قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية حب خاطئ للكاتبة هاجر الحبشي الفصل الثامن والعشرون

رواية حب خاطئ للكاتبة هاجر الحبشي الفصل الثامن والعشرون

رواية حب خاطئ للكاتبة هاجر الحبشي الفصل الثامن والعشرون

ظُهر اليوم التالي..
توقف آدم بالسيارة أمام الفندق المُطل على النيل الذي سيقام به الزفاف في الحديقة، ترجل عمّار حاملا باقة الزهور البيضاء، يتأملها بإبتسامة لطيفة مرتديا حلته الأنيقة.
جذابا أكثر من أي وقتٍ مضي، يبتسم كمن فاز باليانصيب، مزاجة رائق خال من الهموم كطفل صغير لا يعرف سوى اللهو والنوم في أحضان والدته، لا ينافسه شخص في العالم على سعادته اليوم.

لكن يظل الضجر يأخذ نصيبه من سعادته بسبب وجود شخص مثل قُصيّ في حياته.
سأل آدم بانزعاج وهو يسير معهُ إلى الداخل الفندق كي يذهب إلى غرفة ليلى: والبيه فين؟
تنحنح آدم وهتف بهدوء: كان نايم لما كلمته زمانه جي دلوقتي، أنا هروح أنا أستقبل الضيوف عقبال ما تنزل أنت تمام..
أومأ إليه بتفهم وتابع سيره إلي الداخل مغمغما بغيظ متوعدا إليه: نايم الخروف ماشي، ماشي.

أطلقت لمار زغرودة سعيدة صدحت في أرجاء الغرفة وهي تدور حول نفسها بفرحة، توقفت تلتقط أنفاسها ثم صاحت بصوتٍ مرتفع متحمس: أنا مبسوطة أوي أوي مبروووك..
ضحكت ليلى بنعومة وهي تنظر إليها عبر المرآة وكادت تقف لكن لمار سارعت بالاقتراب وهي تنظر لخطواتها كي لاتدعس فوق فستانها، وعانقتها من الخلف بسعادة صائحة بحب: ربنا يتمملك بخير يا لي لي أنا فرحنالك جدا جدا يعني..

ربتت ليلى على يدها بحنان وهتفت باسمة: حبيبتي تسلميلي عقبالك..
عقدت لمار كلا حاجبيها وقالت بعبوس: وليه السيرة دي دلوقتي؟ أنا فكرت كتير الصراحة قبل ما أعمل كده وملقتش حل غير إني أطلب آدم للجواز..
ـ إيه؟!
هتفا كلتاهما باستنكار وهما ينظران إليها لتنبهها نادين بقولها: آدم بيحب تالين يا لمار هيكسفك! وبعدين كُنت فاكراكِ معجبة بـ قُصيّ تيجي تقوليلي آدم؟
رمشت لمار بتعجب وسألتها بعدم فهم: قُصيّ ليه قُصيّ؟

كادت نادين ترد لتقاطع ليلى كلتيهما بحزم: ولا آدم ولا قُصيّ الاثنين مينفعوش! واحد متجوز وخاين والتاني بيحب مرات أخوه!
أضافت لمار وهي تهز رأسها: عنده بنت كمان نسيتي دي، وتنهدت من أعماقها وأردفت تستطرد بإحباط: أنا عارفة اني منحوسة وهرجع لأهلي وهعيش معاهم وخلاص واللي يحصل يحصل بقي.

تنهدت ليلى ووقفت من محلها بعد أن أبعدت ذيل فستانها للخلف وتقدمت منها بابتسامة عذبة، أحتضنت يدها بين يديها بدفء وهتفت برفق: لمار أنتِ عندي متفرقيش كتير عن نادين، وأنا كـ أم عمري ما أتمني لـ نادين حد زي آدم أو قُصيّ..
ابتسمت لمار وشاكستها: يبقي حد زي عمّار؟

ضحكت ليلى بخفة وهتفت بنفي: ولا عمّار، مفيش حد خالى من العيوب يا لمار بس في عيب تقدري تتعايشي معاه وفي عيب لأ، هتظلمي نفسك لو اتجوزتي واحد قلبه مع واحدة تانية! هتبقي تعيسة طول حياتك، أما لو اتجوزتي واحد خاين هيجي يوم وهيخونك مهما حبك لأنه حب بردو البنت اللي خانها معاكِ ودي حاجة مفيش أي ست تقدر تستحملها، قُصيّ شخصيته جميلة ومفيش خلاف على كده بس ده عيبه الوحيد والعيب ده غير قابل للتصليح وصعب أنك تصلحيه لأنك هتتعبي، إنتِ جميلة يا لمار وأي راجل يتمناكِ، في حد أكيد يستاهلك ويستاهل حُبك وحنيتك مش أي حد كده وخلاص نديله مشاعرنا..

أومأت بتفهم وهي تبتسم بامتنان ثم أردفت بنبرة حانيه: أنا معاكِ في كل اللي قولتيه، بس المفروض لما نلاقي حد بيغلط ننصحه ونساعده وناخد بـ إيده مش نسيبه كده ونقول غير قابل للتصليح! مفيش حاجة مش قابلة كل حاجة بتتغير وبتتبدل ولا ايه؟
ابتسمت وقالت مؤيدة: عندك حق بردو بس أنا عايزالك الأحسن..
هتفت بقلة حيلة: وأنا والله عايزه الأحسن بردو، بصي هرجع لأهلي بس خلاص..

ضحكت ليلى وقرصت وجنتها الممتلئة بخفة، فكانت ترتدي فستان أبيض يصل إلى ما بعد ركبتيها بقليل بحمالتين عريضتين، زينت عنقها بقلادة رقيقة ذات فص لامع في المنتصف ولم تصفف شعرها فهي لا تحتاج هذا، ونادين كانت ترتدي فستان أسود طويل يلمع دون أكتاف وصففت شعرها.
ـ الباب بيخبط أكيد عمّار..

صاحت نادين بحماس وركضت كي تفتح بينما لمار أوقفت ليلى في زاوية الغرفة وجعلتها توليها ظهرها ووقفت تنتظر عمّار وهي تأخذ شهيقًا وزفيرًا بعمق كي تهدأ، ترفع رأسها بشموخ وهي تتذكر تهديده عن شعرها والفستان الذي لم تمسه فهو يعجبها هكذا!
هتفت نادين بسعادة وهي تفتح الباب: عموري إتفضل..
قهقهة ووثب إلى الداخل بحماس وقلبه يسبقه وعينيه تبحثان عنها بلهفة، فلا يطيق صبرًا لرؤيتها..

أبصر لمار تقف فوق الكرسي تحمل هاتفها تلوح له من خلفه وهي تصوره بحماس تنتظر تقدمه خطوتين فقط، وقد تقدم، كان مبتسماً وسعيدًا لكنها تهوى النكد وستناله..
نظر باقتضاب إلى تلك المتبجحة التي تقف وتصدر ظرها إليه ببساطة وكأنه لم يتحدث!
هتف بغلظة وهو يلوح بباقة الزهور: أخرجوا براا وسيبونا لوحدنا يلا..
تذمرت لمار بضيق وهي تدهس فوق الكرسي: طب كمل طيب عشان نصوركم يا مدمر اللحظات!

هدر بحدّة أجفلتهم جميعًا: بقول برااا
استدارت ليلى وواجهته وهي ترفع فستانها بجزع بينما لمار هرولت إلى الخارج كـ جرو لتقهقة نادين وتختبئ في أحد الزوايا في الخلف وأخذت هي مهمة التصوير.
ازدردت ليلى ريقها بحلق جاف وترنحت في وقفتها عِندما بدأ يتقدم منها صائحا بتهكم: شكلك عايزة تلبسي بدي كرينة وأنا هلبسهولك.
عقدت يديها أمام صدرها وهتفت باستنكار: بدي كرينة؟ بطل فِلح بقي يا فلاح.

ارتفع كلا حاجبيه وقذف باقة الورود من يده لكن ليس بقوة كي لا يفسده وهدر باستهجان: فلاح! شوف مين بيتكلم بنت النتن اللي جاية من تحت الجاموسة بتقولي يا فلاح على أخر الزمن..
احتقن وجهها وهتفت بعصبية: مين دي اللي جاية من تحت الجاموسة يا برميل الترشي! ده أنت كنت بتلبس جلابية أبوك وبتجري بيها في الشارع حافي!
هدر بدون تعبير وهو يتقدم حتى توقف أمامها أخافها: هي وصلت لـ جلابية أبويا؟ أنتِ عايزة تطلقي صح؟

عادت إلى الخلف بتعثر وهي تتحاشاه وقلبها يخفق بعنف، فأمسك ذقنها ببنانه برفق رافعا وجهها لتنظر إليه بأعين لامعة، وامتدّت يده إلى الورده البيضاء الموضوعة في جيب سترته فوق قلبه وأدخلها بين خصلاتها فوق أذنها وهمس بهيام: كده أحلى يا أجمل عروسة في الدنيا.
تهللت أساريرها وأفترت شفتيها عن أجمل إبتسامة يراها في حياته ثم ضربت صدره وعانقته بقوة هامسة بعبوس: أخص عليك يا عمّار خوفتني..

قبل رأسها بحنان وهمس وهو يرفع رأسها محتضنا وجهها بين يديه: لا عاش ولا كان يا غزالي، يلا بقي طمنيني على الكلب..
توردت وذكريات أمس تتوافد على عقلها لتهمس بخجل وهي تشد سترته: قُلتلك مش كلب يا عمّار!.
همس بمكر: طب وريني عشان أعرف!
هزت رأسها برفض وهي تنظر في أنحاء الغرفة لتبصر باقة ورودها التي قذفها فهمست بحزن: بوظت بوكيه الورد بتاعي!

تركها وألتقطه من فوق الكرسي وقلبه بين يديه يتفحصه بينما يقول وهو يناوله لها: مبظش ولا حاجة أهو جميل وأبيض يا أبيض أنت يا قشطة..
ابتسمت بنعومة وهي تأخذه برقة كي لا يفسد ليقرص وجنتها بخفة قائلا بعتاب: أنا مش قولتلك مش عايز ضهرك يبقى عريان؟
زمت شفتيها وضمت كلا حاجبيها بحزن.

وأردفت مبررة وهي تتحسس رؤوس الورود بأناملها: فكرت كتير والله يا عمّار بس حتى شعري مكنش هيداري حاجة زي ما أنت مُتخيل وملقتش بديل ولا أي حاجة للفستان غير إنه يتلبس كده..
تنهد بضيق وهتف بجدية وهو يتابع لطافتها: وأنا مش هنزلك كده براحتك بقي أنا قُلتلك شوفي حاجة غير ده!
زادت من ضم حاجبيها وهتفت بأسي: حرام عليك هتزعلني يوم فرحي!

مسح وجهه بعصبية وهو يتنهد تنهيده الاستسلام الخاصة بما قبل الموافقة لتبتسم بخفة مدركة موافقته قبل أن يتحدث، فهي تعرف أنهُ يحبها ولن يحزنها، كما تعرف تماما أنه مهما بلغ قدر غضبه لن يستطيع أذيتها فحبه الذي لا حصر لهُ كان هو الدافع الأكبر الذي جعلها ترضى به.
إقترح بحياد عقلاني: طيب هقولك حل وسط عشان إحنا الاثنين منزعلش، هتنزلي بس هتلبسي طول الفرح جاكت البدلة تمام؟

عادت للعبوس وقالت بعدم رضي: ده مش حل وسط هي هي، الفستان شكله هيبوظ كده!
أبعد نظره عنها باقتضاب دون أن يضيف شيء، وبوادر الغضب تظهر عليه، فوضعت باقة الزهور جانبا ثم أمسكت كفه بين يديها بحنان وطلبت برجاء: طيب يا عمّار هلبسه بس سيبني أنزل كده وندخل مع بعض وبعدين ألبسه، أهم حاجة الدخلة يا عمّار عشان خاطري وافق..

نظر إليها بطرف عينيه فأومأت بعبوس وهي تزم شفتيها وعادت تُكرر: عشان خاطري، عشان خاطري، ثم مالت برأسها واستطرد سائلة بلطافة وعيناها تلمع كالقطط: مش أنا غزالتك؟
ابتسم وأحاط خصرها دافعا بها إلى صدره بخشونة وهتف بعدم رضي وهو يتأملها: أنتِ بتثبتيني كتير وكده مينفعش!
همست وهي تدس نفسها في أحضانه: ربنا يخليني ليك وأثبتك دايمًا يا حبيبي.

أمّن على قولها وقبل جبينها ثم حثها على الذهاب وهو يمد مرفقة إليها: يلا بينا؟
أومأت وهي ترفع باقة الزهور ثم ترفقت ذراعه بإبتسامة وسارت معهُ إلى الخارج لتسبقهم نادين قبل أن يرونها وهي تضحك بانتصار وتركت بقية المهمة إلى المصور الحقيقي الذي أتي كي يسجل ماسيحدث في الأسفل.

تثاءب قُصيّ بنعاس وهو يمط ذراعيه وأشعة الشمس تضرب وجهه، يتفحص الحديقة بنظراته باهتمام يبحث عن السبب الأوحد لإتيانه بسرعة دون تأخير، تأمل الحديقة المزينة بالورود البيضاء التي ترفرف مع نسمات الهواء الهادئة وصوت الموسيقي الكلاسيكية..
لمحه آدم من بعيد فأقبل عليه مهرولا وضرب كتفه وهو يتساءل باستفهام: بتدور على مين؟
تمتم بجوع وهو يلتفت حوله: فين البوفيه أنا جعان.

عقد كلا حاجبيه وتمتم بهدوء: مفيش بوفيه همه ساعتين وماشيين اكل ايه؟
هتف بتهكم وهو يلتفت بانفعال: يعني مش هاكل؟ أنا جعان! مأكلتش من إمبارح وهسخسخ كده.
ضغط آدم على كتفه وقال بشدّة: لأ أنت جميل ومش هتسخسخ ولا حاجة..
إحتج بضيق: لأ، أنا جعـ، إنت رايح فين؟
تركه آدم في منتصف حديثه عِندما أبصر لمار تتقدم، فكتف قُصيّ يديه أمام صدره وراقبه باقتضاب..

بينما هو وقف أمامها فجأة جعلها تعود خطوتين إلى الخلف بابتسامة متعجبة وهو يقول: لمار ممكـ..
قاطعته هي بسعادة: كويس أني شوفتك عايزة أقولك حاجة..

وقفت معهُ حول أحد الطاولات وهتفت في ذروه حماسها قبل أن يتلاشى وهي تشرح بيدها: آدم أنا كُنت عايزة أقولك أن أي حد في حياته بيواجة صعوبات وأزمات وبيحتاج حد يكون جنبه ويدعمه، ومش كل العلاقات بتتبني على الحُب يا آدم في أساسيات تانيه، وأبعدت خصلاتها خلف أذنها بنعومة واستطردت بارتباك: أنا ملاحظة إنك حزين شويتين وأنا كمان عندي أحزان..

وتوقفت ثوانٍ تراقب تعبيره قبل أن تكمل ببعض التردد: تيجي نحط أحزانك على أحزاني ويبقوا حُزن واحد؟

اتسعت ابتسامته أكثر جعلها تنشرح وتتوقع الأفضل، وكادت تصرخ بسعادة عِندما أمسك كفها بين يديه وهتف بلطف وهو يبتسم في وجهها لتحزن هي: لمار أنا مسافر، عشان كده كان لازم أتكلم معاكِ، أنا عارف إنك معجبة بيا وأنا كمان معجب بيكِ وبشخصيتك الجميلة بس ده مش معناه أننا نتجوز! في فرق بين الاعجاب والحب، يعني أنتِ بسهولة ممكن تعجبي بحد شُفتيه صدفة مثلا في الطريق هل ده كفاية عشان تتجوزوا؟ هل هيصادف وهتشوفيه تاني؟ لأ، الخلاصة يا لمار عايز أقولك إنك مش بتحبني وبتقنعي نفسك إنك بتحبيني على الفاضي و متعلقة وخلاص، أنتِ جميلة وحقيقي غبي اللي يسيبك، أنا لو كُنت قابلتك قبلها يمكن كُنت حبيتك أنتِ مش هيه فاهماني؟

أومأت بتفهم هي تكبح عبراتها ليستطرد بتأنيب: لمار أنتِ عشان غالية عندي بقولك الكلام ده، مش عايزك تزعلى..
ابتسمت رغما عنها ورفعت رأسها وهي تبلع غصتها: لأ مش زعلانه ولا حاجة عندك حق، وأنا كمان كُنت هقولك في الاخر اني هرجع اعيش في بيت بابا تاني..
ابتسم لأجلها وشجعها بسرور: كده أحسن وهتكوني مبسوطة أكتر مش كده؟
أومأت بابتسامة متألمه واستأذنت منه وهي تتحاشاه بنظراتها: لأ كده طبعا عن إذنك..

أومأ بابتسامة هادئة وتركها تذهب، فمرت من جانب قُصيّ دون أن تنتبه إليه بسبب رأسها التي انكستها واختفت عن الأنظار..

تنهد قُصيّ وهو يتساءل بنفسه عن ما تحدثا به جعلها تحزن بذلك القدر الكبير، استدار ونظر إليها بتفكير أثناء ابتعادها، وكاد يذهب خلفها كي يتناول أي شيء في مطعم الفندق لكن استوقفه، بل صدمة رؤيه عشق تسير جنبا إلى جنب مع الطبيب الأقرع هذا وهي تتلفت حولها تبحث عن أحد تعرفه، وترتدي الفستان الأسود الذي أعطاه إليها عِندما كانت في منزله، هل أتت لتغيظه أم ماذا تفعل؟

اسند مرفقه فوق الطاولة ووضع أنامله فوق شفتيه وظل يراقبها بدون تعبير، راصدا كل حركاتها معه بتدقيق حتى ألمته عيناه، أغمض عينيه وفركها بخفة، أعاد فتحها بتباطؤ ونظر أمامه فوجدها اختفت..
تلفت حوله مشدودا وبحث عنها بناظريه ليرصدها تبتعد إلى داخل الفندق ومن دون تفكير ذهب خلفها.
توقفت أمام دورة المياة النسائية عِندما رأت لمار تقف بجانب الباب بوجه شاحب تنظر إلى الرجل الذي يقف أمامها يبتسم بتعالٍ وغرور.

وثبت إلى دورة المياه دون أن تهتم بهما، لفت المشهد نظر قُصيّ فتقدم منها بتعجب وهو يعقد كلا حاجبيه..
ـ عاملة إيه يا لمار؟
كرر طليقها الذي قابلته صدفة سؤاله الذي لم تمنحه إجابته، حركت شفتيها بصعوبه كي تجيب شاعرة بالإنكسار والنقص وهي تنظر إليه لكنها عجزت عن التفوه بحرف، فهي لم تتخطاه بعد ولم تتخطي ماحدث.
ـ لمار واقفة كده ليه؟

انتشلها من ضياعها صوت قُصيّ الذي طمأنها، أمسكت يده وضغطت فوقها تستمد منهُ القوة شاعرة بالأمان لوجودة معها هُنا، أخفض بصره إلى يدها التي تضغط على يده متعجبًا فِعلها!

تشجعت وابتسمت ابتسامة لم تصل لتقاسيم وجهها وهي تقترب من قُصيّ أكثر بطريقة جعلته يرتاب، كاد يسألها ما الخطب معها فلم تترك لهُ مجال للحديث عِندما رفعت كفها إلى وجنته تتحسسها بنعومة وأمسكت كفه بيدها الأخري ولفته حول خصرها دون أن ينتبه الأخر هامسة بابتسامة رقيقة: أنا الحمد الله مبسوطة و اتجوزت..
فغر قُصيّ فمه بعدم فهم، فهو كان يظن أنها مجنونة لكن الآن تأكد من هذا..

لم يتذاكى ويتحدث بل تريث وجاراها بصمت ودفع بها إلى صدره مقربا إياها أكثر منهُ حتى يفهم، أو كي يعيد تجربه شعوره النادر عِندما تكون في القرب منهُ.
ألقى الأخر عليه نظرة عابرة متفحصة لم تكن سعيدة.
دس يديه في جيب بنطاله وأردف وهو يرفع حاجبه ببعض التحدي: قُصيّ رشدان! مبروك انا كمان اتجوزت ومراتي حامل..
اهتزت مقلتيها وأدمعت عينيها وهتفت بصوتٍ خافت متأثر: مبروك..

أومأ بابتسامة وغادر بهدوء دون الالتفات لتنسل عبراتها بأسي وذكرياتها معهُ تتوافد على عقلها..
سألها بنزق وهو يحدق في ظهره: مين الساقع ده؟
ابتعدت بسرعة عِندما إنتبهت لنفسها بسبب تخطيها حدود الأدب معهُ واعتذرت بندم: أنا آسفة يا قُصيّ مكنش عندي حل، كان لازم أبين اني مش مكسورة و عايشة مبسوطة.
أومأ بتفهم مراقبا عبراتها التي لا يعرف سببها ليسأل مستفهما: هو ده طليقك؟

أومأت وهي تطرق برأسها ليهتف بسخط: وماله كان بيتكلم كده ليه؟ وأنتِ بتعيطي ليه أصلا ما فـ داهيه تاخده هو الخسران!
ابتسمت بحزن وهزت رأسها نافية وهي تقول بشفتين مرتعشتين بانكسار: لأ مش خسران ومفيش حد هيتجوزني وهيبقي كسبان عشان انا مبخلفش..
واجهشت في البكاء بنهاية قولها وهي تغمر وجهها بين راحتي يديها أحزنته عليها.

تنهد ورفع ذقنها بإبهامه وهمس وهو ينظر داخل عينيها الباكيتين: أنا لو بحبك عمري ما هسيبك لو اكتشفت انك مش بتخلفي..
هزت رأسها بأسي وهتفت بانهيار وعينيها تفيض من الدمع: قُصيّ أنا وحيدة، حسه إن كل الناس بتكرهني وبتتعامل معايا شفقة، مليش هدف ومش عارفة المفروض اعمل ايه، حياتي وقفت من ساعة ما اتطلقت ومش عارفة ابتدي من جديد، أنا مش مبسوطة أنا تعيسة..

ومن دون مقدمات ضمها إلى صدره بقوة كي تهدأ وتتوقف عن البُكاء، وأخذ يمسح على شعرها الحريري بنعومة نزولا إلى ظهرها بحنان مهدئا إياها بنبرة حانية لكي تتوقف عن الانتفاضة بين أحضانه وهي تشد على عناقه: هشششش، كفاية عياط محدش يستاهل..

لكنها لم تتوقف بل ظلت تبكِ حتى فصل العناق دون أن يبعدها عنه وجفف عبراتها برقة ملامسا وجنتيها الدافئة الهلامية هاتفا بإبتسامة: الدنيا مش بتقف على حد صدقيني، والله هو الخسران، وبعدين يا لمار كلنا بنحبك ايه اللي هيخلينا نتعامل معاكِ شفقة؟ ناقصة ايد ولا رجل أنتِ! الإحساس ده نابع من جواكِ ومش مظبوط غيريه.

أومأت بتفهم وهي تستنشق ما بأنفها ليضغط بإبهامه فوق وجنتها بخفة هاتفا بابتسامة مشاكسة: وبعدين ده أنا بقول البت إنشراح دي فرفوشة وڤيرس سعادة تيجي تنكدي كده! ينفع؟
هزت رأسها بنفي وهي تزم شفتيها ثم وعدته بصدق بينما عينيها كانت تعده بشيء آخر: مش هنكد تاني خلاص هفضل ڤيرس سعادة..

ابتسم برضى وحررها لتبتعد وترتب شعرها تحت إبتسامته وهو يحدق به، ثم جففت عبراتها وتحركت للذهاب ليستوقفها سؤاله المتحير: لمار أنا شامم ريحة حاجة مسكرة كده من بدري هي ايه؟
قهقهت لمار وقالت بتفكير وهي تمسك خصله من شعرها: دي ريحة زيت جوز الهند اللي بحطه على شعري.
ابتسم ببلاهة و أستأذن بفضول وهو يقترب كي يتأكد من رائحته: تسمحيلي؟
أومأت وهي تناوله بعض الخصلات يستنشقها ليبتسم ويهتف مؤكدا: اه جوز هند.

ضحكت بنعومة ثم سألته وهي تتحرك: مش يلا عشان الفرح؟
أومأ بتفهم وقال وهو يحدق في باب دورة المياة: روحي وجاي وراكِ.
أومأت وسبقته ليلتفت ينظر إليها بابتسامة، فهي الوحيدة التي لا يستطيع أن يفكر بها بطريقة وقحة أو ينظر إليها بشهوانيه، إنها مختلفة..
استدارت فجأة فاجئته، فأبعد نظرة بسرعة وهو يحمحم، يجلي حنجرته ويفرك طرف حاجبه متهربًا.
أكدت عليه بابتسامة: متتأخرش يا قُصيّ..

أومأ بطاعة وقال بصدق: على طول والله مش هتأخر..
أومأت بابتسامة عذبة واستدارت على عقبيها لتختفي ابتسامتها ويحل محلها التعجب!، فهو لمَ كان ينظر إليها بتلك الطريقة؟
اختنقت صرخة قهر في حلق عشق وهي تستمع لكل شيء من خلف الباب بقلبٍ مدمي.

عضت شفتيها بقوة تمنع بكائها لكنها لم تستطع، غسلت وجهها وهي تنهنه كي تتوقف عن البُكاء ثم رفعت وجهها تنظر إلى نفسها في المرآة وما إن لبثت حتى إنفجرت باكية وهي تهز رأسها بأسي..

كانت متأكدة أن هناك خطبا ما مُنذُ أن رأته، تغير بسبب تلك الفتاة، هي من أمس تفكر في رد فعلها المستعجبه عِندما رأت أسم قُصيّ وعرفت الآن لماذا، قُصيّ لن يترك إمرأة جميلة تمر هكذا دون أن يُحرك ساكنًا، وهي ضعيفة ورقيقة ومنكسرة وقُصيّ ذات القلب الرقيق الكبير الذي يسع لنساء العالم لن يطاوعه رؤية إمرأة منكسرة كل هذا الوقت علاوة لكونها لا تنجب، يا إلهي قُدِّمت إليه على طبقٍ من ذهب.

ضحكت بسخرية وهي تتذكر قول نادين أمس، صديقتهم نعم صديقتهم و قريبا عشيقة قُصيّ الجديدة.
مسحت عبراتها بظهر يدها بعنف وعدلت مظهرها عازمه على الذهاب دون العودة، فهو لا يستحق حُبها وإن طلب منها الزواج لن تقبل به وستغادر.
فتحت الباب بقوة وخرجت لتنتفض بفزع عِندما وجدته يقف ينتظرها في الخارج..

تخطته وذهبت لكنه سحبها من ذراعها لتنفلت منها شهقة ذعر وهو يدفع بها إلى الحائط وأشرف عليها بطوله الفارع سائلا بتهكم: مبسوطة مع الدكتور؟
لاحت على شفتيها ابتسامة ساخرة وسألته بغلظة: وأنت مبسوط مع لمار؟
إبتسم بجانبية وأجاب بثقة: جدًا إنتِ مش متخيله!
ابتسمت بلطف ورفعت يدها تربت على وجنته بنعومة هامسة بنبرة مريحة: وأنا كمان مبسوطة جدا وهتجوز أنا وهو، ربنا يسعدك معاها وتتبسط كمان زيي بالظبط..

هدر بغضب وهو يضغط على معصمها: طالما هتتجوزي يبقي أنا أولي وأنتِ عارفة كويس أنا أولى ليه، عايز اصلح اللى عملته.
تنهدت من أعماقها وأطلقت أنفاسها المُرتجفة في وجهه وهتفت بكره شديد واحتقار: إنت ملكش أمان، وأنا بجد بكرهك.
ونفضت يده عنها وشملته بنظرة أخيرة مشمئزة تخبره عبرها بانتهاء كل شيء كان بينهما..
تمتمت نادين بضيق وهي تعود للسير عائدة إلى الغرفة: كانوا جايين حصلهم ايه بس!

أوقفتها لمار وقالت بتفكير وهي ترتب بتلات الورود التي تحملها: أكيد بيتصورا سبيهم دلـ، وصلوا!
توقفت عشق أمام وليد وطلبت منه وهي تبكِ: أنا عايزة أروح.
تعجب بكائها في بادئ الأمر سرعان ما فهم عِندما رأي قُصيّ يتوقف بجانب تلك الفتاة من أمس.
أومأ وهدئها برفق: تمام نمشي متزعليش نفسك.
محت عبراتها سارت معهُ لكن توقفت عِندما رأت ليلى..
نظر إليها بعدم فهم فطلبت بصوتٍ مبحوح: ممكن نسلم لم عليها قبل ما نمشي؟

أومأ وغير وجهته واتجها إليهما، توقفا في الصف المقابل إلى قُصيّ وراقبا ليلى وعمّار.
دلفا معًا من البوابة المزينة بالورود وهما يبتسمان لتزغرد لمار وتبدأ بإلقاء بتلات الزهور فوقهما هي ونادين في أجواء السعادة والتصفيق والتهاني ليطلق آدم صفيرًا مرتفعًا وقُصيّ كان يساعدهما بقذف الورود على وجه عمّار متقصدا وليس فوقه أضجره.

نظر إليه بوعيد ليبعث إليه قبلة طائرة وهو يبتسم بسعادة لتسقط عيناه على عشق، تراشق معها نظرات محتدة ثم حوّل نظره عنها كـ نكرة لتدمع عيناها وتخفض رأسها بقلبٍ مُنشطر.
رفع وليد يده وأحاط كتفها هامسًا برفق مواسيا: متعيطيش اعتبريه مش موجود ولا كأنك شايفاه.
رفعت رأسها تناظره بانكسار ليشدد قبضته حول كتفها وأردف مستطردا: ضايقية متسيبهوش يضايقك، أضحكِ وباركيلها واتبسطي معاها متهربيش..

أومأت بابتسامة باهتة وجففت عبراتها وسارت خلفهما..
علا صوت الموسيقي الهادئة لتتحول في الثانية الأخرى إلى أحد الأغنيات الرومانسية، توقفا في المنتصف يتأملان بعضهما البعض بحبٍ مُتّقد قبل أن يأخذ باقة الورود من يدها وقذفها إلى نادين وأحاطها لتستقر يده فوق ظهرها وبدأ بالتمايل معها برومانسية على أنغام الموسيقى.
إبتسم قُصيّ بخبثٍ وهو يراقبهما وتحرك وذهب إلى مُنسق الأغاني وجعله يغير الاغنية لأخرى صاخبة..

رفع عمّار وليلى رأسيهما بانزعاجٍ شديد، فهرولت نادين إلى قُصيّ وسحبته من ذراعه وهي تقول بحماس: بحب الاغنية تعالي ارقص معايا
ذهب معها طواعية لتناول باقة الزهور إلى عمّار وقفزت محلها صارخة بسعادة: ركا تكا تكا تكا ركا تكا تكا تكا
شدد عمّار قبضته على باقة الورود من الغيظ ثم ناولها إلي ليلي وخلع سترته ووضعها فوق كتفها وذهب الى مُنسق الأغاني قبل أن يلكم قُصيّ المستفز هذا.

تبدلت الأغنية لأخرى هادئة مجددا ليقهقه قُصيّ وتمايل مع نادين بهدوء وهنأ ليلى: مبروك، أول ولد بقي يبقي قُصيّ عشان ينور حياتكم زيي كده..
قهقهت ليلى بخفة وردت بابتسامة رقيقة: إن شاء الله..
ركلة عمّار أسفل ساقه وهو يمر بجانبه هادرًا بسخرية مشددا على قوله: بتحلم، بتحلم، ورفق قوله بمحاوطة ليلى وإدخال يده من خلف الستره ملامسا ظهرها بعبثٍ دون أن يراه أحد..

شهقت بخجل عِندما زادت يديه جرأه واندست في منطقة لايجب عليه أن يلامسها جعلها تقشعر، فراحت تتملص تحاول الإبتعاد وهي تقول باكفهرار: عمّار إنت اتجننت! في وسط الناس؟
ابتسم بعبث وأوقف مقاومتها بذراعيه هامسًا في أذنها بمكر: محدش شايف حاجة براحتي أنتِ مراتي، مراتي..
فقدت الأمل وعضت على شفتيها وهي تنصهر من الخجل والحرارة في آنٍ واحد، فـ دست نفسها في أحضانه وبلعت لسانها الآن فقط كي لا تنفضح وسط الجموع.

ـ إنت اللى هتوصلنى للمطار بعد الفرح أوكيه؟، استأذنته نادين، بل كانت تأمره بلطافة وهي ترمش ليأتيها رده الساخر: أنتِ اشترتيني ولا ايه؟
أومأت وهي تزم شفتيها ثم ضحكت وعانقته بقوة متمتمه بحزن: والله هتوحشني أوي..
مسح على ظهرها بحنان وهو يبتسم ليسقط نظره على عشق التي تراقب الأجواء بابتسامة رقيقة بينما وليد كان يراقبه هو.

تجاهل كليهما وعمد على مضايقة عمّار: فين الأكل بقي! ها؟ هو عشان دابح في بلدكم تجوعنا هنا!
زفر عمّار وسأله بسخط: إنت صحيت وجيت ليه يلا روح.
توعده بهمس وهو يقترب منه: ماشي ماشي دقني اهي لو خليتك تعرف تعمل حاجة.
قلب عينيه بعدم إهتمام ثم انحني ووضع يديه أسفل فخذيها وحملها لتلف يديها حول رقبته وهي تتمسك بباقة الزهور بابتسامة أثناء سيره إلى عرشهما المُزين..

سألها فى وسط الطريق: أنتِ عارفة إننا هنسافر بعد الفرح؟
أومأت بابتسامة عذبة وقالت بحب: أه ماما حُسنه قالتلي إمبارح..
قهقهة وهو ينزلها فوق الكرسي الأبيض وجلس جوارها على الكرسي الأخر وسألها: أنتِ مش مضايقة عشان هتقعدي هناك فتره الأول؟
هزت رأسها بنفي وهي تبتسم بحنان ثم همست بشغف وهي تميل قليلا كي تمسك يده: مش هبقي معاك مش مهم أي حاجة تانية..

قبل باطن يدها بحنان ثم وقف وغمغم بسخط وهو يزيح الكرسي جعله ملاصقا لكرسيها: معرفش باعدين الكرسيين عن بعض ليه الحلاليف، يلا نروح..
ضحكت بنعومة وقالت دون أن تبدي أي إعتراض: يلا.
ـ مامي مش هترمي الورد بقي؟
توقفت نادين خلفها وسألتها بإحباط وهي تنظر للزهور راغبة في الحصول عليه..
نظرت إليه ليلى بحب وهتفت بنفي: عمّار اللي جبهولي ارميه ليه مش هرميه، أنا عايزاه.

تذمرت بحزن وهي تضرب قدميها أرضا: بس لازم تعملي كده عشان نعرف مين هتتجوز بعدك!
عقد جبينها بانزعاج وقالت بعبوس وهي تجعد حاجبيها تنظر إلى عمّار باستغاثة: وهمه يعرفوا بالبوكيه بتاعي ليه مش هسيبه لأ، إلحقني يا عمّار هياخدوه مني!
نفي وهو يداعب وجنتها بنعومة: محدش هياخده، خلاص يانادين هجيبلك أنا واحد بداله.
أومأت بعبوس وهي تكتف يديها أمام صدرها وسألت: طيب مش هنتصور مع بعض؟

قال مؤكدا: لأ هنتصور جمعيهم كلهم وتعالي.
غمغمت بغضب وهي تغادر: زحلقني زحلقني بكره اعرفك لما ارجع من السفر ماشي.
قهقهة وهو يراقبها لتقدم عشق عليهما مع وليد كي يهنئان، همست إليه ليلى سريعًا وهي تراهما يقتربان: عمّار، اللي جي ده دكتور وليد اللي كلمتك عنه وساعدني في عيادتك، أومأ بتفهم واستعد.
وقفت ليلى وعانقتها بلطف وهتفت بسعادة: مبسوطة إنك جيتي نورتيني.

ـ حبيبتي ده واجبي مبروك، ربنا يسعدك وتفضلي مبسوطة دايما.
باركتها وهي تربت على كتفها بنعومة ثم نظرت إلى عمّار وباركته وهي تمد يدها مصافحة: مبروك يا عمّار ربنا يسعدكم.
صافحها ورد بلطف: الله يبارك فيكِ..
تبادلت أطراف الحديث مع ليلى قليلا بينما عمّار ووليد اندمجوا معًا سريعًا وفتحوا آلاف المواضيع أثناء ثرثرة ليلى مع عشق.

تجمعوا معًا، ووقف آدم في الخلف ووقفت بجانبه نادين وأتي قُصيّ ولمار لتستأذن عشق عِندما انتبهت فرفضت ليلى وطلبت منها البقاء وهي تدفعها لتقف في الخلف معهم: يلا اتصوروا معانا مش كده يا عمّار؟
أومأ بتأكيد مرحبا بهما، فتبدلت ملامح عشق للحزن وحركت شفتيها للرفض فأمسك وليد يدها وأخذها معهُ ووقف جوار نادين لترحب به وعشق وقفت بجانبه فأتي قُصيّ ووقف بجانبها ووقفت لمار بجانبه.

زفر وليد بصوتٍ مسموع لأنه ظن أن لمار من ستقف بجانبها لكنهُ قربها من قُصيّ كالغبي، تلك الكلمات التي كانت مكتوبة في الورقة المبعوثة من قُصيّ أخذ يتذكرها الآن كالأبله فهي مناسبة لوضعه بشدّة.
ـ لي لي ممكن أتصور بالورد؟
طلبت منها لمار بلطف لتومئ وتعطيه إليها بابتسامة..

وقف المصور أمامهم يعقد حاجبيه بتفكير وعدم رضي بسبب وقفتهم الغير مرتبه وأعينهم التي ترتكز على مكانٍ مُختلف فكان كل واحدا منهم يطوف في عالمٍ آخر..

آدم كان شاردًا في شيء ما خلف المصور ونادين كانت تتابع عمّار وليلي بابتسامة وعينيها معلقة عليهما، ووليد كان مقتضبا، وعشق الوحيدة التي كانت تنظر إليه بانتباه وهي تزدرد ريقها بتوتر تحاول تشتيت نفسها عن قُصيّ الذي كان يحملق بها حتى إلتوت رقبته، ولمار الغارقة في عالم أحلامها الوردية ترفع باقة الزهور تستنشق رائحتها مغمضة العينين باستمتاع، وعمّار وليلي عصفورين الحب المحلقين بعيدا لا يشعران بمن حولهما ولا بمن يقفوا خلفهما يتهامسان بخفوت وكل برهة وأخرى يطلقان سيمفونية بصوت ضحكاتهما المفعمة بالسعادة.

نبههم كي ينظرون إليه جميعًا لكنه شعر بكونه شفاف، شبح لا يري بسبب هذا التجاهل المخجل.
أعاد التحذير بنفاذ صبر لكنهم لم يكونوا معهُ حقًا فـ سأم وإلتقط الصورة ليضرب الوميض أعينهم جعلهم ينتبهون عدى لمار التي ظلت على حالها.
احتج قُصيّ باعتراض وهو يلوح بيديه بضيق: إنت بتغفلنا ليه؟ مش كفاية وقفة الحضانة اللي احنا واقفينها دي؟

قهقهت لمار وأعادت الزهور إلى ليلى ثم اتسعت عينيها وهتفت بصياح وهي تمسك أكمام قُصيّ: إلحق طلع فيه بوفيه؟
تراقص قلبه فرحا وهتف قبل أن يركض إليه بلهفة: الله هاكل.
تنهد عمّار بيأس وهتف بندم وهو يراقب هرولته بلهفة: ماهو أنا مكنش ينفع أصاحب واحد زي ده من الاول بردو.
ضحكت ليلى بنعومة ومسدت صدره سائلة: طب مش جعان؟
وضع كفه فوق يدها وهمس بحرارة بقولٍ مبطن يحمل معنيين: أنا جعان من ساعة ما قبلتك..

مرت الساعتين لكنهم ظلوا لخمس ساعات، قضوهم بين الرقص والمزاح والسخرية والتصوير وتناول الطعام والثرثرة وإن لم يكن الوقت يربطهما لظلا هُنا إلى مُنتصف الليل فالفرحة لا تكتمل سوى بالأصدقاء.
اختتم هذا اليوم بكل ماهو جميل.
في الخارج أمام الفندق..

استقلت عشق السيارة مع وليد ولا تعرف من أين اكتسبت تلك القوة والصمود في الداخل طوال هذا الوقت دون الإنهيار والبكاء، بل كانت تضحك وتبتسم بكل برود دون أن تشعر بأي شيء، كانت مشاعرها مبهمة حتى لنفسها، بارده كأنها فقدت الإحساس.
عانقت ليلى نادين بقوة وهي تبكِ بحزن: هتوحشيني أوي أوي، متسافريش يا نادين وخليكِ معايا.

مسدت ظهرها بحنان وهمست بأعين دامعة وهي على حافة البكاء: مش هتأخر عليكِ والله ماتعيطيش بقي وتزعليني.
أومأت وجففت عبراتها ثم سألتها بلهفة: فين شنطتك وحاجتك..
ضحكت نادين وهمست بخفوت كي لا يسمعها: دخلتهم عربية قُصيّ سِرقة.
هتف بامتعاض وهو يلوي شدقيه: ما أنتِ اشترتيني خلاص.
نظرت إليه نادين بلطف وهمست برقة بالغة: i love you قصقوصة.

ضحكوا عليه بينما هو تيبس محله من وقع الكلمة الصاعق لمسامعه هاتفًا بصدمة: قصقوصة بتهزقيني؟ الشنط دي تخرج حالا مستحيل أوصلها خلي قصقوصة يوصلها بقي.
ضحكت نادين وصنعت إليه قلب بأناملها وهتفت ببراءة: بدلعك الله.
ضمتها ليلى بحنان وهي تبتسم وأوصتها: طمنيني عليكِ دايما يا حبيبتي متنسيش عشان خاطري..

أومأت بطاعة و طمأنتها: من غير ماتقولي والله، وأنتِ كمان تبعتيلي كُل يوم صورة جديدة ليكم مع بعض عشان أحس إني عملت حاجة اتفقنا؟
ضمتها بقوة وهمست موكده: اتفقنا.
ـ هتسافروا إمتي؟
سأل عمّار كليهما باقتضاب ليجيب كليهما معا: بعد أسبوع.
تبادل النظرات معا بابتسامة أمام عمّار المغتاظ منهما ليقترح قُصيّ على آدم: ما تسافر روسيا معايا!

نظر إليه بتفكير ليقاطعه قبل أن يتحدث: فكر في الاسبوع ده وتبقي قول عشان أنا رايح روسيا، ثم نظر إلي عمّار المترقب وهتف بسخرية: لا أنت رايح الصعيد متنحش.

قهقهة آدم وواساه بنظراتٍ آسفة، فكاد يفتك بهما من فرط الضيق راشقا إياهم بنظراتٍ نارية لكن ما جعله يعقد حاجبيه ويتخصر هو يدِ قُصيّ التي امتدت في جيب بنطاله يخرج شيء باهتمام، فسافر عقله بعيدا ظنا أنه يخرج إليه بعض الحبوب كما يفعل الأصدقاء في تلك الأوقات كمجاملة..
أخرج قُصيّ الهاتف ليتنفس عمّار الصعداء فلاحظه قُصيّ ليبتسم بخبث ويهتف وهو يراقص كلا حاجبيه بعبث: عيب عليك يا أسد أنا واثق فيك مش كده..

ضرب كتفه بخفة ووبخه: نضف دماغك بقي قرفتنا.
رفع كلا حاجبيه وهتف بسخرية: أنا! أنت العريس يابنى ودماغك مش في حاجة غير كده بطل ظلم بقى! وبعدين ماتدخل هنا السفر بعيد ومتعب خليك لبكره وبعدين سافر.
هز رأسه نافيا وقال بهدوء: لأ، لأ، انا رتبت نفسي على كده خلاص، يلا هات حضن الوداع، وأنت كمان عشان امشي.

تعانقوا وودعوا بعضهم البعض، ثم عانق نادين وأوصاها أن تنتبه إلى نفسها وضم ليلى ووقفا يُراقبان ذهابها مع قُصيّ.
هتفت ليلى بإسمها بحنو استوقفتها: نادين.
استدارت وعادت أمامها بإبتسامة، ومالت وقبلت يدها بنعومة وهتفت بأعين باسمة: عيوني.
رفعت يديها ووضعت بها باقة الزهور وهمست تذكرها بابتسامة عذبة: نسيتي الورد.

نظرت إليه نادين مطولا وتمتمت بتعجب: بس يا مامـ، قاطعتها ليلى وهي تمسح على شعرها بنعومة قائلة بنبرة حملت بطياتها كل الحب: نادين يا قمري أنتِ قصيرة ومكنتيش هتمسكيه وأنا مش عايزة حد غيرك ياخده، حبيبتي أنا افديكِ بروحي معقولة استخسر فيكِ بوكيه ورد؟!
أدمعت عينيها من السعادة وهزت رأسها بنفي وارتمت في أحضانها تضمها بقوة.

أوصلها قُصيّ إلى المطار وأخذ ورده بيضاء من وسط باقة الزهور وهتف مودعا إياها وهو يلوح بها: مش هنساكِ أبدًا.
ضحكت نادين واستدارت تصيح كي تؤكد عليه: قُصيّ متنساش ده سر بينا ها؟
أومأ وهو يراقبها ثم عاد إلى سيارته، استقلها بهدوء واستدار ونظر إلى تلك القابعة على الأريكة في الخلف، تنام بعمق وشعرها متهدل أمام وجهها يحجب عنه رؤية وجهها.

امتدت يده إلى شعرها مبعدًا خصلاتها بأصابعه خلف أذنها بنعومة متأملا بشرتها النقية بابتسامة خاصة ثم وضع الوردة فوق أذنها.
وبخ نفسه واعتدل بجلسته وصدره يتضخم بغضب وبدأ في القيادة بسرعة وهو يستذكر عنوانها كي يوصلها، فلا داعي أن يتسبب في أذيه أخرى لأحداهن، فهو لا يُفكر ولن يُفكر بأن يقترب من النساء مجددًا، موقعها جيد كـ صديقة لا أكثر من هذا.
مرت ساعات طويلة..

كان الطريق طويل وممل بالتأكيد، لكن وجودها بجانبه وغفيانها فوق صدره كان بلسما يُخفف عنهُ تعب وإرهاق الطريق.
استيقظت عِندما أوشكوا على الوصول، رفعت نظرها إليه وهي تتثاءب بثقل ليربت على وجنتها بنعومة هامسًا بابتسامة: صباح الخير..
حركت رأسها على صدرة بنعومة وقالت بصوتٍ ناعس: صباح النور، نمت كتير؟

همهم إليها مع توقف السيارة أمام المنزل، فأجفلها صوت الطلقات النارية والضجيج الصادر من داخل المنزل جعلها تتشبث في ملابسه.
مسّد ذراعها بحنان و طمأنها قبل أن يترجلان: متخافيش، دول بيحيوكِ مفيش حاجة يلا بينا.
حملها بابتسامة وسار بها حول المنزل لتسأله بتعجب: مش هندخل؟

قال وهو يدلف من باب الخلفي للمنزل الذي يدخله إلى المطبخ المزدحم بالنساء لتضرب رائحة الطعام الشهي أنفيهما: هناك زحمه ورجالة وأنا مش عايز حد يشوفك..
عبست وقالت وهي تكشر في وجهه: طب وهنا همه يشوفوك عادي؟
همس بجانب أذنها بهيام: انا مش شايف غيرك!
ابتسمت برضى ورفعت رأسها بثقة وهي تبدد توترها عبر تنهيدتها الحارة لتبتسم باتساع عندما رأت حُسنه تتقدم مع صباح توبخها بحدّة قبل أن تراهما.

توقفت أمام باب المطبخ صائحة بتعجب ذاهلة من وجودهما هُنا: واااه ايه اللي جابك من إهنه يا ولدي؟
ابتسم وهو يخرج من المطبخ بسبب حرارته المرتفعة، فذهبت خلفه بعد أن أوصت صباح أن تأتي إليها بالبخور.
أجلسها فوق الكرسي الوحيد الموضوع في غرفة الجلوس وسط النساء واستدار على عقبيه ليذهب فأمسكت يده استوقفته هامسة بخوف وقلبها يخفق بقلق: أنت هتسيبني هنا لوحدي!

ابتسم وقبل يدها بحنان وهتف بسرعة: عشر دقائق بالظبط وهكون هنا متخافيش.
أومأت بقلق وراقبت ذهابه بلهفة حتى اختفي عن وقع أنظارها، نظرت أمامها لتزدرد ريقها بحلق جاف وهي ترى نظرات البعض الباسمة إليها والاخري المقتضبة وهنّ يتفحصنها من أعلاها لأخمص قدميها، ابتسمت بتوتر وهي تعدل جلستها بعدم راحة وكادت تقف وتغادر لكن حُسنه أوقفتها عِندما أتت بتعجب: على فين يابتي؟

همست في أذنها بملامح مهمومة حزينة: بيبصولي وِحش.
مسحت حُسنه على شعرها بحنان وهمست ودخان البخور يتصاعد بينهما: لاه، لاه، تلاجيهم بس مفروسين إكمنك خدتي عمّار وهمه لاه سدِجيني.

أومأت بابتسامة لطيفة وجلست بأريحية أكثر لتبدأ حُسنه بتبخيرها بابتسامة لتستمع إليها بصدرٍ منشرح: رقيتك واسترقيتك من عين أمك وعين أبوكِ وعين القوم اللي صدفوكِ ولا صلوش على النبي، عين الراجل أحد من الخناجر، عين المره أحد من الشرشة، عين البِنية أحد من السِفيه، وعين العجوز
ـ اللعنة عليها تجوز..

التفتت برأسها إلى عمّار بسعادة لتتابع حُسنه وهي تناظرها بحنان: حسبتك وسلمتك لرب العرش يحفظك ويصونك من كل عِله ببركة سيدنا محمد إبن عبد الله.
وقفت ليلى بأعين دامعة وعانقتها بقوة ثم قبلت يدها وقالت بحب: أنا بحبك أو..
شهقت بتفاجئ عِندما حملها عمّار واتجه بها الأعلى: إيه ده! يا عمّار؟ مخلصناش كلامنا.
غمغم بعدم إهتمام وهمس بخبث: كلامنا إحنا أهم.
ـ مهمل فرحك ليه عاد؟

سألته والدته بتا ليجيب من فوق كتفه وهو يسرع للأعلى: افرحوا انتوا انا هفرح بمعرفتي..
دست رأسها في عنقه بخجل وسألته بهمس: كان موجود بره؟
همهم وهو يثب إلى الغرفة ثم تمتم بتهكم: كان عايز يشوفك بس عملت نفسي مسمعتش، يشوفك ايه هو ده وقته!
ضربت أنفهيما رائحة الغرفة المعطرة الذكيه، وضعها على السرير المزين بالورود الحمراء برفق ثم اتجه إلى الشُرفة يفتحها يجدد هواء الغرفة.

ازدردت ريقها بتوتر وأخذت تحدق في منامتها البيضاء المجهزة بجانبها وهي تعتصر أناملها معًا بقلقٍ واضطراب، لاحظ نظراتها المتخوفة تجاه منامتها وهي تضم نفسها دون أن تنتبه، فأخذ ملابس وقال بهدوء وهو يدلف إلى المرحاض كي يتركها تهدأ وتطمئن: هاخد دُش.
أومأت بابتسامة باهتة ونزلت عن التخت
وأخذت تدور حول نفسها في الغرفة بتوتر وارتباك وهي تفكر بأنفاس مُتسارعة وصدرها يعلو ويهبط بعنف ودواخلها ترتجف.

التفتت سريعا عِندما تم فتح الغرفة، تقدمت صباح بصينية الطعام ووضعتها جانبا وغادرت بصمت تزامن مع خروج عمّار عاري الصدر وهو يجفف شعره بالمنشفة.
نظر إلي الطعام ثم اتجه إلى الباب وأغلقه من الداخل عليهما ليختلج صدرها وعضت على شفتيها وهي تتلفت حولها بارتباك تحمر خجلا بتلقائية، قذف المنشفة من يده وسألها بهدوء مراقبا ارتباكها: مش هتاخدي دُش؟

هزت رأسها نافية وهي تتحاشى النظر إلى نصفه العلوي بخجل لكن وشمه كان مغري للنظر.
سألها وهو يرفع كلا حاجبيه: ولا هتغيري؟
هزت رأسها بنفي ليستطرد سائلا: ولا هتاكلى؟
هزت رأسها بنفي ليومئ بتفهم وقال بازدراء: ولا هتعملي حاجة؟
أومأت بشكلٍ غير ملحوظ ليغمغم هو وهو يتقدم منها: يبقى انا اللي هعمل.
ابتسمت بتوتر وعادت إلى الخلف ببطء هاتفة بتلعثم: ما، تـ، لبس، حاجة يا عمّار هتاخد برد كده؟

قال بدون تعبير: لا هندفى بعض دلوقتي.
تفرجت الدماء في وجهها وتحولت لثمرة فراولة من فرط الخجل وهي ترفع كفيها أمامها كي يتوقف وهتفت بانفعال: بُص، بُص، أنا تعبانة و عايزة أنام ممكن؟
لوح بيديه وهدر بتهكم: لأ مش ممكن اومال مين اللي كان نايم طول الطريق؟ ده أنتِ فوقتي وعليا كمان يلا بقي بالحسنه كده بدل ما نزعل كُلنا.
هتفت بشحوب: يلا ايه؟
تخصّر وهتف بنزق: عايز أدخل دُنيا!

ضحكت ببلاهه وهتفت بتعجب مماطلة: ما أنت في الدنيا اهو هتروح فين تاني؟
أغمض عينيه بنفاذ صبر وهدر وهو يبتعد: ماشي، ماشي، نامي، وجدعة بجد بقي نامي، ومتفتكريش اني محترم بقي وهتفرج عليكِ وهتأملك! لأ يا ماما ده أنا هستناكِ لما تنامي مخصوص وهقرب، نامي بقي..

وحمل الطعام وجلس به أرضا وربع قديمه وأخذ يشفي غليله في الأكل، برغبةٍ جامحة لضرب رأسهُ في الحائط بسبب ما تفعله به بينما يقول متحسرا: ما هو مش هيبقي لا دلع ولا أكل كفاية حاجة واحدة.
ضمت كلا حاجبيها بانزعاج ووجنتيها تنصهران من الخجل وهي تراقبه ثم جلست على السرير ورفعت قدميها وطرف فستانها وظلت جالسة تراقبه باهتمام، كـ قطة لطيفة.

أفزعها صياحه فجأة بوجه مكفهر من الغيظ وهو يمضغ الطعام: فاكراني من بتوع مبخدش حاجة غصب، لأ يا ماما مش أنا!
ابعدت عينيها عن وشمه ورفعت نظرها إليه ليستطرد بحنق وهو يقذفها بـ موزة: أومال الحِنة دي رسماها لمين ها؟ والكلب مين يأكله دلوقتي؟
ضحكت بنعومة وألتقطت الموزة تأكلها وهي تقول بتذمر: عمّار ده مش كلب، ده غزال بس هي معرفتش تظبطه صح..

رفع كلا حاجبيه بخطورة وهدر بسخط: كمان غزال! وبتاكلي الموزة قدامي بكل برود؟ يارب أنت شايف يارب.
رق قلبها وزمت شفتيها وهي تراقبه ثم أخذت منامتها ودلفت إلى المرحاض.
مرت ساعة عليها في الداخل دون الخروج ليصيح بسخرية: هتنامي جوه يعني؟ نامي، ماشى.
سمع صوت رنين هاتفه أوقفه عن تناول الطعام، شتم قُصيّ وتحدث في المكبر بقهر: أنت اللي بتنق عليا عمري ما هسامحك.

ضحك قُصيّ بتسلية وهتف بخيبةٍ وهو يهز رأسهُ: كُنت عارف إنها هتبهدلك ومش هتسيطر عارف إخص عليك يا مهزأ.
تمتم بأسي: انا عايز الطم يا قُصيّ عايز ألطم.
تنهد قُصيّ وأوردف مشفقا: مش عارف أقولك ايه روح يابني الله يسهلك بقي مش هضايقك خلاص وإنت حالتك تصعب عالكافر كده.
أغلق الهاتف بإحباط وسمع صوت فتح الباب فتجاهلها وانهي طعامه وظل جالسًا محله يفكر في شيءٍ ما وهو ينظر تجاه الشرفة..

تنحنحت هي وهمست بخجل وهي تطرق برأسها: مش هنصلي؟
استدار سريعًا ونظر إليها من أعلاها لأخمص قدميها متأملا هيئتها في ملابس الصلاه وخاصتًا الحجاب ليعقد كلا حاجبيه سائلا بشك: جبتي الاسدال ده منين؟
هزت كتفيها وقالت بخفوت: لقيته.

أومأ بتفهم وهو يبتسم ثم وقف وذهب كي يتوضأ، تنفست الصعداء وأطلقت أنفاسها المُرتجفة بعد أن كانت تكتمها، ثم مسدت قلبها الثائر وهي تهمس لنفسها بالهدوء فهذا عمّار ولا داعي لكل هذا الخوف!

عاد وارتدي كنزته، ووقف في المقدمة فوق سجادة الصلاة وبدأ يصلي ويتلو الأيات القرآنية بصوته العذب بخشوع يقشعر لهُ الأبدان، وهي خلفه تستمع بتركيز لتصيبها رجفة سارت في أنحاء جسدها تأثُرا بجمال القرآن وعذوبة صوته، براحة غريبة تشرح الصدر، وبإطمئنان يُصيب القلب يسكنه، كبلسم مداوي يصلح خراب النفس.

تبدد قلقها و اطمأنت وكأن القلق لم يجد طريقه إليها قط، وادمعت عينيها بل وبكت وهي تتساءل ماذا كانت تفعل كل سنوات حياتها السابقة دون أن تقدم على الصلاة ولو لمرة واحدة؟ إنهم الخاسرون يعيشون في غفلة ظنا أنه النعيم.
يسجدان تضرعا إلى الله طالبين رضاه وبركته في حياتهما القادمة، يتمنيان بدأ حياة جديدة طيبة تبني على الوِد والرحمة بينهما وعلى طاعة الله ورسولة.

تناهى إلى مسامعة صوت أنينها المكتوم كي لا يرتفع صوتها لكنهُ كان يعرف أنها تبكِ، أطال السجود أكثر لأجلها كي تخرج مكنون صدرها وكل ما يثقلها.
انتهي وقام بالتسليم و استدار إليها مستقرا على ركبتيه ليجدها تغمر وجهها بين راحتيّ يديها وتشهق بقوة.
أبعد يديها برفق وسألها بقلق مراقبا انهيارها المزري: مالك بتعيطي ليه؟
أمسكت يديه بقوة وأردفت بحرقة: عمّار انا مش عايزة ابطل صلاة تاني ساعدني وشجعني..

أومأ وضمها إلى صدره بقوة وهو يمسح على شعرها من فوق حجابها ممسدا ظهرها بحنان كي تهدأ، فاعتذرت بندم وهي تتمسك بكنزته: وسامحني، أنا عارفة إني بضايقك وتصرفاتي غبية وبظلمك معايا بس والله غصب عني، انا كُل حاجة بجربها معاك لأول مرة، إحساس جديد وحياة تانية بعيشها معاك، عمري ما حبيت ولا كان في حد في حياتي، علمني وقولي بالراحة بدل ما تزعل مني.

خطأ كل ما تقوله خطأ، هو لا يغضب منها قط ولا يتخطى غضبه دقائق حتى يعود راكضا لأجل رؤيتها.
تنهد بعمق ورفع وجهها الباكِ بين يديه وهزّ رأسه نافيًا ورفض قولها بقوة لأن لا وجود لحقيقته في الأساس: متقوليش كده انا مش بزعل منك أصلا! هو أنا كنت طايل؟ إحنا كنا فين وبقينا فين؟ وجودك معايا دلوقتي يساوي عندي الدنيا وما فيها، وقفي عياط بقى ومتزعلنيش.

أومأت وهي تقف على ركبتيها أمامه وأحاطت وجنتيه بيدها ونظرت إليه مطولا وهي تبتسم بعذوبة جعلته يبتسم ثم قبلت جبهته بحنان وهمست بامتنان: ربنا يخليك ليا.
ابتسم بحنان وحملها بين يديه وهو يقف، لفت يديها حول رقبته وأسندت رأسها فوق كتفه باسترخاء مستعدة وقابلة لمَ هو قادم برحابة صدر، لكنهُ احبطها عِندما سطحها و دثرها أسفل الغطاء وأبعد الحجاب عن رأسها وهمس بحنان وهو يمسح على شعرها باستمتاع: يلا نامي وارتاحي.

سألت بعبوس وهي تستنشق ما بأنفها: هنام بالاسدال؟
أومأ بابتسامة لتقول بحزن: هحس بالحر؟
رد بهدوء وهو يخلل أنامله داخل شعرها: تبقي شيلي الغطي من عليكِ.
أومأت وهي تضم شفتيها تفكر ثم أعادت القول بتذمر: يعني مش هقلعه؟
هزّ رأسه بنفي وقال وأنامله تداعب شفتها العلوية: كده أحسن صدقيني نامي بقي وريحي عينك.
أومأت وأغمضت عينيها وهي تضم الغطاء على صدرها، تفكر بعمق لأنها لاتريد النوم بتاتا، شبعت نوم أثناء الطريق.

تقلبت للإتجاه الآخر و أولته ظهرها ليفترش شعرها الوسادة خلفها، فابتسم وعبث به بسعادة وهو يسند مرفقة فوق وسادته.
تنهدت بإحباط بصوتٍ مسموع لم تنتبه إليه وظلت ترمش وتضم شفتيها بحزن لأنها دمرت ليلتهما الأولى.
شعرت بالضيق فأبعدت الغطاء عنها وخلعت جلباب الصلاة وظلت بمنامتها البيضاء التي ارتدتها أسفله دون أن تتحرك.

تفجر الأدرينالين داخل جسده وابتلع ريقه بحلق جاف ودكنت عينيه برغبةً وهو يلتهم جسدها بنظراته، إن منامتها أقصر مما ظن وهذا ليس عدلا.
اعتدل بجلسته ونظر أمامه محاولا تجاهل منامتها التي تصل إلى منتصف فخذيها ونصف ظهرها العاري وكتفيها الناعمين اللذان يلمعان في وجهه..
مسح وجهه بعصبية وتسارعت أنفاسه لكنه صامد وسيظل صامد.

انتظرت مبادرته بالأقتراب لكن لم يقترب، لكنها تسمع صوت أنفاسه المرتفعة التي قاربت على النفاذ وتستشعر حرارتها التي تضرب ظهرها، لتدعو بداخلها أن ينفذ صبره عليها فهذا اقصي ما تقدر على فعله.
عضت على شفتيها بغضب وتقلبت مجددا لتكون قبالته وهي تغمض عينيها متصنعة النوم بوجنتين متوردتين ومعدتها تتقلص بألم من فرط التوتر، ففكره أن عمّار ينظر إليها وجسدها شبه عاري أمامه تصهرها وتجعلها ترغب في الإختفاء.

لعن من تحت أنفاسه وأطبق على قبضته بقوة صخرية وصدره يكاد يتهشم من عُنف ضرباته، إنه موشكا على الجنون بسببها، لمَ تعذبه بهذه الطريقة؟ إنها مهلكة وتستفز رجولته.
شتمت نفسها بداخلها بسبب اغماضها لعينيها وملامحها تتجعد بانزعاج، هل سيوقظها الغيبة؟

عقد كلا حاجبيه ونظر إليها بشك بسبب تحركها وملامحها المتغيرة ثم مدّ سبابته ولامس أهدابها فتبسمت وفتحت عينيها ليقرص أرنبه أنفها بخفة هاتفا بابتسامة: كُنت عارفة إنك صاحية.

ضحكت بنعومة وضمت يديه إلى صدرها البارز من منامتها الحريرية، فتنهد بتعب وتزاحمت المشاعر داخله اعجزته جعلته يهمس باسمها بتهدج وحصونه تنهدم: ليلى، ليلـ، وضعت كفها فوق شفتيه وهي ترتفع بجسدها حتى أصبحا يتنفسان أنفاس بعضهما البعض باضطراب هامسة بأعين ناعسة وصوتٍ ثقيل علم من خلاله ما تشعر به: قولي يا ندى.

طفح الكيل به ولم يحتمل أكثر، فدس أنامله في شعرها وسطحها ودني منها، يقبلها بنهمٍ غير تاركا لها مجال للحديث لتلتف يديها حول رقبته وتعود تلك الذكرى الأسوأ التي تم ذبحها بها تطاردها وتتدافع في عقلها وخمس دقائق فقط وشعر بعبراتها الساخنة تلامس وجنته.
ارتفع بجسده يلهث بمشاعر مبعثرة يرتكز بكفيه بجانب رأسها ينظر إليها بعدم فهم وقلق كارها نفسه لأنه أجبرها وهي لا تريده.

استعمر الحزن قلبه وهو يرى الذعر يستوطن عينيها وملامحها التي شابهت الموتى من فرط الخوف وهي تبكِ وجسدها يرتجف فهز رأسهُ بأسف وأعتذر بندم و استحقاره لنفسه يتفاقم: أنا آسف مكـ، أوقفته وهي تهز رأسها وأسندت يديها المرتجفتين فوق قلبه وهمست بعذاب و عينيها تفيض من الدمع ترتكز بهما داخل خضراويه الحزينه: مش أنت يا عمّار، مش أنت، أنا بحبك وعايزاك زي ما أنت عايزني بس، بس إنت متعرفش أنا واجهت ايه؟ انا مش عايزة أحس بالوجع ده تاني ولا افتكر اليوم ده مش عايزة افتكره..

رفع رأسها وضمها إلى صدره يهدئها بحنان عكس غضبه وعروقه النافرة بانفعال، فوالدها يستحق القتل بسبب تزويجها وهي قاصر إلى رجل بعمره، حيوان لا يُفكر ولا يعرف كيفية التصرف مع طفلة وشهوته من تسوقه، فقط مالذي أثارة بها وهي بذلك العمر كي يتزوجها؟
همس بدفء وطمأنها بحنان بالغ: هششش، اهدي كفاية عياط متخافيش هتنسي كل حاجة، أنا عمري ما هأذيكِ أبدا ولا هكون هو انا عمّار.

أومأت بتحريك رأسها فوق صدره بخفة وهمست بثقة، بصوتٍ مبحوح وهي تتشبث به لا تريد الأفلات أو تركه يبتعد كما رأت تراجعه داخل عينيه: انا واثقة فيك وعارفة إنك مش هتأذينى تحت أي ظرف، وعشان كده مش هنبوظ يومنا ولا هتروح فرحتنا لأني واثقة فيك.

لثم جبينها بقلبة تحمل كما من المشاعر عجز عن حصرها تعبير؟ا عن ندمه، فنظرت إليه بهيام وافترت شفتاها عن ابتسامته رقيقة وهمست تؤكد وهي تداعب وجنته بأنف متورد: واثقة فيك و بحبك.
ورفقت قولها بقلبة خجولة طبعتها هي على شفتيه، لتطول، وتطول، مستسلمة إليه بكل جوارها طواعية تاركة نفسها قلبا وقالبا لتصبح زوجته قولا وفعلا في هذه الليلة التي لن تُنسي مهما مرّ عليهم من أيام.
أشرقت شمس صباح جديد..

في السادسة صباحا قبل شروق الشمس.
تأملته كيف ينام ببراءة بابتسامة عذبة مُدللة وهي تتورد ملامسة وشمه بأصابعها بنعومة، ترتكز برأسها فوق كتفه العريض وهي تتنهد بسعادة.

طغى عليها الخجل وأحداث أمس تتوافد على عقلها رغمًا عنها، فهو كان عمّار ثالث غير القاسي أو المُحب، كان دافئا، حانيًا، شغوفا، يتغزل بها طوال الوقت، رجلا بمعني الكلمة، فإن حاولت حصر كم أنتِ أجمل إمرأة في الكون، وأنعم وأرق أثني قد يجدها، وأنتِ مهلكة، وجميلة وفاتنة التي قالها لم تكن لتجد إليهم عددًا، يا إلهي كم تحبه. ، فهو كان خائفا عليها من نفسه بشكلٍ مُلفت لكي لا يؤذيها دون أن ينتبه، رجولي ويرضي أنوثتها وغرورها بكلماته وأفعاله.

كانت إلى أمس تظنه طفلا حتى اكتشفت أن لا وجود لأطفالٍ هنا سواها.
غفي كـ طفلا بريئا في أحضانها معتقلا جسدها الطري بين يديه بقوة، أما هي لم يجافيها النوم قط ولم تشعر بالنعاس ظلت تتأمل زوجها ومحبوبها دون ملل.
سمعت صوت تغريد العصافير فرفعت رأسها ونظرت تجاه الشُرفة المفتوحة على مصراعيها كـ منفذ للهواء البارد لكن الغطاء كان ثقيل يدفئها.

أبعدت يد عمّار عن خصرها برفق، وتحركت إلى طرف السرير بخفة ومالت تلتقط منامتها الساقطة و ارتدتها ثم أبعدت شعرها إلى الخلف وسارت ناحية الشرفة حافية القدمين تسير على أطرافها بتسلل كي لا تصدر صوتا.

أمسكت بسور الشرفة بسعادة وهي تثني إحدي ساقيها خلفها، تغمض عينيها آخذه شهيقا طويلا وهي تفرد ذراعيها بسعادة، لتندس يديه من أسفل ذراعيها ويضمها إلى صدره لتستقر رأسها فوق كتفه هامسًا بنعاس وهو يلف الغطاء حولهما: بتعملي ايه في البرد؟
ضحكت بنعومة ورفعت نظرها إليه وداعبت أنفه بأنفها هامسة برقة: عايزة أشوف شروق الشمس.

نظر إلى السماء مراقبا قرص الشمس الذي يتصاعد على مهل بأعين نصف مغلقة سائلا بمكر وهو يقبل نحرها: منمتيش ليه لحد دلوقتي؟
حركت رأسها للجانب وطبعت قبله فوق زاوية شفتيه هاتفة بنشاط: مش جيلي نوم خالص.
رفعها بين يديه بغته وهمس بخبث وهو يثب بها إلى الغرفة: هتعبك وهنيمك تعالي.
تملصت بين يديه وصاحت بلهفة: شروق الشمس يا عمّار!
هتف بنزق وهو يضعها فوق التخت: إنتِ واقفة غلط الشمس بتطلع من هنا!

كشرت في وجهه بعبوس بسبب تضيع تلك الفرصة، فدني منها وهو يغطيهما بالغطاء معًا وأضحكها وعينيه تومض بالمكر، فهو فقط سيساعدها على النوم.
في الثالثة عصرا..
طرقت صباح الباب وهي تحمل الطعام للمرة الثالثة لكن لا يأتها رد مثل كُل مرة.
تنهدت بسأم و استدارت على عقبيها بالطعام لتجد حُسنه تقف خلفها.
تذمرت هاتفه بإرهاق: محدش بيفتح عاد.

أومأت حُسنه بتفهم وهي تبتسم، فهو لن يتركها بتاتا وتعرف طفلها، لوحت لها كي تذهب وصعدت هي إلى طابقها الخاص وهي تلعن خليل الذي أتي ومصرا على رؤيه إبنته، من الجيد أنهما نائمين.

لثم عمّار جبينها للمرة الألف وهو يبتسم، يمسك كفها بين يده مداعبا أصابعها برقة مستمعا إلى صوت غطيتها العميق كأحد السنفونيات، وهمهمتها الناعمة المشابهة لـ مواء رقيق، متأملا تقاسيم وجهها الهادئة والساكنه غير متجاهل الخوختين في وجنتيها، إنها تحمر خجلا كـ إحمرار الخضر في عذرها، إنها بريئة براءة لم يراها قط، يشعر أنه إمتلك العالم بإمتلاكها.

كان من المفترض أن يتزوجها منذُ أن وقعت عينيه عليها كي لا يضيع كُل هذا الوقت منهما هباءا.
حركت رأسها بخفة فوق صدره المعضل وفارقت بين جفنيها ببطء، شعرت بحركة أنامله المألوفة في شعرها، فرفعت رأسها وأسندت مرفقها فوق صدره وهمست بخمول وهي تميل برأسها بشعرٍ مبعثرة: صباح الخير..
ردّ بهيام: صباح القمر.
هتفت وهي تقرص وجنته بخفة: عيونك إنت اللي قمر.

رفع يده إلى مؤخره رأسها مثبتا إياها كي يأخذ قبله الصباح أو المساء دون اعتراضات أو تذمر، فصلها لاهثًا ليتهدل شعرها حول وجهيهما وهي تسند جبينها فوق جبنيه ويدها تستقر على قلبه الثائر فهو لم يهدأ من أمس.
همس وهو ينتصب جالسا: تعالي عايز أوريكِ حاجة.
اعتدلت جالسة تثبت الغطاء فوق صدرها بتبعثر، فوقف وارتدي سرواله وحثها على القيام وهو يناولها منامتها: يلا.

ارتدتها سريعا ووقفت معهُ ليحتضن كفها بين يديه ويأخذها إلى الأسفل، أزاح البساط بابتسامة ثم رفع الباب لتنظر إلى تلك السلالم بفضول و اعين متسعة طفولية.
قهقهة ونزل إلى الأسفل وأخذها خلفه برفق كي لا تتعرقل بالدرج، ترك يدها وتركها تتحرك حوله تشاهد المكان بأريحية لتفغر فمها بانبهار خاصتا عِندما توقف أمام صالة الرياضه التي صنعها لنفسه، فهي لن تعاني إن زاد وزنها قط.

ضحكت بنعومة وعينيها ترصد المكان بتدقيق أكثر جازمة بجماله وخاصتًا غرفه النوم التي تفحصها من خلف الزجاج، فهي داكنه هي والفراش واغطيته لكن لديها سحرًا خاص، لمسات عمّار تطغى على كل شيء وهذا يسعدها.
هتفت بسعادة وهي تعود ركضا إليه: جميل أوي يا عمّار أنت عملت كل ده إمتي؟
هتف وهو يتأمل المكان مستذكرا كيف بات وماذا أضحي: من زمان، من زمان أوي.

دارت حول نفسها أمام المسبح وهي ترى انعكاسها بابتسامة شاعرة بكونه إمرأة أخري متجددة، متحررة، سعيدة، والأهم من هذا جملية.

تأملها بهيام وقلبه يتراقص بسعادة بسبب سعادتها الظاهرة وعفويتها و طفولتها ومرحها الذي لم يراهم قبلا، يشعر أنها متحررة معهُ ولاتوجد قواعد تتبعها، تحيا بطبيعتها المكبوتة التي ظنت أنها إندثرت منذُ سنوات خلف قناع الأم وسيدة الأعمال الكبيرة المتغطرسة، إنها عادت لسن الخامس عشر من جديد بكل سعادة ومرح، إنها تضيء وتشِع من سعادتها.

رأت كُل ما كانت تفكر فيه عبر نظراته العاشقة، فتقدمت منهُ مهرولة وعانقته بقوة وهي تقف على أطرافها ليرفعها هو ويوقفها على قدميه ضاما إياها بشغف لانهاية لهُ ولن ينتهي مهما حيا..
همست وهي تخلل أناملها في شعره: أنا بس النهاردة عرفت الفرق بين انك تتجوز حد مش بتحبه، وبين إنك تبقي وحيد وبين إنك تكون مع اللي بتحبه.

فصل العناق ونظر إليها باهتمام وهو يداعب وجنتها لتستطرد بحزن: الفرق ده زي الفرق بين السما والأرض يا عمّار، انا كُنت ميته بس دلوقتي، عايشة ومفيش حد في سعادتي، وضحكت بسعادة ووضعت يدها فوق صدره هاتفه بانفعال وعيناها تتسع من الحماس: انا مبسوطة يا عمّار، قلبي مش بيبطل دق من الفرحة، حسه إن جوايا سعادة وطاقة تكفي العالم كله.

ضيق عينيه وقرص خصرها بعبث وهمس بمكر: لأ تكفي العالم كله ايه انا اللي محتاجها هنا!
ابتسمت بحب وتابعت بشغف وهي تتحسس ذقنه تنظر إليه بعينين صافية يملؤها الحُب: سعادتي دي بسببك وعشانك، إنت نورتني وخليتني أبقي واحدة تانية أحلي وأجمل!، بقيت أشوف نفسي أجمل سِت في الدنيا، إنت الحُب والقرار اللي عمري ماهندم عليه أبدًا عشان إنت روحي..

بأي قدر سيحبها أكثر، إنها تسطير عليه بكل جوارحه، تسحره بنظره وتسرق لُبه بهمسه، لمَ تحدثت ماذا تريد أن تسرق أكثر من هذا؟ إنه تائه في تفاصيلها، غارقا في العسل الذي يتذوقه منها، لم يصدق بعد أنها معه وأصبحت ملكه، يحفظ كل تعبيراتها وحركاتها وهمساتها التي تصدر منها عن ظهر قلب، إنها أهم من الأكسجين لديه، وكلماتها هذه تشعره بالشوق.

حملها بغتة وصاح بجدية وهو يسير إلى الغرفة السوداء المحاوطة بزجاج شفاف: لازم نجرب السرير ده دلوقتي.
هزت رأسها بنفي وتذمرت بإحباط: أنت دايما تضيعلى اللحظة ليه؟ أنا عايزة أجرب البسين!
همس بنبرة ثقيلة محاولا إقناعها بما بقي لديه من تركيز: السرير الأول وبعدين يجي البسين، ورفق قوله بقبلة عميقة لم يفصلها سوى لأجل إلتقاط أنفاسهما المتسارعة لتهمس بخجل وهي تدس نفسها بأحضانه: عمّار إنت مش بتشبع؟

هزّ رأسهُ بنفي وهمس أمام شفتيها بتهدج وأنفهما متلاصقان أثناء سيره إلى الغرفة: ولا عمري هشبع! العشرين سنة اللي ضِعتي فيهم مني ومكنتيش مبسوطة هتعيشي قصادهم سنين عمرك بين الهئ والمئ وده قرار نهائي.
ضحكت بنعومه بسبب قوله وهي تشعر بالفراش الناعم أسفل جسدها وعمّار يدنو منها مخدرا إياها بقبلاته المحمومة قبل أن يذيبها في أحضانه لتهمس بأخر شيء قبل أن يخطفها إلى عالمٍ آخر: وانا موافقة..

يقولون عِندما ترغب في الزواج، فلتتزوج إمرأة عمرها يتراوح بين سن الخامسة والثلاثون والثامنة والثلاثون لأنها تكون كـ روما كل طُرق الحب تؤدي إليها.

بعد مرور أسبوع، في مدينة الإسكندرية، مساءا..
طرقت روحية فوق باب غرفة الرسم خاصة جاسم بخفة، أذن إليها بالدخول بنبرته الخاوية من الحياة وهو يصب تركيزه على اللوحة التي يرسمها بتفانٍ، يلملم شعره كعكة يرتدي بنطال الرسم المرقع و قميصه الأبيض الملطخ بالألوان.

دخلت عليه والدته تقدم قدم وتؤخر الأخرى بخوف من رد فعلهُ بعد معرفة الحقيقة، فهي حسمت أمرها و ستخبره لأن ضميرها لا يجعلها تحيا براحة بتاتا، وسترضخ لأي شيء يطلبه منها.
توقفت خلفه وسألته بصوتٍ متوتر مهزوز: محتاج حاجة يا حبيبي؟
هزّ رأسه بنفي وهو يغرق الفرشاة في كوب المياه الخاص ينظفها بتركيز وبطء، لـ تهم بسؤاله باستفهام: هنروح القاهرة أمتي؟

توقف ذراعه عن الحركة وتوقف الزمن به وهو يستذكر آخر ماحدث معهُ هناك.
استدار ينظر إليها بتركيز حتى ظنت أنه سيرسمها ليهتف فجأة بدون تعبير أخرجها من شرودها: مش هنروح القاهرة وأنا طلقت عشق على فكره.
اتسعت عيناها وشهقت بتفاجئ وهتفت بتعجبٍ شديد: طلقتها بجد؟
أومأ بهدوء وهو يستدير يستأنف رسمته بصمت خانق سيطر عليهما، فجذبت كرسي خشبي ووضعته قبالته وجلست فوقه بتوتر وعينيها تشِع لا تطيق صبرا كي تخبره وتنتهي.

نظر إليها بتستفهام بسبب جلوسها أمامه، فأدمعت عينيها وهمست بغزي من نفسها: جاسم أنا عملت جريمة وعمري ما هسامح نفسي عليها.

تغضن وجهه وعقد كلا حاجبيه بعدم فهم وخفق قلبه بعنف وساوره شعورٌ سيء خانق، لتستطرد باكية وهي تخفض رأسها: موت نادية وتميم كان بسببي، انا اللي طلبت مساعدة حبيب عشان يموت نادية بس لكن الاثنين ماتو في الحدثه، وطلبت منه يخلصني من عشق لأنها بتفكرني بنادية ووافق وقلي مقلقش لكن معرفنيش هيعمل ايه بس عِرِفت لما قُصيّ جبهالك الفرح..

سقطت الفرشاة من يد جاسم ووقف بترنح عن كرسيه كمن سقط عليه سطلا من الماء البارد، بل كمن أبصر قذيقة حرب تقترب منهُ ليسقط الكرسي خلفه بقوة مدويا صوتا مُرتفع.
حدق في والدته بذهول وصدره يهتز بعنف وعينيه جاحظة تكاد تخرج من محجريها، حمراء من فرط صدمته وهول ما سمع، هل والدته هي المتسببة الأولى في تعاسته؟ حبيب الذي يربكها كلما أتت بسيرته هو قاتل خالته وزوجها والمسئول عن تدمير عشق؟!

تمتم بصوتٍ لم يخرج متماسكا وهو يهز رأسهُ بذهول: إنتِ بتقولي إيه؟
هزت رأسها بأسى وهي تشهق وعادت بذاكرتها المعطبة التي لم تنسى تفاصيل تلك السنوات من حياتها قط. ، سنوات شبابها وهي فتاة جامعية يافعة مع أصدقائها، أجمل سنوات عمرها التي تحولت إلى جحيم في نهايتها.

استسلمت للحظاتها هذه وقصّت عليه كُل شيء بالتفصيل، فالحقيقة مهما ظلت مخبئة ستظهر في يومٍ ما، لهذا بادرت هي أفضل كي لا يكتشف حقيقتها البشعة من شخصٍ آخر.

قفز آدم من جلسته عِندما رأي رسالة المختبر بنتائج التحاليل.
اتسعت ابتسامته وتنفس الصعداء براحة وعاد يتمدد فوق الأريكة بأريحية ممسدًا صدره بقوة طاردا هذا الهم الثقيل عنهُ، فهو لوهلة اهتزت ثقته وكان خائفا من تلك النتائج لكن الراحة غمرته الآن، بقي لديه فقط شيء واحد وهو عودة تالين إلى مصطفي كي يسافر مُرتاح البال والضمير.
ضغط على رقم تالين سريعا يهاتفها لتقوم حياة بالرد كالعادة..

أردف بصوتٍ يشي بالحماس كأنه سيجمع عاشقين معا: الو، حياة إزيك، تالين فين؟
أجابته بهدوء: نايمة
لم يؤجل مايريد قوله حتى تستيقظ لهذا أخبرها بعجلة: قولى لـ تالين نتيحة التحاليل طلعت وتكون جاهزة بكرة هاجي اخدها عشان ترجع ومصطفي يعتذرلها، مش لازم تضيع حقها معاه تاني.
أومأت حياة بتفهم وهي تهز رأسها وتهمهم كأنه أمامها هاتفه في النهاية بكلمتين فقط: حاضر هقولها.
ابتسم وقال قبل أن يغلق: تمام معادنا بكره.

وفي هذا الوقت تحديدا في شقة سالي، قذف مصطفي الهاتف على طول ذراعه وهو يجأر ليتهشم في الحائط وصدره يتضخم بقوة بأنفاس متسارعة وخفقات جنونية مؤلمة، بوجه مكفهر وملامح جحيمية ينظر في أرجاء الغرفة بعروقٍ نافرة، وعينين جاحظتين مستعدا للفتك بكل من يراه الآن..
سيقتل كليهما معًا يقسم أنهُ سيفعل، ضمته سالي بقوة وسألته بقلق وهي تحدق في الهاتف الساقط: حصل إيه مالك؟

هدر بنبرة جهورية وهو يدفعها عنهُ وأخذ يذرع الغرفة من ركنٍ لآخر بجنون بأعين دامية جاحظة: طلعوا خاينين هقتلهم والله هقتلهم..

عادت تقترب منهُ وعانقنه بلطف ورفعت راحة يدها تمسد صدره بحنان بالغ هامسة بمواساة: متزعلش نفسك يا حبيبي وروق الخاينين معروفة ديتهم إيه بس، بس إنت مش مجرم يا مصطفي، ومرغت رأسها بصدره كقطة واستطردت كي تستفزه ويتهور: وبعدين أنا حجزت وهنروح المالديف بُكره مفيش مجال إنك تقابلهم تعالي نسافر تكون هديت ولما ترجع تتصرف بعقلانية اكتر.

أبعدها عنهُ بضيق وهتف بدون تعبير: لأ في مجال شنطة هدومي في بيتي وهروح اجيبها بكره وده بيت آدم كمان وفي اتفاق بينا هيتنفذ ولو متنفذش أنا عارف عنوانهم كويس أوي.
نظرت إليه بلومٍ وانكسار بسبب دفعها عنهُ بتلك القسوة والتحدث كمجرم بتلك الطريقة.
استدارت على عقبيها و أولته ظهرها بينما تقول وهي تخفض رأسها بمهانه تبتسم بخبثٍ واتساع حتى بدت نواجذها تتابع مسرحيتها المبتذلة: ماشي يامصطفي براحتك.

شدّ على شعرة وزمجر مطبقا على كفيه بقوة ودمائه تغلي شاعرا بألم رأسه المفاجئ بسبب الضغط، هو فقط يعرف أنه سيذيقهم الأمرين إن ظهر أحدهما أمامه، وإن لم يظهر سيذهب إلى البحث عنهم، غدًا ينتظر غدًا بتلهفٍ شديد.

داخل عيادة وليد..
ابتسمت عشق بحزن وهي تنظر إلى تذكرة سفرها التي تحمل تاريخ غدا ليسأل وليد باهتمام: زعلانه عشان هتسافرى؟
هزت رأسها بنفي وأردفت بمرارة وهي تضعها فوق المكتب: بالعكس، هقعد هنا ليه وعشان مين؟ السفر احسنلي بكتير و ومتهيألى ده احسن قرار صح أخدو في حياتي.

ابتسم وليد مشجعًا والراحة تغمرة ثم هتف وهو ينظر إليها بلوم بسبب تصرفاتها الهوجاء التي تفاجئة: اتمني تفضلي على رأيك ده وميتغيرش بكره او بمكالمة تليفون مثلا..
ابتسمت برقة عِندما فهمت إلى ما يرمي فطمأنته بقولها مستسلمة إلى مصيرها: متخافش قرار نهائي ومش هيتغير وهسافر بكرة وهبدأ من جديد.

في أحد المطاعم في القاهرة.
وثب قُصيّ داخله بضجر متلفتًا حوله يبحث عنها بناظريه بتدقيق، شاتما نفسه بحدّة بسبب مجيئه بسرعة دون إعتراض.
ألتقطتها عينيه وهي تجلس تضع يدها حول رقبتها وتميل برأسها، تحدق في الخارج عبر الزجاج اللامع، وغرتها متهدلة قاصده التحرك والعبث فوق وجنتها كي تضايقها وتجعلها تتنهد بهذا الحزن وهي تبعدها خلف أذنها. ، لمَ تبدو حزينة بهذا القدر؟ إنه لا يليق بها!

أزاح الكرسي بقدميه وجلس فوقه بينما يقول بتعجب وهو ينظر إلى تلك الحلوى الموضوعة أمامها دون أن تمسها: إيه ده إنتِ عاملة دايت بجد ولا إيه؟
أبعدت لمار يديها ونظرت إليه بابتسامة حزينة وهي تجلس باستقامة جعلته يسألها بريبةٍ وهو يضيق عينيه ملتقط الشوكة كي يأكل هو: انا هموت ولا ايه؟ مالك بتبصىي كده؟
ابتسمت بنعومة وهي تنفي: مش أنت أنا!
طرف بتعجب وسألها بهمس: أنتِ اللي هتموتي؟

ضحكت بنعومة وهزت رأسها بلطافة قائلة بنبرة شديدة الحُزن: أنا خلاص راجعة لأهلى ومش هشوفك تاني عشان كده جيت أودعك قبل ما امشي.
تجلت إمارة التعجب على وجهه وهتف بازدراء: وليه الوداع يعني ومش هتشوفينا تاني ليه؟ هيحبسوكِ!

هزت رأسها بنفي وهي تجهز حقيبتها كي تذهب قائلة بتعب وتأثر وهي على حافة البكاء: لأ، بس أنا قدمت استقالتي وسبت الشُغل، وجودي ملوش لازمة وخصوصاً لأني حاسة اني بغرق في دوامة هخرج منها خسرانه وانا مش هتحمل خسارة تانية لأني هخسر معاها نفسي المرة دي وأنا متأكدة من كده.
أردف متعجبا دون أن يفهم: انا مش فاهم حاجة؟ إيه علاقة شُغلك برجوعك لأهلك بنفسك اللي خايفة تخسريها؟

ضحكت بقوة ساخرة وهي تهز رأسها كأنهُ ألقى على مسامعها نكته! تعلم أنه لن يفهم ولن يخطر لهُ هذا ولن يقدم على التفكير بتلك الطريقة، إن الخطب والخطأ بها هي، هي ليست طبيعية بالمرة ليست طبيعية تعرف.
راقبها جاهلا ما أصابها وجاهلا المغزى من كلماتها!
امتدت يديها فوق الطاولة وأمسكت يده بقوة تشد عليها لا تُريد الإفلات وبنبرةٍ مُرتعشة طغى عليها الحُزنٍ همست: هتوحشني.

اختلج صدره واهتزت مقلتيه ناظرا إلى عينيها التي تخبره بشيء، وتقاسيم وجهها التي تخبره بشيءً آخر، وقبتضها الناعمة التي تشتد فوق كفه بشكلٍ ملحوظ كانت تعني شيءً ثالث لم يعرف كنهه قط!
ابتسمت في وجهه بنعومة وربتت على ظهر كفه بحنان وهمست مودعة قبل أن تقف وتغادر: مع السلامة.
حملق في يده بتعجب؟ ثم صاح بإسمها مشدوها: أنتِ!، يا لمار؟ يابت!

ضرب كفيه معًا بفقدان صواب، وحدق في كرسيها الفارغ باقتضاب يفكر وهو يضع أنامله فوق شفتيه. ، هل هذا يعني أنه إختفت ولن يراها مرة أخرى؟ هو لا يعرف منزل والديها؟ وما دخله؟
شتم نفسه وترك المطعم وعاد إلى المنزل، فهو سيغادر غدًا لمَ يهتم لأمرها وهو لن يكون هُنا؟!
فتح باب المنزل ودخل ليجد الظلام الحالك يسود المكان، أغلق الباب وأخرج هاتفه كي يُنير لنفسه ظنا أن الكهرباء إنقطعت.

سار خطوتين للأمام ليتوقف وتتنبه حواسه عِندما تناهى إلى مسامعه صوت قداحة وثوانٍ فقط وكانت الشمعة تنوس وتضيء إضاءة خافتة بين الورود الحمراء وزجاجة الخمر، الموضين برتابه فوق الطاولة المُزينة، هل جُنت كي تشرب خمر!

تقدم من الطاولة مرتابا ليبصر جـنّـة المتألقة، ترتدي مناماتها العارية، تضع تبرجها الصارخ وأحمر شفاة قاتم مُغري، تقدمت منه بنظراتٍ عابثة لعوبة وهي ترفع كلا حاجبها، تتهادي في سيرها متمايلة بدلال.
لفت يديها حول عنقه ورفعت نفسها تقبله شفتيه بنهمٍ ونعومة، تعيد إلية الذكريات لعلة يستسلم إليها كما ظنّت.
أبعد رأسهُ إلى الخلف ورفع يدية وفك حصارها عن رقبته هاتفًا بتعجب: وده من إيه ده؟

ردت بإبتسامة وهي تداعب وجنته: ده الوداع، تعالي معايا يا حبيبي.
أمسكت يده وساقته إلى الطاولة المزينة تحت تعجبه وأجلسته فوق المقعد وجلست مقابلة وإبتسامة هادئة ورزينة تُزين ثغرها.
فتحت زجاجة الخمر ببطء وملأت كأسها وامتدت يدها إلى كأسه لـ يستوقفها سواله بحاجبين مرتفعين: من أمتي وأنا بشرب خمرة؟
أجابت بهدوء وهي تبتسم ابتسامة وديعة أثناء ملئ كأسه: دي تفاريحي كده النهاردة.

رد عليها بنزق وهو يخك مُنحدر أنفهُ: افرحي لوحدك و أه صح نسيت قبل ما انسي..
نظرت إليه بترقب وهي تبتسم وقلبها يخفق بحب: إنتِ طالق.
وكانت الثالثة والأخيرة، اتسعت ابتسامتها وهتفت بثبات انفعالى تُحسد عليه وسألته وهي ترفع الكأس إلى شفتها: وياتري دلوقتى وبعد ما خلِصت مني هتتجوز عشق ولا البت بتاعة الورد؟

ارتفع كلا حاجبيه بتلقائية ولم يخفي تفاجئه بمعرفتها لتستطرد بتهكم وهي تنظر إلى تعبير وجهه: تكونش فاكر إني صدقت إنك هتجيبلى الورد وأنت مش طايقني؟ أقنعتك بفرحتي صح! ما أنت عارف إني ممثلة شاطرة جدا مالك بتحب جديد مش عارف تركز؟!
ضحك بسخرية وهو يطالعها باستمتاع لأقصي حد، فعضت على شفتيها بعنف وأبعدت شعرها خلف أذنها بحركة عصبية وسألت مستفهمة: هي حلوة أوي ومبسوط معاها؟

إن الشرح سيطول عليه كي تفهم ولن تصدقه في النهاية لهذا عمد على ما عمد إليه وهو يحادث عشق سابقا: طبعا أنتِ مش متخيلة.
تحطم فؤادها وأدمعت عينيها ورغم هذا هتفت بثبات: كويس اوي ربنا يسعدك.
رد بلطف: مُتشكر جدًا
وسارع بالوقوف لتوقفه بقولها بابتسامة باردة: قُصيّ فاكر المفاجأة اللي قولتلك انا عملهالك قبل ما تسافر؟
أومأ وقال بتفكير: ومتهيألى انك قُلتي انك حامل!

ضحكت بقوة حتى انسلت عبراتها وهمست بلهاث وهي تجفف وجهها: لأ مش دي المفاجأة، بُكره المفاجأة الحقيقية بس إوعي تتخض ها؟
أومأ بعدم ارتياح بسببها وبسبب تلك الابتسامة البغيضة والقلق يساوره، فهي ليست بهذا الهدوء المُخيف، همت بالوقوف هامسة بأسف كأنها هي من تركته: هقوم بقى عشان اخد هدومي و امشي.
أومأ وأطفأ الشموع ثم تحرك كي يُنير الضوء ليجد ريمة تهبط الدرج بحقيبه ملابسها لأجل السفر.

تخطتها جـنّـة وتابعت صعودها لتمسك ريمة بكفها أوقفتها وهي تبتسم، نظرت جـنّـة بينها وبين قبضتها التي تمسكها بعدم فهم لتقترب ريمة وقامت بالهمس في أذنها بما جعلها تتيبس مكانها وتحجرت عبراتها داخل مقلتيها مما سمعت!
نفضت يديها عنها بعنف وباغتتها برفع كفها وهويت على وجنتها بصفعة قاسية من فرط الحقد.
اندفع قُصيّ وركض ناحيتها صارخا ريمة باسمها بنبرة جهورية عنيفة: جـنّـة!

اعتصرت جـنّـة صدرها بحسرة شاعرة بالإختناق عاجزة عن ذرف الدموع حتى، متذوقة مرارة الألم والإنهزام تلك المرة من الشخص الغير متوقع.
صعد السلم درجتين درجتين ورفع وجه ريمة التي كانت تخفضة وصوت نهنة مكتومة تصدر منها، ظن أنها تبكِ لكنهُ اندهش من ضحكاتها المكتومة ووجهها البادي عليه السعادة وكأنها لم تتلقي صفعةً قط.
هتف مشدودا وهو يتحسس وجنتها الحمراء بخفة: ريمة أنتِ كويسة؟

أومأت وهي توقف ضحكاتها بصعوبة وأخذت شهيقا طويلا ثم قالت بهدوء وهي تربت على كتفه: كويسة جدا متقلقش عليا.
أمسكت جـنّـة مرفقة فطفح الكيل به ونفضها عنهُ بعنف كاد يسقطها من فوق السلم هادرا بكُره شديد: انا لا عايز اشوفك ولا اسمع صوتك غوري في داهية.
ورفق قوله بسحب ريمة خلفه بعد أن حمل حقيبتها وسار بها إلى خارج المنزل.

انسلت عبرات قهرها الحقيقية خلاف الأخرى الخاصة بالتمثيل، أمسكت الدرابزون بيدٍ مرتعشة تستند عليه وهي تصعد كي لا تسقط بغتة، وصعدت إلى غرفة غرام، جلست على ركبتيها أمام فراشها من الجانب تتأملها بحسرة وعيناها تفيض من الدمع، ستحرم منها مجدداً ولن تراها، تستحق مايحدث إليها.

همست بقلبٍ مضني وهي تسمح على خصلاتها الحريرية وعيناها تمر على تقاسيم وجهها الرقيقة تحفظها عن ظهر قلب: هرجع عشانك تاني صدقيني هرجع، ورفقت قولها بقبلة رقيقة حانية وضعت بها جميع مشاعرها طبعتها على وجنتها بحنان وعادت تهمس بنبرة مرضية يملؤها الشر: وساعتها مش هرحمه.
في الخارج..
عانقها بأسف وأعتذر بندم بسبب تعرضها للضرب: أسف حقك عليا أنا.
مسدت ظهرة بحنان وهمست بلطف كي يزول عنهُ البأس: محصلش حاجة ياحبيبي..

فصل العناق وداعب وجنتها بحنان وهمس سائلا بأسف: وجعتك؟
هزت رأسها بنفي وقالت بابتسامة زاهية: صدقني أنا اللي وجعتها اوي متقلقش.
أومأ بإبتسامة حانية ثم لثم جبينها وهتف بثقة وصوت منخفض نسبياً وهو يمسك يديها يضغط عليها بخفة، يرتكز بنظراته داخل عينيها: ريمة أنا بثق فيكِ جدًا وأنتِ عارفة وعارف إنك مش هتخيبي ظني وهتسافري على طول من غير ما تروحي لـ جاسم!

شحب وجهها وزاغت عيناها وحاولت تحاشيه وهي تحرك يدها كي تفلتها لكنها لم تقدر، أدمعت عينيها وأطرقت رأسها خجلا من نفسها بسبب خيانتها لثقته وهمست بشفتين مرتعشتين: أنـ، أنـ..
قاطعها بهمسٍ مترفقا بها وهو يرفع رأسها التي تطرقها بخزي: مش زعلان ولا متضايق منك عارف أن نيتك طيبة، بس هزعل بجد لو روحتي تاني.
أومأت بطاعة وهمست بندم: أسفة..

ابتسم بلطف وقبّل وجنتها بنعومة ثم تحرك من أمامها وأدخل حقيبتها في السيارة و أوصاها بحنان وهو يمسد ذراعيها: لما توصلي كلميني ومتقلقيش بُكره هكون عندك يلا اركبي.
ساعدها بالصعود إلى السيارة لتنطلق وتذهب بعيدًا، ظلّ يقف مكانه يُحدق في أثرها بقلق بقلبٍ مُنقبض خائف، فهو لن يطمئن سوي عِندما تصل بسلام.

يشكر ربه على الصبر والسكينة التي تحل عليه عِندما يحادث ريمة، فإن كانت جـنّـة من فعلت هذا لأشبعها ضربا حتى الموت، لا يعرف كيف نجح في خداعها واقناعها بأنه صدق كذبة صديقتها التي تذهب إليها طوال هذا الوقت كي يعرف هدفها مما تفعل.
فهي تحب أن ترتدي ساعات المعصم على الدوام، فكان يهاديها دوما ساعات معصم بمتعقب كي يعرف أين هي بسهولة وأحيانا يزرعه أسفل أحذيتها.

ويفعل هذا مع جـنّـة، أي أنه يعرف أين تذهب وبجميع مقابلتها بسامي، لكن المُحيّر أنه لايجد ماهو مُثير للشك أو ملفتا للنظر كي يحدث غدًا، إلى ماذا تُخطط لأي مفاجأة تُحضّر؟!
تنهد بـ همٍ واستدار على عقبيه صافعا جبهته براحة يديه بسبب الصداع، ثم عاد إلى الداخل فهو لن يكون هُنا غدًا سيحرص على الذهاب مبكرا قبل أن تُعطله بأي حركة خبيثة من حركاتها..
فقط فليأتي غدًا ليضع كُل شيء فى نصابه.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة