قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية حب خاطئ للكاتبة هاجر الحبشي الفصل الرابع

رواية حب خاطئ للكاتبة هاجر الحبشي الفصل الرابع

رواية حب خاطئ للكاتبة هاجر الحبشي الفصل الرابع

-وقحة هي تلك النظرات التي تبعثرني-.

=: عايز أسمع صوت الحزام الجميل وهو نازل على الجسم القمر ده ايه رأيك؟!.
زاغت عيناها وهي تلتقط أنفاسها بصعوبة، حركت شفتيها كي تتحدث لكنها عجزت عن تكوين جملة مفيدة ومازالت تعود إلى الخلف ويدها معلقة في الهواء تبحث عن المقعد كي تستند عليه قبل أن تنهار..
ركلة بقوة يشفي به غليله عندما أبصره جعله.

يصطدم بالحائط بعنف مصدراً صوتاً قوياً جعلها تتفض وهي تنكمش على نفسها أكثر لـ يتحدث وهو يضرب الحزام جانب قدمها شعرت بالهواء الذي لفح ساقها العارية أثره وهو يرفع حاجبيه وتحدث باستفهام: مالك ياحماتي؟ اتشليتي ولا السر الإلهي طلع؟ هزقيني يلا سمعيني! عيدي تاني كنتي بتقولي ايه؟ يلا، زبالة! صح؟ الزبالة اللي جيت منها؟، وضرب أسفل حذائها بقوة فكادت تسقط على وجهها وهي تصرخ فزعاً جعلته يضحك بتشفي وهتف بتسلية: بقي القمر ده خنزير! وخرتيت! ونكرة! وزبالة! وأمشي أطلع برا! هاا؟، ثم ضرب جدار المكتب من جديد جعلها تصرخ بأعين دامعة على وشك البكاء و صرخ بها بعنف جعلها تنتفض بخوف: لأ، سمعيني صوتك الجميل! حركِ شفايفك الحلوه دي و اتكلمي يلا..

ثم سألها بتعجب وهو يقترب أكثر حتى توقف أمام وجهها أثار في نفسها الذهول وهو يتساءل: شفايفك دي ولانفخ؟ لاعبه فيهم نفخ مش كده؟، ثم نظر إلى صدرها بخبث ورفع نظره لها وسألها ببراءة وهو يرفع حاجبيه: ودول برده نفـ، بتر قوله يدها التي رفعتها كي تصفعه مع شتمة بصوت مرتفع وحدة: يا واطي ياحيـ، وصرخت بألم عندك أمسك ذراعها وقام بلوية خلف ظهرها بقسوة ودفعها إلى الأمام وحاصر جسدها بينه وبين الحائط وجأر من خلف ظهرها بصوت غاضب مرتفع أصابها بالطنين وهو يقبض على معصمها أكثر جعلها تشعر بتوقف سريان الدماء داخل عروقها: لـيـلـى يا مِنشاوي اتقى شرى ويستحسن ليكِ إنك تفضلي حماتي، حماتي وبس وبلاش أنا هاا بلاش عشان أنا أوطى من ما تتخيلي ومعنديش في الوساخة وقلة الادب كبير وصغير كله واحد، ثم ضغط أكثر على معصمها جعلها تأن وهي تكتم شهقتها شاعرة بتهشم عظامها أسفل يديه وقال بسخرية: الخمس سنين اللى بيني وبينك وفرحانه بيهم دول بليهم واشربي مايتهم! وزي ما بتعامل معاكِ باحترام هتتعاملي معايا باحترام غصبن عن عين أهلك بدل ما أوريكِ النكرة والزبالة ده هيعمل فيكِ ايه؟ فاهمة؟!.

لم ترد عليه لـ يضغط أكثر على معصمها جعلها تصرخ وهربت شهقتها وهي تدفن وجنتها بالحائط أكثر لـ يتابع بتشفي وهو يستمع إلى صوتها الباكِ: والمخنث اللى كرهك في الرجالة وطلعه بلا أزرق على جتتك ده آخر همي؟ مش ذنبي فاهمة؟ يعني مسمعكيش بتهمسي حتى لنفسك انك بتكرهي الصعايدة ولا غير الصعايدة بدل ما اطربق الدنيا فوق دماغك وهعمل فيكِ حاجات عقلك المتخلف مش هيعرف يستوعبها!، وضغط أكثر على معصمها وحذرها بلذاعة: ولسانك الجميل ده تقصيه عشان بيضايقني! إنتِ كُلك على بعضك بتضايقيني! خفي شوية عشان هأذيكِ..

ثم ترك ذراعها الذي تهشم ولم تعد تستطيع تحريكه وأدارها بقوة لتنظر له بوجهها الأحمر الباكِ ومازالت ملامح الكُره تسيطر عليها جعلته يضحك وهو يحدق بها ثم قال بهدوء ونيته أن يتركها: لما تروحي جهزي شنطكم هاخدهم بليل..
إبتسمت بسخرية رغم بكائها وعبراتها التي مازالت عالقة بأهدابها وقالت بنبرة مرتجفة: إنت مش راجل على فكرة؟

قبض على فكها بعنف وهو يدفع رأسها إلى الحائط لتنكمش ملامحها بألم شاعرة بتهشم جمجمتها وتشنج جسدها لـ يهدر بأعين جاحظة من الإنفعال وهو ينظر لها بمقلتين حمراوين وغضب شديد: شكل الهدوء مينفعش معاكِ صح؟ يبقى نعيد تاني ونقول، لما تروحي زي الشاطرة تحضري شنطكم عشان هتسافروا معايا بليل و متجبيش هدوم كتير عشان المسخرة اللي بتلبسيها هنا مش هتتلبس هناك فاهمة؟.

نظرت له باحتقار ورفعت يدها التي بالكاد تحركت الآن بسبب تلك الرغبة كي تصفعة، فأعاد لويها خلف ظهرها بقوة مضاعفة وهو يزمجر بغضب ضاغطاً عليها أكثر جعلها تتلوى من الألم وهو يضغط بجسده الضخم على جسدها سحقهُ سحقاً جعلها تشعر بالتخدر من صلابة الحائط الذي كادت تلتصق به كـ قطعة فراولة ثم دعسها..

هسهس بغضب وتحذير داخل أذنها جعلها تقشعر بتقزز من أنفاسه الدافئة التي داعبتها وهو يقول: هتسافري معايا بليل وهتقابلي أبويا أبويا اللي لو رفعتي عينك في عينه هخزقهالك، أقسم بربي لو فلتت منك كلمة كده أو كده هناك معجبتنيش هحزن بنتك عليكِ بدري وهوريكِ إذا كنت راجل فعلاً ولا مش راجل فعلاً فاهمة؟.

لم تتحدث فلوى ذراعها أكثر خلف ظهرها بقسوة وهو على وشك خلع كتفها جعلها تصرخ وتحدث بدون رحمة: مسمعتش فاهمة ولا لأ؟
هزت رأسها موافقة بهستيريا وهي تنتحب وعبراتها لم تتوقف قط، لـ يصك أسنانه بغضب وهو يلويه خلف ظهرها أكثر فأكثر جعلها تصرخ بقهر، فأعاد ببرود وهو يفرك حاجبه: مسمعتش برده!

قالت بحرقة وهي تشهق بألم: فاهمة، فاهمة، ترك يدها، بل دفعها ثم أنحني وأخذ الحزام وأعاده إدخاله داخل حلقات بنطاله ولم يحيد بنظرة عنها قط مراقباً بكائها بألم أمامة كـ الفرخ الصغير، أين ليلى الوقحة؟! القوية؟ كاذبة! ليست قوية! وحتى إن كانت لن تكون أمامة!

أنزل أكمام قميصه ثم أغلق أزراره الأمامية وأعاد خصلات شعره إلى الخلف وشذب ذقنه وهو يقطب حاجبيه ومازال يحدق بها بوجوم لـ يقع نظره على طابع الحسن بذقنها جعله يبتسم فجأة وهو يهز رأسه ومن دون سابق إنذار جذبها من مؤخرة رأسها بقوة كادت تكتفأ على وجهها أثرها قابضاً على شعرها بخفة بالنسبةِ له وكانت مؤلمة بالنسبةِ لها..

هتف بهدوء وهو يبتسم ببراءة مقرباً وجهه منها تحت هدوء ملامحها وإنتفاضة جسدها: أتمني إنك تكوني استفدتي حاجة من درس النهاردة يا حماتي!، ثم ضحك بخفة وداعب وجنتها بإبهامه وبقية أنامله تحركت بنعومة داخل شعرها وهو يقول بسرور وابتسامته تتسع أكثر فأكثر تحت تحديقها به بصمت ودون تعبير: صدقيني أنا معنديش مانع إننا نعمل كده تاني ولا هيكون عندي! عشان أنا مقدر وعارف إنك محتاجة تربية!.

تركها مع إختفاء إبتسامته وعادت ملامحه إلى التهجم ثم لكز جبهتها بسبابته كـ أحد الأغبياء وقال بجفاء وهو ينظر إلى شعرها المبعثر بفوضوية: تبقي سرحي شعرك بدل ما رنا تفتكر إننا كنا بنبوس بعض ولا حاجة، ثم إبتسم بهدوء وعاد إحترامه لها من جديد وهمس أمام وجهها بوداعة: مع السلامة يا حماتي، وتركها وذهب لكنه توقف بمنتصف الغرفة ثم انحنى أخذاً سترته والقاها على كتفه وهو يمسكها بطرف أنامله وغادر وهو يضع يده داخل جيب بنطاله بعد إن ألقي عليها نظرة متفحصة علم من خلالها أنها ستنهار قريباً..

تهاوت ساقطة أرضاً خائره القوى بعد إن سمعت صوت إغلاق الباب لـ تنفجر باكية بحرقة وهي ترفع يدها بألم وصوت ذلك الحزام مازال يضرب أذنها ممزوجاً بصوت السوط الذي كان يهوي على جسدها في يومٍ ما يمزقه دون رحمة..

ضمت جسدها بضعف وهي تنتحب تسند رأسها إلى ركبتيها تهتز دون توقف، هي لن تنسى يوماً القسوة التي عايشتها، لن تنسي أن حياتها كانت جحيماً لم تري بها يوماً جميلاً قط سوى القسوة والتعنيف، لن تنسى ماحدث لها، هي إلى الآن مازالت تستيفظ فزعة في منتصف الليل بسبب تلك الكوابيس الحقيقية التي عايشتها..

كانت تعلم أنه سوف يُذكرها بتلك الذكريات التي حاولت بشتى الطرق أن تنساها لكنها فشلت، وها هو يفتح جراحها التي لم تلتئم بعد من جديد، يبدو أنها لن تلتئم يوماً..
تخاف، تخاف أن تغلق عليها باب غرفتها أثناء النوم كي لا يتم كسره وجذبها من الفراش وجلدها حتى تنزف وتفقد الوعي كـ جثة هامدة، لقد تم تدميرها وتعذيبها وذلها بطرق بشعة لن تستطيع تحملها من جديد لن تستطيع..

صرخت بفزع عندما رفعت رأسها عن الأوراق ووجدت عمّار يميل على المكتب ينظر لها وهو يبتسم بهدوء..
نظفت رنا حلقها وسألته بارتباك: أقدر أساعد حضرتك في حاجة؟
ابتسم وهز رأسه ثم أشر على غرفة ليلى وأخبرها بخفوت: إنتِ تروحى تعملى جردل لمون وتدخلي تشربهولها عشان تروق أعصابها بسرعة..

نظرت له بتعجب وعدم فهم لـ يعيد بحدة وهو يضرب المكتب براحة يدهُ أفزعها: أنا مش قولت بسرعة قومي، أومأت بخوف وهرولت تاركة المكتب وذهبت تصنع لها مثلما قال..
دلفت إلى الغرفة بعد إنتهائها بهدوء وهي تحمل كوب الليمون لـ تشهق بفزع عندما رأت تلك الفوضى، ماذا حدث؟ هل هو من فعل؟!.

ركضت إلى ليلى عندما سمعت صوت أنينها الخافت من خلف المكتب ورأتها كيف تضم جسدها وهي تنتفض، وضعت الكوب من يدها ثم أخذت معطفها المُعلق وجثيت أمامها بقلق وحاوطت جسدها به وهي تسألها باستفهام: ليلى هانم إنتِ كويسة، كويسة؟!

لم ترد عليها مستمرة في الارتجاف بأعين زائغة ورؤية مشوشة وعبراتها تنساب على وجنتيها ببطء مُعذب، حملت رنا كوب الليمون ورفعت راحة يدها المرتجفة وساعدتها بإمساكه وهي تمسكه معها ثم رفعت يدها الأخرى لـ تصرخ بصوت مبحوح وهي تشهق مترجية إياها بحرقة: سبيها، سبيها، أومأت رنا بحزن وهي تراقبها ثم حثتها على إرتشافها: طيب اشربي اشربي، هو حصل ايه ده كان خارج بيضحك؟!

هزت رأسها بألم هي تشهق بتقطع شاعرة بالقهر منه وقلبها يضرب قفصها الصدري بعنف مؤلم، أسقطت الكوب من يدها بضعف وهمست بصوت خافت وهي تحرك أهدابها بتثاقل: إتـ، إتصلى، بالبو، ليس، وسقط جسدها مصطدماً بالأرض بعنف بعد إن فقدت الوعي وسط تلك الفوضى..

في الإسكندرية..
تقلبت في الفراش بنعومه وهي تتثاءب مطلقة همهمات ناعمة من بين شفتيها لـ تفرج عن مقلتيها اللامعة وهي تقابل السقف بنظراتها الناعسة لـ تتطاير الستائر أثر الرياح الهادئة أدخلت عليها أشعة الشمس الدافئة..

ابتسمت بنعومة وهي تمط جسدها كـ القطة الكسولة على ذلك الفراش الناعم المُريح ثم انتصبت جالسة ونظرت تجاه النافذة وابتسامتها الرقيقة تتسع أكثر فأكثر وبداخلها شعوراً لا يوصف بالسعادة والفرحة العارمة المغلفة بالأمل فهي تشعر أنها ولدت من جديد بحياة أجمل كما تظن..
قاطع شرودها في النافذة طرق الباب بخفة ثم فتحه ببطء لـ يطل عليها جاسم الذي أدخل نصف رأسه وتساءل وهو يبتسم: ممكن أدخل؟!

أومأت بخجل وهي تُعدّل جلستها، دلف جاسم وتقدم منها، جلس أمامها على طرف الفراش وتحدث برقه وهو يتأمل جمالها صباحاً: صباح الخير..
ردت عليه بنعومه وهي تبتسم: صباح النور، ثم صمتت قليلاً وهي تفكر أثناء إعادتها إلى خصلات شعرها خلف أذنها وتحدثت بندم: أنا آسفه عشان انفعلت عليك إمبارح مكنتش أقصد..
ابتسم بحنو وقرص وجنتها بخفة، فأين تلك التي كانت تخطئ وتنظره هو أن يعتذر؟!.

قال بمرح وهو يبتسم: أنا مش زعلان أنا اتفاجأت بس!، وضعت يدها على وجهها باحراج وتذمرت: يا جاسم بقي..
ضحك بخفه وهو ينظر لها بهيام ثم أشر علي رقبتها: حلو الكوليه ده مشفتكيش لابساه قبل كده؟!
ارتبكت ووضعت يدها حول رقبتها و خلعته ثم خلعت القراط وقالت معتذرة: أنا أسفه عشان لبستهم..

قطب حاجبيه بتعجب وهتف باستنكار: أسفه علي إيه دي حاجتك! إنتِ مجنونه ولا إيه كل حاجه هنا بتاعتك مش محتاجه مُقدمات عشان تاخدي حاجه!
أومأت بهدوء وهي تعبث بأصابعها بتوتر ثم تحدثت ببعض التردد: جاسم أنا كنت محتاجه هدوم عشان الهدوم اللي هنا دي مش مناسبه ليا..
هز رأسه موافقاً وهتف: أنا كنت عاوز أكلمك في الموضوع ده برده عشان الصراحه مش هكذب عليكِ إنتِ مش مُحجبة..

قطبت حاجبيها بانزعاج وأشرت على نفسها: أنا مش مُحجبة؟!، أومأ وتابع وهو يتذكر ماحدث: إنتِ مش مُحجبة ومن أسبوع تقريباً اتخانقنا بسبب الحجاب وده اللي خلاكِ تمشي وتسيبيني عشان إنتِ كنتي رافضه تتحجبي!
توسعت عينها وهتفت بتعجب وصدمة: أنا بجد! أنا مش مُحجبة!

ضحك وهو يرى تعابير وجهها المنذهلة فاحتضن راحة يدها بين يديه وتحدث بحنان وهو ينظر إلي فيروزتيها مباشرةً: اه مش مُحجبة أنا كان نفسي تتحجبي أوي بس إنتِ رجعتيلي مُحجبة وأنا مبسوط جداً، أنا معرفش حصل ايه في الأسبوع ده ومش مستعجل بس مُتأكد إنها كانت حاجه كويسه غيرتك كدا، ابتسمت له بامتنان بسبب ذلك الدفء الذي يبثه داخلها كلما تحدث معها..

تابع بابتسامه وهو يربت علي وجنتها برفق: دلوقتي بقي غيري بسرعه وانزلي عشان نفطر سوا وبعدين نروح نشتري هدوم وكمان سامي إبن عمي تحت وعايز يسلم عليكِ، أومأت له وهي تبتسم ثم وقفت كي تتجهز، ترك الغرفة، وتحركت هي متجهة صوب دورة المياه..

انتهت بعد بعض الوقت ثم ارتدت الملابس التي كانت ترتديها أمس وتوجهت إلى الأسفل، كان الجميع يجلس على طاولة الطعام، جاسم، روحية، سامي، وهي، دون التحدث بكلمة فقط الهدوء أثناء الطعام..
سمعت جاسم وهو يطلب مياه فتحركت والدته كي تذهب لكن جـنّـة أوقفتها وهي تقف وقالت برفق: خليكِ يا ماما أنا هجيب..
تحدثت روحية بابتسامة: ماشى يا حبيبتي..

سألهم سامي بتعجب وهو يراقب تحركها إلى الداخل بتلك الملابس والطاعة: مين دي يا أخ؟!
ضحك جاسم وهتف بابتسامة: دي عشق!
رفع سامي زاوية شفتيه بسخرية وقال بامتعاض: عشق مين؟ مين دي؟!
تحدث جاسم بإيجاز وهو يتناول الطعام: هفهمك بعدين..
ضيق سامي عينيه وهو ينظر له ثم تحدث سريعاً وهو يقف: طيب هروح أسلم عليها أنا بقي بقالي كتير متخنقش معاها، أومأ له جاسم وهو يبتسم وحذره بمزاح: متبقاش رخم أوي معاها عشان هعرف..

توجه إلى الداخل ويعتلي ثغره ابتسامة ماكرة فهو يعرف كل شيء، لقد كان يبحث عنها كـ المجنون مثل جاسم حتي عرِف مكانها وعلم ما حدث، هي الآن لا تتذكر شيء لما لا يعبث معها قليلاً فهو يشعر بالملل! وبالتأكيد سوف تصدق أي شيء يقوله رُبما تكون هذه فرصتهُ معها وتقبل به!

توقف أمام المطبخ يراقب ظهرها، بينما هي كانت تبحث عن مكان الأكواب فوجدت يد تحاوط خصرها بحميمية، ابتسمت بنعومة ظناً أنه جاسم لكن صوت سامي الماكر جعلها قدميها تتيبس أرضاً دون حراك: وحشتيني يا عشق..
شهقت بخوف و ابتعد إلى الخلف لكنه سحبها من خصرها بخشونة وقربها له مجدداً ثم رفع ذقنها بإبهامه وهتف أمام شفتيها بهمس: بس أجمل بالحجاب تصدقي؟.

ترقرقت الدموع بعينها وهي تحاول أن تدفعه بضعف وهتفت بنبرة مرتجفة خائفة: إنت مين إبعد عني إبعد..
ضحك بخشونة وهو يقربها له أكثر مشدداً قبضته حول خصرها ألمها: مش دي المُقابله إللى كنت متوقعها وخصوصاً إنك وافقتي تتجوزي جاسم!.
تحدثت بخوف وهي تحاول التملص من يديه بذعر: وإنت زعلان ليه هتجوزه ولا مش هتجوزه؟!

ضحك وتبدلت ملامحه لأخرى غاضبة باغضة: أتضايق؟ إنتِ ناسيه ولا إيه؟! الشغل اللي إنتِ عملاه ده يمشي على روحية وجاسم مش سامي ماشي يا قطة؟! ثم إبتسم بمرض وقبل وجنتها بحنان وهتف بنبرة جعلتها تشمئز: بس وحشتيني اوي ونفسي نقضي وقت زي اللي كُنا بنقضيه مع بعض..

جحظت عينيها وشهقت بصوت مرتفع وهي علي وشك البُكاء من قوله هذا جعلته يضحك بتسلية وهو يراقبها ثم أقترب أكثر وهمس بأذنها بخبث: لو نسيتي أفكرك، ثم تركها وذهب..
زحفت البرودة إلى أوصالها كمن ألقي عليها دلواً من الماء البارد، ترنحت إلى الخلف وجسدها يرتجف بأعصاب تالفة غير قادرة على الوقوف..

تشبثت بحافة الرخام خلفها وتساقطت عبراتها بألم فهي علمت الآن أنها لم تكن فتاة جيّدة بتاتاً، هزت رأسها وهي تشهق لـ تخيلها ما كانت تفعل مع هذا ومعها جاسم! هي ماذا فعلت ماذا فعلت؟!.
دلف جاسم إلى المطبخ بقلق عندما تأخرت كل هذا الوقت وحدها على كوب مياه؟ فـ بالتأكيد لن تضيع الطريق فهي ليست في غابة!.

بحث عنها بـ ناظرية بقلق تفاقم أكثر عندما وجدها جالسة أرضاً تضم جسدها وعبراتها تنساب على وجنتيها ببطء، هرول لها بقلق وجثى على ركبتيه أمامها وسألها بلهفة: عشق، عشق مالك؟ مالك إنتِ كويسه؟!
هزت رأسها بنفي وارتمت بأحضانه تبكِ بحرقة أخافته عليها فسألها بحزن: متقلقنيش عليكِ حصل إيه؟! سامي ضايقك؟!
هزت رأسها بنفي وهتفت بحرقة: أنا كنت إنسانه مش كويسه مش كده مكنتش كويسه؟

ربت على ظهرها بحنان وهو يضمها إلى صدره أكثر ونفي حديثها: لا يا حبيبتي مش كده إنتِ أحسن إنسانه في الدُنيا مين قالك كده؟!
هزت رأسها بنفي وتابعت بأسى: إنتوا كلكم مبسوطين بيا وأنا كده يعني أنا مكنتش كويسه عشان كده دلوقتي مبسوطين بيا صح؟!

كوب وجهها بين راحة يديه وهتف بحنان: لا مش مظبوط أنا بحبك زي مانتي في أي وقت وبأي وضع بحبك! ومش محتاجة إنك تنهاري كده إهدي إهدي، وعانقها مجدداً بحنان بالغ لتبكِ علي صدره بنحيب وكلمات سامي مازالت تتردد في أُذنها أرجفت قلبها بكُره تجاه نفسها، بالتأكيد هُناك ما يحدث يجب أن تتذكر في أقرب وقت..
توقفت عن البُكاء بعد إن هدأت قليلاً ليتحدث جاسم بضيق وهو يراقب ملامحها الحزينة: حصلك إيه بس إنتِ كنتي كويسه؟!

هزت رأسها وهي تمحي عبراتها بهدوء: مفيش أنا بس مخنوقه شويه..
إقترح عليها وهو يقف وأوقفها معه: نخرج نتمشى شويه وبعدين نشتري الهدوم؟! أومأت بهدوء دون إضافة شيء، فتنهد بحزن وحاوطها ثم أخذها إلى الخارج..
أجلسها في السيارة ثم عاد إلى داخل كي يأخذ متعلقاته الشخصية ليسأله سامي باستفهام: هي مالها؟!
رد عليه جاسم ببعض الحدة وهو يسأله: إنت عملتلها ايه جوه؟!

رفع سامي حاجبيه وتساءل بسخرية: ليه هي قالتلك إيه عصبك أوي كده يابن عمي؟!.
رد عليه جاسم بضيق: ياريت متنساش إنت الكلام ده وإنك إبن عمي، وتركه وغادر ليهز سامي كتفيه بتعجب ثم عاد لإمساك الملعقة وأكمل طعامه بكل هدوء ليقع نظرة على روحية الشاردة بقلق فهتف بصوت مرتفع أفزعها: مراااات عمي كُلي كُلي متفكريش كتير تلاقيها نوبة جنان من إللي إحنا متعودين عليها متقلقيش..

هزت رأسها بنفي وبدت مهمومة وهي تقول: لا عشق اتغيرت أوي يا سامي ومش فاكره اى حاجه من حياتها لازم نعاملها بطريقه خاصه وهمجيتك معاها دي تتلغي لحد ماتفتكر كل حاجه أو غير أسلوبك يمكن علاقتكم تتصلح..

هز سامي رأسه بسخرية وهو يمضغ الطعام ثم ارتشف كوب المياه بعدم إهتمام وأخذ سترته ووقف ليذهب لكنه توقف وقبلها بخفه وهتف ابتسامة: تسلم إيدك علي الفطار ياقمر، وتركها وذهب لتقف بعدها وبدأت تلملم الأطباق بدون شهية..
تحدث جاسم يسألها بحزن وهو ينظر لها: برده مش هتاكلي؟!
تحدثت برجاء وهي تعدّل جلستها: صدقني مش عاوزه مليش نفس متضغطش عليا..
زفر وقال بعدم رضى: بس إنتِ مفطرتيش؟!

ابتسمت بهدوء وتحدثت ببساطة: وإيه المشكلة؟! مش هموت من الجوع قعدتي على البحر هنا بالدُنيا كُلها..
إبتسم وهتف باستفهام: للدرجادي بتحبيه؟!
إختفت إبتسامتها وتحدثت بتذمر: هو كمان مكنتش بحب البحر؟!

ضحك ببحة رجولية وهو يرى تعابير وجهها العابسة ثم أمسك يدها وهتف بحنان وهو يواسيها: يا حبيبتي دي مش حاجه وحشه إنك تكوني مختلفة مش حاجه وحشه عادي يعني البحر بالنسبالك عادي كـ واحدة متربيه جنبه طول الوقت فاهمه؟! لكن بس عشان إنتِ مش فاكرة حاسه إنك أول مره تشوفي بحر لكن إنتِ طول حياتك كنتي جنبه وبتحبي القاهرة أكتر كمان وكنت بجيبك من هناك بالعافيه كل مرة تروحي تمتحني فيها بتحبيها أوي كده ليه بقي تعرفي؟!.

هزت رأسها بنفي وهي تفكر ثم اقترحت عليه: ممكن نتكلم واحنا بنتمشي؟!
إبتسم ووقف ثم مد يده لها كي تقف وقال: طبعاً ممكن يلا بينا، وأمسك يدها لتترفقة وهي تبتسم بنعومة..
سارا على الشاطئ معاً يتبادلانِ أطراف الحديث بسعاده..

في القاهرة..

سماء صافية، شمس ساطعة في كبد السماء، حرارة شديدة كـ نفس من أنفاس جهنم، همهماتٍ لأشخاصٍ منزعجين من الحر الشديد، منازل قديمة بالية أوشكت على السقوط، قهقات بعض الصبية مع أصدقائهم وهم يلعبون الكرة بملابسهم الداخلية بسبب الحر، صوت صهيل الخيول يملئ المكان، صوت رجيح العربات بسبب عدم استواء الطريق كان يشوشة، علا صوت حوافر الخيول التي تتبختر أثناء جرها لـ عربات محملة بأنواع مختلفة من الخضراوات النيئة الطازجة التي تم اقتلاعها من الأرض مباشرةً الآن كانت تحجب عنه رؤيتها..

خضراوية زائغة مرهقة من الحرارة، شفتيه جافة مشققه، حلقة جاف جعله غير قادر على الحديث، قلبه يخفق بقوة وخوف من فقدانها، جسده ووجهه يتفصد عرقاً بغزارة، يسير بخطوات سريعة سمع أثرها صوت حفيف جلابيته التي ابتلعت بنيته الهزيلة، يهز رأسة بهستيريا باحثاً عنها بلهفة خلف تلك العربات التي لا تتوقف ولا تهدأ أبداً، يضم قبضته الصغيرة على القلادة الفضية التي سرق والده من أجل أن يشتريها لها..

التمعت خضراوية تحت أشعة الشمس بلهفة، اتسعت ابتسامته، وخفق قلبه، وتهللت أساريره عندما أبصرها لـ تختفي إبتسامته بالتدريج وهو يراها تبكِ إنها تبكِ وعبراتها تنساب على وجنتيها، تشهق بحرقة ووجها محتقن بِحُمرة شديدة على وشك أن تختنق من كثرة البُكاء، لم يفعل شيء؟ ظل يراقبها بحزن، أدمعت عينيه وارتجفت شفتية وهو يراها تذهب من أمامه، لكنه لم يقف مكتوف الأيدي بل ركض خلفها بقدمية الصغيرة وظل يهتف بإسمها وهو يبكِ بـ عويل: ندي، ندي، ندي، ندي، ندي، لكن انتهى الأمر به منكفأ على وجهه بقسوة..

رفع رأسه وحدق بها وهي تبتعد وعبراته تتساقط ببذخ على وجهه المُتسخ لـ يصرخ بصوت مرتفع مع إنطفاء بريق خضراوية جعل التراب يدخل فمه أثر أنفاسه الثائرة: نداااااااااا...
شهق وهو ينتصب على الفراش وصدره يعلو ويهبط بثوران، أنفاسه مرتجفة، عينيه زائغة مثل ذلك اليوم، جسده يتصبب عرقاً بغزارة كأنه كان يركض في ماراثون..

وضع رأسه بين راحة يديه وهو يلعن حياتة، فاللعنة ثم اللعنة ثم اللعنة على تلك الذكرى التي تجعله يخجل من نفسه كلما تذكر، هو لا يتذكر، بل لا يستطيع أن ينسي، حُبها مازال يترأس عرش قلبه حتى الآن، وتلك الذكري اللعينة وشقيقاتها لا تفارق أحلامه منذ ذلك اليوم، هي لعنتهُ الأبدية التي لا يستطيع أن يتخلص منها مهما حاول بل يغرق بها أكثر!، لما يجب عليه أن يكون وفياً إلى تلك الدرجة؟ لما؟ لقد كان عمره عشر سنوات في ذلك الوقت لكنه أحبها بصدق، لقد وُلِد رجلاً رغم كل شيء، لم يتدلل ولم يلعب مع أصدقائه القليلين كما كان يفعلون جميعاً! لقد وُلِد كي يتحمل المسئولية فقط وليس كي يُحب ويمرح مثل بقية الأطفال في سنه؟ لم يحيى طفولته كما كان يُجب أن يحياها!.

تلك الذكرى تؤلمه، تؤلمه بشدّة، بطريقة غير محتملة، وأحياناً تجعله يبكِ كما يفعل الآن، فالألم الذي شعر به في ذلك اليوم أبشع من ألم الموت، لقد ذاق الإثنين لكن هذا الأكثر تأثيراً الأكثر تدميراً وضعفاً، ذلك الموقف حُفر في قلبه بمصلٍ حاد ترك ندبة غير قابلة للشفاء جعلته غير قادراً على النسيان، تلك الذكرى هي من جعلته على ماهو عليه الآن، لقد تم صُنع عمّار الذي نراه اليوم بفضل تلك الذكرى..

لقد حول نفسه من ذلك الهزيل الباكِ إلى ذلك الرجل الصلب المِغوار الذي لا يهاب ولا يخاف شيء حتى على حياته!.

فإن كان يملك نقطة ضعف فستكون هي لكنها غير متواجده! فلا يملك ذلك القلق واللهفة على حياته ولا التطلع إلى المستقبل كثيراً لأن كونه عمّار الصعيدي هو الموت بحد ذاته، هو حياً وميتاً في أنٍ واحد هذا ما يشعر به، فلما يعبأ إذاً؟، هو يلقي نفسه أمام الموت بكل رضى وينجو كل مرة، لكنه لا يعبأ أيضاً ولا يبتسم شاكراً أنه مازال حياً!، لقد تعلم القسوة وتحجر القلب، تعلم كيف يرهب الأشخاص ويخيفهم منه حتى أقربهم إلى قلبه، يجب أن يظل مخيفاً كي لا يكتفأ على وجهه ممجدداً ويقف عاجزاً عن فعل شيء، يجب أن يخافهُ الجميع كي لا يسقطوا له أمراً..

لقد كان خطأه لأنه كان صغيراً ولم يقدر على فعل شيء، وإن عاد إلى والده في هذا الوقت وأخبره ما حدث مثلما فكر ذلك اليوم لكان تلقى صفعة أدمت شفتيه بسبب سرقته وبقية الحديث لم يكن لـ يعبأ به ولا بكون فؤاد طفلة محطم! بل كان سيوبخه ويخبره بكل قسوة أن يكون رجلاً ويتوقف عن النحيب والتفوه بالترهات فأي حب هذا الذي سيكون في ذلك السن المبكر؟!.

لقد ظل يبكِ ليالٍ كثيرة عاجزاً عن معرفة عددها، وإلى الآن مازال يبكِ حُزناً وقهراً عليها، رؤية وجهها وبكائها ذلك اليوم يصعب عليه نسيانه، تلك النظرات الضائعة التي كانت تستنجد بأحدٍ ما مازالت تؤلمة لكونه كان عاجزاً عن مُساعدتها..

أحبها منذ أن رآها تتجول مع خادمة المنزل الخاصة بها في السوق كي تشتري احتياجاتهم الخاصة بالمنزل، جميلة، نقية، رقيقة، عفوية، مرحة، تملك شعراً أسوداً مُجعداً كـ غجرية فاتنة، لا تعرفة ولا تعرف بوجوده لكن هو كان يعرفها ويكفي هذا، ابتسامتها رغم إنطفائها كانت كافية كي تجعله يقع لها، توقفت عند بائع القلادات ذات يوم وأعجبتها قلادة عجزت عن دفع ثمنها بسبب إنفاقها كل الأموال التي خرجت بها من المنزل، فسرق والده وأتي بها من أجلها ومن أجل أن تعرفه رغم علمه أن هذا خطأ وسوف يعاقب وربما تثور العائلتين معاً وتحدث مشكلات، لكن رغم كل هذا أبي أن يترك ذلك الحب وأصر على الذهاب إليها..

أحبها بصدق، كان يتسلل كل يوم إلى شرفة غُرفتها متسلقاً الأشجار في المساء ويظل جالساً يختلس النظر إليها حتى بزوغ الفجر ثم يركض هارباً عندما يستيقظون، غريباً لطفل صحيح؟! لكنه لم يكن غريباً على طفل حُرِم من طفولته لـ يتشبث بالشيء الجميل الوحيد الذي وجدهُ، لقد أحبها حقاً رغم صِغر سِنه وعزم على معرفتها لكنه جاء متأخراً كثيراً..

أما عن قلبه الآن فهو بالجحيم السابع مغلقاً عليه بأقفال غير قابلة للفتح موضوعة داخل صندوق ثلجي غير قابل للذوبان ومن يستطيع فليذيبه، لا يشعر به سوى عندما يراها بمنامة فقط، ذلك التذبذب والألم اللذيذ الذي كان يساوره من شدة ضربات قلبه سابقاً لم يعد يشعر به من سنوات طويلة بمعنى أنه من ذلك اليوم البائس..

حاول كثيراً أن يتحرر من هذا بالنساء بمختلف أشكالهم وصفاتهم وجمالهم لكنه كان عاجزاً عن فعل أي شيء، عاجزاً، وبسبب طفلة لا يعلم كيف أصبحت عندما كبرت، بالتأكيد ماتت الآن، يجب أن تكون ميتة، لأنه لن يقبل أن تكون حية ومع غيره! لكنه أحمق كبير، ويعلم أنها مع أحدهم الآن لكنه فقط يواسي نفسه المُدمرة وقلبه المحطم، مثير للسخرية، صحيح؟

رُبما نادين تأخذ محلها!، يا إلهي نادين تلك الرقيقة التي لا يراها سوى طفلة بحاجة إلي والد، وسيكون هو والدها، يا إلهي، يا إلهي إنه نبيل، يبلغ قدر من النُبل لا أستطيع وصفه..
ضحك بسخرية وهو يهز رأسه من تلك الأفكار لأنه مُتعب، مُتعب لـ يتحمل كل هذا وحده دون البوح بأقل شيء يزعجه؟، لقد أصبح داخلهُ خراباً، وصوت ضجيج قلبة يكاد يسمع النملة التي تسير بلا حول ولا قوة..

لكن أتعلمون لا يهم، لا يعبأ، فليتحمل حتى ينهار مرة واحدة ويموت وينتهي كل شيء بعدها، يظن أنه سينعم بعد موته ذلك الوقح؟ لا يعلم إنه سوف يتعفن بالجحيم!.
يتزوج الآن كي يرضى والده ويتذلل هُنا إلى اللعينة الوقحة كي توافق! هي جميلة صحيح؟ لكنها منفرة وفظه جعلته ينفرها قبل أن يقترب حتى! ولما يقترب من البداية؟!.

شيء واحد يتكرر في رأسه مِراراً وتِكراراً كُلما رآها أنها لا ولا يعلم السبب لكنها لا وهكذا دون سبب هي في مقام والدته الآن كيف يفكر بغير هذا!.

رفع رأسه وعاد يتوسد مرفقة ونظر إلى السقف بتلك الخضراوين شديدة الأحمرار كأنه وضع داخلها مسحوقاً حاراً، هو الآن سوف يعود إلى لعنتهُ من جديد، يعود إلى كوابيس كل يوم، إلى تلك الشائعات الخاصة بها هي وعائلتها، الجميع سوف يذكره بحبه الأحمق كُلما رأوه، والده سيظل يضرب صدره بطرف عصاه وهو يسخر من ذلك المنقوش على قلبه، سوف يعود إلى سجنها الذي تحتجزه به بكل رِضا منه..

فتح درج الكومود وأخرج تلك القلادة الرقيقة، رفعها بين أنامله وظل يحدق بها وهي تهتز أمام مقلتيه مستعيداً ذكرى هذا اليوم مِراراً وتِكراراً، حرارة الشمس وتعرقه ذلك اليوم والشعور الذي خالجه مازال يشعر به إلى الآن ويرتجف كـ ردة فعل دائماً وكأن ما أصابه جديد ولم يمر عليه سنوات عديدة! صوت حوافر وصهيل الخيول تضرب أذنه بقوة مع إهتزاز القلادة بسرعة أمام عينيه..

أوقفها وضم قبضته عليها بقوة و أطبق جفنيه بعنف كـ طفلاً منزعجاً لـ تخونة تلك العبرات الثمينة التي لا تذرف سوى في أكثر أوقاته ضعفاً، عندما يحتاجها كثيراً، هو يحتاج عناقاً، يحتاج إليها، بحاجتها كثيراً، أكثر من أي وقتٍ مضي..
لقد كانت جميلة بشكلٍ لا يوصف، اللعنة على حظة..

استقام جالساً ومحى تلك العبرات بضيق وسخرية ويعتريه ذلك الذهول الخاص بكل مرة يبكِ بها لـ تثبت له تلك الندي بكل سهولة أنه أثيرها وسيظل حتى النهاية، ضعيفاً محتجزاً موصداً عليه بقوة من أغلالها فإن ظهرت في حياته مجدداً سوف يصبح أضحوكة أمام الجميع بفضلها عندما يظهر ضعفه مع ظهورها، وهذا أكثر مايكرهه، شعور الضعف لا يتحمله، لهذا يفضل كونها بعيده عنه، من الجيّد أنها بعيدة، ومن الجيّد أنه صامد ولا يسأل، ومن الجيّد أن عائلتها نفذت منها الرجال كي لايقتل عزيزاً على قلبها..

وبخ نفسه بغضب وصوت متحشرج وهو ينظر إلي عبراته العالقة بأنامله: والله عيب عليك تعيط وإنت قد البغل كده، خنزير فعلاً، مسح وجهه بيده بعنف ثم ألقي القلادة بغضب وشتمها بِبغض: أمك واللي جبتها يا ندي..

ثم ترك الفراش ووقف أمام المرآة بصدره العاري يحدق بإنعكاسة بغضب لـ يقع نظره على ذلك الوشم أعلى قلبه المنقوش ببراعة، ندى، لقد فعله في نفس اليوم تقريباً جاهلاً قدر الألم الذي سيشعر به، عاد إلى والده باكياً بعد فعله، صفعه بقسوة أسقطه أرضاً ثم جلد جسده بحزامه بكل عنف غير عابئاً بسنه الصغير، فـ تلك العادة لقد اكتسبها منه، ولم ينكر أنها تأتي بفائدة وتُخيف في بعض الأوقات، لكن المثير للسخرية أنه عنفهُ لأنه كان يبكِ ليس لأجل الوشم، لقد كان يجلده مُردداً مع كل مرة يسمع بها صوت الحزام يهوى على جسده أن الرجال لا تبكِ، الرجال لا تبكِ، اللعنة على الرجال جميعاً..

تنهد وهو يحدق بالقلادة الساقطة بجانب الخزانة عبر المرآة، عاد أدراجه محني الرأس وحملها برفق وهو يحدق بها، لقد كانت القلادة متخذة شكل فتاة ترقص وترفع قدمها ترتدي فستاناً قصيراً، كانت تشبهها حقاً تلك الغجرية التي جعلت قلبه يتراقص يوماً مع تراقص خصلاتها الطويلة، لقد أخذت قلبه معها وتركته خاوي فارغاً لا يشعر، هي المسئوله عن حالته تلك وليس أحداً غيرها..

أعادها داخل الدرج ودلف يغتسل وهو يلعن نفسه لما غفي في منتصف النهار؟ لما؟ لما يُجب عليها أن تأتي له تؤرقة لما؟
سمع رنين جرس المنزل فتجاهله وهو يغني تحت المياه، لكنه كان مصراً ولم يتوقف عن الرنين وصوته مزعج أغضبه، ضرب صنبور المياه بغضب أغلقها وحاوط خصره بالمنشفة ثم ذهب إلي الأسفل، توقف أمام الباب وهو يبعد خصلاتهِ إلى الخلف ثم أدار مقبض الباب لـ يقابلة أشخاصاً يرتدون زي الشرطة!.

حدق بهم قليلاً بصمت وهو يقطب حاجبيه يفكر بما فعله منذ أن أتي إلى القاهرة لـ تتسع مُقلتيه بانفعال فجأة، بالتأكيد تلك اللعينة لم تفعلها..
تحدث الشرطي الذي كان يترأسهم: عمّار الصعيدي معانا أمر بالقبض عليك بسبب هجومك على مكتب ليلى المنشاوي والتسبب في أضرار مادية ونفسية وجسدية..

هتف بتهكم وهو يضع يديه بخصره والمياه تتقطر من جسده كاملاً صنعت بركة صغيرة أسفله: أضرار مادية وجسدية ماشي نفسية ايه بقي ان شاء الله؟ ده انا اللي نفسيتي تعبت ياباشا دي بتقولي ياخنزير؟!

تحدثت شهيرة وهي تقلب الطعام في الطبق موجهة حديثها إلى آدم: مصطفي، راجع النهاردة وجايبلك عروسة معاه هنتعشى برة كُلنا مع بعض عشان تتعرف عليها..

توقفت تالين عن مضغ الطعام بغصه ونظرت إلى آدم الذي ابتسم بسخرية وهو يهز رأسه ثم سألها: هو بيردهالي يعني؟ قوليله شكراً وفهميه انك إنتِ اللي ساعدتيني في أختيار العروسة مش أنا لوحدي وخليه يجوزهالك، ووقف والقي الملعقة من يده على الطاولة، سقطت في طبق الحساء أغرقت مقدمة ملابسها..

شهقت تالين وهي تضع يدها على فمها بتفاجئ لـ يتحدث آدم بأسف: أووبس آسف، وتركها وغادر تاركاً إياها تضم قبضتها بغضب وهي تتنفس بعنف تنفخ أنفها كـ الثور الهائج..

فتح الباب كي يذهب لكنه توقف واستدار قائلاً: بس تعرفي، هاجي مش هكسفك، وياعالم يمكن تعجبني! أشوفكم بليل سلام، وذهب صافعاً الباب خلفة جعل تالين تنتفض بخضة وهي تنظر إلى شهيرة الثائرة، خائفة منها، تريد أن تهدئها وتواسيها لكنها لا تتوقع كيف ستكون ردة فعلها..
استقل السيارة بهدوء شاعراً بالأختناق لـ يصدح صوت هاتفه داخل جيب بنطاله، أخرجه بوجوم لـ يبتسم عندما وجده عمّار، ذلك اللعين كم يحبه..

ضحك بعدم تصديق وهو يستمع إلى ما يقول بحنق ثم أدار المقود وذهب كي يخرجه..

تحدث جاسم بعد تفكير طويل وهو يحدق في الثوبين بين يديه: ده ادخلي قيسي ده، وناوله إلى جـنّـة..
أومأت بحماس وهي تأخذه من بين يديه ودلفت إلى غرفة القياس بهدوء وبمنتصف ارتدائها له وجدت عاملة المتجر دلفت عليها وحدثتها بهمس وكأنها تعرفها منذ زمن جعلتها تتعجب: عشق إنتِ رجعتي بدري ليه؟!
قطبت حاجبيها بعدم وردت بتعجب: رجعت منين؟!

تحدثت الأخري بتوجس وهمس وهي تلتفت حولها كي لا يستمع جاسم لهما: مش قولتي قُصيّ وَحشك و هتنزلي بدري ونزلتِ لكن رجعتي ليه؟!.
دق قلب جـنّـة بعنف وكل ما جال بخاطرها أنها لم تكن فتاه صالحه بتاتاً بل كانت طالحة، في الصباح سامي والان قُصيّ فماذا ينتظرها أكثر من هذا أيضاً؟.

فهي منذ الصباح قلقة وخائفة لكن وجود جاسم ومزحاته ومغازلته التي لا تنتهي جعلتها تنسى سريعاٌ وقضت اليوم بحماس معهُ يتجولانِ هُنا وهُناك بسعادة تامه وهذه هي وجهتهم الأخيرة قبل العودة إلى المنزل. ابتياع ثيابٍ لها...
إرتدت جلبابها بهدوء وظلت شاردة وهي تحدق في المرآة غير مُنتبه إلى الوقت الذي مرّ حتى دلف جاسم لها وتحدث بتعجب عندما رآها شاردة: سرحانة في إيه يا عشق قلقتيني عليكِ؟!

ابتسمت وهزت رأسها بنفي دلالة على كونها بخير: لأ مفيش هو بس شكله حلو كنت بتأمله، أومأ لها وهو يبتسم ثم ألقي عليها نظره متفحصه وهتف بـ مكر: جميل عليكِ إنتِ أصلاً قمر في أي حاجة..
توردت وابتسمت بخجل وهي تعبث بأصابعها بارتباك وهتفت بخفوت: إنت إللي عيونك حلوه..

هز رأسه بفقدان صواب من تلك الرقة وهو يقضم شفتيه، ثم سحبها من خصرها وحاوطها بقوة وهتف بتعب من ذلك البُعد: والله إنتِ إللي زي القمر وهتجننيني، ضحكت برقه ثم أبعدت يديه عنها برفق وهتفت بخجل شديد: جاسم إحنا مش في البيت الله!
تذمر بحزن وهو يلصق جسدها بصدره أكثر: علي أساس أني في البيت بتلم عليكِ أصلاً دي روحية قعدالي زي الشاويش بتحرسك؟!، ضحكت عينيها قبل أن تضحك مجدداً برقه وهي تربت على صدره بحنان...

تأملها بهيام و زرقاوية المائلة للاخضرار كانت تمر على ملامحها الرقيقة بهيام وهو يبتسم فكم يعشقها وهي لاتشعر به لكن رُبما هذا التغير الجذري الذي طرأ على شخصيتها سيجعلها تشعر به ولو قليلاً..
إنتهت من ابتياع ثيابها ثم عادت إلى المنزل معه، وجدت روحية تقف تستقبلهم أمام الباب فتبسمت جـنّـة هي تتقدم إلى الداخل لتهتف روحية بحماس: أنا عملالك الأكل إللي بتحبيه يا عشق طلعي الحاجات دي و تعالي بسرعه..

هزت رأسها وهي تبتسم وتحركت لتذهب لكن جاسم أوقفها وهو يلتقط الحقائب من يدها: أنا هطلعهم كُلي إنتِ..
أومأت له بامتنان ثم جلست على مائدة الطعام تنتظره كي يتناولوا الطعام معاً، ووسط تناولهم الطعام تحدثت جـنّـة تطلب منه: جاسم ممكن تساعدني في المذاكره عشان أنا مش فاهمه حاجه! حاولت أقرأ النهاردة فيهم بس مفهمتش؟!

ابتسم وقلبه يرقص فرحاً بالتأكيد هو موافق، فهو تمني أن يفعل هذا معها، لكنها كانت ترفض، دائماً ما كانت ترفض وتخبرهُ أن مجالهُ الرسم وهي الطب بماذا سوف يساعدها إذاً؟ وكيف سيفعل؟
تحدث بحماس وهو يبتسم باتساع: أنا بعد الأكل هطلع أرسم تبقي هاتي كُتبك و تعالي معايا أقعدي ذاكري وأنا هرسم وتبقي قوليلي لو وقفت معاكِ حاجه أوكيه؟!
وافقت بسعادة وهي ترفع إبهامها أمام وجهه: أوكيه..
بعد ساعه تقريباً..

كانت تجلس على مكتبها الصغير المطلي باللون الوردي الذي حمله جاسم من أجلها إلى هُنا، تمسك إحدي الكُتب تحدق به بإقتضاب لطيف، ترفع شعرها بإهمال و خصلاتها تنسدل حول وجهها بنعومة، ترتدي تلك الكنزة ذات الحمالات الرقيقة وفوقها وشاح رقيق شفاف أخفت به كتفيها العاري بخجل وهي تتورد، فكان يجلس أمام لوحاته التي ملئ بها الغرفة يتأملها وقلبه يلكم صدره بقوة أمام هذا القدر من الجمال والنعومة، تنهد بأرهاق و لا يعلم متى سيحصل عليها وتصبح ملكة نهائياً متى؟.

هي وحدها من تملك هذا التأثير عليه، يحبها بقدر عاجز عن وصفه فلم يوجد حديث بعد يستطيع وصف حبه كاملاً لها دون أن يترك ما لم يستطع تفسيرة...
وقف وأغلق أزرار قميصه الأبيض الملطخ بجميع الألوان الخاص بالرسم بعد أن ارتدي بنطالة الجينز الممزق وتجول في الغرفة حافي القدمين كي يغلق الثريا التي تتطاير بسبب الهواء..
أطبق جفنيه بقوة عندما لفحهُ الهواء تطاير شعرة أثره إلى الخلف، شاعراً بالانتعاش رغم برودة الطقس..

جذب مقعد ووضعة بجانب مقعدها وجلس بجانبها ثم أخذ بعض الأوراق المقوية وقلم وبدأ برسم شيءً ما من أجل صديق..

مر بعض الوقت عليهما وكل واحد منشغلاً بما يفعل لـ يرفع رأسه فجأة عن الورقة وهو يقطب حاجبيه بتفكير، لـ يقع نظره عليها فانفجر ضاحكاً على تعابيرها الحانقة وهي على وشك البُكاء، فلا أثر لكلمة واحدة عربيه كي تفهما هُنا لا تفهم شيء، هي ليست ضعيفة في اللغة الاجنبية لكن ماكتب داخل هذا الكتاب طلاسم لا تستطيع قراءتها..

توقف عن الضحك عندك رآها تزم شفتيها بحزن ثم نظر إلى الكتاب الذي بيدها وتحدث متعجباً: دي أكتر مادة إنتِ بتحبيها هتهزري؟!
هزت رأسها بنفي وألقت الكتاب علي المكتب بضيق ثم عقدت يديها أمام صدرها وظلت تحدق به بإقتضاب لطيف، فابتسم ثم تحدث مقترحاً: خلاص ارتاحي شويه وصفي ذهنك عقبال ما أخلص الشغل ده واشوف مشكلتك إيه؟!

أومأت وظلت جالسه تراقبهُ وهو يرسم صاباً تركيزه على تلك الورقة ولا تعلم لما تلك الرغبة زحفت إليها جعلتها تبتسم وهي تقضم شفتيها بتفكير ونظرها معلق على كومة الأوراق المقوية الفارغة برغبة في أخذها..
أخذت ورقة وقلم هي الأخرى بعد تفكير عميق وبدأت برسمه بهدوء تُجرب رُبما يطلع معها شيء!.

كانت تبتسم كل بُرهة وأخرى وهي تنظر إلى ملامحه الهادئة أثناء تركيزه بجاذبية ووسامة ظاهرة جلياً عليه هو يميل على الورقة، إنتهت منها بعد بعض الوقت في وقت قياسي بالنسبة لتجربتها الأولي كما ظنت..

مدت يدها بالورقة ووضعتها بجانب وجهه تُقارن بينهما وهي تقوس شفتيها بتفكير تري ما الناقص كما يفعل جاسم بعد أن ينتهي، ثم أعادتها مجدداً على قدمها وقامت بنقش إسمها في زاوية أسفل الورقه كما اعتادت أن تفعل دائماً كُلما رسمت رسمة، و بتلقائية كتبت، جـنّـة..

لكزت ذراعه برقه جعلته يرفع نظره لها بابتسامة هادئة وهو يتثاءب: اممممممم، مدت له الورقه وهي تبتسم فأخذها بهدوء ظناً أنه شيء تبع دراستها لكن عينه توسعت بذهول ورفع حاجبيه بعدم تصديق وهو يحدق بتلك الرسمة التي أتقنتها بكل براعة وسألها: ده إنتِ؟!
عقدت يديها أمام صدرها بعدم رضى وهي تضيق عينيها وسألته: أومال مين؟!
ضحك مجدداً بذهول وهو يمرر يده على ذقنه بخفة يحدق في الورقة بتركيز وهتف باستفهام: ده رسمك ها؟

أومأت بحماس وهي تبتسم برقة، لـ يتحدث جاسم ومازال متعجباً: من الأخر مش مصدق!، ثم نزل بنظره على إسمها في زاوية الورقه لـ يقطب حاجبيه باستفهام ثم قال ببطء: جـنّـة!
نظرت له بتشوش وقلبها يخفق بقوة عندما سمعت الأسم من بين شفتيه ثم هزت رأسها بجهل و ملامح الحزن مرتسمة على وجهها!، أومأ لها بتفهم وهو يتنهد فهي لا تعرف شيء..
تابع بمرح كي لا تحزن وهو يسألها: وده كمان خطك! من إمتي؟ ده خطك وحِش جداً!

ضربت كتفه بغيظ وتحدثت بعبوس: متكلمنيش تاني أوعي كده؟
عانقها برقة وهو يضحك ثم هتف بحنان: يا قلبي بهزر معاكِ حلوه أوي الرسمة تسلم إيدك مكنتش أعرف إنك بتعرفي ترسمي!، ثم أمسك يديها بين راحة يده وقبلها برقة فتبسمت بخجل وهي تنظر له بحنان..
أبعدت نظرها عنه بارتباك عندما طال تحديقه بها بحب لـ يقع نظرها علي الورقة التي كان يرسم بها فهتفت بتساؤل: دي مستشفي؟!

نظر إلى الورقة ثم أومأ لها وهو يقطب حاجبيه عائداً بذاكرته إلى ذلك اليوم معها..
كانت تجلس على الفراش تمسك إحدى الكُتب الخاصة بالدراسة بين يديها تقلبها بضجر..
دلف جاسم إلى الغرفة في ذلك الوقت وهو يبتسم وهتف بكل حماس وهو يمسك بعض الأوراق بين يديه: عشق شوفي تصاميم المستــ، لكنها قاطعته وهي تقلب عينيها: جاسم يا حبيبي إنت عارف إن دي أخر حاجه ممكن أهتم بيها مش عاوزه أشوف..

إختفت إبتسامته وحل محلها الإحباط والحزن في أنٍ واحد!، فهي تكسر خاطره دائماً لكنه عاد يبتسم إبتسامة باهتة واقترح وهو يأشر على زاوية الورقه: طيب ممكن تمضي هنا عشان لما أشوفها تشجعيني على الشغل؟!

هزت كتفيها بقله حيله وهي تنظر داخل الكتاب وقالت بعدم إهتمام: خطي وحش وانت عارف كده كويس، ثم رفعت رأسها وتابعت بضيق: معلش يا جاسم ممكن تسيبني عشان مشغوله شويه، إختفت إبتسامته الباهتة وأومأ لها بدون تعبير وكل سعادته وحماسه قد ذهبت حد الجحيم، ترك الغرفة وذهب جاراً خيبته معه، هي دائماً هكذا، تحزنه..
استفاق من دوامة ذكرياته على يدها الرقيقة التي وضعتها على وجنته وسألته بنعومة: سرحت في إيه؟!

إبتسم وهز رأسه بنفي وهتف بعبث: مفيش حاجه أنا بس كنت بفكر في فرحنا؟!
توردت وإبتسمت بخجل ثم تحدثت كي تخفي خجلها: بس التصاميم دي حلوه..
حدق بالتصاميم قليلاً وهو يبتسم بحزن فحقاً يتمنى أن يسمع تلك الكلمات منها عندما تكون بخير وتتذكر كل شيء وليس وهي متغيره كل هذا التغير فهو عاجز عن التعرف عليها!
هتفت بتذمر وهي تصفع وجنته بخفة عندما شرد من جديد: جاسم! سرحان في إيه؟!

ضحك وهو يمسد جبهته ببطء ثم نظر لها بجانب عينيه بعبث ومدّ يده يدغدغها بتسلية وهو يبتسم قائلاً: بفكر فيكِ يا جميل إنت يا جميل، ظلت تضحك برقة وهي تتلوى بين يديه، كادت تسقط بالمقعد إلى الخلف من كثرة تحركها..
توقفت يديه عن التحرك على خصرها لـ تحرك رأسها بثمالة وهي تقهقه دون توقف، قبل جبهتها بخفه وهمس أمام شفتيها بحب: بحبك..
اتسعت ابتسامتها وطوقت عنقه بنعومة وهمست بخجل: وأنا كمان بحبك..

فغر فاهه بذهول وهو يهز رأسه، هل أخبرته الآن أنها تحبه؟!، لما يجب عليها أن تجعلة يتذكر تلك الذكريات التي كان يظنها جميلة وهي مقارنة بما يحدث الآن سيئه وبشعة كثيراً ولا تستحق أن يتذكرها!، لكنه عاد إلي تلك الذكريات وتذكرها رغم هذا..
هتف بنعومة وهو يعانقها بحنان: بحبك..
ظلت عشق صامته قليلاً وهي تنظر له عندما وجدته صامتاً هو الآخر ينظر لها باستنكار..

هتفت بتعجب وهي تشاهد تعابير وجهه: إنت مستنيني أقولك وأنا كمان؟!، لكنه لم يرد عليها مستمراً في النظر لها بهدوء وحزن عميق غلب على مقلتيه الجميلتين إضافة إلى استنكاره ذلك الجفاء والبرود منها!.

قطبت حاجبيها وتحدثت بتذمر وهي تتشبث بخصره: جاسم! إنت عارف إن الأفعال بالنسبالي احسن من الأقوال بحبك دي مالهاش لازمه بالنسبالي! ده إللي ليه لازمه، ثم رفعت نفسها قليلاً ووقفت على أطرافها وقبلته بعمق وهي تحاوط رقبته بنعومة..
فصلتها وهي تبتسم بمكر وأعادت عليه وهي تغمز: مش كده أحسن!

عاد إلى واقعة لـ يهز رأسه بسخرية وهو يحدق بـ جـنّـة كيف تجلس بخجل وتخفي كتفيها عنه وتتصرف بتلك البرائه وكأنها لم تعرفة يوماً؟!.
تحدث وهو يتنهد بتعب لأن عقله سينفجر: أنا هقوم أنام عشان تعبان ومخدتش كفايتي من النوم امبارح..
وقف وقبل وجنتها سريعاً برقة، فأومأت له وهي تنظر له نظرة مبهمة لم يفهمها لكنه تركها وذهب فرأسه بها آلافاً من الأفكار كي يفكر بها وأضاف عليهم تلك النظرة، هذا ما كان ينقصه..

دلف إلى غرفتهُ تزامناً مع صوت هاتفه المرتفع الذي صدح بأرجاء الغرفه، التقطه وقبل أن يتحدث إنقطع الصوت..
تنهد وتسطح على الفراش وهو يزفر بتعب، ثم فتح الهاتف وظل يحدق في ذلك الرقم المجهول الذي هاتفه فجر أمس بتفكير، حاول الإتصال به أكثر من مرة لكنه مغلق، وهو لم يسمع أمس سوى صوت الأمطار الغزيرة فقط لا شيء آخر..

أفزعه صوت رنين الهاتف بين يديه فجأة، فلعن سامي المتصل ثم تحدث وهو يبتسم: أهلاً بالرخم عايز إيه؟!
ضحك سامي بخفة وقال بهدوء: ده أسلوب تكلمني بيه وأنا واحد مسافر ومتعرفش ممكن يحصلي إيه في الطريق؟!
قهقه جاسم وتساءل بتعجب: رايح فين؟!
أراح سامي ظهره على الأريكة ومدّ قدميه على الطاولة وتحدث وهو يقلب كوب الخمر بين يديه: نازل القاهرة..
تعجب جاسم أكثر وسأله: إنت ليك شغل إيه في مصر؟!

إبتسم سامي وهتف بهدوء بنبرة ليست مُريحة بالمرة: بعدين يا جاسم بعدين هقولك كل حاجة سلام دلوقتي بقي عشان همشي..

في القاهرة..
حاوط خصرها بحميمية مقبلاً وجنتيها بحرارة وهي تجلس على المقعد بجانبه وقال بحنان: وحشتيني أوي يا تالين عاملة ايه؟

ربتت على صدره برقة هتفت بنعومة: الحمد الله يا حبيبي، إنت وحشتني اكتر، إبتسم وقبل وجنتها من جديد تحت نظرات آدم الحارقة، فهذا أكثر مايستطيع فعلة تقبيل وجنتيها وتصنع اللهفة فقط، هذا أقوى ما يفعله، تناول الطعام بعصبية حتى أنهي طبقة لـ يسأله مصطفي بمرح: ايه يا آدم هُمه مجوعينك ولا ايه؟
إبتسم باصفرار وقال بضيق: اسأل مراتك يا عم مش بتأكلنا ومشغلانا عندها كمان..
شهقت بخفة وسألته بغيظ: بقي كده؟

أومأ لها وهو يبتسم لـ تتسع ابتسامته أكثر عندما سمع قول مصطفي: أنا بتبسط لما بعرف إنك إنت اللي بتوديها الجامعة وبتجيبها عشان الطريق وياريت تعمل كده على طول عشان ابقى مطمن عليها!

أشر آدم على عينيه بسبابته بالتناوب وهتف بجدية: من العين دي قبل العين دي، ثم نظر إلي والدته التي كانت تحترق غضباً وهي تنظر لهم لـ يقول بابتسامة ومرح: ماما برده كانت بتشجعني كل يوم إني أروح اوصلها بس بجد يا جماعة وعد مني هتحمل المسئولية و هخلي بالي منها أي خدمة..
ضحك مصطفي وهو يربت على كتفه بينما تالين ابتسمت بخفة عندما فهمت مغزى حديثه الذي عبارة عن إغاظة والدته..

تحدث مصطفي مقترحاً وهو يأشر على تلك الفتاة الجميلة التي تجلس معهم صامته: خد سالي وارقص معاها يا آدم و اتعرفوا على بعض! دي مش غريبة برده دي السكرتيرة بتاعتي..
أومأ آدم ووقف وعرض عليها بلباقة وهو يمد راحة يده لها: تسمحيلي؟
ابتسمت بنعومة وهي ترجع شعرها الحريري الأشقر خلف أُذنها وأومأت بخجل وهي تقف معه..

تحدث على مضض وهو يراقب كيف تتحاشى النظر له بخجل منذ أن بدأوا الرقص: ايه يا سالي هتفضلي مكسوفة كده كتير؟
هزت رأسها بنفي وهي تتدارك خجلها لـ يقطع آدم قولها قبل أن يخرج قائلاً باقتضاب: أنا موافق نعمل خطوبة مبدئياً ونتعرف على بعض فيها كويس عشان تبقى براحتك موافقة؟
أومأت بهدوء ثم قالت بخفوت: موافقة..

أومأ هو الآخر بهدوء وهو يحدق بمصطفى الذي لم يتوقف عن تقبيل تالين منذ أن جلس، يواسي ضعفه، مثير للسخرية، لا يهم فليقبلها كيفما شاء لأنها لن تظل معه أكثر من هذا..

كانت تجلس أمام فراشها تُراقب حالتها بحزن وهي تربت على وجنتها بحنان وأعين دامعة، كيف حدث معها هذا؟ وعمّار لما يريدها أن تخرجه هي خاصة؟
حركت جفنيها المطبقين بتعب وفتحت عينيها التي تحرقها بتثاقل لـ يقابلها سقف غرفتها الأبيض، تأوهت وهي تشعر بألم يدها الذي لا يحتمل، اعتدلت جالسة والرؤية أصبحت مشوشة عليها بسبب عبراتها، نظرت إلى يدها المضمدة فمن فعل هذا؟ ولما الألم لم يزول بعد؟.

ربتت نادين على وجنتيها بقلق جعلتها تنتبه إليها وسألتها بحنان: حصل ايه؟ مين عمل فيكِ كده؟ أنا ملحقتش رنا كُنت بشتري شوية حاجات جيت لقيتها سايبة ملاحظة على التلاجه ومش موجودة..
ربتت ليلى على يديها بحنو وقالت بهدوء وهي تبتلع غصتها كي لاتبكِ: محصلش حاجة يا حبيبتي أنا كويسة..
أومأت وهي تزم شفتيها ثم قالت بعبوس: مش عارفة اليوم ده ماله كل الغاليين عندي بـ يتأذوا حتى عمّار..

شحب وجهها فجأة عندما سمعت أسمه ثم سألتها بنبرة مرتجفة: لـيــه؟
هتفت نادين بحزن: إتصل بيا من القسم وقلي اروحله أنا وإنتِ عشان إنتِ الوحيده اللي هتعرفي تطلعية، ثم صمتت قليلاً مُرتبكة وطلبت باحترام: ممكن؟
هزت رأسها برفض وهتفت بكُره: سبيه إن شاء الله يعفن هناك مش رايحة في حتة..
أدمعت عينيها وهي تنظر لها بحزن جعلتها تصرخ بها بانفعال: متبصليش كده؟ و متقنعنيش إنك بتحبيه! ده لسه داخل حياتك مكملش شهر؟!

سقطت عبراتها بألم وهتفت بانكسار: إنتِ مش موافقة عليه ليه؟ إديني سبب؟ إنتِ مش بتحبيه طيب أنا ذنبي إيه؟!
هتفت بدون تعبير وقسوة: ذنبك إنك بنتي وأنا المسئولة عنك لو بتحبيه يبقي تنسيه..
ضمت قبضتها بغضب وقالت بتهديد: إنتِ عارفة أنا ممكن اعمل ايه عشان اخد الحاجة اللي أنا عايزاها؟

هزت ليلى رأسها وهتفت ساخرة: هتعملي ايه؟ هتنتحري عشانه؟ إنتحري، وأولتها ظهرها وهي تتأوه بألم وبكِيت بصمت، تعلم أنها تحزنها لكن لا حل آخر لديها..
هبت واقفة وقلبها يخفق بذعر عندما سمعت صوت ضربها الأرض بقدمها ثم ذهابها إلى الأسفل بالتأكيد لن تفعل هذا حقاً!.

إرتدت خُفيها بسرعة ثم أمسكت مِبذلها كي ترتديه فوق منامتها العارية لكنها تأوهت بألم عندما حركت يدها فهي لا تساعدها كثيراً، توقفت وأنزلت يدها ببطء و هي على وشك البكاء، وذهبت خلفها إلى الأسفل، فليلعنه الله ذلك البغيض..
ادارتها بلهفة وخوف وهي تقول بانفعال عندما وجدتها توليها ظهرها تقف أمام البار: إنتِ بتعملي ايه؟

حركت نادين أهدابها المُبللة بتعجب وهي تنظر لها ثم قالت بهدوء وهي ترفع كوب المياه أمامها: كُنت بشرب!
تنفست ليلى الصعداء ثم تحدثت بنبرة مرتجفة إنتهت ببكائها: إنتِ عارفة إنك أغلي حاجة في حياتي ومش بقدر أزعلك بس عشان خاطري بلاش عمّار صدقيني هو شخص مش كويس مش كويس..
عانقتها نادين برفق وأخذت تربت على شعرها بحنان كأنها هي طفلتها وليس العكس ثم قالت بحزن: مالك بس النهاردة؟ عمالة تعيطى كتير ليه؟

رفعت رأسها و تحدثت بحرقة وهي تربت على وجنتها: عشان خايفة عليكِ منه ده إنسان قاسي معندوش قلب هيأذيكِ..
تنهدت بحزن وقبل أن تتحدث سمعت رنين جرس المنزل، فتحركت متجه إليه بإحباط فيبدو أنها لن تسافر معه ووالدتها بتلك الحالة..
كتمت أنفاسها وهتفت بتعجب: عمّار!
إبتسم بهدوء وهو يضم قبضتيه وسألها من بين أسنانه: فين حماتي؟
إبتعدت ذاهلة وأشرت على الداخل وهي تقول: جوا..

تركها تغلق الباب متعجبة ودلف هو إلى الداخل بتهجم، كاد يصعد الدرج لكنه توقف أمامه عندما سمع صوت أنين من خلفه، استدارمتعجباً ليجدها تقف داخل المطبخ توليه ظهرها خلف البار تبكِ! أإلى الآن تبكِ! لما؟ هو لم يكن قاسياً معها حسب مايتذكر!.
دلف وهو يبتسم، ارتشف بعض المياه وهو يراقب شرودها الذي جعلها غافلة عن وجوده، أخذ يتقدم منها وهو يقلب الكوب بين يديه..

انتفض جسدها عندما سمعت صوت الكوب يوضع جانبها بقوة كاد يتهشم، هو بالفعل أصابه بعض الشروخ..
وصلت رائحته عطره الرجولية إلى أنفها خدرت حواسها جعلت قلبها يثور هلعاً وخوف عندما علمت لمن تابعة تلك الرائحة، رفعت رأسها ببطء و تتمنى أن لايكـ، لم تكمل أمنيتها حتى شحب وجهها وهربت شهقة خافتة من بين شفتيها المثيرتين جعلته يبتسم أكثر وهو يحاصرها بينه وبين البار ينظر لها بهدوء مخيف أرعبها منه بشكل مضاعف..

هسهس بجانب أذنها بخفة سمعت أثرها صوت صرير أسنانه معاً بغضب حاول قدر الإمكان التحكم به: بقي بتبلغي عني؟!
أزدردت ريقها ببطء ورفعت مقلتيها اللامعة أثر عبراتها تنظر له بتحدي أمام تلك الشرارات التي تنبعث من خضراوية اتجاهها وهي تتنفس رائحته التي كانت تقوي كُلما إقترب أكثر أطبقت على صدرها جعلتها تختنق..

قطع حرب النظرات خاصتهم صوت نادين المتعجب جعلته يبتعد قليلاً إلى الخلف: طالما هتخرج قولتلي أجيب ماما وأجي ليه ولا كنت بتهزر وأصلاً جي من البيت؟!
إبتسم بهدوء وهدر ساخراً وهو ينظر إلى ليلى: لأ مش بهزر كان بجد أصلى كُنت عايز أعرف غلاوتي عند حماتي قد ايه وزي ما توقعت بتحبني أوي..

إنفجرت نادين ضاحكة بمبالغة جعلته يضحك معها وهو ينظر إلى ليلى فهو يعلم لما تضحك بهذا القدر، ليلى تكرهه بشدّة، هو بالمثل أيضاً..
قاطع وصله ضحكها سؤاله: ملبستيش ليه عشان نمشي؟
اختفت ابتسامتها وعبست ثم نظرت إلى ظهر ليلى بحزن فابتسم وهو يضرب راحة يده على البار بخفة وصوت خفيض أسمعه إلى ليلى فقط وهو يسألها رافعاً حاجبيه: خطيبتي مش جاهزه ليه يا حماتي؟

اهتزت مقلتيها باضطراب وأبعدت نظرها عنه لـ يهمس بتسلية ومازالت تلك الضربات الخافتة تصل إلى مسامعها ترعبها: لو درس الصبح مقصرش فيكِ ممكن نعيده من تاني قدام نادين! بس أشك إنه مقصرش؟

أدمعت عينيها وهي تحني رأسها، سوف تترجاه ان يتركهما إن كان هذا مايُريده، رفعت رأسها وعبراتها تنساب على وجنتيها ببطء وضعف تناست أنها كانت تملكه يوماً، حركت شفتيها المرتجفة الممتلئة بـ عبراتها كي تتحدث لـ تخرج نبرتها مُتحدية ثابتة لم تُخطط لها: موافقة، اطلعي البسي..

توسعت عينيها وصرخت بسعادة ثم ركضت إلى الأعلى تحت نظرات عمّار الذي كان يبتسم وهو يراقبها، عاد بنظره إلي تلك الباكية، رفع يده وربت على وجنتها ببطء كـ جرو مطيع وهتف بـ رِضا تام: شاطرة يا حماتي شاطرة، ثم محي تلك العبرة الساخنة التي سقطت عن وجنتيها بإبهامه بنعومة وهتف بحزن مصطنع: أنا قلبي رهيف متعيطيش قدامي وتزعليني بقي ها..

وتركها وعاد خطوتين إلى الوراء وهو يتفحصها بنظراته فيكفي عليها هذا كي لا تنهار أمام إبنتها وينقلب كل شيء ضده، ولما ترتدي ذلك الرباط الضاغط هل هي حمقاء؟ إنها تحتاج جبيرة! ولما تلك الملابس أيضاً أين ملابسها اللعينة؟ ألا تمتلك ما هو محتشم كي ترتديه أمام عينيه الوقحة التي لا تتوقف عن الحملقه هي الأخرى؟ فعندما يغتصبها المرة القادمة لا تلومة..

هز رأسه باستياء ثم مال وفتح الثلاجة بوقاحة وأدخل رأسه داخلها بجوع وهو يسألها: مفيش عندكم أكل أنا جعان..
لم ترد عليه بل فتحت أحد الأدراج وأخرجت منه مدّية حادة وهي تنظر له بسخط بأعين حمراء باكية مرهقة وأخذت تتقدم منه وهي ترفعها بيدها السالمة..
أخذ تفاحة من الطبق ثم قطب حاجبيه وهو يسمع صوت خطوات بطيئة خلفة، إستدار سريعاً لـ تتسع ابتسامته عندما رآها ترفعها وتنظر له بكُره شديد..

صرخت وهي تتقدم بسرعة كي تقوم بطعنه وغرسها بمنتصف قلبه..
تأوهت بألم عندما أمسك رسغها بقوة ولفها بعنف لتستقر يدها بالمدّية على رقبتها هي ورأسها على صدره الصلب كـ جبلٍ مخيف، أسيرة بين يدية، سقط قلبها وهي تسمع صوت أنفاسه الحارة التي ضربت على وجهها، إنه غاضب، علت وتيرة أنفاسها بألم وقلبها يضرب قفصها الصدري بعنف عندما وجدت ذراعة تطوق خصرها بقوة مؤلمة وتلك التفاحة مازالت في قبضته لم يتخلى عنها بعد..

همس بشر وهو يغرس طرف المدّية بـ جلد رقبتها وذراعه يعتصر خصرها بقوة مؤلمة وجسدها يلتصق به أكثر فأكثر: عايزه دراعك التاني يتكسر ياحماتي! ها؟ وهتقتليني في بيتكم كمان؟ دى بجاحة ولا قوة بس عشان أفهم؟
بكِيت من الألم الذي تشعر به وهي تهز رأسها على صدره كـ مداعبة جعلته يتحدث ساخراً وهو يتعمد إيلامها أكثر: طالما إنت مش قد الحاجة بتعمليها ليه؟ ها؟ طفلة إنتِ؟ قوليلي لو طفلة؟

بكِيت أكثر وجسدها أصبح يهتز بين يديه، فمال وأسند وجنته القاسية على وجنتها الرقيقة وتحدث لـ تتحرك ذقنه الشائكة ضد بشرتها الناعمة جعلها تقشعر: كل مرة هتعيطي كده وتوجعيلي قلبي عليكِ ها؟ مش قولتلك قلبي رهيف؟ ليه مُصِرة توجعيني؟ ليه؟ مش أنا زي أبنك برده؟، وضحك بخشونة وهو يهبط بذقنه فوق منكبها العاري أستقر عليه ثم فك قيد خصرها وأبعد ذراعه وأخذ يدها التي تمسك بها المدّية وهي ترتجف و قال بكل هدوء: يلا قطعي التُفاحة..

توقف جسدها عن الاهتزاز مع توقف بكائها بتعجب!، إنه مريض، حركت رأسها للجانب تنظر له بتعجب لـ تضرب أنفها أنفه دون قصد وداعبت خصلاتها الحريرية المسترسلة وجهه لـ تتحول نظرته إلى داكنة عندما وقع نظرة على شفتيها المنفرجة في دعوة إلى التقبيل..
إبتسم بعبث وقوس شفتيه يمنعها من ما هي مقبلة علية ونفخ بخفة لـ يتطايرشعرها إلى الخلف جعلها تغمض عينيها لـ برهة من الثانية ثم فتحتها عندما همس: التُفاحة يا حماتي..

حرك يدها المرتجفة بنفسه بسبب تلف أعصابها وقام بقطعها نصفين وهتف بابتسامة وهو يرفع نصف أمام شفتيها: تاكلي؟ أنا نُص وإنتِ نُص، نظر له ببرود ولم ترد عليه..

أومأ وهو يبتعد وقال وهو يقضمها: أنا قولت كده برده شكلك بتحبي الموز، نظرت له بكُره وهي تضم قبضتها على المدّية لتشهق عندما اختطفها من يدها ثم صرخت بقوة وعادت تبكِ بحرقة بعد إن دفعها على حافة البار بعنف جعلها تشعر بانقسام ظهرها نصفين وتشنج عمودها الفقري، لقد بكيت كثيراً اليوم حقاً..

هتف بنفاذ صبر وعيونه تقدح شراً وهو يمرر ذلك النصل الحاد على وجنتها نزولاً إلى رقبتها وهي تشهق: دي آخر مرة هحذرك فاهمة؟ أنا مبهزرش، هأذيكِ..

ازدردت ريقها وهي تكتم شهقتها مغلقة العينين وهي ترتجف مع توقف يده فوق رقبتها قليلاً ثم هتف باستياء وهو يقطب حاجبيه يسألها وعاد يحركها من جديد صعوداً ونزولاً كأنه يرسم مخلفاً فوق جلدها خطوطاً حمراء: مش حرام برده الرقبة الجميلة دي تدِّبح وإحنا ممكن نستخدمها في حاجات ثانية مفيدة؟، فتحت عينيها بضعف، واهتزت مقلتيها هي تنظر له بعيون زائغة مهتزة، مفيدة مثل ماذا؟!.

أبعد يده وألقاها خلف ظهره بعدم إهتمام وهتف بتهكم وهو ينظر لها بشفقة ساخرة: متلعبيش بالسكينة تاني يا حلوه عشان متتعوريش، ومن غير مقاطعة إن شاء الله المرة الجاية هتلاقيها رشقت في قلبك، وتركها وغادر قاضماً التُفاحة بِـ غل قائلاً من خلف كتفه دون النظر لها: جهزي نفسك أنا في العربـ، آآآه، انحني متأوهاً بألم عندما شعر بتهشم الكوب الزجاجي في مؤخرة رأسه، اللعينة سوف يقتلها..

استدار لها بأعين مشتعلة من الغضب لـ تتحدث بقوة مصطنعة متجاهلة آلام جسدها الضعيف أمام جسده وكأنها لم تكن تبكِ في قبضته منذ قليل: أصلك لما شربت منها اتشرخت من كُتر الوساخة اللي بتنقط منك و مينفعش ترجع تاني وإنت مخدتهاش وإنت ماشي قولت ادهالك أنا، ثم ابتسمت بسخرية وتابعت بوعيد: هنيجي معاك يا عمّار بس قابلني لو الجوازة دي تمت..

إنفجر ضاحكاً بخشونة اخافتها، وجعلها تصاب بالرعب أكثر عندما هتف بنبرة لا تمت إلى المزاح بصلة: وإنتِ قابليني لو خرجتو من هناك..
هزت رأسها بلا مبالاه وقالت بـ بُغض شديد: هقابلك يا خنزير..
ارتجف قلبها بخوف وهي تراه يتقدم منها كـ الهجمة بتلك الملامح المرعبة سوف يقتلع لسانها تلك المرة هي مُتأكده..
أنقذتها نادين التي نزلت الدرج ركضاً ووقفت أمام عمّار حائلاً بينهما وهي تبتسم بسعادة وقالت بحماس: خلصت..

أومأ لها وهو يقضم شفتيه بـ غل وألقي نظرة باغضة أخيرة على ليلى أنذرتها بالقادم الذي لن يكون خيّراً أبداً..
سألته نادين وهي تبتسم: ايه ده التُفاحة دي من عندنا؟
إبتسم و حشر بقيتها داخل فمها تحت رمشها بتعجب وهو يتحدث بسخط: أه ياختي من عندكم أشبعي بيها..
وتركها وذهب ينتظر في الخارج..

توقف أمام السيارة وهو يتنفس بانفعال، تلك اللعينة تفقده أعصابة وتجعله يجن، وضع يديه على مؤخرة رأسه لـ يتأوه مع شعورة بذلك السائل الساخن، دماء، تلك الوقحة سوف يذيقها الويلات..

إبتسم واحتضن يدها بين يديه بحنان ثم قبل راحة يدها بتملك وهو يسألها: عجبك الأكل هنا؟
أومأت عشق بخفة وهي تبتسم له وتابعت تناول طعامها تحت نظراته الحانية المتأملة لها..
ضم طرفيّ معطفه الثقيل معاً وهو يعقد يديه أمام صدره يراقبهما بابتسامة شيطانية..
أخرجه من شروده صوت النادل بلباقة: أجيبلك كاس تاني؟.
إبتسم سامى بعبث وقال مقترحاً بتفكير: كاس؟، كاس ايه؟ هات إزازة عشان السهرة هتحلو..

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة