قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية حب خاطئ للكاتبة هاجر الحبشي الفصل الخامس

رواية حب خاطئ للكاتبة هاجر الحبشي الفصل الخامس

رواية حب خاطئ للكاتبة هاجر الحبشي الفصل الخامس

-أخبروه أنه لا يلعب في خصلات شعرها بل يلعب على أوتار قلبها-.

دلفت إلى المنزل وهي تترنح يميناً ويساراً بتعب، رؤيتها مشوشة بسبب الحِمي، بالكاد وصلت إلى غرفتها، تسطحت على تختِها القاسى، فتأوهت بألم لكنها لم تتحرك من مكانها من التعب، بل غفيت وهى تتفصد عرقاً من الحِمى وبداخلها حُزناً عميق بسبب فقدانها طفلتها، فهي إن لم تكن تعمل لكانت بحثت عنها في كل مكان لكنها لا تملك وقتاً وزوجها العاق لا يساعدها سوى بأخذ أموالها وإنفاقها على القهوة أسفل منزلهم..

دلف إلي الشقة المُتهالكة ثم عاد أدراجهِ إلى الخارج، بصق على الدرج ثم ولج إلى الداخل وصفق الباب خلفه بعنف ثم ولج إلى غرفتهما وصفع الباب بقوة وألقى جسده على الفراش بتعب من كثرة الجلوس دون فعل شيء مُفيد..
لكزها بذراعه بخفة كي تستيقظ لكن لم تصدر عنها أي ردة فعل..
قال بضجر وهو يدفع ذراعها بقوة: إنتِ يا وَلِية اصحي وفوقي كده حضريلي حاجة أطفحها..
شهقت وهي تعتدل قائلة بلهفة: جـنَّـة..

شخر بسخريه وقال بتثاقل كـ الثمالي: إنشالله ماترجع الفاجرة، أقسم بربي هقتلها لو رجعت السافلة..
بكيت بقهر وهي تعتدل جالسة ثم قالت بحرقة: حسبي الله ونعم الوكيل فيك إنت السبب ولو هربت يبقى بسببك إنت..
صفعها بظهر يده بقوة جعلها تصرخ وهي تسقط من على التخت أرضاً بقسوة: بتحسبني على مين يا ده أنا هربيكِ من جديد إنتِ و الـ الثانية ماشي..

بكَت بقهر وهي تهز رأسها اسفاً عليها هي وطفلتها فهي لم تحسن الإختيار بتاتاً..

سألها بحنان وهو يربت على كتفها: هتفضلى نايمة كده كتير؟
رفعت رأسها عن صدره وسألته بنبرة غلب عليها الحزن: اومال هعمل ايه؟
إعتدل جالساً وهو يربت على شعرها بحنان ثم تحدث مُقترحاً: تقومي و ظبطي نفسك عشان نتعشى برا تغيري جو شوية تمام؟.
أومأت له ثم ابتسمت بخفة وهي تداعب وجنته بنعومة: قوم خُد دُش إنت الأول عقبال ما اجهز اللبس يلا..

أومأ مبتسماً ثم قبل راحة يدها برقة وتركها ودلف إلى دورة المياه، تركت الفراش وسارت باتجاه الشرفة، توقفت داخلها تُدخن لِفافة التبغ بعصبية وإفراط وهي تُمرر أناملها المُرتجفة داخل شعرها وعقلها لا يتوقف عن التفكير قط، ماذا تفعل؟ هل تذهب؟ وتختفي؟ هذا سيكون الأفضل بالتأكيد..

بعد مرور بعض الوقت..
عانقها من الخلف بحنان وأراح ذقنه المُبللة على كتفها بخفة ثم تحدث باستياء عندما رأي لِفافة التبغ بين اناملها: مش هتبطلي بقي عشان صحتك؟
قهقهت بخفة ثم مالت برأسها على رأسه وقالت بصدق وهي تنظر إلى السماء: وعد مني يا قُصيّ هبطلها، هبطلها لما اسيبك إحتفالاً بنضافتي بقي وكده..
إبتسم بخفة وهو يضم قبضته حول خصرها أكثر وأمال جسدها إلى سور الشرفة وهتف بتهديد: أوقعك دلوقتي يعني؟

ضحكت بنعومة وهي تنظر إلى الأسفل ثم قالت بهدوء: وقعني هيحصلي ايه يعني؟ جسمي هيتكسر بس صح؟
قهقه وهو ينظر إلى الأسفل معها وهتف بتفكير: مش عارفة تيجي نجرب؟
أومأت موافقة وابعدته عنها وقالت ببراءه: تمام يلا نُط..

سحبها من خصرها بقوة لـ تصطدم بصدره بحميمية جعلته يبتسم بعبث وقربها من حافة الشرفة وهتف بمكر: إنتِ اللى عايزة تجربي مش أنا، تعرفي شكلك هتموتي واقعة من هنا وأنا اللي هوقعك، ثم وضع يده خلف ظهرها والأخرى أسفل فخذها وحمل جسدها وعلقه خارج الشرفة بمزاح وهو يضحك ثم قال بتهديد: أوقعك دلوقتي بقي؟
لوحت بقدميها في الهواء بسعادة وهي تطوق عنقه بابتسامة وشعرها يتطاير حول وجهها بنعومة جعلته.

يبتسم وهو يراقبها ثم أسند مرفقة على سور الشرفة العريض وتركها في الخارج معلقة بين يديه وقال بتسلية: عارفة لو كوعي فلت دلوقتي هتبقي في خبر كان يا بيبي..
شدّدت قبضتها حول رقبته أكثر وقالت برقة: هفضل ماسكه فيك وهاخدك معايا على فكرة، ثم تابعت بحنو وهي تتأمله: يلا ادخل عشان البرد وشعرك مبلول..

أومأ ورفعها من الخارج وسار بها إلى الداخل بهدوء وهو يداعب أنفه بأنفها بنعومة طابعاً بعض القُبلات الخاطفة على شفتيها..
دلفت إلى دورة المياه تغتسل وظل هو الخارج يرتدي ملابسه..
حاوطت جسدها المُبلل بالمنشفة ووقفت أمام المرآة تنظر إلى إنعكاسها المُشوش الضبابي بفعل البُخار، رفعت راحة يدها وقامت بمسحه و تطلعت إلى هيئتها الهذيله بحزن..

فهي لا تفهم نفسها ولا تفهم قُصيّ وخاصتاً تلك الرقة معها في الآونة الأخيرة؟ هو ليس قاسياً ولم يكن قاسي يوماً لكنها لا تفهم؟ فمعظم الوقت يكون شارداً ينظر لها نظرات عميقة لا تستطيع فهمها! ينظر لها بعمق يثير في نفسها الغرابة والخوف في أنٍ واحد، كل شيء متغير تلك المرة! هل لأنها أتت مُبكرة تشعر بكل شيء منقلب رأساً على عقب حتى هي! لا تفهم؟ هل تعود وتأتي في وقتٍ آخر أم ماذا؟

استدارت وأولت ظهرها إلى المرآة، أسندته على الحوض ومررت أناملها داخل شعرها بعصبية وهي تقضم شفتيها بقوة تفكر بعقل مُشوش وأفكار متضاربة..
إنتهي من إرتداء حِلته الرسمية ثم جلس على التخت ينتظرها لبعض الوقت لكنها تأخرت، أخرج حافظة أمواله الجلدية من جيب سترته وقام بفتحها، ظل يتأمل تلك الصورة التي تتوسط الحافظة وهو يبتسم بحنان..

هتف بحزن وأنامله تداعب وجهها الطفولي البريء: وحشتيني اوي، وماما كمان وحشتني أوي، تنهد بألم ناظراً مطولاً بأسى لا يُريد أن يحيد بنظرة عنها، لقد فارقت الحياة مُبكراً يا أسفاه عليها، أغلق حافظته ووقف واتجه إلى دورة المياه، توقف خلف الباب يسألها لما التأخير..
أخرجها من شرودها نبرتهِ الهادئة العميقة التي أتتها من الخارج: إنتِ كويسة؟
نظفت حلقها ثم قالت بنبرة مهتزة: تمام، تمام، خارجة اهو..

ذهب ينتظرها في الأسفل لأنه بحاجة إلى الإختلاء بنفسه قليلاً، بينما خرجت وجففت شعرها سريعاً وتركته مسدولاً ثم ارتدت جينز أبيض ضيق وقميص فيروزي فوقة كـ عينيها ثم المعطف وأخذت هاتفها وذهبت..
بعد مرور ساعة، كانا يجلسان بالمطعم يتناولان العشاء بهدوء..
سألها بعد تفكير وهو يتناول الطعام: إمتحاناتك هتبدأ امتى؟

تنهدت بإحباط وهي تُحرك الملعقة داخل الطبق دون شهية قائلة بجهل: مش عارفة، ممكن تقريباً تكون آخر الشهر ده مش متأكده؟
ترك الطعام واستند بمرفقيه على الطاولة و سألها بسخرية: وهتعرفي إمتي؟
إبتسمت بهدوء ثم قالت وهي تحدق في الطبق بتركيز: مش هدخل الإمتحانات يا قُصيّ متسألنيش كل شوية بقي..
فعاد يسأل بضيق: ليه هتضيعي سنه من عمرك على الفاضي!

هزت رأسها وهي تبتسم ثم رفعت نظرها له وقالت باستنكار بوجنتين حمراوين من البرودة: طب وايه يعني؟ ما أنا ضيعت أربع سنين و عادي!
تنهد وهو يعقد يديه أمام صدره وقال بعدم رضا: بس كنتي بتروحي الجامعة وبتمتحني كل سنه حصل ايه مختلف المرادي؟
هزت كتفيها بلا مُبالاة وقالت بهدوء مُماثل لسابقه: ولا حاجة أنا عايزه كده، أصلي مش مذاكرة وفي كُتب ناقصاني واكيد مش هجبها قبل الامتحان مش هحصل حاجة؟

أحتضن راحة يدها بين يديه من فوق الطاولة وقال بحنو: لا هتحصلى والكُتب دي انا ممكن اجيبهالك متضيعش سنه على الفاضي عشان هحس بالذنب..
ارتشف بعض المياه ثم قالت بلا مبالاة: متشغلش نفسك بيا يا قُصيّ إنت واحد مشغول مش عارف تلاحق على المشاكل ولا على مراتك اللي مختفية فا خليك في اللي إنت فيه كده أحسن..
وضع يديه على شفتيه وهو ينظر لها بعمق، أتلك غيرة أم جدية فقط لـ يرد عليها الرد المُناسب؟

سألها باستفهام وبعض الترجي سؤالاً لا علاقة له بذلك الحوار بتاتاً: إنتِ مش هتقوليلي برده حاجه عنك؟
أومأت موافقة وقالت بحماس ساخر وهي تمضغ الطعام: لأ، طبعاً هقول، هتعرف كل حاجة بس كُل عشان الأكل بِرد..
إبتسم واحتضن يدها بين يديه بحنان ثم قبل راحة يدها بتملك وهو يسألها: عجبك الأكل هنا؟
أومأت بخفة وهي تبتسم له وتابعت تناول طعامها تحت نظراته الحانية المتأملة لها..

ضم طرفيّ معطفه الثقيل معاً وهو يعقد يديه أمام صدره يراقبهما بابتسامة شيطانية..
أخرجه من شروده صوت النادل بلباقة: أجيبلك كاس تاني؟.
إبتسم سامى بعبث وقال مقترحاً بتفكير: كاس؟، كاس ايه؟ هات إزازة عشان السهرة هتحلو..

فهو عندما تناول طعام الإفطار مع جاسم كما أخبره صباحاً في هذا الوقت القليل جعلتهُ تلك العشق الزائفه يدرك تمام الإدراك أنها ليست عشق!، فمن هذه التي سوف تفقد الذاكرة وتعود محجبة من؟ هل أتت له من مصباح علاء الدين كي تحقق أحلامه؟! هذا مُبتذل!
وما يُحير أكثر حاله جاسم الذي لُعابِه يسيل عليها؟ كيف لم يستطيع التعرف عليها وهو يمكث معها في المنزل طوال الوقت؟ هذا ما لا يفهمه؟!.

هو يتوقع شيءً من الإثنين إما أن يكون جاسم ذكياً كثيراً وقام بكشفها ويعلم أنها ليست عشق وقد أعجبته بسبب شخصيتها الأخذه للعقل وهيئتها المُذيبة للثلوج وقد جعلته يتناسى عشق وهذا سيترك له مجالاً معها! إما أنه غبياً كثيراً ولم يُلاحظها ويصدقها حقاً! وهو يظن أنه الثاني لأن جاسم ساذج كثيراً عندما يتعلق الأمر بها يتحول إلى كُتلة حماقة مُتنقلة..

ماذا يفعل الآن؟ هل يذهب ويجلس معهم؟ أم يذهب ويظل يراقبهما من بعيد حتى يعلم ماهية العلاقة بينهم رُبما تكون صُدفة؟ لكن لن يضر القليل من العبث صحيح؟.

لكن هل عشق تعلم أنه قد تم أخذ مكانها هُناك والجميع سعيد بوجودها بالنسخة المُحدثة التي نالت استحسانهم عِوضاً عن فظاظتها سابقاً! أيخبرها أم أنه سوف يُفجر المُفاجأة ويجرحها هكذا؟ ولما تبدو مُطابقة لها تماماً هي الأخرى؟ وذلك القُصيّ ما به لا يتحرك ساكناً ويبحث عنها؟ أليست زوجته التي هُناك؟ لا يفهم؟
وضع الأموال على الطاولة ثم وقف أخرج الهاتف من جيب معطفه ووضعه بيده ثم أغلق المعطف وذهب..

أخرجها من شرودها صوت إصطدام شيءً بالأرض بالقرب من قدميها، نظرت أسفل الطاولة فوجدته هاتف جوال، انحنت عليه سريعاً، حملته بين يديها وهي تستدير تبحث عن صاحبة بأنظارها، نظرت إلي ذلك الرجُل طويل القامة الذي يوليها ظهره ويسير بهدوء فصاحت به من خلف المقعد بصوت مرتفع نسبياً: لو سمحت، لو سمحت..
اعتلت شفتيه إبتسامة جانبية ثم استدار رافعاً حاجبيه بتعجب متصنعاً البحث عن تلك التي تنادي عليه..

شحب وجهها وارتجفت شفتيها وتسارعت أنفاسها عندما رأته يتقدم وهو يبتسم تلك الابتسامة الإجرامية الخاصة به، عينيها ذاهلين هذه ليست صدفة بالتأكيد..
توقف أمامها وهو يبتسم بهدوء ثم سألها بلباقة: حضرتك نديتي عليا؟ ولا انا متهيألي؟
أطرقت رأسها وحدقت في الهاتف الذي يهتز من ارتجاف يدها بحسرة وهي تزدرد ريقها فاللعنة عليها وعلى أمانتها، ليتها لا تُبصر..

وقف قُصيّ متوتراً ولا يعلم ماذا يقول عندما طال صمتها، فلا يعرف بما يناديها الآن أمامة كي تفيق وتعطية هاتفه؟
مال بجزعة على الطاولة وحاوط كتفها بحنان شاعراً بانتفاضة جسدها بتفاجئ ثم أخذ الهاتف من يدها وناوله له بهدوء: الموبايل بتاعك كان واقع..
أومأ سامي وهو يتناوله من بين يديه وشكره بامتنان وكأنه لايعرفة ومد يدهُ مُصافِحاً: شكراً أوي بجد يا، إبتسم قُصيّ وقال بهدوء: قُصيّ رشدان..

أومأ سامي وهو يبتسم وهتف شاكراً: تمام، مُتشكر أوي، يا، قطب حاجبيه وسأله: المدام اسمها ايه؟
إبتسم قُصيّ بتهجم وهتف بغيره: مالهاش أسم اتفضل خُد موبايلك و امشي، رمش سامي مُتعجباً حِدتِه المفاجئة ثم أومأ وغادر..
ربت على كتفها بحنان ورفع ذقنها بإبهامة كي تنظر له وسألها بحزن: مالك بس سرحانة في ايه؟
ازدردت ريقها واهتزت مقلتيها وهتفت بشفتين مرتجفتين وهي تبتسم بشحوب: مـ، مـ، فيش، هو، هو، خلاص مشي؟

أومأ وهو يداعب وجنتيها بحنان: اه مشي، مالك بقي ايه اللي مضايقك؟ احكيلي؟
هزت رأسها بنفي وهي تلتقط كوب المياه بيدها المرتجفة ترتشف منه بأعين زائغة تجولت على المكان بسرعة وكأن أحدهم سينقض عليها الآن إن لم تنتبه..
جلس وهو يراقب حالتها بعدم رضي ثم هتف بنفاذ صبر: أنا مش مخرجك عشان تفضلي ساكته مكتئبة كده؟ هي مش ناقصة نكد عشان تزوديها عليا لو عايزة ترجعي ارجعي لكن متحسسنيش إنى جبرك على القاعدة معايا؟

ابتسمت بغباء وقالت بانكسار: اومال ايه مش قولتلك سبني؟
تهجمت ملامحه وضرب قبضته على الطاولة بغضب جذب الأنظار ثم هتف بابتسامة ساخرة: ما هو برده مش هسيبك! عشان هترجعيلي تانى، بلاش تاخدي قرارات غبية مُتسرعة..

ضحكت بأعلى صوتها حتى أدمعت عينيها وهي تهز رأسها دون توقف، ثم هتفت بنبرة مُرتجفة تساقطت عبراتها أثرها بحسرة: ده قرار مُتسرع؟ قُصيّ أنا بقالي اربع سنين عايزة أسيبك ومش عارفة؟ عقلي مش بيبطل تفكير تعبت مش مرتاحة! ولا يوم كنت مرتاحة! هتجنن من كُتر التفكير وإنت جاي بكل سذاجة تقولي مُتسرع؟

مرر يده على وجهه بعصبية وقبل أن يتحدث صدح صوت هاتفة، أخذه بغضب لـ يزفر بضيق مُضاعف عندما رأي من ثم تحدث على مضض: نعم يا عمي؟
ابتسمت بسخرية وهي تنظر له بالتأكيد الحوار سوف يدور على ملكة الكون جـنّـة، وهي لا تتحمل فليحترق معها في الجحيم، وقفت بغضب وأخذت هاتفها وذهبت..

توقفت أمام المطعم لـ يلفحها الهواء البارد جعل أوصالها ترتجف، حاوطت جسدها وهي تمسد ذراعيها بخفة تتلفت يميناً ويساراً باحثة عن سيارة أجرة لكن شعرها الفحمي الذي كان يتطاير بقوة حال بينها وبين رؤية شيء
تجمدت الدماء بعروقها عندما سمعت إسمها من بين شفتيه بتلك النبرة الماكرة: رايحة فين!، ذلك الصوت الخشن، تلك النبرة تعرف صاحبها، لقد انتهى أمرها، هي ميتة لا محالة..

تسارعت أنفاسها المُرتجفة بخوف، تراجعت خطوتين إلى الخلف دون النظر له وركضت بكل ما أوتيت من سرعة، ركضت دون توقف وهي تنظر خلفها كل برهة وأخرى برعب بأنفاس متلاحقة وهي تبكِ بحرقة لا يُجب عليه أن يمسك بها إنه مريض، إصطدمت بجسد صلب أمامها جعلها ترتد إلى الخلف، صرخت بخوف ثم نظرت إلى ذلك الغريب بهلع بيّن على ملامحها وهي تلهث هازة رأسها بهستيريا ثم سقطت مغشياً عليها..
بعد مرور بعض الوقت..

كان جالساً بجانبها على طرف الفِراش يربت على شعرها بحنان، حركت جفنيها ببطء ثم فتحت عينيها بتثاقل لـ تنتفض جالسة على الفراش وهي تتلفت حولها بذعر..
هدأها بحنان وهو يربت على شعرها: إهدي أنا جنبك..
نظرت له بتعب ثم ضمت نفسها وبدأت تهتز وسألته بنبرة مرتجفة: هو فين؟ قالك ايه؟
سحبها لأحضانه كي توقف عن الاهتزاز وقام بسؤالها وهو يتنهد بحزن: هو مين ده؟

سقطت عبراتها وشهقت بألم، وجسدها ينتفض بخوف ثم قالت وهي تتشبث بملابسه: سامي، كان بيجري ورايا، هيخطفني..
هز رأسه نفياً ثم رفع وجهها عن صدره وكوبه بين يديه مداعباً وجنتها بحنان وهتف بنبرة مطمئنة: أنا اللي كنت بجري وراكِ..
توقف جسدها عن الاهتزاز مع اتساع عينيها المرهقة، ثم نظرت له بتيه وهتفت بنبرة مرتجفة: ازاي؟
أعاد شعرها خلف أُذنها وهتف بحنان: إنتِ أعصابك تعبانة لازم تريحي نفسك شوية..

دفعته عنها وصرخت به بعصبية مفرطة وأعين جاحظة بانفعال: كنت إنت إزاي؟ إزاي؟
تنهد بنفاذ صبر ثم قال بهدوء: أنا قفلت التليفون وخرجت وراكِ سألتك رايحة فين لقيتك جريتي مني؟
هزت رأسها بهستيريا وعادت تبكِ: لأ مش إنت مكنتش إنت أنا متأكده و عارفة..
جذب رأسها إلى صدره وحاوطها بحنان وهو يهدأها: هششششش، إهدي، إهدي..
دفعته عنها بقوة وأمرته بحده وهي تشهق: امشي وسيبني مش عايزه أشوفك..

هز رأسه نفياً وقال باستنكار: إنتِ مش كويسة؟
صرخت به وهي تترك الفراش وتوقفت أمام المرآة: ملكش دعوه إنت مش من بقية أهلي أخرج برا أخرج..
هز رأسه رافضاً هذا وقال بحدة وهو يدحجها بغضب: مش خارج مش هسيبك وإنتِ كده!

رفعت المقعد الخشبي الموضوع أمام المرآة بانفعال وضربته في المرآة بقوة لـ تتهشم وتطايرت شظايا الزجاج في أرجاء الغرفة، انحنت وحملت قطعة زجاج حادة وقبضت عليها بقوة كادت تجرح يدها ثم وضعتها على رقبتها وهددته بتعب وأعين حمراء دامية مرهقة من كثر البكاء: والله هقتل نفسي وهجبلك مصيبة هنا أخرج برا..

نظر لها برفض بيّن فضغط أكثر على رقبتها وهي تنظر له نظرة خالية من أي حياةٍ أو أملٍ، فهي ستفعلها حقاً إن لم يبتعد...
أومأ لها بطاعة وهو يترجاها: هخرج بس سبيها سبيها..
صرخت به وتشنج جسدها وهي تضرب الأرض بقدمها بعنف: أخرج برااااا، يا إلهي تلك المجنونة..
هز رأسه سريعاً وتركها وغادر نهائياً..

ألقت قطعة الزجاج من يدها وسقطت أرضاً تبكِ بضعف وهي تشهق تضم جسدها إليها علها تدفء نفسها ولو قليلاً، هي بحاجة إلى الراحة تحتاجها بشدّة!.
توقفت عن النحيب بعد بعض الوقت، سارت بترنح حتى وصلت إلى الفراش، جلست عليه؟!، لا بل ألقت جسدها عليه ثم فتحت درج الكومود وأخذت بعضاً حبوب المهدئ الملاصقة إلى حبوب منع الحمل في الدُرج الموشكة على النفاذ..

أخذتها مع ارتشاف بعض المياه ثم تمدّدت كي تنام وقليلاً فقط وتقوست على نفسها في منتصف الفراش وهي تغرز أناملها في قلبها بملامح تنكمش بألم أكثر فأكثر بسبب نبضاته السريعة المؤلمة التي تشعر بها كُلما أخذت المهدئ وتلك الحبوب الأخرى الأثنين يجعلان قلبها يتألم فوق آلامه النفسية..

تحدث في الهاتف بنفاذ صبر للمرة الألف: يا مرات عمي، من الآخر كده جـنّـة معايا ومش مُختفية وإحنا خلاص إتجوزنا متخافيش عليها! حاضر هجبهالك تشوفيها..
اغلق الهاتف وهو يتأفف ثم ضغط أحد الأرقام بوجوم وتحدث بعصبية عندما جاءه الصوت من الجهة الأخرى: كل ده يا بهايم ومش لاقينها ايه انشقت الارض وبلعتها؟! بديكم فلوس عالفاضي أنا؟ لو معرفتش مكانها في اقرب وقت هعرفكم شغلكم كويس..

نظر في ساعة معمصة قليلا، ثم تنحنح وقال بهدوء: آسف يا جماعة لازم أمشى عشان عندي شغل مستعجل..
نظرت له والدته بدون تعبير ثم أبعدت نظرها عنه بسخط كأنه ليس طفلها ولا يشبهها حتى، بينما تالين عبست لأنه هو من يضحكها في هذا العشاء الثقيل على قلبها..
سأله مصطفى وهو يُراقب ارتدائه معطفه مستعداً إلى الذهاب: مش هتوصل سالي؟

إبتسم آدم لها بهدوء وهتف باعتذار لها تحديداً: معلش يا سالى هعوضهالك مرة ثانية، أومأت له بخفة وهي تبتسم بخجل، فتابع مُمازحاً شقيقة: وصلها انت النهاردة أنا ياما وصلت مراتك..
أومأ له موافقاً وهو يضحك وقال باستسلام: المرة دي بس عشان عندك شُغل..
أومأ له وهو يبتسم ثم مال ووضع يده فوق حجاب والدته برقة متحكماً برغبته في خنقها ثم قبل جبهتها مطولاً كـ ولدٍ مطيع يعشق والدته..

رفع رأسه ونظر لها بتحدي وهتف وهو يبتسم: جهزي لـ خطوبتي أنا وسالى ياست الكُل، أومأت وهي تغتصب أبتسامة أمام الجميع ثم ربتت على صدره وقالت بحنان مصطنع أصابه بالغثيان: طبعاً يا حبيبتي هو أنا عندي أعز منك أنت وأخوك! يلا روح شغلك وخلي بالك من نفسك وسوق براحة، ضحك من كل قلبه كأنهُ استمع إلى ما هو فكاهي الآن، فإن كان بيدها لنزعت له مكابح السيارة كي تنقلب به ويموت وينتهي الأمر!، أو تتمنى حدوث زلزال قوى يهدم المبني فوق رأسة، مثير للسخرية ذلك الحنان المصطنع..

أومأ لها وهو يسعل بخفة كي يوقف ضحكة السخيف ثم لوح إلي تالين وهو يبتسم وهتف بحب: مع السلامة..
ابتسمت ولوحت له بالمثل لـ يقع نظرها على والدته ذات الوجه الممتقع، فأنزلت يدها سريعاً ونظرت إلى الاتجاه الآخر بخوف فهي مُرعبة، كيف كانت تُربي أطفال هذه؟ هل تعرف البسمة أو ما يسمى بالدلال حتى؟

نظر مصطفى إلى سالي التي كانت تحدق في ظهر آدم وهو يسير بإعجاب، أعادت نظرها إليهم بعد إختفاء آدم لتجد مصطفي ينظر لها وهو يبتسم وكأنه يهنئها من أجل حصولها على شقيقة..

توقف بسيارته بجانب الطريق قليلاً ثم ترجل منها وهو يمسك مؤخره رأسه بألم، بصقت في أثره بِبُغض بعد أن خرج ثم نظرت على المقعد الخلفي للسيارة تنظر إلى طفلتها الغافية بحنان، ذلك اللعين هذا لن يتزوجها على جثتها أن تتركها له..

تحركت قليلاً وهي تتأوه بألم ثم إلتقطت قنينة المياه من بين يد نادين الساقطة بجانبها، أفرغتها على مقعده وهي تبتسم بتشفي ومازالت تشعر بجسدها المتهشم ذلك الهجمة سوف يموت علي يديها، ألقت القنينة من النافذة وظلت تنظر منها بهدوء وهي تفكر بعمق على ما هي مُقبلة عليه..

زفرت بألم وهي تحاول التحرك لكنها لم تتحمل الألم فبكيت وهي تضع يدها على وجهها، تشعر بأن ظهرها منقسم إلي نصفين، لقد هَشَم عمودِها الفقري، لم يكتفي بيدها فقط..
استقل السيارة من جديد حاملاً حقيبة بين يديه بها أشياء، نظر لها بتعجب عندما رأها تبكِ، لما تبكِ؟.
سألها بتعجب: حماتي مالك بتعـ، قاطعه قولها بحرقة وهي تتألم: ربنا ينتقم منك يا عمّار ربنا ينتقم منك..
رمش متعجباً ثم سألها بعدم فهم: أنا عملت حاجة؟

صرخت به وضربت صدره القريب منها بقوة جعلته يتعجب أكثر: إنت بريء مبتعملش حاجة خالص احنا اللي وحشين يا حيوان..
مرر يده على وجهه بنفاذ صبر ثم ألقي الحقيبة أمامة على تابلوه السيارة وهتف بهدوء وهو يمد يده لها: هاتي ايدك..

صفعت يده وهي تشهق كالأطفال فـ هدر بصوتٍ جهوري فجأة أفزع الاثنتين: ناديييييييين، انتفضت فزعاً عن المقعد وهي تتلفت حولها بخوف ثم زفرت بضيق عندما رأت كل شيء بخير، حكت شعرها بنعاس وقالت بتثاقل وهي تتثاءب: في ايه يا عمّار بقي؟
هتف بنبرة قاسية وهو ينظر إلى ليلى بحدة: في حزام جنبك هاتيه..

اتسعت عينيها و إرتجف جسدها بشكل غير ملحوظ وتسارعت أنفاسها الدافئة ثم شحب وجهها وهربت الدماء من عروقها وهي تنظر كـ الفرخ الصغير هل سيضربها أمام إبنتها ذلك الوقح عديم التربية؟
أخذه من يدها ورفعة بين يديه وهو يحدق به بنظرات شيطانية عميقة تحت نظرات ليلى الخائفة وهي تزدرد ريقها بحلق جاف..

فغرت فاهها عندما وجدته يرفع جسده عن المقعد قليلاً وهو يقول بعبث: البنطلون هيقع يا حماتي لامؤاخذة يعني لازم البس الحزام، قهقهت نادين عليه وعادت إلى النوم من جديد..
بينما ليلى تنفست الصعداء وهي تضع يدها على فمها بأعصاب تالفة، مُطلقة زفيراً مُرتجفاً من بين شفتيها، ذلك اللعوب اللعين، سيتوقف قلبها بفضله في يومٍ ما..

قطب حاجبيه عندما شعر بذلك البلل تحته، رفع نفسه وجلس على المقود بتعجب وهو يميل بجذعه إلى الأمام يرى ما هذا..
نظر إلى ليلى ثم قال بشك: ايه يا حماتي سبتي الدنيا كلها وجاية تعمليها على الكرسي بتاعي؟
نظرت له والشرار يتطاير من عينيها لـ يقع نظرها على الهاتف الخاص به موضوع على التابلوه يصدر منه وميض خافت، اختطفته سريعاً كـ طفلة ووضعته على المقعد في المياه ثم نظرت من النافذة دون إهتمام كأنها لم تفعل شيء..

رمش ذاهلاً وهو ينظر لها بفاه فاغر ثم إنفجر ضاحكاً وهو يرى وجهها المحتقن بحمرة غاضبة، تلك المرآة حقاً لا يعلم؟ ما هذا؟!
زفرت بضيق والتفتت تنظر له بحدة وهي تلعنه ذلك البغيض يضحك، سحقاً له يظن أنه وسيم و يظهر جاذبيته بتلك الضحكة، معه حق، هو وسيم ويملك ضحكة جذابة لا يستحقها، الخنزير..

أخرجها من شرودها قوله بتسلية: ده ضد الماية يا حماتي متتعبيش نفسك، ثم مال قليلاً وأخرج منشفة برتقالية وجفف المقعد وجلس براحة ثم مد يده أمامها وعرض عليها من جديد وهو يرفع حاجبيه بتحذير أن ترفض: هاتي أيدك يا حماتي..

نظرت له طويلاً بـ عسليتيها في ظلمة السيارة عدى من ذلك الضوء المنبعث من خارج النافذة أستقر على وجهه جعل خضراويه تلمع وهو ينظر لها بدوره صانعين تواصلاً بصرياً تأمل من خلاله ملامحها الرقيقة وعينين الغزال خاصتها المأخوذة من أكثر الغزلانِ جمالاً، مُدللة تسير بغنج أنثوي يغوي من يراها بلا استثناء، هي بالفعل غزالاً من أعلاها لأخمص قدميها، غزالاً مُتأصلاً، سيقوم باصطيادها في يومٍ ما! وبعدها؟ بالتأكيد سيلتهمها بِنهم..

حيّد بنظره عنها عندما ألمته عينيه من الضوء في الخارج، ثم قال بخفوت: أيدك يا حماتي..
بللت طرف شفتيها بلسانها ثم قالت بتردد: عشان تكملي عليها صح؟
ابتسم وقال لها بهدوء بنبرة مطمئنة لم تُريحها: أنا هادويكِ يا حماتي..

قضمت شفتها السفلية وهي تنظر إلى يده من فوق أنفها المُدبب ثم مدت يدها إليه ببطء وملامحها تنكمش بالألم أكثر، إقترب هو أكثر وأمسك يدها برفق فـ شهقت وعادت تبكِ من جديد بألم وهي تسند ظهرها على المقعد تنظر خارجاً وعبراتها تنساب بحرارة على وجنتيها..

تنهد شاعراً بتأنيب الضمير لكن قليلاً فقط ليس كثيراً، فهي من تملك لساناً سليطاً وكلمات لاذعة!، رغم أن رأيها به لا يهمهُ كثيراً وتلك الكلمات لا يعبأ بها ألا إنها أغضبته حقاً!.
أراح يدها على فخذه بخفة وتحدث بهدوء وهو يقوم بوضع الجبيرة لها: الحمار اللي ربطلك رباط ضغط ده عايز قلمين مُعتبرين عشان كان لازم دكتور..
حركت رأسها ونظرت له بدون تعبير ثم قالت بشفاه مرتجفة: طيب واللي عمل في ايدي كده عايز ايه؟

إبتسم بعبث وقال بهدوء كـ هدوء ملامحة: أكيد عايز يتجوز بنتك!
لويت شدقيها وسألته بخفوت كـ حملٍ وديع: قول لنفسك أنت الأول؟ ليه تعمل كده في واحدة إنت عايز تتجوز بنتها؟!.
هز رأسه وهو يقهقه بخفوت على ذلك الهدوء ثم قال بسخرية: عليكم حاجات انتوا يا ستات! ما أنا كنت خنزير وزبالة؟، والله عيب عليكِ يا حماتي، الواحد نفسه يحترمك ويترعب لما يشوفك كده لكن أقول ايه بقي لسانك متبري مِنيكي..

أستنشقت ما بأنفها ثم قالت بحرقة: ماشي ياعمّار ماشي..
رفع حاجبيه وهو ينظر لها بتعجب هل أصبحت صديقته أم ماذا؟ عمّار! ضحك بسخرية عندما سمع بقية حديثها: عمّار الكلب ماشي..
هتف وهو يهز رأسه باستياء: تعرفي اني طيب اوي وعلى نياتي! يلا بقي رديلي الجميل..

نظرت له بعدم فهم وهي تحرك أهدابها المُبللة بتعجب فتنهد وأشر على رأسهُ ثم على ذراعها: أنا خلصتك من ألمك دلوقتي وهتخفي المفروض بقي تخلصيني أنا التاني من ألمي وتنضفي جرح دماغي ده..
محت عبراتها بضيق ثم نظرت له بتلك الوجنتين والأنف المتوردة بدون تعبير وقالت ببرود وهي تمرر يدها السالمة على الجبيرة: مش إنت السبب في الألم ده؟ يبقي لازم تداويه!.

اعتلي ثغرة ابتسامة عابثة ثم قال وهو يضع يده على مؤخرة رأسه يوقف النزيف: طيب ما إنتِ السبب في الألم ده برده ويبقي لازم تداويه، خلصانة، من أفسد شيءً فعليه إصلاحة يا حماتي، ودي قاعدة عندي، وقبل أن تتحدث مال بجذعه مقرباً رأسه منها ليتسنى لها رؤية الجرح جيّداً لـ تتغلغل رائحته الرجولية الجذابة أنفها ثم أخرج القطن من الحقيبة وسكب عليها المُطهر وناولها إياها دون التحدث..

لعنته بضيق وهي تكتم أنفاسها بسبب رائحته التي ترجف قلبها، أخذتها منه بيدها السالمة وقالت بتهكم: ما تحطها طالما عملت كل ده جي علي دي و ايدك بقِت قُصيرة يعني؟
قهقهة وقال بهدوء: قلة أدب بقي معلش لازم أخد حقي..

وضعتها على الجرح بخفة ثم ضغطت عليه بقوة جعلته يتأوه فقضم شفتيه وكتم تأوهه وهو يتوعدها ثم قال بسخط: لاحظي إني طويل و رقبتي هتوجعني و هيجيلي غضروف خلصيني!، تجاهلت قوله ظلت تنظف الجرح ببطء وكأنها لم تسمعه قط..
زفر بضيق شاعراً بأنفاسها الدافئة التي تضربه، تشعره بالضيق، لا يُحب هذا!، وذلك العطر الهادئ، أنه ياسمين خالص..

حرك مقلتيه الماكرة ونظر بجانبه ليقابلة صدرها المُلاصق لأذنه وهي ترتدي ذلك الثوب الضيق شقيق البقية، تنهد بحرارة وهو يتساءل بنفسه ماذا سيحدث إن أراح رأسه علي صدرها الآن وأخذ قيلولة ما المشكلة؟ أليست والدته؟ وهذا واجبها توفير الراحة لأطفالها؟، إنه طفلها ما المشكلة؟!.
قهقهة على أفكاره البذيئة وهو يهز رأسه جعلها تسأله بضيق: بتضحك على ايه يا منيل؟، بالتأكيد لا تريد أن تعرف حقاً..

قهقهة أكثر وقال بتسلية: حلوه يا منيل دي حلوه منك يا حماتي..
تنهدت عندما إنتهت بسلام، ثم مدت أناملها الرقيقة أسفل فكة لـ تتغلغل ذقنه المشذبة، رفعت رأسهُ أمامها وقالت بهدوء وهي تنظر له: كده نبقي خالصين، أومأ بخفة و أبعد رأسهُ عن وقع يديها بضيق، فهو يكره أن يلمسه أحداً دون وجه حق ولا بحق لا يحب هذا، هو فقط من يلمس ما يشاء، اعتدل جالساً وهو يحمحم وعاد إلى القيادة من جديد بهدوء..

كان يقود بسرعة غير مُنتبهاً على المَزْلق المُنخفض الممتد بعرض الطريق لإجبار السيارات على تخفيف سرعتها، إرتفعت السيارة بقوة ثم هبطت بعنف جعلتها تصرخ وهي تضع يدها على خصرها فأوقف السيارة على جانب الطريق وسألها بضجر: ايه تاني؟
أطبقت عينيها بقوة وهي تهز رأسها ضامة قبضتها بعنف حتى إبيضت عروقها ثم قالت ببطء وكأنها تتهجى: أ، شو، ف، فيك، يوم، يا، بعيد، ضهري مش حاسة بيه..

نظر لها بطرف عينيه ثم عرض عليها وهو يعود إلى القيادة: أعملك مساج تدليك أو حاجة كده؟
قضمت شفتيها بقهر وهي تنظر له لتصرخ من جديد عندما قابله مزلق من آخر..
صرخت به بألم: أمشي براحة ضهري بيوجعني..
تنهد وسار ببطء وهو ينظر لها بضجر ثم قال بسخط: ماهي نادين قمر اهي ونايمه ولا كأن فى حاجة حصلت..
هتفت بتثاقل وهي تبتسم: والله إنت اللي قمر يا حلو إنت يا حلو..

إبتسم وبعث لها قبلة في الهواء فضمت قبضتيها معاً كـ قلب وهتفت بحب: قلبي يارب، قهقهة عليها ثم نظر إلي ليلى بازدراء وعاد يضحك وحده عندما أبعد نظره عنها..

أنهي تأمله إلى القمر وهو يبتسم ثم أنزل نظره إلى الأسفل لـ تلتقط عيناه تالين تجلس على الأرجوحة في الحديقة وحدها تحاوط جسدها بوشاح ثقيل..
بالتأكيد شقيقة نائم الآن يطلق شخيراً غير عابئًا بها..

إبتسم وهو يراقب شعرها كيف يتطاير أثر مداعبه الرياح له أفضل من أي عاشق قد يفعل، فكم يُحب تأملها وهي هادئة هكذا تتأمل ذلك القمر شبيهها، رفع نظره إلى القمر من جديد لـ تتسع إبتسامته الجذابة، لقد علم الآن لما ليس مُكتمل! لقد ترك قطعةً منه بمنزلهم يُجب أن يعتني بها تقديراً وإحتراماً له..

هو لن ينسى يوماً هيئتها الملائكية عندما رأها أول يوم عملٍ لها وقد جعله الأخير، لقد كانت ضعيفة وهزيلة كي تتحمل العمل القاسى وتوبيخ صاحب العمل لها كل خمس دقائق!، لم يكن هذا السبب وحده كان سببه الوجيه حقاً نظرات صاحب العمل لها لقد كانت نظرات بذيئة وماكرة متربصة بكل حركة تصدر منها، خشِي عليها قبل أن يعرفها، هو لم يحتج أن يعرفها هي خطفت قلبه من الوهلة الأولى بتلك البراءة والعفوية، لقد كانت زهرة متفتحة، هي بالفعل مازالت زهرة متفتحة، لكنها أوشكت على الذبول وسوف تذبل إن لم يلحقها وينتشلها من تلك الحياة، فإن شقيقة لا يحسن مراعاتها ولا سقيها كي ترتوي جيّداً، لكن هو يستطيع فعل هذا بسهولة ويرحب بتلك الفكرة..

يوجد كثيراً من الأشياء المشتركة بينهم هي تشبهه، هو الأحق بها لكن والدته، فليلعنها الله في كل وقت وكل ساعة تلك الظالمة، لقد حرمته من دفء أحضانها صغيراً ومن دفء حبيبتهُ كبيراً حرمتهُ من كل شيء لكنهُ لن يكون آدم إن لم يجعلها تتحسر على كل شيء وخاصتاً إبنها الكبير..
إستفاق من شروده لـ يجدها إختفت من الأسفل، نظر في أرجاء الحديقة بلهفة لكنها اختفت، تباً..

مسد جبهته بضيق ثم زفر وركل سور الشرفة بغضب لـ يقاطعه صوتها الرقيق وهي تسأله باستفهام: متعصب ليه يا آدم؟
نظر بجانبه بتفاجئ ثم إبتسم بسعادة وسألها بأعين براقة: طلعتي إمتي؟
ابتسمت وهي تمد يدها له وناولته قدح قهوة ساخن: طلعت لما شُفتك واقف بتبص عليا..
إبتسم وسألها بتفكير: ايه رأيك في سالي؟
اختفت ابتسامتها وقالت بهدوء: حلوا، كويسة، وتابعت بمزاح: بس مش احلى مني..

ضحك ببحة رجولية وقال وهو ينظر لها بهيام: طبعاً مش أحلى منك، متخلقتش اللي احلى منك لسه..
توردت وجنتيها بخجل وهي تضم قدح القهوة بقوة ثم رفعته إلى شفتيها وارتشفت منه وهي تتجنب النظر له بارتباك..
سألها من جديد وهو يأشر على الغرفة: مصطفى نايم؟

أومأت بضجر وهي تلوك بشفتيها ثم قالت بسخط ظنت أنه لم يلاحظه لكنه لاحظه، بالتأكيد سيلاحظه فعينيه لا ترى غيرها ونظرته لا تتربص بِـ سواها، وكم هذا أسعده: مش بيعمل حاجة غير النوم ريح نفسك..

ابتسم واقترب أكثر من السور الفاصل بينهما، وضع قدح القهوة عليه ثم توقف أمامها مباشرةً، ومن دون سابق إنذار رفع يده وداعب وجنتها برقة وهو يبتسم بحزن ثم هتف بحنان كان كـ لغة آمرة أيضاً وهو ينظر داخل عينيها مباشرةً: أحسن، خليه نايم، أنا مش عايزه يلمسك تاني ممكن؟

تلون وجهها في حمرة شديدة وتحركت أهدابها في ذهول من تلك الجرأة وذلك الطلب الغريب بالنسبةِ لها وأكثر من عادٍ بالنسبةِ له! حركت شفتيها كي تتحدث وعينيها تتجول على ملامحة لكنها أعادت إغلاقها مجدداً عاجزة عن إيجاد الرد المناسب لما يقول؟.
تابع هو وهو يبتسم: عارف إني بفاجئك بكلامي بس أُعذريني أنا بحبك وبغير عليكِ إطلقي!.

توقف جانب الطريق من جديد مع صدوح صوت أذان الفجر، أطفأ مُحرك السيارة وهو يردد الأذان وفتح الباب كي يترجل من السيارة..
نظر إلى نادين الغافية بابتسامة ثم نظر إلى ليلى المُستغرقة في نومها، أسند مرفقة على المقود وتأمل ملامحها الناعمة بعمق وتفكير، فكيف يخرج هذا الحديث اللاذع من بين شفتيها الصغيرتين المثيرتين كيف؟ لا يعرف؟.

مرر لسانة على طرف شفتيه في محاولة لكبح تلك الرغبة في تقبيل تلك الوجنتين الورديتين وقرصها..
أطبق جفنيه بقوة وهو يضم قبضته حتى إبيضت عروقه مُبعداً رغبته في تقبيلها لكنه لم يبعد رغبة قرصها!.

مد يده بخفة إلى وجنتها كي يقرصها كـ طفلاً منزعجاً لكنه توقف وعلق يديه في الهواء وقام بصفعها براحة يده الأخرى زاجراً نفسه بحدة، زفر وتجهز للذهاب وهو يرمقها بسخط فهو توقف من أجل الصلاة وتلك اللعينة عطلته كـ إبليس تماماً، سُحقاً لها..
فتحت عينيها بتثاقل عندما شعرت بتوقف السيارة ورأته يذهب، سألته بنعاس: عمّار! إنت رايح فين؟
نظر لها ثم قال بهدوء: رايح أصلى الفجر..

رمشت بسرعه تستوعب ماقال وطار النوم من عينيها ثم سألته باستنكار: إنت! بتصلي؟!
رفع زاوية شفتيه بجانبيه و سألها بسخرية: إنتِ قاعدة مع جرجس ولا ايه؟ ده انا رايح أصلى؟
نظرت له مطولاً وهي تُضيق عينيه ثم قالت بهدوء محاولة ألا تضحك: ربنا يوفقك، بارك الله فيك يا شيخ عمّار هههههههههه..
قلد ضحكتها بسخرية وقال بتهكم: بلاش إنتِ تلاقيكِ مش حافظة الفاتحة أصلا!

كادت تتحدث لكنه قاطعها بضجر: ناميلك شوية قبل ما نوصل عشان هنوصل الصبح ومش هتعرفوا تناموا مش هتلاقوا فُرصة أصلا للنوم غير بليل وتبقي فكريني أخلي مرات عمي تعالج ضهرك..
سألته بتعجب: ودي هتعالجو ازاي؟
هتف بتسلية وهو يترجل من السيارة: هتقف عليه هتعالجة ازاي يعني، وصفق الباب في وجهها وذهب..
يعلم أن أي أحد لو رآه وعلم كونه يقضي فروضة سيتعجب لكن لما؟ هل سُمعتهُ الجميلة تسبقة كثيراً؟

هذا لا علاقة له بهذا؟ تلك شخصية بغيضة وهذه فريضة لا علاقة للأمر بها؟ المشكلة الوحيدة التي يواجهها هو ذلك الوشم الذي يمتلكه، لقد كان صغيراً ولم يكن يعرف؟!
لعنته بضيق وهي تعود إلى النوم من جديد وهي تتمتم بامتعاض: قال بيصلي قال يروح يربي نفسه الأول النكرة، الخنزير، الخرتيـ، قاطعها صوت نادين الثقيل المتذمر: حرام عليكِ والله يامامي عمّار جميل..

قلبت عينيها بضيق ولم تتحدث فتابعت نادين وهى تبتسم: طب بزمتك مش جنتل مان يا ماما وملو هدومة..
رفعت ليلى زاوية شفتيها بسخرية وهتفت بسخط: ده هيفرتك هدومة مش ملو هدومه، قهقهت نادين بنعاس ثم قالت بخفوت قبل أن تثقل مجدداً: متنكريش أن رغم كل ده هو عاجبك برده، أصلك مش هتوافقي عليه وإنتِ كارهاه أصلاً..
هتفت ليلى من بين أسنانها بهمس تُسمع نفسها: ما إنتِ مجربتيش الحزام! اللى ميعرفش يقول عدس فعلاً..

في السادسة صباحاً..
إبتسم وهو يقود ببطء يتمايل بالسيارة بسبب عدم إستواء الطريق يحدق من النافذة مُراقباً عربات الخيول التي تسير في السوق، والضوضاء المفتعلة من البائعين مع تلك التي تعترض على الأسعار والأخرى تتشاجر مع أطفالها بضيق، والآخر الذي يسير بالطبول ويصيح كي يبيع العسل الذي معه وتلك العجوز التي تسير ببطء تتحدث بالترهات كما يقول الجميع لكنها ليست ترهات بالمرة..

أفزعهم ذلك الرجل التابع إلى غفر عمّار الذي أدخل رأسه من النافذة السيارة وتحدث بصوت مرتفع أفزع ليلى وهو يسير مع السيارة: حمد الله علي السلامة يا سِيدي البلد نَوّرِت والله حمد الله على السلامة، يا عمـ، دفعته ليلي من رأسه بضجر بسبب طنين أُذنها أسقطته أرضاً وهي تقول بحدة: خلاص هي الأملة جت يعني..

قهقهة عمّار وتابع القيادة بهدوء، إعتدلت نادين بجلستها وهي تتثاءب ثم قالت بإعجاب وهي تحدق بأحد المنازل الكبيرة الضخمة دوناً عن البقية: حلو أوى البيت ده يا عمّار..
إبتسم وهو ينظر له ثم تحدث ساخراً: ده بيت عيلة النِتِن..
قهقهت نادين ثم سألته باستفهام: اسمها عيلة النِتن بجد؟
ضحك وهو يهز رأسه: لأ، أسمها عيلة الطحاوي، بس عملوا حاجات كده ومن ساعتها بقى اسمهم النِتِن ومتقلقيش عشان هتسمعي عنهم كتير أوي..

أومأت وهي تحدق به بإعجاب ثم سألت والدتها: شوفتيه يا مامي؟، مامي!، مامي!.
وضعت يدها على كتفها جعلتها تنتفض ثم نظرت لها بوجه شاحب وسألتها باستفهام: ايه ياحبيبتي في ايه؟
عبست نادين قائلة: لأ، إنتِ مكنتيش هنا خالص!
أومأت لها بهدوء وهي تمرر يدها على وجهها: معلش يا حبيبتي كُنت سرحانة..

أومأت لها بهدوء وهي ترتب شعرها وجلست تراقب الطريق حتى توقف عمّار بعد إن فتح له الحارس بوابة المنزل الحديدية أمام منزل أكبر ثلاث مرات من الذي رأته مُنذ قليل، إنها سرايا، فغرت فاهها بذهول وهي تحدق بها ثم ترجلت من السيارة سريعاً ووقفت تشاهدها عن كثب بفاه فاغر ما هذا؟ يا إلهي ماهذا الجمال والفخامة؟ لم يطرق باب مخيلتها بتاتاً أن تمكث بهذا المنزل الجميل؟ إنها سرايا جميلة بطريقة مبالغ بها كيف يترك كل هذه الفخامة وجمال الطبيعة ويأتي إلى المدينة المُزدحمة؟ ذات الهواء الملوث بسبب دخان محركات السيارة!

تأملت لون طلاء الجدران الأبيض الزاهي تحت ضوء الشمس ثم ذلك الدَرج المصقول بالرخام الموصل إلى المدخل الموضوع به جلسات أرضيه شعبية من أجل فصل الصيف والجلوس في الهواء الطلق مُحاطة بِسور عريض، ثم بوابة المنزل و بعدها بهو المنزل الكبير المنقسم بفضل السلالم الموصلة إلى الأعلى إلى غُرف النوم..

النصف الأول يوجد بها نوافذ بطول الحائط وبعض الستائر الثقيلة الفخمة فوقها، وهناك بعض الجلسات الأرضية المتماشية مع ألوان الطلاء والأثاث الداكن وشاشة عرض كبيرة، يتناولون بها الطعام والشراب معزولة عن النصف الآخر بـ باب زجاجي يُجر غير مكشوفة ولا يظهر مابداخلها لمن بالخارج، في داخلها يوجد باب في زاوية يوصل إلي دورة المياه يساراً ويميناً المطبخ وهناك باب في زاوية المطبخ ملحق بدرج يوصل إلى الأعلى لأن لا أحد يمر وينزل من على الدَرج الأساسى عندما يكون هناك اجتماعات عائلية، وباب ثاني مُلحق بِدَرج يوصل إلى خلف المنزل، وباب ثالث مُلحق بِدَرج يوصل إلى الأسفل تحت الأرض في المكان المُخصص إلى الخدم...

أما النصف الآخر خُصص إلى الإجتماعات الخاصة وحل الخلاف بين العائلات هُنا، ملِئ بالأثاث القاسي المُناسب لمن يجلس علية عدي ذلك المقعد المريح في المنتصف الذي يرهب كُل كبيراً وصغيراً كـ صاحبة، قاسي لا يعرف الرحمة..

أما الطابق الثاني مقسم نصفين نصف يملكة والد عمّار في آخر الرواق لا يذهب إليه أحداً كثيراً سوى والده والخادمات من أجل التنظيف و النصف الآخر أخذه عمّار تاركاً منهُ حُجرتين واحده ملاصقة له إلى حجرته والأخرى بعيدة قليلاً، أما حجرته إضافة إلى أنها واسعة مُرتبة أنيقة فهو لا يمكث بها بل يعيش في جناحة الذي خصصه له عبر ذلك الدَرج الخشبي المخفي أسفل بلاط أرضية الغُرفة يوصله إلى الأسفل جناحة بحق، جناحة الملوكي الذي خصصهُ إلى نفسه، فهناك حياة أخرى أسفل المنزل تقريباً، الجميع يعرف بشأنها عدى جناح عمّار..

أما الطابق الثالث فهو مخصص إلى عمه وزوجة عمه فقط..
أما خلف المنزل فيوجد إسطبل يوجد داخله الخيول الخاصة به وأبرزهم ذلك الخيل الذهبي النادر الذي كلفه الكثير حقاً، وبداخل ذلك الأسطبل وخاصتاً أسفل ذلك الخيل المُميز تحت مكان وقوفة تحديداً باب أرضي سِرى يوصل إلى جناحه لا يعرف طريقة غيره..

يميناً الإسطبل ويسارا بوابة المطبخ الموصلة إلى بوابة المنزل الخلفي، وأمامهم فارغ لا يوجد به سوى أرض خضراء خاوية ينبت بها بعض الأعشاب الصغيرة وفي المنتصف كوخ دائري من الأغصان القوية يبعد عنهم رُبما عشر دقائق سير وهو خاص بـ عمّار أيضاً يختلي بنفسه داخلة، صغير من بعيد ويبدو متهالك وسيسقط لكنه كـ صاحبة يتحمل أكثر من اللازم، تطل عليه شُرفة عمّار وشُرفة الغرفة المحاذية له..

أما الشرفة التي تطل على الطريق العام و المنزل والحرس فهي ملك والده..
أخذت صفعة خفيفة على وجنتها من قِبل ليلى وهي توبخها عندما رأتها تكتم أنفاسها: إتنفسي يا حمارة في ايه شُفتي قصر؟ ايه يعني عادية جداً متحسسهوش أنه ورانا عجيبة من عجايب الدُنيا السبعة؟
ضحك وهو ينظر لها ثم قال باستياء: وحشة اوي من جوا يا حماتي..

أمسكت نادين ذراعه وهتفت برجاء وهي تنظر له بأعين القطط خاصتها كي تستميلة: لما نتجوز اكتبلي السرايا دي يا عمّار بليز..
ضحك بخفة وهو يحاوط كتفها: شكلك داخلة على طمع بقى يا بنت ليلى، أومأت بسعادة وهي تتشبث بذراعه وسارت معه إلى الداخل وليلى خلفهما وهي تتأوه بألم، من الجيّد أنها استطاعت الترجل من السيارة دون تعب، ومن حظه الجيّد أنها لم تسمع قوله أيضاً..

سبقت خطواته وصعدت الدرج بحماس، فقهقه عليها وذهب خلفها أوقفها ثم سحبها من ذراعها متجهاً بها خلف المنزل وتحدث مُبرراً: تعالي مش بندخل من هنا مش شايفة العربيات! في ناس أكيد جوا إنتِ محتاجة تتعلمي القواعد إنتِ والساحرة الشريرة اللي ورانا..

=: سمعاك يا خرتيت، هتفت ليلى بِبغض، قهقهة بخفة، توقف أمام الباب المطبخ الخلفي ثم ركله بقدمه بخفة ودلف وهو يتلفت حوله يحدق بالفتيات التي تعمل وتتحرك هُنا وهُناك وهو يبتسم باحثاً عنها بعينيه..
صاح فجأة جذب الأنظار له: توحشتكم يا بجر..
صرخت تلك الفتاة التي تُجدل شعرها وتضع فوقة حجاب شفاف ارتدته بإهمال ترتدي عبائة صعيدي متسعه..

وقفت من وسطهم وركضت له بسرعة البرق وهي تصرخ: واه، عمّاااار، ضحك وفتح يديه على مصراعيها لتقفز بأحضانه وهي تضحك مطوقة خصره بقدميها لـ يحاوط ظهرها من الخلف بدوره وهو يضحك..
قطبت نادين حاجبيها بانزعاج وهي تضع يدها بخصرها بينما ليلى لويت شدقيها وهمست بخفوت إلي إبنتها: هو ده الصعيدي أبو دم حامي؟!
هتفت بسعادة وهي تكوب وجهه بين يديها: توحشتك جوي جوي جوي يا عمّار..

ضحك وهتف بسعادة: إنتِ أكتر يا بجره بتعملي ايه عِندِينا وفين جوزك؟
هزت رأسها بعدم إهتمام ثم هتفت بابتسامة وهي تمرر أناملها على وجنتيه: جوزي ايه دلوك؟ إنت بس لو توافج تتجوزني أطلِج وأتجوزك ياجمر، ايه الحلاوة ديّ يا خلج يا هو..
قهقهة وهو يضرب جبهته بجبهتها: جولتك يابت إنك أختي الكَبيرة مبتفهميش ليه عاد؟

لويت شدقيها وعدلت قوله بضيق: بِزْيداك عاد يا واد عمي؟ همه خمس سنين عُمي! وبعدين اللي عيشوفني ماهيجولش إني كبيرة يا جحش إنتِهِ..
رفعت ليلى حاجبيها وهي تنظر لها هل تلك بمثل سنها؟
صرخت بألم وقفزت عندما وجدت حذاء والدتها التي تعرفة جيّداً يهوي على مؤخرتها بعنف وهي تزجرها بحده: يا فاجرة يا بت الفاجر مش جولتلك إتحَشمي جوزك دمهُ حامي وعيغير عليكِ ولو شافك عيبجي فيها دم؟

وضعت يدها بخصرها وهي تحركة بدلال وهتفت باعتراض: واه واه واه يبجي يتحددت وِلِد المحروجة ولا يفتح خَشمه عاد! ده واد عمي وعيبجي جوزي انشاالله..
ضربتها مجدداً بقوة وهتفت بغيظ: بتتجصعي كومان يا جليلة الرباية!، ضحك عمّار وهو يراقبهم لـ تتوقف أخيراً زوجة عمه وهي تلهث ثم رفعت رأسها له..
فتح يديه على مصراعيها وقال بحنان: سِت الناس..

تقدمت تحت إبتسامته التي تحولت إلي ضحكات عندما ضربته بالحذاء هو الآخر وهي تشتمة بِغل: بجي يا ناجص تغيب كل الغيبة ديّ ولا تسأل ولا تجول إنك راجع؟، هملني..
ضحك وهو يعانقها عنوة وهتف بحنان: توحشتك جوي جوي يا أم عمّار، توحشني وَكْلِك، ضربته بالحذاء الذي استقر بين يديها خلف ظهره وهي توبخه: الوكل هو اللي توحشك يا ناجص مش أني..

ضحك وهو يضمها إليه أكثر بحنان فقبلت كتفه وربتت على ظهره وسألته بحُب: كيف حالك يا وَلدي..
إبتسم وهتف يطمئنها وهو يقرص خصر ذهب: الحمدلله بخير، صرخت وهي تستدير إليه لتصرخ بها والدتها بحدة: اكتمي يا فاجرة..
ضحك عمّار وهو يفصل العناق ثم سألها بحنو: عاملين ايه من غيري؟ مزجططين وَلِّيه..
هزت رأسها وقالت بحزن: لاه يا حبيبي لاه كل حاجة ماصخة من غيرك أنا مجدرش على فراجك عاد..

قبل رأسها بحنان وهتف بوعد: ما عُدتش ههملك واصل يا غاليه، تعالي أعرفِك على الضيوف..
إستدار ونظر خلفه ليجد نادين تقف تنظر له بوجه أحمر وعدم أتزان وليلى تحدق في الأرض بريبة فقال بشك وهو يضيق عينيه: إنتوا كنتوا بتضحكوا؟
هزت نادين رأسها وهي تمسك أرنبة أنفها ثم أنفجرت ضاحكة بشدّة جعلت ليلى تضحك معها وهي تلكزها بذراعها بخفة كي تصمت..

إبتسم وهو يراقبهما كيف تضحكان بسعادة وخاصتاً ليلى فإنها تملك ابتسامة جميلة رقيقة جذابه، من الجيّد أنها ضحكت هذا جيّد، توقفت عن الضحك ثم رفعت رأسها وهي تبتسم لـ تخترق عسليتيها اللامعة خضراويه البراقة إختراقاً بلا هوادة، فهو مُختلف هُنا يبتسم أكثر، سعيداً أكثر، لقد تلون وجهه و دبت الحياة داخله من جديد عندما قابل أحبائه، عينية تبرق بسعادة، وشفتيه لا تتوقف عن الحراك أثر ضحكاته المتسلية دون أن يخفيها عن وقع أنظارهم، تلك المقلتين تلمعان ببريق من نوعٍ خاص لم تراه من قبل، هي لا تستطيع وصفه سوى، إنه مُختلف..

بالطبع سوف يكون سعيداً بعودته ومتغيراً للأفضل فماذا سيحدث إذاً إن قابل حُب حياته؟ هذا يستحق أن نفكر به قليلاً..
أبعدت نظرها عنه وهي تبعد شعرها خلف أذنها بتوتر تحت نظرات دَهب الماكرة التي كانت تراقبهما بثقب لـ تتحدث حُسنه والدتها تسأله: مين الجمرتين دول ياوَلدي؟

ابتسم عمّار وقال بهدوء: عروستي وأمـ، وبتر قوله تقدم حُسنه منهما بسعادة، عانقت ليلى بقوة وهي تبتسم ثم قبلتها بشعبية قبلتين قلبتين على وجنتيها بالتناوب وهي تقول بفخر: كيف الجمر يا وَلدي يازين ما اخترت ومين ديّ أُختها الصِغيرة؟، مرر عمّار يده على وجهه عندما رأي نظرة ليلى المتعجبة له بينما نادين كانت تضحك ببلاهة وهي تراقبهم..

فقال بهدوء وتحدث مُصححاً الخطأ: لاه يا أم لاه، دي حماتي ليلى ودي نادين بِتها العروسية أنا جبتهالك مخصوص عشان تخليها كيف الوظووظِه علي الفرح..
ابتسمت حُسنه بفرح ثم عانقتها وقبلتها بحُب: من عنيا التِنين يا وَلدي، إبتسمت نادين بخجل وهي تنظر لها، بينما هو إقترب و قبل أجفان زوجة عمه بالتناوب وقال بحنان بالغ لا يخرج سوى معها: تسلمي..

ثم نظر إلي ليلى ونادين وتحدث يعرفهم على بعضهم البعض: دي مرات عمي وكُله هنا بيقولها أم عمّار وياريت تقوللها إنتوا كمان كده، ودي دهب بنت عمي متربين مع بعض واختي الكبيرة..
قاطعته دَهب بضجر: بس متجولش اختك بس..
ضحك ثم تابع وهو ينظر إلى ليلى: زيك كده يا حماتي..
أومأت له بهدوء وقالت بابتسامة: إتشرفنا..

إبتسمت حُسنه ثم فتحت فمها ورفعت يدها أمام شفتيها، وبدأت تزغرد بسعادة وصوت واضح مرتفع و واحد إثنان ثلاثة وأطلقوا جميع خادمات المنزل ودهب، زغاريد سعيدة تُرحب بهم كانت هي من افتتحتها لهم..
ضربت نادين قدميها في الأرض بحماس وهي تبتسم وتكاد تبكِ قابضة على معصم ليلى: مامى أنا حبيتهم أوي مش همشي من هنا، هزت ليلى رأسها بفقدان أملٍ من تلك الحمقاء، هل تظن أن حياتها سوف تكون زغاريد ومُزاح فقط؟!

أخذتهم حُسنه إلى الداخل وهي تربت على ظهر ليلى بحنان قائلة برفق: قوضكم هتكون فوج جار النبي حارسهُ وصاينهُ عمّار وَلدي ومتجلجوش هُما عيجيبوا الشُنط من برا، نوِرتونا والله يادي النور يا دي النور..
تحرك عمّار إلى الداخل خلفهم لكن يد دَهب التي أمسكت ذراعه أوقفته وهي تسأله: عمّار، متوكد من الجوازه ديّ؟
نظر لها بتعجب وسألها باستفهام: ليه العروسية مش عاجباكِ ولا عِفشة؟

هزت رأسها وقالت بضيق: لا ديه ولا ديه يا واد عمي، العروسية زينة وأُمها كومان زينة؟
أومأ بهدوء وهو يحدق بخضراوتيها الكريستالية التي تتآكله وتنظر له بشك يعلمه جيداً، لـ يقول بعدم فهم: مليش صالح بيها زينه لنفسها وعِفشة لنفسها يا بت عمي!

ضحكت وهي تعقد يديها أمام صدرها وهزت رأسها بأسف وقالت بخزلان: بجي إكِدِه يا واد عمي بتدس عليِّه؟ تكونش فاكرني مش عارفاك إياك! الجوازة ديّ غلط وأكبر غلط كومان عشان إنت مش عاوزها هيّ يا عمّار!
زفر بضيق وسألها بوجوم: إنتِ ايه اللي جابك إهنِه؟ أنا هروح أجول لجوزك عملتي ايه خليه يجتلك وأرتاح منيكي معلوم؟
هزت رأسها مُوافقة وقالت وهي تبتسم: معلوم يا واد عمي، معلوم..

وصمتت قليلاً تتبادل معه النظرات ثم قال بتفاجئ عندما تذكرت: صوح نسيت أجولك، خليل الطحاوي بيحوم حوالين عمي عشان عاوز يجوزك ندى بِتُه..
تهجمت ملامحه، وانقبض قلبه وخفق بقوة أغضبته من نفسه ثم قال بضيق: مليش صالح ومش موافج..
ضحكت بسخرية وهي تنظر له، ثم رفعت يدها وفارقت بين فتحتي قميصه من على صدره قليلاً لـ تتسع ابتسامتها أكثر عندما رأت طرف حرف الياء من ذلك الوشم مازال محله..

هتفت بسخرية وهي تنظر له من أعلاه لأخمص قدميه بتفحص وكأنها تخبره أن يخجل من نفسه: لِساك باجي عليه يا واد عمي؟ مش جولت لما تنزل مصر المرا دِيّ عتشيله؟، أغلق أزرار قميصه بضيق، هو أحمق لأنه تركة مفتوحاً من البداية..
قال وهو يتهرب من نظراتها التي تُحاصرهُ وتكذِبهُ: المرة الجاية، أنا روحت لكن الألم واعر جوي وما هجدرتش أتحملهُ واصل..

ضحكت وهي تضرب يديها معاً متعجبة وقالت مشدوهة: واه، واه، ده الوجع دِيه بالنسبالك جِبرة في جوم جش يا عمّار؟ جرالك ايه عاد؟
وتابعت بعويل وهي تحرك حجابها بين يديها: عمّار الصعيدي بيدجلِع وعيجول ماجدرش يتحمل؟ بتدس على مين يا عمّار ده أنا اللي مربياك..
فقال بضجر وهو يدفعها من أمامه: ما هي تربية ناجصة على رأي أُمك..

هتفت من خلف ظهره قبل أن يذهب: عمّار الجواز مش لعبة وجرِر واختار إنت عايز مين؟ ليلى ولا نادين ولا ندي إحنا مش بنلعب إهنِه معلوم؟ عشان ولو جالو إنك عتتجوز ندي عتتجوزها اجباري! ولو إنت عايز نادين عتتجوزها بردك، لو عتتجوز أربعة عتتجوزهم يا عمّار ومحدش عيجولك لاه! بس أنا خبراك و عارفه إنك مش عايز غير واحدِة! جلبك ماعيزش غير واحدِة بس ياعمّار وإنت خبِرها عاد وأكتر مِني يا واد عمي..

تركها وصعد إلى الأعلى بملامح متجهمة وهو يلعنهم جميعاً هو لن يتزوجها لن يفعل، سوف يقوم بذلها وإهانتها إن وقعت بين يديه، سيثأر من أجلهم، هي لن تكون سوى خادمة للجميع وجارية له هذا إن أراد، فمن فقدهم لم يكونوا أشخاصاً عابرين أو بلا قيمة وأهمية لديه؟ لا بل كانوا أشقاء، فهو سوف يذيقها الويلات وخصوصاً أنها إبنه ذلك اللعين، خليل الطحاوي، ندى خليل الطحاوي، إن عادت سوف تندم، فهو ليس متفرغ كي يحيي حُبها داخل قلبه، لكن هل هو مات من الأساس داخله كي يحيي؟

طرق على الغرفة الملاصقة إلى غرفتهِ بهدوء وهو يبتسم واضعاً يده على المقبض ثم أداره بخفه وكاد يدلف لكن اوقفه صوت حُسنة الحاد وهي تنزل الدرج: واه إنت بتهَبب ايه عِندك يا جِلف؟.
ضحك عمّار وهو يلتفت ثم سألها باستفهام: مش ديّ جوضة نادين؟
هزت رأسها بنفي وقالت وهي تتقدم منه: لاه مش جوضتها ديّ ديّ قوضة أُمها!

أخذ شهيقاً طويلاً أخرجه في ضحكات متقطعة بعصبية وهو يحك طرف حاجبيه ينظر لها ببلاهة لاعناً حياته أجمع ثم سألها وهو يصفق بيديه: ليه يا أم عمّار ليه؟
رفعت حاجبيها وزجرته بحده: شوف جليل الرباية الناجص عاوز ليه خطيبتك تبجي جنبك؟ يا جليل الحيا لسه بدري عـ الكلام دِيهِ خلى حماتك جنبك عشان تُشكمك شوية..
لطم وجهه بخفة معترضاً: تُشكم ايه ديّ دِي الفساد كُله إنتِ ما تِعرفيش حاجة يا أم عمّار ما تِعرفيش حاجة..

قالت بهدوء وهي تقرص صدره: عرفني يا ولدي سمعاك، ثم أبتسمت عندما تذكرت وتابعت: صوح يا واد أنا عطيتها خلجات من بتاعة دَهب جبل سابج..
هربت الدماء من وجهه وسألها بشحوب وهو يزدرد ريقه: جَبل سابق كيف جَبل ما تتجوز؟
أومأت وهي تبتسم فأعاد ببطء: يعني عبايات دَهب الدَيِجة مع حماتي دلوك وعتلبس مِنيهم؟
أومأت له وهي تبتسم لـ يضرب كفية معاً وهتف وهو يهز شفتيه إلى الجانبين بشعبية: الله، يا أم عمّار، الله..

صاحت به بتعجب عندما وجدته يذهب بعيداً: ماتفوتنيش يا واد رايح فين؟
هتف بضجر وهو يفتح باب غرفته: أنا هنعس شوي إيكش أتحرج وأخلص من كُل دِيهِ جاكم الهم، ودلف وصفع باب غرفته..

في الإسكندرية..

تنهد وهو يغلق الهاتف بنعاس ثم وضعه بجانبه كي يعود إلى النوم لكنه لم يستطع، نهض وتوجه لدورة المياه، فعل روتينة اليومي، توجه إلى الأسفل فوجد والدته تحضر الإفطار وجـنّـة ليست في الأرجاء لم تنزل بعد، ابتسم وعاد أدراجه وصعد إلى الأعلى كي يوقظها، فتح الغرفه والإبتسامة تعتلي ثغرة لكنها اختفت في نفس الوقت عندما لم يجدها ووجد الفراش مُرتب وكأنهُ لم يمس، هل فعلتها مُجدداً وتركته وذهبت؟ بحث عنها في دورة المياه لكنه لم يجدها فنزل للأسفل وسأل والدته بقلق: ماما مشفتيش عشق؟!

استدارت والدته وردت وهي تبتسم: عشق! ورايا أهي؟، نظر خلفها بلهفة فوجد جـنّـة تقف خلفها تتناول إحدي ثمرات الفاكهه وهي تلاعب له حاجبيها بعبث فتنهد براحه وهتف بغيظ: خضتيني عليكِ، عندي خبر وحش ليا وحلو ليكِ..
قطبت حاجبيها ثم تقدمت ووقفت أمامهُ، أسندت مرفقها على البار الفاصل بينها بمرفقها ورمشت بعينها الناعسه مُنتظره أن يتحدث: الامتحانات إتقدمت وهنطر إننا ننزل القاهره..

أومأت بهدوء فسألها بتعجب حقيقي: إيه مش مبسوطة؟!
ضحكت برقة وبررت جمودها: بتقول إمتحانات اتبسط إزاي؟ وبعدين أنا مش فاهمه حاجه هدخل أكتب إيه؟!
مسد جبهته وهو يفكر بعمق ثم تحدث باستسلام: حتي لو روحي وحاولي..
أمسكت يده وهي تبتسم ثم قالت باقتراح: إيه رأيك ادخل أمتحن في هندسة؟!
رفع حاجبيه وهو يبتسم وقال بتعجب: يا سلام وإسم حضرتك نجيبهُ منين؟!

تنهدت بحزن وغمرت وجهها بين راحة يديها وقالت بإحباط: عندك حق مش مهم بقي، ثم هتفت بحماس فجأة: دلوقتي أطلع أجهز شنطة هدومي؟!
قهقهة عليها ثم مال وقبل أرنبة أنفها برقة مع قولة: أطلعي يا قمري..

في القاهرة..
دلف إلى الشقة، يسير على أطراف أصابعه كي لا يحدث صوتاً وتستمع له، يحمل معه حقيبة بها بعض الملابس المُحتشمة من أجلها، يعلم أنها سوف تثور لكن لا يملك حلاً غير هذا ويُجب أن تُساعده..

أدار مقبض غرفة النوم لـ يسعل عندما أمتلأت رأتيه بالدُخان المُضر بالصحة، زفر وهو يلوح بيده يبعده عن وجهه باحثاً عنها بعينيه في أرجاء الغرفة، هي ليست هُنا، هل ذهبت؟، أم بدورة المياه؟، لكن الغرفة مُرتبة عادت كما كانت في السابق عدي من تلك المرآة المهشمة..

تنهد وتقدم إلى الداخل، جلس على التخت ثم وضع ساعديه خلفه على الفراش الناعم يستند عليه ومدّ ساقة جعلها تلامس الأرض ضاغطاً على كاحله من داخل حذائه الأسود الأنيق اللامع المُشابه لـِ ملابسه..

خرجت من دورة المياه لـِ تبتسم بعبث عندما رأته، تقدمت منه بمنامها البيضاء العارية ثم جلست على الفراش وأسندت ظهرها على جزعه الخشبي و مدت ساقيها الناعمين على فخذه لـِ تتسع إبتسامته الماكرة ثم رفع يده ومررها على ساقها العارية صعوداً ونزولاً بـ نعومة يُتابعها وهي تخرج لِفافة تبغ من علبتِها الخاصة المُلحقة بالقداحة ووضعتها بـِ فمها كى تُشعلها، من جديد! من الجيّد أنها بخير وتناست أمس..

إختطفها من يدها و هتف بشفتيه المُثيرة لـ يطرب أُُذنها بصوته الرجولي الأجش المُنزعج بسبب ما تفعل: مش قُلنا تبطلي السجاير؟ وايه كل اللي في الطفاية ده؟ بتنتقمي من نفسك؟
إرتفع حاجبها الأيسر بإعجاب مع زاوية شفتيها الصغيرة اللامعه ثم ضيقت عينيها وسألته ساخرة: وده يهمك في حاجة؟
إبتسم بمكرٍ شديد ويده أخت طريقها إلي فخذها هاتفاً بنبرة لعوب: طبعاً ياسمك ايه؟

هربت ضحكة من شفتيها رغماً عنها بتلك الرقة التي رُكبت بها وهي تشعل لِفافة التبغ ثم وضعتها بفمها ورفعت نفسها و أقتربت لـِ تكون مُقابلة له ثم نفثت الدخان بـِ طعم الفراولة بـِ وجهه بتسلية وهي تضع لفافة التبغ بين أناملها النحيفة تُقهقه دون توقف جعلته يزفر وهو يُراقبها فكاد يتحدث لكن قاطعه قولها بتسلية: بس حلوة ياسمك ايه دي حلوة!

نظر لها بـ عُمق وهو يقطب حاجبيه الكثيفين المُبعثرين بطريقة مُحببة إلى قلبها وقال بامتعاض وهو يقرص ساقها بخفه: ماهو لو إنتِ تبقي زي الناس الطبيعية وتقولي إنتِ مين وأسمك ايه كان زماني دلوقتي بدلعك كمان لكن إنتِ مش عايزة تقولي! وأنا عند وعدي مش هدور وراكِ خلاص خالصين!

هزت رأسها بعدم إهتمام وأعادت إسناد ظهرها للخلف ورفعت نظرها تحدق في السقف بـِ شرود وكل برهة وأخري ترفع يدها وتستنشق ذلك السُم فمن دونه سوف تجن..
كُل ما جال بخاطرها في هذه اللحظات زوجها الذي يعشقها كـ إسمها تماماً وهي تركته خلفها بكل سُهولة ومضت في طريقها ولم تعبأ به ولا تعلم كيف ستكون نهاية هذا الطريق أيضاً أو نهايتها حتى؟.
استفاقت من دوامة أفكارها على صوت صفيرهُ.

لـِ تشرد بـ ملامحه الجذابة التي أخذتها إلى عالمٍ آخر لا يوجد به سواهُ هو وخفقاتِها المُتألمة ويا ليته يشعر بها..
هزت رأسها كي تستفيق من ما يحدث بداخلها كُلما رأته، لملمت شتات نفسها ثم همّت بالتحدث وسألته بهدوء وهي تغمز له بعبث: مقولتش جي ليه يعني؟

حك طرف ذقنه التي أصبحت تحكهُ الآن لـِ تعلم أن هُناك ما يود قوله فهي تفهمهُ دون أن يتحدث تعلم أن هُناك ما يُريده دون أن يبذِل مجهود بإظهار هذا! هي معه مُنذ أربع سنوات فكيف لن تنتبه على إضطراباتهِ و إنفعالاتهِ كيف؟
تنهد ورفع نظره لها وقال بنبرة هادئة إستشعرت بها الرجاء وهو يحرك أهدابه وكأنهُ يُفكِر بشيءٍ ما: عايز منك خدمة! توافقي؟

رفعت حاجبيها بتفاجئ وهي تنظر له ثم ربعت قدميها وجلست بانتباه وسألته ببعض السخرية: قُصي باشا رشدان محتاج مساعدتي أنا! لأ مش مصدقة!
قهقهة بخفة وهو ينظر لها ثم قال بقِلة حيلة مُصطنعة: شوفتي الدُنيا؟ ها هتساعديني؟
هزت كتفيها وقالت بتفكير وهي تعود إلى وضعيتها السابقة بعدم إهتمام: علي حسب ما تطلب وكل حاجة بمقابل خليك فاكر..

رفع حاجبيه وتحرك ببطء وبدأ يسير علي الفراش بـ ركبتيه كـ أحد الضِباع المُتربص بـِ فريستهُ فـ تتحركت تلقائياً وعادت إلي الخلف لـ يُحاصرها بين يديهِ عندما أراحها على الوسادة وسألها مُستنكراً بخشونة وهو يميل عليها بجذعه أكثر: مُقابل؟ ومن إمتي وأنا بستناكِ تطلبي يعني؟، ثم قرص خصرها بإحدى يديه بِخفة جعلها تضحك برقة وتابع بمكرٍ: إنتِ بتاخدي كُل حاجة؟ مفيش حاجة لسه مخدتيهاش!

هزت رأسها بنفي صانعة معه تواصلاً بصرياً وهي تقول بنبرة عميقة غلف عليها الحُزن والأسى: لأ لسه في حاجة مش عارفة أخدها منك ومش مُتأكدة إذا كُنت هاخدها في يوم من الأيام ولا لأ!
إبتسم بجانبيه وهو يتأملها ببطء وتروي وأهدابة تتحرك تاركة المجال إلى قهوتيه الآسرة تتأمل ملامحها الناعمة وخاصتاً ذلك الأنف المُدبب الذي تضع به أحد الأقراط الفضِية دون التخلي عنه..

مال كي ينهل من رحيق شفتيها الذي إشتاق له كثيراً لـ يبتعد سريعاً عندما شعر بِسقوط بقية لِفافة التبغ على إحدي يديه فقال بضيق وهو يأخذها وأطفأها بالمطفأه الزُجاجية الموضوعة على الكومود قبل أن تشعل الفراش بهما ويتفحموا هُنا: مش هتجبيها لِـ بر إنتِ والقرف اللي بتشربيه ده قال دكتورة قال بلا نيلة!
قلبت عينيها وهي تهز رأسها بقلة حيلة من نفسها ثم سألته وهي تداعب أنفها بِأنفه: عاوز إيه بقي؟

تنحنح وطلب منها بهدوء ولم يتخطى حديثة دقيقة لـ يجدها وقفت بعصبيه وظلت تقطع الغُرفة ذهاباً وإياباً كـ طائر جريح ولم تكتفي بهذا بل أخرجت لِفافة تبغ جديدة بعصبية و أشعلتها بِأنامل مُرتجفة وظلت تدور وتدور وتدور حتى مرت نصف ساعة تقريباً وهو يجلس على الفِراش يُراقبها بِبرود حتى أطفأتها بِعصبية وهي تدعسها بِـ سبابتِها بِعُنفٍ أكبر ثم صرخت به بِحِدة وهي تُحذره بِـ سبابتِها: بقولك إيه يا قُصيّ رشدان! أنا مش هيه إنت فاهم؟ وعُمري ماهكون أصلاً متحاولش تخليني هيه عشان مش هسمحلك وطلبك مرفوض روح لِـ حد غيري!

وقف عن الفِراش وهو يزفر ثم دار حولها ببطء كـ أحد المُحققين وهو يعقد يديه أمام صدره قاطباً حاجبيه يُفكِر ثم قال بكل بساطة وبرود دون أن يعبأ إن كان سوف يجرحها بِكلماتهِ أم لا: طيب ما إنتِ عُمرك ما هتكوني زيها ولا ضُفرها حتى مفيش داعي للكلام ده بقي!

هزت رأسها بِعصبية وقالت له بابتسامة باردة شبيه لِخاصته: كويس إنك عارف وأنا منفعش! روح دور عليها وشوفها فين يمكن متطلعش الشريفة اللي إنت عارفها وهربت مع واحـ، صرخت بِألم عندما صفعها بظهر يديهِ بِقُوة مع قوله بتحذير وخشونة: دي أخر مرة تتكلمي عنها و تجيبي سيرتها علي لسانك فاهمه ولا لأ؟ دي أنضف من ميت واحده زيك؟

قهقهت بِهستيريا وهي تنظر له ثم دفعته من صدره بِقوة فاجأته مع صُراخِها بِحِدة: إنت بتضربني عشانها؟! أخرج برا أخرج براااااا..
نظر لها بدون تعبير ولم يتزعزع ولا تحرك من مكانهِ خُطوة واحدة بل قال لها بِسُخرية: دي شقتي!

هزت رأسها وهي تتنفس بِعُنف ثم دارت في الغرفة وقفزت أمام الخزانة عِدة مرات حتى أنزلت حقيبتها من فوق الخِزانه وفتحتها مع صفعِها إلى ضلفة الخزانة بِقُوة ثم لملمت ملابسها بِعصبية بينما هو لم يكن هُنا بل كان يتفرس جسدها البيّن أمامه ببذخ بِنظراتٍ داكنة لا تظهر سوى لها وعندما يراها فقط والآن كل ذرة بِجسدهِ تُريدها فلا يستطيع الإستغناء عنها مهما حدث فهو يعود لها كُل مرة وكأنها زوجته لقد أدمنها!.

استفاق من شرودهُ على تلك الرياح التي هبت من النافذة ضربت وجهه جعلت من خُصلاتِها الفحمية الغزيرة تتطاير خدرت جميع حواسه عندما وصل له رائحتها الطيبة أثناء مرورها من جانبه بِسرعة وغضب..
جذبها من معصمها بِقوة أعادها أمامه من جديد وهتف بضيق: خليكِ رايحة فين؟ بطلي شغل الاطفال ده!، ثم حاوط خصرها بِقوة جعلها تصطدم بِصدره وهتف بِعبث وهو يداعب خصرِها بِنعومة: مش التفاهه دي اللي هتخسرنا بعض!

نزعت يدهُ من حول خصرها بِعُنف وهي تنظر له بِبُغض ثم قالت بِكُره: الكلام ده كان زمان ورأيي هيفضل زي ماهو صدقني مش هتطلع الشريفة العفيفة اللي إنـ، وصرخت بألم عندما قبض على شعرها بِعنف وهز رأسها بين قبضته بِقوة مع سماع صوت صرخاتِها المُتألمة التي ازدادت بشكل ملحوظ مُمتزجة بِصوت صُراخه بِقُوة وحِدة أمام وجهها بِعنف: أنا مش قولتلك متتكلميش عنها تاني؟ مش بتسمعي الكلام ليه؟ ولا لـ، بصقت على وجهه بِتقزز جعلته يغلق عينيه بِنفاذِ صبرٍ وهو يصك أسنانه بغضب..

فتح عينيه التي أصبحت لهيباً مُشتعلاً وقبضته على شعرها تزداد قُوة كادت تقتلعه من منابتهُ لـ تقول له باستحقار بِنبرة خرجت مُرتجفة على وشك البُكاء: ماهو الشخص الزبالة كده مش بيختار غير المُحترمين عشان فاكر إن كُل الناس زبالة زيه..
قرب رأسها من وجهه أكثر وقبضته ما زالت تعتقل شعرها بقوة جعل عيناها تدمع من الألم بينما عيناه كانت مُعلقة على شفتيها بِجوع لـ يهتف باشمئزاز.

و إحتقار حطمها: لأ، الزبالة بتختار النظافة عشان زهقت من الزبالة اللي معاها يا زبالة فهمتي؟!، وهجم على شفتيها فجأة يُقبلها بِقوة ونهم مُعتقلاً خصرها بين قبضتيه الفولاذية عوضاً عن شعرها دون سابق إنذار فـ حركت رأسها بِِقوة وهستيريا وهي تدفع صدره لكن بلا فائدة!

فـ هوت بيدها على وجنته صفعته بقوة مع تساقط عِبراتها بألم جعلت وجهه يلتف للجهة الأخرى وهي تقول بِتقزز: إبعد عني يا قذر، ضحك بِبحة رجولية وبصوت رنان مُرتفع ساخر وهو يهز رأسه ثم لعق شفتيه بتسلية ودحجها باستحقار بالمعنى الحرفي للكلمة من أعلاها لأخمص قدميها وقال بِخشونة وإزدراء وكأنها لا تسوى فِلساً: اهي دي بقي الرخيصة لما تحاول تعمل لِـ نفسها سعر لكن علي مين؟ يا بت ده أنا قُصيّ رشدان فوقي!

أدمعت عينيها وقالت بنبرة مرتجفة وهي تنظر له: أنا عارفة إنت مين كويس مش محتاج كل العصبية دي عشان تقول إنك قُصيّ رشدان!
زفر وهو يحدق في السقف بنفاذ صبر ثم قال لها بتهكم: على الأقل أعملي حاجة حلوة في حياتك!
انفجرت ضاحكة وهي تهز رأسها بتفهم رغم بكائها من ثوانٍ فقط ثم سألته باستفهام: والمقابل؟
قلب عينيه وقال بعدم إهتمام: اللي إنتِ عايزاه!

فقالت وهي تعقد يديها أمام صدرها: إفرض معندكش الحاجه اللي أنا عايزاها ومعرفتش تجبهالي هعمل إيه؟!
رفع حاجبيه وهو ينظر لها باستنكار! أهُناك ما يعجز عن جلبه حتى؟ سألها باستفهام: وإنتِ محتاجه ايه هيبقي صعب للدرجادى؟!
ابتسمت بألم ونظرت له بفيروزتيها التي ينبعث منها الحُزن داخل قهوتية مباشرةً وأردفت وهي تضع يدها على قلبة النابض: ده أصعب مما تتخيل يا قُصيّ..

أومأ بهدوء وحقاً أراد أن يعلم ما هذا الشيء كثير الصعوبة الذي يصعب عليه لكن لتفعل هذا من أجله أولاً..
أردف بنبرة هادئة مخالفة إلى ثورانة قبل قليل: أنا موافق علي أي حاجه بس اعمليلي الخدمه دي..
أومأت موافقة وأردفت بهدوء: عاوز ايه بالظبط بقى؟
تحمحم مُنظفاً حلقة ثم قص عليها بهدوء ما سوف تفعل وهو يناولها الحقيبة ومع انتهائه مباشرةً وجد الحجاب الذي كان بالحقيبه ملتصق بوجهه بسبب إلقائها له عليه..

زفر وأنزله عن وجهه وتحدث بضيق: في ايه تاني؟!
صرخت بوجهه بحدة: في إنك عاوزني أبقي واحده ثانيه عاوزني أبقي زي جـنّـة بتاعتك لكن أنا مش جـنّـة ومش هبقي فاهم مش هبقي هي!
هب واقفاً وصرخ بها بعصبية مُفرطة: وأنا مقولتلكيش تبقى جـنّـة بقولك مَثِلي إنك جـنّـة عشان فى واحدة هتموت لو مشفتهاش إيه كمان مش عاوزه تعملي حاجه عِدله في حياتك؟!، أعادها مجدداً لِثانِ مره يقول هذا و يثبت ويؤكد لها بشاعة ما تفعل..

ضحكت بسخريه وهي تمرر يدها بشعرها بعصبية وتحدثت بأنفاس مرتجفة من الانفعال: طالما انا مش بعمل حاجه كويسه في حياتي إيه اللي هيخليني أعمل دلوقتي مفيش فرق؟!
أبتسم وأمسك يدها وهتف بهدوء: لا في فرق إنتِ بتعملي كده عشاني..
هزت رأسها وهي تحملق به ثم هتفت باستفهام: إنت مين إنت معلش؟!

زفر ومرر يدهُ على وجهه بضيق وهتف بضجر: برده هنرجع للموضوع ده تاني؟! أنا مش بعمل كده عشان بحبها أنا بعمل كده عشان مامتها تعبانه من غيرها ووعدتها اني أرجعهالها ولازم تيجي معايا دلوقتي أنا بطلب منك مش بأمرك!
أومأت له وهي تبتسم ثم أردفت بحزم: والطلب مرفوض برده وانا مش موافقة مش هبقي زيها فاهمني..
هدر بغيظ بنبرة خشنة بسبب حديثها المُتكرر: قولتلك مرة إنك عمرك ما هتبقي زيها أصلاً؟ متحلميش!.

أطبق جفنيه بضيق عندما تساقطت عبراتها وهي تنظر له بانكسار مُعبرة عن تحطم قلبها لأشلاء..

ضحكت بهستيريا ثم قالت وعبراتها مُستمرة في التساقط: عندك حق إنت بتتكلم صح، إقتربت منه وتوقفت أمامه مباشرةً وتابعت بابتسامة مُنكسرة وجسدها يهتز من البكاء: قولهالي في وشي يا قُصيّ! قولي إنك إنسانه رخيصة وسافله ومنحطه، قولي إن محدش هيبص في وشي لما يعرف حقيقتي قولي إن مستقبلي إتدمر ومفيش حاجه كويسه هتحصل في حياتي قول ساكت ليه؟! بدل ما كُل شويه تفاجأني بِكلمه جديده قولي كُله فوشي عشان ترتاح وتعرفني أنا إيه عندك وتريحني انا كمان إتكلم قول؟!

رفع يده بأسف كي يمسك يديها لكنها عادت خطوتين إلى الوراء ورفعت يدها أمامه بحزم مُحذرة أن يقترب منها أكثر فظل واقفاً مكانه وهتف معتذراً: أنا أسف مكنتش أقصد..

هتفت بتهكم وكم تمنت أن تصفعه من القهر الذي تشعر به: بجد! كُل مره متقصدش مش كده؟! أنا إنسانه وبحس وعندي شعور على فكرة لو متعرفش!، ثم أشرت إلي قلبها وتابعت بحرقة: هنا في حاجه إسمها قلب وبيتجرح وبيتحطم لو مكنتش تعرف يعني بس مش مهم اهم حاجه جـنّـة هانم محدش يدوسلها على طرف ومش مهم أي حد تاني مش كده وياريتك تعرف هي فين لأ متعرفش، أنا بكرهك يا قُصيّ بكرهك..

رد ببرود ولا مُبالاه كأنه لم يسمع سوى آخر كلمتين فقط: محدش قالك حبيني على فكرة؟ وإنتِ اللى مُصممه تدخلي جـنّـة معانا كل كلمة وبتعملى مشاكل..
نظرت له بكُره من أعماقها ذلك البارد اللامبالي! تحركت من أمامة لكنه أمسك ذراعها أوقفها فأعادت قولها بكُره مضاعف وهي تنزع يدها من بين يديه: أنا بكرهك..

حرك أهدابه متعجباً ثم أعاد ببرود أعصاب يُحسد عليها: الله! أنا مش قولتلك محدش قالك حبيني! أكرهيني عادي معنديش أي مشكلة؟

صرخت به بانفعال وفقدان صواب: ايه البجاحه إللي إنت فيها دي؟ إنت عارف أنا هنا إيه؟ أنا هنا واحده رخيصه أهلها ميعرفوش هي فين وإنت مع عشيقتك إللي هتفضل مخبيها دايماً عن عيون الناس ده لو بتعتبرني كمان عشيقتك! فا متجيش وتتكلم معايا بالبجاحه وكأني مراتك عشان بشفق علي نفسي أوي فاهم فوق وروح دور عليها بدل تضييع وقتك هنا مع واحده زيي..

تحدث ببرود وكأنه لم يسمعها فهي لا تأتي بالهدوء ولا المسايسة!: خلاص خلصتي البسي عشان تيجي معايا..

صرخت به وهي تضرب قدمها بالأرض: يا بارد إنت أنا مش جايه معاك مش رايحه أخرج بره مش عاوزه أشــ، صمتت عندما اقترب وهجم على شفتيها التهمها بين شفتيه فى قبلة حارة أرادها منذ أن رآها تتحدث بتلك الشفتين المغريتين دون توقف، يطوق خصرها بقوة غلف عليها النعومة عندما داعبها برقة تخضعها له دائماً، حاولت التملص ودفعه بقوة لكنها لم تستطع فاستسلمت إلى تلك القبلة التي اضعفتها أكثر، مدّ يده وأبعد حمالة كتفها ومال يقبلة بنهم وحرارة ويده الأخرى تحركت كي تُجردها من ملابسها..

تنبهت حواسها ودفعته عنها بقوة وهي تلهث وقلبها يضرب قفصها الصدري بعنف، نظرت له بعيون زائغة وهي تلملم شتات نفسها عندما رأت دكون عينيه ونظرته تجاه مفاتنها بجوع، إنه يريدها الآن وفقد تحكمه بنفسه، تقدم منها لتعود إلى الوراء بدورها في توجس منه، سحبها من خصرها بقوة جعلها تصطدم بصدره بعنف ألمها وقبل أن تتحدث عاد يقبلها من جديد وهو يقيدها بيديه الاثنتين عائداً بها إلى الفراش لكنها ظلت تعافر وتتلوى بين يديه حتى فقدت الأمل في إبتعادة فأعادت صفعة من جديد بقوة أكبر جعلته يتوقف مشدوهاً بسبب فعلتها تلك! من جديد؟ لقد ذهبت هيبته وكرامته حد الجحيم اليوم..

رفع نظره لها بتهجم وغضب أخافها لكنها تشجعت وصرخت به بحدة وهي ترفع حاجبيها مع سبابتها بتحذير: دي أخر مرة تقربلي فيها تاني فاهم ولا لأ..
إبتسم بدون تعبير وهو يمرر راحة يده على وجنته مكان صفعتها بتفكير وهتف بكل بهدوء: ماشي ومتجيش و هدور عليها وهجبها وهنتجوز وخليكِ إنتِ قاعده هنا..

استدار كي يغادر بوجوم وغادر بالفعل لكنه توقف أمام باب الغرفة واعتلت شفتيه ابتسامة خبيثة عندما سمع حديثها من خلف كتفه بنبرة مرتجفة: هاجي معاك إستني..
استدار لها ثم ناولها الحقيبة بهدوء وهو ينظر لها بتركيز دون التحدث، أخذتها من بين يديه هي تبتسم ابتسامة تعجب لها، هذا ليس وقتها ولا محلها، إلى ماذا تُخطط تلك؟.

دلفت إلى دورة المياه وهي مازالت تبتسم أمام ناظريه كي ترتدي تلك الملابس لـ تختفي إبتسامتها تزامناً مع إغلاق الباب خلفها لـ تنهار ساقطة على الأرضية الباردة وظلت تبكِ بصوتٍ مكتوم، تسند ظهرها إلى الباب وهي تضع يدها على قلبها المنشطر بألم وأسى على نفسها روحها المُحترقة بسببه، هي مُتعبة ولا تستطيع التحمل أكثر، الألم يتضاعف في تزايد دائماً بقدر لا تستطيع تحمله..

ظلت تبكِ فوق النصف ساعة في الداخل وحدها، يكفي لن تكمل حياتها على هذا المنوال فهذه ستكون المرة الأخيرة التي ستراهُ بها ستفعل هذا من أجله فقط للمرة الأخيرة كـ شُكراً له قبل أن تذهب نهائياً..

لكن شكراً على ماذا؟ على تزوجه منها؟ أم منحها قلبه وحُبه؟ أم على المدح الذي تسمعه عن شخصيتها الرائعة كثيراً في الآونه الأخيرة! أي شكر هذا الذي سوف تمنحه إياه؟ رُبما يكون شكراً لـ تدنيسها، جعلها خائنه، شكراً لصُنعهِ عاهرة خاصة به كي أكون أدق..

خرجت عليه بعد بعض الوقت ترتدي ثوبها الواسع الثقيل المتماشى مع أنحاء جسدها تماماً، إبتسم بعبث وهو يتفحصها بنظراته الداكنة مادحاً نفسه ونظرته الدقيقة، فهو علم ما إن وقعت عينيه عليه في المتجر أنه سوف يليق بها ويتماشى مع ذلك الجسد المنحوت..

توقفت أمام المرآة كي ترتدي الحجاب متحاشية النظر له لـ يهتف وهو يبتسم بمشاكسة كي تفك تقطيبه حاجبيها المُنمقين ببراعة: بقيتي جـنّـة، نظرت له عبر المرأه بدون تعبير ثم هتفت بإقتضاب: متقوليش يا جـنّـة، ثم صمتت قليلاً وتابعت بنفس الاقتضاب: ممكن تقولي يا عشق..
قطب حاجبيه ثم عقد يديه أمام صدره وإستهزء بها: علي أساس إن ده إسمك الحقيقي يعني؟ بس تمام يمشي أهي بدأت تندع!.

هزت رأسها بسخرية وهي تنظر له عبر المرآة فهو لايُصدق حرفاً مما تتحدث به!، هذا جيد رُبما إن أخبرته بعض الحقائق عنها لن يُصدق وهذا سيريحها كثيراً لكن هي لن تبقى أيضاً حتى هذا الوقت فقط فلتظل صامته حتى تذهب في سلام..
إنتهت بهدوء ثم إستدارت ونظرت له، فتحدث وهو يأشر على وجنتيها: جـنّـة مش بتحط حاجة في وشها؟

قطبت حاجبيها ثم نظرت خلفها في المرآة فوجدت أنفها ووجنتيها حمراوتين بسبب البكاء وهذا الأحمق يظن أنها تضع شيء هي لا تعلم هل هو غبي حقاً أم يتصنع الغباء لا تعلم..
أردفت بهدوء وهي ترتدي حذائها: أنا مش حطه حاجه ممكن من البرد بس ثم تابعت بسخرية: ويمكن عشان ضربتني بالقلم من شويه مثلاً..

تحدث بلا مُبالاه لكن عينية الداكنة كانت تقول شيءً آخر كـ تحذير كي لا تتمادى في هذا أكثر: ضربتيني وبزيادة كمان خلصانين نبدأ من جديد؟ ومدّ يده لها كي تصافحه، نظرت له بدون تعبير ثم خرجت قبله من الغرفة، أعاد يده مكانها ومررها على صدره بخفة وهو يتحمحم ثم ذهب خلفها منطلق صوب منزل جـنّـة..

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة