي به غليله قبل أن يفتك بها تلك الغبية، ضم قبضته فوق سور الشرفة بقوة لاهثًا وصدره يعلو ويهبط بانفعال وعينيه معلقة على الشرفة المقابلة بنظرات حاقدة.

لا يُجب عليه أن ييأس أو يسئم الآن هذا ليس الوقت المناسب لفعل هذا، يقدر حالتها المتذبذبة لكن لن تأتيه فرصة أفضل كي يغتنمها.
هدأ قليلا ثم عاد للإقتراب منها، جفف عبراتها بحنو وهمس برفق وأطرافه تداعب وجنتها: عشق أنا مسافر ومش عارف هرجع أمتي ومش عايز أسيبك هنا لوحدك خايف عليكِ.
وضعت يدها فوق يده تربت فوقها بنعومة هامسة بابتسامة مطمئنة: متخفش يا قُصيّ إطمن وريح ضميرك هبقى كويسة.

تأوه بحزن وضمها إلى صدره بقوة لتدفع نفسها في أحضانه متشبثة في سترته بقوة تودعه بقلبٍ منشطر فينقبض قلبه خوفا عليها متوسلا إياها بكل جوارحه: عشق انا مش عايز أجبرك على حاجة أنتِ مش عايزاها بس فكري وهجيلك تاني.
هزت رأسها بنحيب فوق صدره وهمست بصوت مكتوم وهي تحوطه بقوة: لأ متجيش مفيش مجال لينا تاني يا قُصيّ ربنا يوفقك في حياتك الجاية.
رفع رأسها بأنامله ولفظ إسمها بنبرة ناعمة مترجية: عشق.

هزت رأسها يمينًا ويسارًا بقوه وعيناها تفيض من الدمع كي يدرك أن لا مجال للعودة، وابتعدت عنه و أولته ظهرها برفض مجدداً.
ظل نظره مُعلق عليها بعجزٍ يشعر به لأول مرة ومازال جزءا بداخله يكذب مايحدث، إقترب و عانقها من الخلف لاصقا ظهرها بصدره بتملك حتى التحما.
طغي الحزن ملامحه و أسند ذقنه فوق كتفها وهمس مودعا بنبرة هادئة منهزمة ويديه تداعب يديها برقة: هتوحشيني يا عشق.

عضت على شفتيها كاتمة شهقاتها بقوة، لتضم جفنيها بعنف عِندما شعرت بقبلته الرقيقة توصم نحرها أحرقت روحها.
إنه الوداع.
حررها وابتعد بخطواته إلى الخلف ببطء وعيناه معلقة علي ظهرها لعلها تستدير وتتراجع لكنها لم تفعل، ولم تفكر أن تفعل قط، استدار على عقبيه وغادر وذهب دون عوده.
لم تحملها قدميها أكثر فانهارت ساقطة على الأرض تبكِ وتشهق بحرقة عِندما تناهى إلى مسامعها صوت صفق الباب بعنف.

ظلت تبكِ بقوة وإفراط دون أي تقصير حزنًا وقهرًا على نفسها، وليد كان محقًا وحدث ما أخبرها به..
توقفت عن البُكاء عِندما صدح صوت هاتفها، هرولت إليه سريعًا كأن حياتها تعتمد على هذا الاتصال، رفعته بانفعال ووضعته على أذنها تجيبه سريعا بلهفة وهي تشهق بحرقة: كان عندك حق يا وليد كان عندك حق هو مبيحبنيش، مأجبرنيش ولا خدني معاه كان مجرد سؤال سؤال بس وأنا قُلت لأ..

أنهت قولها باختناق نادمة على هذا القرار واستطردت سائلةً بلهفة: بس هو ممكن يرجع يطلب مني تاني لو عمل كده أوافق صح؟
تنهد وليد وأخذ شهيقاً طويلا قبل أن يأتها رده: ارتاحي يا عشق وبطلي عياط وبكره نتكلم..
صرخت بهيستيريا وهي تشد على شعرها بقوة: أهدى إزاي وأنا ضيعت الحاجة اللي كُنت بتمناها بسببك وبسبب كلامك؟

هتف بنبرة مستنكرة وهو يذرع عيادته ذهابا وجيئة بعصبية: بسببي؟ ده جزائي عشان بخليكِ تحافظي على كرامتك المهدورة؟
تعالت شهقاتها ووضعت يدها فوق وجهها بانهيار معتذرة بندم وعيناها تفيض من الدمع: آسفة والله آسفة بس أنا بحبه وقلبي بيوجعني.
مسد جبينه بقوة وقال بنبرة هادئة كي يزول البأس عنها: عارف يا عشق عارف، ارتاحي وبكره نتكلم مع السلامة.

أغلق الهاتف دون أن ينتظر ردًا منها وأخذ حاجياته وترك عيادته وغادر، أسقطت الهاتف من يدها وأسندت رأسها فوق المنضدة وتابعت وصلة بكائها بانكسارٍ وحدها.
خرج قُصيّ من المصعد بوجه مكفهر و شياطين العالم تتقافز أمام وجهه في الوقت الذي ترجل جاسم من السيارة في طريقة إليها.

ضرب كتفه دون أن ينتبه أثناء دخوله من مدخل البناية فالتفت يعتذر ليتجمد محله عندما أبصره، إهتز صدر جاسم بعنف وضم قبضتيه بغضب جامح بينما قُصيّ لم ينتبه عليه حتى بل تابع سيره واستقل سيارته وغادر.
ركل جاسم الحائط الصلب بقوة شاتما بقهر لاعنا غبائه وقلبه الذي جعله يعود إليها كي يعتذر وهي مازالت تتابع خيانتها دون أن تكترث به كأنها كانت تنتظر الفُرصة لكي يحررها، هي لم تتغير قط.

اعتصر قلبه بقبضته بقوة ضاربا جبهته في الحائط وهو يوصد جفنيه بعنف وملامحه تتقلص بألم إثر خذلانه، يُعاقب نفسه بقسوة متوعدا أشد الوعيد لـ ريمة شقيقته، يقسم أنهُ سيدمرها مثلما فعل شقيقها معهُ.

رفع رأسهُ لاهثًا بانفعال وعاد أدراجه وخرج واستقل سيارته وقاد عائدًا إلى الإسكندرية بسرعة كـ سرعة خفقاته القوية المؤلمة، إنه مقهور يشعر بأنه سيموت من كم الألم هذا إن لم تصبه ذبحة صدرية في الطريق، إنها تحطم قلبه للمرة الثانية بسهولة.
مرت نصف ساعة، وصل فيها قُصيّ إلى منزله، صف قُصيّ السيارة بغضب وترجل ودلف إلي المنزل.
صاحت غرام بسعادة من غرفة الجلوس عندما أدركه بصرها: بابي..

لم ينتبه إليها وصعد إلى الغرفة مباشرةً بملامح جامدة دون أن يلتفت إليها.
أدمعت عينيها وسألت ريمة بحزن وصدرها يعلو ويهبط بانفعال وهي على حافة البُكاء: بابي مش رد عليا ليه؟
مسدت ريمة صدرها بحنان وهدأتها برفق وهي تربت على وجنتها بنعومة: معلش يا حبيبتي تلاقي مخدش باله بس متزعليش.
أومأت بخفوت ودست نفسها في أحضانها وتابعت معها مشاهدة أحد الأفلام الكرتونية.

خلع حذائه وقذفه وسط الغرفة تبعه معطفه الصوفي و كنزته وبنطاله وتحرك تجاه خزانته يخرج ملابس كي ينام.
مد يده لأحد الرفوف باقتضاب ليشعر بيدٍ ناعمة تمر على خصره صعودًا إلى بطنه تحديدا فوق جراحته..
عقدت كلا حاجبيها بقلق عِندما شعرت بخشونة جلده في هذه المنطقة، أدارته إليها تتطلع إلى جرحه بأعين متسعة قلقة سائلةً بخوف متصنعه الجهل بما خاضه: قُصيّ حصل إيه مالك؟

أبعد يدها عنه وأردف بجمود وهو يرتدي كنزته القطنية: مفيش حاجة نامي.
لم تتحرك قيد أنملة وكتفت يديها أمام صدرها بعدم رضي، فزفر باختناق والتقط سروال قطني و ارتداه تحت أنظارها المترقبة انتهائه كي تبدأ وصلة أسئلتها.
انتهى ولم يمهلها فرصة للحديث عِندما تخطاها و أوي إلى فراشة، استلقي واغلق الضوء من جانبه ودثر نفسه أسفل الغطاء كـ طفل تم ضربه من قبل والده.

تمعنت النظر إليه وتجزم أن به خطبا ما! ساقتها قدميها إلى السرير، تمددت بجانبه وعانقت منكبيه من فوق الغطاء بحنان وأسندت رأسها فوق رأسه هامسة باستفهام: مالك؟
أخرج تنهيدة طويلة من أعماقه شعرت بارتفاع جسده من خلالها، فعادت تسأله من جديد مشددة قبضتها حوله علها تحتويه كما يُجب أن تفعل: مالك يا حبيبي مين زعلك؟

لم يرد عليها، بل كان شاردًا يستعيد ذكريات سنوات سابقة عِندما كان يحيا سعيدًا بلا هذا الإزدحام داخل عقله.
سقط نظره على حذائها الملقي بإهمال كما الحال مع حذائه فسألها بصوتٍ هادئ ناعس: أنتِ خرجتي؟
تذبذبت قليلا وكاد ترخي قبضتها فوقه لكنها تداركت هذا وقالت بهدوء: كُنت بتمشي شويه بره عشان مخنوقة.
سألها بهدوء لكن بنبرة ساخرة: بتتمشي بكعب عالي وأنتِ حامل وفي الشهور الاولي كمان؟

حركت رأسها ضد رأسه بنعومة هامسة: مش هلبسه تاني خلاص، مالك بقي؟
ردّ باختناق شاعرا بثقل يجسم فوق صدره والحزن يستعمر قلبه: جـنّـة أنا مخنوق لوحدي أرجوكِ أسكتِ.
استعمر الحزن قلبها هي الأخرى بسبب رفضه المتكرر لها و معاملته الجافة، رفعت رأسها وأرخت قبضتها عنهُ كي تبتعد لكنهُ أوقفها بقوله الراغب بيأس: خليكِ..

أخذت وقتا تستوعب قوله وهي تطرف بتعجب ؛ كان هو قد تقلب للجانب الأخر وضمها إليه متوسدًا صدرها ويده تتحسس بطنها برقة، إن هذا أكثر ما يحب أن يفعله ؛ يشعر بالراحة والسعادة تغمره عِندما يتحسس بطنها أثناء الحمل.
ثقل جفنيه وتوقفت يده بعد دقائق وبدأ بإغلاق عينيه بتثاقل حتى غفى واستقرت أنفاسه.

ناظرته بتعجب وتأكدت أن خطبا ما أصابه، خللت أناملها في شعره وأخذت تمشطه قليلا ومالت تقبل جبهته بدفء ؛ تحركها ببطء و نعومة مداعبة كي يسترخي أكثر عوضا عن تجعيد ملامحه بهذا الشكل كأنه يتعارك أو يرى كابوس سيء.
تأملت ملامحه الرجولية الآسرة بإبتسامة عاشقة وظلت مستيقظة تتأمله بهيام دون ملل أو نعاس يطاردها.

لكن ما أصابها بالتعجب حقًا كانت قبضته القوية التي تشتد حولها وجسده الذي يلتصق بها حد الالتحام، متأكده أنه ليس طبيعيا هذه ليست تصرفاته.

تجلي النهار وأشرقت شمس صباح جديد.
كانت عينيه شديدة الإحمرار تحرقة بشدّة بالكاد كان يفتحها وبصعوبة كي يكمل قيادة بسلام، فهو يحتاج للنوم أكثر من أي يوم مضى يريد أن يرتاح.
مدّ يده وأخذ قنينة مياه من الحقيبة البلاستيكية و أفرغها فوق رأسهُ ونظره معلق على الطريق.
غصت الطعام في حلقها بسبب فعله هذا فنظر إليها بجمود لتبلع ما في حلقها بهدوء وعينيها معلقه عليه بنطراتٍ متوجسة كانت لطيفة.

فهي أمس لم تغفى طوال الليل لا ؛ بل إنها استيقظت بعد ساعتين بسبب قيادته السريعة وكثرة الانزلاقات التي كانت تفزعها وتحركها من مكانها بعنف، فظلت مستيقظة معهُ وهو كاد يصفعها منذُ دقائق، يخبرها أن تأكل لأنها لم تأكل منذُ أمس ويبدو عليها الأرهاق ؛ فترفض وتقول بكل إهمال أنها لن تموت دون طعام، كاد يعنفها لكنها وافقت وأخذت الطعام عِندما رأت بوادر الغضب تظهر عليه.

شعرت بالشبع فلملمت بقية الطعام و أعادته داخل الحقيقة في الخلف ومعه الشال والستره بسبب دفء الطقس ؛ نظفت فمها بأحد المناديل ثم أرخت رأسها على ظهر المقعد وظلت تتابع الطريق بهدوء بقي لهُ القليل فقط وستصل إلى منزلها.
توقف بعد دقائق أمام منزلها، أسند رأسه فوق المقود بإرهاق منتظرًا نزولها لكنها لم تتحرك.

مرت دقائق ولم يسمع صوت الباب ؛ فرفع رأسه بتعب ونظر إليها بتعجب بسبب عدم تحركها من محلها وجلوسها باديا عليها التردد فأردف سائلا بخشونة: منزلتيش ليه؟
ازدردت ريقها بصعوبة بالغة وأردفت سائله بخجل: عمّار إنت لسه زعلان مني؟
أجابها ببرود وهو يعاود إسناد رأسه فوق المقود: مش وقته الكلام ده يلا إنزلي.

فأعادت بإصرار وهي تمد يدها إلى كتفه: عمّار إنـ، صفع يدها وزجرها بجفاء: إنتِ مش بتسمعي الكلام من مرة واحدة ليه بقول انزلي يبقى تنزلي؟
اجتاحت الحرقة مقلتيها و أدمعت عيناها تناظرة بلوم بشفتين مرتعشتين ؛ تمسد ظهر يدها المصفوع بيدها الأخرى بألم.
أفزعها صوت زعيقه الغاضب: أنتِ لسه هتقعدي تعيطي؟ انزلي و اعملي حسابك كتب الكتاب يوم الخميس!

انسلت عبراتها بمهانة وترجلت من السيارة وهي تكتم شهقاتها، وتوقفت في الخارج أمام السيارة تبكِ عاقدة يديها أمام صدرها بقوة.
طفح الكيل به وضرب كفيه معًا شاتما من بين أسنانه قبل أن يترجل بتجهم.
أردف صارخا بها بعصبية مُفرطة: أنتِ في ايه واقفة بتعملي ايه ادخلي شوفي بنتك مش وحشتك؟
صرخت به بحرقة في المقابل وعيناها تفيض من الدمع: ماشي يا عمّار زعقلي براحتك، زعقلي كمان.

وعقبت قولها بدخولها إلى المنزل باكية وتركته يحدق في أثرها باقتضاب، لا يعرف يشعر وكأنها تهدده!
هزّ رأسهُ بيأس ودلف إلى سيارته وقاد إلي المنزل فجسده يصرخ طالبا الراحة.
بينما داخل منزل ليلى..
وضعت لمار الطعام فوق المنضدة وجلست جوار نادين التي تضجع على الأريكة تعانق وسادتها بشرود بعينين حمراء وجفنين متورمين ؛ ربتت لمار على ظهرها بحنان وطلبت منها برفق: كُلي يا حبيبتي أنتِ مأكلتيش من إمبارح!

أردفت بأعين دامعة وهي تشدد قبضتها فوق الوسادة بخوف: مش هطمن ولا هاكل غير لما تيجي وأطمن عليها.
مسحت على شعرها بحنان وأردفت مواسية: حبيبتي عمّار إتصل إمبارح وأنتِ نايمة وطمني عليها هي معاه و كويسة وعلى وصول كُلي عشان متزعلش لما تشـ...
توقفت عِندما سمعت جرس المنزل كادت تتحرك لكن سبقتها نادين ركضا إلي الباب.

فتحت الباب بلهفة لتشهق وترتمي في أحضان والدتها تجهش في بُكاء مرير، تشدد قبضتها حولها بقوة كأنها ستختفي، أخذت ليلى تمسح على شعرها برفق تقبل أنحاء وجهها بحنان ؛ تضمها إليها بإفتقاد شديد وعبراتها تتساقط بغزارة.
همست بنحيب وهي تدس نفسها داخل أحضانها: كُنت هموت من الخوف عليكِ.

فصلت العناق واحتضنت وجهها بين يديها وجففت عبراتها بأناملها بحنان وهي تبتسم وسط بكائها هامسة بحنو: بعد الشر عليكِ ياحبيبتي أنا كويسة الحمد الله كفاية عياط..
استنشقت ما بأنفها وهي تشملها بنظرة متفحصة سائلة بصوت مبحوح: مالها عينك! أنتِ كنتِ بتعيطي؟
هزَّت رأسها نافية وهي تجذبها لأحضانها تهدئها بنعومة: لأ يا حبيبتي مكنتش بعيط أنا كويسة خالص إهدي إهدي.

أومأت وهي تريح رأسها على صدرها وجسدها ينتفض إثر البكاء لتمازحها لمار كي تبدد هذا الحزن: وأنا مليش حُضن ولا إيه؟
بسطت ليلي كفها إليها بابتسامة تحثها على التقدم فعانقتها لمار بدفء وهي تبتسم بنعومة لتهمس ليلى بامتنان و شُكر: شكرا جدًا ليكِ يا لمار مش هنسي اللي عملتيه أبدًا.
ردت بلطف قبل أن تشاكسها بمكر: انا معملتش حاجة، وبعدين إيه القميص القمر ده؟

ارتبكت وجالت عينيها في أرجاء الغرفة بتوتر وقبل أن تتحدث تساءلت نادين وهي تستنشق ما بأنفها: صح يا مامي قميص عمّار ده ولا ايه؟ شكله كبير.
ازدردت ريقها بتوتر كأنها افتعلت مصيبة وكادت ترد لكن لمار قالت بخبث: لبست قميصه قبل الجواز أومال بعد الجواز هتعملي ايه يا قادرة؟!

تخضب وجهها بالحمرة وخجلت خجلا شديدًا وتبادل نظراتها البريئة مع نظراتهما الماكرة بارتباك هاتفة بتلعثم: لـ، لأ، على، فكره، ده، أنا بس عندي حساسية..
ضربت لمار كتفها بعبث وراقصت كلا حاجبيها قائلة بمشاكسة: معقول حضن عمّار بيعمل حساسية؟
شهقت ليلى واتسعت عيناها وأردفت بخجل ووجنتيها تنصهر من الحرارة: ايه، ايه اللي بتقوليه ده بس! كل الحكاية إن عندي حساسية والقميص بتاعتي..

ضحكا على تعبيراتها وتذبذبها وخجلها أثناء تبريرها اللطيف.
لتصرخ بهم بغيظ: انتوا بتضحكوا على ايه؟
قرصت لمار وجنتها برقة هامسة بلطافة: كميلة أوي وأنتِ مكسوفة كده.
هزت ليلى رأسها بيأس وأردفت بحنق وهي تتحرك صاعدة للأعلي: أنتِ سخيفة أنتِ وهيه مش هرد عليكم.
قهقهت لمار عليها وهمت بأخذ حقيبتها كي تذهب لكن استوقفتها نادين: خليكِ معانا.

عانقتها بابتسامة واعتذرت منها: لأ كفاية كده هسيبكم بقي عشان ترتاح و تتكلموا مع بعض.
كادت نادين تعترض لكن أوقفها هتاف ليلى من فوق الدرج: كتب كتابي بكرة يا لمار هستناكِ.
اتسعت ابتسامة لمار وهتفت بفضولٍ قاتل: أنتِ عملتي ايه هناك امبارح بالظبط؟
ابتسمت بحزن وأردفت بندم: لما تيجي هقولك.
أومأت لمار بتفهم ثم ودعتها وغادرت بهدوء لتهرول نادين خلف والدتها بفضول.

وثبت ليلى إلى غرفتها ظافرة بالراحة والاطمئنان ؛ خلعت تنورتها ورفعت قميصه الذي لا يتخطي فخذيها تنظر إلى خصرها في المرآة، تحسست موضع الألم برفق فتألمت لكن ليس بنفس قوة أمس، بحثت في الأدراج الملحقة بالمنضدة عن مسكن للألم حتى وجدت واحدًا، دلكت خصرها بسبابتها برفق متمنية أن يذهب الألم قبل الغد..

أنزلت القميص سريعًا وتركت ما بيدها عِندما دخلت نادين عليها، استدارت إليها وفتحت يديها على مصراعيها لتهرول لأحضانها بابتسامة..
قبلتها بنعومة وهي تمسح على ظهرها بحنان هامسة: وحشتيني أوي يا حبيبتي.
قبلت نادين يدها ورفعت رأسها وأردفت سائلة بقلق: أنتِ كويسة ومحدش أذاكِ صح؟
أومأت بابتسامة مطمئنه وأردفت وهي تسير بها إلى السرير: لأ يا حبيبتي محدش أذاني أنا كويسة خالص تيجي ننام بقي؟

أومأت بابتسامة وأردفت باستفهام وهي تشملها بنظرة: هتنامي بالقميص؟
تنحنحت ليلي وأردفت والراحة تغمرها: هو مُريح بس!
ابتسمت نادين وضيقت عيناها قائلة: طب و بيجماتك مش مُريحة؟
تنهدت ليلى وقالت بيأس وهي تفتح أزراره الأمامية كي تخلعه عنها: اقلعه وأولع فيه عشان ترتاحوا؟
قهقهت نادين ونفت وهي تعانقها بقوة مداعبه وجنتها بوجهها: لأ يا حبيبتي مش تولعي فيه، مبروك أنا مبسوطة أكتر منك على فكره.

ضمتها بقوة وهمست بتمني وهي تبتسم: عقبالك يا حبيبتي، ده هيبقى أجمل يوم في عمري.

في مقر عمل مصطفي..
كان يجلس خلف مكتبه شاردًا يحدق في العدم وعقله لا يتوقف عن تكرار مشهد قتله لآدم وتالين معًا قط، هو ليس حزينا عليها ولم يُحبها يوما، أكثر ما يضايقه أنهُ شقيقة وليس غريبا، هي لا تهمه فلتذهب إلى الجحيم لكن شقيقة سيظل شقيقة، سينتظر فقط حتى يرى نتيجة الاختبار وبعدها لا يلومه أحد.

شعر بشفتين رقيقتين توضع فوق شفتيه وجسدها يستقر فوق قدمه، فأحاطها مبتسمًا وسط قبلتهما الحميمية التي أذابته، فهذه السالي لا توصف بكلمة، إنها مختلفة عن الجميع ولا يعرف كيفية التخلص منها!؛ حاول كأي مُدير يمر بنزوه عابرة أن يتخلص منها لكنها لم تكن عابرة قط، إنها رائعة و ذكيه تعرف ما تفعل جيدًا.
فصل قبلتهما بلهاث وصدره يعلو ويهبط باضطراب ؛ ورفع يدها وقبلها بنعومة هامسًا بصوتٍ متهدج: بحبك..

ابتسمت برقة ورفعت كفه وقبلته بالمثل ثم ضمته إلى قلبها هامسة بنعومة بينما تداعب وجنته: شكلك مش عاجبني سرحان في ايه القهوة بردت!
طغي الهم ملامحه وأردف وهو يداعب وجنتها بظهر يده بنعومة: مفيش بفكر بس شويه..
قبلت وجنته بقبلة مسموعة ثم وقفت وأنزلت تنورتها وأردفت بجدية: طيب يلا بقي وقع الأوراق المهمة دي عشان الشغل.

أومأ وهو يستقيم جالسا ثم التقط قلمه وانتظر أن تضع الأوراق أمامه، رتبتها داخل الملف بتركيز ثم وضعتهم أمامه قائلة بابتسامة: إتفضل حضرتك..
ابتسم وبدأ بقراءة الأوراق بتدقيق قبل أن يُوقع، راقبته بتوتر ونفاذ صبر وعينيها معلقة على الاوراق التي كادت تنتهي عدي من الورقة الاخيرة، إنه يدقق ويقرأ وهذه مشكلة!

عقد كلا حاجبيه وهو يقرأ إحدى الأوراق لينقبض قلبها بقلق ؛ ازدردت ريقها بتوتر وعمدت على الهائه مثل كُل مرة تدس ورقة وسط الأوراق ويتم توقيعها دون مشاكل، لكن هذه مختلفة إنها الورقة الأخيرة.
خلعت حذائها وجلست على قدميه بدلال جعلته يعود بالكرسي للخلف بابتسامة ؛ خلعت حذائها وسارت بقدمها فوق قدمه من الأسفل مداعبة ليضحك سائلا بتعجب: سالي! أخلص الورق بس؟

أحاطت عنقه بدلال وأردفت بتذمر وهي تداعب أطراف شعره بأناملها: أنت عارف إني مقدرش أبعد عنك كتير لازم تديني حاجة تقويني وبعدين هو الشغل أهم مني يعني؟.
هز رأسه بنفي وهو يناظرها بهيام ثم أردف سريعًا دون أن يعبأ بالعمل: لأ طبعا ومش هراجع وراكِ كمان أهو، وقام بتوقيع الورقة الاخيرة دون قراءة محتواها وترك القلم وهم بتقبيلها لتعيد رأسها إلى الخلف بابتسامة زاهية.

نظر إليها بتعجب لتقف هامسة بسرعة قبل أن تطبع قبلة سطحية فوق شفتيه: هعمل قهوه بسرعة عشان مزاجك يروق وجيالك..
أومأ ببلاهة وراقب ذهابها بابتسامة، أغلقت الباب وظلت متيبسة خلفه بأعين متسعة و فاه فاغر وهي تضم الملف إلى صدرها المختلج وتسارع خفقاتها غير مستوعبه نجاحها.
ضحكت بصوتٍ رنان مجلجلة وعيناها تمر فوق كل ركن من أركان الغرفة بتملك وحشي.

لقد أصبحت المالكة لكل شيءٍ الآن، لا تطيق ذرعا كي تري شهيرة قعيدة من صدمتها عِندما تعرف أنه تم تجريدها من كل شيء وأصبح بإسمها هي، حتى منزلهم تستطيع أن تقوم بطردهم منهُ وتأخذ سياراتهم كذلك.

ظنت أنه رجلا ذكي مخضرم كما يبدو عليه، هو هكذا بالفعل لكن ليس أمام إمرأة ومفاتنها ؛ إنه يخضع لرغباته وهي تخضع للأموال، لم يهمها أنها ضحت بجسدها كي تحصل على كل ذلك لكنهُ يستحق العناء، هي زوجته أيضًا في النهاية لم تكن بذلك القدر من الرخص لأنها لم ترضي بأي شيء.

مايثير تعجبها أنهُ يعرف أنها عبدة للأموال ومع هذا يظل يعطيها دون ملل!، في كثير من الأحيان تشفق عليه لأنه يتحرك بين يديها ويد والدته كـ عروس الماريونيت، فكرت بالتراجع أكثر من مرة لأنها تعرف أن مشاعرة صادقة ؛ ولن تكذب هو يعجبها وتميل إليه وكثيرًا حتى الآن، كان يمكنها أن تعطية فرصة وتتراجع لأنه يستحق ويحبها، لكن رضوخه لوالدته يخنقها ويجعلها تصر على هذا.

من البداية كان هذا هدفها لكنها ضلت طريقها مره لأن قلبها خفق وهي بين يديه لكن شهيرة لم تترك لها مجالا كي يحيا هذا الحب! بل كانت تضع كرامتها أسفل الأقدام دائما كُلما قابلتها، وهي توعدت ودعست على قلبها ولن تتراجع.

الآن هي تملك كل شيء حتى ورقة الزواج الخاصة به معها أخذتها منهُ، متبقي فقط الخطوة الأخيرة وهي السفر وسيحدث كل شيء كما خططت إليه بالتأكيد فهي بذلت مجهودا جبارًا وصبرت كثيرًا ودرست جميع خطواتها كي تصل إلى هنا.
جلست خلف مكتبها بهدوء، أخرجت الورقة من الملف وهي تتلفت حولها كـ اللصة ثم أخرجت ملفا آخر من حقيبتها الموضوع به الاوراق التي جعلته يوقعها بشكلٍ متفرق على مدار الأيام والشهور.

تبسمت بحماس ووضعتها مع شقيقاتها بسعادة لا توصف وعيناها تشع بالحماس وقلبها يخفق بقوة، أعادت قرائتهم جميعا وعيناها تمر على كل حرف بتركيز مع تحريك شفتيها متلذذة بنطق كل كلمة من البداية حتى توقيعه الأخير.
أغلقته وقبلته بقوة ثم ضمته إلى صدرها مشددة يديها حوله ثم وضعته في حقيبتها من جديد وقامت تصنع له قهوة.

كان آدم يغط في ثباته العميق أو أن كان يغط في ثباته قبل أن تهاتفه حياة وتخبره بأن تالين تم نقلها إلي المستشفي بسبب نزيفها..
كان يركض بسرعة متسابقًا مع الرياح متخطيا الجميع بعد تخبطه بهم ودقات قلبه تسبقه إليها، توقف أمام المصعد كي يصل للطابق المطلوب لكنه لم يطيق الإنتظار وركض صاعدا الدرج بلهاث حتى كادت تنقطع أنفاسه.

ذرع الممر ركضا حتى تبينت إليه حياة تلك قصيرة القامة تقطع الممر ذهابًا وإيابًا بخوف، هرول إليها بقلبٍ مُنقبض.
أردف باستفهام ولهفة: تالين، مالها عاملـ..
توقف عِندما ارتمت في أحضانه تنتحب بقوة هاتفه بحرقة وهي تبكِ: أنا خايفة أوي..
ربت على ظهرها بلطف عكس تيبس يديه بجسد متصلب وملامح جامدة وصدره ينقبض وينبسط ونظرة معلق على باب الغرفة منتظرًا خروج الطبيب.

جلس وأجلسها بجانبه وأردف متصنعًا الهدوء بينما داخله اندلعت نيرانه المستعرة: حصل إيه؟
جففت عبراتها وهتفت بهلع وهي تستذكر ماحدث وجسدها ينتفض بخوف: دخلت أصحيها عشان تفطر لقيتها مش بتصحى والغطي مليان دم ومفيش نبض خالص، جريت بسرعة وطلبت الإسعاف وجينا على هنا، بابا مكنش موجود كل يوم بينزل يدور على شُغل من ساعة ما رجعنا الشقة وماما سبتها تقعد مع أخواتي الصغيرين.

أومأ بتفهم ومسح على ظهرها برفق كي تهدأ بينما هي ظلت تبكِ على صدره حتى خرج الطبيب.
وقف باندفاع دون أن ينبهها كادت تسقط غفلة لكنها تماسكت ووقفت خلفه.
سأل الطبيب بلهفة و إنفعال والقلق يشع من عينيه: حصل ايه يا دكتور هي كويسة؟

شرع الطبيب في الحديث شارحا حالتها بهدوء: كان عندها نزيف ولحقناه الحمد الله والجنين متقصرش بس لازم تخلي بالها أكتر من كده لأن هي عندها فقر دم حاد ومناعتها ضعيفة ومحتاجة تغزيه عشان صحتها وصحة الجنين.
أومأ آدم بلهفة وعاد يسأل: طيب عشان تتعالج نعمل ايه؟
أومأ وحثه على الذهاب معهُ: ممكن تيجي معايا هكتبلها انواع البرشام والفيتامينات ايه وتفهم حالتها اكتر.

أومأ وذهب خلفه وظل معهُ نصف ساعة تقريبًا يسمع منهُ بتركيز حتى فهم حالتها ثم ذهب إليها بعد أن هاتف مصطفي كي يأتي، يجب أن يضع حدا لهذا الوضع.
وثب إلى الغرفة بقلبٍ مضطربا يخفق بقوة مؤلمة، أعتصر الألم قلبه وطغى الحزن ملامحه عندما رآها راقدة بذلك الضعف والشحوب فطلب من حياة بغصةٍ تركهم معا على إنفراد: حياة ممكن تسيبينا لوحدنا شويه؟

أومأت وتركت الغرفة لهُ بهدوء وغادرت بعد أن قبلتها، ابتسمت تالين إليها ثم ابتسمت في وجهه ابتسامة شاحبة لكنها لم تخلو من الحياة.
بادلها إياها بأخري باهته رغم محاولته كي تكون مبهجة، جلس على الكرسي مقابلها وأردف سائلا بنبرة حانية: عاملة إيه؟
أجابت بنبرة خافته متعبة وهي تبتسم: الحمد الله.

مد يده إلى كفها المحقون به المحلول المفرود بجانبها، رفعه بين يده برفق وطبطب عليه بنعومة وهمس بندم: أنا آسف يا تالين، آسف..
نظرت إليه بعدم فهم ليردف متابعًا بندم مبتلع غصته بمرارة: آسف عشان بوظت حياتك و قُلتلك إني بحبك من الأول، مكنش ينفع أقولك ولا كان ينفع اتخطى حدودى معاكِ، فوقت متأخر سامحيني يا تالين انا بجد آسف.

لم يبدر عنها سوى إبتسامة بسيطة ناظرته بها بإرهاق دون أن تتحدث، لكنها أخبرته من خلالها الكثير و طمئنته أنها بخير.

أومأ بتفهم كأنها ألقت على مسامعه محاضرة طويلة ثم تابع بقية ما أراد أن يقوله وكان سيذهب إلى منزلها خصوصا كي يخبرها بهذا: تالين أنا كلمت مصطفى، أنا عارف إنك مش قبلاة ولا عايزة ترجعيله بس يا تالين إنتِ عارفة إنه بيشُك إنك حامل مني أنا مش هو ولازم تبيني براءتك سواء هتفضلي معاه أو هتسبيه لازم يعرف أنك أشرف من ميت واحد زيه! فاهماني؟

انسلت عبراتها بصمت وظلت ساكنة دون أن تبدي أي رد فعل ليتابع رغمًا عنهُ بقلبٍ مدمر: أنا أتصلت بيه يجي عشان تعملوا تحليل DNA طالما أنتِ هنا ولحد ما تطلع النتيجة هتفضلي في بيتك ولما تطلع ويعرف أنك بريئة مش هيسيبك وساعتها قرري وشوفي هتعملي ايه..

صمت قليلا يفكر مليا كأنه يستذكر شخصية شقيقة ليقول: بس خليكِ عارفة إنه هيتغير لما يشوف ابنه مصطفى طيب، ويمكن هو مش بيخونك يا تالين وتكون دي مراته التانية متتسرعيش وفكري كويس.
أومأت بتفهم وهي تأخذ شهيقًا بصعوبة موصدة جفنيها بقوة ليقف آدم هاتفًا قبل أن يغادر بإبتسامة لم تصل إلى تقاسيم وجهه: ارتاحي إنتِ دلوقتي وانا هفضل بره هطمن عليكِ من وقت للتاني.

هزت رأسها بشكلٍ غير ملحوظ لم ينتبه له وخرج ليصطدم بمصطفى الذي كان يدخل.
كانت نظراته حادة متجهمة وهو ينظر إليه بغضبٍ مشلول، دفعه آدم للخلف قليلا برفق بينما يقول وهو يغلق الباب خلفه: نايمة، تعالي أنا عايز أتكلم معاك عشان كده جبتك.
زفر مصطفى بغضب وأردف بغلظة: خلصني أنا مش فاضيلك ومش جيلك أصلا!

عقب قوله بتحركه واندفاعه إلى الغرفة كي يدخل عنوة لكن آدم دفعه للخلف صائحا بحدة وصوتٍ مُرتفع شديد: افهم ياغبي بقى وبطل اندفاع! أنا جايبك عشان تعمل تحليل الـ DNA وياسيدي لو طلعت أنا أبوه إقتلني وقتي ومش هقاومك خالص.
هدأ قليلا ونظر إليه بتردد واقتضاب وصدره يعلو ويهبط في عنف ثم أردف ساخرًا: أعمله هنا؟ أعرف منين أنك مش مظبط حد عشان يطلعه زي ما أنت عايز! لو هعمله يبقى هعمله عن طريقي أنا مش أنت.

وافقه مذعنا إليه بقلة حيلة: موافق في المكان اللي تحبه بس هروح معاكم.
جذبه مصطفى من حاشية قميصه وهدر بخشونة وتهديد وهو ينظر داخل عينيه وأنفاسه الحارة تلفح وجهه: لو طلع إبنك هقتلكم؟
ردّ عليه بحدّة مماثلة وهو يصفع يده: ولو طلع إبنك هتركع تبوس رجليها وتطلب السماح.
هتف بلا مبالاة: موافق
وافق آدم بالمثل وهو يدس يديه داخل جيب بنطاله: موافق، استني الدكتور لما يسمح ليها بالخروج وبعدين نروح لأنها تعبانة.

تقلب في الفراش يتابع غفوته بخمول واسترخاء تخلله أنامل تتحرك على صدره بنعومة، قاوم خموله وجسده الهامد وفتح عينيه على مهل بسبب الضوء لكن الغرفة كانت مظلمة وهادئة كما يُحب، مط ذراعيه بكسل متثائبا بقوة.
بعثرت جـنّـة شعره بابتسامة وحثته على الاستيقاظ: كفاية نوم بقى بقينا العصر؟

فرك عينيه بنعاس وأخذ هاتفه من فوق الكومود يرى كم الوقت ليضرب الضوء عينيه فأغلقه وتركه من يده زافرًا يحث نفسه على الاستيقاظ.
أخذت هي الهاتف تري الوقت وأردفت بهدوء: الساعة 3 مع إنك مش نايم متأخر أوي يعني! قولي بقى مين زعلك عشان تنام كل ده؟!
تنهد ودس رأسهُ أسفل الوسادة راغبًا في المزيد من النوم لكن قولها بصوتٍ مشحون بالغضب جعله يرفع رأسهُ إليها: مين البنت دي يا قُصيّ؟

انتصب جالسا بتكاسل وحدق في صورة لمار التى التقطها أمس قليلا قبل أن يضحك بخفة قائلا ببراءة وهو يضرب كفيه معا بتعجب: أه أصحابي عاملين جروب على الواتس وبيبعتوا عليه صور بنات..
رفعت زاوية شفتيها بسخرية وأردفت بتهكم وهي تراقص الهاتف أمام أعينه: الصورة أنت مصورها يا قُصيّ واتس ايه شايفني هبله قدامك؟!
ابتسم وأردف بتفاجئ وهو يأخذ الهاتف من يدها ينظر إلى الصورة بتفحص: ايه ده بجد؟

أومأت بعصبية وهي تحدجه بنظراتٍ نارية ليحذف الصورة بكل هدوء ثم وضع الهاتف في يدها قائلا ببساطة: مفيش صور خلاص.
ورفق قوله بوقوفه و وثوبه إلى المرحاض تاركا إياها تحدق في الهاتف باستنكار شاعرة بالغباء.
صرخت بغضب واندفعت خلفه بهجوم صائحة بجنون: إنت بقيت تعرف ستات يا قُصيّ؟

صفقت باب المرحاض بقوة ودلفت خلفه بعصبية مفرطة وصدرها يعلو ويهبط بعنف فكان يغسل وجهه بهدوء، رفع رأسه والتقط المنشفة وجفف وجهه وعيناه معلقة عليها باستمتاع بسبب غضبها هذا.
صرخت في وجهه بنفاذ صبر: أنت بتضحك؟ مش حاسس باللي بيحصلي!
وضع المنشفة فوق كتفه وهو يبتسم ثم سحبها من خصرها بغته لتلتصق بصدره تزامنا مع شهقة ناعمة أطلقتها.

أردف سائلا بسخرية ويديه تتحرك فوق ظهرها بنعومة مثيرة للقشعريرة: أحس بـ إيه معلش؟ إنتِ سبتيني لعشق مجتش على دى يعنى؟!
أطرقت برأسها وأخرجت أنفاسها الحارة بتعب و ادمعت عيناها وهمست بغصة بشفتين مرتعشتين: أنا عمري ما هسامح نفسي عشان عملت كده، بس يا قُصيّ دلوقتي أنا معاك ورجعنا وفي مجال إننا ننسى ونبدأ من جديد ليه مش موافق؟

هتف بقلة حيلة هو يرفع وجهها كي تنظر إليه: أنا مش مش موافق يا جـنّـة، أنا مش قادر ومش عارف، أنتِ خرجتي من حساباتي وخرجتي من قلبي قبلها.
فقدت الأمل به واستسلمت لواقعها وتقبلت هذا، تقبلت خسارته بصدرٍ رحب فهي تحصد ما زرعته ليس إلا، انسلت عبراتها بغزارة وأومأت بانسكار وانسحبت مبتعده إلى الخارج.

تنهد وأغلق الباب خلفها وأخذ حماما باردا، خرج بعد بعض الوقت كانت الغرفة فارغة منها، التقط هاتفه وقرأ بعض الرسائل الواردة ليبتسم باتساع، وهم بارتداء ملابسه بسرعة بعد أن قذف الهاتف.
انتهي في وقتٍ قياسي ونزل إلى الأسفل، كانت جـنّـة مسطحة على الأريكة شاردة بحزن وغرام تنام مستيقظة في أحضانها تعبث بأصابها في أنحاء وجهها وهي تقهقه قهقهات ناعمة.

توقف قُصيّ وغير مساره واتجه إلى الأريكة عِندما تناهي إلى مسامعه صوت ضحكاتها المغردة، جثي أمام الأريكة وقرص وجنتها بخفة فتجاهلته وتقلبت تدس نفسها بأحضان جـنّـة وأولته ظهرها بغضب طفولي.
رفع كلا حاجبيه بانزعاج وسأل بضيق: ده اسمه إيه ده بقي إن شاء الله!
خللت جـنّـة أناملها داخل شعرها برفق مداعبة بينما تبرر موقفها بهدوء: قالت إنها امبارح ندهت عليك لما جيت وأنت مردتش عليها عشان كده زعلانه.

أنزل حاجبيه وهو يستذكر ما حدث أمس باقتضاب فهو لا يذكر هذا، كيف يتجاهل أميرته كيف؟
مدّ يده إلى ذقنها بصعوبه وهو يقهقه بسبب التصاقها بجنة أكثر كي لا تترك له مسافة ولا المجال كي يراها، قبل وجنتها بحنان وهو يقف على ركبتيه ورفع وجهها متأملا تلك الأهداب الطويلة ووجنتيها المتوردة وضم شفتيها بعدم رضي بلطافة.
لثم جبينها بلطف وهمس برقة: بابي كان تعبان يا حبيبتي ومكنش سامع حاجة خالص خالص متزعليش.

أفرجت عن قدحي القهوة خاصتها وغشاوة رقيقة تجمعت داخلها إثر تكدس عبراتها وناظرته بأعين دامعة لائمة وبدأ وصدرها ينقبض وينبسط بانفعال فضمها إلى صدره بقوة وواساها بحنان: لأ، لأ، متعيطيش أنا آسف والله هركز المرة الجاية متعيطيش مينفعش تعيطي وإحنا خارجين ها متعيطيش..
توقفت وطرفت بأهدابها سائلةً برقة: هنخرج؟
أردف مؤكدًا بثقة وهو يمسد صدرها: طبعا هنخرج يلا غيري هدومك وهستناكِ هنا يلا..

أومأت وهي تستنشق ما بأنفها ثم نظرت إلي جـنّـة وهمست باستغاثة: مامي ممكن تساعديني؟
أومأت بابتسامة حانية وحملتها وصعدت بها إلى الأعلى ليجلس قُصيّ محله متنفسا الصعداء بإرهاق شاكرا إن هذا انتهى دون أن تبكِ، جاورته ريمة في جلسته وناولته كوب عصير سائلةً بابتسامة: تعبِتك؟
قهقهة ومسد جبينه وبرر بقلة حيلة: مخدتش بالي خالص إمبارح ومسمعتش كنت مضايق اوي، كل ده بسببك وبسبب تربيتك.

قهقهت وأراحت رأسها فوق كتفه هامسة برقة: هي حساسة زيي ومينفعهاش حد بارد زيك..
نظر إليها بطرف عينيه وأردف بدون تعبير: أنا بارد؟
رفعت يده وقربت كوب العصير من فمه قائلة بابتسامة: أه بارد يا حبيبي ويلا إشرب العصير قبل ما تمشي واحكيلي كُنت متضايق ليه؟.
أردف بمرارة وهو يستعيد ذكريات أمس: طلبت من عشق الجواز ورفضت تخيلي!
تعجبت من هذا وعقد كلا حاجبيها وأردفت باستفهام: ليه رفضت مش بتحبك؟

هزَّ رأسه بجهل وغلت الدماء داخل عروقة وهتف بانفعال بوجه مكفهر: متفكرنيش أنا بولع كل ما أفتكر اللي حصل، هتجنن ليه قالت لأ؟!
ضيقت عينيها بشك وسألته: إنت عملت ايه لما قالت لأ؟
قال باستياءٍ شديد: قولتلها فكري ومترديش دلوقتي لكن قالت لأ وودعتني كمان فا سبتها ومشيت بعد ما ودعتها!
هزت رأسها بتفهم وهي تطالعه بتدقيق سائلة باستفسار: وأنت حسيت بـ إيه لما ودعتها ومشيت؟

فكر مليا بعمق وهو يحدق في العصير ثم قال بهدوء: زعلت وجيت نمت بس.
سألته بتفكير: قُصيّ ليه مألحتش عليها أوي عشان تتجوزك أو حتى متخانقتش معاها وقولتلها هجيلك تاني ليه؟
هز كتفيه بجهل وقال بهدوء: عشان انا قُلت مش هجبرها على حاجة هي مش عايزاها!
ومضت عيناها وحاصرته بسؤالها وهي تتأكد من شيء ما: طب وأنت؟!
تأفف بحنق وسألها بازدراء: ريمة إنتِ عايزة إيه؟

ضحكت بمكر وحثته على إرتشاف العصير وهي تدلك عنقها ونظرها معلق عليه بابتسامة: إشرب يا قُصيّ إشرب..
إرتشف العصير سريعًا كأنهُ مياه وهتف بعد أن استطعم ما ارتشف: مشمش؟ جـنّـة بتموت فيه.
ردت ممتعضة: هدخل أدلق الباقي حاضر.
قهقهة وبعثر شعرها كي يزعجها لكن هي من أزعجته بقولها الجاد وهي تمسك كفه بين يديها كأنها تعرف شيءً لا يعرفه هو: على فكره إنت مش بتحب جـنّـة ولا عشق.

عقد كلا حاجبيه ورفع عينيه إليها في ترقب ولا يعرف ما هذا الشعور الغريب الذي راوده من وقع هذه الكلمات على مسامعه.
ابتسمت ريمة بنعومة وهمست بثقة لطيفة: أنت بتحبنى أنا.
تنفس الصعداء براحة وصاح مؤكدًا: عندك حق والله هاتي حُضن..
ضحكت بصخب وعانقته بقوة ليقبلها بنعومة هامسًا بصوتٍ حاني مفعم بالحب: أنتِ بنتِ الأولي، وأمي كمان..
همست بدفء وهي تقبل كتفه: حبيبي ربنا يخليك ليا.
ـ بابي بابي خلصت..

صاحت غرام بسعادة وهي تنزل السلالم ركضا.
فصل العناق ولثم جبينها بحنان وودعها ثم وقف وفتح يديه على مصراعيها يستقبل غرام بحفاوة هاتفًا بحماس: قلب بابى يلا بينا..

مساءا..
كان عمّار يغط في نومٍ عميق فوق الأريكة في غرفة الجلوس منذُ أن عاد ؛ دون أن يعي مايحدث حوله.
تقلب وهو يفرد ذراعه الذي يتوسده ليلامس شعر حريري ناعم، تقلب بانزعاج ورائحة طعام شهي جعلت معدته تقرقع مطالبةً به، تجاهل هذا وكاد يتابع غفوته لكن سقوط أواني الطعام في المطبخ أحدثت صوتا مدويا أيقظة.
فتح عينيه بتباطؤ لتتسع عيناه وتفرج شفتيه عن ابتسامة زاهية عِندما أبصر غرام تجلس أسفل الأريكة بهدوء.

انتصب جالسا نصف جلسة مستندا على مرفقة سائلا بنعاس: فين قُصيّ؟
رفعت رأسها إليه بابتسامة وأردفت بلطافة: عمو صحيت؟
أومأ بابتسامة ناعسة ومد إليها كفه مصافحا لكنها تمنعت وسألته باهتمام: عمو إيدك نضيفة؟
فغر فمه ونظر إلى يده قليلا بصمت حتى هربت قهقهاته وسألها بامتعاض: ايه التربية اللي شبه تربيه أبوكِ دي؟
رمشت بلطافة وسألته بجهل: يعني ايه يا عمو؟

رفعها من خصرها وأجلسها على قدميه وهتف برقة: ولا حاجة يا روح عمو يلا ناكل.
أومأت بابتسامة وهي تنظر إلى عينيه بنفس ذات الانبهار السابق، فمد يده إلى قطعة الدجاج ليستوقفه سؤالها: مش هتغسل سنانك؟
ابتسم بلطف وقال بامتعاض: لأ مش هغسل كُلي..
أومأت بقلة حيلة وراقبته وهو يمد يده لتستوقفه مجددا: الشوكة يا عمو!

أخذ الشوكة وهو يتنهد بنفاذ صبر فلم تسعفه كثيرا في تقطيعها فقالت باستياء طفولي وهي تضرب فخذيها: السكينة كمان!
قال بغلظة وهو يجلسها فوق الأريكة: هو في ايه يابت ده أنتِ بنت قُصيّ حتى!
ـ ماله قُصيّ يا حليتها؟
أتاه صوته الساخر وهو يتقدم بالعصير، حطة على المنضدة بعنف جعله يرفع نظره إليه بعدم فهم.
غمغم بضيق بسبب نظراته الجاهلة بما يحدث: وكمان جبلة مش حاسس! يعني أنا أستناك كل ده وتاكل لوحدك؟

أردف بسخط وهو يلتقط هاتفه: لأ وأنا عارف أكل من بنتك أوي وبعدين تستني ايه ما أنت جايبه جاهز أنت هتمثل كُل..
ألتقط قّصيّ الشوكة حانقًا وغمغم بضجر: أنا غلطان اني عبرتك وجبتلك أكل ومش عاجب أهلك كمان..
لم يكن عمّار يستمع لهُ من الأساس بل كان نظره مرتكزا على ما يفعل بيده فجذبه من ياقته فجأة وسأله بتهكم: من أمتي بتاكل بالشوكة والسكينة معايا؟ خايف من بنتك؟

ضحك بصخب وهو يهز كتفيه باستسلام ثم برر موقفه بقلة حيلة: عمّار يا حبيبي هي صغيرة ولسه بتتعلم لازم تاخدني مثال وقدوة وخصوصا إنها بتحبني أوي فا عيب يعني عيب نزل إيدك!
تركه وأخذ الشوكة من يده بقوة وأمره بحزم: كل بأيدك ومص صوابعك يلا..
رفع زاوية شفتيه بسخرية وأردف بجدية: لأ هبت منك عالآخر بقي سمعتي مش هتبوظ لأ..
تنهد وقال بابتسامة: أنا هسيبك عشان مبسوط بس
ابتسم قُصيّ وضرب كتفه سائلا بعبث: ابسطني معاك..

قال بنبرة تشي بالحماس: كتب كتابي بكرة..
قفز قُصيّ وجلس على الاريكة بأريحية أكثر هاتفًا بعدم تصديق وعيناه تومض بحماس: أقسم بالله..
أومأ عمّار بإبتسامه ثم حمل هاتفه ووقف: كمل أكل وجي على طول احكيلك.
صاح بخبث مراقبا ذهابه: ايوا ايوا والعه معاك..
تنهد بإبتسامة متمنيا السعادة إليه من كل قلبه، على الأقل أحدهم سيكون سعيدًا، انتقل بنظراته إلى غرام الجالسة بهدوءٍ تام تحدق في الطعام دون أن تقترب منهُ..

مسح على شعرها برفق وسألها بحنان: مش بتاكلي ليه يا حبيبتي؟
ضمت قبضتها الصغيرة ووضعتها في حجرها وقالت بخفوت: مستنياك تقولي كُلي.
حملها وأجلسها على قدميه وأطعمها بيديه زاجرا نفسه بشدة: أخص عليها معقول غرام هانم تستني!
هزت رأسها بنفي وهي تبتسم بنعومة ليتابع إطعامها بهدوء مراقبا إياها بحنان بالغ وهو يفكر بعمق.
في هذه الأثناء في منزل ليلى..

دخلت نادين غرفة والدتها تطل عليها وهي تحادث عمّار في الهاتف: لسه نايمة يا عمّار، أه قالت لي مبروك، عمّار عربية ماما أختفت من قدام البيت والمفتاح كان في الشنطة متهيألي انها اتسرقت ممكن تاخد الرقم ونبلغ؟
ـ إبعتيه..
قال بهدوء وكاد يغلق الهاتف لكن ندائها باستغاثة استوقفه: عمّار..
همهم باهتمام لتسأله بندم وهي تعض أناملها: أنت لسه زعلان مني؟
أجابها ببرود: زعلان! عشان كُنت كُبري وكده؟ لأ عادي..

تنهدت بـ همٍ وتجمعت الدموع في عينيها وتوسلته بنبرة مهزوزة وهي على حافة البُكاء: عمّار أنا آسفة والله مكنش قصدي ومكنش عندي حل غير ده!
تنهد وأردف بلطف: نادين، اهدي ومتعيطيش انا مش زعلان ونسيت أصلا، متفتحيش الموضوع ده تاني وانسيه أنتِ خلاص من بكره هتقوليلي يا بابا!
ضحكت بنعومة ومحت عبرة سقطت من عينيها وهتفت بابتسامة زاهية: أنت بابا من زمان على فكره.

قهقهة عليها وهتف باستياء: أنا مش عجوز اوي كده على فكره!
أردفت مشاكسة: بكره نشوف، واستطردت بحماس: انا دلوقتي هصحي مامي عشان نظبط لبكرة بقي وكده باي باي..
ودعته وأغلقت ثم وضعت الهاتف جانبا وأخرجت صندوق الهدية الخاصة بـ عمّار من الخزانه واتجهت إلى السرير.
أيقظتها برفق وهي تمسح على شعرها هامسة فوق أذنها بلطف: مامي، مامي، اصحي بقي كده كتير.
أتاها صوتها بهمسٍ مماثل وهي تغمض عينيها: ليه؟

قهقهت نادين وعانقتها بينما تقول بتذمر: يلا قومي عشان نشوف هنلبس ايه بكره!
أطلقت تنهيدة حزينة وهي تتثاءب مفكره، هل سيتزوجها و يبدءان حياتهما معًا وهو غاضبا منها؟ هذا ليس عدلا.
صاحت توقظها من شرودها بتذمر: مامي، مامي سرحانة في إيه بس؟
قبلتها بحنو ونفت بنعاس: مش سرحانة يا حبيبي، ها هنلبس ايه؟

ابتعدت عن أحضانها وانتصبت جالسة وقربت الصندوق منها بحماس وغمزت إلى ليلى التي جلست بالمثل وناظرتها بعدم فهم فأردفت نادين سائله أولا: أنتِ شوفتي الهداية ولا لأ؟
قالت بهدوء وهي تحدق به محاولة تذكر فحواه: اه شوفتها مش فستان وبرفيوم والسلسلة اللي كانت ضايعة مني العروسة دي ومتهيألي سلاسل تانية بس!

قهقهت نادين لسبب عجزت ليلى عن فهمه ثم أخرجت الفستان وقالت بهدوء: بصي هنسيب الفستان على جنب دلوقتى، والبرفيوم كمان معاه و السلسلة وكده يتبقي حاجة كمان المجموعة دي!
ورفقت قولها بإخراج بعض القلادات كما ظنت ليلى، بعضا منها كان مذهبا و البعض الاخر فضي، سألتها بعبث وهي تضعهم فوق راحة يدها: تعرفي إيه دول؟
عقدت كلا حاجبيها متعجبة تصرفات ابنتها ثم أجابت بهدوء: سلاسل!
هزَّت رأسها بنفي وهمست بخبث: دي خلاخيل..

حركت أهدابها وهي تهز رأسها بجهل ولفظت بشك وهي ترفع حاجبها: خلاخيل؟ إزاي دي كبيرة؟
قهقهت نادين وقالت باستسلام لأنها لن تتوصل إلى الإجابة وإن ظلت تسألها حتى الصباح: يا مامي يا حبيبتي ده إسمه خلخال بطن، يعني وأنتِ بتهزي وسطك الجميل ده تلبسيه و اوعي بقي.
اتسعت عيناها بعدم تصديق و اخذتهم من يدها تفحصهم بنظرات ثاقبة ووجنتيها تتورد تلقائيًا وهي تفكر أمام نظرات نادين العابثة.

هتفت بحدّة لم تنجح بها بل غلب عليها الخجل: قليل الأدب هو فاكرني هرقصله ولا إيه؟ ازاي يجبلى هدية زي دي؟!
ضحكت نادين وهي تضع يدها أسفل ذقنها باستمتاع قائلة وهي تفحصها بنظراتها بثقب: قليل الادب ده هيبقي جوزك بكره وهو نفسه اللي أنتِ لابسة قميصة ومرتاحة فيه شوفتي بقي! وخدي الكبيرة رقصتي معاه وسط الرجالة مرة تخيلي!

غمرت ليلي وجهها بين راحتي يديها بخجلٍ قاتل هامسة بصوت مكتوم نادم: أنا مش عارفة عملت كده إزاي متفكرنيش.
قهقهت نادين وأبعدت يديها عن وجه والدتها برفق ورفعت رأسها وهمست بابتسامة ناعمة وهي تتأمل وجهها المتغضن بسبب ذكرياتها هُناك في منزله: رقصتي عشان عمّار، أنا متأكده إنه كان عجبك من ساعة ما شُفتيه بس مكنش فيه فرصة، بس دلوقتي مفيش داعي لأي خوف ولا قلق ولا تأجيل أنتِ معاكِ عمّار الأمان كُله.

انسلت عبراتها بتأثر وقلبها يخفق بعشقه لتستطرد نادين بحب: أنا كُنت بحب عمّار ودلوقتي بحبهُ أكتر عارفة ليه؟
همست بشفتين ترتعشان و عِبراتها تنساب: ليه؟
مدت أناملها أسفل ذقنها وأردفت برقة: عشان بسببه بقيت أشوف القمر مبسوط وبيضحك دايما.
جذبتها لأحضانها بقوة هامسة من بين بكائها مقبلتا إياها بحنان: روحي أنتِ والله.
لفت يديها حول خصرها و استطردت ممازحة: وعلي فكره عمار يستاهل ترقصيله.

ضحكت بنعومة ومسدت ظهرها وهي تدعو بداخلها أن تكتمل تلك الفرحة.

اليوم التالي في منتصف النهار..
إرتدي سترته السوداء ذات الملمس الناعم ناظرا إلي نفسه في المرآة بعدم رضي، وقف بجانبه ينظر إلى نفسه بتدقيق ثم وقف بظهره متحيرًا أيخلعها مثل شقيقاتها أم يبقَ بها؟
هتف قُصيّ بملل وهو يقلب في هاتفه: على فكره بقي انا زهقت خلص!

زفر عمّار بعصبية ومشط شعره للمرة العاشرة وشذب ذقنه التي قصرها قليلا للمرة العشرون ثم نظر إلى حذائه اللامع ليسخر قُصيّ: يلا لمعها تاني يلا تاني مجتش عليها يعني.
زفر وجلس على الكرسي وهتف بإحباط وهو يهز قدميه بتوتر: أنا حاسس إن شكلي وِحش!

قهقهة قُصيّ وترك محل جلوسه و إقترب منهُ بابتسامة سعيدة فرحة، وقف أمامه ونظف غبار وهمي من فوق كتفه وأردف بثقة: إنت كده تمام مش محتاج حاجة، عيب أوي تقول شكلي وِحش وِحش إيه بس ده أنت وشك نور!
عانقه عمّار بقوة ممتنا لوجوده في حياته هو وآدم، آدم! أين هو؟
أبتعد وسأله بحيرة: فين آدم؟
قال بهدوء وهو يلتقط زجاجة العطر: في المشتسفى مع تالين من إمبارح لأنها تعبانه بس متقلقش هييجي على المعاد.

أومأ بتفهم وأخذ شهيقًا طويلا ثم سأله الذهاب وقلبه لايهدأ بتاتا: يلا!
أومأ ونثر بعضًا من العطر عليه ثم بدأ يضع لـ عمّار فابتعد رافضًا بانزعاج: لأ، لأ مش عايز..
هز رأسه بتعجب واستفهم عبر قوله: وده من امتى؟ ده أنت بتغرق نفسك؟
نفي مجددا وهو يخرج هاتفه كي يهاتف نادين ويطمئن أن والديهما لم يصلا بعد أو قبله على الأقل: لأ مش عايز النهاردة يلا.
في منزل ليلى الآن..

كانت تجلس فوق الكرسي أمام المرآة ولمار تميل عليها تضع مساحيق التجميل بتركيز وهي تدندن بكلمات أحدي الأغنيات بتسلية.
توقفت يدها عن الحركة عِندما انسلت عبرة شاردة من عينا ليلي، انتصبت واقفة وسألتها بتعجب: بتعيطي ليه في يوم زي ده؟ النهاردة كتب كتابك؟!
غمرت وجهها بين راحتي يديها وهمست بألم: عمّار..
سألت مشدودة: ماله عمّار؟

هزت رأسها وهمست بعذاب: زعلان مني ومش هيسامحني أبدًا، وقصت عليها جميع ما حدث أمس بنحيب.
تنهدت لمار وجففت عبراتها بنفسها وعادت للإنحناء فوقها وبدأت تثرثر بغيظٍ منها ومن تصرفاتها: هو لو فضل زعلان حقه الصراحة، بس عمّار بيحبك وأنتِ عارفة ومش هيعمل حاجة ده هيتهبل لما يشوفك صدقيني روقي كده بس ومتفكريش، تحبي أقولك نكته؟
أومأت بلهفة كي تخرج نفسها من هذا الحزن الذي تلبسها فجأة..

تنحنحت لمار وهتف بابتسامة وهي على وشك الضحك: مرة واحدة نفسها تفتح بيوتي سنتر مبتعرفش ترسم الأيلاينر، ورفقت قولها بضحكات مجلجلة سعيدة كأنها مضحكة بينما ليلى كانت تنظر إليها بدون تعبير.
توقفت لمار عن الضحك عِندما سمعت نفسها فقط ولاحظت سكون الغرفة عدي من ضحكاتها فأردت سائلة بلهاث: نكته سخيفة مش كده؟
أومأت ليلى بازدراء وأكدت كي لا تترك مجال للشك: جدا جدا جدا.

قهقهت لمار ووافقتها الرأي وهي تضع اللمسات الأخيرة فوق وجهها: عارفة والله أنا كُنت بتأكد بس، بس هي ساعات بتضحكنى مقدرش أنكر!
رفعت جسدها وهتفت بفخر وهي تحثها على رفع رأسها: خلاص خلصنا، حاجة خفيفة مش تقيلة أوڤر زي ما طلبتي ومن غير روچ ودلوقتي بقي هتعملي شعرك؟
هزَّت رأسها رافضة وقالت بابتسامة خلابة وخفقاتها تتعالي: لأ هخليه عمّار بيحبه كده.

نظرت إليها عبر المرآة بعبث وهي تحوط كتفيها ثم أردفت سائلة بمكر: هو اللي قالك؟
هزت رأسها بخفة وهتفت و عينيها تومض ببريق مميز لا يظهر سوي في الحديث عنهُ: لأ عينه هي اللي قالت لي، ساعات بحس إنه بيبص على شعري أكتر مني، مش عارفة بس نظراته بحسها بتعززني، بحس إني أجمل ست في الدنيا كلها لما بيبصلي، دايما بشوف إني غالية في عنيه، إني أكون حلم بالنسبة لحد ده مش حاجة قليلة بالنسبالي.

أدمعت عينا لمار ومسدت كتفيها برفق وهتفت بابتسامة: ربنا يسعدك ويتمملك بخير يارب، أنا هسيبك تكملي لبس وهكون مع نادين تحت متتأخريش..
أومأت بابتسامة ووقفت كي ترتدي فستان.
توقف عمّار بالسيارة أمام المنزل وضربات صدره تتزايد أكثر و وتيرة أنفاسه تعلو حتى لاحظه قُصيّ فسخر منه: ايه يا عمّار دي مش الدخلة متتوترش كده مالك؟
رد بسخط: بس يا قذر أنت.

رفع كلا حاجبيه ولاحت ابتسامة ساخرة على شفتيه أثناء قوله بسخط: على أساس إن الشيخ عمّار هيتجوز عشان يحطها في النيش ويتفرج عليها طول العُمر من بعيد صح؟
حرك شفتيه كي يرد لكنه أوقفه بسخرية مضاعفة: بس بس متردش هنشوف بعد الكتاب هتعمل ايه!
لوي شدقيه ونظر تجاه حديقة المنزل قليلا كي يبدد هذا التوتر ليخرجه من شرودة قول قُصيّ: إفتح تليفونك كدة وشوف المكان اللي بعتهولك عشان تعمل فيه سيشن.

فتحه عمّار باهتمام ليصيح في وجهه بلا هوادة: إنت مجنون؟ إيه اللى هيودينا هناك دلوقتي؟
قلب قُصيّ عينيه وقال بازدراء: المكان تحفة وهتعملوا شغل حلو اوي والله، إكتب الكتاب بس وأمشي على طول هتلاقي مصور مستنيكم هناك، هو أنت بتتجوز كل يوم؟، أهم حاجة السيشن يا عمّار بالله عليك فرحني.
أردف بامتعاض: زمانه تلج حرام عليك! أنت أفكارك دي؟!
همس بابتسامة بلهاء: حلوة وجميلة وجديدة وهتروح! ايه ده وصلوا وصلوا.

ترجلا من السيارة بهدوء وتقدما من البوابة يراقبان السيارات التي صفت أمام المنزل.
همس قُصيّ بإحباط عندما أبصر كم الرجال والأسلحة التي يحملونها: أنا من ساعة ما عرفتك وأنا نفسي أشوف دم بس للأسف كل مرة تقولي حليناها ودّي وتراضينا وطلعتوا مش قد كده بردو!
وكزه في ذراعه كي يصمت ويحتفظ بآرائه لنفسه ومال يقبل يد والده مرحبا به بقوة واكتفي بإلقاء نظرة عابرة على خليل الذي كان يبتسم في وجهه وهذا أغرب ما يكون.

أخذ عمّار والده وتقدم إلى الداخل مع الشيخ بعد أن رحب به قُصيّ ثم عانق خليل بحفاوة هاتفًا بسرور: نورت القاهرة يا عمي والله.
نظر إليه خليل بطرف عيناه وأردف بخشونه: ومين أنت عاد؟
هتف بابتسامة وهو يسير معهُ إلى الداخل: أنا صاحب عمّار مش فاكرني يا عمي؟
قال بجمود: لاع مش فاكر ومش عايز أفتكر.
غمغم قُصيّ بسخط خافت أسمع نفسه فقط ودلف خلفه، وبقي رجال خليل في الخارج مع رجال متولي ينتظرون.

أخذ كُل شخصًا مكانه فوق الأريكة، خليل يجلس في الجانب ومتولي في الجانب الأخر وبينهما الشيخ..
كان عمّار يقف كمن يحمل ذنبا مرتبكا أيما إرتباك ومعدته تتقلص بتوتر، ولمار كانت في المطبخ تحضر مشروبا مع نادين، تركتها نادين عندما جاءوا واندست بين قُصيّ وعمار وهمست بخفوت: أخلي مامي تنزل ولا لسه شويه؟
أجابها عمّار بهدوء: استني شويه، وروحي سلمي على جدك وبوسيه.

نظرت إليه بتعجب ثم حولت نظرها عنه ونظرت إلى جدها ذات الملامح القاسية الجامدة بتردد.
أردفت بتذبذب وهي تتعلق في مرفقة بخوف: هيضربنى بالعصاية لو روحت صح؟
كاد يضحك عليها لكنه نفى وشجعها: مش هيعمل حاجة متخافيش يمكن تحنني قلبه شويه روحي..

أومأت بتفهم وتقدمت من خليل بتباطؤ راسمة ابتسامة رقيقة على شفتيها، رفعت قبضته من فوق عصاه غفلة فاجأته وقبلتها بنعومة ورفعت نظرها إليه هامسة أمام نظراته المتعجبة: إزيك يا جدو انا نادين حفيدتك نورتنا.
نظر إليها ببرود تلاشى عِندما ضحكت وجلست فوق يد الاريكة واعتقلت رقبته معانقةً إياه بقوة: جدو حبيبي وحشتني.
قهقهة عمّار وهو يراقبها ثم أردف سائلا بنبرة نافذة: مش يلا يا بوي ولِّيه؟، فين آدم يا قُصيّ؟

كاد يرد لكن رنين هاتفه أوقفه، ابتسم عندما رأى هوية المتصل وسارع بالرد: اهو آدم اهو، الو، ايه؟ طيب، طيب..
أغلق الهاتف وهو يضحك وتحرك للخارج سريعًا بينما يقول: آدم واقف بره هخرج أجيبه..
هتف خليل بحنق وهو يحاول إبعادها: واه بعدي بعدي خلينا نخلصو من الهم ديه..
قبلت جبهته وهمست وهي تشدد قبضتها حول رقبته: هم ايه بس يا جدو هم ايه ده انا بحبك جوي.
صاح بعصبية وهو يضرب بعصاه أرضا: طيب متشكرين بعدي بجي!

إبتعدت ضاحكة ثم قبلته مجددًا زادت حنقه وركضت إلى الأعلى كي تأتي بـ ليلى عندما أشار إليها عمّار.
تذمر بحنق وهو يدخل معهُ: إيه كُل ده داخلين حرب أنا اتخضيت وكُنت هرجع!
قهقهة قُصيّ وربت على كتفه سائلا بقلق وهو يشمله بنظراته: أنت منمتش من امبارح صح؟
أومأ وهو يفرك عينيه بإرهاق وقبل أن يتفوه بحرف اتسعت ابتسامة وأسرع بخطواته أكثر إلى عمّار بينما قُصيّ استوقفته ضجة صادرة من المطبخ فذهب إلى هُناك.

هتف بتفاجئ عِندما أبصرها تحدق في الأكواب بتركيز وهي تعض على شفتيها تري تساوي العصير إن كانت ملأت كوب أكثر من الآخر أم لا: إنشراح إنتِ هنا!
قهقهت ورفعت نظرها إليه مرحبة به: أبو نُكت سخيفة موجود معقول؟
أردف وهو يلتقط كوب كي يرتشفه: لأ عندها كنت كتاب مش وقته، حلو الشربات بس ناقصه حاجة!.
سألت باهتمام بعد أن تذوقته: ايه؟
قال بعبثٍ وهو يراقص كلا حاجبيه: ناقصها مهلبية..

غادر بعد قوله هذا لتطرف بعدم فهم ثم نظرت إلى شربات وتمتمت بتعجب: الشربات مش بيتحط عليه مهلبية!
إرتدت حذائها ثم وقفت تطالع هيئتها في المرآة بإبتسامة زاهية وأعين تومض بسعادة وإعجاب بدءا من شعرها المجعد تأملا لملامحها التي أبرزها تبرجها الرقيق، إن الفستان يكاد ينطق على جسدها من جماله وروعته، كأنه صُنع خصيصاً إليها، أحذر مقاسها دون خطأ وهذا طبيعي لأنه حملق كثيرًا.

أخذت شهيقًا طويلاً تهدأ نفسها من حدة توترها المُفرط. فكان فستانها طويل ضيق مصنوع من القطيفة، رقيق لونه أسود بأكمام نسيجها شفاف بـ ذيلٍ قصير من الخلف، خللت أناملها شعرها من الجانب وهي تطلق أنفاسها دفعة واحده.
نظرت إلى الباب بترقب منتظرة إتيانه إليها لكنها تعرف أنه لن يأتي.
شهقت بخضة عِندما صفعت نادين الباب بقوة أفزعتها بينما تصيح بحماس: لسه مخلصتيـ، يا قمررر!

ضحكت ليلى بنعومة وسألتها بتوتر وقلبها ينتفض داخلها: حلوه؟
صرخت بحماس قائلة بذهول: حلوه بس؟ ده أنتِ قمر قمر قمر، هاتي أيدك بقي يلا بسرعة مفيش وقت بدأوا كتب الكتاب!

كانا يضعان أيديهم بأيدِ بعضهما البعض يرددان خلف الشيخ بهدوء والجميع صامت يشاهدون في سكون عدي لمار التي تتحرك بالهاتف وتارة تصب تركيزها عليهم وتارة أخرى على تعابير عمّار وإنفعاله البيّن وتنفسه المرتفع صابا كل تركيزة عليهما مشدودا يعد الدقائق التي تمر منتظرًا إنتهاء هذا.

مسد جبينه بانفعال وصدره يتضخم مطلقا أنفاسه الحارة على دفعات وعينيه تجيل في أنحاء المنزل، توقف عن التنفس لوهلة وتسارعت دقات قلبه وتفجر الأدرينالين في جسدة مبصرًا إياها وهي تنزل الدرج، توقف الزمن حوله وخفقاته تزداد عُنفا كأنها تنزل على أوتار قلبه وليس السُلم.
ـ بارك الله لهما وبارك عليهما وجمع بينهما في خير.

لم يسمع ولم ينتبه لهذا بل كان يسير معها خطوة بخطوة متأملا هيئتها الرقيقة ونزولها بتبختر منتظرا إقترابها على أحر من الجمر، وكزه قُصيّ بمرفقه كي يستيقظ هاتفًا وهو يمد يديه بالأوراق: يا عاشق يا سارح في الملكوت مبروك إمضي.

نظر إلي الأوراق بتفاجئ ثم استدار ونظر إلى والده الذي يراقبه بثقب ليتدارك نفسه محمحما ثم أخذ القلم من قُصيّ و وقع على قسيمة الزواج بعدم تصديق وعيناه تمر على إسمه وإسم ليلى الحقيقي في الأعلي دون استيعاب إلى الآن، لم ينتبه من تشوشه أين يخط قلمه ليدعس قُصيّ قدمه هاتفًا بسخط: صباعي اللي بتكتب عليه ده صباعي ركز مش هتطير.
ضحك بإشراق وقلب الورقة يتابع توقيعه هامسا بخفوت: أنا هيغُم عليا من الفرحة.

قهقهة قُصيّ وهو يراقبه بابتسامة جذابة ظهرت إلى لمار عبر شاشة هاتفها أثناء التصوير، ابتسمت وتأملتها قليلا ثم حولت الهاتف عنهُ وتابعت تسجيل ما يحدث لترصد ابتسامة آدم الخافتة وهالة البؤس تحوطة كالعادة.
توقفت ليلى أمام عمّار المحني فوق الأوراق يوقعها تتأمله بإبتسامة ناعمة مطلقة أنفاسها المرتعشة ببطء والفرحة تغمر قلبها ويديها بدأت في الارتجاف، ونادين توقفت بجانب قُصيّ تراقبهم بابتسامة بلهاء.

انتصب ورفع رأسهُ ظافرا بالنصر هاتفًا بذهول: خلصت!
قهقهة قُصيّ وقرب الأوراق من ليلى وأردف بابتسامة: هي لسه مبروك يا ندي مقدما إتفضلي..
ابتسمت في وجهه بعذوبة وأخذت القلم من يده بأنامل مُرتجفة وبدأت توقع بأعصاب تالفه واضطراب ودموع سعادتها تكدست داخل مقلتيها بينما عمّار كان يقترب منها خطوة بخطوة بمشاعر مبعثرة وعينيه معلقة على يدها بترقب.

انسلت عبراتها مع نهاية توقيعها وترك القلم من يدها، ولم تكاد تلتفت حتى وجدت نفسها محتجزة بين أحضانه.
انسحب قُصيّ وابتعد إلى الخلف صائحا بـ لمار التي تراقبهم بابتسامة متأثرة: زغرتي يا إنشراح زغرتي..
قهقهت لمار بنعومة ثم أطلقت زغرودة صدحت في أرجاء المنزل لتجهش ليلى في البكاء على صدره من السعادة وهي تلف يدها حول خصره بقوة.

شدد قبضته الفولاذية حولها بدفء واحتواء دافنا رأسهُ في حنايا رقبتها يملأ رئتيه برائحتها بانتشاء، فهي كوعدٍ رقيق تجعل عيناه تدمعان، لا يحتاج عطرا فجاً كي يغطي على رائحتها هو لا يحتاجه أبدًا بدءا من اليوم، عقله لم يستوعب بعد أنها زوجته وأصبحت ملكه.

فصل العناق دون أن يبتعد، رفع وجهها الباكِ وجفف عبراتها بإبهامه بنعومة وعيناها تأسرانه للمرة الألف، لثم جبهتها مطولا فأغمضت عينيها باستمتاع ويديه تسير على ظهرها صعودا ونزولا برقة لا تليق سوى بها هامسًا بنبرة مفعمة بالحب وأنفه تلامس أنفها وأنفاسه الحارة تضرب وجهها: بحبك.

افترت شفتيها عن ابتسامة ناعمة وفتحت عينيها، ورفعت يدها إلى وجنته تداعبها بنعومة هامسة بهيام: وأنا بحبك أكتر يا عمّار، ورفقت قولها بضمه بقوة، تربت على شعرة بابتسامة عاشقة تلاشت عِندما سقط نظرها على والدها المبتسم بخبث.
اختض قلبها وارتعدت دواخلها وحولت نظراتها عنهُ بخوف ودست رأسها في كتف عمّار كي لا تراه، فلن يعكر صفوها اليوم ليس اليوم.

هتف قُصيّ بابتسامة متعجبة وهو ينهي توقيعه ثم أزاح الأوراق لآدم: هو أنا ليه حاسس إني أنا اللي اتجوزت!
قهقهة آدم بخفوت وأردف بتعجب مماثل وهو يوقع: أنا حاسس بـ كده بردو عشان كُلنا واحد.
رد قُصيّ وهو يضع راحة يده فوق قلبه: طب أنا قلبي بيدق أنت قلبك بيدق؟
قهقهة آدم وأعطاه الأوراق وحثه على الذهاب: مش هنختلف كتير بيدق لأنك عايش مش أكتر بطل دراما، وروح فوق عمّار بقى عشان الضِباع اللي قاعدة دي.

أومأ وناول الأوراق للشيخ ثم اتجه إلى عمّار ليشاكس نادين في طريقة قارصا وجنتها بخفة: ليكِ عندي عريس على فكره بس لما أفضالك.
ظفر بالنصر ولا يعرف للمرة الكم قد فعل هذا، مسح على شعرها بحنان وطبع قُبله خاطفة على أذنها وهو يرفع رأسها إليه، كاد يتحدث لكن استوقفه ضربات فوق كتفه مع قوله الخافت: أنت مش لوحدك يا حبيبي كفاية كفاية معانا أندر إيدج هنا.
وأشر على نادين في نهاية قوله لترمقه بغيظ ثم ضربت كتفه بسخط.

أحتضن عمّار راحة يدها وأخذها وتقدم من والده، فوقف وأردف مهنئا وهو يستعد للذهاب: مبروك يا ولدي.
مال عمّار وقبل يده ورد بابتسامة سعيدة: الله يبارك فيك يا بوي.
هزّ رأسهُ بإبتسامة ثم حوّل نظره عنهُ ونظر إليها بتعالٍ وقال بدون تعبير: مبروك
ازدردت ريقها بارتباك ومدت يدها كي تصافحة تزامنا مع قولها بتهذيب: الله يبارك فيك.

دفعها عمّار برفق إلى والدها قبل أن تصل يدها إلى والده كي لا تصافحه، فهو لن ينسى بتاتا أنه نظر إليها ورغب في الزواج بها يوما، إضافة لكونه لم يكن ليمد يده إليها وكان سيحرجها يعرفه جيّدًا.

توقفت على بعد خطواتٍ منهُ متوجسة وهي تفرك أناملها بإرتباك وقلق فسحبها من خصرها فجأة لتشهق بذعر وتتقلص ملامحها بألم عِندما عانقها بقوة مهسهسًا بجانب أذنها متوعدًا إليها بالشر جعلها تختنق: بكره لما تلاجي نفسك ضايعة وحديكِ هاتجيني لحد عندي، وتخيريني بين إني أسامحك وأني أجتلك، إشبعي بإبن الصعيدي حبة من نفسك يا حبيبة أبوكِ.

شحب وجهها وأصفر ورفعت رأسها إليه بأعين دامعة بشفتين مرتعشتين وهي على حافة البكاء. ، كادت تصرخ سائلة عن سبب ما يفعله لكن يد دافئة أحاطت خصرها عوضًا عن تلك القاسية وقربها منهُ برفق سائلا بقلق: أنتِ كويسة؟
أومأت وهي تستنشق ما بأنفها و أراحت رأسها على صدره بضعف ليردف بدون مقدمات: هنعمل الفرح بعد يومين يا بوي.

رفعت ليلى رأسها تنظر إليه بأعين متسعه متفاجئة بهذا القرار! إنه مبكر! لم يسعفها لسانها الملجوم في الرد وهذا أفاده كثيرًا لتطلق لمار زغرودة أخرى في أنحاء المنزل بفرحة، أثناء خروج خليل من المنزل بغضب كان جلي لم يخفيه حتى عنهم بل كان واضحًا يتجلى فوق وجهه.
هم والده بالمغادرة هو الأخر بعد أن عرف معاد الزفاف قائلا قبل أن يذهب: ماشي يا ولدي مستنظرينك..

أومأ عمّار وراقب ذهابه بظفر ليستفيق على معانقة آدم إليه ومباركته ثم استئذانه في نفس الوقت: عمّار ياحبيبي مبروك ربنا يوفقك وتكمل على خير، أنا لازم أمشي بقي عشان تالين إنت عارف ها؟ هبقي أتصل بيك.
بادله عناقه بابتسامة حانية وقال بلطف: تبقي طمني عليك و ارتاح شويه.
أومأ إليه بابتسامة وصفع قُصيّ بخفة في طريقة للخروج متمتما بمزاح: أنت مش عريس مش هحضنك سلام.

قهقهة قُصيّ ولوح إليه مودعا، فتهد عمّار ثم طلب من لمار ببعض التردد وهو يقرص وجنه نادين بخفة: لمار ممكن تفضلي مع نادين كام ساعة كمان لحد ما نرجع؟
أومأت بابتسامة مُرحبة بالفكرة، ليشدد قبضته فوق يد ليلى ثم نظر إليها وسألها بابتسامة: نمشي؟
أومأت بتيه وهي تنظر إلى عينيه دون أن تعرف إلى أين وسارت معهُ طواعية وخرج قُصيّ خلفهما كي يذهب لكن استوقفه قول نادين المتوسل: خليك معانا نتسلى شويه.

نظر إليها وهو يفكر بعمق لتهرول لمار إلى حقيبتها الموضوعة فوق طاولة الطعام في الزاوية صائحة بحماس: أنا كُنت عاملة حساب حاجة زي دي عشان كده جبت معايا كوتشينة يلا نلعب الشايب.
رفع قُصيّ كلا حاجبيه وأعاد بمكر: الشايب!
أومأت مؤكدة ليسأل وهو يكتف يديه أمام صدره: هتنفذوا الأحكام؟
قالتا معًا في وقتٍ واحد: هنفذ
تألقت ابتسامته العابثة فوق شفتيه وخلع سترته وقذفها قائلا بحماس: يلا..
بعد ساعة...

هتفت بذهول وهي تنظر من النافذة تراقب تكدس الغيوم في السماء والهواء البارد يلفح وجهها منبهرة بالمكان: سانت كاترين!
صفّ عمّار السيارة بابتسامة وترجل ليلفح الهواء البارد جسده!، كيف لم يفكر في هذا الغبي سيتجمدان هُنا قبل أن يخطو خطوتين، نظر حوله بحسرة مراقبًا الصف الذي يسير بتنظيم كي يصعدون الجبل بينما هو لن يستطيع التحرك إنشًا.

ضرب جبهته بغضب وفتح إليها باب السيارة محبطًا، فترجلت بابتسامة متحمسة لتدب القشعريرة في أوصالها من البرودة ارجفتها.
لاحظ اهتزازها و جفنيها المسبلين من قوة الرياح فخلع سترته الثقيلة ووضعها حول كتفيها وبقي فقط بقميصه فوق جسده وأغلق السيارة وتقدم معها وصدره يهتز من شدة البرد لترفع طرف الفستان قليلا بيدها من الثلج ويتلفت هو حوله باحثا عن ذلك المصور وأسنانه تتطاحنان ببعضهم البعض.

فكانت السماء أشبه باللون الرمادي الفاتح والجو مُختنق لكن الهواء كان شديدا رائعا بطريقة تمني لو يتوقف قبل أن يتجمد، الثلج كان يغطي المكان حوله، الجبال، والمنازل ومقعد خشبي رآه صدفة وكان من حسن حظة وجوده، زمجرة الرياح كانت تدفع بهما للخلف، كان الجميع يرتدي ثقيل يحشون أنفسهم داخل الملابس وهم يسيرون خلافهما، فحرارة جسديهما كانت مرتفعة بسبب تدفق الأدرينالين لكن البرودة كانت تزحف إليهما على مهل.

فالمكان رائع أروع مايكون وهو لم يسبق لهُ الإتيان، وكانت فكرة جيدة لكنهُ ليس الوقت المناسب لأنهُ غبي ونسي أن يأتي بمعطف وسيظل يدعو على قُصيّ حتى عودتهم هذا إن لم يعودا متجمدين.
همست بصوتٍ مُرتجف وأنفاسها المتجمدة تتصاعد من بين شفتيها تسير بصعوبة أثناء سؤالها وتحديقها في الثلج بإبتسامة بينما الآخرين كانا يحملقون بهما بتعجب: ليه مقولتش كُنا عملنا حسابنا؟ أنا جزمتي بتغرز في التلج!

كان لوقع أقدامهما صوت فوق الثلج وقدم ليلي كانت تغرق داخله، لعن نفسه ومسد كتفها من فوق سترته محاولاً تدفئتها بشتى الطُرق وهو يرفعها بقبضته ينقذها من الانزلاق ناظرًا إلى قدميها بتأنيب وشعرها يتطاير ضاربًا وجهه بقوة.

تجمدت أطرافها و ألمتها قدميها من تصلب حذائها وغرقه داخل الثلج كل ثانية والأخرى، فكادت تسقط لتمتد يديه أسفل فخذيها والأخرى حول ظهرها ورفعها بين يديه، شهقت بخجل وتوردت وجنتيها فوق توردها بسبب البرودة هامسة بحياء وهي تخفض رأسها تخبئها في حنايا رقبته: عمّار الناس بتتفرج علينا؟
أردف بإبتسامة عابثة وهو يسير بها: بيبصوا عشان مش لابسين تقيل بس.

أحاطت عنقه بيديها ليتنفض بتفاجئ بسبب برودتها المجفلة، فأبعدتها سريعا وضحكت بصوتٍ رنان أطرب مسامعه وذبذبه و ما ضاعف سعادته وهو يتأملها كان همسها الرقيق وهي تنظر داخل خضراوية: الجو برد بس أنا مبسوطة.

طبع قبلة بريئة فوق وجنتها بسبب هذا القرب المدمر لتعاود إحاطة رقبته بخجل واضطراب وصدرها يفضحها بثورانه المبالغ ووجنتيها بتوردهما كـ ثمرة فراولة طازجة، فهي تخوض معهُ تجربة مختلفة لم تجربها يوما وشعورًا لذيذًا يجتاحها، شعورًا كان مدفونا داخلها جاهلةً بوجوده يخرجه هو بسهولة.

لفت نظره أحد الرجال يرتدي الأسود مثلهما يقف وسط هذا البياض كـ نقطة سوداء في الصفحة، يقف بمعطف ثقيل وقبعة صوفية يقلب في آلة التصوير الخاصة به وهو يتحرك في مكانه للأمام والخلف كأنه يسمع واجبه المدرسي وأسنانه تتطاحن معا بقوة، مرتجفا ينكمش على نفسه وكتفيه متهدلين.

أنزلها برفق وأوقفها بجانبه ومال ينظف ذلك المقعد من الثلج حتى احمرت يديه بشدة من تمجد الدماء وتيبسها داخل عروقه، أجلسها فوق المقعد وهرول إليه بسرعة لعله يبذل مجهودا ويدفئ جسده، فهو يحتاج لرؤية خليل كي ينفعل قبل أن يتثلج.
سأله وهو يفرك يديه معا بقوة: إنت المصور تبع قُصيّ!
اتسعت عينيه وأومأ بسرعة كأنه وجد منقذة وهتف باستغاثة: إنت العريس؟

أومأ عمّار وحرك شفتيه المتجمدتين كي يتحدث لكن قاطعة برجاء: أرجوك نخلص بسرعة لأني هتلج ومش لابس تقيل كفاية!
نظر عمّار إلي معطفه الثقيل بتعجب ولم يعقب على قوله ليتابع سائلا: تحب تطلع الجبل وتتصور في الأماكن السياحية ولا ايه؟

نفي باقتضاب راغبا في تهشيم وجهه بسبب الغباء ألا يرى حالته: لأ، لأ، جبل ايه مش هنقدر خالص، مرة تانية، بُص إنت مش مطلوب منك حاجة غير إنك تلقط صور وبس تلقائي كده احنا مش هنعمل حاجة ولا هنتأخر خالص.
أومأ بتفهم ووقف يستعد وهو يسعل وأنفاسه المتجمدة تتصاعد من بين شفتيه، عاد عمّار أمامها فكانت تجلس تراقب الآخرين أعلي الجبل بابتسامة سعيدة لطيفة وعيناها تلمع ببراءة الأطفال.

أخرج دبلتين من جيب بنطاله ثم جثي على ركبتيه متجاهلا تلك البرودة كي يحصل على الدفء الذي يُريد.
بسط كفه المتجمد أمامها وأردف سائلا بأعين براقة: موافقة تبقي مراتي بعد يومين؟
تراقص قلبها فرحًا ونظرت بينه وبين كفه بابتسامة طالت لوقتٍ لا يعرف قدره فرفع يده الأخرى وفرق بين حاجبيه المقطوبان بتصلب وهمس بتشنج: أنا ركبتي هتلج والله!

ضحكت بنعومة ومدت يديها إلى كتفه وأوقفته وأجلسته بجانبها ثم سألت بعدم فهم: ليه مستعجل يا عمّار؟
أجابها بصدق بنبرة ولِه وعينيه تذوبان عشقا بها: عشان أنا بدأت أحسب عمري من ساعة ما دخلتي حياتي.
لقد أحرز نقطة لصالحه.
تبسمت بنعومة وعضت على شفتيها السفلية كابحة إبتسامتها المتسعة وهي تبعد خصلة متجمدة نسبيًا خلف أذنها ظنًا أنها تزعجها لكنهُ لم يكن شعرها، بل الثلج كان يتساقط فوقهما كـ بتلات الزهور البيضاء.

تداركت تلك البعثرة التي أحدثها داخلها وسألت سؤالا آخر وهي تضم يدها إلى قلبها: كتبتوا مهري إيه يا عمّار؟
أجابها بشاعرية: عمري كلهُ.
أمسكت كفه بقوة وأردفت بدلال وهي تطرف: موافقة والله موافقة..
ضحك بدلال وضم كفه فوق الدبلتين وجذبها لأحضانه بشغف وافتقاد شديد ممرغا أنفه في شعرها هامسًا بنبرة متهدجة حارة ونيران الشوق تلهبه دافعا بها أكثر لجسده
: أنا عرفت دلوقتي إحنا متلجانش ليه.

ضحكت مطلقة صراح أنفاسها الدافئة المرتجفة التي داعبت أذنه ليشدد قبضته حولها أكثر هامسًا براحة وشغف: أنتِ متعرفيش الحضن ده بيريحني وبيطمني قد إيه؟، ربنا يديمك في حياتي.
مسحت على شعره بحنان تستمع إليه باهتمام شديد وابتسامة ناعمة تعتلي ثغرها وهي ترفع بصرها للسماء والثلج يتساقط فوقهما، إنه يوم لن يُنسي، توقف وفصل العناق وأمسك كفها برقة وقام بإدخال الدبلة في بنصرها بتمهل ومال يقبله بشغف.

رفعت يدها أمامها تتأملها بسعادة لتتسع عينيها وتشهق واضعة يدها فوق فمها بعدم تصديق عِندما رأتها، أنزلت يدها وظلت تحملق بها وتحركها داخل إصبعها مكررة فعلها هذا أمام نظراته الحانية.
نظرت إليه بحب عجزت عن وصفه وهتفت بنبرة مرتعشة وهي تستذكر: الدبلة دي الـ.

قاطعها وتابع بدلا عنها وهو يداعب وجنتها المتوردة بأطرافة برقة: اللي عجبتك وإختارتيها لـ نادين على ذوقك ومخدتهاش عشان معحبتنيش!، أنا اشتريتها في نفس اليوم.

أدمعت عينيها بتأثر وحدقت فيها بسعادة لا توصف، لأنها لم تنسي شعورها بالإنسكار والحرمان ذلك اليوم عِندما رأتها قط. ، فإن سألها أحدًا في هذا الوقت أن تبدأ من جديد وتحب لضحكت بصخب وسخرت منهُ، لكنها الآن لا تفعل سوى البدء من جديد والحُب، أروع شيء في الحياة قد تخوضه إمرأة كي تشعر بكونها أنثي، إنها تذوب عشقًا به، ويتوقف هذا على طبيعة الرجل الذي تملكه، لا تعرف هل جميع الرجال رائعون كـ عمّار أم لا، لكن هو فقط يجعلها تشعر بروعتها وقيمتها من بضع كلمات ونظرات، إنه اليُسر بعد العسر.

والجائزة بعد الإمتحان، والفرج بعد الكرب.
استفاقت من شرودها على وضع دبلته الفضية بين راحة يدها التي بدأت في التيبس من شدة البرودة، ابتسمت باتساع وقامت بإدخالها في بنصره وقبلت يده بنعومة و احذرت السبب في كون دبلته فضية عكس التي كان يرتديها أثناء خطبته من نادين وهي تربت على يده: وجبت الدبلة فضة عشان معجبتنيش التنجستين صح؟
أومأ وهتف مؤكدا بإبتسامة: صـ، اتشووو، آآه.

تلاشت ابتسامتها وناظرته بقلق ومدت يدها تتحسس حرارته وهي تحثه على الذهاب: أنت بردت يا عمّار يلا نمشي، ورفقت قولها برفع السترة من فوق كتفها كي يرتديها فإختطفها سريعا بحدة وأعاد وضعها فوقها بقوة موبخًا: هتبردي أنتِ كده!
هتفت مجدداً بقلق وهي تتحسس وجنته: خلاص يلا نمشي أنت شكلك أخدت برد.
أنزل يدها برفق وقبل باطن كفها وقال بلطف: إنتِ مبسوطة ودي أهم حاجة عندي دلوقتي.
قبلت هي ظهر يده بدورها وهمست بهيام:.

أنا مبسوطة عشان أنت معايا يا عمّار، وتبسمت وتابعت بحماس وهي تنظر داخل عينيه: تبقي هاتني مرة تانية ونكون مستعدين.
أحاطها بحميمة وهمس مقترحا بجدية: ده أنا ابنيلك بيت هنا لو تحبي؟
ضحكت بنعومة و أراحت رأسها فوق صدره هامسة لنفسها بصوتٍ خافت: أي حاجة معاك تبقي جـنـة..
رفعت رأسها وأغلقت ياقة قميصه كادت تخنفه كي لا يشعر بالبرد وهي تقول بحزم: يلا يا عمّار كفاية كده.

أومأ بطاعة ثم حملها لتضحك بسعادة وهي تلف يديها حول رقبته ودار بها في مكانه كي لا تتوقف ضحكاتها وتظل تطرب سمعه بسنفونيتها، سار بها إلى سيارته، أجلسها داخل السيارة فاضجعت على الكرسي وأرخت رأسها إلى الخلف متوسدة شعرها الصقيل كالمعدن ونظرت في الخارج مراقبة هرولة عمّار إلى المصور.

حادثة لخمس دقائق وهو يتحرك مكانه مرتعشًا، تبادلا أرقام الهواتف وهما يرتجفان ثم عاد إلى السيارة مهرولا كما ذهب، أغلق النافذة التي تصب عليه الهواء ثم أسند ذراعة فوق مقعدها ومال عليها ومد يده وأغلق نافذتها لتضرب أنفاسها الدافئة وجهه، صنع تواصلا بصريا معها ومقلتيه تجيل على ملامحها بتيه وصدره يهتز بذبذباتٍ لذيذة، يطالعها بنظراتٍ آسرة دون أن يحيد عنها قط وأنفاسه تداعب بشرتها لتشد على فستانها بقبضتها متهربة من نظراته بخجل، تسارعت أنفاسها واهتزت مقلتيها بارتباك لتتوقف نظراتها على شفتيه رغما عنها، دني منها أكثر لـ يتراخا جسدها وأوصدت جفنيها بعنف وصدرها يعلو ويهبط باضطراب وهي على وشك فقدان وعيها من فرط التوتر، ابتسم بهيام وطبع قُبلة رقيقة أعلى شفتيها محاربًا نفسه كي يتماسك ويبتعد، فرقتها هذه تذهب بعقله وتجعله يتراجع لأنهُ إن أقترب سيغرق معها ولن يتركها قبل أن يتملكها.

ارتفع بجسدة وأشعل محرك السيارة وقاد والابتسامة تزين ثغرة، لتشعر بالفراغ وتلاشي الدفء الذي يحوطها فـ همَّت بفتح عينيها ببطء وهي ترفع يدها إلى قلبها الخافق وانتقلت بنظراتها إليه وظلت تتأمله بابتسامة..
حانت منهُ التفاته فابتسم وبعث إليها قبلة هوائية وحرك شفتيه للتحدث لكنه عطس بقوة وبدأت أنفه بالسيلان..

تلاشت ابتسامتها ونظرت وهي تقطب كلا حاجبيها بقلق، فزفر وهتف بامتعاض: ما أنا كنت حاجز مطعم وهنتعشي عشى رومانسي بدل الفزلكة دي يا ربي!
ضحكت بنعومة ومدت يدها ووضعتها فوق يده الباردة الممسكة بمقود السيارة تضغط عليها بنعومة وأردفت ببهجة: فزلكة لطيفة على فكره وأنا حبيتها أوي.
رفع يدها وقبلها بشغف ثم شابك أناملهما معًا وأقترح عليها وهو يضم يدها إلى قلبه وعينيه على الطريق: في مجال نروح المطعم صح؟

أومأت بإبتسامة وهي تميل برأسها هامسة بدلال: صح جدًا..
تهللت أساريره وزاد من سرعته وضغط بنزين وظل محتجزا قبضتها ونظره مستقرًا على الطريق..
إنعطف جانبا سريعًا عِندما خرجت إليه سيارة من العدم وضغط المكابح كي يهدأ من سرعته ويبطئ قليلا لكنها لم تعمل.
عقد كلا حاجبيه وترك يد ليلى مستمرًا في الضغط فوقها بتعجب وهو على حافة الضحك لكنها لم تتوقف.

ضرب المقود بقوة حتى تألمت يده وضحك بسخرية وقدميه تسحق المكابح سحقاً بعنف هاتفًا بانفعال وعروق نافرة: كنت فاكر إني فقر بس اتأكدت دلوقتى.
اعتدلت في جلستها بقلق وسألته التباطؤ وهي تحدق في الطريق من خلف الزجاج بخوف: عمّار مش بتهدي ليه؟ وبتقول كده ليه؟

مسح وجهه بقوة مستمرًا في الانعطاف يمينا ويساراً بترنح بين السيارات التي لايعرف من أين جاءت فجأة ضاغطا على أسنانه بعصبيه صائحا بشدّة: مفيش فرامل أمسكِ كويس.
امتقع وجهها واختض قلبها وتمسكت بخوف لتصرخ بفزع وتنحني عِندما اخترقت رصاصة المرآة الخارجية هشتمها..

صفّ قُصيّ سيارته أمام المنزل وترجل وهو يدندن بمزاج رائق، وضع سترته على كتفه وفتح الباب بإبتسامة تحولت إلى قهقهات عِندما استذكر ما حدث في الساعة السابقة وهو يصعد الدرج، إنه يشعر بالبهجة عِندما يحادث لمار، هي شخصية ساحرة و دافئة ورقيقة.

خرج من شروده واستفاق على وثوبه إلى غرفة غرام، ابتسم بحنان عِندما وجدها تغفي في أحضان ريمة التي تجلس نصف جلسة ورقبتها ملتوية بعدم راحة، يبدو أنها نعست وغفيت معها أثناء قصها عليها قصة قبل النوم.
دني ولثم جبهتها بحنان ووضع يده خلف ظهرها وحركها برفق وتريث وأراح رأسها فوق الوسادة معدلا نومتها كي لا تؤلمها رقبتها صباحا ثم قبل غرام وجذب الغطاء فوقهما ودثرهما جيدا وذهب إلى غرفته.

وثب إلى غرفته ليجد الظلام الدامس يعمها دون أي إضاءات! هذا غريب جـنّـة لا تنام في الظلام؟!
تنهد بقوة وجسدة يطالب بالراحة، فقذف سترته على الأريكة وأشعل إضاءة خافته ووقف يخلع قميصه أمام المرآة.
تثاءب وهو يتأمل وجهه في المرآة لتجحظ عينيه وتوقفت أنامله فوق الأزرارعِندما أبصر بركة الدماء على السرير، استدرار سريعا بقلب منقبض وهرع إليه، أشعل الضوء القوي متمنيا ألا يكون ما يراه صحيحًا.

هزّ رأسهُ بعدم استيعاب وقلبهُ يكاد يتوقف من الخوف محملقًا في الدماء القانية الكثيرة التي غطت الملاءة البيضاء بطريقة مفزعة، استدار يتلفت حوله كالمجنون باحثا عن جـنّـة ثم ركض وفتح باب المرحاض ليبصرها ساقطة أرضًا أسفل حوض الاستحمام والهاتف بجانبها والدماء تغرق منامتها والأرضية بكثرة.

جثي أمامها وأمسك كفها البارد ونظر إلى شحوبها المشابه لشحوب الأموات صارخًا بإسمها بانفعال وهو يهزها بين يديه: جـنّـة! جـنّـة! فوقي.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة