قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية حب خاطئ للكاتبة هاجر الحبشي الفصل السابع والعشرون

رواية حب خاطئ للكاتبة هاجر الحبشي الفصل السابع والعشرون

رواية حب خاطئ للكاتبة هاجر الحبشي الفصل السابع والعشرون

- جزاء وجهكِ الجميل تقبيّلهُ حد الثمل، فما علاقة خديكِ بغزل البنات من أعطى حمرته لِمن؟ (مقتبس) -.

ـ إنزلي في الدواسة إنزلي..
هدر بقوة وهو يقذف الهاتف خلفها وأردف مستطردا: اتصلي بـ قُصيّ أو آدم بسرعة.
أومأت بخوف وهي تترك المقعد وجلست في الأسفل تمسك الهاتف وجسدها يتطوح يمينا ويسارا من حركة السيارة العنيفة ووجهها مصفر من الخضة.
زاد من حدة سرعته كي يتخلص من تلك السيارة لكنها كانت إليه بالمرصاد، تحاصره من الجانب وتنعطف معهُ تسير جنبا إلى جنب.
قالت بخوف تتمسك بالكرسي: محدش بيرد!

زفر بعصبية وضغط على المكابح بيأس وهو يحاول الفرار بأي طريقة وعينيه مُعلقة على السيارة بتجهم يُحاول رؤية وجه الرجلين في السيارة لكنهُ لم يعرف لأنها كانا ملثمين.
اقتربت السيارة منهُ أكثر بشكلٍ مُريب وأخرج أحدهما مسدسه من النافذة وضغط الزناد دون تفكير كي يتخلص منهُ.
اتسعت عينيه وتحرك بسرعة بديهية وانحني ليتهشم زجاج السيارة وتناثرت شظايا الزجاج فوق ظهره.

اتسعت عينيها حتى كادت تسقط من محجريها عِندما اخترق الصوت أذنيها، وصرخت بهلع وأمسكت ذراعه بخوف وهي تهتف باسمه بهيستيريا: عمّار، عمّار، عمّار.
ربت على يدها و طمأنها بلهاث وهو يعتصر رأسه يفكر في كيفية الخلاص من هذا الحصار المُعلن عليه: متخافيش متخافيش إهدي، مش هموت قبل ما أدخل..
ارخت قبضتها عنهُ وردت بعدم استيعاب وهي تهز رأسها: أنت بتقول ايه؟

أردف بإحباط يحثها على متابعة الإتصال: اتصلي بس و هقولك بعدين.
أومأت وعادت تحاول الإتصال بـ أعصابٍ تالفة وأناملها ترتجف تحت أنظار عمّار الذي كان يتمنى لو يطمئنها ولو بكلمه، لكنها هي من بادرت وسألته بأعين دامعة وشفتين مرتعشتين والخوف يسيطر عليها متوقعة الأسوأ: عمّار أنت مسامحني صح؟ مش زعلان.
هزّ رأسهُ باستنكار غير مصدقًا ما تفوهت به الآن! هل بعد كُل هذا تظن أنه غاضب؟

أردف بتهكم بوجه ممتقع مزدري أيما إزدراء: إنتِ يهودية ولا إيه؟ بعد كل ده وبتسألي مسامحني؟، هزّ رأسهُ بسخرية واستطرد بدون تعبير: أنا عِرفت خلاص أنتِ مش مصدقة نفسك وفاكراني زعلان صح؟ أنا فعلا زعلان وهزعلك اكتر لما نروح المطعم لو وصلنا يعني؟

أطرقت برأسها بحزن وهي تدعو داخلها أن يصلا سالمين غانمين، فطرفع جسده ينظر إلى الطريق عِندما شعر بالهدوء فجأة، فوجد السيارة سبقته وتخطت سيارة النقل الكبيرة التي توقفت في منتصف الطريق عرضًا أمامهما.
شتم بصوتٍ مُرتفع غاضب جعلها تشهق بتفاجئ ورفعت نظرها إليه بسبب لفظه البذيء، فلم ينتظرها أن تتفوه بحرفٍ بل رفعها من ذراعها بقوة أفزعها وأجفلها عِندما اجلسها فوق قدميه وأحاط خصرها بقوة.

اجتاحها الخجل وهمست بتلعثم وهي تقبض على الهاتف في يدها ووجهها يتدرج بألوان قوس قزح: إنـ، إنت، هتعمل، ايه؟
هتف بتهكم وهو يفتح باب السيارة ليلفح الهواء جسديهما بشدة: أصل ده وقته ده غمضي عينك وأمسكِ فيا جامد يلا..
أومأت بخوف وتشبثت في ملابسه ودست رأسها في صدره فألقى بجسده خارج السيارة دون أن يلفت نظرها لهذا ليبدأ رنين صرخاتها المرتعبة وهي تشعر بتدحرجهما فوق الأسفلت بعنف بسبب سرعة السيارة.

فاصطدمت سيارته بالأخرى بقوة وثوانٍ قليلة وتفجرا السيارتين معًا.
أستقرا جسديهما في وسط الطريق، فكان يجثم فوقها ويضم رأسها إلى صدره باحتماء كي لا تتأذى وهو يلتقط أنفاسه الهادره بلهاث و إنفعال بينما هي كان مغشي عليها، ألقي نظرة عابرة على السيارة المندلعة النيران داخلها متمتما لنفسه بحسرة واللهيب ينعكس في مقلتيه: قُصيّ قالي والعة معاك و أهي ولعت فعلاً..

رفع جسده وهو يتأوه بقوة شاعرا بالحرقة في ظهره المجروح كأنه تعرض للجلد بالسوط لساعات، اعتدل جالسًا بعد أن ربع قدميه ورفع رأسها برفق ووضعها فوق فخذه وأخذ يداعب وجنتها بنعومة هامسًا بإسمها بخفوت: ليلى، ليلى..
ظلت ساكنة بين يديه فتنهد بحزن وهو يمسح على شعرها برفق ثم أمسك قبضتها وفارق بين أناملها وأخذ الهاتف وحاول مهاتفة قُصيّ أو آدم لأنه لا يري سيارات تمر كي يعود معها..

ظلّ جالسا لبعض الوقت يتأملها بهدوء وسكينة وصوت الرياح المزمجرة ما كان يسمع حتى قرر أن يُهاتف الشرطة التي ستأتي متأخرا وهو متأكد من هذا وأعاد الأتصال بـ قُصيّ بيأس من رده.

أطلقت تأوه خافت وهي تفارق بين جفنيها ببطء وأفرجت عن مقلتيها اللامعة وهي تئن ليقابلها وجهه الباسم، طرفت وهي تستذكر ما حد لتتسع عيناها وتتحرك سريعا منتصبة لكن يديه التي ثبتت كتفها مع قوله بهدوء واطمئنان: خليكِ مفيش حاجة حصلت متخافيش إحنا بخير، في حاجة بتوجعك حاسة إنك اتعورتي؟
هزت رأسها بنفي وسألته بلهفة وهي تنتصب جالسة بعد أن قامت بثني قدميها أسفلها: إنت اللي كويس شكلك تعبان بجد؟

تألقت إبتسامه حانية فوق شفتيه ونفي وهو يسحبها من خصرها مقربًا إياها منهُ أكثر: أنا كويس جدًا متقلـ، أتشوووو.
عبست وتحسست جبينه براحه يدها بقلق وخوف وهي تضم شفتيها ليبتسم جراء شعوره بالسعادة بسبب هذا القلق.
هبطت يدها من جبهته وتحسست ذقنه بنعومة وهي تبتسم ثم همست بخفوت وعينيها تلمع بحب: تعرف إني بحب دقنك أوي؟
ـ وأنا بحب شعرك..

قالها بشاعرية كمن وقع في الحُب سهواً وعينيه تسير فوقه لتقهقه بنعومة وهي تسند رأسها إلى كتفه هامسة بدلال: عارفة إنك بتحبه.
تنهد بحرارة وهو يشدد قبضته فوق خصرها كأنه يلفت نظرها لشيءٍ ما أثناء لفظة بإسمها بيأس ومتابعة قوله بفقدان أمل: ليلي النهاردة كتابنا كتابنا صح؟
أومأت بحركة بسيطة وهي تبتسم بعذوبة ليردف متابعًا بحرارة بصوتٍ عذب هادئ: طيب في حاجتين بيحصلوا اليوم ده تحبي تعرفيهم؟

أومأت باهتمام ورفعت رأسها تنظر إليه بتركيز مدققة في ملامحه دون أن تنتبه لعيناها التي تسحره كُلما نظرت بها: أحب طبعا..
أومأ بابتسامة وهتف بسعادة محايدًا: حلو أول حاجة حُضن كتب الكتاب وتاني حاجة البوسة تمام؟
أومأت إليه وهي تزدرد ريقها بتوتر وتدرجت وجنتها بالحمرة بتلقائية ليتسطرد بشغف وهو يقرب وجهه منها حتى تلامسا أنفيهما: أنا خدت الحُضن فين البوسه بقي؟

خجلت وتهربت من نظراته وهي تشيح بوجهها عنهُ بارتباك هامسة بنوعٍ من التوبيخ: ايـ، ايه، اللي بتقوله ده يا عمّار؟ إحنا في الشارع وسط الطريق مش لوحدنا!
ارتفعت يده على ظهرها ومدّ الأخرى إلى وجنتها بأنفاس متهدجة ومشاعر جياشة مبعثرة وخضراوية تومض برغبة في أتم الإستعداد كي يُقبلها لكن يتوقف رهن إشارتها..
رفعت يدها وأنزلت يديه وهي تسبل جفنيها هامسة بخجلٍ مُفرط: مش هنا يا عمّـ..

ـ ما تديله البوسة بقي وخلصينا الواد هينهار؟!
شهقت ليلى بتفاجئ عندما سمعت صوت قُصيّ الساخر الذي لم يكن في أوج حماسة ولا سعادته مثل كل يوم.
لعن عمّار من تحت أنفاسه ورفع الهاتف الذي تركه مفتوحا وشاكس ليلى ريثما يرد قُصيّ ونسي أمره دون أن ينتبه.
سأله ممتعضا وهو يلعنه بداخله: أنت هنا من أمتي؟
قهقهة وقلد نبرتها بدلال: عمّار تعرف إني بحب دقنك أوي؟

زفر عمّار وأردف ساخطًا: ماهو الفقر اللي أنا فيه ده دلوقتى بسببك وبسبب عينك المقورة، والله يا قُصيّ أنا لو سمعت صوتك تانى هزعلك..
ضحك قُصيّ بتعجب وسأله بعدم فهم: أنا عملت لك ايه بس! حصل ايه؟
تنهد بـ همٍ وقال متأزمًا: أضرب عليا نار والعربية إتفجرت..
هتف بقلقٍ شديد وملامحه تتجعد بضيق: يا ساتر يارب انتوا كويسين؟

أومأ وقال بنبرة مطمئنة وهو يضمها: أه الحمد الله كويسين وابعتلي عربيه عشان أحنا قاعدين في الشارع زي الشحاتين، مبعدناش كتير عن سانت كاترين وبسرعة يا قُصيّ لأني متلج.
همهم بتفهم وهو يفكر ثم سأله ببعض الاستنكار وهو يرفع حاجبه: يعني المفروض كنتوا تموتوا وحدثه وكده وبتقولها هاتي بوسه كتب الكتاب؟ يا بني شربها عصير ولا ميه تسند قلبها من الخضة جتك نيلة.

عيل صبره وهدده بسخط والحمى تزحف إلي جسده: كلمة زيادة وهخرجك من حياتي.
قهقهة قليلا وهو يشد على شعره بقوة يصارع ألمه وهو يركل الحائط عدة ركلات خفيفة ثم قال بهدوء أخفى خلفه حزنه العميق: تمام العربية هتوصل على طول مش هتتأخر، وتبقي اتصل تاني لما توصلوا.
كاد يغلق لكن استوقفه سؤال عمّار المستفهم: صوتك ماله؟

قال بثباتٍ زائف وهو يلقي بجسده على المقعد خارج الغرفة المحتجزة بها جـنّـة: مفيش، مفيش، انا كويس، مع السلامة.
أغلق معهُ متعجبًا نبرة صوته ثم سأل ليلى واقترح: بردانه؟ نقرب ونقعد جنب العربية عشان تدفى شويه؟
قهقهت ونفت وهي تريح رأسها على كتفه بينما يدها اتمدت للكتف الأخر تمسده برفق هامسة: لأ أنا كده كويسة..
بينما في المستشفى..

أستقر قُصيّ على المقعد دون حراك و ظل شاردا يحدق في العدم وهو يستذكر لحظاته مع عشق عِندما فقدت طفلها بسبب عمهُ، هاهو يتكرر الألم من جديد، فهو يعشق الأطفال ولم يكره كونها حامل رغم غضبه منها. ، حتى عشق أخبرها أنه لا يُريد أطفالا لكنه لو عرف أنها حامل رُبما كان سيغضب قليلا وسيتلاشي الغضب بعدها.

يعرف أن هذا عقابا سواء إليه أو إليها، فهو متوقع كل شيء سيء قد يحدث إليهم لا يتوقع حدوث أي شيء جيد في حياته بتاتا، فما فعله في عشق لا يغتفر وما فعلته هي الأخرى لا يغتفر يستحقان ما يحدث لهما و ما سيحدث.

فقط كل ما يثقل كاهله ويرعبه غرام وريمة يخاف عليهم بطريقة مريضة، لا يتخيل قط أنه قد يستيقظ يوما ويجد شقيقته ضحية كـ عشق بسبب وقوعها بفخ الحب من قبل قُصيّ آخر حقير مثله، نعم هو حقير ويعترف أنه أحقر من أي شخص على وجه الأرض.

يُريد إخفاء كلتاهما عن أعين الجميع وفصلهم عن العالم، ومنعهم من التعاطي مع بشر، إنه يرى النقاء بهما ولا يُريد أن يتلوثا بسبب وجوده في حياتهما، ليس ذنبهم إنه زاني، تلك الكلمة كُلما تخطر إليه لا يستطيع حصر كم الاشمئزاز والقرف الذي يجتاحه كُلما تذكر ماهيته.

مُدنس هو في عين نفسه قبل أعين الجميع، للمرة الأولي يشعر بالندم ويتعمق بهذا القدر في التفكير ويراجع جميع ما حدث معهُ في السنوات السالفة، لو فقط قال لا وصفعها كما أخبرته ريمة لم تكن حياته لتأخذ هذا المنعطف و لم يكن لـ يشعر بتلك البعثرة داخله والتي يحياها الآن بسبب النساء، إنه أصبح الأسوأ في كل شيء لم يتقدم في حياته قط، حتى اكتفائه بـ إمرأة واحدة لم يعد يجدي ولا يكفيه، لقد إكتسب جميع الصفات التي كان يبغضها سابقاً ويسخر من حامليها لـ تتمثل في شخصيته الجديد المنفرة لأي إمرأة قد تعرفها عدي التي تهيم به عشقًا والتي لا تعرف عنهُ شيئاً.

ـ يا أستاذ!، أستاذ!، أستاذ!
رفع قُصيّ رأسهُ إليها بملامح تائهة قبل أن يستجمع تركيزه ويقف سائلا بقلق: هي كويسة؟
أومأت الممرضة وشرعت بالحديث: هي نايمة دلوقتي بترتاح تقدر تشوفها كمان شويه، حمد الله على سلامتها ربنا يعوضكم.
ابتسم في وجهها بلطف وراقب ذهابها لكن توقفت وعادت أدراجها أمامه عِندما تذكر قول الطبيب: الدكتور قالي أبلغك تروحله المكتب محتاج يشوفك.

أومأ بهدوء وهو ينتصب ووقف لتغادر الممرضة ووثب هو إلى جـنّـة.
كانت راقدة في الفراش ساكنة، شعرها مبعثر حولها فوق الوسادة، شاحبة الوجه، وباهتة، محقون بيدها كيس دماء عوضا عن الذي فقدته.
جلس على طرف الفراش بجانبها وظل ينظر إليها لوقتٍ جهل قدره، إنها لم تعد حامل يمكنهُ تركها بسهولة وقتما يشاء ولن يلومه أحد.

يشفق عليها كثيرًا، هو أكثر من يحزن عليها، والدها ذلك المريض دمرها مُنذُ طفولتها، رسخ داخل عقلها أفكار عدائية وزرع الحقد داخل قلبها أماته، وراقبها تكبر أمامه كـ مسخ بكل رضى، كان يؤهلها لأجل انتقامه هو وليس هي، انتقامه من كل شخص كان أفضل منه، من سخر منهُ، من استخف به، انتقامه من شقيقة، من أصدقائه، أولاد أصدقائه، الجميع، من العالم الذي نبذه، من زوجته وصديقه وإبنة صديقه لم يترك من لم يؤذيه، قلبه ممتليء بحقدٍ يسع العالم، يحيا ويتقدم كي يؤذي لا هدف لديه في هذه الحياة سوى القتل وتعذيب الأشخاص. ، يجد لذه لا توصف وهو يؤذي البشر، كما كانوا يتلذذون بـ ذله ونبذه والتقليل من شأنه، نسوا لكنهُ لم ينسى، ولن ينسى.

كل شيء كان سيكون بخير إن رفضت هي وأذعنت إليه! لكنها تملك رأس متسيبة، ولا يعرف أحقًا هي من تريد أن تفعل هذا باستماتة ورغبةً منها أم أنه هددها وعاد يضربها كما كان يفعل دائما! إنه عدوها الحقيقي وليس عشق، فقد لو تتعقل أو تنظر للأمور بطريقةٍ أخرى لفهمت أن والدها هو المؤذي والمدمر الحقيقي وليسوا هم.

أطلقت صوتا مُتألم خافت وملامحها تتقلص من بشاعة الألم الذي تشعر به دون أن تفتح عينيها، فتنبهت حواسه ونظر إليها مشدودًا.
دنى منها مسح على شعرها بخفة وسأل بصوتٍ مُنخفض كي لا يزعجها إن كانت غافية: جـنّـة صاحية؟
هزت رأسها ببطء وهمست بحلق جاف وهي تشعر بألمٍ مُبرح: عايزة أشرب.
نظر حوله باحثًا عن مياه فلم يجد، فوقف وقال بسرعة وهو يهم بالتحرك: هروح اجيبلك بسرعة.
ـ لأ، خليك جنبي..

همست بتعب استوقفته فكاد يتجاهلها ويذهب لكن تحركها وهي تتألم كي تجلس جعله يتراجع ويبقى معها.
أحاط كتفيها وساعدها على الجلوس بعد أن وضع الوسادة خلف ظهرها ورفع السرير قليلا للأمام كي تجلس براحة أكثر.
سألها برفق وهو ينظر داخل عينيها: كويسة بقيتي أحسن؟

انسلت عبراتها بألم وهمست بانكسار وهي تنظر تجاه النافذة: كويسة؟ بعد ما خسرت الحاجة الوحيدة اللي كانت هتخليني أفضل معاك؟ اتصلت بيك كتير عشان تلحقنى لكن مكنتش بترد عليا! للدرجادي بقيت تكرهني ومش عايز حتى ترد وتعرف على الأقل إذا كُنت كويسة ولا بتصل عشان تفاهات؟

تنهد والندم ينهشه بضراوة لأنه تعمد ألا يرد عليها كان منشغل باللعب عنها، لكنه لن يتحمل المسؤولية كذلك لأنهُ لا يضمن أن بعودته سيستطيع لحاقها دون أن تخسر الجنين.
لم يجيبها عن قولها بل سألها سؤالا آخر وهو يشدد على كل حرف يخرج من بين شفتيه: يعني كنتِ عايزاه عشان تفضلى معايا مش أكتر صح؟!

همست بصوت مبحوح وهي تجفف عبراتها بعنف: متحاولش تطلعني وحشة أكتر من كده يا قُصيّ كفاية إنت مش حاسس بيا ولا حاسس باللي بيحصلي.

ابتسم في وجهها ابتسامة متهكمة قبل أن يشرع في الحديث بجدية: عارفة يا جـنّـة وأنا قاعد بره مستني الدكتور يخرج فكرت كتير، كتير أوى فى كُل حاجة حصلت معانا وسؤال بسيط فضل يِلح عليا مش عارف إجابته أفكر فيه بردو مش لاقي إجابته بس أنتِ هتقوليلي إجابته دلوقتى، مبسوطة؟ إحساسك إيه وأنتِ محققة هدفك! سعيدة؟

ابتسمت بحسرة وهي تتحسس بطنها الخاوية بيدها المحقونة وهتفت بندم وعادت تبكِ بنشيج وجسدها يهتز وهي تحرك رأسها مرتكز بنظراتها داخل عينيه الباردتين: إنت عارف كويس انى ندمانه على كُل حاجة بس مش عايز تصدق لأنك مش عايزنى ولا حتى بتحاول تلتمس أي عُذر رغم إنك عارف اني مش محتاجة حاجة غير إنك تعذرني! أنا اللي عشته مش قُليل ومش بيتنسي يا قُصيّ لو كان بيتنسى مكنش ده بقى حالي!

هدر بانفعال لم يستطع السيطرة عليه بسبب أفكارها الملوثة هذه: اللي حصلك ده مش مُبرر! قسوة أبوكِ أبوكِ المسؤول عنها مش هُمه! ضربه ليكِ هو المسؤول عنه! حرمانه ليكِ من كل حاجة هو المسؤول بردو عنها مش حد تاني.
ـ طيب وأمي؟
سألت بإبتسامة خالية من الحياة ليرد عليها بكل ما يحمل من تهكم: إنتِ مصدقاه؟ مصدقاه؟ عمرك فكرتي في الكلام ده أصلا؟ مفيش حاجة فيه مقنعة تخليه يعمل كده!

ردت بعند واحتدام وهي تحدجه بغضب: لأ مُقنع ومش هنسى اللي حصل لـ أمي وإني اتحرمت منها ومن حنانها بسبب تميم المُغتصب.
غلت الدماء داخل عروقه من فرط الغضب وسألها بنبرة أقرب للصراخ: هو إنتِ شفتيها أصلا عشان تكوني مقهوره عليها اوي كده؟

ردت عليه بقهر وحقد مرضي يشع من عينيها: لا مشفتهاش بس شُفت تميم عايش مبسوط و بيدلع مراته وبنته ومش حارمهم من حاجة ولو يطول يجبلهم نجمة من السما هيجيبها أما أنا! ابويا بيضربنى و بيحرمنى من كل حاجة وكل ما أقول ليه يقولي هو السبب تميم السبب في خراب حياتنا عايزني اعمل ايه بقي أحبه؟
ذرع الغرفة بعصبية وهدر بأعين قاتمة وهو يلوح بيديه: تميم، تميم، وأهو مات بنته بقي عملت إيه؟

أجابت ببرود وهي تتحاشاه كـ نكرة: خدتك مني!
اعتلت شفتيه ابتسامة ساخرة قبل أن يهتف بفقدان صواب وهو يضرب الحائط بقبضته بخفة: جـنّـة ماتجننيش إنتِ اللي دخلتيني حياتها من الأول ومن غير ذنب ذنبها ايه؟
لفظت بتهكم وتناست حتى ألمها أمام ثورته: ذنبها أبوها ومتقولش مش من حقي لأنك كُنت داخل حياتي تدمرها وتكسر أبويا بيا فاكر!

صرخ بنبرة حملت في طياتها أشد الندم: فاكر فاكر كويس دي كانت بداية اللعنة بس يا هانم كُنت هكسره بيكِ مش تكسري عشق عن طريقي وهي معندهاش أب تكسريه أصلا إنتِ اللي خسرتي وأكتر منها.

تبدل حالها واتسعت عيناها بانفعال مع انفراج شفتيها بقوة وسعادة مفرطة متشفية به وهي تقول: مين قال معندهاش؟ إنت فاكر الميت مش بيحس! أكيد حاسس و عارف بنته حصلها إيه بسببه وبسبب عمايله، ومفيش أغلى من الشرف يا قُصيّ مش أنا اللي خسرت اكتر هيه اللي خسرت صدقني..

قهقهة بسخرية وهو يسير بجانب الفراش ذهابا وإياباً مستمعًا إليها أكثر بعمق ممعنا النظر في تفاصيل وجهها وتعابيرها أثناء الحديث ويجزم أنها مريضة، تحتاج علاج ليست طبيعية بالمرة..
مال عليها وهمس بفظاظة مُستغبيا إياها وهو يضرب جانب جبهتها بسبابته: لا إنتِ خسرتي أكتر لأنها عندها عقل أما أنتِ مفيش خالص ممسوح ممسوح..

اهتزت مقلتيها ونظرت إليه بتحدي وهمست بصوت مهزوز أمام وجهه: كُله بسببك يا قُصيّ كُله بسببك لأنك من البداية لو كُنت بعدتني عنه مكنش هيقدر يتحكم فيا وأنا معاك لكن إنت سبتني ودي كانت النتيجة.
إنفجر ضاحكًا بصوتٍ رنان مرتفع وأنفاسه الدافئة تضرب صفحة وجهها مراقبًا إياه دون أن تبدي أي رد فعل.

ليصرخ في وجهها أجفلها ولم تكن تتوقع أي أذيةٍ منهُ لكنهُ فعل عندما قبض على فكها بقسوة وهدر بوحشية: عايزة تفهميني إني أنا السبب؟ هو انا همنعك عن أبوكِ يعني؟ إنتِ اللي عندك قابلية واستعداد تأذي متحملنيش ذنبك وذنب قرفك كفاية اللي أنا فيه بسببك فاهمة؟
انسلت عبراتها بصمت وسألته محركة فمها ببطء بسبب قبضته المتحكمة بقسوة: وإيه اللي إنت فيه؟

دفع ذقنها بعيداً عنهُ بقوة ووقف أمامها وقام بفرد ذراعيه مستعرضًا نفسه بينما يقول بنفور ووجه متغضن: اللي أنا فيه إني بقيت راجل شهواني حقير و(، ) وكل تفكيري محصور في السرير لمجرد إني أشوف واحدة حلوة وكله بسببك انا كنت مكتفي بيكِ لكن إنتِ اللي عملتي كده.
استفزته باستخدام قوله ضده وهتفت بكل برود واحتقار: إنت اللي عندك قابلية واستعداد وإلا مكنتش هتنجذب لأي كلبه تعدي..

ولمجرد سماع قولها هذا قفزت أمامه صورة لمار ولا يعرف لمَ؟ لكنهُ متأكد أنها ليست كلبة.
أومأ بإبتسامة موافقًا الرأي بل وأكد: عندك حق إنتِ صح بس متنسيش إنك كُنتِ أول كلبة.
هتفت بمرارة وهي تنظر إلى النافذة: ليك حق تقول أكتر من كده لأنك مجربتش تحط نفسك مكاني، مجربتش حاجة خالص.
قال بعدم استيعاب وهو يهز رأسه باستنكار: أجرب إيه؟ حتي لو حصل ده ميدنيش الحق إني أعمل كده ده شيطان أبوكِ ده شيطان!

نظرت إليه شزرًا وهتفت تستعطفه: هو طيب الظروف اللي عملت فيه كده!

نفي بعنفوان وهو يكبح غضبه بصعوبة: مفيش حد في الدنيا طيب يتعرض للأذى الخذلان للقسوة التنمر أيا يكن بقي عمره ما هيتحول للوحش ده عمره لأن الجانب الإنساني والطيبة طبع فيه هتغلبه ودايما هيبقي في جواه حاجة حلوة مش كل السواد ده؟ ده شخصية سوداوية وغير ساويه زيك بالظبط ومكانكم في العباسية انتوا الاتنين، وديني يا جنة هرمهولك فى العباسية وخليكِ فاكره الكلام ده كويس.

وضعت يدها على فمها تكتم ضحكاتها التي لا تتناسب مع الوضع ليهتز جسدها بعنف وتنفلت ضحكاتها بصخب لسببٍ لم يعرفه.
حدجها بدون تعبير ثم سألها بغلظة: خلاص بقيتي حلوه وبتضحكِ ومش زعلانه؟!
ادمعت عينيها وتألمت من فرط الضحك وهي تلتقط أنفاسها بصعوبة ثم قالت بلهاث: لو قدرت تعمل كده اعملها يا قُصيّ.

جلس بجانبها لتتوجس خيفة منهُ وترتعش بتذبذب فابتسم بسخرية وهتف بخيبةٍ رأتها في عينه قبل أن يتفوه بها: كُنت فاكر ان في امل فيكِ لكن عمرك ما هتتغيرى إنتِ مبسوطة كده صح؟
ضحكت بشحوب وهي تهز رأسها بتفهم عالمة بما يدور في عقله وهي تلملم خصلاتها المبعثرة ووضعتهم فوق كتفها وسألت بازدراء: وطالما إحنا مرضي ليه وافقت ومشيت ورانا ها؟
أجابها بتهكم: عشان كنُت غبي و اديني بدفع التمن!

عقدت يديها أمام صدرها وسألته بنبرة أقرب للسخرية: تمن ايه يا قصي؟ عشان بقيت بتاع ستات يعني! هو ده اللي مزعلك أوي؟ طب ما دي طبيعتكم كلكم جي تحملني المسؤولية ليه؟ لو حاسس أن مسؤوليتك إتجاهي خلصت وعايز تطلقني طلقني يا قُصيّ ومتعملش مقدمات على الفاضي.

لاحت ابتسامة ساخرة على شفتيه وسألها بجدية وهو يقطب جبينه: وأنتِ فاكره إني محتاج مقدمات علشان أطلقك يعني؟ ولا فاكرة ضميري هيأنبني بسببك؟ إنتِ تستاهلي كل اللى يجرالك وهتطلقي هتطلقي بس لما تبقي كويسة عشان ماتقوليش ما صدق، همه كام يوم كمان تكوني صلِحتي أبوكِ ده لو إنتوا متخانقين فعلا يعني..

ورفق قوله بوقوفه ودسّ يديه داخل جيب بنطاله ببرود وأردف مستطردا: أنا رايح أشوف الدكتور، وتلا قوله بمغادرته الغرفة.

عاد بعد بعض الوقت بملامح مكفهرة سائمة منها ومن حياته معها حقًا، لايعرف ما الذي تسعى للوصول إليه أو ما تخطط!، أخبره الطبيب أنها خسرت الطفل لكن ليس بسبب النزيف بل بسبب أخذ حبوب تساعد على إجهاض الطفل، قال أن النزيف غير طبيعي، هي من قتلته وليس نزيف كما تصور وأشفق عليها، هو غبي لا يتعظ أبدا لا يتعظ..

صفق باب الغرفة بعنف أفزعها، تقدم منها بأعين قاتمة أشبه بسوادْ حالك، ومن دون مقدمات حملها بقوة دون أن يلفت نظرها لفعله وسار بها إلى الخارج ويداه تعتصران لحم فخذيها بقسوة جعلتها تتأوه من الألم..
هتفت بألم وهي تنظر إليه شاعرة بتصلب جسده وإنفعاله: ايه يا قُصيّ براحة مالك؟

لم يرد عليها ولم يطرف حتى، بل أنزلها أمام السيارة وفتحها بعنفوان ثم أدخلها وصفق الباب بعنف وركض حول السيارة واستقل مقعده وقاد إلى المنزل بسرعة..
ظلت تراقبه بطرف عينيها طوال الطريق بتوجس بسبب غضبه الغير مبرر وما سيخلف إثره وهي تعتصر أناملها بتوتر، صفّ سيارته أمام المنزل، ترجلت وحدها كي لا يقوم بجرها إلى الداخل وهي لا تتحمل..
سارت خطوتين وحدها وشهقت في الثالثة.

عِندما حملها فجأة بنفس ذات القوة وقسوة قبضته فوق بشرتها تتضاعف..
هدر بحدّة اجفلها وهو يحملها: خرجي المفتاح من جيبي و أفتحي..
أومأت بسرعة ومدت يدها إلى جيب بنطاله وأخرجته ليتقدم أكثر بها مقتربا من المقبض، فتحركت بين يديه ومالت قليلا كي تصل للمقبض وقامت بفتح الباب بخفة..
دفعت الباب إلى الخلف لـ يثب بها ثم صفقة بقدمه وصعد إلى الغرفة، قذفها على الفراش بغتة فتألمت وصاحت به بحدّة: في ايه يا قُصيّ براحة!

تقدم منها بتجهم مُطبقا كفيه معًا يعتصرهما بقوة حتى ابيضتا، وصدره يتضخم بفعل أنفاسه الهادره، ألصقت ظهرها بجزع الفراش ووضعت يديها على وجهها تخفيه بخوف ليزمجر ويضرب رأسها بالوسادة عدة ضربات يمينا ويسارا يشفي غليله بغضبٍ مشلول.
توقف لاهثًا يسحق شفتيه من القهر، فماذا يفعل بها في هذا الوضع؟!

ظنت أنهُ توقف فرفعت رأسها ببطء وتوجس ونظرت إليه بتعجب أكثر من كونها خائفة وهي تلهث وشعرها مبعثر بفعل الوسادة، يرفرف أمام وجهها بفعل انفاسها العنيفة..
حركت شفتيها للتحدث لكنه ضرب وجهها بالوسادة مجددًا جعلها تصرخ بفزع ثم صرخت به بعصبية: يا حيوان إنت في ايه؟
ضربها مجددًا حتى تمزقت وتطاير منها الريش حولهما، عطس بحدّة ثم قذفها عليها وترك الغرفة بغضب وغادر..
صاحت بجنون وهي تقذفها أرضا: يا مجنون!

دلف إلى غرفة ريمة بثورته تلك بسببها فهو لن يتراجع عن طلاقها وسيقطع أي صلة تربطه بها يكفِ إنهُ يكرهها.
كانت ريمة تجلس فوق السرير تعبث بحاسوبها الشخصي وتضع سماعات الأذن في أذنها منفصلة عن العالم أجمع وغرام تغفي بجانبها..
هدأ قليلا وغمرته الطمأنينة والحنان وهو يحدق بهما، تقدم بتسلل وجلس على طرف الفراش ببطء كي لا تشعر ريمة لكنها التفتت وصاحت بصوت مرتفع بسبب الصوت المرتفع داخل أذنها: قُصيّ!

قهقهة بخفة وأخذ يمسح على شعر غرام بحنان لتستوقفه الوردة البيضاء الموضوعة بين خصلاتها أعلى أذنها..
رفعها بين يديه بإبتسامة وكاد يسأل لكن ريمة سارعت بالشرح بنفس الصوت المرتفع: غرام لقيتها النهاردة قدام الباب فا اخدتها وقالت بابي جبهالي..
قهقهة ونزع حذائه وقذفه ثم عانق غرام وتمدد أسفل الغطاء بأريحية وهمس بنعاس: وبتاعة بكره بتاعتك، يلا تصبحي على خير.

لم تسمع منهُ شيء بل عقدت جبينها وهي تحدق في حركة شفتيه لكنها لم تفهم، كادت توقظه وتطرده، فمازال الوقت مبكرا على النوم بالنسبة إليه، لكنها تمنعت وابتسمت بحنان، وعادت تتابع التصفح بهدوء.
في هذه الأثناء داخل السيارة أثناء عودة عمّار إلى القاهرة، بعد إتيان الشرطة ومعاينه المكان وأخذ أقوالهم كانت السيارة قد وصلت إليهم..

كانت ليلى تريح رأسها فوق صدره ويدها تسير فوق قلبه النابض بحنان بينما هو كان يعتقلها بين قبضته ويمسح على شعرها وفقط إن لم يكن السائق موجودًا لأجلسها على قدميه..
أبعدت جميع الأفكار السيئة عن عقلها وتجاهلت الشعور بالخوف الذي يساورها وفقط تُذكِر نفسها بلحظاتهم السعيدة التي لم يمر عليها يومٍ بعد.
تنهدت من الأعماق وسألته بحزن وهي ترفع رأسها إليه بعبوس: مين عمل كده يا عمّار؟ بابا!

لثم جبينها بلطف ورفع يده يبعد شعرها خلف أذنها مداعبا، متحسسا إياها بأنامله برقة بينما يقول: لأ مش هو دي مش طريقته وبعدين هو مش عايز يموتك.
تنهدت وحركت رأسها بحيرة وعدم راحة هامسة بـ همٍ: يعني هيكون مين يا عمّار؟ هنفضل في قلق كده ونخاف كل ما نيجي نروح فى حته؟

نفى بهز رأسه وحرك شفتيه للحديث لكن سقطت عينيه على مرآة السيارة ليجد السائق يحدق بهما بتركيز وسرعان ما أبعد نظره عِندما تقابلت عينيه مع عمّار في المرآة.
علت وتيرة تنفسه وتملكه غضبا أعمي ورشقه بنظراتٍ دامية شبيهه لشكل وجهه الذي سيقطر دماءا بعد قليل، تجاهل هذا فقط بصعوبة لأنها المرة الأولى ورُبما خطأ غير مقصود وشرع في الحديث بانفعال وعينيه معلقة على المرآة: هنعرف متخافـ، بتبص على إيه؟

هدر بوحشية وسط حديثة عِندما عاد يحملق بهما أفزعها وأجفل الرجل، ربتت ليلى على صدره وهمست بلطف كي لا يتشاجر: عمّار تلاقيه مخدش باله براحة!
غضب وأكفهر وجهه بسبب دفاعها عن جهل، فماذا تعرف هي عن الرجال كي تفهم إن كان ينظرعن طريق الخطأ أم ينظر إليها هى، ألا ترى جمالها الآخاذ السالب للأنفاس؟!.

كاد ينفجر به لكنهُ امتص غضبه عِندما أبطء السيارة قليلا وتنحنح ببعض الخجل واعتذر: أنا آسف مقصدش بس امبارح قُصيّ باشا اداني رقم عربية وقالي اخلي بالي لو حد جابها يبيعها في المعرض وصادف إن فعلا في شابين جولي امبارح عايزين يبيعوا العربية فأخدتها منهم وفهمتهم اني هشتريها وحبستهم عندي لحد ما أشوف هنعمل معاهم ايه؟

تنهد عمّار ومسد جبينه معترفا بخطئه وأنه تسرع في الحكم عليه ليجدها تنظر إليه بلوم طفيف ليس كثيرا، لكنهُ مُحق فلا مُزاح عِندما يتعلق الأمر بها، يفقأ عينيه دون تردد إن شعر ولو لوهله أنه ينظر إليها..
قرص وجنتها المتوردة، وهو يبتسم في وجهها كي لا تحزن وسأله بهدوء: يعني لقيت العربية؟

أومأ عبر المرآة وهو يلقي نظرة عابرة دون أن يحدق وأردف مستطردا: كُنت هبلغ بس العربية مش بتاعتي وملقتش فيها أي أوراق فا استنيت أكلم قُصيّ باشا مش بيرد بس قُلت لأني عرفت منهُ إنها تخص مدامتك..
تألقت ابتسامته الزاهية بسبب قوله الأخير ثم شكره بامتنان: شكرًا جدًا بس المفروض كده نروح نعمل محضر؟

هز الآخر كتفيه وقال مخيرا إياه وهو يسرع أكثر: براحتك كده كده هيتسلموا واكيد دي مش أول مرة ممكن نلاقي ملف ليهم متسجل هناك.
أومأ بتفهم وقال بلا مبالاة: نروح نعمل محضر منعملش ليه اليوم باين من أوله أصلا.
أومأ الرجل بتفهم وارتكز بنظراته على الطريق بينها هو سألها بهمس: مبسوطة عشان لقينا العربية؟
نظرت إليه بجهل وأجابت بعدم فهم بنظراتْ مبهمة: هي أصلا كانت مسروقة؟

قهقهة ونفي وهو يضم طرفي الستره فوق نصفها العلوي بغيرة: لأ كانت بتتفسح مع نفسها من إمبارح بس وهترجع متقلقيش..
قهقهت برقة ورفعت يدها تربت على ظهره، فشعرت بأناملها تتحسس جلده المجروح من تمزيق قميصه الذي لم تلاحظه، أطلق صيحة متألمة وهو يرفع ظهره قليلا عن ظهر المقعد الخلفي بملامح متألمة، فهو كان صامد وبخير لكنها أيقظت وجعه بحركتها وجعلت الحرقة تجتاحه وينبض بالألم من جديد.

شهقت بتفاجئ وعادت تحرك أناملها فوق جرحه ليبعد يدها متأوها سائلا إياها باستنكار وأعين متسعة: ايه يا ليلي بتتأكدي من إيه؟
إحتل الخوف كيانها وأردفت بصوت مهزوز وهي على حافة البكاء: عمّار إنت متعور وقميصك مقطوع..
ردّ بألم شاعرًا بالحرقة والحرارة في منتصف ظهره: لازم يتقطع ده أنا ضهري أتجلط في الأسفلت..
توسلته بانفعال وهي تمسك كفه بقوة: طيب تروح المستشفى تشوف الجرح و تاخد حاجة عشان البرد عشان خاطري.

ربت على وجنتها بحنان وطمأنها بقوله: متخافيش مش حاجة خطيرة مرهم وهبقي كويس متقلقيش نفسك على الفاضي وإهدي.
وأحاط منكبيها في نهاية قوله ودفع بها إلى الخلف، أراح ظهرها وطلب منها بهدوء: يلا نامي وريحي نفسك لحد مانوصل كفاية خوف وانفعال على الفاضى..
حركت شفتيها للرفض مع كتفيها وهي تنتصب لكنهُ ثبتها وأمرها بحزم وهو يرفع كلا حاجبيه بتهديد: نامي..

أغلقت عينيها بعدم رضي، بقوة مرغمة عليها وزمت شفتيها بعبوس وهي تكتف يديها أمام صدرها.
لانت ملامحه وافترت شفتيه عن ابتسامة حانية وهو يُراقب لطافتها العفوية، فقرر عفوها عن النوم عنوة وهمس: فتحي عينك لو مش عايزه تنامي ومن غير كلام.

فارقت بين جفنيها مع نهاية قوله وتراشقت معهُ نظراتها العابسة الغير راضية ليختلج صدره من تلك العينان الصافية التي تخترق صميم قلبه بلا هوادة ترده قتيلا، وضع يده على قلبه متنهدًا بحرارة مشاكسا إياها بعبثٍ: وبعدين بقي في القمر اللي هيوقفلي قلبي ده؟
لانت ملامحها وتبسمت بنعومة وفكت عقده يديها وقامت بلفها حول ذراعه وأراحت رأسها فوق كتفه بسكون حتى وصلا.

مرّ الوقت بهم سريعًا لم يشعران بمروره مطلقًا، فكانا شاردان يفكران في حياتهما الوردية الخاصة ولم يستفيقا سوى على صوت الرجل يخبرهم بالوصول، ترجلا أمام منزلها بهدوء..
لـ يهِم الرجل بالتحدث قبل أن يذهب: العربية هبعتها على هنا..
أومأ عمّار برأسه بخفة دون حديث وأحاطها ودلفا معًا إلى المنزل وهو يشعر بالتثاقل والألم في آنٍ واحد والحمى بدأت تزحف لأوصاله.

ضغطت ليلى الجرس بعجلةٍ من أمرها، وظلت واقفة ثم ضغطته مجددًا بضيق كأنها هي التي تتألم وليس هو..
ـ إيده ده جيتوا؟
أردفت نادين بسعادة عندمِا وجدتهما يقفان.
أبعدها عمّار عن طريقة ووثب إلى الداخل بوهن، لتعانق هي ليلى بحنان واحاطتها وأخذتها إلى الداخل وهي تتهامس معها بمكر سائلة عما فعلوا معًا..

جلس عمّار على الأريكة وهو يتنهد وملامحه تتقلص بألم ليتفاجأ بـ لمار تغفي على الأريكة المقابلة، تدثر نفسها أسفل الغطاء، تنعم بالراحة كما يبدو على ملامحها..
جذب انتباهه شرح نادين وهي تجلس بجانبه هي وليلي: تعبت فجأة بعد ما خلصنا لعب فا خدت مسكن وسبتها تنام.
سألتها ليلي باستفهام: و انتوا كنتوا بتلعبوا ايه؟

صاحت بحماس سرعان ما تحول إلى عبوس وهي تتحدث: الشايب مع قُصيّ ويا مامي خلاني أشرب الشربات كُلها لوحدي.
قهقهت ليلى ومسحت على شعرها بحنان وهي تبتسم، لتستغل نادين هذا الهدوء والسعادة وأردفت بجدية وهي تعدل جلستها كي تنظر إليهما الاثنين معًا: في طلب عاوزة أطلبه منك ينفع؟
قرصت وجنتها بخفة وهمست بنعومة: ينفع طبعا يا حبيبتي اطلبي اللي أنتِ عايزاه.

تنحنحت وقالت بتردد وهي تعبث بأناملها بارتباك: أنكل وحيد بقاله فتره بيكلمني وانا كُنت مأجله الموضوع شويه لحد ما أحل مشكلتي و دلوقتي إتحلت ممكن أروح؟
ـ لأ، قالتها ببرود دون أن تفكر لحظة صدمتها، بل إن قلبها إنقبض بخوف عندما أنت بسيرة هذا الرجل، فحلمه الوحيد هو أن ينتزعها منها ولن تسمح بهذا، تموت قبلها..
تبدلت ملامح نادين للحزن بينما عمّار كان يراقبهما بجهل دون أن يفهم..

همست وهي تبلع غصتها بحزن: ليه يا مامي؟ إنتِ مش قولتيلي هنسافر وهـ..
قاطعتها بحدّة وبدأت يدها في الارتعاش من الإنفعال: هنسافر مش هتسافرى لوحدك مفيش سفر لوحدك تانى لا وحيد ولا غيره.

أدمعت عينيها ونظرت إلى عمّار باستغاثة ليهز رأسهُ بعدم فهم فبدأت في الشرح بنبرة مرتعشة والأمل ينبض داخلها: أنكل وحيد إبن عم بابي وكان قُريب منه جدًا وكُل سنه مامي بتسبني أسافر أقضي معاه الأجازة كـ نوع من أنواع المكافأة عشان نجحت لكن السنادي أنا أخرتها شويه لحد ما أحل مشكلتي مع آسر وهي اتحلت مش موافقة ليه بقي؟

نظر إليها بتمعن مراقبًا اهتزاز مقلتيها والتماع عينيها بالدموع وتماسكها كي لا تبكِ وسألها باستفهام: مش كُنتِ بتوديها كُل سنة؟ ايه اللي جد؟
همست بنبرة مهزوزة وهي تحدق أمامها في العدم: اللي جد إني اتجوزت دلوقتي ولو عرف مش هيخليها ترجعلي، هو من زمان عايز ياخدها مني ومش عارف ومستني غلطة واحدة يمسكها عليا عشان يستغلها.

نفت نادين قولها مستعجبه وهي تهز رأسها: مفيش الكلام ده، عمّار كل الحكاية إنهم بيحبوني جدا وولاده في سني تقريبا وفي قريبين من سني كمان وبيزعلوا لما الاجازة بتخلص وأنزل مش اكتر، وعشان كده طلبوا نعيش معاهم في أستراليا هناك احنا الاثنين مش أنا لوحدي بس مامي رفضت بسبب الهواجس دي وإنهم هيخطفوني منها بس..

تنهد عمّار وأردف بهدوء جعلها ترغب في العويل كي توافق والدتها فهو لم يساعد: بصي يا نادين مش من مشجعي السفر للبنات خصوصا ولا بحب الدلع اللي مدلعهولك ده، بس طالما هي عودتك و اخدتي على كده وهمه قرايبك وبيحبوكِ ومفيش قلك عليكِ معاهم روحي بس ده بعد موافقتها طبعا.

قضمت شفتيها بقهر وصاحت بيأس: إنت مش بتساعدني ليه ها؟، نظر إليها بأسف لتحاول إغرائه بعرضها: ده أنا هريحك منى شهر العسل كله بدل ما أفضل لزقالكم كده!
نظرت إليها ليلى وتمتمت بألم: إنتِ بتعملي كده عشان اتجوزت صح؟ مش عايزة تعيشي معايا تاني! عايزاني اتطلق و..

أوقفتها نادين عن متابعة ما أرادت قوله بنفي قولها بقوة واستنكار: إنتِ بتقولي ايه؟ ده أنا أكتر واحده مبسوطة بيكم ودي مالهاش علاقة بـ دي خالص وإنتِ عارفة إني بحب السفر!
استدار عمّار بكتفه وسألها ببرود: ولو عايزاكِ تطلقي هتطلقي يعني؟
حولت نظراتها إليه بصمت واهتزت مقلتيها بقوة غير قادرة على الرد على هذا، ليهز رأسه بسخرية ثم وقف وترك المنزل وغادر.

إجهشت فى البكاء وغمرت وجهها بين راحتيّ يديها وظلت تبكِ دون توقف، فهو يفهمها خطأ ولا يُقدر أنها تملك إبنه لاتتردد في منحها حياتها قط، يحزن ويظن أنها لا تحبه، وتركها وذهب وهو يحتاج لمداواة جروحه.
أزعجت لمار و ايقظتها بسبب بكائها المرتفع الذي يزداد كُلما فكرت به أكثر.

تقلصت ملامحها وهي تشعر بالألم أسفل بطنها أثناء انتصابها وجلوسها باعتدال، تنظر حولها بتشوش بأعين نصف مغلقه تستجمع تركيزها كي تعرف أين باتت الآن.

مسحت أرجاء المنزل بأعينها لتستوقفها رؤية نادين تجلس على ركبتيها أرضًا أمام ليلى الباكية تترجاها بنبرة مرتعشة: مفيش داعي لكل اللي بيحصل ده والله، كفاية عياط و اسمعيني، عمّار دلوقتي تتصلي بيه وتصالحيه وأنا سبيني أروح عشان خاطري، أنا بحبك ومحدش يقدر ياخدني منك ولا يبعدني عنك أنا مش طفلة، أنا ممكن مأروحش بسهولة بس انا بجد نفسيتي تعبانة و محتاجة أغير جو عشان خاطري سبيني..

همست بقلبٍ مفتور وعيناها تفيض من الدمع: أنا مقدرش أعيش من غيرك..
ابتسمت نادين ورفعت يدها تجفف عبراتها برقة هامسة: ومين قال إني هسيبك بس! وبعدين أنتِ لازم تقدري ولازم تتعودي لأني هتجوز في يوم من الأيام ومش عايزاكِ تزعلي عليا الزعل ده كله وكمان انا راجعة تاني مش هعيش هناك!.
أومأت بتفهم ورفعت وجهها واحتضنت وجنتيها بين يديها توصيها بعذاب: هتكلميني كل يوم لأ كل ساعتين كمان تطمنيني عليكِ..

وضعت نادين يدها فوق يد والدته و قبلتها بحنان هاتفة بلطف: عيوني الاثنين كل دقيقة لو تحبي بس ده مش وقته انا هسافر بعد فرحك مش دلوقتي متخافيش.
أومأت بتفهم وهي تتأمل ملامحها بشوقٍ من الآن، فهي خائفة هذه المرة أكثر من أي مرةٍ سابقة.
هتفت لمار وهي تضيق عينيها قطعت الصمت السائد: أكيد اللي بيحصل ده بسبب التوتر و هرموناتك متلغبطه صح؟ أكيد أنتِ مطلعتيش نكدية! صح أنا عارفة..

ابتسمت نادين بلطف وهي تنظر إليها ثم تحركت للمطبخ، فوقفت لمار بعد قولها هذا وأخذت حقيبتها وجلست بجانب ليلى بنعاس وقامت بفتح الحقيبة وهي تقول بينما تخرج مظروف مُغلق منها ببطء: أنا كُنت هديكِ ده يوم فرحك وكده بس خُديه دلوقتي أحسن..

استنشقت ليلى ما بأنفها وأخذت تُقلب المظروف بين يديها بتعجب ثم فتحته برفق وأخرجت محتواه، كانت جميعها صور رنا وهي تجلس في أحضان سعيد تمسك كأس الخمر وكما يبدوا أنهما في ملهي ليلى..
تصاعدت شهقتها المتفاجئة وهي تقلب الصور وإمارة الصدمة تعتلي وجهها، فهي الوحيدة التي كانت تثقُ بها.

تنهدت لمار وهي تراقب انفعالاتها وأردفت بهدوء وهي تتجهز للذهاب: كده معندكيش حِجه وتطرديها على طول لأنها تستاهل وشغالة مع سعيد، أما مكانها الفاضي فأنا هنزلك إعلان في الجرنال وهتشغلي اللي أحسن منها وأضمن، وعمّار عارف على فكره بعتله الصور والمفروض كان يقولك بس شكل الفرحة نسته..

ووقفت واستطرد بإبتسامة سعيدة: أنا همشي أنا بقي ولما أوصل البيت هبعتلك عنوان بيوتي سينتر حلو جدا عشان تروحي بما أنك مستعجلة باي باي..
لم تعرف ليلى على أي جملة من هذا الحديث ترد ولم يسعفها لسانها كثيرًا سوي بقولها هذا متردده: هو أنا لازم أروح؟
رفعت لمار كلا حاجبيها بتفاجئ وهتفت بحسرة: يابختك المايل يا عمّار! مش عايزة تروحي ليه؟ لازم تروحي هو أنا اللي هقولك ليه؟
همست بخجل: بتكسف!

ربتت على كتفها بلطف وردت بلا بأس تحاول إقناعها بأنه شيء طبيعي سائد: طب ما كُلنا بنتكسف بس بنروح عادي بقي هنعمل ايه يعني؟ بلاش كسل بس وتفكير وسيبي نفسك.
أومأ وهي تفكر فيما ستفعل ثم سألتها البقاء عندما رأتها تتحرك: طب خليكِ معانا؟
تبسمت لمار وصاحت ممازحة متستمره في التقدم للأمام: لأ، يادوب ألحق أجهز نفسي للفرح بقى.

ابتسمت ليلى وهي تحدق فى طيفها ثم تنهدت بحزن وهزت رأسها بخذلان وعينيها تعلقت على الصور، فكيف لم تلاحظ؟ حتى أنها رأتها تلتقط خاتم الزواج الذي قذفه عمّار في وجه سعيد وركضت خلفه لكنها رغم هذا لم تُخوِّنها قط ولم تفكر في شيء من هذا القبيل!
تفاقم الحزن أضعافًا داخل قلبها وهي تستذكر هيئة عمّار أثناء خروجه بهذا الغضب، فهي غبيه تتيبس محلها ويتوقف عقلها عن العمل ولا تعرف ميف تتحدث، يِجب أن تهاتفه..

حملت الصور وخلعت حذائها وأمسكته في يدها وصعدت إلى غرفتها بعد أن ألقت نظرة متفحصة على نادين التي كانت تصنع شيءً في المطبخ..
بينما في الخارج، كان يقف والهواء يلفح جسده بقوة دون أن يشعر من النيران المتأججة داخل قلبه المسكين، فهي مازالت تُفكر وتصمت عِندما يتم سؤالها.

يعرف أنه من الصعب أن تتوقف عن القلق والإفراط في مشاعرها وتفضيل إبنتها عليه طوال الوقت، لكنهُ ليس ذنبها كذلك فغريزتها الأمومية هي من تدفع بها إلى تلك التصرفات، لن يحزن، هو أحبها هكذا وسيتقبلها هكذا رغم إيلامه وجرحه لكنهُ سيتحمل.

حرك ساقيه بتباطؤ، محموما وأنفاسه تخرج ساخنه ثقيلة تُصهر، فتوقفت أمامه سيارة ليلى، خرج السائق منها وناوله المفتاح الخاص بها وتبادلا أطراف الحديث معًا لدقائق ثم استأذن وغادر..

حدق عمّار بالمفتاح قليلا وهو يفكر أيدخل يعطيها المفتاح أم يذهب، حسم أمره وتقدم من السيارة وفتحها وجلس بداخلها، ارخي رأسه للخلف بتعب، فسمع صوت هاتفه يعلن عن وصول رساله فتجاهله، تكرر الصوت عدة مرات أزعجه، فأخره زافرًا بانزعاج متأكدًا أنها ليلى، رأي إعتذاراتها المكرره وأسفها بسبب ما فعلت عبر الرسائل النصية من هاتف نادين، لكنهُ تجاهلها ولم يرد عليها.

ـ والنتيجة هتطلع امتي؟
كان سؤال آدم المستفهم ليأتيه رد العامل في المختبر بهدوء: بعد أسبوع.
ارتفعت زاوية شفتيه بسخط وحرك رأسه باستنكار وسأل بتعجب: أسبوع إيه؟ أنا أعرف إن النتيجة بتطلع تاني يوم أو في آخر اليوم جبت أسبوع دي منين؟
قال بنفس الهدوء البارد أخرج آدم عن طوره: النظام عندنا كده..
نظر آدم إلى مصطفي واحتج معترضا باقتضاب وأعصاب تالفه: خلاص يا مصطفي نعمل في مكان تاني ده بيقول بعد أسبوع!

رفض مصطفى بحزم كالغبي وقال بلا مبالاة ظنا أنه الذكيّ: وايه يعني أسبوع نستنى إسبوع مفيش مشكلة..
أطبق آدم على كفيه بقوة وهو يحدجه بغضب جامح سائلا إياه بتهكم: إنت معندكش دم ومش بتحس يعني؟ بارد مش عايز تعرف الحقيقة؟ ولا عشان معرفتها زي عدمه وأنت هتفضل زي ما أنت!
رد ببطء وبرود: أيا يكن اللي في دماغك فا هو صح وهنستني أسبوع، مش عجبك اشرب من البحر..

عيل صبره وطفح الكيل منه ورفع قبضته كي يسدد إليه لكمه لكن حياة استوقفته عِندما تدخلت بقولها بعد أن تركت تالين تجلس على المقعد بتعب وحدها: آدم، أنا شايفة إنك تصبر أسبوع أفضل لأن تالين تعبانه ومش هتقدر تعمل التحليل ده تاني وزي ما شوفت الدكتور قال إنه خطر على البيبي في الشهور الأولي فا بلاش وأصبر يومين زي أسبوع.

أذعن ووافق على مضض مضطرا فقط لأجلها كي لا تتعب أكثر، مراقبا حالتها المزرية الهذيلة بقلبٍ مضني والندم ينهشه.
نظر إلى العامل والتقط ورقة وكتب عليها بسرعة أثناء قوله: ده الميل بتاعي ممكن تبعتلي عليه النتيجة أول ما تطلع من فضلك.
أومأ وهو يأخذ الورقة منهُ ليختطفها مصطفى وقام بكتابة البريد الخاص به هو الآخر وأردف بغلظة: وابعتهولي أنا كمان.

أومأ بتعجب وهو ينظر بينهما بريبة، لتعود حياة أدراجها إلى تالين و أوقفتها معها بتريث و أسندتها وهي تحوط خصرها برفق مراقبة حالتها الواهنه ووجهها المصفر، وسارا معًا إلى الخارج ومصطفي وآدم يسيران في الخلف.

شتمه آدم بألفاظٍ بذيئة نابية وهو يرشقه بنظرات كارهه حاقدة عاجزا عن فهم كينونته هذا الرجل، زوجته لا تستطيع السير من التعب وهو يسير في الخلف يراقبها ببرود اللعين عديم الإحساس فليأخذه الله كي يرتاح منهُ.
فقط إن لم يكن موجودا لحملها هو ولم يكن ليتركها سوى عِندما يوصلها إلى المنزل بسلام.
أوقفت حياة سيارة أجره وساعدت تالين في الصعود داخلها وكادت تصعد لكن هُتاف آدم بإسمها أوقفها.
ـ حياة.

استدارت على عقبيها تنظر خلفها باستفهام لتجد آدم يقف خلفها مباشرةً، رفع كفها ووضع بداخله بعض الأموال وضم أناملها فوقهم وأوصاها برفق: خلي دول معاكِ ولو إحتاجتوا فلوس متتردديش لحظة أنك تكلميني إنتِ عارفة رقمي ها؟ وخلي بالك منها اديها العلاج في وقته.

اومأت بامتنان ثم استقلت السيارة وانطلقت إلى منزلهم، استدار آدم على عقبيه ليجد مصطفي يقف خلفه كالحائط، تخطاه بعدم إهتمام وقرر العودة إلى المنزل سيرا على الأقدام.
بينما في الداخل..
التقط الطبيب هاتفه من فوق سطح المكتب عِندما بدأ في الإهتزاز..
رد بهدوء وهو يبتسم بمكر: شهيرة هانم أزيك؟، طبعا جه هو وأخوه كمان وكل واحد منهم ساب الميل بتاعه، واحد بإسم آدم و التاني بإسم مصطفى.

ضحكت شهيرة بـ خسة وانتصار وأردفت بتواطؤ: وزي ما اتفقنا، آدم تروحله النتيجة الحقيقية أما مصطفي تبعتله النتيجة اللي اتفقنا عليها، تديني الأوكيه وتقولي وصل هتلاقي الفلوس في حسابك على طول، باي باي يا دكتور.
أغلقت الهاتف ضاحكة بسعادة وهي تقبض على الهاتف بتفكير، متحرقة شوقا لإتيان هذا اليوم، فغباء أبنها مصطفى يساعدها كثيرا.

تنبهت عِندما إهتز بين يديها وصدح صوته لـ تتأفف بنزق وهي ترى أسم سالي، كادت تغلق في وجهها لكنها قامت بالرد كي توبخها مثل كل مرة: ألو..
أردفت بسخرية وهي تقلب عينيها: إزيك يا حماتي؟
ردت بغلظة وقرف: عايزة ايه يا رخيصة؟!
ضحكت ضحكة خليعة جعلت من ملامحها تشمئز وهي تستمع إليها بكره شديد أثناء قولها بتحدٍ واستصغار: على فكره انا عملالك مفاجأة كام يوم كده وتعرفيها وساعتها هستناكِ يا شهيرة مع السلامة.

أغلقت الهاتف وقذفته مع سبه نابية تمتمت بها من فرط الغضب ثم صعدت إلى غرفتها.

صباح اليوم التالي..
تقلبت في الفراش بنعومة وهي تضم سترة عمّار إلى قلبها، فتحت عينيها ببطء وهي تبتسم بنعومة، وخللت أناملها داخل شعرها وهي تفكر في كيفية ارضائه لأنه ظل يتجاهلها أمس.
انتصبت جالسة بنشاط، وأخذت حماما دافئًا ثم جففت شعرها وارتدت ملابس مريحة واتجهت إلى الأسفل كي تصنع فطوراً..

تنهدت بانزعاج شديد وضيق جلي ظهر على تقاسيم وجهها عِندما وجدت الثلاجة فارغة، فهي كانت ممتلئة أمس ماذا فعلوا في الوقت الذي اختفت به مع عمّار؟!
أغلقت باب الثلاجة بإحباط وصعدت تُبدل ثيابها كي تتسوق، أنتهت سريعا وغادرت المنزل ببنطال واسع وفوقه كنزه قصيرة وحذاء رياضي..

خرجت من البوابة الرئيسية لتفاجئ بسيارتها مصفوفة. ، لم تكد تقترب حتى تعالت شهقتها المتفاجئة، هرولت إليها بلهفة عِندما أبصرت عمّار من خلف الزجاج..
كان غافيًا داخل السيارة والحرارة تنبعث من جسده والحمي قد تمكنت منهُ أكثر بسبب النافذة التي صبت عليه الهواء طوال الليل.
مدت يدها من النافذة وتحسست جبهته لتتسع عيناها بهلع وفتحت باب السيارة بسرعة وهي تصيح بإسمه بخوف كي يستيقظ: عمّار، عمّار، عمّار..

حرك جفنيه بثقل غير قادر على فتح عيناه، يهذي بكلمات غير مفهومة وجسده يشتعل من الحرارة..
حثته على الحركة بصعوبة وهي تميل عليه وأحاطت خصره ووضعت ذراعه حول رقبتها هاتفه بتعب ووجه محتقن بسبب ثقل وزنه وهي تحاول تحريكة: عمّار، فوق وقوم معايا، فوق، عمّار، عمّاار، عمّاااار..

همهم بوهن وهو يتحرك معها بصعوبةٍ بالغه سلبت أنفاسها معهُ وهي تحاول بإستماته حتى خرج من السيارة، نزعت المفتاح من محله وصفقت باب السيارة وسارت معهُ بترنح وعدم اتزان، كادت تكتفأ على وجهها أكثر من مره لكنها تماسكت وهي تعض على شفتيها بعنف، لاهثه وبدأت في التعرق وهي تسير محنية الظهر تتمسك به بقوة كأنها هي التي ستسقط وليس هو..
توسلته برجاء وهي تلهث بتعب: عمّااار، فوق أرجوك..

لكنه كان يهرطق بالكلمات وهو يحاول فتح عينيه، يجر قدميه خلفه يحاول الاستفاقة لكن الحرارة كان يشعر بها تغطي عينيه.
تبقَ خطواتٍ بسيطة فقط لتصل إلى البوابة الرئيسية لكنهُ ترنح إلى الخلف بقوة وأخذها معهُ ليصطدم ظهره بالحائط..
تأوه بقوة وفتح عينيه بصعوبة لتعتذر منه بندم وهي تكاد تبكٓ وجذبته للأمام من قميصه الممزق كي يبتعد عن الحائط ليتمزق أكثر: أنا آسفة، آسفة، حاول تمشي معايا، يلا عشان خاطري..

أومأ بدون وعي وسار معها ببطء دون أن يشعر بنفسه، فقط كان يسمع صوتها ويظن أنها حلم جميل، لتبدأ ليلى بالهتاف بإسم نادين بصوت مُرتفع كي تساعدها: نادين، نادين، نادين..
ومن حسن حظها أن نادين كانت في طريقها إلى المطبخ فسمعت ندائها وخرجت إليها مفزوعة..
سألت بقلق وهي تترك العنان لساقيها التى سبقتها إليهما: ايه في ايه؟
ردت ليلى بأنفاس متقطعة وهي تهز رأسها: ساعديني، ساعديني، أمسكيه معايا..

أومأت و أسندته معها من الجانب الأخر وساروا إلى الداخل، كانت نادين تحدق في السلم ووجهتها إليه لكي يصعدان به لكن ليلى نفت بتعب: لأ، هاتيه على الكنبة مش هنعرف نطلعه كل ده لا يقع مننا على السلم.
قهقهت نادين بنعاس وهي تبدل وجهتها حتى وصلوا للأريكة أخيرًا، تركته نادين ليختل توازنه ويسقط على الأريكة وليلى فوقه.
شهقت ليلى بتفاجئ بينما نادين ضحكت وركضت تجلب الهاتف سريعا كي لاتضيع فرصة كهذه عليها.

رفعت ليلى جسدها سريعًا وحاولت تحريكه كي ينام على بطنه لتستطيع مداواه جروحه.
ـ ايه ده قومتي بسرعة ليه؟
همست نادين بخيبة وهي تنزل هاتفها.
تنهدت ليلى وقالت بضيق جلي: نادين ده مش وقت هزار لو سمحتي واطلعي هاتي القميص الابيض بتاع عمّار من أوضتي وهتلاقي على التسريحة مرهم هاتيه معاكِ.

أومأت بعبوس وصعدت بطاعة، لتعاود ليلى محاولة قلب عمّار على بطنه ريثما تعود حتى نجحت بهذا، تنفست الصعداء ثم هرولت إلى المطبخ تحضر مياة باردة ومنشفة وعادت إليه من جديد..

جلست أسفل الأريكة وانتابها الخجل قليلا وهي تمزق بقية القميص كي تري الجرح بوضوح، فهي مجرد خدوش كما قال لكنها بحالةٍ مُزرية، أخذت الأنبوب من نادين وقامت بتدليك ظهره بأناملها بخفة وبطء كي لا يتألم لكن ظهره إهتز و إنقبضت عضلات صدره رغم رقتها..
تركته قليلا عاري الظهر كي لا يلتصق جلده بالقميص ثم بدأت بإدخال ذراعة داخل القميص وهي تطلب المساعدة من نادين: أقلبيه معايا..

أومأت وساعدتها بجعله ينام على ظهره ومن ثم أغلقت أزرار قميصه لكن أستوقفها وشمه، ابتسمت بنعومة ورفعت أناملها تتحسسه لكن حرارة جسده أجفلتها، اعتصرت المنشفة سريعا وقامت بوضعها فوق جبينه، وفكرت قليلا كي تخفض حرارته أسرع، فقامت بجلب حبوب خافضة للحرارة وقامت بطحنها ووضعتها داخل كوب مياة، وإمتدت يدها أسفل رأسهُ ورفعته برفق وجعلته يرتشفها ببطء وعلى مهل رغم ملامحه المتقلصة بتقزز وقرف.

أراحت رأسه فوق الوسادة ثم نظرت إلى نادين وطلبت منها برجاء: نادين يا حبيبتي معلش ممكن تجيبي غطي وتغطيه وتقعدي تعمليله كمادات لحد ما أجي؟ مش هتأخر ها؟
أومأت نادين وسارعت بالتنفيذ بينما هي أخذت حقيبتها وذهبت.
بعد مرور ساعتين، وانتهاء إزدحام السيارات الذي علقت به، عادت مِحملة بالحقائب، وضعتها من يدها في المطبخ وهرولت إليه بقلق..

تنهدت براحة و تنفست الصعداء عِندما وجدت حرارته انخفضت وانتظمت أنفاسه عوضا عن الحمم التي كانت تتصاعد منهُ..
طمئنتها نادين بإبتسامة: متقلقيش هو بقي بخير خلاص..
أومأت قائلة براحه وهي تتأمله: الحمد الله انا هقوم اعمل اكل بقي..
دلفت إلى المطبخ مباشرةً تُحضر إليه شيء كي يتناوله عِندما يستيقظ، ونصف ساعة كانت قد انتهت من الطعام، لكنهُ ظل غافيًا لساعات من التعب.

فتح عينيه ببطء مقاومًا رغبته في النوم اكثر ليقابله السقف، جالت عينيه أرجاء المنزل ليدرك أين هو فانتصب جالسًا وأبعد الغطاء عنهُ وخلل أنامله في شعره الرطب بسبب تعرقه وهو ينظر بين قميصه الممزق والذي يرتديه بتعجب.
كاد يتحرك لكن قفزت نادين بجانبه وهي تصيح بصوتٍ مُرتفع أسمعت ليلى التي كانت تنزل الدرج: حمد الله على السلامة بهدلتنا معاك.

نظر إليها بعدم فهم لتثرثر لهُ عما حدث و يبتسم هو بسبب قلقها عليه، وتحركت كي تنادي والدتها لكنهُ أوقفها بقوله: بُكره عايزك تشغليها طول اليوم بره مترجعش غير بليل تعرفي؟.
قهقهت نادين وهمست بخبث: متقلقش، بكره هتكون في البيوتي سينتر والبيت هيبقي فاضي.

أومأت وكادت تسأله السبب بفضول لكنهُ من تحدث بسأم وسخط عليها يكتمه منذ أن رآها أول مره: نادين أنا من ساعة ما شُفتك وأنا نفسي الفحك قلم وأقولك اخرسي وبطلي تقولي مامي مامي بتستفزيني!.
قهقهت وحركت شفتيها للمدافعة عن نفسها لكنه استطرد وهو يضرب جبهتها براحة يده بانزعاج: مش مامي اللي هتخليكِ بنت ناس قولي ماما زي البني آدمين بقي قرفتيني..
ضحكت وهي تضرب كفيها معًا وكاد تتحدث لكن وصلت ليلى وانسحب نادين..

سألته بقلق وهي تجلس بجانبه تتحسس جبينه بقلق: بقيت أحسن؟
أومأ بهدوء وهو يفكر بعمق أثناء تحديقه في قميصه فسألها بفضول: إنتِ اللي غيرتيلي القميص؟
أومأت بحركة غير ملحوظة من الخجل وتخضبت وجنتيها بالحمرة فوضع يده فى مؤخرة رأسها وجذبها للأمام بينما يقول مشاكسا وهو ينظر داخل عينيها: يابت إنتِ مراتي متتكسفيش..
ابتسمت وكادت ضحكة تنفلت من بين شفتيها لكنها تماسكت وقالت باسمة وهي تبتعد: هحضرلك تاكل..

تنهد وراقبها بابتسامةٍ عاشقة، فهو لا يستطيع أن يظل غاضبًا منها لوقتٍ طويل.
دقائق معدودة، وحدق في الطعام بعدم رضي ورفع نظره إليها هاتفا بتهكم: شوربة خضار؟ أنا عايز كوارع!
تنهدت بضيق وردت باستياء: أنت عيان، الكوارع بعدين، عايز تموت نفسك ولا ايه؟

حدق في الطبق بعدم رضي وكتف يديه أمام صدره باقتضاب وقررعدم تناول هذا ليجدها تربت على ظهره بحنان بإبتسامة مشجعة كي يرضي كأنها تواسي طفل صغير كي يأكل فلفظ بامتعاض: الناقص تقوليلي كُل يا حبيبي عشان تكبر!
رفعت حاجبها وقالت بثقة: لأ انا هقول كُل ياحبيبي عشان تبقي كويس و نتجوز ونفضل مع بعض على طول..
لم يفكر لثانية أخري بل رفع الملعقة وبدأ في تناول الطعام بشراهة وهو يراقص كلا حاجبيه بمكر..

قهقهت عليه وراقبته بحنان حتى انتهي، وقف مباشرةً بعد انتهائه سريعًا لتقف معه بتعجب، فأردف بعجلة من أمره: هروح اخد دُش واظبط نفسي وهاجى أخدك عشان نجيب الفستان تمام..
أومأت بابتسامة: تمام..
مال وقبل وجنتها بحنان قبل ذهابه لتوصد عينيها وتتسارع أنفاسها باضطراب..

استدار ليذهب فأمسكت بقميصه سريعا أوقفته ثم أوصته بقلق وهي تتحسس وجنته بنعومة: خلي بالك من نفسك، وخُد برشام برد، ولما تاخد دُش اشرب ميه قبل ما تخرج للهوى ماشي..
أومأ بطاعة وقبل راحة يدها بتملك وهمس: مش هتأخر عليكِ، أومأت وأطلقت تنهيدة طويلة من بين شفتيها وراقبت ذهابه بهيام.
مساءا، داخل أحد المتاجر الشهيرة..
رفض بحزم ولوح بوجوم وعدم رضي كي تبدل هذا الفستان العاري..

تأففت بضيق راغبه في البكاء بوجه محتقن بالحمرة بسببه متغضن، شاعرة بالإرهاق وظلت واقفة مكانها كـ تمثال متحجر دون أن تُحرك ساكنا أو تتحرك خطوة واحدة، تتراشق معهُ النظرات المتحدية وهي تكتف يديها أمام صدرها بينما هو كان يرفع كلا حاجبيه بترقب، والعاملة تنظر بينما بابتسامة.
تنحنحت وبادرت هي بالإقتراح: ممكن نشوف حاجة تانية غير ده لو في مشكلة؟

لم ترد عليها وظلت تناظره بغضب ليسارع هو بالرد: ياريت وتكون حاجة مقفولة.
أومأت بلطف وأخذت ليلى خلفها تعرض عليها مجموعة أخري من الفساتين الهادئة لونها كريمي وليس أبيض.
تفحصتهم بنظراتها باقتضاب وعبوس، بضيق جلي وهي تجر ذيل الفستان عاري الكتفين الذي ترتديه خلفها.

توقفت تتأمل أحدهم ببعض الانبهار بسبب جماله وبساطته الرقيقة، فكان بأكمام، قماشة ثقيل، خالي من النقوشات، مُتسع من الخصر إلى الأسفل، كان مثالي بالنسبةِ إليها، لكن عيبه الوحيد أن ظهره عاري..
تبسمت وتصنعت عدم رؤيته وقالت برقة: ممكن أجرب ده.

أومأت العاملة بلطف وقامت بحمله وسارت مع ليلى إلى غرفة القياس، وقف من مكانه وسار بين الفساتين وهو يضع يديه داخل جيب بنطاله يتفحص الفساتين وهو يتثاءب لبعض الوقت حتى خرجت وتوقفت خلفه.

استدار على عقبيه عِندما تناهى إلى مسامعه صوت حمحمتها المتوترة التي يسمعها مع كُل فستان تعرضه عليه، برقت عيناه وتسارعت خفقاته متأملا إياها من أعلاها لأخمص قدميها بابتسامة مفعمة بالحب وهو يخرج يديه مراقبًا ارتباكها وخجلها وقبضها الرقيقة على الفستان، إن طبعها بسيط وراقي دون زخارف، تلاشت البسمة وحلت محلها عقدة حاجبيه بعدم رضي كما حدث مع الفساتين الأخرى..

صرَّ على أسنانه وهو يري ترقوتها الظاهرة من الامام وظهرها الظاهر ببزغ عبر المرآة خلفها..
أمرها بحزم وهو يدير سبابته مع رفع حاجبيه: لفي كده.
عبست وهزت رأسها برفض ليهتف بحزم وجدية احزنتها: غيريه مش هتاخديه يلا..
أطلقت أنفاسها المرتجفة دفعة واحدة وأردفت بنبرة مهزوزة وهي على حافة البُكاء: ده سابع فستان ميعجبكش وأنا تعبت ومش عايزة أخد غيره ده عجبني!

حرك فكه بعصبية وأردف برفض دون تراجع: ومش عاجبني عريان وإنتِ عارفة شوفي حاجة غيره.
عضت على شفتيها بقوة وكادت عبراتها تتساقط لكنها تماكست وهتفت بجدية مماثلة وتهديد دون تراجع وعينيها تهدد بتساقط العبرات: وأنا لو مأخدتش الفستان ده مش هتجوز ولا هحضر أفراح تبقي أحضره لوحدك بقى، ورفقت قولها بحمل الفستان وأولته ظهرها بسرعة بشكلٍ خاطف للأنفاس وعادت إلى غرفة القياس.

زفر بحدّة ثم هرول خلفها قبل أن تبدله، أسدلت الفستان من فوق كتفها وشفتيها ترتجف بانفعال ورؤيتها تشوشت وكادت تبكِ وهي تمد يدها للكتف الآخر كي تخلعه لتشهق بفزع وتعيدة فوق جسدها مجددًا عِندما دخل عليها عمّار..
استنشقت ما بأنفها ونظرت إليه بلوم ثم أطرقت برأسها، ليضعف للمرة الألف و يستلم..
تنهد من الأعماق وهتف بقلة حيلة وإستياء: ماشي، خُديه..

ضحكت بنعومة وتهللت أساريرها وفتحت ذراعيها وهي تتحامل على أطرافها كي ترتفع لتعانقه لكنهُ أدارها فجأة أجفلها، وامتدت يده إلى وجهها وجمع شعرها إلى الخلف وتركه ينساب فوق ظهرها وسار بكفه عليه من أعلى رأسها حتى منتصف ظهرها يقيس طوله بتركيز.

تعجبت مما يفعل وكادت تتحدث لكنهُ أدارها للجانب وجعلها تنظر إلى المرآة وهتف بجدية وهو يسير بأنامله على ظهرها بحسية جعلها تقشعر وتثقل أنفاسها: شعرك لما يتفرد هيغطي ضهرك، فا أنا يوم الفرح لو لقيت ضهرك باين هنكد عليكِ بجد مفهوم اتصرفي مليش دعوه؟
أومأت بمشاعر مبعثرة وصدرها يعلو ويهبط باضطراب وهي تضم طرف الفستان بقوة وجُل ما كان يشغل تفكيرها متى سيبتعد لأنها قدميها لم تعد تحملانها..

توقفت أنامله والتفت يده حول خصرها ودفعها إلى صدره حتى التحمت به، وسار بأنفه على نحرها طولا مستنشقًا رائحتها بانتشاء هامسًا بنبرة متهدجة وأنفاسه الدافئة تُذيبها: هزعلك أوي، أوي..
تتساءل لمَ يخيفها ويعانقها في آنٍ واحد هذا المُختل؟!
عاد يهمس وهو يحررها برفق: هستناكِ بره، أومأت بأنفاس ثقيلة وجلست على المقعد بترنح تلملم شتات نفسها المبعثرة.

خرجت بعد دقائق كي لا تتأخر عليه، وقع نظرها على الفستان الخاص بها تحمله الفتاة إلى الخارج لتبتسم باتساع وقلبها يرقص فرحًا ثم قهقهت بسعادة عندما إلتقط بصرها عمّار يقف يضع يديه في خصره بعدم رضي يحدق في الفستان بنظرات نارية كأنهُ عدوه اللدود.
هروت إليه ضاحكة وترفقت ذراعه والسعادة تشع من عينيها اللامعتين وهي تسند رأسها فوقه..
سألها بابتسامة وهو يقرص وجنتها بخفة: مبسوطة؟
أجابت بسعادة خالصة: أوي أوي..

مسدّ ظهرها بيديه بحنان وسحبها معهُ هاتفًا باهتمام: تعالي نشوف بدلة بقي..
لم يأخذ وقتًا، فقط دقيقة تفحص البدلات بتدقيق وثقب وإختار إثنتين فقط..
سأل ليلى وهو يلوح بهما بين يديه: أخد أني دي ولا دي؟
هتفت بتعجب وهي تحدق به: إيه ده بالسرعة دي؟
لوي شدقيه وقال ممتعضا: طبعا، عشان تعرفوا إنكم متعبين بس..
نظرت إليه بطرف عينيها ثم قالت بإعجاب وهي تحدق في الاثنين: الاثنين حلوين جدًا بس خُد دي..
ـ إشمعنا؟

تحسست قماش الاثنين بتفحص كالأمهات، كما كان يرى والدته حُسنه تفعل في صغره فـ قهقهة مراقبًا إياها بثقب لتتحدث بعد أنتهاء فحصها: عشان خامة دي أحسن من دي، يعني الاثنين حلوين ودي مقارنه باللي إنت لابسها فاهي أحلى، أما مقارنة بالتانية فا التانية أحلي خُدها.
ابتسم برضى ووافق باقتناع، ومن دون اقتناع كان سيأخذ ما تختاره بنفسها..
في الثالثة فجرًا..

أيقظ رنين الهاتف قُصيّ من نومه، التقطه بأعين نصف مغلقة ورد بضيق: في ايه بس؟
أتاه صوت عمّار الناعس: فاضي؟ بُص حتي لو مش فاضى عايز خدمه مفيش غيرك هيعملهالي ومحتاجك دلوقتي..

اليوم التالي..
كانت جالسة تعمل بانغماس تشتت نفسها بشتى الطرق كي لا تُفكر، حتى الهاتف تضعه بعيدًا عنها كي لا ترد بسرعة إن هاتفها، هذا إن فعل، فهي من أيام تنتظره أن يتصل أو حتى يأتي كي يقنعها من جديد، لكن يبدو أنه كان ينتظر رفضها كي يلوذ بالفرار ولا يعيد الكره، فمن هذا الذي سيرغب في الزواج من رخيصة لم تصن نفسها!.
عضت على شفتيها بقوة، تضغط بأناملها فوق القلم بشرود حتى اخترق الورقة أفسدها..

تنهدت من الأعماق وهي تمسد جبينها ورغبة شديدة تحثها على البُكاء وندب حظها، وما إن لبثت حتى قاطعها صوتٌ مألوف.
ـ دكتورة عشق موجوده؟
أخرجها من شرودها صوت نادين المتسلي مع طرقاتها على الباب بخفة..
ابتسمت ووقفت عن مقعدها مرحبة بها بسعادة: نادين إزيك؟
تقدمت نادين مع لمار إلى الداخل، وعانقتها بشوق ثم عرفتها على لمار بقولها: عشق دي لمار صحبتي وصاحبة مامي وصحبتنا كُلنا ودي عشق يا لمار صحبتنا بردو..

قهقهت لمار بخفة وصافحت عشق لترحب بها بلطف وهي تتحفز للذهاب: اتشرفت يا لمار إتفضلي، تحبوا تشربوا ايه؟
جذبتها نادين من ذراعها قبل أن تذهب وأجلستها فوق كرسيها خلف المكتب وأخذت هي ولمار الكرسيين مقابلها بين المنضدة القصيرة وباردت بالحديث: مامي كانت عايزة تجيلك بنفسها بس مش فاضية خالص عشان كده بعتتني اعزمك بنفسي على الفرح بكره..

اتسعت ابتسامة عشق وهتفت بعدم تصديق: بجد! مبروك، بوسيها كتير و قولي لها مبروك وأني مبسوطة عشانها جدا.
رمشت نادين وهتفت بتعجب وهي تضيق عينيها: أقولها ليه قولي لها أنتِ، أنا جاية اعزمك على فكره ولا إنتِ مش عايزة تيجي ولا إيه؟
ابتسمت بأسف وقالت متحججة: لأ الحقيقة مش هقدر خالص لأني بحضـ..

قاطعتها بحزم: على فكره انا مش جاية أسمع حِجج إنتِ هتيجي والدكتور اللي معاكِ هنا كمان يجي مامي قالتلي أعزمه لأنه ساعدها في عيادة عمّار، الصراحة مفيش وقت نعمل دعوات عشان كده جتلك لحد هنا وأنا عارفة إنك قمر ومش هتكسفيني، هااا؟

ابتسمت عشق وأومأت بابتسامة ولم تكد تتحدث حتى صدح صوت هاتفها، ألتقطته لمار من فوق المنضدة بابتسامة تناوله إليها ومن دون قصد نظرت إلى شاشته لتتوقف يديها في الهواء هامسة بصوتٍ مسموع متعجب وهي ترى اسمه مع صورته: قُصيّ!
ابتسمت نادين وقامت بخطفه من يدها وردت هي بحماس: ألو قُصيّ إنت فين؟

عضت عشق على شفتيها بقهر وأطبقت على كفيها بقوة و احتقن وجهها وتلون بألوان قوس قزح وهي على حافة البُكاء، لقد ضاعت فرصتها الأخيرة معهُ، لن يُهاتفها مجددًا..
شعرت لمار بالحزن وتأنيب الضمير وهي تري تعابير وجهها وانفعالاتها وهي تحدق في نادين برغبةٍ متوحشة لخطف الهاتف من يدها.
اعتذرت لمار بحزن وخجل: أنا آسفة مكنش قصدي والله..

أومأت بتفهم والحرقة تجتاح مقلتيها مع إنتهاء نادين وغلقها للهاتف: اوكيه مع السلامة متتأخرش بقي مستنياك أنا ولمار قبل ما مامي ترجع.
همهم بتفهم وقذف الهاتف أمامه بإحباط وتابع قيادته بسرعة كي يصل و عينيه معلقة في المرآة يتابع كلتيهما في الخلف وهو يقهقه كُل برهة وأخرى..
ناولت نادين الهاتف إلى عشق وتمتمت معتذرة: آسفة يا عشق خليته قفل أصل الحماس خدني، تحبي اتصلك بيه تاني؟

هزت رأسها بنفي وأخذت الهاتف ووضعته أمامها بهدوء وهي تبلع غصتها ثم وقفت وقالت بنبرة مهزوزة: هنادي دكتور وليد عشان تكلميه..
أومأت نادين بإبتسامة، تُراقب سيرها حتى دخلت إلى غرفة وليد، فمالت نادين للأمام بجسدها وهمست إلى لمار باستفهام: في ايه؟ وشك أتغير حصل حاجة؟
انتفخت أوداجها ووبختها بحدّة: خطفتي الموبايل ليه ورديتي يا قليلة الذوق هو بتاعك؟!

همست بضيق وهي تضرب ظهر يدها بغيظ: ده قُصيّ ايه يعني وهي عارفاني الله!
ضربت جبهتها بغضب وصرّت على أسنانها هامسة بتهكم: بردو مينفعش مشوفتيش وشها كان عامل إزاي؟ وبعدين هي بالنسباله ايه دي مسمياه My Love عمري ما شُفتها معاه!
قهقهت نادين وهمست بمكر: عشان هو My Love فعلا، بيحبوا بعض يابنتي من زمان وكانوا مع بعض قبل ما نقبلك..

عقدت لمار حاجبيها بتعجب وسألت بعدم فهم: يعني هو مخلف غرام من مين دي ولا واحدة تانية؟
اتسعت عينيها وصاحت بتفاجئ: هو قُصيّ مخلف؟
دلَّكت لمار جبهتها بعنف وهمست بنفاذ صبر: أنتِ متعرفيش؟
هزت رأسها بذهول وعينا متسعة وتمتمت بتعجب: لأ معرفش خالص أعرف إنه كاتب كتابه على واحده ولسه متجوزوش وبيحب عشق غير كده معرفش.
كادت تتابع وصلة أسألتها لكن سماع صوت فتح باب الغرفة وقدوم وليد مع عشق اسكتهما.

حلّ المساء..
خرجت ليلى من مركز التجميل خاملة ناعسة، جسدها متراخي بحاجة للنوم والراحة، بحثت بناظريها عن عمّار بلهفة، فهي لم تراه مُنذُ أن أوصلها صباحا وذهب..
توقف على الرصيف وأخرجت الهاتف تحادثه كي يأتي ويقلها، لمَ تأخر لقد أخبرته بساعة إنهائها لمَ لم يكترث؟ مزاجها ليس رائق كي تقف وتنتظر علاوة على هذا لا يرد عليها ويغلق! تجرأ وأغلق في وجهها وتجاهلها!، حسنا هو من فعل هذا بنفسه ستريه..

أوقفت سيارة أجره بغضب وأخبرته العنوان وظلت تحادث نفسها مغمغة طوال الطريق وهي تضع الهاتف على أذنها تنظر إجابته لكنهُ لم يُجيب، لقد فعلت ما وجب عليها كي لا يظل لديه حِجة وهاتفته أكثر من مرة وهو يغلق ويتجاهلها ستريه، ستريه.
هدر بغضب وهو يزفر بضيق: قُصيّ هات التليفون بقي الله!
قهقهة وأغلق في وجهها وهتف بسخرية: ماهو عشان انت مهزأ مش هديك انشف كده مالك في إيه دلوقتي تيجي؟

جلس على الأرجوحة الموضوعة في حديقة منزلها وهتف بيأس: مش هقولها بس لازم أرد عليها دي جريمة إني مردش أنت اتجننت! أكيد مستنياني دلوقتي منك لله..
نفي بسخرية وهو يعطيه الهاتف أثناء استقرارة بجانبه: لأ لأ هتيجي في تاكس إنت فاكرها هتستناك للصبح؟ ده أنت بريء أوي يا خال..
ناظرة بسخط ثم أردف بنزق وهو يضرب كتفه: طب ما أكيد هتمشي لما أتأخر تستناني للصبح ليه أصلا يعني مش أنا اللي إتأخرت؟!

تنهد قُصيّ وتمدد وأسند رأسه فوق فخذ عمّار وهتف بأسف وهو يرفع رأسه إليه: هتوحشني على فكره..
قطب عمّار جبينه وهتف مستفهما وهو يلطم وجه قُصيّ بخفة: ليه هموت؟
نفي بابتسامة وقال بلطف: لأ، بعد الشر عنك يا روحي إن شاء الله عدوينك أنا اللي مسافر، رايح روسيا هقعد فترة طويلة مش عارف قد إيه بس كتير.
غمغم بعدم رضي: ليه؟ وشغلك؟!
هتف بهدوء: هصفية..

دفعة من فوق قدمه أسقطه على وجهه فوق العشب هادرا بغضب: هتصفية يعني مش راجع يا حقير غور في داهية..
تأوه قُصيّ وهو يرفع جسده هاتفًا باستياء أثناء تنظيف وجهه: إنت صاحب مش جدع على فكره ربنا يسامحك..

طالعة بدون تعبير ولم يرد عليه ليمدد قُصيّ قدميه أمامه و ارتكز على مرفقيه فوق العشب هاتفًا بتفكير: طب ما أنت هتتجوز وهترجع البلد وهنشوفك بالقطارة بعد كده! ده أكيد مش سببي بس بجد لازم أسافر، اكيد هرجع وأكيد مش هنساكم يعني وهنفضل على إتصال دايما بس لازم أسافر..
صمت قليلا يفكر مليا بعمق حتى استوطن الحزن قلبه وبدي على تقاسيم وجهه واستطرد: عمّار بجد أنا تعبت من الحياة دي وعايز أفصل.

أومأ بتفهم ورد ببرود: براحتك مع السلامه.
زفر وهتف بانزعاج: إنت متضايق ليه طيب دلوقتي؟ مش هسافر غير لما أطمن عليك وأدخلك الله!
تجاهله وتحرك للذهاب فمدّ قُصيّ قدمه أمامه عرقله وأسقطه أرضًا، ضحك بتسلية وتحرك للهرب، فزمجر عمّار ووقف على ركبتيه وسحبه من ياقته وأطبق على رقبته مهددًا بضيق: أموتك دلوقتي!

أطلق المزيد من الضحك، يستعطفه بنظراته البريئة أن فزفر عمّار ونظر إليه مطولا يُفكر وقبل أن يتحرك تناهى إلى مسامعه صوت آدم.
ـ إنتوا بتعملوا ايه؟
كان هذا سؤاله المتعجب وهو يرفع كلا حاجبيه..
لوح إليه قُصيّ بذراعيه يستنجد به: آدم إلحقني، عمّار هيموتني عشان قولتله هسافر
قال متعجبًا وهو يهز كتفيه: طب ما انا كمان مسافر؟
كتم قُصيّ ضحكته وصاح بسعادة: أخويا اللي مجبتوش أمي وأبويا تعالي في حضني يا حبيبي تعالى..

هدر عمّار وهو يقف غاضبًا منهما: أنا مش عايز أعرفكم تاني..
سحبه قُصيّ من ذراعه أثناء وقوفه أجلسه محله ولوح لآدم كي يأتي وجلسوا متحلقين حول بعضهم البعض يتبادلون أطراف الحديث..
ترجلت ليلى من السيارة في ذروة غضبها ودلفت إلى المنزل والشرار يتطاير من عينيها دون أن تلفت يمينا أو يسارًا، كانت تسير في خطٍ مستقيم حتى وصلت إلى الباب.
ضغطت الجرس بضيق دون أن ترفع إصبعها حتى فتح الباب بقوة..

كادت تندفع للداخل بغضب وتطلق العنان لـ لسانها كي تلعن كيفما تشاء لكنها تيبست محلها من فرط الصدمة وتمتمت بعدم تصديق: دهب؟
تفحصتها بعدم استيعاب وهي تكذب عينيها وقبل أن تتفوه بحرفٍ آخر وجدت يدٍ تجذبها من ساعدها إلى الداخل بقوة تزامن مع صدوح صوت الزغاريد و الموسيقى المرتفعة..

فغرت فمها وهي تجد نادين تتقدم منها ترتدي بدلة رقص كالتي ارتدتها هي عِندما رقصت في منزل عمّار، تمسك بوشاح قامت بلفه حول خصرها وأمرتها بسعادة: يلا ارقصي النهاردة حنتك يلا..
عقدت كلا حاجبيها وظلت جامدة محلها تائهة وعيناها تدور بينهم، فكان هناك خمس فتيات غرباء عنها لم تراهم قبلا يملكن جميعهن بشرة سمراء، ونادين، ودهب، وحُسنه تجلس فوق الأريكة في المنتصف، تبقي لمار أين هي؟

رفعت نادين ذراعيها وأخذت تراقصها كي تتحرك لكنها لم تتزحزح قط، ألتقطت عينيها نظرة حُسنه الحانية ووجهها البشوش فنزعت الوشاح عنها وهرولت إليها دون تفكير، وارتمت في أحضانها وعانقتها بقوة لتضمها حُسنه برحابة صدر تستمع لهمسها بافتقاد: وحشتيني..
ربتت على ظهرها برقة وفصلت العناق وسألتها عن حالها بحنان أمومي: كيفك يا حبيبتي..
أراحت رأسها فوق صدرها وقالت بسعادة: الحمد الله كويسة جدًا..
ـ يارب دايما يا حبيبتي.

لم تكد ترد حتى سمعت نبرة احتجاج واستياء من لمار: ايه ده؟ أنتِ قاعدة؟
رفعت ليلى رأسها وتأملتها بنظراتٍ باسمة معجبة وهتفت بإحباط: حتى أنتِ يا لمار؟

قهقهت لمار ودارت حول نفسها بذلك الساري الهندي وصوت المجوهرات والخلخال التابع له تصدر أصواتًا رنينها محبب سماعه، فكان لونه وردي شفاف مطرز بنقوشات ذات بريق لامع، يلتف حول جسدها الممشوق ببراعة بارزًا منحنياتها الصارخة، وشعرها الطويل المنساب حول كتفيها العاريين كـ هندية حقيقية، فكان يعطيها جاذبية أكثر.
أمسكت يد ليلى فجأة افزعتها أخرجتها من زخم أفكارها بينما تقول: تعالي البسي الأحمر هيبقي تحفة عليكِ..

هزت رأسها بنفي وهتفت بإرهاق: انا تعبانه بجد وخليـ..
صاحت بتعجب وهي تسحبها خلفها عنوة بمساعدة نادين: نخلي ايه هي حنتك هتبقي كل يوم ولا ايه؟ وبعدين دي مفاجأة عمّار ليكِ هتبوظيها ومش هتحطي حِنة؟
هدأت نيران غضبها وتابعت سيرها طواعية دون أن تتعبها عِندما سمعت إسمه حتى وصلت إلى غرفتها، ساعدتها لمار بإرتدائة برفق وزينت وجهها بمساحيق التجميل الصارخة..

والآن كانت تضع لها القراط لتسألها ليلى بفضول لم تستطيع السيطرة عليه أكثر من هذا محركة شفتيها ذات الحمرة القاتمة: هو عمّار اللي عمل كل ده؟
قهقهت لمار وأردفت وهي تنظر إليها عبر المرآة: أكيد هيكون عمّار أومال مين؟
عبست ليلى وسألتها بحزن شاعرة بثقل الحلي الذي تضعه بأنفها: اومال مش بيرد عليا ليه هو فين؟
قالت بتعجب وهي تفكر أنها أتت من الخارج ولم تراهما: في الجنينة مع قُصيّ من بدري، مشوفتيهمش..

هزت رأسها بنفي والحزن يطغي عليها بشدّة بسبب تجاهله لها فهو عادةً لا يفعل هذا!
عبست لمار وهي تراقبها ثم مسدت كتفيها وواستها بقولها: أنتِ تعرفي إنهم في الهند ممنوع العريس يشوف عروسته يوم الحِنة عشان فال وِحش! أكيد هو مستخبي منك عشان كده روقي..

افترت شفتيها عن ابتسامة رقيقة وهي تنظر إليها بامتنان بسبب محاولتها لجعلها سعيدة لتستطرد لمار بيأس بسبب تفكير الرجال: أصلا كده كده هيشوفك وهيطُب عليكِ فجأة خليكِ جاهزة يلا بقى ننزل..
أومأت وسارت معها وخلخالها يصدر رنين من حركة أساورها يجعلها تقهقه، فكان الساري ذات حمالتين رقيقتين يصل لنصف ضلوعها ومن ضلوعها إلى سرتها عاري يظهر بشرتها الحليبية ويحوط خصرها سوار ذهبي من فوق الساري.

كانت دهب تغني في الأسفل أغاني شعبية قديمة بصوتها العذب كـ عمّار وهي تطبل والبقية يصفقون مرددين خلفها بسعادة، جلست ليلى بجانب حُسنه بإبتسامة عذبة لتقترب منها المرآة كي تنقش الحنة فوق جسدها..
قالت بهدوء عندما سألتها أين تريد الرسم: ممكن حاجة رقيقة على رقبتي وايدي بس..
اعترضت لمار وأوصتها دون أن تعبأ بـ ليلى: ايه ده ايه ده، والصدر لازم الصدر ارسمي عليه قوس وسهم..

تدخلت نادين مقترحة: لأ إكتبي عليه عمّار..
نفت لمار بتحاذق: لا قديمة حكاية الأسماء دي أرسمي بس اللي قولتلك عليه..
تحركت المرأة لتباشر عملها فأوقفتها ليلى بقولها بتحذير متجاهلة أقوالهم: اعملي اللي انا اقوله ملكيش دعوه بيهم..

أومأت بتفهم وبدأت بالرسم فوق رقبتها بخفة، بعض النقوشات الرقيقة الطولية، ورسمت فوق يديها، ولمار جعلتها تقف عنوة وترسم خلف ظهرها ثم فوق خصرها بعدم رضي، وبدأت بالرسم أعلى صدرها الرسمة التي أخبرتها إياها ليلى بهمس..

لتظل لمار تلح حتى جعلتها ترسم خلخالين حول كاحليها، ومن ثم جلست قليلا حتى جفت وهي تراقب لمار ونادين يتراقصان بسعادة على أنغام الطبول والأغاني القديمة التي أعادت إليها الذكريات الحلوه كانت والسيئة..
سحبتها نادين من ذراعها فجأة أدخلتها بينهما ولم تتركها تفر بل أصرت على جعلها ترقص ليتوقف الجميع وتعلو صوت الموسيقي، وتبدأ وصلة رقص لن تنتهي بسهولة.
ـ صح عرفت مين اللي بوظ العربية وكان هيموتكم؟

سأل قُصيّ باهتمام عِندما تذكر ليومأ عمّار وأردف بسخط: سعيد
سأله بشك: وهي عارفة؟
ردّ بغلظة: هتعرف منين؟ أنا مقولتلهاش عشان متخافش وبعدين أنا مش معايا دليل ملموس بس مفيش غيره ممكن يعملها ابوها ميعملش كده!
لوي شدقيه وتراشق معهُ النظرات الحانقة وصوت ضحكاتهم في الداخل يصل إليهم من وقتٍ طويل، وفضوله القاتل كي يعرف السبب يجعله يجلس دون ارتياح.
وقف قُصيّ باندفاع وهتف بانزعاج: أنا لازم أدخل مليش فيه..

قهقهة آدم وراقبه بينما عمّار ألقي بجسده على العشب وظل يُحدق في السماء منتظر عودته بصفعة من والدته تلون وجنته، سيكون سعيدا إن حدث هذا.
ضغط الجرس مع طرقاته القوية فوق الباب كي يستمعوا إليه، فكانت لمار تمر من خلف الباب صدفة فسمعت ومن دون تفكير فتحت الباب..
ترنح في وقفته وشملها من أعلاها لأخمص قدميها مرارا وتكرارا يستوعب ما يراه لـ يتمتم بذهول: तुम सेक्सी हो
اتسعت عينيها وسألته بلطافة وحماس: بتقول ايه؟

أرف بعبثٍ وهو يميل برأسه غامزا:
Вы прекрасны
جعدت جبينها وهتفت باستياء: بتقول ايه؟
ـ هششششش يا أم كرش
أردفت بسخط قبل أن تصفق الباب في وجهه: أهو إنت..
ضحك بتسلية وطرق فوق الباب وهو يصيح بإصرار: افتحي بس..
لفّت المقبض وفتحت بعدم رضي، وهي تنفخ ودجيها سائلةً بغلظة: نعم؟
اقترب بخطواته منها اكثر حتى كاد يتلامسان وقد تناسى هذا وهو يدخل رأسهُ من فوق كتفها يشاهد مايحدث في الداخل هاتفا بفضول: بتعملوا ايه دخلوني!

دفعته من صدره إلى الخلف وأغلقت الباب في وجهه ليضع يديه فوقه يمنعها مترجيا: هطبلكم ومش هتكلم هسكت وهتفرج..
قهقهت ولم ترد عليه بل صفقت الباب في وجهه ودخلت..
طرق مجددًا بإصرار وهو يصيح مقترحا: هغني طيب افتحي..
ابتعد بخطواته إلي الخلف بجزع عِندما رأي تحرك المقبض، وكان معه حق..
انحنت حسنه وخلعت حذائها وهي توبخه: خبر ايه يا جليل الرباية يا مزبلح إنت؟
ضحك ولاذ بالفرار قبل أن يطوله الحذاء ويتسطح محله..

انتهت الأمسية بسعادة، وذهبت لمار وعادت حُسنه ودهب مع السائق لأن قُصيّ لن يستطيع أن يعيدهم كما أتي بهم..
لم تصعد ليلى إلى غرفتها كي ترتاح، بل ظلت جالسة محلها تحدق في الباب بترقب، تنتظر إتيانه لكنهُ لم يأتي وكم هذا خذلها.
أخرجها من شرودها جلوس نادين بجانبها ومعانقتها بقوة هامسة بحزن: هتوحشيني أوي..
تنهد ليلى بحزن وسألتها بنبرة راغبة في جعلها تتراجع: بردو مش عايزة تغيري رأيك؟

زمت شفتيها وأردفت برفق وهي تسند رأسها فوق كتفها: يا حبيبتي مش هتأخر عليكِ، وبعدين أنا عايزاكِ تبقي رايقة ومتفكريش في حاجة خالص غير حياتك بس اتبسطي وافرحي ومتشليش هم إتفقنا؟
نظرت إليها بحنو أومأت بطاعة وهمست: إتفقنا.
بعد بعض الوقت، صعدت إلى غرفتها بإحباط تجر خيبتها خلفها، بينما عمّار كان يجلس على سور الشُرفة ينتظرها من وقتٍ طويل..

خلعت أساورها وقذفتهم فوق السرير بغضب ثم جلست على طرفه ورفعت قدمها كي تنزع خلخالها، وقذفته بغضب هو الأخر ثم ألقت جسدها على السرير وفردت ذراعيها بجانبها وحدقت في السقف لدقائق وصدرها يعلو ويهبط بانفعال وعقلها منشغلا به.
ثانية، اثنين، ثلاثة، وشعرت بأنفاسه الدافئة تضرب صفحة وجهها، اختلج صدرها وتسارعت أنفاسها وحركت رأسها إلى الجانب لتلامس أنفه بأنفها.
ابتسم وهمس بمكر وهو يحدق في شفتيها: بتفكرى في إيه؟

رمشت بتعجب، تحاول استيعاب وجوده معها في الفراش ينظر إليها تلك النظرات الماكرة!
شهقت بتفاجئ وانتصبت جالسة فضحك ورفع جسده ومد يديه إلى طرف الساري الخاص بها بخبث متطلعا إلى قوامها البادي كـ جذوة جمر مشتلعة لتتنبه حواسها وتبتعد جازعة سائلةً بغضب: عاوز إيه؟ وإيه اللي جابك هنا؟
دار حول السرير وتقدم منها بينما يقول بمكر وهو يرفع كلا حاجبه مع هز كتفيه: هعوز ايه يعني؟ عايز حقي..

ردت متبرمة وقامت بطرده: ملكش حاجة عندى إتفضل شوف أنت رايح فين!
قهقهة وأستمر في التقدم مراقبًا ملامحها الحزينة التي تخفيها خلف قناع الغضب المتصدع فهي لا تجيد التصنع بتاتًا، متلهفة رغم غضبها منهُ..
سقط نظره على صدرها ليقطب جبينه بتعجب هاتفًا وهو يأشر على رسمتها: ايه ده؟ كلب ده ولا ايه؟

جحظت عينيها وشهقت بتفاجئ ورفعت يديها تخفي صدرها ووجنتيها تنصهران من الخجل، تعود إلى الخلف بخطواتٍ مبعثره، حافية القدمين والتوتر يغمرها، مستمرا في التقدم حتى حاصرها بينه وبين الحائط معتقلا خصرها بين يديه الباردة..
إهتز جسدها بخفة وشهقة خافته هربت من بين شفتيها بسبب ملمس يديه الباردة فوق بشرتها الدافئة..
همس وهو يضيق عينيه بمكر: شيلي إيدك شيلي وسبيني أتفرج على الكلب..

تنفست بعنف من فرط التوتر وهمست بتلعثم وهي تتهرب من نظرات: د، ده، ده مش كلب..
فطلب وهو يرفعها وأوقفها فوق قدمه: طب وريني؟
رفضت وهي تخفض رأسها برفض، تُحاول التملص والنزول عن قدمه، وتثبت يدها فوق صدرها بقوة وإصرار، يُحرك أنامله فوق خصرها عامدًا على بعثرتها وجعلها ترغب في نفس ما يفكر به الآن وهو يطالع هيئتها المغرية و المثيرة هذه..

ازدردت ريقها بحلق جاف وسيطرت على نفسها قليلا ومن ثم رفعت رأسها وصاحت زاجرةً له بغضب: أنا مش بكلمك أصلا واتفضـ، وابتلع بقية هجومه على شفتيها، يضمها بقوة يُقبلها بنهمٍ وشوقٍ قاتل، يرتوي من رحيق شفتيها، يطوف في نعيمه الخاص، فهو من يومين يتوق إلى هذه اللحظة، تخيل هذا كثيرا وتاق إليه اكثر لكنه لم يعرف أنه بتلك الروعة..

سقطت يدها عن صدرها والتفت حول خصره تشد على قميصه بقوي خائرة مستسلمة إليه بكل جوارحها وهي تغمض عينيها بتخدر، وأنين خافت يصدر منها كان يبتلعه هو ولا يجعله يخرج، فهي تسحق رجولته ولا يستطيع التحمل أكثر من هذا أمامها.
فصل قبلته لأجل التقاط انفاسها المسلوبة، مستندا بجبينه على جبينها لاهثًا بتهدج والحرارة تزحف لأوصاله هامسًا برغبة لم يستطع كبحها أكثر: ليلى، ليلى..

ذائبة، ذائبة بين يديه لم تقدر على الحركة ولا الحديث وهذا كان سببا آخر جعله يفقد سيطرته على نفسه ويرغبها الآن، فهي زوجته في النهاية..
أعاد الكرّة وأبعد الساري الذي يعوقه عن نصفها العلوي وحملها إلى السرير مستمرًا في سرقة قبلاته المحمومة التي دمغها فوق بشرتها..
جثم فوقها مغيبًا تمام في عالمٍ آخر يجوبه معها غارقا في لذته غير مكترثا بالزفاف الذي لم يحدث بعد.

تناهى إلى مسامعها الصوت الذي أثلج كليهما وتوقف ما كانا مقدمين عليه دون تفكير..
امتقع وجهها وشعرت بالرعب وهي تتبادل معهُ نظراته المتفاجئة بنفسه وهو يحملق في أصابعهما المتشابكة وصوت نادين يصل إليهما: مامي، إنتِ في الأوضة؟

لم يسعفه عقله كثيرًا بالتفكير في الهرب كما جاء فاكتفي بالركض إلى المرحاض والأختباء داخله بينما ليلي دثرت نفسها أسفل الغطاء من أعلاها لأخمص قدميها وصدرها يلكم قفصها الصدري بعنف، توصد جفنيها بقوة غير مصدقة ما كان سيحدث إن لم يستمعا إلى نادين..

دخلت نادين إلى الغرفة وهي تفتح فمها كي تصيح لكنها تمنعت في اللحظة الأخيرة عِندما رأتها نائمة تُدثر نفسها داخل الغطاء، تبسمت واستدارت للذهاب لكن صوت رنين هاتف قادم من داخل المرحاض استوقفها..
أغلق عمّار الهاتف سريعًا وهو يقفز محله في الداخل شاتما المتصل بلفظٍ نابي غاضب.
نظرت نادين بين باب المرحاض ووالدتها بشك تأكدت منهُ عِندما رأت جسدها يهتز أسفل الغطاء، إنه هُنا، قهقهت بخفوت.

وإنسحب خارج الغرفة كأنها لم تلاحظ شيء..
وضع رأسه أسفل صنبور المياه الباردة، يخمد نيرانه المستعرة ثم رفع رأسه ونظف حول شفتيه من أحمر الشفاة خاصتها محاولا تخطي ما حدث بشتى الطُرق قبل أن يخرج ويراها مجددًا في هذه الحالة.
رتب ملابسه بتركيز وشذب ذقنه ثم خرج وأغلق الباب ليبصرها كما هي على حالها تخفي نفسها تماما، جيد لا يريد رؤيتها الآن.

تحمحم ثم قال بنبرةٍ مُرتفعة قليلا كي تسمع: متنسيش فرحنا بكره الصبح نامي كويس..
المتبجح يطلب منها النوم بعد كل هذا، ستريه غدا، ظلت تتذكر وتنصهر من الخجل وحدها، تتعرف على ذلك الشعور الغريب اللذيذ الذي تجربه لأول مرة معهُ حتى غلب عليها النعاس وغفيت من فرط التعب.

قفز من الشرفة إلى الشجرة كما صعد ونزل بهدوء منتبها كي لا يسقط وتنكسر رقبته، ذهب إلى الخارج مباشرةً، واتجه ناحية سيارته لكن استوقفه صوت ضحكات مجلجلة تأتي من أمامه.
رفع رأسهُ عندما إنتبه وهتف بتعجب وهو ينظر إليهما كيف يقفان أمام السيارة يتسامران: انتوا لسه هنا؟
التفتا إليه سويا ظنًا أنه سيأتي ويقترب لكنهُ ناظر كليهما بإبتسامةٍ فهمها قُصيّ ما أن رآها وهرب قافزا داخل سيارته كي يذهب ولا يسألانه عن شيء..

ركض قُصيّ خلفه صائحا بابتسامة ماكرة: عملت ايه خُد هنا شكلك باين أوي يا مراهق..

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة