قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية حب خاطئ للكاتبة هاجر الحبشي الفصل السادس عشر

رواية حب خاطئ للكاتبة هاجر الحبشي الفصل السادس عشر

رواية حب خاطئ للكاتبة هاجر الحبشي الفصل السادس عشر

مرت ساعات عصيبة عليهم في المستشفي وهم يجلسون في الخارج ينتظرون الطبيب أن يخرج من الغرفة و يطمئنهم على حال عمّار..
زفر آدم ووقف عن المقعد وأخذ يقطع الممرر ذهابًا وإيابًا بتوتر وهو يفكر بعمق حتى أخرجه من شروده صوت تالين العذب وهي تقول برقة: آدم جبتلك قهوة..
أخذها من يدها وهو يبتسم بامتنان ثم شكرها: شكرا..

أومأت بخفة وهي تبعد خصلات شعرها خلف أُذنها بتوتر ثم عادت وجلست محلها على المقعد بجانب حُسنة التي لم تتوقف عن ذرف الدموع بلوعةٍ قط..
طلبت منها تالين برفق: روحي انتِ واحنا هنطمنك عليه، انتِ تعبتي..
هزت رأسها برفض وهتفت بقلب منفطر وهي تبكِ بقوة حُزنًا عليه: مجدِرش أهمله مجدِرش..

عانقتها تالين بحنان وهي تزم شفتيها بحزن لتقع عيناها على متولي الذي يجلس على المقعد مقابلها ويسند رأسه فوق يده التي يضعها فوق العصا..
رفع آدم كوب القهوة على شفتيه كي يرتشف أخر ما بقي بها لكنه توقف وظل معلقًا يده في الهواء عِندما سمِع رنين هاتفه، أخرجه من جيب بنطاله وهو يتنهد ليرفع حاجبيه بتعجب عِندما رأي أسم والدته هي من تتصل به و تهاتفه؟ هذا كثير عليه حقاً!
نظف حلقة وتحدث بهدوء: الو!

أتاه صوتها المُنزعج بشدّة أثناء سؤاله بتجهم أكثر من كونه سؤالًا: انت فين وليه مرجعتش لحد دلوقتي؟
ردّ ساخرًا: انا الحمد الله كويس وباكل كويس كمان متقلقيش عليا..

أبعد الهاتف عن أُذنه وهو يقلب عيناه عِندما وصلت له صرختها ممزوجة بقولها بعصبية: آدم! ده مش وقت هزار انت فاكر نفسك واخد مراتك ومسافر ولا حبيبتك؟ دي مرات اخوك وكده كتير اتفضل رجعـ، ألو، ألو، أدددم، أغلق بوجهها بملامح مقتضبة وهو ينظر إلى تالين، مُنزعجة من تأخره وكأنهُ يقضي معها أكثر أوقاته سعادة وفرحة اللعنة على حظه العسِر الذي جعل منها والدته، إنهُ منبوذ، و لن يتوقف عن كرهها يوماً بسبب ما فعلتهُ به لن يسامحها..

كاد يغلق الهاتف نهائيًا لكن صدح صوت رنين الهاتف من جديد بإسم قُصيّ..
ردّ سريعًا بلهفة: قُصيّ عملت ايه انت فين؟
أتاه صوته المتعب من خلف الهاتف: لسه واصل المستشفى دلوقتي حالًا..
زفر بارتياح ثم سأله بصوتٍ مُنخفض وهو يبتعد عنهم قليلًا: ها طمني هي كويسة؟
تنهد بتعب وقال بهدوء: لسه مدّخلها دلوقتي متقلقش هتبقي كويسة كلها ردود وضرب مش حاجة خطيرة..
فسأله آدم مستفهماً عندما لاحظ صوته المتعب: صوتك ماله؟

قال بحسرة وهو يمسد جبينه: نادين طول الطريق كانت بتعيط ومش عارف اسكِتها دماغي وِرمت بجد انا بفكر اجيب اكل ليا واجبلها هي بزازة عشان تسكُت
لوك آدم بلسانه داخل فمه ثم قال بفظاظة: ده عشان انت قاسي مش بتحس، طبيعي جداً انها تفضل تعيط هي صاحبتها ولا واحدة كده عادي يعني! دي مامتها يا حلوف!
زفر وهو يضرب الحائط بروح يده بضيق ثم قال بسخط: طبعاً نادية قلبها قلب خصاية..

قهقه آدم وكاد يكمل لكن صوت خشِن أجش أجفلة: فين بتي يا متولي؟
ابتسم قُصيّ وقال وهو يقطب حاجبيه مع ابتسامة متحمسة: ده هريدي؟ صورهولي والنبي عايز اشوف شكلـ، أغلق آدم بوجهه وهو يبتسم ثم تحمحم وأخفاها ووقف يُراقب ما يحدث..
وقف متولي بتجهم وسأله بغضبٍ جام: بِتك مين ديّ اللي جاي تدوِر عليها اهنِه دِلوك؟
غمغم خليل بغضبٍ وتابع باتهامٍ لهُ: بتي اللي عمّار أخدها من الدُوار وأني مش موجود فيه الراجل!

ضرب متولي عصاه أرضًا بعنف وهتف بتحذير وعيناه تتوهج بغضب، ناذرة بالشر: انت بتنبش علي المشاكل ولِّيه؟ عمًار كيف يجدر يعمل كل دِه وهو مِتصاب بسبب المجاطيع بتوعك كيف يعني؟
ارتفعت زاوية شفتي خليل بسخرية وقال بتهكم: مجاطيع ايه دول؟ مليش صالح بـ علية الزناتي عاد وانت عارف اكدِه كويس، لو فاكر إني مِسدِج ان عمّار بيموت تبجي غلطان انتوا بتعملوا إكدِه عشان تداري على عملتكم السوده المجندلة ديّ..

زجره متولي بحدّة وهو يقول باستصغار: انت مفكِر بتك ديّ ايه عاد عشان نرمح وراها ونفكر فيها من اساسهُ؟ فوج انا ابني زينة الرِجالة مش هيختار غير بتك اللي تجوزت جبل سابق عشان يتجوزها ولِّيه؟

ضحك بسخرية ثم قال بغلظة وهو ينظر لهُ بـ شر متقصدًا عمّار: بُكره نشوف وكل حاجِة تبيِن وبتي هرجعها واللي هيوجف في طريجي هجتله مين ما كان يكون، وتحرك وغادر بوجوم تاركاً متولي خلفه يحملق في ظهره بنظرات نارية حارقة حاقدة بينما حُسنة كانت تحدق به بوحشية، بعينا دامية وهي تضبط نفسها كي لا تتهور وتفعل ما يحمد عقباه..

زفر وجلس محله وهو يقبض على عصاه حتى خرج الطبيب من الداخل وهو يزفر، هرع إليه آدم سريعا بقلق وقبل أن يتحدث بادر الطبيب بقوله بتنهيدة مرهقة: وقفنا النزيف بصعوبة بس الحمد الله هيبقى كويس لما يفوق، ثم صمت قليلًا واسترد قائلًا: كل الإسعافات اللي اتعملت للجرح كانت صح بس المفروض مكنش يتحرك ولا يوصل للمرحلة دي بس الحمد لله وحمد الله على سلامته مرة تانية..

أماء لهُ آدم براحة وهو يتنفس الصعداء وكاد يدخل الغرفة لكن الطبيب سأله باستفهام: مين خيطله الجرح ده قبل مايجي؟
توقف آدم وسأله بجزع: ليه في حاجة غلط؟
هز الطبيب رأسه بنفي وقال بإعجاب: لا خالص بس كان يديله مخدر أفضل عشان الجرح كان هيلتهب كويس انه قدر يتحمل، حمد الله علي سلامته مرة تانية..
هز آدم رأسه بخفة وتحرك ليدخل إليه لكن قول متولي أوقفه: وجف عِنديك..

توقف واستدار على عقبيه ناظرًا لهُ، ليقف متولي وأخذ يتقدم منهُ ثم سأله بشكٍ: فين صاحبك التاني؟
رد آدم بهدوء وهو يهز كتفيه: روح أمبارح!

تفاقمت شكوكه وهو يحدق به ليتابع آدم: قُصيّ زِعل عشان اتخانق معاك و حضرتك طردته بطريقة غير مباشرة وقُصيّ نفسه عزيزة عليه جدًا ومبيقبـ، توقف عن الحديث عِندما تخطاه متولي ببرود ودلف إلى غرفة عمّار وكأنهُ لا يتحدث من الأساس، رمش آدم بتعجب ثم جلس محله وهو يشتمه بغيظ ذلك الرجل حقًا ما هذا؟ إنهُ يشعره بانحطاط قدره!.
في القاهرة..

تنهد قُصيّ وهو يسند رأسه على الحائط وعيناه معلقة على نادين التي تجلس أمامه تبكِ بحرقة حتى إنتفخ جفنيها وأصبح وجهها بحالة مزرية من كثرة البُكاء، خرجت الطبيبة من الغُرفة بملامح متجهمة وهي تقطب حاجبيها بضيق شديد ثم رفعت نظارتها الطبية فوق رأسها بين خصلاتها بعصبية..
تقدم منها قُصيّ ورفع يده كي يتحدث لكنها أوقفته عِندما سألته بنبرة أشبه بالصراخ: انت اللي عملت فيها كده؟

رمش ونظر بجانبه قليلًا ثم أعاد نظراته إليها وسألها بتعجب: بتكلميني انا كده؟
نظرت لهُ نظرة مُتدنية ثم قالت باشمئزار: وهو في غيرك هنا؟ انت ازاي تضربها بالوحشية دي؟ خدامة عندك هي؟ انت اتجننت! انا هبلغ عنك عشان ده اعتداء و انا مش هسكت غير لما تترمى في السجن..

تركته وغادرت بغضب لكنهُ استدار وجذبها من حاشية معطفها الطبي بغضب وأخذ يهزها بين يديه يمينًا ويسارًا كـ ريشة أسقط نظارتها أرضًا مع قوله بسخط: انتِ عبيطة ولا ايه يا يا بت انتِ ده تسجني مين ده انا ادفنك هنا؟

صرخت وهي تلوح بيدها كي تضربه لكنهُ دفعها على الحائط بقوة، وحاصرها بينه وبين الحائط قابضًا على فكِها بعنف جعلها تصرخ بصوتٍ مكتوم وهي تشعر بتحطم عظامها وقلبها يرتعد داخلها من الخوف والمفاجأة في آنٍ واحد..

همس أمام وجهها بوجه ممتقع وهو يحذرها بصوتٍ أجش: انطقي بكلمة ولا قولي حاجة وساعتها هتلاقي رجالتي مستنينك برا عشان يروقوكِ، ثم شملها بنظراته الماكرة من أعلاها لأخمص قدميها وتابع باستفهام وهو يغمزها بوقاحة: عارفة هيعملوا ايه ولا اقولك انا؟

اهتزت مُقلتيها بخوف وعلت وتيرة تنفسها وهي تنظر لهُ بذعر كالفرخ المبلل وهي على وشك البُكاء، فابتسم وتركها ثم قال تابع بكل هدوء: شاطرة شكلك فهمتي اتفضلي علي شغلك وياريت توسعي فساتينك شوية عشان انتِ معصعصة ذنبنا ايه نتفرج على عضم احنا؟
اتسعت عينيها ذهولًا وتخضب وجهها بالحمرة خجلًا وقبل أن يضيف شيءً آخر كانت قد اختفت من أمامه بعد ركضها بخجلٍ شديد..

زفر ونظر بجانبه ليجد نادين تحملق في وجهه بعد توقفها عن البُكاء، بسبب عرضه المسلي، ابتسم وقال بهدوء بعد أن فهم المغزى من نظراتها: لو مقولتش كده كان هيبقى في سين وجيم وجدك يعرف مكانكم بقي وقصة..
أومأت بتفهم وهي تستنشق ما بأنفها ثم سألته ببحة إثر البُكاء: بس انت ليه قولتلها معصعصة؟
قال بصدق من فرط ضجرة وهو يجلس بجانبها: عشان هي معصعصة فعلًا!.

أطرقت رأسها ونظرت إلى جسدها قليلًا ثم سألته باستهجان: لما هي معصعصة انا ايه؟
ابتسم وهو ينظر لها ثم قال بتسلية: انتِ هربانة من مدرسة اعدادى يا نادين مسمعش صوتك..
رمشت ببطء وهي تنظر لهُ ثم قالت بدون تعبير مُزِج بسخط: انت سخيف على فكره ومش لطيف خالص..

ضحك وهو يعقد يديه أمام صدره ثم قال بثقة: حد قالك اني بهزر؟ انا بجاوب عليكِ بالحقيقة في فرق بين انك تبقي حلوة و انك تبقي مُزة ونصيحة مني اعتبريها من أب لبنتـ، ضربت كتفه بغيظ وهي تقول بوجه شديد الإحمرار مكفهر من الغضب: انت رخم اوي وانا مش عايزه رأيك قال أب قال!
ابتسم وقال بمرح وهو يقف: انا رايح اجيب اكل ادخلي اطمني عليها، وتركها وذهب..

تنهد جاسم وهو يخلل أنامله داخل خصلات شعره ونظرة معلق على تلك المُسطحة فوق الفراش بقلق..
ربتت والدته التي جاءت من منذُ قليل على كتفه برفق وهي تطمئنه برفق: متقلقش يا حبيبي هتبقي كويسة، ثم عانقته بقوة واسترسلت بحنان بالغ: حمدا لله على سلامتك ليه مكلمتنيش طول الأيام اللي فاتت دي؟ قلقتني عليك؟

ربت على ظهرها بحنان هو يشدّ على عناقها بقوة زافرًا بتعب لتسترسل بقلق بسبب تلك الزفرة الحزينة: مالك يا حبيبي في ايه؟
فصل العناق وسألها بحيرة وعلامات الهم مُرتسمة على تقاسيم وجهه الجميل: عشق عندها اخوات يا ماما؟
نظرت له بعدم فهم ثم قالت وهي تضحك بتعجب: اخوات ايه يا جاسم دي مولودة علي ايدك! اخوات ايه بقي؟

ابتلع شفتيه بين أسنانه وشدّ شعره بعصبية وقال بحيرة وهو يدور حول نفسه: ده اللي مجنني مجنني ومش عارف اعمل ايه؟
سألته باستفهام بنبرة غلب عليها الحزن: مالك يا حبيبي في ايه؟
باغتها بسؤالٍ جعلها تشحب: مين حبيب تعرفيه؟
ارتبكت واهتزت مُقلتيها باضطراب ثم قالت بتلعثم: انت، انت، عرفت الاسم ده منين؟

ابتسم بعصبية ورفع سبابته وأشار على وجهها الشاحب كأنهُ تم الإمساك بها وهتف باستفهام: مش معقول اسم حبيب لوحده يقدر يربكك بالطريقة دي! مين حبيب ده؟ انا عارف ان في قصة وحاجة انا مش عارفها بس لازم اعرفها!
أبعدت نظرها عنهُ وهي تغمض عيناها بحزن فتلك الذِكريات السيئة التي تطاردها لا تُريد أن تتذكرها مجددًا، ولا أن تذكرها حتى!

أردفت بنبرة ثابتة وهي تتحاشى النظر لهُ: ده شخص عابر في حياتنا مالهوش دور فيها اصلا مفيش داعي نتكلم في الموضوع ده!.
ردّ بغضبٍ مكتوم وهو يضم قبضته: انا كل الايام دي كُنت عند تغريدة في الصعيد واتكلمنا عن حبيب وقالت لي دور عليه..

نظرت لهُ والدته بإرهاق ثم قالت متوسلة بنبرة مهتزة: جاسم يا حبيبي الموضوع ده مش هيفيد دلوقتي و مالهوش لازمة خالص ياريت متتعبنيش وتضغط عليا عشان مش هقول حاجة، ثم توقفت واسترسلت بعينين دامعتين: متفكرش في الموضوع ده عشان خاطري وبعدين ايه اللي جاب سيرة الموضوع ده هناك؟
وهُنا توقف هو مرتبكًا فماذا سيخبرها؟ سيحدث لها شيء ان علمت ان عشق مُختفية ولا يجدها، وهو لا يستطيع أن يُجازف فهي مريضة..

أنقذه من هذا المأزق صوت تأوه جـنّـة بخفوت، هرع إليها بقلق ووقف أمام الفراش وظل يحدق بها منتظرًا أن تستعيد وعيها كاملًا..
تقدمت روحية بعد أن قامت بمحو عبراتها بيدٍ مرتجفة، جلست بجانبها وأخذت تُربت على شعرها بحنان وهي توقظها برفق: عشق يا حبيبتي انتِ كويسة؟

فتحت عينيها كاملةً، ثم إعتدلت جالسة وهي تتأوه بخفة تحولت إلى صرخات متألمة وهي تضع رأسها بين يديها وتلك الأصوات المزعجة وذلك الضجيج بدأ في التعالى داخل رأسها كأنها في حفلٍ صاخب تقف بجانب المُكبرات الصوتية..
حاولت روحية إبعاد يديها وهي تسألها بقلق: مالك يا حبيبتي في ايه؟
شهقت وهي توصد عينيها بقوة وبدأت تبكِ بألم وهي تقول بتقطع: راسي بتوجعني اوي، وفي اصوات في دماغي عالية اوي بس مش واضحة..

ابتعد جاسم إلى الخلف، وأخرج هاتفه سريعًا وهاتف الطبيب وهو يراقبها بثقب، فيبدو أن ذاكرتها سوف تعود..

بينما في ذلك الحي الشعبي الآن..
كان مسعود يجلس في ذلك المقهى يُلاعب صديقه تلك اللعبة المُسماة بالطاولة بتركيز وهو يقهقه بصوتٍ أجش قاسي كُل برهه وأخرى عِندما يتقدم على صديقه الذي يلاعبه..
وفي هذا الوقت تحديدا كان المعلم يوسف يجلس على مكتبه الجانبي داخل المقهى يحدق بـ مسعود بتفكير..

ترك مقعده واتجه إلى الخارج، وقف قليلًا يراقب الطريق بترقب، فالنهار يكاد يندثر وتغرب الشمس ومازالت لم تحادثة أو تبعث في طلبه هل يذهب إليها هو؟
كاد يتحرك ويذهب إليها لكن استوقفه سماع همس امرأتين من مكانٍ قريب يبعد عنه ببعض السنتيمترات فقط وكالعادة جميع النساء يظنون أن صوتهم مُنخفض وخاصتًا عِندما يخص الشيء الغيبة والنميمة..

=: و هنقوله ازاي ان بنته قاعدة في شقة مفروشة بعد ما جات وش الصبح وكمان خالعه الحجاب!
تنهدت المرأة الأخرى وقالت وهي تلاعب حاجبيها: زي الناس لازم يعرف بنته الشريفة بتعمل ايه؟ ده حتي الراجل الـ إداها شقة وهو عارف هي مين وبنت مين!

تفجرت الدماء داخل عروقه و أكفهر وجهه من الغضب ثم تقدم من كلتيهما، أفزعهم عِندما قال بعصبية مفرطة: انتِ بتشتمي مين انتِ؟ ليكِ جوزك هرد عليه ماشي، وعلي فكره بقي دي مش جـنّـة وأنا سألتها وقالت لأ اكيد مش هتيجي تستخبي في مكان كل الناس عارفاها فيه؟ وياريت كل واحده تخليها في حالها اخرتكم هتبقى وحشة اتقوا الله بقي!

وتركهم ودلف إلى المقهى من جديد وهو يفكر بضيق وفي ثوانٍ قليلة كان الخارج فارغًا من وجود تلك المرأتين نهائيًا..
مرت نصف ساعة هادئه، كان غارقًا بأفكاره بين تردده في إخبار مسعود كي يراها، وبين التكتم عن الأمر، مُتحير لا يعرف ماذا يفعل!، ليسمع بعدها صوت رجلًا غاضب يدلف إليه وهو يركل المقاعد في طريقة بعنفٍ شديد: انت فاكر ان مفيش كبير للحارة الزفت دي ولا ايه؟ ازاي تزعق لـ مراتي في الشارع؟

وقف المعلم يوسف وهتف بعصبية: وطي صوتك وانت بتتكلم وابقي افهم قبل ما تيجي تتخانق!.
ركل الرجل المقعد بغضبٍ جام ونفرت عروقه بقوة: افهم ايه وانت موقفهم في الشارع و بتزعقلهم هي دي الرجولة؟
ابتسم المعلم يوسف بسخرية وهتف بتهكم: اه اصل انا اللي كنت واقف اتكلم على خلق الله!

ضرب الرجل المكتب بقبضته بغضب ثم قال بأعلى صوته جعل الجميع ينتبه لهُ ومسعود كان من بينهم: بتقول ايه يعني ما بنت مسعود فعلًا عندك مِداريها في الشقة ولا انا بكذب وجـنّـة مش عندك؟
وقف مسعود وقلب الطاولة بغضبٍ ثم تقدم منهما وهو يضخم صدره وهتف متهكمًا: بتتكلموا عن بنتي قدامي؟

استدار الرجل له وقال بقوة وصوت مرتفع كأنهُ يحادث أصم: بنتك قاعدة في شقة في عمارة المعلم ده ومراتي كانت جاية تعمل خير و تقولك علي اللي بيحصل بدل ماتبقي قُرني! لكن ده وقفها و زعقلها وقال ايه دي مش بنتك وواحدة جاية تأجر شقة عادي؟

صرخ به المعلم يوسف وهو يلتقط مفاتيحة بعصبية بسبب تلك الإتهامات الباطلة: تعالوا معايا وشوفوا عشان تبطل تقول اني مقعدها عندي ومداريها وهي جـنّـة، ثم استرسل وهو يحدق بـ مُسعد ذات الوجه الممتقع من الغضب وهو يستمع لهما: هي بس شبه بنتك شوية لكن مش هي ومش محجبة بنتك إزاي هتعمل كده يخلق من الشبه اربعين يا جدع؟، ثم سار وتقدم عنهما في السير وهُما خلفه هُما وبعض الجيران الذين كانوا يشاهدون ما يحدث باهتمام..

بينما في البناية وخاصتًا شقة عشق، في غُرفتها..
كانت قد بدأت تستفيق بالتدريج وهي تتقلب في الفراش بنعومة حتى أستقرت نائمة على معدتها وظلت تحدق في ستائر الغرفة وهي ترمش بأهدابها الطويلة ببطء، فهي جبت عنها الضوء عدى ذلك الذي تسلل من خلف الستائر الرقيقة فأضاء إضاءة خافتة هادئه تُفضلها..

أغمضت عينيها قليلًا وهي تبتسم بخفة عائدة بذكرياتها إلى تلك الذكرى من أربع سنواتٍ سابقة، تلك الذكرى التي أوقعتها في شباك قُصيّ..
عودة إلى وقتٍ سابق..
ذات يوم في عامِها الدراسي الأول عِندما كانت تمكث في القاهرة لأنها وجب عليها حضور جميع محاضراتها كل يوم بسبب جهلها بكل ما يخص الدراسة..

تحديدا في ذلك اليوم الخاص بتلك الرحلة التي أقامتها الجامعة، باهظة الثمن إلى إحدى المناطق الساحلية، وفي الطريق أثناء جلوس عشق في الحافلة المليئه بالطلاب منهن من كانت تعرفهم ومنهن لا..

كانت جالسة بجانب النافذة تضع سماعات الأذن خاصتها شاردة الذهن وهي تُراقب الطريق بهدوء من خلف نظارتها الشمسية حتى وكزتها الفتاة التي بجانبها بسبابتها بقوة جعلها تزفر وهي تنزع السماعات من أُذنها بضجر ثم نظرت لها باستفهام..
فقالت وهي تبتسم أثناء تحديقها بالرجل الذي يقف بجانب المُشرف يبتسم للجميع بهدوء: المشرف هيقول حاجة مهمة انتبهي..

رفعت عشق نظارتها الشمسية فوق شعرها الفحمي الناعم، ثم نظرت أمامها وبحثت عن هذا المُشرف بأنظارها في المقاعد الأمامية وهي تقطب حاجبيها بملامح فارغة، لتجده وأخيرًا يقف بجانب باب الحافلة..
هرب شهقة متفاجئة من بين شفتيها واتسعت عيناها عِندما وجدت قُصيّ يقف بجانبه، يبتسم بجاذبية، ذلك الساذج ماذا يفعل هُنا؟!

سقطت فيروزتيها داخل بُنيّته الماكرة ليغمزها بعبث وهو يبتسم فـ أبعدت نظرها عنهُ بارتباك وعادت تنظر من النافذة وهي تقبض على حقيبتها بقوة فماذا يفعل هذا هُنا؟

أخرجها من شرودها صوت المُشرف وهو يقول بابتسامة: يا جماعة أحب أقدملكم قُصيّ رشدان، انتوا عارفين ان الرحلة للطلبة بس وقُصيّ للأسف مش طالب معانا، بس هو جه مخصوص عشان البنت اللي بيحبها هنا وانا مقدرتش امنعه عشان بحترم الاشخاص الصريحة اللي زيه و دلوقتي هو عايز يقولها حاجة..

انتبه لهُ الجميع ونظروا لهُ في ترقب، ليتنهد قُصيّ بثقل ثم قال بجديه وهو يبتسم: بصوا يا جماعة انا مش هقول هي مين، انا عايزها هي تخرج وتيجي هنا..
تبادلت جميع الفتيات النظرات معًا بشك عدى عشق التي ظلت تحدق من النافذة باقتضاب وكأنها لا تسمع شيء بالتأكيد ليست هي هو لم يقابلها سوى مرة واحدة! لعينة على رأسه..

حملقت الفتاة التي تجلس بجانب عشق في قُصيّ بإعجاب وهي تقيمة بنظرات ماكرة حتى عاد وتحدث بنبرة مُحذرة أكثر: فتاة الإندومي هتخرج ولا أخرجها انا؟
توردت وجنتيها بخجل وأخفت جسدها وهي تنزلق من فوق المقعد حتى لا تظهر لتجد الفتاة التي بجانبها تصرخ بحماس وهي تقف ثم ركضت إلى قُصيّ وهي تقول بسعادة: حبيبتي، مكنتش عايزه اعرف حد دلوقتي بس مش مهم..

رفعت عشق جسدها وهي تهز رأسها باستنكار مع رفع زاوية شفتيها بسخرية وهي تنظر لها بسخط..
لتفرغ فاهها عِندما وضعت الفتاة مرفقها فوق كتف قُصيّ بكل راحة وهي تلتصق به! تلك الكاذبة المتبجحة؟!
ابتسم قُصي ورفع حاجبيه وهو يحدق بتلك الفتاة التي لا يعلم من تكون وظل صامتاً ليحثه المُشرف على التحدث وهو يقول بابتسامة: ايوه لقيتها بعدين؟
نظر لهُ قُصيّ وقال باستفهام: ولا قبلين اعمل ايه؟

نظر لهُ بتعجب ثم قال: مش هتعترف بحبك وتطلب منها الجواز؟
ضحك قُصيّ وأشر على نفسه وهو يسأله بعدم فهم: انا؟ لا لا انت فهمت غلط اقف علي جنب ياسطي، ايوه هنا شكرا، وترجل من الحافلة وترك الجميع يضحك على الغبية التي خرجت لهُ وفضحت نفسها الآن وهي كاذبة..
ضحكت عشق بتشفي وهي تحدق بها كيف تعود مطرقة رأسها بخجل ثم نظرت من النافذة وهي تبتسم لتجد ورقة قُذِفت عليها من الخارج آلمت أناملها التي سقطت فوقها..

نظرت لها بتعجب ثم وقفت وأخرجت رأسها من النافذة وهي تنزع نظارتها الشمسية ليتطاير شعرها الفحمى بنعومة وهي تبحث عن صاحبها لتجد قُصىّ يسير بثقة وهو يضع يديه داخل بنطاله كـ فتى سيء يوليها ظهره، الوغد..
بدأت الحافلة بالتحرك من جديد، جلست بهدوء ثم فتحتها في الخفاء لتجد الورقة ملفوفة حول احدى الحصوات الصغيرة نُقش عليها بخط جميل راقي هستناكِ في الفندق ..

كورتها داخل قبضتها بغضب ثم همست لنفسها بازدراء: حقير وحيوان، هيوصل ازاي اصلا؟ مجنون!
وصلوا بعد بعض الوقت، أخذ كل اثنين مُفتاح الغرفة الخاصة المشتركة بينهما وصعدوا..
بينما عشق ظلت جالسة فوق أحد المقاعد فى الأستقبال تنتظر انتهاء جميع زملائها وصعودهم بسبب الزحام والتكتل أمام المصاعد..

تحركت تجاه المصعد عِندما انتهي الزحام، وثبت إليه بهدوء ونظرت أمامها متابعة إغلاق الباب لتجد يد وضعت في المُنتصف أوقفته وجعلته يفتح من جديد ليطل عليها قُصيّ وهو يبتسم بانتصار، دلف وأغلقه ثم استدار وتقدم منها وهو يضيق عينيه بخطورة..
عادت إلى الخلف بترنح وجزع شاعرة بالخوف وأشياء أخرى لم تستطيع تفسيرها لكن لم تنكر خوفها وتفاجئها منهُ في أنٍ واحد..

قهقه قُصيّ ببحة رجولية دغدغت حواسها وظل يتقدم منها حتى التصقت بالحائط لـ يحاصرها بـ بنيته القوية وطوله الفارع أمام قصر قامتها بجانبة..
مال بجذعة عليها وهمس أمام وجهها وهو يبتسم متأملًا ملامحها النقية الناعمة وذلك التورد البسيط لتضرب أنفاسه الدافئة صفحة وجهها: هستناكِ النهاردة بليل!

شهقت واتسعت عيناها بقوة، امتقع وجهها بغضب ثم رفعت يدها باندفاع وهي تقول بانفعال: انت حيوان وحقير و، وصمتت عنِدما قاطعتها بعبث وهو يثبت يدها خلف ظهرها لكن ليس بقوة: ايه يا قمر الأفكار دي بس انتِ اللي نيتك مش صافية خالص، واسترسل ببحة رجولية وهو يقرب وجهه منها أكثر صانعًا تواصلا بصريًا مع تلك الفيروزتين البراقة الآية في الجمال لتكتم أنفاسها بدورها وهي تخفض وجهها بخجل: في حفلة هنا في الفندق بليل هستناكِ، وهتيجي، تركها مع انفتاح المصعد الدال على وصولها الطابق المطلوب..

ابتسم ونظر إلى رقم الطابق ثم غادر وهو يطلق صفيراً، لتتنفس الصعداء بثوران وهي تهدأ نفسها واضعة يدها على قلبها، اندفعت إلى الخارج تبحث عن رقم الغرفة بارتباك وهي بالكاد تصمد وتقف علي قدميها التي أصبحت هلامية من فرط التوتر، حتى وجدتها ودلفت وأغلقت خلفها، ليبتسم من مكان وقوفه في أحد الزوايا بعد أن علم رقم الغرفة الخاصة بها ثم غادر نهائيًا..

أخذت حمامًا دافئ وخرجت من دورة المياة وهي تجفف شعرها لتجد الغرفة مازالت فارغة! أين شريكتها في الغرفة؟.
أخرجها من شرودها صوت طرقات هادئه فوق الباب، ارتدت منامتها النبيذية المكونة من بنطال يعلوه كنزة حريرية ناعمة بأكمام، اتجهت إليه وفتحته سريعا ظنًا أنها صديقتها لكنها وجدت أحد العاملين في الفندق يقف أمامها..

نظرت له باستفهام وتساؤل، ليبدأ بالتحدث باحترام وهو يمدّ يده لها بصندوقٍ عريض مخمليّ أنيق: الحاجة دي جاتلك..
قطبت حاجبيها بتعجب ثم هزت رأسها وهي تبتسم قائلة بهدوء: أكيد في حاجة غلط انت غلطان في رقم الأوضة!
ابتسم وهز رأسه نافيًا بهدوء: لأ مش غلط ولا حاجة مش انتِ فتاة الإندومي؟

فغرت فاهها بعدم تصديق وهي تنظر لهُ بصدمة بأعين متسعة بقوة وقد احمرت خجلًا رغمًا عنها، الغبي فضحها في الفندق، ثم نظرت إلى ذلك الصندوق وسألته بتلعثم وهي ترمش: د، ده، من، مين، ده؟
رد باحترام: صاحب الفُندق..
رفعت حاجبيها وكتفت يديها أمام صدرها وهي ترفع أناملها تبعد شعرها الرطب إلى الخلف، وأعادت سؤاله: ده اسمه ايه؟
ردّ بهدوء: قُصيّ رشدان..

هزت رأسها بتفهم وقبل أن تتحدث مدّ يده بالصندوق تجاهها لتبسط يدها ببطء، ويضع الصندوق فوقها وهو يقول بابتسامة: الحفلة هتبدأ الساعة 9
استدار ليذهب لكن أوقفته بسؤالها سريعًا باستفهام: المفروض يكون في واحدة معايا في الأوضه راحت فين؟

ابتسم وردّ بهدوء: في تعليمات انك تكوني لوحدك عشان محدش يضايقك، ولم يمهلها فرصة للرد وغادر سريعاً، تنهدت وهي تغلق الباب خلفه، واسندت ظهرها عليه قليلًا، ثم تحركت تجاه الفراش، وضعت الصندوق فوقه وجلست بجانبه تحدق به باقتضاب حتى رن هاتفها..
التقطته وهي تزفر لتجده رقم غير مُسجل!
ردت بخمول: ألو!
ابتسم بمكر وهو يسألها بعبث: صحيتك من النوم ولا ايه؟

شهقت بخفة واتسعت عينيها وتفاجئت في بادئ الأمر ثم تداركت هذا وتنهدت بضيق وهي تسأله: انت عايز ايه؟
تنهد وهو يجلس على سور الشرفة بسرواله القصير خامة الجينز الثقيلة، لونه أبيض تاركًا جذعة عاري وهو يقول: عايزك تيجي الحفلة مش ممكن؟

ردت بعصبية مُفرطة وهي تقول بفظاظة: لا مش ممكن اجي، وانت فاكر نفسك ايه اصلا عشان تجيبلي هدية؟ انت لو قُدامي دلوقتي كُنت رميتها في وشك يا حقيـ، الو، الو!، أغلقت الهاتف وقذفته على الفراش وهي تصرخ بفقدان صواب، وصدرها يعلو ويهبط بعنف من الغيظ وفرط انفعالها، لتسمع صوت طرقات فوق الباب..
اتجهت لهُ بعصبية وأدارت المقبض وفتحته بغضب ليتطاير شعرها من اندفاع الهواء القوي..

توقف مشدوهة وهي تجد قُصيّ يقف أمامها يعقد يديه أمام صدره العاري يحدق بها بتسلية..
تخضبت وجنتيها بحمرة خجولة وهي تنظر لهُ ذاهلة بوضوح ظهر جليًا على تقاسيم وجهها..
ليقول بعدم اهتمام وهو يرفع حاجبيه: يلا ارميها في وشي انا قدامك اهو يلا؟!
قضمت شفتها بـ غٍل ثم صفقت الباب بوجهه واستدارت على عقبيها سريعًا وحملت الصندوق وعادت أمام الباب..

فتحته ثم قذفت الصندوق عليه ليبسط يديه و يلتقطه وهو يضحك، ثم قال بعدم اهتمام مزدري: خلاص ارتحتي كده شكرا، كادت تغلق الباب لكنهُ دلف ودفعها من كتفها بمنكبه كان يوقعها، وضع الصُندوق فوق الفراش، قام بفتحه وهو يتحدث بهدوء أثناء إخراج الفستان الرقيق وتعليقة فوق الخزانة: الحفلة الساعة 9 و الفستان اهو متعلق قُدامك عشان متنسيش والجزمة في البوكس هستناكِ..

ضمت قبضتها بغضب وصل لذروته وهي تغمض عينيها بقوة قائلة بنفاذِ صبر أثناء تأشيرها على الباب: اخرج بره وخُد القرف ده معاك بدل ما ارميه من الشباب دلوقتي!
توقف واستدار لها ببطء ناظرًا لها باستهزاء لتبعد نظرها عنهُ بارتباك..
اعتلي ثغره ابتسامة جانبية عابثة وهو يقول: اعملي كده و هطردك من الفُندق بتاعي وتبقي سلميلي علي المشرف بتاعك بقي يا؟ اسمك ايه؟

صرخت به بحدّة وهي تشعر بالدماء تغلي داخل عروقها من تلك الوقاحة: انت مال اهلك؟
ضحك وهو يثني عليها: عاشِت الأسامي..
حذرته للمرة الأخيرة بتهديد وهي ترفع رأسها بشموخ: لو مخرجتش برا هلِم عليك الفُندق كُله يامدير يا مُهزق..
لوك بلسانه داخل فمه وهو يضيق عينيه ثم سار تجاه الخارج دون التحدث، يضع يديه داخل جيب سرواله القصير لتستوقفه عِندما سألت باقتضاب: جبت رقمي منين؟

ابتسم وقال هامسًا بتسلية وهو يميل بجذعه عليها: هقولك في الحفلة، ثم ضرب كتفها بكتفه بخفة واسترد قائلًا بمكر: وانتِ هتيجي عشان تعرفي يا احمر يا خجول انت..
شهقت بخجل ونظرت لهُ بغضب لكنهُ كان قد اختفى من أمامها، صفعت الباب خلفه وهي تقطب حاجبيها بانزعاج ثم رفعت يدها وتحسست وجنتيها الحارة بطرف أناملها وهي تزفر بضيق، ثم ضحكت بخفة وهي تهز رأسها بيأس بسبب ذلك المجنون..

صدح صوت رنين هاتفها من جديد، تقدمت منهُ بتكاسل ظنًا انه ذلك المجنون لكنها وجدت جاسم..
حملته سريعا وردت بابتسامة: الو..
ابتسم جاسم وسألها بحنان: حبيبتي عاملة ايه؟
ابتسمت بنعومة وقالت باشراق وهي تجلس فوق الفراش: الحمد لله لسه واصلة من شوية..
تذمر بحزن استشعرته: خيانة ليه مقولتيش إن معادها النهاردة؟
سألته بحماس وعيناها تتوهج بسعادة: ليه كُنت هتعملّي مفاجأة وتيجي ونتجنن سوى؟

ضحك بهدوء وقال متأسفًا وهو يبتسم: انتِ عارفة اني مشغول جدا الأيام دي وبعدين انتِ عارفة ماليش في الجنان انا..
اختفت ابتسامتها المُشرقة وتبسمت بحزن وهي تهز رأسها كأنهُ يراها، مُستمرة في الإستماع إلى بقية حديثة بهدوء حتى انتهت المكالمة وأغلقت الهاتف بإحباط، فهو هادئ ويتصرف مع كل شيء بعقلانية وهي بحاجة لشخصٍ مثل ذلك المجنون، هو تسلل إليها من نقاط ضعفها..

وضعت الهاتف فوق الفراش وحدقت في ذلك الثوب المُعلق أمامها وهي تفكر بحيرة! هل تذهب؟ حتى إن ذهبت سوف تذهب كي تعرف كيف أتي برقم هاتفها! صحيح!
رن الهاتف من جديد فأخذته بضجر لتجد رقم غير مُسجل مُختلف عن السابق..
فتحت الهاتف بإرهاق لـ يأتيها صوته المتسلي وهو يقول أثناء تحديقة في السقف: متتأخريش هستناكِ، ثم استرسل وهو يسألها باستفهام: ابعتلك ميك آب أرتست عشان تظبتلك الآيلاينر؟

كتمت ضحكتها وهي تضع يدها على فمها ثم قالت بتعب: انت سخيف اوي علي فكره، وأغلقت الهاتف بوجهه..
حل المساء عليها وهي ما زالت جالسة محلها تفكر ولم تتوقف عن الضحك قط بسبب الرسائل التي يبعثها لها مُنذُ الصباح، ابتسمت وتركت الفراش ثم أخذت ثوبها المعلق ودلفت إلى دورة الميـ..
أخرجها من دوامة ذكرياتها صوت طرقات الباب العنيفة، انتفضت من فوق الفراش بخوف وقلبها يخفق بعنف فماذا يحدث؟!

وقفت عن الفراش وتحركت سريعًا إلي الخارج لكنها غيرت وجهتها عِندما شعرت بالإعياء وعادت إلى دورة المياة راكضة، وظلت تتقيأ بإعياء وهي تجثو على ركبتيها في الداخل..
وقفت بوهن بعد انتهائها، سارت بترنح إلى الخارج وهي تلتقط أنفاسها بتعب، توقفت خلف الباب بخوف تنظر لهُ متوجسة من ما ينتظرها خلفه، لكنها تقدمت وأدارت المقبض وفتحته عِندما سمعت صوت المُفتاح يدور داخل المقبض..

دوت صوت صرختِها المُتألمة وهي تشعر بنفسها تسقط أرضًا عِندما هوت صفعة قاسية فوق وجنتها من يدِ مسعود الخشنة، وهو ينظر لها بشراسة..
نزع المِفتاح من المقبض وهو يُزمجر بغضب ثم دلف ودفع البقية خارجًا وأغلق عليه من الداخل ليبقي هو وهي فقط..

رفعت نفسها وهي تستند على راحة يدها وعبراتها تنهمر، كاتمه شهقاتها من فرط الخوف، عادت إلى الخلف وهي تنظر إلى عينيه التي تحدجها بنظراتٍ متوحشة بفزع حقيقي، إنها تتذكرة، انهُ والد جـنّـة ولن يرحمها..

حركت شفتيها المرتجفة محاولة تجميع كلمة صحيحة: انـ، انـ، انـ، أنا، مش، مش، مشـ، صرخت عندما قبض على شعرها بقوة كاد يقتلعه بين يديه وهو يسألها بجفاء: فين قُصيّ يا بنت آلـ فين ها بتعملي ايه هنا لوحدك؟ فين حجابك؟ ايه اللبس ده يا فاجرة يا فاقدة؟.

شهقت بحرقة باكية وهي تتوسل إليه بنبرة مرتجفة: اسمعني، اسمعني، أنا والله مشـ، ارتطمت رأسها أرضًا بعنف عندما سدد لها لكمة خدرت وجنتها ثم ركل معدتها بقوة ضارية دوت إثرها صرختها القوية المُتألمة شاعرة بانسحاب روحها منها وهي تتلوى، ومع هذا لم يتوقف بل كان يزداد تعنيفًا وعُنفا كُلما سمع صوت الطرقات العالية التي تأتي من الخارج كأنهم يذكروه بما فعلت وأن الجميع رآها وتم فضحه بسببها..

ركض صبيًا تجاه منزل جـنّـة سريعًا كي يخبر والدتها رُبما تستطيع التصرف وانقاذها من براثن هذا الرجل..
في المستشفي في هذا الوقت..
تنهد قُصيّ وهو يلح عليها كي تتناول الطعام: انتِ مكالتيش من امبارح كُلي!
جلست بجانبه على الأريكة داخل غُرفة والدتها وظلت تحدق في جسدها الراقد فوق الفراش دون حراك بحزن وهي علي وشك أن تبكِ من جديد..

مسد قُصيّ جبهته وقال بإرهاق: هتبقي كويسة وهتفوق شوية كده متخافيش خلاص بقِت بخير..
غمرت وجهها بين يديها وأجهشت في بُكاء مرير وهي تقول بأسى: مش ده اللي بيخليني اعيط!
قضم شفتيه وهو يطرقع أصابعه بقوة ثم سألها من بين أسنانه: اومال؟
رفعت رأسها وجففت عبراتها بظهر يدها وهي تقول بخفوت: فُصيّ أنا خايفة..
سألها بشفقةٍ حقيقية: من جدِك؟

هزت رأسها بنفي وهي تنظر إلى ليلى تتأكد انها نائمة ولم تستيقظ بعد ثم عادت بنظراتها لهُ وقالت بخوف: قُصيّ أنـ، لم تكمل بسبب رنين هاتفه داخل جيب سترته، زفر وأخرجة بضيق ثم ردّ دون النظر لهوية المُتصل لينتفض قلبه قبل جسده من محله ويركض إلى الخارج متسابقًا مع الوقت حتى يصل سريعًا بعد ما سمع هذا القول..
في الفندق لدي جاسم..

تحدث الطبيب بعد فحصه لـ جـنّـة وقال بنبرة مطمئنة: متقلقوش هتبقي كويسة الظاهر كده إنها اتخبطت جامد ودي اشارة كويسة إنها بدأت تفتكر و هتفتكر واحدة واحدة مفيش اي قلق، لو فضل الوجع موجود تقدر تيجى سعِتها المستشفى..
أومأ لهُ جاسم بهدوء وسار معهُ حتي أوصله خارج الغرفة ثم عاد إلى الداخل، توقف أمام التخت ثم قال بهدوء دون أن يراعي مشاعرها: الفرح هيتأجل عشان حالتها متسمحش لأي أفراح..

ارتجفت جـنّـة وهي ترفع رأسها تُناظره بانكسار لكنهُ لم يُكلف نفسهُ عناء النظر لها..
لتبتر والدته جملته التي كادت تخرج من بين شفتيه متحدثة باعتراض: والحجز! احنا كده هنخسر فلوسنا؟

نظر لها نظرة خاوية فارغة ثم قال بلا مبالاة وهو يهز كتفيه: نخسر! محدش قالك اعملي الفرح واحجزي من غير ما اعرف؟، ثم ترك الغرفة وغادر لكنهُ توقف أمام الباب واستدار قائلًا: انا مروح دلوقتي وهتلاقوا عربية تحت مستنياكم عشان تروحكم سلام..
شهقت جـنّـة بحرقة و قلب مُنفطر، مراقبة ذهابه و اغلاق الباب خلفه وهي تنتحب وعيناها مُعلقة على ثوب الزفاف قائلة بحسرة: خلاص جاسم بقي بيكرهني ومش عايزني بقي بيكرهني..

عانقتها روحية بقوة وهي تمسد على ظهرها بحنان وظلت تتلو عليها بعض الآيات من القرآن الكريم حتى تهدأ، حقًا لا تعرف ما الخطب مع ابنها لا تعرف..
في الحارة، لدي عشق..
توقف بالسيارة بجانب الطريق بتجهم، ثم ترجل منها سريعًا وركض داخل الحارة بقلب يخفق بعنف، متلفتًا حوله بجنون وملامحه ترتعش دون أن يعلم أن يذهب، لكن الضوضاء والتجمع لفت نظره وجعله يركض إلى تلك البناية بقلق..

صعد الدرج بخطواتٍ مُتلاحقة الدرجة بدرجتين وهو يلهث دافعًا كُل من يُقابله أثناء صعوده بقوة، ولأول مرة يشعر بانقباض قلبه عليها بهذا القدر من الخوف..
توقف أمام باب الشقة ليتركوا لهُ المجال ويبتعدوا إلى الخلف عِندما تعرفوا عليه، طرق الباب بقوة! لا بل ركلة وهو يصيح بصوتٍ خشن مُرتفع: إفتح ياعمي!

ركله من جديد بثوران وهو يتنفس بانفعال عندما سمع صوت صُراخها المتقطع حتى توقف نهائيًا ليصرخ بقوة: افتح يا عمي بدل ما أكسره..
ابتعد إلى الخلف وهو يزجرهم بعنف مُستنكراً موقفهم قائلًا بعصبية: بتتفرجوا!.
ركل الباب بقوة وهو يزمجر بغضب ثم بدل الوضعية وأخذ يدفعه بكتفه بغضب جام وهو يلعن عمهُ شاتمة من بين أنفاسه ويقسم أنهُ سوف يبرحه ضربًا..

انخلع الباب وفُتِح على مصراعية وأخيرا ليهرع إلى الداخل وقبل أن يفكر بالبحث عنها أبصرتها عيناه راقدة وذلك البغل يجثم فوقها، يضربها بوحشية..
توهجت عيناه بلهيبًا مُشعل وركض تجاهه بجسد متصلب، رفعه من ياقة ملابسه بقوة مُبعدًا إياه عنها ثم سدد لهُ لكمتين عنيفتين ودفعه بعيدًا عنهُ، فقط لو لم يكن عمه لجعل وجهه يشرِب دمًا..

سقط مسعود أرضًا بعنف، رفع رأسهُ ونظر لهُ بأعين جاحظة وهو يضع يده مكان اللكمة مصدومًا من فعلتهُ المتهورة التي سوف تكلفه الكثير، وهو يعرف هذا..
جثي قُصيّ على ركبتيه أمامها بخوف وهو يتطلع إلى وجهها الشاحب المجروح، فاقدة للوعي، ليرفع قدمة فجأة عِندما شعر بذلك السائل يخترق قماش بنطاله بللة جعله يلتصق على ركبتيه..

جحظت عيناه وشعر كأن أحدًا طعنه بسكينٍ حاد عِندما ابتعد وأبصر بقعة الدماء القانية أسفلها والتي لوثت بنطالها ذا اللون الفاتح!.
رفع أنامله وتحسس وجنتها المكدومه بخفة كأنهُ يلمس زجاج، هامساً باسمها بصوتٍ مُتألم: عشق!، ثم حملها بين يديه كـ جثة هامدة لا تتحرك وأخذها وذهب..
في الصعيد في المستشفى..
صاح آدم بضجر وهو يفتح ستائر الغرفة: كفاية نوم بقي احنا خلِلنا جنبك اصحي!

تقلب عمّار على الفراش وهو يتأوه بخفوت متابعًا غفوته التي لم يبرحها الألم والتعب قط..
أردف بتعب وهو يغمض عيناه: بس يا آدم عايز أنام..
تقدم آدم وجلس بجانبه فوق الفراش ثم سأله بمكر: مش عايز تطمن على حبيبة القلب؟
قال أثناء تقلص ملامحه بألم، وهو ينزع المحلول المحقون داخل يده: عارف انها بقِت كويسة..
رفع آدم حاجبيه وسأله باستفهام: عرِفت منين؟
قال بتعب وهو يتذكر: حلِمت بيها!

رفع آدم زاوية شفتيه بسخرية واستفسر منه بعدم فهم وهو يلوح بيده مع حديثة: قصدك يعني ان احلامك بتتحقك وهي كويسة دلوقتي؟
هز عمّار رأسه بخفة مؤكدا قوله، ليسخر منهُ آدم وهو يأشر عليه من اعلاه لأسفله: احلام مين دي اللي تتحقق يا أوسخ خلق الله انت!
ضحك عمّار وهو يتألم ثم ضرب كتفه بخفة وهو يحذره: بس هتتسخط..
ضحك آدم من جديد وأردف وهو يقرص وجنته: مصاحب الشيخ عمّار المغربي يا ناس..

قهقهة عمّار ثم قال باستياء وتقزز وهو ينظر حوله: ايه المستشفى المعفنة اللي جايبني فيها دي؟ كُنت سيب السِر الإلهي يطلع أحسن!

نظر آدم حوله يقيم المكان ثم قال وهو يزم شفتيه: كانت اقرب حاجة وبعدين مش احسن من العرة اللي بتجيبوا يخيطلك الجرح ويخليه يلتهب يا حمّار! ايه ده صرصار!، رفع جسده فوق الفراش وسار على ركبتيه ثم دني قليلًا من عمّار وهو ينظر خلفه بتركيز ليجفل عِندما فتح باب الغرفة ودلفت منهُ حُسنة بلهفة..
شهقت وهي تنظر لهما بتعجب ثم سألته بحدّة مُزِجت بغضب: بتهبب ايه عندك يا محروج!

ابتسم آدم بتوتر ثم اعتدل ونزل عن الفراش ووقف بجانبه واضعًا يديه بجانب جسده باحترام وهو ينظر إلى عمّار الذي كان يقهقه حتى قال باستياء: جيبلنا الكلام يا بياضة قولتلك ربّي دقنك دي!
مسد آدم محل ذقنه الحليقة وقال بإزدراء: بتهرشني يا عم..
ضحك عمّار وهو ينتصب جالساً ببطء وهو يتألم بخفة، ثم قال مؤكدًا على قول قُصيّ: بعد اهرشني دي طلعت نادية فعلا قُصيّ مبيغلطش في حاجة يقولها أبدًا..

تنهد آدم وهو يحك ذقنه باستياء شديد ثم قال بانزعاج: هفكر وهربيها إيكش أوْحش بقي، انا خارج قبل الحاجة ما تضربني، تحرك وترك الغرفة وغادر تحت أنظار حُسنة الحارقة..
لانت ملامحها لتلين عِندما وقع نظرها على عمّار وهو يبتسم لها، تنهدت وهي تهز رأسها بيأس بسبب تلك الرأس اليابسة التي يمتلكها، إنهُ رأس تجلس وليس بشر، ناظرته بحنان أمومي ممتزجا بلهفة سيطرت على تقاسيم وجهها وهي تتقدم منهُ..

عانقته بحنان وعادت تبكِ بحزن وهي تقبل رأسهُ بلهفة سائلة عن حاله: كيفك يا ولدي؟.
قبل يديها بحب متأثرًا وهو يبتسم لها بحنان ثم قال مطمئنًا: زين، زين متجلجيش، ابنك زين، هزت رأسها بإيماءة بسيطة وهي تربت على وجنتهُ بحنان ثم سألته من جديد: حاسس بحاجة يا ضنايا؟
هز رأسهُ بنفي، ثم أراح رأسهُ على صدرها بتعب كما كان يفعل في طفولته قائلًا بوهن: مش مجافيني النوم واصل..

قالت بتنهيده وهي تربت على شعره بحنان: ماينام الا خالِ البال يا ولدي..
تنهد مطولًا وهو يغمض عيناه، ليفتحها سريعاً عِندما سمع قولها المُشجع: شِد حيلك يا ولدي عشان نفرحوا بيك..
رفع رأسهُ وتهجمت ملامحه رغمًا عنهُ وهو يسألها: تفرحوا! اني؟

أومأت لهُ وهي تبتسم ثم قالت بحنان: اني عارفِة انك انتِه اللي خلصت ندى من المفتري ابوها، وأني هستناك تاجي تفرحني وتجولي انكم هتتجوزوا، عشان أني مش هوافج انك تتجوز غير الغاليِة عاد!.
توهجت خضراوية وهو ينظر لها بابتسامة مُشرقة عجز عن إخفائها، فـ حقًا حديثها أسعده وشجعه علي الخوض فيما هو قادم دون تفكير، أو تراجع..

ضربت كتفه بخفة وهي تبتسم قائلة بمشاكسة بسبب حالته: واه واه شوف وِشك نوِر كيف لما جات سريتها؟
ضحك بخفة ومازالت عيناه تبوح بالكثير من الأشياء التي قرأتها داخل مُقلتيه، احتضنت وجهه بين يديها وقالت بتمني وهي ترى تلك الرغبة والإرادة في تملُّك ندى حُبًا تشع داخل عيناه: ان شاء الله تكون مكتوبالك وربنا يجعلها من نصيبك يا ولدي، هي ما هتليجِش مع غيرك يا جلب أمك..

عانقها بحنان وهو يبتسم بامتنان لوجودها في حياته، يعلم أن القرد بعين أمه غزال، ولا يُمانع أن تراه جيّدًا إلى هذا الحد، فهذا رأيها وحدها أنها لن تليق سوى به! فماذا سيكون رأي صاحبة الشأن نفسها؟!
أما، في الخارج، كان آدم جالسًا بجانب تالين على المقاعد المصفوفة الملتصقة ببعضها لبعض يُراقب متولي الذي يظهر كل بُرهة وأخرى من مكانٍ مُختلف!
سأل تالين مستفهمًا وهو ينظر لهُ: هو في ايه؟

هزت كتفيها بجهل ثم قالت بعد تفكير ومراقبته من وقتٍ: متهيألي بيكلم حد عشان البوليس ميدخلش ويلموا الموضوع! ومتهيألي برضه انك لما جبته المستشفي دي كان تصرف كويس منك عشان ده مِهدي الموضوع شوية لأنها مستفشي زي ما انت شايف..
نظر حوله وهو يهز رأسهُ بتفهم ثم أردف بنبرة باردة: ماما اتصلت بيا النهاردة، نظرت لهُ باهتمام تحثه على التكملة ليسترسل: قالت لي ارجعوا..

هزت رأسها بخفة وهي ترمش ثم قامت بسؤاله ببعض التردد: وانت هترجع؟
أومأ دون النظر لها وتابع بنبرة مستاءة: هطمن علي عمّار وهنزل لما ترجعي وضبي حاجتك..
هزت رأسها بإيماءة خافتة لا تُرى لـ يفاجأها سؤاله الذي خرج من بين شفتيه من دون حياة: مصطفى وحشك؟
ازدردت ريقها بارتباك وهي تبعد خصلاتها خلف أُذنها ثم قالت بهدوء بنبرة مهتزة أقرب إلى الإرتجاف: طـ، طبعًا وحشني مش جوزي؟

ابتسم ابتسامة ساخرة رأت بها الألم ولم يتحدث ولا التفت إليها حتى! فقط ابتعد عن مقعده وجلس على المقعد الذي يليه ليترك مقعدًا بينهما فارغ، هذا طفولي!، هو فقط من يبحث عن الحزن بنفسه ويسأل ويثرثر كثيرًا..
حملقت تالين به بتعجب عاجزة عن الرد فقط مشاهدته تذهلها بسبب مفاجآته وردات فعله العجيبة التي لا تستطيع توقعها، وعِندما تتوقعها تتوقعها بشكلٍ غير صحيح..
عودة إلى القاهرة، في المستشفى..

كان قُصيّ جالسًا في الخارج يضع رأسهُ بين يديه مًنتظرًا خروج الطبيب من الداخل كي يطمئن عليها، متنفسًا باختناق بسبب تلك الغمامة السوداء التي تطبق فوق صدره أثقلته..
يتمني لو ظنونة تكون خاطئة وألا تكون حامل، فلا سبب آخر قد يجعلها تنزف بتلك الطريقة سوى الحمل في هذا الوقت، فهي لا تعاني من شيءً! ولا يوجد لديها مشاكل تؤدي إلى نزيفها؟
فقط ماللعنة التي حلت على عقلها و جعلتها تذهب إلى هناك؟ ألا تملُك عقلًا؟.

خرج من شروده مع خروج الطبيب من الغرفة..
هب واقفًا يسأله عن حالها بقلق ليتحدث الطبيب بأسفٍ وهو يهز رأسهُ: للأسف مقدرناش ننقذ البيبي ربنا يعوضكم..
هز قُصيّ رأسهُ بثقل ثم سأله وهو يبتلع غصة لا يعلم مصدرها: هي هتبقي كويسة؟

هز الطبيب رأسهُ بجهل وقال مُفسرًا: ده علي حسب حالتها وتقبلها للخبر وانا للأسف لازم أبلغ عشان ده اعتـ، قاطعته تلك الطبيبة قائلة بقوة أثناء رمقها لـ قُصيّ بنظرات كارهه بعد إن خرجت من الغرفة: لازم تبلغ طبعا دي تاني حاله يجيبها كده مش واحدة بس الله اعلم بيعمل فيهم ايه؟

زفر قُصيّ بانفعال وهو يمرر يده على وجهه باختناق قائلًا بتهكم: لا دي وسعت منك اوي! من كل عقلك شايفاني فاضي عشان اضرب دي شوية ودي شوية وبعدين اجيبهم المستشفى!
ردت بغلظة وهي تخفي جسدها خلف الطبيب تحتمى به: مش يمكن تكون سادي إش عرفنا؟

ابتسم قُصيّ بنفاذِ صبر وهو يتنفس بانفعال ثم سألها بسخرية: صوتك طلع يعني و بتزعقي نسيتي نفسـ، قاطعة الطبيب بجدية وحزم: لو سمحت كفاية كده دي أمانة ومش المفروض نتساهل في حاجة زي دي!

تنهد قُصيّ وهو يأخذ شهيقًا طويلًا في محاولة لضبط أعصابه ثم برر لهُ موقفه من عدم التبليغ من بين أسنانه: مينفعش تبلغ عشان اللي عمل فيها كده أبوها والتانية كذلك و أكيد مفيش واحدة منهم هتبلغ عنهُ استني لما يفوقوا وممكن تسألهم بنفسك ولو وافقوا بلغوا!

بعد مرور يومين..
في منزل عمّار..
إبتسم آدم وهو يعانقه بحنان مودعة: خلي بالك من نفسك يا مهمل و متتأخرش أنا مقدرش اقعد من غيرك..
ضيق عمّار عينيه بشك ثم ضرب صدر آدم بخفة وهو يردف بمكر: ليه انا تالين ولا ايه؟
قهقهة آدم وهو يخلل أنامله داخل خصلات شعره الناعمة ليتابع عمّار ممازحًا: ارجع الاقيك مربي دقنك..

أبتسم آدم ابتسامة صفراء ثم ضغط على صدره مكان الجرح بغيظ جعله يتأوه، ثم ركض إلى سيارته الجالسة بها تالين تنتظر بعد أن ودعت حُسنة ودهب ثم انطلق وذهب في طريقه..

إبتسم عمّار وهو يراقب ابتعاد السيارة حتى اختفت عن وقع أنظاره نهائيًا، دلف إلى الداخل لتزداد ابتسامته إشراقًا عِندما وجد ندى تتجول خلف المنزل برشاقة تحت ضوء الشمس الذي يضاهي لونها اللامع المُشع، إنها رشيقة، وشامخة، ومتألقه مثلها تمامًا، فهو لم يقُم بتسميتها ندى عبثًا، كان يعلم أنها ستكون جميلة بشكلٍ لا يوصف عِندما تكبر، وقد كانت، وكم إشتاق لها..

في منزل جاسم في القاهرة..
وقفت أمام باب غرفة الرسم الخاصة به وهي تقضم شفتيها بتوتر حتى سمعت صوتهُ العميق يأذن لها بالدخول..
دلفت بهدوء وهي تشد قبضتها على الوشاح الذي تضعه فوق كتفيها، وقفت خلفه تراقب رسمه باهتمام وصمت، بشعره المبعثر كـ حالته تماما فمنذُ يومين لم يبرح مكانه ويتخد من غُرفة الرسم معيشةٍ لهُ..

ظلت تراقبه بصمت دون التحدث وهو لم يتحدث بسبب انغماسه وشغفه بما يفعل، لكنه لم يغفل عن وجودها أيضًا بل كان مترقبًا لها ومنتظرًا أن تتحدث..
تنهدت وهي تحدق في اللوحة فكما يبدو من تلك اللوحة أنها هي لكنها مُختلفة قليلًا، فكانت ترتدي بها معطف ثقيل وتنظر لهُ بصدمة وتفاجئ بوجة شاحب أبرزه في اللوحة مع لمعة عينيها الحزينة النادمة وتبعثر شعرها الفحميّ بإهمال حول وجهها! متى حدث هذا؟ هذا ليس لون شعرها الحالي؟

سعلت بصوت منخفض كي تجذب أنظاره وقد نجحت عِندما نظر لها باستفهام، لترتبك وتفرك يديها المتعرقة معًا بتوتر وهي تقضم شفتيها، مطرقة الرأس ثم سألته بخجل: جاسم ماما قالتلي انك كان نفسك نتجوز من وقت قريب جدًا، تقدر تفهمني ايه المُشكلة دلوقتي؟
ردّ بنبرةٍ هادئة متريثة ومازال يوليها ظهره مُنغمسًا في رسمته التي أراد رسمِها في منزل عمّار: كُنت مستعجل عشان اتجوز عشق..

قطبت حاجبيها بعدم فهم وانزعاج بسبب أقواله التي تشعرها بالغباء، ضمت قبضتها بغضب وهي تشعر بـ تخضب وجهها بالحمرة من فرط الإنفعال بسببه، ثم أخذت شهيقًا طويلًا كي تهدأ ولا تتحدث بالترّهات أمامهُ..

تنحنحت بخفة ثم هتفت باسمه بنبرة خافتة رقيقة: جاسم، توقفت يداه عن الحركة ثم استدار وترك الفُرشاة من يده ونظر لها بابتسامة هادئة تحثها على التكملة، تابعت، وغيرت مجرى الحديث سائله باستفسار وهي تأشر على اللوحة بكفها: امتى انا كُنت كده؟
زم شفتيه وهو ينظر بينها وبين اللوحة بتفكير ثم قال بكل صراحة جعلت قلبها يخفق بعنف: دي عشق مراتي شوفتها لما كُنت مسافر الأيام اللي فاتت..

هزت رأسها بعدم فهم وهي تقطب حاجبيها ثم قالت بحيرة مُزِجت بيأسٍ: جاسم مش فهماك!

ابتسم بخفة ابتسامة لم تصل إلى وجهه وهو يسألها باستفهام: عشق أنا، أغمض عينيه ثم صحح قوله بأسف وهو يفتح عينيه: عفوا قصدي جـنّـة، انا لو اختفيت أسبوع و رجعـ، أوقفه قولها بتلكي وعدم فهم شاعرة بالغباء من طريقة حديثه معها وهي ترمش سريعًا: جاسم انت بتتكلم كده ليه؟ انا مش فاهمة ومين جـ، آآه ه ه، تأوهت بقوة وهي تخفض رأسها بألم وعادت تلك الأصوات و الهمهمات تصدح داخل أُذنها بقوة مع تلك الصور المُشوشة التي بدأت تتوافد أمام عينيها كـ شريط، تراها بتشوش..

تحمس وهو يراقبها وچل ماجال في خاطره في هذا الوقت أن يستمر حتى تعود تلك الذاكرة اللعينة وينتهي كل شيء لأنهُ ملّ هذا الوضع..
وقف وتقدم منها وهو يتطلع إليها من أعلاها لأخمص قدميها بتفحص ثم سألها باستفهام: لو اختفيت ورجعت بعد اسبوع شعري اصفر ومش فاكرك هتتصرفي ازاي؟
رفعت رأسها بوجه شديد الإحمرار وهي تتنفس بعنف ثم ردت عليه بتعب وهي تلهث: عادي، جايز تكون غيرت لون شعرك وعامل فيا مقلب!

ابتسم بملامح هادئة حد البرود وهو ينظر لها، هل يبدو كمن يستطيع صُنع مقالب؟.
سحبها من معصمها فجأة ليسقط وشاحها أرضًا وتبقي عارية الكتفين، توقف بها أمام المرآة وهو يحوط كتفيها بقوة ثم مال بالقرب من أُذنها وتحدث وهو ينظر داخل المرآة: شايفة نفسك كويس؟ انتِ مش عشق! اللي في اللوحة عشق لكن انتِ مش عشق انتِ صورة منها فهمتي؟ انتِ جـنّـة مش عشق!

اغرورقت عيناها بالعبرات الصامتة وهي تنظر لهُ عبر المرآة ثم استدار ورفعت عيناها ناظرة داخل عينيه بلوم ثم سألته باستنكار وصل لذروته من تصرفاته الجارحة: انت ليه بتعمل فيا كده؟ اومال انا مين؟
نظر لها بشفقةٍ سرعان ما أخفاها وهو يذكرها قائلًا: فاكرة لما كُنت بساعدك في المذاكرة؟ ومضيتي في زاوية الورقة من فوق بإسم جـنّـة سعِتها معرفتيش السبب ولا انا بس دلوقتي عرفته انتِ جـنّـة!

هزت رأسها بنفي وهي تتألم بشكلٍ لا يوصف، عيناها غائرة وهي تقول بنبرة مرتجفة مُنكسرة حزينة: لأ انا عشق وانت بتحبني!
هز رأسهُ بأسف وهو يعيد باصرارٍ حطم دواخلها أكثر: عشق مش مُحجبة! شعرها مش بُني، عندها وحمة، انا هجيبلك صورها كلها عشان تصدقي انك مش هي!، وترك الغُرفة وهرول إلى الخارج تاركًا جـنّـة تتأوه بقوة أكبر وهي تسقط على ركبتيها..

أخذ ألبوم الصور الخاص بعشق من الخزانة وهرول به إلى الخارج ليتوقف بمنتصف الطريق عِندما قابل والدته أمام غُرفتها كانت في طريقها إلي الأسفل..
توقف أمامها هو يتنحنح فتجاهلته بإهمال مُزِج بغضبٍ وذهبت في طريقها كحالها مُنذُ يومين، تتجاهله، مُنذُ أن عاد وتركهما في الفُندق وأُلغيَ الفرح و أحزن عشق من وجه نظرها..

تنهد بحزن ودلف إلى الغُرفة ليتوقف محلهُ خلف الباب عِندما وجدها تبكِ بانهيار وهي تخفي جسدها تحت الغطاء بهستيريا والعبرات تهبط من عينيها كـ أمطار ديسمبر..
حدق بها وهو يقطب حاجبيه بانزعاج شديد مُتعجبًا تلك الثروة والهستيريا لقد كانت بخير! ماذا حدث؟ هل يا تُرى عادت الذاكرة وتختبأ خوفًا منهُ؟!

ازدرد ريقه بتوتر وتقدم منها ببطء متوجسًا، يقدم خطوة ويؤخر الأخرى، صرخت به بخوف وهي تنتفض محلها مُحذرة كي لا يتقدم منها وهي تنتحب بأسى غلب عليه رجاءها: أُقف عندك متقربش مني متقربش مني، أرجوك..
توقف على بُعد خطواتٍ منها مشوشًا لا يعرف كيفية التصرف لكنهُ حقًا أشفق على حالتها من كُل قلبهُ..
حرك شفتيه كي يتحدث لكن توقف عِندما لطمت وجهها بقوة وهي تنهر نفسها بحدّة، صارخةً بعنف.

مُتذكرة تصرفاتها معهُ: انا عملت ايه؟ عملت ايه؟
سار خطوتين وقلبهُ يخفق باضطراب مراقبًا انكماشها على نفسها وهي تحاول تغطية شعرها بالغطاء مع جسدها كي لا يراه بيديها المُرتجفة بأسف، لكنها فشلت، وكم هذا أحزنهُ عليها، فهو لم يقصد أيًا مما حدث حقًا، لم يقصد..

جثي أمام التخت لتبتعد لأقصاه وهي تشهق باختناق من كثرة البُكاء، تهز رأسها بنفي وخُذلان كأنهُ كان يعرف كل شيء ويتجاهل، جعلت ذنبهُ يتفاقم أكثر وهو يُراقبها بحزن..

تحدث بهدوء بنبرة خرجت مُرتجفة متأثرة وهو يتوسلها كي لا يصل صوتها إلى والدتهُ ويحصل ما لا يحمد عقباه: إهدي واسمعيني متخافيش مش هعملك حاجة ولا هأذيكِ بس اهدي بالله عليكِ، انتِ عارفة ان امي تعبانة ولو عرفت حاجة زي دي هتروح فيها ارجوكِ اهدي و بطلي عياط!.

هزت رأسها بنفي وهي تبكِ دون توقف، عاجزة عن إخفاء شعرها عن نظراته وهي تهتز بعنف فوق الفراش، متذكره كل ماحدث معها منذُ أن أتت وخاصتًا تلك اللحظات الحميمية بينهما..
تنفس بتعب ثم تابع قوله برجاء وهو يخبرها حلًا خطر لهُ الآن: احنا هنعمل الفرح، توقفت عن البُكاء ونظرت لهُ بعين فارغة غائرة مُستنكرة قوله، هذا المُستغل؟

تابع و زرقاويه الداكنة تتوسلها قبل قوله بلهفة: المفروض اننا كاتبين الكتاب تمام، هنعمل الزفة وهاخدك علي اساس اننا رايحين شهر عسل بس هرجعك لأهلك وهدور انا علي عشق وهرجع لما الاقيها، لإن انا مش هقدر اقول لأمي اي حاجة من اللي بتحصل حالتها مش هتتحمل!، توقف و استرد قائلًا بحزن عميق وهو ينظر لها: انا عارف ان اللي بطلبه منك صعب بس لازم تساعديني انا مأذتكيش في حاجة ولما عرفت انك مش عشق بِعِدت عنك! انا مش وِحش ارجوكِ ساعديني عشان كل حاجة ترجع لطبيعتها..

لم ترد عليه بل ظلت مُلتزمة بالصمت، ثانية، اثنان، ثلاثة، أربعة، نصف ساعة، حتي هدأت وتوقفت عن البُكاء، لكن جسدها لم يتوقف عن الانتفاضة قط وهي تحدق في الفراغ بنظرات خاوية..
قالت ببطء، بعد تفكير طويل، بنبرة ضعيفة: انا مرات قُصيّ رشدان..
في المستشفى..
وضعت قدمها داخل حذائها الأرضي وهي تنحني عليه ببطء كي تربطه، فها هي أصبحت بحالٍ أفضل قليلًا ويمكنها الذهاب إلى المنزل..

كتمت أنينها المتألم في منتصف المسافة، لتجد نادين تهرول وتجثوعلى ركبتيها أمام قدميها ثم مدّت يدها وقامت بربط حذائها بهدوء وهي تبتسم بعذوبة، قبلت ليلى رأسها بحنان وهي تبتسم بنعومة ثم جلست على طرف الفراش وظلت تربت على شعرها الناعم بخفة، حتى انتهت..
وقفت وهي تبتسم ثم جلست بجانبها، فعانقتها ليلى بحنان وقبلت رأسها بدفء قائلة بامتنان: تسلم ايدك يا حبيبتي..

أراحت نادين رأسها على صدرها وبيدها حاوطت خصرها بخفة وهي تقول بحزنٍ عميق: أنا كُنت هتجنن عليكِ، ربنا يخليكِ ليا وميحرمنيش منك أبدًا، ثم رفعت رأسها ونظرت لها بخوف وأعين دامعة حزينة وهي تسألها: هو ليه عمل فيكِ كده؟

ارتجفت ليلى لوهلة وانقبض قلبها بخوف وهي تذكر تلك الليلة التي تطاردها، لكنها أصبحت بخيرٍ وبعيدةٍ الآن، لاداعي للخوف، أغمضت عينيها التي اصبحت تحرقها من احتجاز عبراتها داخلها كي لا تبكِ ثم قالت برجاء: نادين يا حبيبتي ممكن متجبيش سيرة أي حاجة تخص هناك، مش عايزة افتكر حد ممكن؟

تقلصت ملامحها بحزن وقالت كي تستعطفها: طيب وعمّار مش هنطمن عليه ده هو اللي جـ، قاطعتها ليلى متوسلة بتعب وقد تساقطت عبراتها بضعف وهي ترتجف لتبلل اللاصقة الطبية الدائرية الموضوعة في منتصف وجنتها فوق الجرح الذي خلفته أظافر والدها: نادين عشان خاطري متتكلميش عنهم انا تعبانة ومش عايزة اسمع عنهم أي حاجة..
أومأت وهي تمسح عبراتها بحزن مُعتذرة بندم: حاضر، انا اسفة مش هتكلم عنهم تاني متزعليش نفسك..

ربتت ليلى على ظهرها بحنان وهي تهدئ من روعها ثم حثتها على الوقوف: يلا عشان نطمن على عشق قبل ما نمشي؟
أومأت وهي تقف ثم حملت حقيبة الظهر و ارتدتها فوق كتفيها، ووضعت يدها حول خصر والدتها وساعدتها في السير..
أما في الغرفة الأخرى الخاصة بعشق..

كانت تستلقي على جانبها أسفل الغطاء، تحدق تجاه النافذة المخفِية بسبب انسدال الستار فوقها مما جعل الغرفة مظلمة وهذا ما تفضله فماذا ستفعل بالضوء؟ فالظلام اصبح يبتلعها وأصبحت تكره نفسها أكثر من ذي قبل، مُنذُ أن علِمت أنها فقدت طفلها..

هي تعرف، بل مُتأكده أن هذا عِقابًا لها وتلك البداية فقط وهذا لا شيء، لكن فقط لما الحزن؟ لقد اتفقت هي وقُصيّ وكان سيموت في الحالتين!، على الأقل ليست هي من قتلتهُ بيدها كما كان من المُفترض أن يحدث، ومن الجيّد أنها لم تعرف سابقًا كي لا تؤثر عليها غريزتها الأمومية وتحبهُ ثم تحزن عليه، جيّد، لن تبكِ..

هي عِندما استفاقت كانت تتألم بشكلٍ لا يوصف، ولم تجد بجانبها سوى الطبيب والطبيبة يقفان فوق رأسها، ثم بدأ وابل الأسئلة يلقي عليها والتي لم تفهم منها سوى مدافعة قُصيّ عن عمهُ وقوله أنهُ والدها وقد فعلت لهُ ما يُريد وقالت أنهُ والدها، ورفضت رؤيته بعدها..

وانشغلت بحزنها على نفسها وطفلها، وعِندما كان يدخل عنوة لم تكن تلقي عليه نظرة ولم تحادثه لمرةٍ واحدة قط، وطلبت من الطبيب أن يبعده عنها لأن رؤيته تؤثرعليها سلبًا ولن تتعافى، وهي غاضبة منهُ من البداية بسبب عِلم أصدقائه بعلاقتهم، ستبعده عنها..
فقط ليلى هي من كانت تأتي لها وتجلس معها..

لكن حقيقة الأمر وفي داخلها تعلم أنها لا تحتاج سوى عناقًا، عناقًا منهُ فقط، عناقًا يهوِّن عليها ويخبرها أنها بخيّر وكل شيء سيمُر، لكنها تُعاقب نفسها وتبعدها عنهُ لأنها تستحق..
أغلقت عينيها بقوة عِندما أزاح قُصيّ الستار جانبًا لتضيء الغرفة وهو يقول بنبرة نافذة استشعرت بها وصول غضبه منها لذروته وتعلم أنهُ سيتحول بعدها: مش كفاية نوم بقي، وكفاية قاعدة في المستشفي؟.

لم ترد عليه وتقلبت إلى الإتجاه الآخر وتجاهلت وجوده تمامًا، زفر وتقدم منها بضيق ثم جلس أمامها وهو يقطب حاجبيه بانزعاج، لترفع الغطاء على وجهها لكنهُ سحبهُ من فوقها بقوة جعلتها تخاف وتضع يدها على وجهها ظنًا أنهِ رُبما يتهور ويضربها..

تنهد بحزن وهو ينظر لها بأسف، ثم رفع يده وأبعد يدها من فوق وجهها برفق، ربت على وجنتها المكدومه الداكنة من اللكمة بحزن وهو يسألها بخفوت بنبرة أقرب للتودد: لسه مش عايزة تكلميني ولا تشوفيني؟
ارتجفت شفتيها و أدمعت فيروزتيها بضعف جعلتها ترمش كثيرًا كي لا تبكِ ثم حركت رأسها من فوق الوسادة وابعدتها عن وقع يديه وتقلبت إلى الجهة الأخرى بصمت..

تنهد بـ همٍ وظل يُحدق في ظهرها بحزن حقيقي، وحيرة!، بسبب ذلك الرفض، يشعر أنها تخلت عنهُ! ولن يكذب ويقول أنهُ قوي لا يعبأ! لا بل كان قويًا بسبب ثقتهُ بحبها لهُ بجنون وعودتها لهُ مهما حدث ومهما فعل! وكان ينجح لأنهُ تأكد من جعلها تحبهُ حتى النُخاع، وجميع أقوالها وتهديداتها بتركه لطالما سمعهم منها بسخرية لأنهُ متأكد أن لا شيء سيحدث مما تقول، لكن الآن وبعد تخليها عنهُ اليومين السابقين أصبح، لا يثق بشيء..

رفع قدميه وكاد يتمدد بجانبها ويعانقها لكن دخول نادين مع ليلى أوقفه، نظر لهما بسخط وهو يقف بضيق، رن هاتفه داخل جيب بنطاله بصوتٍ مُرتفع، أخرجه وهو يزفر لتتسع ابتسامته عِندما رأي هوية المُتصل..
وضعه على أُذنه وردّ بابتسامة: أهلا بالغالي، جيت في وقتك استني، سار خطوتين إلى الأمام، توقف أمام ليلى ومدّ لها الهاتف بكفه قائلًا بهدوء: مكالمة عشانك..
نظرت له بعدم فهم ثم سألته بتعجرف: مين؟

ابتسم ابتسامة صفراء وقال بسخرية: واحد من الفانز عايز يطمن عليكِ..
نظرت بينه وبين الهاتف بنظرة خاوية باردة وتجاهلته وتابعت سيرها إلى تخت عشق..
لوك بلسانه داخل فمه بانزعاج ثم قال بسخط: عنك هو غلطان اصلا عشان عبرك عاملة زي القُطط تاكل وتنكر، انا غلطان اني شيلتك اصلا..

انتفخت أنفها الصغير بغضب ثم أستدارت وقالت لهُ بحدّة وانفعال مُفرط: بقولك ايه الزم حدودك واتكلم باحترام انت هتصاحبني!، و محدش قالك انت وصاحبك تغلطوا وتيجوا؟ ولو فاكر اني هشلهالكم جميلة تبقي غلطان! محدش ضربكم علي ايديكم؟.
ابتسم بسخرية ثم قال بجفاء: انتِ بجحة اوى على فكرة!
بادلته إبتسامته بأخرى ساخرة قائلة بغلظة وبرود: مش أكتر منك..

ضم قبضته على الهاتف بغضب جام وكاد يرد بكل لذاعة لكن صوت عمّار المُحذر الذي وصله عبر الهاتف أوقفه وجعله يترك الغرفة ويخرج، تحت نظرات نادين التي تبعته..
زفرت بحدّة وهي تلهث بغضب، ذلك الوقح هو وصديقة! من يظن نفسه؟، ظلت تلعنه وتبغضه حتى وصلت إلى الفراش أخيرًا، جلست بجانب عشق، ثم مدت يدها وربتت على شعرها بحنان وهي تسألها بحزن: عاملة ايه النهاردة؟

انتصبت جالسة بحركة بطيئة ثم عانقتها بقوة وأجهشت في بُكاء مرير وهي تشدد على عناقها بضعف، بُكاء احتجزته ليومين داخلها كان يكويها ببطء مُعذب..
مسدت ليلى ظهرها بحنان وهي تواسيها بحزنٍ عميق و شفقة: اهدي يا حبيبتي اهدي، كل حاجة هتبقى كويسة ان شاء الله، ربنا كبير يا عشق..

إزداد نحيبها أكثر وتشنج جسدها وهي تقول بانهيار: ربنا غضبان عليا يا ليلى، غضبان عليا ومفيش حاجة في حياتي هتبقي حلوه بعد كده انا عارفة، حتي لو في مش هحس بيها عشان ربنا مش راضي عني..
وماذا يمكنها أن تقول بعد هذا؟، شددت على عناقها بقوة أكبر وهي تُربت على ظهرها بحنان بالغ، حتى هدأت قليلًا..

فصلت ليلى العناق ورفعت وجهها بطرف أناملها قائلةً برفق وهي تمسح عبراتها بنعومة: ان الله غفورٌ رحيم يا عشق، قُدامك فرصه انك ترجعي عن كل اللي بتعمليه وتفتحي صفحة جديدة مع ربنا وتبدأي من جديد، صدقينى سعِتها هتحسى بالتغيير، المهم من كُل ده انك تعرفي غلطتك ومترجعيش للطريق ده تاني، عشق انتِ تستاهلي حياة أحسن من دي بكتير والله..

هزت عشق رأسها وهي تومئ بخفة مرتجفة ارتجاف طفيف ثم قالت بامتنان وهي تعانقها من جديد: شكرًا ليكِ، بجد شكرًا..
بينما في الخارج، كان قُصيّ يدور في الخارج حول نفسهُ كالمجنون وهو يتحدث معهُ بعصبية من الغيظ: انت بتضحك علي ايه يا حلوف انت! دي حتي مقلتش شكرًا الباردة!
تنهد عمّار بهيام وهو يقول بسعادة: هي كده بقِت كويسة ورجعت لطبيعتها..

زفر قُصيّ بسخرية قائلًا بفظاظة: بكره تِسففك التراب وتدوس عليك وهتشوف، اقفل بقي عشان عصبتني..
زفر وهو يشتم بخفوت ثم فتح باب الغُرفة ليجد نادين تندفع منهُ بقوة وهي تبتسم بحماس، نظر لها بريبة ثم سألها بشك وهو يضيق عينيه: ايه؟
ردت بابتسامة وهي تحتضن يديها إلى صدرها: عايزه أكلم عمّار اتصلّي بيه لو سمحت..
عقد يديه أمام صدره ثم سألها بسخط: انتِ مش رخمة زي أمك ليه؟

زمت شفتيها بحزن ثم ردت عليه بحدّة لطيفة: بقولك ايه إلا مامي متجبش سيرتها على لسانك ده دي قمرايتي..
قلب عينيه بسخرية ثم أخرج هاتفه كي يهاتف عمّار وهو يسألها بشك: انتِ كُنتي هتقوليلي حاجة من يومين بس انا سيبتك ومشيت كُنتي هتقولي ايه؟
ابتسمت بارتباك وهي تمسد رقبتها بتوتر سرعان ما أخفته قائلة بابتسامة: مفيش خلاص بقيت كويسة شكرا.

ابتسم وهو ينظر لها قائلًا باستياءٍ شديد: ماهي شكرا سهلة أهي أومال في ايه؟ مغرورة، أعطاها الهاتف وتابع قوله وهو يبتعد: أنا هروح أكمل إجراءات الخروج بتاعة أمك وجاي..
داخل الغرفة..
ربتت عشق على ذراع ليلى وهي تعتذر منها عِوضًا عن قُصيّ: متزعليش من قُصيّ هو كده دبش ساعات بس طيب والله..

ابتسمت ليلى بنعومة وهي تقول بصوتٍ مُنخفض: مين قالك اني زعلانه؟ بالعكس انا مش عارفة من غيرهم كُنت هعمل ايه، حقيقي انا ممنونة جدا ليهم بس مش لازم اقول يعني، وخصوصا للأشكال دي، ثم صمتت قليلًأ رامشة تراجع قولها، لتتابع مُعتذرة إلى عشق: متزعليش مني انـ، قاطعتها عشق وهي تضغط على يديها قائلة بابتسامة تخبرها من خلالها أنهُ لا بأس: لا عادي انا عارفة ان قُصيّ أشكال، ضحكت ليلى وعانقتها بحنان وهي تقول بحب: هتوحشيني أوي ما تيجي تقعدي معايا؟

ابتسمت عشق بنعومة وهي تنظر لها ثم شكرتها بامتنان: شكرًا، ربنا يخليكِ، أنا معايا رقمك لو احتجت لك في اى وقت هتصل بيكِ..
دلف قُصيّ وهو يكاد ينفجر من الضيق ليتضاعف أكثر عِندما وجدها تضحك مع ليلى وهو تعذبه ليومين!
أغمض عيناه بنفاذِ صبر، ضاغطًا على أسنانه بقوة من الغضب ثم قال بصوتٍ مُرتفع ساخط قطع الحديث بينهما: ايه هتباتي هنا ولا ايه؟ انا خلصتلك إجراءات الخروج تقدري تتفضلي..

نظرت لهُ باستخفاف ثم عانقت عشق وهي تهمس لها بشيءً ما جعلتها تضحك بنعومة ليزداد سخطه عليها أكثر..
تركتها وسارت بهدوء وهي تبتسم، ثم توقفت أمامه قائلة بدون تعبير وهي ترمقه بأحد نظراتها المُتدنية من أعلاه لأخمص قدميه: انا همشي عشان عايزة امشي مش عشان جلالة الملك أمر، وتركته يشعر بالغليان وخرجت..
اللعنة عليها هو يرغب في دكّ رأسها، تستحق الصفع من عمّار حقًا تلك المُستفزة، لهُ الله..

اصطدمت بجسد نادين وهي تخرج أثناء دخولها باندفاع كما تفعل دائمًا، دلفت نادين سريعا إلى الغُرفة بعد انتهاء مكالمتها مع عمّار، ناولت قُصيّ الهاتف وهي تهمس شاكرة ثم ركضت وعانقت عشق بقوة وذهبت مع والدتها..
ابتسمت عشق وهي تحدق في ظهرها حتي ذهبت، لتختفى ابتسامتها بالتدريج عِندما وقعت عينيها داخل عيناه التي تُقدح شرًا تجاهها..

أبعدت نظرها عنهُ بارتباك وكادت تستلقي لكنهُ قال ببلادة: قديمة دي! بقي بتضحكِ مع الغريب وسيباني كده يا قرع؟!
قطبت حاجبيها بانزعاج ولم ترد عليه، ليتقدم منها وهو يطرق فوق الأرضية الناعمة بحذائه الأنيق، لتزداد خفقات قلبها عُنفًا مع كل خطوة يخطيها تجاهها تقربه منها أكثر..

جلس أمامها وهو يكتف يديه أمام صدره، يتفحص وجهها الباكِ بنظراته بانزعاج، حتي أنها بكت معها وتركته!، لقد أصبح بكائها ونكدها الدائم في الآونة الأخيرة روتينًا يوميًا في حياته، أصبح يفتقده، لكن لِمَ العجلة يعلم أنها ستنفجر به بعد قليل..
تنهد ثم سألها مُستفسرًا عن الغباء الذي تمتلكه بعد تفكير دام لدقائق وهو يضغط على كل كلمة يقولها: نفسي اعرف حاجة واحدة بس، انتِ، ايه، اللي، وداكِ هناك؟ ها؟!

ازدردت ريقها مُبتلعة غصتها بمرارة ثم ردت بجفاء دون النظر لهُ: عشان عايزة ابعد عنك، مش عايزاك تاني في حياتي..
فك عقدة يديه وهو يتنفس بعصبية مفرطة ثم أعاد سؤالها من بين أسنانة: يعني عشان مش عايزاني تروحي تموتي نفسك! يا غبية!
صرخت به وهي تطلق العنان لعبراتها الحارقة كي تتحرر وتنهمر بحرية فوق وجنتيها: متقولش غبية انا مش غبية..

زمجر صارخًا بها بالمقابل وهو يكور قبضته ضاربًا الكومود بجانبها بعنف جعله يهتز بقوة أخافها، جعلها تنكمش على نفسها بذعر: لأ ستين غبية، انتِ كُنتي هتموتي وسقطتي؟!
نظرت لعيناه الدامية و ملامحة الغاضبة قليلًا ثم انفجرت ضاحكة وهي تبكِ بهستيريا غير قادرة على التوقف، ها قد بدأت..

ضرب الكومود عدة ضربات من فرط غضبة حتى تخدرت يده وهو يستمع لها، ثم وقف وأخذ يمسد جبهته بخشونة متنفسًا بثوران، زافرًا بحدّة، وهو يدور حول نفسه كالمجنون، لا يرى أمامه من فرط عصبيته الشديدة، فهي ستجعله يجن!.
أوقفه سؤالها بحسرة بنبرة مرتجفة: زعلان ولا ايه؟ علي أساس إني لو كُنت حامل وعرِفت مكُنتش هتخليني أروح أخلص منهُ؟

هزّ رأسهُ بعصبية وردّ صارخًا بحدة وهو ينظر لها بقسوة ظهرت جليًا على ملامحة لم تراها قبلًا: عرفتي منين اني كُنت هعمل كده؟ عرفتي منين؟
أطرقت برأسها وظلت تبكِ بألم دون الردّ عليه وهي تقبض على أناملها بقوة، فهو جعل ذنبها يتفاقم الآن بتفكيرها أنهُ رُبما كان سيتركه يأتي إلى هذه الحياة..

تابع قولة وهو يضرب كفيه معًا مُستنكرًا: ومن غير الحمل ايه اللي يخليكِ تروحي هناك؟ فاكرة انك كده مستخبية؟ عندك الفنادق ماتروحي أي فندق!
صرخت قائلة بانسكار شاعرة بالذُلِ والمهانة: مش معايا فلوس كفاية عشان أقعد في فندق!
اشتعلت عيناه بلهيبٍ مُستعر وهو يحدق بها وفي ثانية كان يقبض على فكها بعنف آلمها وهو يسألها بجفاء: كام مرة قولتلك خدي فلوس خليها معاكِ كام مرة! و بسبب غبائك وافكارك المتخلفة مش راضية؟!

أكدت على قوله باصرار وهي تنظر لهُ بتحدٍ سافر قائلة بنبرة مرتجفة: ولو آخر واحد في الدنيا يا قُصيّ برضه مش هقبل منك أي حاجة..
ابتسم بقسوة وسألها وهو يضغط على فكها بقوة أكبر: وياتري بقي مين هيدفعلك حساب المستشفى الجميلة دي دلوقتي؟
تقلصت ملامحها بألم من قبضته القاسية ثم قالت بهدوء جعلته يجن أكثر: عمك اللي عمل فيا كده وانت مُلزم انك تِلم وراه يا إما هعترف عليه وهتدفع كفالة عشان يخرج هي هي؟!

قهقهة بخفوت وهو يرفع حاجبيه، لوكانت يديه فارغة لصفق لها حقًا، تلك الغبية..
قرب وجهها منهُ أكثر وقبضته تزداد قسوة فوق فكها قائلًا بخشونة وهو يحدق بها بغضب: مستوى حقارتك بيتقدم كل يوم عن التاني يا عشق؟!
رفعت يدها ووضعها على وجنتهُ بنعومة تزامنًا مع تحرك شفتيها و قولها بابتسامة باردة: تربيتك يا قُصيّ..

دفع وجهها وقضم شفتيه بـ غِل ووقف وأخذ يدور في الغرفة باهتياج وهو يفكر بفقدان صواب وبينه وبين الجنون شعرة واحدة، هي تُريد أن تُصفع، لا تبرير لتصرفاتها سوى هذا!
عاد وجلس أمامها سريعًا وتوسلها بحزن وهو يحتضن يدها بين يديه: عشق انتِ عايزة ايه؟ قولي لي عايزة ايه؟ انا تعبت من لعبة توم وجيري! ريحيني و قولي لي عايزة ايه؟!
قالت بهدوء دون النظر لهُ: عايزة أرجع لجاسم..

خرج ردة تلقائيًا: نعم يا عنيا؟ مين ده اللي ترجعيله؟

أعادت قولها وهي تداعب ظهر يده بـ إبهامها بخفة: جاسم هرجعله، ثم رفعت وجهه بأناملها برقة وتابعت بنبرة مُرتجفة وهي تبلع غصتها ناظرة لملامحه المستهجنة: انا بأجل حاجة كده كده هتحصل يا قُصيّ، ومتهيألي كفاية كده، انت مخسرتش حاجة! الراجل مبيخسرش حاجة في الحالات دي! السِت بس اللى بتخسر وكفاية كده أنا خسرت كتير، تساقطت عبراتها بغزارة وهي تتابع بألم: قُصيّ انا لو رجع بيا الزمن وقابلتك تاني هحبك عشان انت حقيقي تتحب، بس مش هعمل كده تاني، مش هبقى غبية وهعمل كده تاني سامعني!

تركت يده بهدوء ومحت عبراتها ونزلت عن الفراش بوهن، ثم أخذت تلك الحقيبة الموضوعة على الأريكة من يومين، كان قُصيّ قد أتي بها من أجلها مليئة بالملابس ودلفت إلى دورة المياه..
لِمَ يبدو من حديثها أنها تودعة! هل هي تظن أنهُ سيتركها بتلك البساطة؟
مرّ بعض الوقت، حتى خرجت، تسير ببطء وهي تحدق بذلك الثوب الطويل المحتشم ذا اللون البُنيّ! لِمَ هذا اللون؟ وهل ظن أنها جـنّـة كي يأتي بهذا؟!

شهقت بخوف وهي ترتد إلى الخلف عِندما اصطدمت بصدره الصلب عن طريق الخطأ دون أن تنتبه، فالثوب شتتها قليلًا..
سحبها من خصرها بقوة لتصطدم بصدره، قطبت حاجبيها بانزعاج وتحركت بين يده بغضب لكنهُ أحاط خصرها بيده الأخرى وظل مُقيدًا إياها بقوة مستشعرًا تلك الرجفة التي سارت في أنحاء جسدها، عِندما أسند ذقنه على قمة رأسها وتغللت رائحته الطيبة حواسها، قائلًا برفضٍ قاطع: مش هتروحي في حته فاهمة ولا لأ؟

وضعت يدها فوق صدره ليخفق قلبه بقوة أسفل يدها، وهي تتنهد بتعب قائلة بحزن وقد بدأت تمسد صدره بحنان وأنفاسها الدافئة تضرب تفاحة آدم خاصته: قُصيّ، لازم أمشي..
هزّ رأسه برفض وهو يقطب حاجبيه بغضب، رافضًا تلك الفكرة، خفف قبضته على خصرها، ثم نظر لها وسألها باستفهام: انتِ قولتي انك شوفتي جاسم في الصعيد! هتروحيله دلوقتي فين؟
نظرت لهُ قليلًا وهي تفكر ثم أطرقت برأسها قائلة بخفوت: هستني في فندق لحد ما يرجع..

هزّ رأسهُ ورفع ذقنها بأنامله كي تنظر لهُ وهو يهتز بجسدها بخفة كأنهما يتبادلان إحدى الرقصات الرومانسية على أنغامِ موسيقى هادئة..
أردف وهو يبعد غُرتها خلف أُذنها برقة بدلًا منها: معكيش فلوس كفاية عشان تقعدي في فندق!
أسندت رأسها فوق صدره وهي تغمض عينيها بمشاعر مبعثرة سائلة باستفهام: اومال اروح فين؟

خلل أنامله داخل خصلات شعرها الناعم مداعبًا بنعومة وهو يقول: هتيجي معايا، اقعدي في الشقة ومش هضايقك ولا هجيلك، الشقة دي بتاعتك يا عشق..
أدمعت عيناها، ورفعت رأسها ونظرت لهُ سائلة بحزن: وانت هتقعد فين؟
ربت على وجنتها بنعومة وهو يقول بعدم اهتمام: في البيت في الشارع في اي داهية المهم انتِ..

وكزت صدره بغضب وهي تقول بنبرة مُرتجفة أشبه للبُكاء: متقولش داهية!، ثم عانقته بقوة وهي تكتم شقتها، ليرفعها من خصرها ويوقفها على قدمه وهو يشدد على عناقها بقوة أكبر، وقلبه يخفق باضطراب، مُستنشقًا عبيرها بانتشاء، معتصرًا خصرها بين يديه بقوة، فقط لما لا يدخلها بـ أضلعه وتختفي وينتهي كُل هذا! لقد أصبحت خطرًا على قلبه..

فصل العناق على مضض، ثم احتضن وجهها بين يديه وسألها الذهاب: نمشي!، اماءت بخفة ثم أراحت رأسها على كتفه ليحتضن خصرها بدوره وأخذها وذهب، هي فقط كما أخبرها، غبية، سيجعلها تندم ببطء..
بعد مرور يومين، مساءًا..
كانت عشق في دورة المياه تأخذ حمامًا دافئ وهي تفكر بهدوء، قُصيّ لم يتصل بها اليومين السابقين ولم يأتي ولم يزعجها، وهذا ترك لها مساحة كي تفكر دون ضغوط، دون أن يتحكم بها قلبها ويؤثر على قرارها..

أنهت حمامها، حاوطت جسدها بالمنشفة وخرجت من دورة المياه، تسير بشرود، صرخت بذعر شاعرة بانخلاع قلبها من محله بسبب الخضة عِندما وجدت قُصيّ يقف في مُنتصف الغُرفة يوليها ظهره..
استدار على عقبيه عِندما سمعها، قال لها بنبرة جافة وهو يتفحصها بنظراته: هستناكِ برا البسي وتعالي عايزك، لِبس خروج..

هزت رأسها بخفة وهي تغمض عينيها، واضعه يدها على قلبها الذي مازال يقفز داخل قفصها الصدري بعنف، تحرك قُصيّ إلى الخارج وتركها تستعيد رباطة جأشها بهدوء وعلى مهل..
جففت شعرها الفحميّ بشرود وهي تحدق في المرآة، إن قلبها مُنقبض، وتشعر بشعورٍ سيء وكأن شيءً ما سوف يحدث! ماذا يُريد قُصيّ؟!.

صففت شعرها و جعدته قليلًا، ثم ارتدت بنطال خامة الجينز لونه أسود يعلوه كنزة صوفية سوداء وفوقها معطف أسود، وحذاء أسود، كما هو الحال مع حياتها، انها ذاهبة لسرقة بنك بتلك الهيئة، كانت ترغب في وضع مساحيق تجميل كي تخفي تلك الكدمة التي لم تشفى بعد لكنها امتنعت وتركتها، خرجت عليه بعد بعض الوقت، كادت تجلس على الأريكة لكنهُ وقف ومنعها من الجلوس عِندما قال بهدوء: ممكن تيجي معايا؟

نظرت لهُ بقلق تفاقم أكثر وهي ترى ملابسه السوداء ووجهه المغموم البيّن عليه علامات الإرهاق، وعيناه الحمراء المتعبة التي بالكاد كان يفتحها! ماذا حدث؟ هل مات عمه و سيأخذها كي تواسي والدة جـنّـة؟ لكن هو لن يحزن على عمه بهذا القدر! إن ملامحه تخبرها أن النوم لم يجافيه قط اليومين السابقين، ماخطبه؟!
استفاقت من شرودها على يده الباردة التي احتضنت كفها الصغير الدافئ وهو يجذبها معهُ إلى الخارج..

فتح باب السيارة لها باقتضاب دون التحدث، استقلت السيارة وهي تضع قدمها بداخلها وخوفها يزداد أكثر، قلبها مُنقبض بشدّة، هي مرتعبة، ماذا سيفعل بها؟، هل سيقتلها ويبيع أعضائها؟.
نظفت حلقها وهي تمسد رقبتها بقلق ثم سألته بتوتر عِندما بدأ يقود وهو يقبض على المقود بقوة حتى ابيضت يديه وهو يقطب حاجبيه بتجهم شديد غارقًا بأفكارة التي تمنت لو تتسلل إليها: قُصيّ إحنا رايحين فين؟

نظر لها لبعض الوقت بدون تعبير، بنظرة خاوية أثارت في نفسها الخوف، جعلت العبرات تتجمع داخل مقلتيها الفيروزية التي بدأت تلمع وهي تنظر لهُ بخوف لم يخفي عليه، أعادت سؤاله بنبرة مُرتجفة وهي تبلع غصة مريرة في حلقها: قُـ، قُصيّ، في ايه؟

مدّ كفه وقربه إلى وجنتها، أبعد خصلاتها خلف أُذنها بنعومة وهو يبتسم رغمًا عنهُ، ابتسامة زائفة مُنافية لشعوره وتصرفاته، وهذا ما كان يرعبها، هذا الجالس أمامها ليس قُصيّ الذي عرفته نهايئًا، هي لم تعرف سوى ما تريد معرفته فقط، هي لا تستطيع التحدث عنهُ بطلاقة إن تم سؤالها عنهُ، سوى أنهُ قُصيّ رشدان فقط!، لا شيء إضافي..
في الفُندق الشهير الذي كان جاسم به منذُ أربعة أيام..

كان جاسم يقف أمام المرآة يغلق أكمام قميص حلته السوداء الأنيقة الخاصة بالزفاف بملامح جامدة، نعم، إن اليوم زفافه، لكن ملامحه كانت كمن يرتدي ملابسه من أجل عزاء أقرب الناس إلى قلبه وليس زفافه..
أخرجه من شرودة دخول والدته وهي تبتسم بإشراق وسعادة لا توصف بهذا اليوم..
تحدثت باعتراض عِندما وجدته غير مستعد ولم يكمل ارتداء بقية ملابسه بشكلٍ كامل بعد: اتأخرت يا جاسم كده شهِل شوية..

أومأ لها وهو يبتسم ابتسامة باهتة، لتتقدم منهُ وتعانقة بحنان وهي تهنئة بسعادة وفرحة عارمة: ألف ألف مبروك يا حبيبي، ربنا يتمملك بخير ويرزقك بالذرية الصالحة يارب..
ربت على ظهرها بحنان، ثم قبل رأسها بحب وقال بوِد: ربنا يخليكِ ليا، رفعت كفها وربتت على وجنته بحنان قائلة بحماس: انا رايحة أشوف عشق بقي..
وتركته وهرولت إلى الغرفة المُجاورة بسرعة، ليلقي جسده فوق الفراش بإحباط وهو يفكر بعد مغادرتها..

اليومين السابقين حقا كانا سيئين جدًا، لقد كان يتجنب وجوده في المنزل بسبب جـنّـة كي لا تتراجع عن موافقتها عن خطته، وخشي أنها رُبما قد تتهمه بالتحرش إن اقترب منها في وجود والدته كي لا يثير شكها، وغريزتها الأمومية ستكشف كل شيء، حتى إن موعد الزفاف أخبر به والدته في غرفتها مساءًا في وقت متأخر من الليل كي لا تراه في المنزل..

فقط كل ما يشغله الآن؟ من أين يبدأ؟!، و ما يجعله يفقد صوابة أنها زوجة قُصيّ! يا إلهي، كيف لم يُلاحظها يوم افتتاح المعرض؟! لقد تحدث معها، لكن لم يحملق في وجهها إلى هذا الحد الكافي كي يراها بوضوح ويعرف التشابة بينهما! هو حتى لا يعرف كيف سيذهب إلى قُصيّ بها؟ ولا كيفية المواجهة في شيءٍ كهذا؟! كيف سيفعل؟!
أما في الغرفة المجاورة..

كانت الفتاة تثبت التاج فوق طرحتها البيضاء وهي تبتسم بفخر لعمل يدها، لتزفر فجأة ثم تأففت بنفاذِ صبر وهي تنظر لها بغضب قائلة بضيق شديد: دي تالت مرة أعدلك الميك آب! كفاية عياط أرجوكِ مش هينفع كده الوقت بتاعنا انتهي و دلوقتي العريس جاي؟

وقفت جـنّـة عن المقعد أمام المرآة وهي تحمل فُستانها المُنتفخ الضخم ذات الأكمام المُحتشم كي لا يعرقلها، حدقت في نفسها داخل المرآة قليلًا لتجهش في بُكاء مرير وهي تُراقب نفسها، إنها ملاك، رقيقة، جميلة بشكلٍ لا يوصف، لا تُصدق أنها بهذا الجمال في هذا الوضع..
هي لا تحتاج سوى الصبر والقوة كي تكمل هذا، لأنها حزينة و مغمومة وتعيسة بشكلٍ لا يوصف، تدعو الله أن يساعدها بتلك المحنة وتمر تلك الساعات على خير..

جففت وجنتيها بخفة وهي تطبطب عليها كي لا يفسد تبرجها الرقيق الملائم لوجهها، مع دخول روحية الغُرفة وهي تطلق زغرودة سعيدة صدحت بقوة..
ابتسمت جـنّـة برقة وهي تستدير كي تُقابلها بصدر رحِب، عانقتها روحية بأعين دامعة سعيدة وهي تشدد على عناقها بقوة قائلة بحنو: زي القمر يا حبيبتي، ربنا يحفظك ويتمملك بخير..

ازداد اتساع ابتسامتها الرقيقة وقالت بنبرة مرتجفة ممتنة لتلك الطيبة والحب منها تجاهها: ربنا يخليكِ، انا حلوة بوجودك جنبي..
تساقطت عبرات روحية بحزن وهي تربت على وجنتها بحنان قائلة بتأثر: نوال لو كانت موجوده دلوقتي كانت حسدت نفسها عليكِ، محدش كان هيبقي في سعادتها دلوقتي، ربنا يحميكِ يا حبيبتي..

أومأت جـنّـة وهي تكتم شهقتها بعدم فهم لكنها أومأت، وعانقتها بقوة وهي تبكِ بقلب مفتور، لتقع عينيها داخل أعين جاسم الذي كان يقف داخل الغرفة خلف الباب ويراقبها بشفقةٍ بيّنة وهو يتحسر على نفسه، ها هو الزفاف الذي كان يطوق لهُ منذُ سنوات يحدث بأكثر الطرق سخرية!، ما المشكلة إن كانت عشق ماذا كان سيحدث؟

لِمَ يجب على تلك الملاك أن تكون زوجةً لرجلاً لا يستحقها وهي بتلك الأخلاق الحميدة لِمَ؟ لكن يؤسفه حقا كونه لا يستطيع تقبلها لأنها ليست عشق، ليست من أحبها، إنها صورةً منها ليس إلا..
تنهد وأخرج يديه من جيب بنطاله وهو يتقدم منهما، راسمًا ابتسامة سعيدة زائفة على وجهه..
قائلًا بمرح: مش كفاية عياط بقى؟ يلا عشان اخد عروستي؟

ابتسمت والدته وهي تستدير على عقبيها لتشهق بتفاجئ ثم سألته بغلظة: فين بوكية الورد يا جاسم؟
ابتسم وحك مؤخرة رأسه بأسف مُعتذرًا بتوتر: نسيت مش مهم هجبلها محل ورد بحالة في شهر العسل يلا بقي، ثم تقدم وأمسك يدها بين يديه ليلاحظ ارتجافها لكنهُ تجاهل هذا واتجه للأسفل..

فوالدته مُصرة على صُنع زفافًا ضخم من أجله، وقد هاتفت جميع اقربائهم واصدقائهم وأصدقاء العائلة ومن حُسن حظهم، قد أتي الجميع من الأسكندرية إلى هُنا، إنه حفل زفافٍ ضخم بحجم الفضيحة التي ستحل عليهم..

توقف قُصيّ بالسيارة أمام الفُندق وهو يتنهد ثم ترجل منها بهدوء، فتح باب السيارة لعشق وأمسك يدها يساعدها على النزول وقبل أن تسأل مُستفسرة سبب وجودهما هُنا سحبها معه إلى الداخل بسرعة وكأنهُ يخبرها أن لا مجال للنقاش الآن..

كان يسير بسرعة في اتجاه واحد كي يصل إلى وجهته، يجرها خلفة كطفلة تائهة لا تعرف السير بانتظامٍ بعد دون السقوط، توقف أمام القاعة من الخارج لتتوقف عشق بجانبه تلهث بقوة وهي تنظر حولها باستفهام وريبة..

سألته بتعب وهي تضغط على يديه برجاء أن يُجيبها: قُصيّ في ايه جايبني هنا ليه؟، احتضن وجهها فجأة بين يديه بقوة وهو يقول بلهفة وصدق رأتهما داخل عينيه، ضاغطًا بقوة جعلتها تشعر بأنه سيغرز أنامله داخل وجهها: خليكِ عارفة ومتأكده اني بحبك، واي حاجة هقولها أو هعملها متصدقيهاش، أنا هرجع وهاخدك وهنتجوز سمعاني؟ هتجوزك عشان بحبك خليكِ فاكرة، انا بحبك ياعشق..

هزت رأسها بعدم فهم وهي تبكِ بفتور من حالته التي لا تجد لها تفسيرًا، ليتابع هو سائلا باستفهام: في المستشفى انتِ قولتيلي انك عايزة ترجعي لجاسم صح؟

هزت رأسها بإيماءة خافتة وهي تنظر لهُ بعينا غائرة وتلقائيًا وقعت عينيها على باب تلك القاعة المُغلقة، لينقبض قلبها وينبسط فجأة خوفًا، ليتابع قُصيّ قوله جعل البرودة تسري داخل جسدها وهي تستمع لهُ بقلب إنشطر نصفين: وانا جيبتك ليه! النهاردة فرح جاسم هو وجـنّـة مراتي، فاكرها انتِ بس لازم يفهم، وانتِ لازم ترجعي، هزت رأسها بهستيريا كمن تلقي خبر موت حبيبه الآن، وعيناها تتسع بقوة وعدم تصديق وهي تنظر لهُ بخذلانٍ، وألم، هذا ليس صحيح؟ قُصيّ لن يفعل بها هذا!

سألته بانكسار وهي تنظر داخل عينيه ولم تتوقف عبراتها الحارقة عن التساقط قط: ليه؟ ليه؟ انا قولت هرجع بس مش بالطريقة دي؟ ليه كده يا قُصيّ ليه؟
هز رأسهُ بأسفٍ وقال لها بنبرة جافة لا تقبل النقاش: مفيش حل غير ده!
هزت رأسها بنفي وهي تمسك يده بيدها المرتجفة قائلة بتوسل: قُصيّ متعملش فيا كده، انا لما ارجع واحكيله كُل حاجة غير لما انت ترجعني ليه، لو بمثلك اي حاجة متعملش فيا كده يا قُصيّ انا بثق فيك!

هز رأسهُ بنفي، فهو قد أخذ قرارة قبلًا وانتهي، ليقول بابتسامة ميتة لا حياةَ بها: انتِ ترجعي انا ارجعك النتيجة واحدة، خاينة!

توقفت عن التنفس لوهلة، تحملق في وجهه بعينين زائغتين ونظراتٍ خاوية رغم هذا امتلأت بانكسارها و آلامها والكثير من الخذلان، هو من يخذلها دومًا، هو من أحبتهُ، هو من يتحدث! وهو السبب في كونها على ماهي عليه الآن، خائنة، تعرف أن باستطاعته جرحها بسهولة دون أن يهتز لكن ليس إلى تلك الدرجة! إنهُ يدمرها هكذا ولا يصلح أي شيء! تشعر أن هُناك خنجرًا مسمومًا اخترق قلبها قسمه نصفين ثم بدأ السمُ بالتوغل والانتشار داخل جسدها ببطء، على مهل حتى ارتدّت قتيلة..

استفاقت من صدمتها على يده التي أمسكت بيدها كي يدخل، لكنها هزت رأسها بهستيريا وأمسكت ذراعه وهي تقاومه متوسلة، تبكِ بانهيار: قُصيّ، بالله عليك بلاش، انت هتفضحة كده حرام عليك، هو ميستحقش مني كُل ده، قُصيّ!.

أمسك ذراعها بقوة وقال لها بقسوة كي تتوقف عن المقاومة وهو ينظر لها باقتضاب، واستخدم قولها ضدها: انتِ بتأجلى حاجة هتحصل، توقفت عن المقاومة ونظرت إلى عينيه التي أصبحت تتحاشى النظر لها!، وهي تشعر بألمٍ لا يوصف، لِمَ يؤلمها قلبها؟ لِمَ فهذا قُصيّ. وهذا متوقع، هي الوحيدة الغبية كما أخبرها، كان من المفترض أن تفكر قبل أن تذهب معهُ كالبلهاء..

رفعت كفها المُرتجف وأدارت وجهه كي ينظر لها وقامت بسؤاله وهي تبتسم بألم: طب وانا؟، التزم الصمت ولم يرِح قلبها ويتفوه بحرف، لتتابع عوضًا عنهُ وهي تقول بأكثر نبرة متألمة منكسرة حملتها يومًا: انا ولا حاجة مش كدة؟، ظل على صمته وهو يحدق في الفراغ بجمود دون أن يشفق على حالها، فلا يحتاج توصية كي يشفق عليها لأنهُ يعرف جيّدًا قدر الألم والخُذلان الذي تسبب بهما والخيانة التي باغتها بها..

أمسك يدها بقوة، ثم دفع باب القاعة وجذبها خلفه ودلف، لتطرق برأسها كي لا يرى أحدًا وجهها وهي تسير معه، كاتمة أنينها المذبوح..

تعالت ضربات قلبها مع علو تلك الموسيقى والأغاني الشعبية التي تصدح في مكبرات الصوت، وتراقص الإضاءة الحديثة المشوشة للنظر، وحماس الضيوف، ورقص الشباب، وأخيرًا بعد سيرها لمدة طويلة هاهما يجلسان بجانب بعضهما لبعض، وكما يبدو أن كل واحدًا منهما في عالمٍ آخر، ومن الحظ الجيًد أن روحية تقف بالقرب منهما..
لا مجال للتراجع وهي أعطته سببًا أقوى عِندما ظلت تدافع عن جاسم لأنها خائفة عليه، يال سعادته، بهذا الخوف..

تنهد جاسم وهو يهز قدميه بتوتر، مراقبًا والدته بطرف عينيه التي تقف بجانبه تتربص به، نظر إلي جـنّـة الشاردة، يُريد أن يطلب منها الرقص كي لا يلفت النظر لحالهما التعيس لكن يأبي، نظر أمامه وهو يزفر بضيق لتتسع عيناه ويخفق قلبه بعنف لاكمًا قفصه الصدري بقسوة عِندما أبصر قُصيّ يتقدم منهُ بملامح باردة ونظرة مُعلق على جـنّـة التي تجلس على آخر المقعد في الزاوية، ويجر خلفه فتاة قصيرة قليلًا، اقترب منهُ أكثر، ليقف جاسم من محله كي يراها بوضوح، فرغ فاهه بعدم تصديق، شاعرًا بدلوًا من المياه المثلج يسقط فوق رأسهُ، عشق!، عشق معهُ! مع قُصيّ زير النساء؟!

توقف أمامهم أخيرًا لتشهق جـنّـة بتفاجئ وهي تُعدل من جلستها ناظرة لهُ بصدمة لتنتقل بنظراتها إلى عشق التي تطرق برأسها بجانبه وجسدها يهتز بسبب البُكاء..
بينما روحية كانت تحدق به باستفهام مُتعجبة ارتدائه اللون الأسود الداكن في مناسبة كهذه هو وشريكته، تفحصت تلك مُطرقة الرأس التي تبكِ بصوتٍ مكتوم ولا تتبين ملامحها بسبب شعرها الطويل الذي أخفي وجهها من الجانبين..

بينما جاسم، كان في عالمٍ آخر وهو يحملق بها بأعين جاحظة، صحيح أنهُ يتمنى أن يجدها من كل قلبه، لكنهُ الآن حقًا يتمنى ألا تكون هي، وليس بتلك الطريقة، والدته تقف!
أخذ قُصيّ شهيقًا طويلًا ثم مدّ كفهُ أسفل وجه عشق ورفعه بقوة كي يتبين وجهها الباكِ شديد الأحمرار وهي تشهق من خلف خصلاتها ليقول بنبرة باردة: دي عشق مراتك، واللي جنبك دي جـنّـة مراتي، شكلك اتلغبط..

تعالت شهقة روحية المشدوهة وهي تراقبهُ بذهول وعينها تتجول بين عشق وجـنّـة، كأنها ترى معجزة..
ترك قُصيّ وجهها ثم وضع يده خلف ظهرها ودفعها على جاسم بقوة، اصطدمت بجسده وكادت تسقط لكنهُ أحاطها بقوة وهو ينظر لها عاجزًا عن التفوه بحرف، ألم يجد أن المواجهة صعبة؟ لقد وفر قُصيّ لهُ الكثير وقصّر عليه الطريق..
رفعت عشق رأسها تناظرة بحزن قائلة بندم وهي تنتحب: أنا آسفة، آسفة، علام تعتذر؟

أبعد قُصيّ نظره عن يد جاسم التي تطوقها ببرود ثم نظر إلى جـنّـة التي كانت تحدق به بدورها بجزع..
أشار لها كي تقف بهدوء وهو يقول: يلا عشان نمشي..

حركت شفتيها وقالت لهُ شيءً ما لم يستطع سماعة من الضجة، ليقول بضيق وهو يتقدم منها بعصبية: بتقولي ايه؟ مش سامعك من الدي جي!، أمسك يدها ثم أوقفها دون أن يستمع لها وهو يلملم ذلك الفستان ذات الذيل الطويل بضجر ليصرخ بها فجأة بحدّة جذبت الأنظار لهم وخصوصًا لهُ بسبب اقترابه من العروس وتجمدها هي ووقوفها محلها: انزلي من على الزفتة دي وامشي عشان الخرا ده!

اغرورقت عينيها بالدموع ثم سارت إلى الأمام وتقدمت عليه ليسير خلفها بعد إن قذف ذيل الفستان خلفها بسخط، لكن توقف قليلًا ثم استدار وقصّ علي جاسم قصتهما هو وعشق: على فكرة انا وعشق بنحب بعض من خمس سنين، وكان هيجيلنا بيبي بس محصلش نصيب، ازداد نحيب عشق وهي تستمع لهُ شاعرة بابتعاد قبضه جاسم وتخليه عن خصرها، لتسقط أرضًا أمام قدميه، وهي تستمع لبقية حديثة بكل تحدِ ووقاحة: وكل مرة كانت بتيجي القاهرة كانت بتيجي عشاني، عشان نتقابل سواء في امتحانات او غير امتحانات، كُل الوقت ده كُنا بنقضية مع بعض في شقتي، انا رجعتهالك دلوقتي! بس هاخدها تاني، انا خدتها كتير من غير ما تعرف بس المرة الجاية هتبقى عارف، وتركه وغادر وآخر ما رآه كان عشق وهي تجلس أرضًا أمام قدميه..

أحاط خصر جـنّـة وسار معها إلى الخارج بكل هدوء وهو يبتسم مستمعًا إلى تلك الهمهمات التي لا يعبأ بها، ليلاحظ بكاء جـنّـة؟
سألها باستفهام ولا مُبالاة قائلًا ببلادة وهو يُشدد قبضته على خصرها بقسوة: بتعيطي ليه حصل حاجة؟
هزت رأسها بنفي ليتابع سيره بهدوء حتى وصل إلى السيارة، جعلها تجلس في المقعد الخلفي بسبب الفستان ثم استقل السيارة وغادر ذاهبًا من هُنا نهائيا..

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة