قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية حب خاطئ للكاتبة هاجر الحبشي الفصل الثاني والعشرون

رواية حب خاطئ للكاتبة هاجر الحبشي الفصل الثاني والعشرون

رواية حب خاطئ للكاتبة هاجر الحبشي الفصل الثاني والعشرون

- هل تذكرين ياصديقتي تلك المرة التي حذرتك بها من صنف الرجال أجمع؟، لقد كُنت حريصة على تذكيرك بهذا طوال الوقت لكنني نسيت أن أذكر نفسي بهذا فوقعت في الخطأ الذي لطالما كنت أخشاه -.

النهايات، نهاية الحكاية أو القصة نقُصها على الأطفال قبل النوم كُل يوم، نقُصها بثقة وابتسامة عذبة والسرور يغذو قلوبنا لأننا نعرف أنها سعيدة وأن الطفل سيذهب في ثباته العميق بفرحة عارمة و ابتسامة ملائكية تزين ثغرة ويطوف بعيدا ويحلم أحلامًا وردية رُبما يكون هو بطلها لكن هذا النمط يكون في الحكايات فقط لا يُطبق في حياته التعيسة، هو لا يتخيل قط أنهُ قد لا يلتفت إليها..

أخذت قدميه في الاهتزاز بقوة وهو يعتصر قبضتيه النابضة بالألم بعدم اهتمام جراء النيران التي أضرمت داخل جنبات صدره الثائر، رأسه يتصاعد منها الأبخرة، و صدره يعلو ويهبط بعنف ومقلتيه الداكنة ترصد تحركاتها كـ أسد شرس نفذ صبره على فريسته وجوعه أصبح يفتك به سيمزقها ويزهق روحها بضراوة في أي وقت تسنح لهُ الفرصة..

تخبره أنهُ متبجح وهو لم يرى تبجح مثل تبجحها قط، هل تراه طفلًا كي تأتي بوالده كي تجبره على الزواج من أبنتها التي تعرف أنهُ لا يُحبها؟ أي منطق هذا الذي تستخدمه؟ وأين والدها هي الأخرى ألم تقل سابقا أنها ستأتي به؟ فلتأتي به هو أيضًا كي يتم جمع شملهم معًا، لمَ تمنعت مثل الفرخ لمَ..

عيناها، تلك العينان الساحرة تتحاشاه بجزع لا تقدر على مواجهته، تجلس على طرف الفراش تمسك بيد نادين التي غفيت لكنها تقنع نفسها أنها مستيقظة، لا تُريد الوقوف أو الابتعاد ومواجهته لا تستطيع خائفة من رد فعله الأهوج الذي لا تعرف كنهه..
والدة، ها، ابتسم بسخرية وهو يتذكر قوله بخشونة أنه سيذهب يرتشف قهوة في الأسفل..

انتفخت أنفه وأوصد جفنيه بقوة ساحقًا شفتيه سحقًا قبل أن يندفع إليها، لقد حاول بشتي الطرق تجاهل هذا لكنهُ لم يستطع تلك المرة ليست مزحة..
لاتعرف كم الجهد الذي بذله كي تخرج نبرته بهذا الثبات والهدوء: ممكن نتكلم؟
خفق قلبها بقوة وازدردت ريقها بحلق جاف وهمست دون النظر إليه: نادين نايمة دلوقتي بعدين..

قال بهدوء وهو يبتسم بعصبية: زي ما تحبي، وعقب قوله بسحبها من مؤخرة رأسها بحدّة جعلها تشهق شهقه كتمها بكفه، حاصرها بينه وبين الحائط وهمس بغلظة وهو يرفع كفه عن شفتيها الناعمة: جبتي رقمه منين؟
همست بنبرة مرتعشة وهي تسبل جفنيها: الرقم الأرضي معايا..
لاحت ابتسامة ساخرة على محياه وقبض على ذقنها بقوة كي تنظر إليه وبتهكمٍ قال: لو اتصلتي بالارضي مش هتعرفي توصليله! مين إداكِ الرقم؟

اخفضت بصرها ولم ترد عليه لتزداد قبضته عنفًا جعلها تتأة وتهمس وهي تمسك ساعدة بألم كي يبتعد: قُصيّ ادهوني..
همس لنفسه بتعجب: قُصيّ؟، أومأت بخفة ظنًا أنهُ يسألها وحركت شفتيها للتحدث لكن الهواء ضرب وجهها فجأة عِندما أبتعد بسرعة كأنهُ لم يكن هُنا قط، لتهمس لنفسها بـ همٍ وهي تجلس على الأريكة: هيخسروا بعض بسببي هيخسروا بعض..

أغلق قُصيّ الهاتف بضجر لكن نبرة الطبيب المحذرة أوقفته: قُصيّ بكرة الاقيك عندي فاهم؟
تمتم بضيق وهو ينتصب واقفًا: فاهم، فاهم مع السلامة، وصعد إلى السيارة وأدار المقود وغادر..
ترجلت ريمة من سيارة الأجرة أمام المنزل وقلبها يتقافز داخلها ذعرًا وخوف، قُصيّ بالتأكيد سيكون نائمًا، نائمًا..

ضغطت على الجرس وهي تدعو داخلها أن لا يفتح هو لقد تأخرت كثيرًا تعلم هذا، تأففت بنفاذِ صبر وطرقت الباب بعنف عِندما لم يرد أحدًا، تلفتت حولها لتشهق بتفاجئ وهي تبصر جـنّـة تقبل عليها تحمل غرام! هل كانت في الخارج هي الأخرى..
سألتها بتعجب وهي تمسح على شعر غرام الغافية على كتفها بحنان: أنتِ كنتي بره؟

أومأت بخفة وهي تبعد كتفها التي تريح غرام رأسها عليه عن وقع يد ريمة وقد لاحظت هذا لكنها تجاهلته رُبما فقط ثقيلة عليها..
حاولت فتح حقيبتها بيدها المتحرره لكنها فشلت، اقترحت ريمة بهدوء وهي تراقبها بثقب: هاتي غرام وطلعي المفتاح براحتك
نفت بهز رأسها وهمست بخفوت: لا عادي هعرف أطلعه..
انتفخت أوداجها بغضب وراقبتها وهي تحاول بجهد فهمست بعصبية: هاتيها و طلعي المفتاح!

لتقترح جـنّـة بابتسامة: ما تطلعي أنتِ المفتاح؟
ضربت ريمة كتفها الآخر بغضب وهتفت متهكمة: أنتِ بتستهبلي يا جـنّـة؟ بتبعديها عني ومش عايزانى اشيلها؟.
هزت رأسها بنفي وهي تبتسم ببهوت ويدها ترتفع تربت على ظهر غرام، لتسطرد ريمة بنبرة محتقرة نافرة منها: فوقي يا ماما أنا اللي مربياها و لو خيرتها بينا هتختارني انا! حصلتك حاجة في عقلك صورتلك أنك في وضع تقدري تتكلمي وتتشرطي وتقولي لأ دي بنتي محدش ياخدها مني؟

ردت بتعجب وبرودة أعصاب: ايه يا ريمة الكلام ده؟
صرخت بها بجنون بوجه مكفهر وهي تمسك حاشية قميصها: أنا بحذرك يا جـنّـة أنك تكرري اللي حصل ده تاني فاهمة؟
ـ ايه اللي بيحصل؟، كان هذا صوت قُصيّ المستنكر وقوف كلتاهما أمام المنزل في هذه الساعة، نفضت ريمة يدها عنها وابتعدت وهي ترشقها بنظراتٍ أحرقتها حية..
تقدم وفتح باب المنزل وهو يسأل ريمة بحدّة: أنتِ لسه جاية دلوقتي؟

أبعدت شعرها خلف أذنها بارتبارك وتلعثمت وهي تقول: أنـ، أنـ، قاطعها بحزم وهو يدفع الباب: خدي غرام واطلعي حسابنا بعدين..
أومأت بطاعة ثم حملت غرام! لا بل نزعتها نزعًا من بين يديها ونظرتها المستحقرة تجاهها لم تضمحل بعد..
دلفت تحت أنظار جـنّـة المستضعفة التي أمسكت ذراع قُصيّ لينفضها عنهُ بحدّة شديدة وهو ينظر إليها بدون تعبير متمتمًا باستفهام: كنتي فين ومقولتيش ليه أنك خارجة؟

همست وهي تعيد مسك ذراعة بنعومة: اتصلت بيك كتير ومردتش عليا، و انا وعدت غرام امبارح اني هفسحها عشان عيد ميلادها وكان لازم أخرجها..
هتف متهكمًا وهو يرفع كلا حاجبيه: وخرجتيها فين؟ ودتيها لأبوكِ طبعا؟
هزّت رأسها تؤكد على حديثة قائلة بهدوء: ايوا روحت لبابا عشان يشوفها هي مش حفيدته؟ وبعدين فسحتها وجينا بس..
أومأ بتفهم وهو يضم قبضته بانفعال ثم دفعها إلى الداخل وكاد يدخل خلفها لكن هتاف باسمه أوقفه..

أغلق الباب خلفها واستدار يحدق بتمعن في الشخص القادم لـ يتمتم بتعجب: عمّار؟
كور قبضته والشر يقدح من عينيه وتأهب كي يكيل لهُ اللكمات لكنهُ انحني متفاديًا اللكمة وانسل من جانبه مبتعدًا بتعجب..
صاح بعدم فهم وهو يعقد حاجبيه: ايه يا مجنون أنت في ايه؟
زمجر وهو يستدير وهرول خلفه بتهجم وهو يغمغم بغضب: مين قالك تدي رقم ابويا لـ ليلي؟

ضيق عينيه وابتسامة ماكرة اعتلت ثغرة ثم هز كتفيه وهتف مستغبيا إياه: ليلي اللي قالتلي هيكون مين يعني؟
ظل يعود بظهره إلى الخلف متوجسًا منهُ حتى التصق ظهرة بالسيارة فسأله بجزع: ايه في ايه حصل حاجة؟
توقف عمّار بجانبه زافرًا بعصبية يكبح غضبه المدمر ثم ضرب مقدمة السيارة بقوة غير مكترث بألم كفه المضمد مدويًا صوتًا مزعجًا وهو يصرخ به: يعني تقولك هات الرقم تدهولها أنت غبي يا قُصيّ؟!.

تحمحم قُصيّ وهو يقف باستقامة ثم همس وهو يحك طرف ذقنه: هو انا مدتهاش الرقم بس يا عمّار..
رفع رأسهُ ونظر إليه بوجه مكفهر وبنبرة خطيرة مع ارتفاع حاجبه سأل: عملت ايه تاني؟
أجلي حنجرته وردّ بابتسامة بلهاء: حكتلها كُل حاجة عنك يا عمّار..
كتف يديه أمام صدره وسأل مستفسرًا بأعصاب مشدوده: كُل حاجة ازاي يعني؟

ضحك قُصيّ ووكز معدته وهتف ممازحًا: كُل حاجة كُل حاجة يا عمّار يعني مثلا آسر أنك دكتور عرفنا بعض إزاي وكده يعني..

حدق في الفراغ هنيهة وهو يستوعب قوله، هل لهذا تغيرت طريقة تعاملها معهُ! هو لا يُريدها أن تحبه بتلك الطريقة! يُريد أن تحبه وتقبله بكل حالاته السيئة قبل الجيدة لأنها إن أحبته وهو بهذا السوء ستذوب عشقًا به عِندما تعرف حقيقته، اللعين قُصيّ يُريد لكمة حتى الموت حتى يشفي غليله لكنهُ لسببٍ ما امتنع لا يُريد ضربه..
أمسكه من تلابيبه بقوة ليهتف قُصيّ مترجيًا: سيبني بدل ما اعيط يا عمّار..

هزه عمّار بين يديه بغضبٍ جامح وهدر مستنكرًا: قُصيّ أنت بتهزر؟ بتقولها ليه؟ انا معنديش لسان أتكلم بيه؟!
هزَّ رأسهُ وأردف بصدق مراقبًا الخذلان الذي يتلألأ في خضرواية: صدقني عشان أساعدك على الأقل واحد فينا يحقق اللي بيتمناه كفاية خيبه بقي..
ضحك عمّار بصخب وهو يحرره ثم أردف ساخرًاوهو يخلل أنامله داخل خصلات شعره: بتساعدني؟ كويس والله ده أنت سعدتني اوي جهز نفسك بقي عشان تحضر كتب كتابي على نادين..

قطب جبينه وهتف مصححًا وهو يضيق عينيه: قصدق ليلى!
هدر بسأم وهو يبتعد: لأ مش ليلى وشكرًا جدًا..
أمسك قُصيّ ذراعه كي يقف وأردف مستفهمًا: طب ايه طيب فهمني؟ ودراعك ماله..
غمغم وهو ينزع ذراعة منهُ وذهب بضيق: ملكش دعوه..
ـ طب البس كرفته ولا بابيون؟ عمّار، عمّار، انا نيلتها ولا ايه؟، هتف بضيق وهو يمسح وجهه عائدا داخل المنزل بإحباط..

طرق باب غرفة ريمة بخفة، أذنت بالدخول وهي تعدل جلستها فوق السرير، ابتسم بحنان وهو يتقدم منها لتفتح يديها على مصراعيها تستقبله في أحضانها بحفاوة..
قبَّل رأسها بحنان وهو يشدد قبضته حولها برقة هامسًا بدفء: عامله ايه؟
فصلت العناق وهي تمسد ذراعيه بحنان مع همستها برقة: الحمد الله يا حبيبي هديت..

ضرب جبهتها براحة يده موبخًا لها: أه هديت ومش ناسي و هعلقك ايه اللي جابك من غير ماتقولي؟ ورجعتي متأخر ليه في بنت محترمة ترجع البيت دلوقتي؟!

ضحكت ببلاهه وهي تدلك عنقها متمتمة بتقويسه شفتيها وهي تتحاشى النظر لعيناه: وعدت غرام اني اوريها مامتها في عيد ميلادها عشان كده جيت، و اتأخرت لأن القاعدة خدتني مع اصحابي بس، أنهت قولها بـ هز كتفيها لـ يصفعها بخفة مهددًا بخنقها وهو يقبض على رقبتها مبتسمًا باصفرار: و أخر مره تبقي شوفي مين هيخرجك بعد كده..

نفخت وجنتيها بضيق ثم قالت بخبث وهي تشدة من أذنه: أنا ممكن انكد عليك دلوقتي واقولك هتعمل ايه مع جـنّـة وتبقي ليله كبيرة سعادتك..
دفعها من كتفها بسخط وهو يتحرك مغمغمًا: اتخري خديني جنبك..
اتسعت ابتسامتها وهي تتحرك جانبًا تاركة له المجال كي يسند بجذعة على ظهر الفراش لتدس نفسها داخل أحضانه و تحوط خصره كما كانت تفعل وهي صغيرة عِندما تحزن..

مسح على شعرها بحنان وهتف بهدوء: انا شوفت اللى حصل تحت ولو عايزة غرام انـ، اوقفه صوت ضحكتها الصاخبة ورأسها التي تهتز فوق صدره ليسألها بحنق: بتضحكي على ايه؟

رفعت جذعها وارتكزت على راحة يدها وهي تنظر إليه قائلة بعقلانية: متشغلش بالك بالموضوع ده يا قُصيّ أنا بعرف أتصرف مع جـنّـة كويس وخليك عارف ومتأكد اني مش عايزة غير سعادة غرام وسعادتها لما تفضل مع جـنّـة، اصل طالما هتضايق لما تبقي مع جـنّـة مكنتش جيت من الاول بقى! انا بس الموقف ضايقني مش أكتر ومتخافش بعرف اكيفها لما اتضايق..
قهقهة وقام بتوصيتها بحماس: انفخيها يا روحي ولا يهمك..

ابتسمت بنعومة ثم همست بعبوس: و هتعمل ايه يا قُصيّ غرام مش لازم تحس بحاجة ونظراتك لوحدها مش لطيفة..
تنهد من الأعماق وهتف بـ غم: أنا مش طايقها يا ريمة ومش هعرف اكمل معاها كده مش قادر انسي اللي حصل..
سألته وهي تمسد جبهتها: وايه اللي حصل
نظر إليها بدون تعبير وقال بتهكم: اللي كان بيحصل بينها وبين جاسم..
سألته بتهكم مماثل وهي تبتسم بسخرية: وأنت وعشق عادي؟

احتج معترضًا يدافع عن نفسه بقوة: هي اللي وصلتني لكده وأنتِ عارفة والظروف اتغيرت! انا مكنتش أقدر أقولها لأ عشان غرام تيجي وفي نفس الوقت كُنت بحبها ومكنتش اعرف ان كل ده هيحصل وحتى لو انا خاين تروح تقلدني يعني؟!

تنهدت ريمة بينما تقول بتعب: قُصيّ مش هنرجع لنفس النقطة من البداية انتوا الاثنين غلطانين وأنت بالأخص لأنك طاوعتها أصلك مش بريالة يا قُصيّ ومكُنتش هتموت من غيرها وهي كانت هترجع زي الكلبة أصلا! تقدر تقولي من ساعة الموضوع ده ضربتها كام قلم على وشها؟

نظر لها بعدم فهم لتستطرد بسخرية: أهو أنت لو كنت وفرت على نفسك كل ده وضربتها قلم واحد لما عرضت عليك حاجة زى كده مكنش كُل ده هيحصل وكانت يومين وهترجع لعقلها..

اعتلت شفتيه ابتسامة ساخرة وهتف بازدراء: لا يومين وكنت هاخدها المستشفى بسبب محاولتها تسقط نفسها، محدش يعرفها اكتر مني يا ريمة وهي مكنتش ملهوفه على الخِلفه ولا كانت بتفكر أصلا دي اول جوازنا هي اللي طلبت نأجل الخِلفه بحجة أننا نشبع من بعض ونعيش حياتنا ومكنش عندها مانع لو فضلنا طول العمر كده صدقيني مكنش هيفرق، انا بس اللي كنت غبي وبفكر أكون عيلة سعيدة زي اي واحد عادي..

أنهى حديثه بحزنٍ عميق وفؤاد محطم محبطًا منهزما مستسلمًا ومعترفًا بانتصار جـنّـة من الآن، فهي أخذت كل شيء أرادته، هو وغرام وتدمير عشق كُل ما رغبته يتحقق وهو محله لا يحرك ساكنا..
عانقته ريمة بأسي وطلبت بحزن وهي تحتضن وجهه بين يديها: طالما متضايق سيبها مش هتعيش معاها غصب عنك كفاية كده وشوف نفسك..
ضحك بسخرية وهو يحدق في السقف وتمتم باستخفاف: تقصدي اشوف نفسي في المراية صح؟

نظرت إليه بيأس وهتفت بحزم: قُصيّ ما أنت يا اما هتكمل معاها يا اما تسيبها مش هتعيشوا مع بعض كده مش هينفع..

أردف بصدق وقد عاد للمسح على شعرها: صدقيني لو عليا نفسي ابعتها المريخ مش اطلقها، بس لو سيبتها هترجع تعيش مع ابوها ولو رجعت آخر حاجة حلوة جواها هتدمر ومش هيبقي في جـنّـة خالص كفاية كمية السواد الحقد اللى زرعهم جواها من وهي صغيرة هيعمل فيها ايه اكتر من كده لو رجعت؟ خليها هنا احسن يمكن تفوق لنفسها لما تتعلق بغرام..
ناظرته بمكرٍ ثم غمزته بعبث: يعني مش عايز تحيي الذكريات يمكن ترجع زي الاول؟

هزَّ رأسه بنظرة ممتعضة كـ قوله: ذكريات ايه يا ريمة؟ قولتلك الظروف اتغيرت وقُصيّ القديم مش موجود خلاص وبعدين خليكِ عارفة انها بنت عمي وأم بنتي ومراتي يعني هتلف هتلف وترجع لأنها مالهاش غيرنا وابوها وانا مش بكرهها بردو عشان كده بطلي النظرات والهمسات والجو ده، جـنّـة هتفضل جزء من حياتي و هتشغل حيّز كبير من تفكيري دايمًا وده طبيعي لأنها تهمني بس افهمي أن قلبي مش ليها..

أومأت بتفهم وهي تربت على وجنته بنعومه مواسيه: حاضر مش هتكلم ولا هبص اهدي متزعلش نفسك..
صاح بعصبية: انا هادي اهو مالي؟
لم يكن منتبهًا لا على جسده المتصلب المشدود ولا جبهته المتعرقة ووجهة المكفهر ولا صدره الذي يعلو ويهبط وأنفاسه اللاهثة من فرط الانفعال..

فهو إلى الآن كُلما تذكر ماحدث في الفندق تلك الليلة يشعر بأن هُناك من يدمغ جلده بالجمر وهو مكبل اليدين، كمن يغرس خنجرًا مسمومًا داخل قلبه وتركه ينزف حتى الموت مثل الذي تركه في صدر عشق، كـ عاصفه هوجاء تقتلع الأشجار اقتلع هذا الحب وأوقفه عن التفاقم داخل ذلك القلب الذليل..

اندثرت أحلامه وتحطمت اماله وشعر بأن ما يواكبه ليس سوى كذبة كبيرة، فهو للحظة الأخيرة كان متمسكًا بها، كان يماطل قلبه ويفعل عكس مايمليه عليه ولا ينفك عن إهانة عشق وضربها، دائم التبلد والبرود معها رغم الحب الذي كان يشع من عينيها وكُله كان لأجل جـنّـة، أخطأ وانغمس في الخطأ لأجل حبه الذي تبخر في الهواء، لقد استسلم إلى حبه لعشق تلك الليلة عِندما عرف ما تفعل..

تلك الليلة في الحفل داخل الفندق عِندما كانت عشق محمومة وأخذها إلى غرفة في الأعلى كي ترتاح أتاه اتصال من جـنّـة تطلب رؤيته في دورة المياه..
ومن دون تردد لبي النداء وذهب إليها..
أخذ يتلفت حوله في الممر باحثًا عنها حتي شعر بمن يجزبه من يده إلى داخل دورة المياه الفارغة..
ضمها إلى صدره بلهفه وقبل رأسها بحنان لتدفعه عنها بعنف صائحة بغضب: أنت مقولتش ليه ان عشق عندها وحمة؟!

اختفت ابتسامته وحل محلها الخيبة بسبب عدم السعادة المتبادلة وتوقف قليلا يستوعب قولها الآخير لتسود عينيه الراكدة ويقبض على مرفقها بقوة سائلا بخطورة: وأنتِ عرفتي منين أنها عندها وحمة؟!
صاحت بعصبية وهي تنزع يدها من يده: جاسم سألني عليها هكون عرفت منين يعني؟
تقهقر إلى الخلف وهو ينظر إليها بصدمة، فما فائدة الحجاب الذي جعلها ترتديه؟ هي لم تجعلة يقترب منها بهذا القدر بالتأكيد جنته لن تفعل هذا به..

قبض على ذراعيها بقوة وسألها بغصةٍ مريرة وعينيه تتوسلها أن لا يكون صحيح ما يظنه: وهو شاف جسمك فين عشان يسألك عليها؟

اخفضت رأسها بارتباك متحاشية النظر إليه و همست بنبرة مهزوزة تخبره من خلالها بقلة حيلتها: قُصيّ، أنت عارف أن عشق مراته وعايشة معاه في نفس البيت ومعظم لبسها عريان و، و، صفعها على وجنتها بقسوة أسقطها أرضًا مع زمجرته بوحشية و انفعال واخذ يذرع دورة المياه وهو يشد شعره بقوة وصدره يعلو ويهبط بعنفٍ مؤلم، هي ماذا فعلت بنفسها؟ يقسم سيتركها ولن يكمل حياته معها إن كان مايظنه صحيحًا..

رفعت رأسها ونظرت إليه بخذلان هامسة بنبرة مرتجفة: أنت بتضربني؟
قبض على حجابها وأوقفها معهُ بعنف مهسهسًا بجنون ويديه تلطم وجهها والجحيم متجسد في عينيه: انا هكسر عضمك، بتهببي ايه معاه بتهببي ايه؟

تساقطت عبراتها بغزارة ورفعت كفها أمام وجهها تحمتى به صارخةً بقوة وتبجح: بيبوسني لما يحب و بيحضني لما يحب انا عشق دلوقتي مش جـنّـ، ولم يشعر بنفسه سوي وهو يهوي على وجنتيها بوابلا من الصفعات القاسية تحت صرخاتها المتألمة هادرًا بنفور واشمئزاز والنيران تتأجج داخل صدره: أنتِ سافلة وحقيرة و انا الغلطان اني وثقت فيكِ وطاوعتك من الأول إنـ، قاطعته صارخة بانهيار وعينا جاحظة: لازم تفهم أنه هيكون في خساير لازم تخسر حاجة وتضحي بـ، توقفت الكلمات بحلقها وزاغت عينيها عِندما رأت موتها داخل عينيه المتوهجة بالشر قبل أن يقبض على عنقها يخنقها هادرًا بنبرة مميتة: وأنتِ قررتي تضحي بجسمك! انا بكرهك وبكره اليوم اللي شوفتك فيه يا رخيصة..

ونفضها من يده لـ تسقطت على ركبتيها أمامه وهي تخفض رأسها بانهزام تسعل بحدّة في حالة تأهب كي تُقبل قدمه إن تطلب الأمر فهي لن تخسرة ليس قُصيّ..
أزاحها من أمامه بقدمه بقوة كاد يسقطها على وجهها ثم بصق بقرف وتحرك لكنها أحتضنت ساقة بقوة وأسند وجهها فوقها وهي تقول بنحيب: لو مش عايزني استني شويه مش دلوقتي لما تنتهي كُل حاجة وعشق تموت لما كل حاجة تنتهي تبقى سيبني بالله عليك..

قبض على فكها بعنف وهدر بقرف واشمئزاز لا حدود لهُ: هو ده كل اللي همك؟ طب وانا انا ايه؟
شهقت بحرقة وهي تهز رأسها هامسة بصوت مبحوح: أنت كُل حاجة كُل حاجة والله بس غصب عني..

ضحك بسخرية والألم يكتسي ملامحه وهدر بنظرة خاوية: أنتِ طالق يا جـنّـة طالق طـ، أوقفته راحة يدها التي وضعتها على شفتيه تمنعه وهي تنوح وتبكِ متوسلةً لهُ بألم: عشان خاطر بنتنا يا قُصيّ بالله عليك متسبنيش أبوس رجلك متسبنيش انا هضيع من غيرك متسبنيش..

دفعها عنهُ باشمئزاز لـ تتسع عيناها وهزت رأسها بهيستيريا مراقبة ابتعاده عنها بفؤاد محطم عِندها فتح باب دورة المياه كي يذهب ليتفاجئ بتلك الشقراء تقف خلف الباب من الخارج فإذا بها شاهي..
ـ قُصيّ، قُصيّ، قُصيّ، قالت ريمة وهي تهز كتفه بخفة عندما طال صفونه..
همهم باهتمام وهو يرفع كلا حاجبيه متمتما باستفهام: كنتي بتقولي حاجة؟
هزت رأسها بنفي وهمست بحنان: شكلك تعبان ارتاح ونتكلم بعدين..

هز رأسه وهو يبتسم بعبث ثم أدارها ولملم خصلات شعرها وهتف باستمتاع: هعملك ضفيرة الأول..
تذمرت وهي تشعر بخصلاتها تتداخل معًا بفضل أنامله المستمتعة بما يفعل فهدأت تفكر بتريث ثم طلبت برقة: قصي يا حبيبي ممكن أطلب منك طلب؟
تمتم بابتسامة وسط انغماسه بما يفعل: عيوني..
فركت كفيها معًا بتوتر وبدأت الحديث لكنهُ لم يكن معها بتاتاً، بل انغمس في دوامة ذكرياته التي جعلته يبتسم لا إراديًا وهو يجدل شعرها الحريري..

أنهى تجديل شعر عشق الفحمى بفخر وهو يبتسم بروعة ثم وضعها فوق كتفها لتدلي إلى خصرها، أحاطها بحميمية وهو يسند ذقته فوق منكبها دافعًا بها إلى صدره العاري هامسًا بجانب أذنها وأنفاسه الحارة تداعب مسام جلدها تذيبها: عبرنا يا عم..
تبسمت بنعومة وهي تستدير كي تكون مقابلة ثم مررت أناملها على وجنته برقة هامسة وهي تداعب أنفها بأنفه: كُنت بعملك القهوة الله..

رفع حاجبه بإعجاب ثم مدَّ يده وتناول قدح القهوة وتذوقه لتتقلص ملامحه باستمتاع متمتمًا بعبث: دي مسكرة أوي يا عشق؟
قلبت عينيها وقالت وهي تلكز وجنته بسبابتها: دي سادة يا قُصيّ..
هتف متعجبًا وهو يداعب خصرها بنعومة: معقوله؟ اكيد حطيتي فيها صباعك صح؟
قالت بابتسامة مبتسرة وهي ترفع الملعقة الصغير بين يدها: لا ياحبيبي بالمعلقة عادي، قديمة اوي دي!

ألقي الملعقة بعيدًا ثم قبل باطن يدها بنعومة وهو ينظر إليها نظرة ولهة هامسًا بنبرة آسرة: ما أنتِ ماسكة المعلقة هي هي وبعدين أنتِ متعرفيش أنك مسكره أكتر من السُكر ولا ايه؟
لفَّت يديها حول رقبته بنعومة تبتسم بدلال ليستطرد بحرارة: الجو حر يا عشق ما تقلعي!
ابتعدت بجزع وحذرته بنظراتها الشرسة اللطيفة: متفكرش عندي جامعة هتأخر وعندنا عملي النهاردة.

قرص خصرها بعبث وهو يتقدم غامزًا لتعود بدورها إلى الخلف بتشتت حتى حاصرها ولم يعد هُناك مفرٍ منهُ فتذمرت باستياء: قُصيّ بجد لازم أمشي عندنا عملي
اعتلي ثغره ابتسامة جانبية عابثة وهمس وانامله تداعب نحرها بنعومة: طب بذمتك العملي بتاعنا مش احلى؟

رفعت كفه عن رقبتها وقبلتها برقة بالغة ليحرك أهدابه الكثيفة ويميل برأسهُ وابتسامة حانية تعتلي ثغرة فاقترب ولم يمنع نفسه عن تلثيم جبهتها بدفء مع همسة رقيقة بصوتٍ أجش كان أثرة ناعمًا في أذنها: أنتِ قلبي يا عشق..
ابتسمت بهيام وحركت شفتيها للتحدث..
ـ قصي، قصي، قصي، صاحت بصوتٍ مرتفع متذمر..
تأفف عائدًا إلى واقعة المرير وهتف بامتعاض: في ايه!
صاحت بسخط: عمالة أتكلم وأنت مش هنا ولا حتى بتقول همممم!

تنهد واعتذر وهو يشد شعرها بخفة: آسف كُنت سرحان قولي تاني كنتي عايزة ايه؟
تنهدت بعمق ثم قالت بثبات دون أن تظهر ارتباكها: عايزة اروح اسكندرية يومين لواحده صحبتي ممكن؟
تأتأ رافضًا وهو يقف كي يذهب وهدر ببعض التهكم: يومين؟ أنتِ قعدتي هنا يومين عشان تروحي عند صاحبتك؟ وبعدين أنتِ بعدتي من سنين عرفتي منين أنك هترجعي تلاقي أصحابك لسه صحابك؟ وكمان مفيش بيات بره انسي..

اكفهر وجهها ووقفت مقابله وتخصّرت محتجة باعتراض: ليه ليه انا مش صغيرة! واصحابي لسه صحابي و بعدين أنت كُنت سايبني في بلد غريبة لوحدي؟
وكز جبهتها بسبابته بقوة كأنه يخبرها بمدى غبائها هادرًا باستنكار: ده علي اساس اني معرفش عنكم حاجة وعايش كده عادي! لاقيكم أنا في الشارع عشان اسيبكم من غير سؤال واكتفي بمكالمتك وخلاص؟!

ازدردت ريقها وتمتمت بندم: مش قصدي يا قُصيّ والله قصدي اننا هنا في مصر فيها ايه لما أروحلها يومين؟
هتف بدون تعبير وهو ينظر إليها نظرة معبرة: فيها بالنسبالي وتاني مرة لما أكون بتكلم معاكِ تنزلي ايدك، وتركها تقف في منتصف الغرفة والندم ينهشها وغادر..

عاد إلى الغرفة ودلف مباشرةً إلى دورة المياه دون أن ينتبه لوجود جـنّـة وهي لم تنتبه له أيضًا لأنها كانت تسبح في أفكارها صافنة بتيه تتذكر ماحدث اليوم عِندما كانت في قصر والدها..
هتفت ريمة بطفوليه وهي تمسك يد جدها بيدها الصغيرة: يعني أنت جده؟
أومأ بحنان وهو يمسح على شعرها تحت نظرات جـنّـة الباسمة لتتابع بحماس: زي تيتة حنان..

رفع رأسهُ وتبادل نظرات ذات مغزى مع جـنّـة ثم سألها برفق: وشُفتيها فين يا حبيبتي؟
ردت برقة وهي تتذكر: في البيت جت مع بابي وجميلة اوي..
انتقلت جـنّـة من محل جلستها وجاورتهما على الأريكة ثم سألتها بحنان وهي تربت على وجنتها: وهي فين دلوقتي يا حبيبتي لسه في البيت؟
هزت رأسها بنفي وهي تقوس شفتيها بلطافة ثم قالت وهي تتحرر من قبضة جدها: لأ مشيت من زمان، وركضت تلعب في الحديقة وتركتهم يفكران..

سألته جـنّـة باستفهام عِندما اتكأ على الأريكة وشرد مفكرًا: هتعمل ايه يا بابا؟
قال بهدوء وهو يجذبها إلى صدره مربتاً على ظهرها بحنان: متشغليش بالك أنتِ بيها خليكِ في قُصيّ وشوفي هترجعية لطبيعته تاني ازاي..
همست بخوف وهي تدفن رأسها بصدره: أنا خايفة، خايفة يتعصب ويضايق مني ويطلقني والمرادي الأخيرة بجد ومش هعرف ترجعله تاني..

لثَّم جبهتها بحنان وهمس كي تطمئن: متخافيش مش هسيبك طول ما أنتِ بتفكريه بـ غرام، رفعت رأسها وناظرته بحزن ليربت على وجنتها برقة وبابتسامة خبيثة استطرد هامسًا: ولو شديتي حيلك وخلفتي ولد جميل هتضمني إنه يفضل معاكِ طول العُمر..
أخرجها من شرودها هبوط طرف الفراش لتنظر بجانبها سريعًا فإذا به قُصيّ، بالطبع سيكون ومن غيره..
همست باسمه بخفوت: قُصيّ..

انتظرت أن يوبخها، أن يصيح ويجن جنونه ويخبرها أن لا تنطق باسمه لكن رده كان هادئ كـ أنفاسه دون ان يلتفت إليها: نعم
سألته بنبرة مرتعشة صادقة وهي على حافة البكاء: أنت مش هتبعد عني غرام تاني صح؟
أجاب بهدوء: لأ مش هتبعد عنك تاني..
أومأت بامتنان ثم هتفت شاكره: شكرًا، واستلقت ودثرت نفسها أسفل الغطاء و اولته ظهرها وظلت تحدق تجاه الشرفة و عبراتها تنهمر بغزارة..

نظر خلفه مراقبا سكونها وصمتها على غير العادة بتعجب ثم وقف وذهب إلى غرام لقد نسي تقبيلها قبل النوم..
دلف إلى غرفتها بهدوء ليجد الغرفة مظلمة وهي غافية، كاد يذهب لكن شعر بحركة غريبة فوق الفراش، تمنعن النظر إليه وهو يعقد كلا حاجبيه ليلتقط نظره ذلك الضوء المنبعث من أسفل الغطاء..

قهقهة وهو يهز رأسهُ، تلك الشقية لم تكمل هُنا يومين وتعملت تلك الحركات، سار خطوتين إلى الخلف كأنهُ خرج ثم أغلق الباب بقدميه ليجد الغطاء يرتفع بتلقائية من فوقها تلاه إخراج رأسها من أسفله تتابع ما تشاهد على الجهاز اللوحي بانتباه شديد وهي تضم يديها بجانب رأسها..
صاح باعتراض وهو يتخصر: لا والله؟

اتسعت عينيها وصرخت وهي تجذب الغطاء فوقها بسرعة ليركض ويقفز بجانبها ويقيدها مدغدغا إياها بابتسامة: بتمثلي ها مش كنتي نايمة؟
أخذت تتلوى بين يديه وهي تضحك بسعادة حتى ذهبت أنفاسها وقرر أن يرحمها وتركها تلتقط أنفاسها ومازالت تضحك برقة، صاحت بلطافة وهي تلف ذراعيها حول رقبته: ما انا صحيت يا بابي من شوية وبتفرج beauty and the beast
حملها بين يديه وهو يجلس بها هاتفا بتفاجئ: بجد!

أومأت وهي تطرف بأهدابها بلطافة ليطلب منها برجاء: تسمحيلي اتفرج معاكِ؟
التمعت عينيها ببريق طفولي سعيد ثم صاحت بحماس: طبعًا ممكن..
دثرها داخل أحضانه لتستقر رأسها فوق صدره وجذب الغطاء فوقهما وحمل الجهاز اللوحي ووضعه أمامها ثم سألها وهو يضيق عينيه: همه رقصوا مع بعض ولا لسه؟

رفعت رأسها إليه لتشعر بوغز ذقنه الشائكة لوجنتها الناعمة، مسدتها بانزعاج وهي تزم شفتيها ليقهقه ويقبلها مستمعًا إلى صوتها المكتوم: لسه يا بابي لسه ركز..
أومأ بطاعة وهو ينظر إلي مقلتيها اللامعة شاعرًا بالسعادة التي تطغى عليها، متأملا ابتسامتها المشرقة، فهو يستطيع تحمل كُل شيء فقط لأجل رؤيتها مُشعة وحيويه أمامه بتلك الطريقة، وجود جـنّـة معها شكل فارقًا قويًا لاحظه..

مرَّت نصف ساعة عليهما يشاهدان الفيلم باهتمام، فكانا طفلان يجلسان وليس واحدة، كان حماسه وهو ينتظر تلك الرقصة على أحر من الجمر يضاهي حماسها البريء، البريق المتألق داخل عينيه وهو يتذكر تلك الرقصة التي رقصها مع عشق، ذكري رقصتهم الأولي معًا، الذكر الذي أن ظل طوال حياته يحاول أن يعيدها لن يستطيع، الشعور الذي غمره ذلك اليوم لن يجربه مجددًا..
همس في أذنها بابتسامة: تعرفي أني عندي لبس الوحش!

اتسعت عينيها بمبالغة جعلته يبتسم وهو يستمع إلي سؤالها الطفولي: بجد يا بابي؟ طيب فين الفستان؟
تمتم بابتسامة حزينة وهو يستند رأسهُ فوق رأسها: مع الجميلة أكيد..
هتفت بانبهار وهي تحدق في الفستان بأعين متسعة: ده حلو اوي..
أومأ بحزن وهو يكبح الأفكار و الذكريات المكتظة داخل رأسهُ يكفي حزنًا اليوم، فماذا سيكون مصيرة أن كره نفسه أكثر من هذا؟ يكفي لن يتذكر المزيد لن يتذكر..

فتلك الذكريات الممتلئة بالكذب والتي لم تندرج تحت مسمي سوي الخداع كانت أصدق مما ظنَّ، إنهُ دون أن يدرك كان يخرج أجمل مابداخله معها كي يبهرها وقد أبهرها بحق، كان فتي الأحلام الذي تمنته دون أن تبوح بهذا، وكأنه كعكة ظلت تأكل منها كلما اشتهت دون أن تنتهي لكنها فسدت في نهاية المطاف وأفسدت ما حولها من طعام..

في مدينة الإسكندرية الآن..
تسلل جاسم ببطء وصعد إلى غرفته وسط الظلام بسبب الأضواء المغلقة، والدته نائمة وهذا جيّد لأنه لا يريد أن يتحدث معها الآن، فلن ينسى ذلك الوجه الأخر الذي لم يعرفه يومًا، يشعر أن عشق قد تم ظلمها بسبب مكوثها معهما في المنزل..

توقف أمام غرفة عشق ممتنعًا عن التقدم ودخول غرفته، أدار المقبض ودخل إلى غرقتها بتباطؤ يقدم قدم ويؤخر الأخرى، ابتسم بحزن وهو يحدق في كُل ركنٍ لدقائق يستعيد ذكرياته معها..
تقدم وفتح خزانة ملابسها لتسقط عيناه تلقائيًا على ذلك الفستان في الزاوية المخبأ خلف الكيس الخاص به..
أخرجه من الخزانة وهو يبتسم بحنين مستعيدًا ذكرى هذا اليوم بقلبٍ يختلج بين جنبات صدره..

دارت حول نفسها بابتسامة عذبة وهي تثبت الفستان فوق جسدها وضحكاتها الرقيقة تملأ الغرفة ووقعها على مسامعه كان كـ زقزة عصفورٍ رقيق..

توقفت تلتقط أنفاسها بفرحة وعينيها تجيل فوق الفستان الرائع القريب من فستان أميرة ديزني المفضلة لديها بيل ، تلمست قماشة برقة مُستشعرة نعومته بسعادة حقيقية، فكان بكتفين من نسيج شفاف ضيق من الأعلى متسع من الخصر حتى الاسفل بطبقات حريرية عديدة مبطن من الأسفل وكل طبقة أطرافها مطرزة بنقوش ذهبية رقيقة بالكاد تُرى..

همست شاكره بامتنان و مقلتيها تلمع بفرح: ميرسي اوي يا جاسم ربنا يخليك ليا جميل اوي مش عارفة اشكرك ازاي..
قرص وجنتها وهمس بحنان: اتبسطى أنتِ بس وانا هبقى مبسوط اوي..
اقتربت منهُ وطلبت برغبة حزينة لأنهُ رفض من قبل: ما تيجي معايا يا جاسم وغير جو شوية..
احتضن وجهها بملامح متأثرة آسفة و اعتذر: كان نفسي يا عشق والله بس مرة تانية، اهم حاجة تتبسطى مع صحابك وفرحيني معاكِ ها؟

أومأت و طغى الحزن ملامحها وقامت بفرد الفستان فوق السرير ووقفت تحدق به بحزن كان جلي وواضح لعينيه اللتان تنضخان بالحب..

تأوهه بحزن وهو يضم الفستان إلى قلبه بندم و يتمنى لو تعود تلك الأيام التي كانت تطلب منهُ القرب وكان يتحجج بالعمل، فما فائدته الآن هل سيجعل عشق تعود ويغير ماحدث؟ اللعنة على العمل وعلى رفضه الغبي، كانت محقة عندما تشاجرت معه ذات مرة وأخبرته أنهُ لا يحب شيء في حياته بقدر حبه للرسم ولا يتفانى في شيء سوى الرسم فهو يمكنه أن يوقف حياته ويعلق كل شيء حتى ينهي رسمته!، ومنذُ تلك المشاجرة قد تغيرت عشق معهُ وأصبح هو الذي يطلب و يترجي ولا يسمع منهُ..

استلقي على السرير وظل معانقًا الفستان بقوة كأن عشق متجسدة بين يديه، فلا يعرف ماذا يفعل عقله سينفجر من كثرة التفكير وتلك الريمة التي دخلت حياته دون سابق إنذار لا يعرف ماذا يفعل معها، فهي أتت لأجل شيءٍ ما لا يعرف كنهة وسيظل هادئ وطبيعي حتى يكتشف لأن قُصيّ ليس أحمق كي يترك شقيقته هكذا بالتأكيد لا يعرف أو هُناك خطة تتم حياكتها من خلف ظهره..
وظلَّ صافنًا يفكر ويفكر ويفكر حتي ذهب في سباته العميق..

صباح اليوم التالي..
استيقظ آدم بنشاط واغتسل وبدل ملابسه وخرج من الغرفة مستعدًا للذهاب إلى العمل بنشاط كما أخبره عمّار أمس، فتح الغرفه بابتسامة ليقفز إلى الخلف بفزع عِندما رأي والد عمّار أمامه! ما هذا؟
حدق متولي به قليلًا بملامح مكفهرة مستنكرًا موقفه ثم وبخه وهو يحرك عصاه بين يديه: واه ركبك جن ولِّيه؟ إنشف إكدِه عاد؟!
تمتم بوجه باهت وهو ينظر إليه بريبة: أنت بجد؟!
هتف بغلظة: لاع بهزار؟

اختطف آدم عصاه بغتةً علة يحلم لكنهُ يمسكها بين يديه حقًا، أعادها إليه بإحراج وهو يتحمحم ثم اعتذر باحترام: آسف كُنت بتأكده بس..
سأله باستفهام وهو يثبت عصاه أرضًا: مسلمتش ليه عاد ولا الجُلوب مِسَلّمه؟
ابتسم آدم ونفي وهو يصافحه مُرحبًا به بحفاوة: لا طبعا هسلم نورت مصر والله يا عمي، انا كنت رايح الشغل قولت اعدي على عمّار في طريقي..

ابتسم متولي ابتسامة ذات مغزى وهو ينظر إليه جعله يطرف بتعجب وهو يراقب تلك الإبتسامة! إنه يعرف كيف يبتسم ويبتسم في وجهه؟!
وكزه متولي بصدره بخفة وأردف: عارف انك مِبيّت إهنه من امبارح..
ضحك آدم ببلاهة وهو يدلك عنقه بإحراج، لهذا يبتسم يعرف ما يحدث حوله..
سبقه إلى الأسفل وهدر يحثه على التحرك بدلًا من تجمده هكذا: مَشي مَشي خلينا نفطر..

ذهب خلفه إلى الأسفل ودلف إلى المطبخ ليتوقف مستنكرًا شرود عمّار الذي يقف أمام الموقد يعقد يديه أمام صدره غير منتبهًا على البيض الذي احترق وتصاعدت منهُ الأبخرة دون أن ينتبه عليه..
إندفع آدم وأطفأ الموقد سريعًا ووكز ذراعه موبخًا إياه وهو يسعل: يا بيه يلي سرحان فوق!
استيقظ عمّار وانتبه على نفسه، نظر حوله بتشوش وهتف بتفاجئ: اتحرق؟ ليه كده دي تاني مرة!
ردّ آدم ممتعضًا: اللي واخد عقلك يا حبيبي هتولع فينا..

تنهد عمّار بـ همٍ ثم أفرغ البيض المحترق في القمامة وبدأ بتحضير آخر لكن آدم منعه وأبعده متمتمًا بازدراء: هعمله انا سيبه..
أومأ بطاعة ووقف جوارة يراقبه عن كثب حتى سأله آدم بهدوء: عينك حمره منمتش؟

تأتأ وهو ينظر عبر النافذة المضيئة باقتضاب، يضيق عينيه الحمراوتين بسبب الحُرقة التي يشعر بها من قلة النوم، لقد ضاع النوم من عينيه بفضلها أي نوم هذا الذي سيجافيه وغدًا سينقطع الخيط الرفيع الذي يتشبث به، لن يغفر لها أبدًا هذا الفعل ويقسم أن سنحت له الفرصة يومًا لن يتورع عن جعلها تندم يُجب أن تندم على تلك الأفعال فهو لن يحترق ويتألم وحده..
ـ عمّار، عمّار، عمّار.

همهم وهو يفرك عينيه بنعاس ليسأله آدم مستفسرا: مالك مش مظبوط و مسافرتش ليه وابوك ايـ..
وفر عليه حديثه الطويل وهتف بمرارة: مجاليش نوم أصل بُكره كتب كتابي أنا ونادين بكره..
التفت ينظر إليه بوجوم لـ ينبهه عمّار وهو يبتسم: البيض هيتحرق للمرة التالته ركز..
احتج آدم معترضًا: كتب كتاب ايه يا عمّار انت هتخرف؟ متبقاش غبي مش ناقصين قرف!

قهقهة عمّار وهو يحدق في الشجر الخارجي عبر نافذة المطبخ لتتلاشي ابتسامته و تتنبه حواسه وتنفك عقدة يديه على مهل مع اتساع عينيه ببعض التفاجئ، هذه مفاجأة غير متوقعة..
ترك آدم متعجبًا دون أن يحصل على ردًا منهُ وهرول تجاه الباب بأعصاب مشدودة، وضع يده على المقبض وقرب رأسهُ من الباب يحاول سماع ما يحدث خلفه في الخارج..

بينما هي كانت تقف في الخارج أمام الباب لا تعرف ماذا تفعل أو ما الذي دفعها أن تأتي إليه في هذه الساعة من الصباح، هي فقط أرادت الأعتذار لهُ تريد أن تعتذر، فأمس عِندما عاد وأخذ والده وأوصله إلى المنزل ظنت أنهُ غادر بلا عودة لكنهُ عاد وانتظرها حتى أخذت نادين بعد أن استيقظت وتأكدت من كونها بخير وعادت بسياراتها إلى المنزل بينما هو كان يسير خلفها بسيارته حتى اطمئن على عودتهم وعاد ولم تسنح لها فرصة الحديث وتشعر أنه يتعمد فعل هذا كي يري لهفتها عليه، لكنها لا تعرف أنه أن توقف للتحدث سيزهق روحها..

بللت طرف شفتيها وهي تقبض على حقيبتها بتوتر واستدارت كي تذهب فهي غبيه لكي تأتي إلى هُنا، سارت خطوتين وهي تفرك يدها لقد كانت لحظة اندفاع لن تعيد تكرارها، لكنها تريد رؤيته تريد أن تراه..
توقفت وعضت على شفتيها وعادت بخطواتها إلى الخلف عازمة على مقابلته كي تقول آسفة، هذه حجة فاشلة ولا تملك غيرها، ضغطت على الجرس وقلبها يخفق بعنف، أخرجت أنفاسها المرتعشة على دفعات وهي تبعد شعرها خلف أذنها..

رفع عمّار رأسهُ وحدق في المقبض بتردد ليجد آدم يلتصق به يشاركه أنفاسه المنخفضة، حرك شفتيه للصياح لكن عمّار استدار بسرعة و كتم فمه بيده وحذره بنظراته وهمس بخفوت: هشش ادخل حط الفطار والهي ابويا شويه لحد ما اجي يلا، ودفعه إلى الداخل دون أن يترك لهُ مجالٍ للرد..
قهقهة آدم ودلف ليصدح صوت الجرس، أخذ شهيقًا طويلًا وهو يوصد عينيه ثم فتح الباب بهدوء وتروي لتندفع كـ رصاصةٍ وتعانقه بقوة..

توقف مشدوهًا لثوانٍ لا يستوعب مايحدث حتى شعر باهتزاز جسدها بتذبذب، إنها تبكِ!

ضم قبضته بقوة حتي ابيضت كابحًا رغبته في ضمها إلى صدره كي يفهم أولاً ما يحدث هذا ما أملاه عليه عقله لكن قلبه كان لهُ رأيًا آخر، وتلقائيًا ارتفعت يديه تضم خصرها النحيل بلهفة حتي لم تعد قدميها تلامس الأرض وقفصه الصدري يكاد يتهشم من عنف تلك الخفقات، أوصد عينيه بقوة وأسند رأسهُ فوق رأسها بمتعة وعبقها الأخاذ يضرب أنفه يسكره والنعيم الذي يحلم به والراحة التي يعجز في الحصول عليها تكمن هُنا في أحضانها..

كان مشهدًا حميميًا رائعًا يستحق التصوير والاجتهاد
كما كان يفعل الرجل ويبذل مجهودًا كي يظهران بوضوح..
انتقل كفه إلى شعرها يمسح عليه بحنان هامسًا بقلق استشفتة في نبرته: مالك؟
ابتعدت قليلا و أراحت يدها على صدره المختلج شاعرة بذلك القلب الهائج أسفل راحة يدها، إنه يحبها بصدق وتصدقه لكن هذا قدرهما لن يجتمعا معًا، لكن ما يحدث في قلبها لا تستطيع التحكم به هي الأخرى..

رفعت رأسها، تلتقط أنفاسها بصعوبة كاتمة انينها، تجفف عبراتها بحالةٍ رثة ووجها متخضب بالحمرة، و بنبرة مرتعشة همست وهي تنظر داخل خضراوية المتلألئ داخلها بريقًا من الأمل قطعته: أنا آسفة..
ارتخت قبضته حولها وتحول ذلك البريق لـ لهبٍ مُشتعل وغلت الدماء داخل عروقة، هل قطعت الطريق كي تعتذر؟ لن تلغي الزفاف بل جاءت تعتذر وقلبه يهفو عليها! هل تُريد أن تجلطة؟

اهتزت مقلتيها وانسلت عبراتها وهي ترى نظراته المميتة إليها لتكرر الاعتذار بقلة حيلة: أنا آسفة..
اكفهر وجهه أيما اكفهرار وهدر بتهكم وهو يقبض على مرفقها هازًا جسدها بين يديه بعنف: آسفة على ايه؟ عشان هتجوزيني بنتك وأنا عايزك إنتِ؟ شكرا جدًا ليكِ ودلوقتي مع السلامة، وعقب قوله بدفعها خارجًا وصفق الباب في وجهها..

نظرت حولها برؤية ضبابية ثم أجهشت في نوبة بكاء وهي تغمر وجهها بين يديها أمام الباب دون أن تتحرك خطوة واحده وتبتعد..
شدَّ شعره بقوة ونفرت عروقة من فرط الأنفعال وهو يدور في مكانه بجنون خلف الباب مستمعًا إلى صوت بكاءها من الخارج باستنكار لمَ تبكِ ما خطبها أليس هذا ما تريده، يقسم إن كان والده غير موجود لعقد قرانه عليها الآن ولم يكن ليتركها تذهب سوى وهي إمرأته دون أن يعبأ برفضها..

هدر بنبرة جهورية من الداخل استمعت إليها: امشي من هنا مش عايز اشوفك..
ـ بيصرخ علي مين دِيه؟، كان سؤال متولي قبل أن يقف كي يرى ما يحدث لكن آدم أوقفه وهتف بابتسامة متوترة: كمل فطارك يا عمي تلاقيه بيهزر مع حد من الجيران ولا حاجة..

فتح الباب بقوة وتركه يصطدم في الحائط مدويًا صوتًا مرتفع واندفع إليها متهجما مكفهرًا كـ عاصفة، قبض على ذراعها بعنف وجرها خلفه لتشهق بألم وهي تحاول التحرر لكنه لم يكترث بها وتمتم بتهكم لاذع وهو يفتح سيارتها ويدفعها داخلها بعنف: آسفة، جاية تشفق عليا، شكرًا اركبي..

كادت تكتفأ على وجهها إثر عنفه لكنها تماسكت وتشبثت في مقدمة قميصه لـ يزمجر بغضب جامح جعلها تنكمش وتلتصق بالمقعد و شهقاتها تتعالي كـ طفلة خائفة وجسدها ينتفض فقبض على فكها وسألها هادرًا بعصبية: أنتِ عايزة تجننيني؟ هـــاااا؟ أتفضلى إمشي إمشي..

أومأت بوجل وهي تمد يدها إلى المقود ليبتعد ويصفق الباب منتظرًا ذهابها، لملمت شتات نفسها و أدارت محرك السيارة وهي تنظر إليه عبر النافذة، نظرة لن يفهمها لكنهُ قرأ من خلالها الخذلان قبل أن تذهب وهذا جعله لبرهة يفكر أن يلحق بها ويسألها عن ماهية هذا الخذلان! من مِن بينهم الذي من المفترض أن يشعر بالخذلان هو أم هي؟ هو لم يشعره أحدًا بكونه سيئًا بقدرها! لم يجعله أحدًا صاغرًا أمام نفسه سواها! لم يري نفسه منحطًا دنيئا قبل أن يقابلها قط..

وهذا فقط لأجل معاملته لها رغم كونه كان صادقًا ولم يخدعها بخلاف الدنئ الأخر الذي قضى معها فوق الخمس عشر عاما وفي النهاية تكتشف حقيقته السيئة وتوافق على الزواج به بسهولة كأنها صيّدًا سهلا للجميع عداه هو وهو لا يعرف!.
عاد إلى الداخل لـ يكشفا الرجلان المختبئان خلف أحد الأشجار عن نفسيهما..
همس أحدهم للأخر بضجر: مش كفايِة إكدِه عاد؟

هزَّ الأخر رأسهُ بنفي وهو يحدق في الصور الذي التقطها بفخر وهتف بتحاذق: يا بجم لو رجعنا بالصور ديّ لـ سيدي خليل بس هناخد فلوس! ولو رجعت بالصور وبته هنبجي دراعة اليمين..
همس الأخر بتفكير وهو يحك ذقنه: تجصد إيه عاد؟ هنخطفوها ولِّيه؟
أومأ الأخر و هو يبتسم هاتفًا بثقة: سيدي جال لو جبناها تبجي طاقة الجدر انفتحتلنا ومش هرجع غير وهيه معايِه..

حذره الأخر بخوف: متجربش مِنيها نسيت ممدوح لما جفشه عمّار وهو بيحاول يخطفها؟ خده وياه معرفش فين إكدِه وبعدين رجع البلد ومخرجش من دواره لحد دلوك!
ضحك الأخر بسخرية وتمتم بازدراء: اني مش ممدوح بينا ياض وراها نشوف عترمح فين تانيّ..
في الداخل..
ـ فينك يا ولدي؟، سأل والده عِندما رآه يتقدم..
ابتسم عمّار في وجهه وهو يجلس بهدوء متمتما بنبرة عادية وبدأ يتناول الطعام: موجود اهه..

تناول لقمة اثنتين ساحقا الطعام بقسوة حتى وصل لآدم صوت صكيك أسنانه وبقية الوقت قضاة يهز قدميه بتوتر وهو يفكر بشرودٍ قطعة قول والده: بكرة بعد كتب الكتاب اني راجع البلد عشان بجهز انا وعمك رايحين الحج ولازم تكون في البلد متهملهمشي وحديهم في الدُوار..
ابتسم عمّار باتساع وأكد على قوله: يمكن امشي معاك كومان متجلجشي..
أومأ برضا وهو يقبض على عصاه الأبنوسية ليطلب آدم منه بتضرع: متنسانيش في الدعاء يا عمي..

سألهُ بابتسامة: ادعيلك بإيه يا ولدي؟
قال آدم بعد تفكير دام لثوانٍ: ادعي ربنا ياخدني عشان ارتاح..
ضرب عمّار كتفه بغضب جعله يتأوه وهو يوبخه بحدّة: تموت ايه يا حيوان أنت ادعيله يتجوز البت اللي عايحبها اسمها لمار..
سعُل آدم بحدّة وبصق المياه التي كان يرتشفها ورد لهُ الضربة بقوة سائلا باستنكار: لمار مين؟ أنت مجنون ولا ايه؟ الغي الدعوة دي يا عمي هي الاولى حلوة..

هز متولي رأسهُ بيأسٍ منهما ثم سأل عمّار باستفهام: جهزت نفسك ولا لاه؟ كتب الكتاب هيكون الساعة 8 في فندج (، ) تكون هناك جبليها بكام ساعة إكدِه وليك اوضه تلبس فيـ، اوقفه عمّار مستفسرًا بعدم فهم: فندق؟ ليه ده كتب كتاب نكتبه عندهم في البيت عادي يعني فندق وليله ليه مش عايز!
ـ أعدل لسانك العوِج ديه واتحددت كيف الخلج!
صاح وعنفه بعصبية شديدة وهو يضرب عصاه الأبنوسية أرضًا بقوة.

ليتنهد عمّار واسند جبينه فوق راحة يديه بـ هم وحرك شفتيه كي يعتذر لأنه يعرف أن هذا أكثر مايغضب والده لكنه قاطعه وتحدث بغلظة فصمت يستمع إليه باهتمام: أم العروسِة عايزة إكدِه عشان الفرح هنعمله في البلد واني وافجت واتفجت..
فرك عمّار حاجبه وهو يهمهم بتفهم ثم سأل مستفسرا بابتسامة مبتسرة: ورأيي؟
قست ملامح والده وسأله بتهكم: وهو في جول بعد جولي؟

نفي عمّار وهو يمسد جبهته بتعب: العفو بابوي مقصدش بس اني اللي عتجوز!
ردّ بجدية وقد علم من نبرته أنهُ قد حسم أمره: رأيك وعرفته جبل سابج لما خطبتها وجبتها وسطينا معلوم؟
أومأ عمّار وهو يبتسم وقال مؤكدًا على قوله: معلوم، معلوم
مرت بعض الساعات وعادت ليلى إلى المنزل في وسط النهار بعد أن أنتهت من التسوق وأكدت على حجز القاعة وبعض الأشياء الخاصة..

دلفت إلى المنزل وهالة الحزن تحوطها، تحمل حقائب المشتريات بين يديها، وزعت أنظارها في غرفة الجلوس بلهفة باحثة عن نادين بعينيها لكنها لم تجدها، تبسمت وصعدت إلى غرفتها الخاصة فبالتأكيد مازالت نائمة فهي لم تتركها أمس ونامت جوارها..
وثبت إلى الغرفة لتتسع ابتسامتها عِندما رأتها تبتسم وهي تتوسط السرير تعبث في هدايا عيد مولدها، الهدايا! لم تفتحهم بعد لقد نسيت أمرهم..

انتهبت نادين على وصولها فاعتذرت بعبوس: ملقتش حاجة اعملها لما صحيت ولاحظت الهدايا مقفولة فتحتها سوري..
قبلت ليلي وجنتها وقالت بحنو: ولا يهمك يا حبيبتي حلوين؟
أومأت بحماس وقالت بابتسامة: تحفة تحفة يا مامي وعمّار جبلك حته فستان حلو اوي اوي استني هوريهولك..
تلاشت ابتسامتها وأوقفتها قبل أن تفتح الصندوق قائلة بابتسامة باهتة: سيبك بس دلوقتي من الهدايا وتعالى شو في الفستان اللي جبتهولك عشان بكره.

طغى الحزن ملامحها وزاغت عينيها وهمست بضياع: بكره!
أومأت ليلى وهي تبتسم بنعومة قائلة بحنان بالغ: اه يا حبيبي وهتبقي أجمل عروسة تعالي شوفي الفستان..

في منزل قُصيّ..
وثبت إلى غرفة غرام تتأكد من استيقاظهما لكنهما مازالا نائمين!، تنهدت بتعب وهي تتقدم منهما بانزعاج فما خطبهما لم يستيقظا والليل سيحل!
أخذت الجهاز اللوحي من يد قُصيّ المستغرق في النوم يضم غرام مدثرًا إياها داخل صدره بحرص ويديه تحيطانها وينامان براحة تامه، يبدو أنهما ناما في ساعةٍ متأخرة من الليل، حاولت فتح الجهاز لكنهُ مغلق نفذت بطاريته من استخدامهما..

جثت على ركبتيها أمام السرير وتأملت قُصيّ عن قرب بهيام ورفعت يدها إلى وجهة لكنها توقفت متمنعه وضمت قبضتها بقوة فهي لن تضايقه وتخنقه، مسحت على شعر غرام الحريري وهي تبتسم بعذوبة ثم همست بإسمها بخفوت رقيق: غرام حبيبة مامى مش هتصحى بقي؟
استيقظ الشخص الخطأ إثر تلك الهمسة، حرك جفنيه ببطء وثقل كأن النوم لم يجافيه منذُ عقود، همهم وهو يحرك رأسهُ بكسل متمتمًا بنعاس: الساعة كام؟

ردَّت بهدوء وهي تتفحصه بنظراتها: العصر قرب يأذن متهيألي..
هبَّ فجأة من محله وانتصب جالسًا بثمالة وهو يتذكر الطبيب اللعنة ينتظره وسيوبخه لأنهُ تأخر، قفز مغادرًا الفراش وركض إلى الغرفة كي يتجهز ويذهب دون أن ينبس بحرفٍ معها، نظرت في أثره بتعجب ثم صعدت وأخذت مكانه بجانب غرام وضمتها بحنان وبدأت توقظها برفق..

انتهى من ارتداء ملابسه في وقتٍ قياسي وبدأ الألم الشديد يزحف إلى أعلى بطنه ليسرع أكثر وأخذ سيارته وانطلق إلى المستشفى كي يقابل الطبيب والألم يصاحبه..
توقف في الممر وسأل أحد الممرضات وهو يلهث وملامحه تتقلص بألم: لو سمحتي ألاقي فين دكتور شـ..
ـ جيت؟، اخترق الصوت أذنه، بل ثقبها فلتفت بلهفة وتوسل بحالةٍ يرثي لها: الحقني بحاجة مش قادر استحمل..

أخرج علبة صغيرة من جيب معطفه وقذفها إليه بينما يقول: خُد حبيتين وتعالي ورايا على المكتب..
أومأ بطاعة وأخرج ثلاث حبات وأخدهم دفعة واحدة وليس اثنين كما قال ثم هرول خلفه وهو يتوعدة فهذا الرجل يضع كرامته أسفل الأقدام بسهولة ولا يهمه أحد ولا حتى هو..
ـ يومين بالكتير اكون ظبط مع الدكتور الاجنبي وهتصل بيك عشان تسافر معايا وتعمل العملية..
قطب جبينه وهتف بعدم فهم وهو يعدل جلسته: عملية ايه معلش؟

تنهد الطبيب وهتف وهو يتفحص ملامحه باحثًا عن رد فعل: بقول تعمل العملية، نستأصل الورم يعني..
همهم قُصيّ وسأله ببعض الاستنكار: ومين قال اني عايز اعمل العملية؟!
هتف الطبيب ممتعضًا: اومال حضرتك عايز ايه؟
قال ببساطة وهو يهز كتفيه: ولا حاجة شويه الوقت اللي باقيين ليا في الدنيا زي ماهو واضح هعيشهم طبيعي زي ما انا عايش دلوقتي ولا مستشفيات ولا عمليات مش عايز..
سأله بحدّة: حد قالك أنك غبي قبل كده؟

قهقهة وهو يومئ وهتف بسعادة: من ساعة ما اتولدت بسمعها منك..
ضرب بقبضته على سطح المكتب وأعاد بازدراء: وأديك هتسمعها مني تاني بطل غباء واجهز مش هسمحلك تموت! أنت لسه في البداية ونجاح العملية متأكد منهُ مالك في ايه؟

ابتسم قُصيّ وقال بهدوء وهو ينظر إليه: مالي؟ مش عايز أكمل الوقت اللي باقيلي في المستشفى! حضرتك دكتور وخبير متعرفش أن السرطان مجرد ما تشيله من هنا هيروح حته ثانية! وهتشيله تاني وهيروح حته تالته؟ وكل شويه عمليات ولما اخرج واشم نفسي أكتشف اني ضيعت عمري في العمليات ومبقتش انفع وبعدين اكتئب ولما اتقبل وضعي وأخيرا اتفاجئ أن السرطان رجع تاني؟ نهاية السرطان معروفة متقوليش لازم تحارب ومتخلهوش يهزمك والكلام ده والنبي عشان كله بيموت في الأخر! دي حرب أخرتها معروفة بس كله بيكابر وانا مش هكابر..

سأله بغضبٍ جام: تقدر تقولي هتعمل ايه لما حالتك تتأخر وينتشر في جسمك كله؟
قال ببساطة وهو يكاد يضحك: هموت هعمل ايه يعني؟
خلع نظارته وقذفها بوجه مكفهر وسأله بعصبية: قُصيّ أنت جاي توطي ضغطي؟
نفي بقوة وهو يضحك: لأ انا برد عليك بس!
احتج معترضًا بعدم رضا: ولما الوجع يزيد هتعمل ايه؟ فاكر الحبوب دي هتفضل تسكن الألم كتير؟ أبوك لو كان عايش كـ..
قاطعه بنبرة أقرب للسخرية: أبويا مات بنفس المرض لو لسه فاكر يعني!

صاح يذكره بتهكم: وأنت عارف أنه كان ماشي في العلاج كويس وكان هيخف لولا اللي عمله عمك كان زمانه معاك دلوقتي..
تأفف قُصيّ وهتف بحنق: لو سمحت مبحبش اتكلم في الموضوع ده وده اللي عندي مش هتعالج أنا حُر..
طفح الكيل منه وطرده بحدَّة: أخرج بره يا قُصيّ..
طرف بتعجب وهو ينظر إليه ثم هتف بحزن: كده بتطردني وأنا ايامي معدودة في الدنيا؟
أعاد بحدَّة مضاعفة وهو يقذف في وجهه الاوراق بغضب: بره، بره..

ضحك قُصيّ وهو يقف وهتف باستياء: دي مش معاملة دكتور لمريضة أنا هشتكيك على فكره..
حذره بنفاذ صبر: لو مخرجتش هخليهم يكتفوك وهحبسك هنا لحد بكره وهسفرك غصب عنك..
رفع يديه مستسلمًا وهو يبتسم بينما يقول: لأ وعلى ايه انا ماشي مع السلامة..
التفت وغادر لكن قول الطبيب استوقفه: مش عايز تربي بنتك؟
زفر وهو يبتسم بعصبية ثم استدار وهتف بضيق: أنت بتستفزني ليه؟

ابتسم الطبيب وقد علم أنهُ قد ضغط على الوتر الحساس لديه فاستطرد بثقة: بُكره يا قُصيّ هتكون مجهز كل حاجة وهتسافر و هتحارب مش عشانك عشان اللي بيحبوك..
بينما في هذه الأثناء، في مقر عمل ليلى..
كانت لمار تجلس خلف مكتبها تمسك هاتفها تتجول بين صور آدم بحزن متمتمه باستياء: أنت مجرم أنت سرقت قلبي..

تنهدت بكسل و أراحت رأسها فوق لوحة مفاتيح الحاسوب وحفزت نفسها بحزم وهي تغلق عينيها: هبقي جدية وهحافظ علي كرامتي ومش هكلمه تاني أبدًا أبدًا، انا استاهل اللي حصلي استاهل بختار غلط كُل مرة وفي الأخر انا اللي بطلع وحشة وبتصرف تصرفات غبية..
ـ لمار، لمار، الأجازة اللي طلبتيها اتوافق عليها..

رفعت لمار رأسها إلى زميلتها وهتفت بثقة: كُنت عارفة انا من ساعة ما اشتغلت مخدتش اجازة هاجي اطلب يقولوا لأ! لأ مينفعش..
سألتها باستفهام: أنتِ هتاخدي أجازة ليه مسافرة؟
هزت رأسها بنفي وتوسدت ذراعها وهتفت بخمول: لأ هقعد في البيت عندي اكتئاب ومش عارفة أعمل حاجة في حياتي..
أومأت بتفهم وتركتها وعادت تمارس عملها بإنغماس..
ثقلت أنفاسها وأوصدت جفنيها وكادت تذهب في ثباتٍ عميق لكن رنين هاتفها أفزعها..

رفعت رأسها فجأة وردت بنعاس: الو، ليلي! انا الحمدلله تمام وأنتِ، بكره؟ طبعا طبعا قبل المعاد هكون عندك و مبروك ربنا يتمملها بخير مع السلامة..
أنزلت الهاتف عن أذنها بتعجب وهي تعقد حاجبيها وتمتمت لنفسها بعدم فهم وهي تلملم أغراضها كي تذهب: عمّار ونادين؟ ازاي يعني؟

بعيدًا عن هُنا داخل أحد المطاعم الفاخرة المكتظة بالزبائن..

كان قُصيّ يجلس يحدق في الخارج عبر الخارج بشرود و عقله هذا العقل المضني من كثره الأفكار كان سابحًا بعيدًا منشغلا بـ جـنّـة، هل يعطيها فرصة أخري ويبدأ من جديد؟ فهي والدة طفلته في النهاية و سيظلا مرتبطين، فلديه سبب وجيه كي لا يبتعد، غرام لن يقصر بحقها ويبعدها عن والدتها مجددا سوى عِندما يشعر بأن لا شيء يجدي وستظل حاقدة كارهه حتى النهاية..

راقب ذلك الرجل الذي ترجل من سيارته على الجهة المقابلة بمهابته وثقته اللا متناهية ليعقد قُصيّ كلا حاجبيه وضيق عينيه في محاولة لمعرفة هوية ذلك الرجل الأصلع لكن ذاكرته المعطوبة لم تسعفه كثيرًا ولم يذكره..
ـ حضرتك تطلب ايه؟
داعب ذلك الصوت حواسه وشعر بلذة لا توصف أدت إلى انفراج شفتيه عن ابتسامه رائعة، أنه يهذي فما الذي سيأتي بعشق إلى هُنا؟

تأففت عشق بخفوت وهي تخفض رأسها تقبض على الدفتر المقوي الصغير الذي تكتب به الطلبات منتظرة رده لكن لم يأتها ردًا بعد..
فأعادت بنبرة نافذة: تطلب ايه؟
مسد جبينه وهو يخفض رأسه ليلتقط بصره تلك الساق الناعمة التي تقف أمامه، رفع رأسهُ بتعجب تزامنًا مع رفع رأسها بوجه مُحتقن غاضب ليتدرج بألوان قوس قزح فجأة وتتسارع دقات قلبها داخل قفصها الصدري عِندما أبصرته يجلس..

تمتم بعدم تصديق وهو يشملها بنظراته المتعجبة: عشق؟ بتعملي ايه هنا؟
زاغت عينيها وطرفت بشكلٍ متكرر وهي تزدرد ريقها بصعوبة تستعيد رباطة جأشها وقبضتها تشتد فوق الدفتر بقوة، ورغبه جامحه حستها على الاقتراب وضمه بقوة، لكن جسدها المتيبس لم يساعدها كثيرًا.

حركت شفتيها وحاولت التحدث لكنها لم تستطع إخراج حرفًا بسبب هذا الضغط النفسي الجسيم، ضمت يدها إلى صدرها بارتباك عِندما رأت نظراته تخترق دبلتها الذهبية التي لم تكن لتجرؤ على ارتدائها سابقًا كأنها تخجل منها، تشجعت وسألته بنبرة مهتزة وهي تخط فوق الدفتر بأنامل مرتجفة: حضرتك تطلب ايه؟

نظر إليها بحنو وهو يبتسم وظن لوهله بأن خللا ما أصاب قلبه منذ أن وقعت عينيه عليها، لا يصدق أنهُ يراها، لقد تركها وحدها في الحفلة دون أن يقول شيء بالتأكيد شعرت بالخذلان وأي خذلان، فكما يبدو أنها لا تُريد أن تتحدث معهُ وهو لن يضايقها فليتركها تستعيد نفسها وتتحسن حالتها أولًا..

عِندما تستطيع أن تنظر إليه دون أن تتحاشاه، أن تتحدث دون ارتجاف، أن تقف بثبات وجرأة دون تذبذب، سيعتبر تلك إشارة كي يبوح إليها بكل شيء..
طلب بهدوء وهو ينتقل بنظراته إلى دبلته الفضية: عايز قهوة..
أومأت بطاعة واستدارت كي تذهب لكن سؤاله أوقفها: مش هتسأليني عايزها إيه؟
أجابت بخفوت وهي تبلع غصة مريرة: انا عارفة، وتركته ومضت في طريقها وغشاوة رقيقة لمعت داخل فيروزتيها..

خلع معطفه وفتح زرين من قميصه بسبب الحرارة التي شعر بها مصحوبة بآلام معدته الضارية وتفصد جبينه بالعرق، أخرج الحبوب بسرعة وهو يضغط على أسنانه بقوة، فهو إن ظل على هذا المنوال سيبدأ بأخذ تلك الحبوب كـ السكاكر والطبيب اللعين سوف يذله إن نفذت منهُ وسيجبره على خوض الجراحة..

دقائق مرت عليه وهو يجلس يوزع نظراته بين دبلته الفضية والخارج عبر النافذة وقدميه تهتز بقوة وتوتر، اخترقت رائحة القهوة أنفه جعلته يبتسم وهو يلتفت إليها، قربها منهُ شاكرًا دون إضافة شيءً آخر ليتذوقها مع التفاتها ومغادرتها لتتوقف بعد خطوتين عِندما سمعت قوله: دي مسكرة اوي!

أخرجت آهه متعبة من بين شفتيها وامطرت السحب المتكدسة وانسلت عبراتها واحده تلو الأخري بغزاره وهي تستعيد تلك الذكري، إنه يقصد أن يذكرها بهذا يعبث بها، يشعر باللذة عِندما يتلاعب بمشاعرها، يحب أن يذكرها دوما أنها لن تتخلص من حبه مهما حاولت فلن ينتزعه أحدًا من قلبها لأنه ملكه! لقد أتي كي يثقلها بالمزيد من الهموم..

جففت عبراتها وهي تستنشق ما بأنفها ثم استدارت وعادت إليه، مدَّت يدها تحملها وهي تعتذر برؤية مشوشة: آسفة هجيب غيرها حالـ، توقفت عِندما أمسك ساعدها ونفي بهدوء: لا كويسة كده مُتشكر..

نزعت يدها سريعا من أسفل ده وهي تومئ ثم استدارت وذهب مهرولة حتى اختفت عن وقع أنظاره، تنهد وإرتشف قهوته بحزنٍ طغى على ملامحه، إن كتمها للبكاء قد وصل لذورته وهو متأكد أنها تبكِ في أحد الزوايا الآن يعرفها أكثر من نفسها، وعلام يبدو أنهما عادا غرباء وهذا لا يستوعبه كيف يصبحان غرباء بعد كُل هذا بسهولة؟! هذه فكرة لا يقبلها..

اختبأت خلف الحائط وظلت تبكِ وتنوح بقلبٍ مُنفطر وهي تقبض على قلبها بعذاب غارزة أناملها في بشرتها بقسوة تُريد إنتزاع هذا القلب، فهذا الألم الذي تشعر به لا يحتمل تريد انتزاع قلبها من محلهُ كي ترتاح، وجوده معها في مكانٍ واحد لا يشعرها بالأمان..

جففت عبراتها بعنف وهرولت إلي غرفة مُديرها، دلفت إلى غرفة مديرها دون طرق أو استئذان ودون أن تعتذر عن هذا ثم هتفت بصوتٍ مبحوح: أنا عايزة اخد باقي اليوم اجازه مش هقدر أكمل..
وقف عن مكتبه وهتف باستنكار مُزِج بتعجب وهو يقترب منها: اجازة؟ ده اول يوم ليكِ؟
أومأت بتفهم ثم قالت وهي تستدير كي تذهب: تمام انا مش جاية الشغل ده تاني..

اتسعت عينيه وأوقفها سريعًا بقوله بانفعال: ثواني، ثواني لو تعبانة اوي ممكن تاخدي النهاردة وبكره كمان اهم حاجه راحتك..
أومأت بتفهم ثم شكرته بامتنان: شكرًا لحضرتك، وتحركت للخارج وأغلقت الباب خلفها وذهبت..
ركل الطاولة بغضب وهو يشتم ثم عاد وجلس على مقعده بضيق يفكر في طريقةٍ لإستمالتها..

أبعد قُصيّ نظره عن النافذة عِندما رآها تخرج بعد أن بدلت تنورة العمل القصيرة الضيقة وقميصها الملحق بها بملابسها المعتادة بنطال وكنزه، ألهي نفسه بالتفكير ومراقبه الجميع حتي تختفي نهائيًا من هذه المنطقة فلا يُريد أن يعرف أين تعيش ولا أين ستتوقف لا يُريد لا يضمن أن يعود إلى المنزل إن عرف هذا..

بينما هي صعدت إلى العمارة التي بها عيادة وليد دون تردد أو تفكير، فهي كانت ستهاتفه بعد انتهاء دوامها على أي حال كي تأخذ معاد..
كان وليد في هذا الوقت يجلس خلف مكتب مساعدته يحدق في الورقة التي تركتها لهُ يقرأها بتركيز وهو يتذكر مقتطفات مما حدث أمس على مهل، كيف انتهي به المطاف نائمًا الغبي المستهتر كيف؟ صباحًا رأتهُ نائمًا وذهبت كيف كانت وضعيته يا تري؟ ماذا ظنت وقالت عنهُ؟

أخفاها خلف ظهره بسرعة عِندما تناهى إلى مسامعه صوتها المتسائل أمام الباب المتروك مفتوح على مصراعيه: ممكن أدخل؟
أومأ مشدودًا وهو يقذف الورقة داخل سلة القمامة بجانب قدميه بشكلٍ غير ملحوظ..

دلفت بتباطؤ تقدم قدم وتؤخر الأخرى، جلست مقابله وبدأت في التحدث والاعتذار بصوتٍ مبحوح وآثار البُكاء تظهر على وجهها دون أن تترك لهُ مجال للحديث: أنا آسفة علشان باجي بشكل مفاجئ من غير معاد بس انا امبارح كُنت محتاجة حد اتكلم معاه آسفة لو سببتلك ازعاج مكنتش أقصد..
أومأ بتفهم وهو يرسم ابتسامة ملاطفة كي يزول عنها البأس وأردف بهدوء: ولا يهمك محصلش حاجة.

أومأت بخفة وهي تفرك يديها معًا تفكر حتى تذكرت الورقة من الصباح فقالت ومقلتيها تتسع بانفعال: انا سبت ورقة الصبح وكتبت فيها رقمي حضرتك شوفتها؟
هزَّ رأسهُ بنفي وبحث بين الأوراق التي أمامه وقال بجهل: لا مفيش متأكده إنك سبتيها؟
أومأت وهي تمد يدها بين الأوراق وبدأت في البحث معهُ باهتمام وهي تقف ليبتسم ويتابع بحثه عن الورقة معها بتركيز..

أوقفها مشفقًا عليها بسبب بحثها بتفانٍ ولا وجود لها من الأساس، حضها على التوقف وهو يقول بلكنه مميزة: خلاص مش مهم أنتِ هنا بنفسك وتقدري تقولي رقمك، وعلي فكره رقمي مكتوب لو بتاخدي بالك من الاسم..

شعرت بالغباء لوهلة ثم جلست وتمتمت بتلقائية: أه، أه، شُفتها لما كُنت بتنضفها ووقعت و، توقفت لاعنة غبائها أمام نظراته المتفاجئة وارتفاع كلا حاجبيه الكثيفين، بللت طرف شفتيها بتوتر وكادت تتحدث لكنه سألها وهو يضيق عينيه: أنتِ اللي ضحكتي عليا لما وقعت؟

هزَّت رأسها بإيماءة خافته وهي تبتسم بتوتر ثم هتفت مبررة: مكنش قصدي أنت بس شكلك كان مضحك شويـ، توقفت الكلمات في حلقها عِندما اضجع على المقعد وأسند راحة يده أسفل وجنته يستمع إليها باهتمام منتبهًا لكل حرف يخرج من بين شفتيها، تحمحمت وصمتت قليلًا تفكر فيما تقول ثم بعفويةٍ وسأم من كثرة التفكير قالت: مينفعش نتحاسب على حاجة حصلت قديمة! أنت وقعت وشكلك كان مضحك فا ضحكت انا مش غلطانة!

أومأ بتفهم وقال بانبهار أضحكها وهو يتحرك بالمقعد: اقنعتيني عندك حق انا الغلطان..
ضحكت بخفة وصوتٍ خافت ليتوقف وليد عن الحركة بل عن التنفس متأملًا ضحكتها الرقيقة وبراءة الأطفال في عينيها فقط كيف يكون ما قصتة عليه صحيحًا، لن يقول أنها ملاك ولا حورية من الجنة بل سيقول أنها جميلة وتملك ملامح بريئة وشخصية هادئة لا يتوقع قط انها ستخبرة شيئًا مثل هذا عنها..

هزَّ رأسهُ بأسف منغمسًا مع أفكاره لتسقط عينيه فوق الورقة داخل سلة القمامة ليسألها فجأة أجفلها: أنتِ قولتيلي أسماء كل الشخصيات في حياتك إلا هو قولتي سيد ق اشمعنا؟ هو شخصية معروفة ولا حاجة يا عشق؟ مش عشق بردو؟!
أومأت وهي تزدرد ريقها بحلق جاف ثم قالت بنبرة مهزوزة: انا كده مرتاحة أكتر معلش..

عقد يديه أمام صدره وهتف ممازحًا كي يزول البأس عنها فهي كُلما أتت بسيرة ذلك الرجل تتبدل ملامحها وتبهت كـ عجوز: وأنا كده هشك في أي حد اسمه يبدأ بحرف القاف ينفع؟

ابتسمت بنعومة وأطرقت رأسها كي لا يرى ترقرق عبراتها المخزية داخل مقلتيها لكنهُ رآها وشعرها المعقود كذيل حصان لم يخفي وجهها عنهُ، تنهد وليد وترك محله وسارع بالتقاط علبة المناديل الورقية ووضعها أمامها ثم جلس مقابلها وسألها ذلك السؤال الذي يلح عليه من أمس لكن النعاس لم يترك لهُ المجال كي يسأل: حبتيه امتي؟ أو اكتشفتي انك حبيتيه امتي؟

انسلت عبراتها ورفعت رأسها قائلة بنبرة مرتجفة: حفلة، في حفلة كان عاملها في الفندق اللي احنا كُنا نازلين فيه، جابلى فستان وجالي الاوضة وقالي مستنيكِ، أنا اتحمست اليوم ده وكُنت مبسوطة جدًا، جهزت نفسي عشان أنزل الحفلة بس في آخر لحظة رجعت في كلامي ومنزلتش مش عارفة ليه بس حبيت أشوف رد فعله، كُنت عايزاه يجي ويقولي أنتِ مجتيش ليه ويتكلم معايا بس مجاش وانا اضايقت ونمت اليوم ده بس كان عندي أمل اني ممكن اشوفه تاني يوم، لأن سبب سفرنا من الأول حفلة تنكرية هنعملها بس على البحر كُنا مجهزين اللبس وكل حاجة جيبينها معانا، وجه تاني يـ..

قاطعها وليد مستفهمًا وهو يرتشف بعض المياه: أنتِ قُلتي رحله تبع الجامعة صح؟
أومأت وفهمت ما يحاول قوله لتقول ببحة وهي تجفف عبراتها: دي كانت رحلة عادية رايحينها وعميد الجامعة كان موافق عادي لكن أول ماعرف إن فيها حفله موفقش ومرضيش يمضي وكان هيلغيها بس حصلت مشاكل كتير بسببها لأننا بنخطط للرحله دي من فترة كبيرة و اجلناها كذا مره بسببه، عشان كده استسلم وسبنا نروح مع كام دكتور وعميد على مسؤوليتهم همه..

أومأ باهتمام يحثها على التكمله لتسطرد بابتسامة مشرقة وبريق لامع يتلألأ داخل مقلتيها يراه لأول مرة: لبست الفستان اللي جاسم جبهولي كان قريب أوي من فستان الأميرة من فيلم (beauty and the beast)، روحتلهم على الشط كُنت حاسه أني اميرة وانا ماشية على الرملة الفستان منفوش والشموع جنبي من هنا ومن هنا الهوي كان هادي وجميل بس وقفت في نص الطريق وكُنت هرجع لأني حسيت أني طفلة اوي وهبله في نفس الوقت بسبب الفستان عشان كلهم تقريبا كانوا متنكرين في شخصيات شريرة الجوكر ودراكولا وكتير تاني انا الوحيده اللي كُنت أميرة وسطهم حسيت بالغرابة ولفيت ورجعت تاني لكن اتشنكلت في نص الطريق وكُنت هقع على وشي..

اندفع وليد وتابع هو: وسيد (ق) بالصدفة لحقك قبل ما تقعي صح؟، ضحكت وهي تهز رأسها واستطردت وهي تشرد بتلك الذكرى المحببة إلى قلبها: المفاجأة مكنتش أنه لحقني! كانت في اللبس بتاعة تخيل أنه كان لابس بدلة الوحش؟ انا من الصدمة معرفتش اتكلم متوقعتش ان حاجة زي دي تحصل،.

طلب مني الرقص ومد ايده وانا تلقائيًا مشيت معاه وعيني متعلقة عليه وعلى ضحكته وعينه اللي بتلمع! كان قُصيّ تانى مختلف عن اللي انا شيفاه دلوقتى تماما..
أومأ وهو يبتسم بخفة ولا يعرف أن كانت لاحظت أنها أباحت باسمه أم لا..

ـ الموسيقي العالية فجأة وقفت والكل بعد عن الطريق ورقصنا مع بعض لوحدنا، بس انا ساعتها مكنتش برقص انا كُنت بطير اليوم كان خيالي بمعنى الكلمة، مستحيل أنساه حسيت أن حلمي وانا طفلة بأمير يجي ياخدني على الحصان بيتحقق بس نسيت في الوقت ده اني المفروض مِلك واحد تاني..

سألها مستفسرا: طب أنتِ محاولتيش أنك تعرفي اذا كان كل ده مقصود ولا لأ؟، نظرت إليه بعدم فهم ليستطرد: قصدي انه بالبدلة ويجي الحفلة! هو كان معزوم اصلا؟
هزَّت رأسها بجهل وأعربت عن سعادتها بقولها: انا مكنش في حاجة في دماغي ولا حاولت افكر كل ده حصل ازاي لأني كُنت مبسوطة جدا بس سألته عن البدلة وقولتله جيبها منين قالي عاملها عند ابو ذوذو الترزي.

ضحكت في نهاية قولها وهي تجفف عبراتها وتابعت بوجل: كملنا باقي السهرة على البحر وفضلنا نتكلم طول الليل واحنا بنتمشي لحد الصبح تقريبًا، بعدها سلمت عليه وشكرته وطلعت اوضتي وانا عارفة اني مش هقابله تاني ورغم حزني بس كُنت مبسوطة لأن مينفعش احب حد تاني او اقابله وانا متجوزة بس مجرد ما دخلت اوضتي فضلت أعيط..
ـ ليه؟

همست بنبرة حارقة وهي تلوح بيدها: لأني فكرت لو خالتو مكنتش جوزتني لجاسم كان ممكن يكون في فرصة لينا مع بعض ومكنش كل ده حصل واحتمال كُنا نتجوز..
سألها مستفهما: نفسك تتجوزيه؟

أجابت بابتسامة باهتة طغى عليها اليأس وهي تهز رأسها: كان حلمي، انا بحبه ومش قادرة انساه ومش عارفه، انا اديته كل حاجة وعايشة على الذكريات، طول الوقت بقنع نفسى ان مفيش قُصيّ وكل حاجة انتهت وببني سور عالي بيني وبينه وبحط ميت خطة وميت رد شرس بس اول ما بشوفه كل ده بيتبخر، بيثبتلى أن القوانين اللي بحطها لنفسي تمشي على الكُل إلا هو، افتكرت ان كل حاجة انتهت ومش هشوفه تاني بس رجع يظهر فجأة زي ما كان بيظهر قبل كده..

ـ كان بيظهر فين؟
سكن جسدها وتوقفت عن الانتفاض وهدأت قليلا ثم أجابت وهي تسبل جفنيها: لما رجعت قُلت خلاص مش هشوفه وحكاية وانتهت لكن لقيته بيظهر قدام الجامعة وكل مكان اروحه تقريبا..
هزَّ رأسهُ بتفكير جازما بسذاجتها الواضحة من حديثها: وأنتِ شايفة ان دي كمان صدفة؟
نظرت إليه بعدم فهم وهي تهز رأسها: اومال ايه؟
مسح وجهه وهو يتنهد من الأعماق ثم وقف وأردف بهدوء: ثواني بس هعمل قهوة لأني مصدع..

أومأت موافقة وهتفت بخفوت: اتفضل..
احتضنت ذراعيها ووقفت وسارت تجاه النافذة كي تستنشق هواءً نقي وتتوقف عن النهنه كـ طفلة، حدقت ناحية شرفتها المضيئة من هُنا بسكون وهي تطلق أنفاسها على دفعات كي تهدأ، حتى مر بعض الوقت..
ـ اتفضلي، استدارت عِندما سمعت صوته لتنفرج شفتيها عن ابتسامة رقيقة وهي تأخذ كوب النعناع الدافئ من بين يديه..
شكرته بامتنان وهي تلف أناملها حوله: متشكرة أوي..

ابتسم ملاطفًا ووقف جوارها يحدق في الخارج قليلا يأخذ رشفة كُل برهة وأخرى وهو يفكر بعمق وكلا حاجبيه معقودين بانزعاج، نظر إليها ثم هتف بهدوء وهو يستند على إطار النافذة: بصي يا عشق..

نظرت إليه باهتمام وكلها أذان مصغية تستمع لمَ يقول: امبارح أنتِ حكيتي كُل حاجة وبالرغم اني عارف اني مش هشوف الشخص ده ولا هقابله صدفة بس عندي فضول أعرف هو مين عايز أعرف اسمه وده من إمبارح بس و حسب كلامك إنك فضلتي معاه سنين من غير ما يعرف أسمك ولا حاجة عنك ده معقول وكلام منطقي حد يسمعه يصدقه! أسف ليكِ يا عشق بس أنتِ مش إله ولا جمالك خارق ولا حب عمره عشان يتجاهل حاجة زي دي ويكمل عادي وهو مش عارف اسمك مستوعبه؟!

تجمعت العبرات مقلتيها وهمست بانكسار وهي تبلع غصتها: ماهو عشان أنا مش أكتر من علاقة رخيصة وهتعدي يهتم ليه ويبحث عني!
هزَّ رأسهُ بيأس وسألها باستنكار: وإيه اللي يخليه يثق فيكِ اوي كده مش يمكن أنتِ مش كويسة وهتصوريه وتبتذيه وممكن تفضحيه مثلا؟!
نفت هذا برفضٍ قاطع وهي تهز رأسها: محدش فينا كان بيفكر بالطريقة دي وأنا حقيقي كل اللي كان يهمني إنه يفضل جنبي بس مش اكتر..

أومأ بتفهم ثم سألها سؤالا آخر قلب أفكارها رأسًا على عقب: مسألتيش نفسك إيه السبب اللي يخليه يتحايل عليكِ ويمنعك ترجعي لـ جوزك وبعدها بكام يوم يرجعك هو ويعمل فضيحة وسط الناس؟ مش هو مكنش مستعد يبعد عنك؟ فجأة إستعد! وبعدين إزاي مراته شبهك أوي كده رغم ان مفيش أي صلة قرابة بينكم لا من قريب ولا من بعيد! دي لو أختك التوأم هيبقى فى فرق اكتر من كده ازاي جاسم ميفرقش بينكم وكان هيتجوزها؟ مش ملاحظة ان في حاجة أكبر من الحب في الموضوع؟

هزَّت رأسها بعدم فهم وهي ترفع راحة يدها تطبطب بها فوق جبينها الذي أخذ في التعرق رغم برودة الطقس..
تلعثمت وهي تحاول أن تبرر: هـ، هـ، هو جاسم معذور لأنها فعلًا شبهي وانا افتكرتها انعكاسي في المرايه لما شوفتها! بس، بس، الباقي مش عارفة سببه وهو قلي مصدقش أي حاجة يقولها وهيرجع و هيتجوزني و و..

لاحت ابتسامة ساخرة على محياة وهتف باستخفاف لم يتحدث به قبلا معها: وطبعا أنتِ صدقتيه لأنك بتحبيه ونسيتي كل ده؟ وده نفس اللي حصل في الحفلة كانت هتموتك وأنتِ عادي الموضوع عدي و مفكرتيش فيه وليه عشان بتحبي قُصيّ! مش اسمه قصي بردو؟
أومأت بانكسار وهي تطرق برأسها ليتسطرد بانفعال:
أنتِ انسانة ساذجة..
انهمرت عبراتها وهي تشهق بحرقة جعلته يشعر بتأنيب الضمير، فما دخله ولمَ ينفعل؟!

هتفت بحرقة وهي تتوسله بنظراتها الضائعة: عارفة عشان كده جيت أطلب مساعدة ساعدني..
اعتذر باقتضاب وهو يمسح على ذقنه بكفه: آسف مقـ، أوقفته وهتفت بسرعة تمنعه من التكملة: متعتذرش أنت عندك حق انا ولا زعلانه ولا متضايقه انا بس محتاجة مساعدة ساعدني عشان انا مش عارفة اعمل ايه ولا اتصرف ازاي معاه لما أشوفه؟!.

دلف مصطفى إلى شقة سالي الذي سجلها باسمها من وقتٍ قريب فقط..
صاح باسمها بعصبية وهو يحل رابطة عنقه: سالي، سالي، سالي..
خرجت من غرفة النوم وهي تتثاءب بنعاس، اسندت ظهرها على إطار الباب بدلال برقبةٍ ملتوية ونظرة ثاقبة تشمله..

جلس على الأريكة، خلع حذائه و قذفه أمامه بإهمال وهو يتأفف، ثم نزع رابطة عنقه باختناق شاعرًا بثقلٍ يجسم فوق صدره، تقدمت منهُ متهادية بخطواتها، ترتدي قميصها البيتي القصير الملتصق عليها مبرزًا مفاتنها ومنحنياتها الصارخة بالأنوثة..

أجلي حنجرته وهو يشملها بنظراته الراغبة وتفاحة آدم لا تتوقف عن التحرك بتذبذب، جلست بجانبه وحرصت على رسم الجمود على ملامحها كي تظهر غضبها وعدم نسيانها تلك الصفعة وهي تضع ساق فوق الأخرى ببرود، لكنهُ لم يلاحظ هذا كان في مكانٍ آخر ينظر إلى قميصها القصير الذي انحسر منحسرًا معهُ يتأمل فخذيها العاريين..

أخرج العلبة المخملية من جيب سترته سريعًا وركع أمامها على ركبتيه مبتسمًا وبهيامٍ قال وهو يمد الخاتم إليها: أنا آسف متزعليش مني بحبك ومستعد اجيب المأذون دلوقتي ونكتب الكتاب عشان اثبتلك إني بحبك وأمي مش بتتحكم فيا..

أنزلت ساقها بابتسامة رائعة و أخذت الخاتم ببطء وهي ترفع كلا حاجبيها بتفاجئ لم تخفيه عن نظراته المترقبة، قبلت جبينه بنعومة ثم أردفت بنبرة غير سلسلة غلفها المكر وهي تحثه على إدخال الخاتم في بنصرها بنظراتها: الجواز حاجة عادية وانا عارفة اننا هنتجوز رسمي في يوم من الايام، مصطفى لو عايزني أصالحك بجد اكتبلي الشركة بإسمي..

تلاشت ابتسامته بسرعة البرق ونظر إليها نظرة معبرة ثم هتف مستنكرًا هذا القول الغير معقول والجرئ منها: الشركة مرة واحدة يا سالي؟ دي حتى مش بتاعتي وفي ماما وآدم معايا اكتبهالك ازاي؟

داعبت وجنته بنعومة وابهامها يسير فوق شفتيه بإغراء هامسة بدلال: خلاص اكتبلي جزء من أسهمك مش أنا وأنت واحد؟ مش أنا اللي بساعدك على طول في الشغل؟ مش في الوقت اللي أنت بتكون قاعد بتعمل تليفونات وتحجز عشان نسافر نقضي وقت مع بعض أنا بكون بأخلص شُغلك؟ مستاهلش ثقة جوزي حبيبي ولا ايه؟

مالت وطبعت قبلة اعلي ثغرة بدلال مثير ثم جذبت رأسهُ إلى صدرها وهمست وهي تخلل أناملها في شعرة مداعبه جعلته ينتشي والحرارة تدب في أوصاله: لما تقرر وتوافق انك تديني أسهم هتلاقيني مستنياك في أوضه النوم، وعقبت قولها بوقوفها وعودتها إلى الغرفة سيرا تتمايل بغنج أنثوي وهي تبتسم بخبث فهي تعرف تأثيرها عليه جيّدًا، سيأتي ومتأكده من هذا لأنهُ لا يُفكر سوى في رغبته ويُحب النساء كأي مدير عمل ماجن فاجر لكنهُ ليس بفجور الآخرين هو يتزوج وهي عرفت كيف تسيطر عليه قبل أن يهرب، تعرف سبب تمسكه بـ تالين إلى الآن وموافقته على الزواج بها، ليس لأجل والدته بل لأجل جمالها إنهُ يُبدل بينهما كي لا يشعر بالملل، لايضيع وقت بتاتا..

زفر بانزعاج وهو يفترش الأرض بجسده يفكر بعمق وجدية فهذا ليس بمزحة، ماذا تريد بالأسهم ماذا ألا يكفيها ما يمنحه إليها؟
تسارعت أنفاسه وبدأ بالفعل يتعرق من الانفعال، حلَّ أزرار قميصه وقذفه ثم وقف ودلف خلفها إلى الغرفة، فما المانع من أن يتقاسم معها أمواله لا مشكلة إنها زوجته، وهو يُحب صراحتها معهُ تستحق لأنها تساعده كثيرًا..

في اليوم التالي..
تنهد بوهن وهو يصعد درجات السلم حتى يصل إلى غرفة ابنه الذي مازال نائمًا إلى الآن..
صاح وهو يضرب الباب بيديه بقوة كي يستيقظ: رامي، أنت يا رامي..
تقلب بانزعاج وهو يهمهم ثم دفن رأسهُ أسفل الوسادة بكسل، دفع والده الباب بقوة جعله يصطدم بالحائط وهو يصيح أثناء تقدمه منهُ: أصحي يا حبيبي الليل هيليل وأنت لسه نايم!

مطّ جسده بكسل وهو ينتصب جالسًا لترتطم الوسادة في وجهه سطحته مجددًا، ضحك بثمالة وهو يدثر نفسه أسفل الغطاء ثم همس بخفوت: تصبح على خير..
جذب الغطاء عن جسده بعنف وقذفه أرضًا موبخًا إياة: قوم يا بأف عندنا فرح..
عقد كلا حاجبيه ثم انتصب جالسًا بسرعة ونظر إلى والده نظرة مُعبرة وهو يضيق عينيه: فرح مين؟ أنت هتتجوز تاني يا بابا؟

تناول الوسادة من فوق الاريكة وقذفها عليه بغضب وجلس مغمغمًا بضيق وهو يفرك يديه: البنت اللي كنت عايز اجوزهالك هتكتب الكتاب النهاردة..
قهقهة رامي وهو يخفي فمه بـ كفه ليهتف والده بتهكم: شيل إيدك شايفك..
ابتسم رامي وهتف مواسيًا: عارف أنك نفسك تفرح بيا بس مش بالطريقة دي يابابا! انا معرفهاش و عمري ماشُفتها ربنا يسعدها بقي وبعدين قولتلك ان في بنت عجبتني وبدور عليها ولما الاقيها هاخدك و نروح نخطبها أكيد..

هتف ممتعضًا: دور براحتك اهي راحت مننا و عشان كده هتيجي معايا الفرح لازم تتحسر عليها..
ضحك رامي بتسلية وهتف بتعجب: ايه الاب ده؟ أتحسر ليه وانا معرفهاش يعني؟ وبعدين مهما كانت حلوه مش احلي من اللي انا شُفتها، ثم وقف على ركبتيه وهتف بنعاس وهو يمط ذراعيه: على العموم يا والدي هاجي معاك مش عشان اتحسر لأ عشان زهقت من النوم..

منزل ليلى الآن..
كانت نادين جالسة ترخي رأسها إلى الخلف تغمض عينيها براحة تاركة العنان لـ لمار المحنيه فوقها تعبث في وجهها بمساحيق التجميل، منهمكة والشغف يشع في مقلتيها فمن أحد أمنياتها التي تعرف أنها لن تتحقق أن تفتح مركز تجميل خاص بها..

أطلقت لمار صيحة فخر بنفسها وهي ترتفع بجسدها باسطه كفها أسفل ذقن نادين تتأمل عمل يدها بتمعن وتركيز لتبتسم برضا ثم همست بخفوت تحثها على فتح عينيها: خلاص خلصنا فتّحي عينك..
حركت جفنيها وفتحت عينيها ببطء لتجد لمار تقف فوق رأسها، ابتسمت في وجهها ثم رفعت رأسها وحدقت في انعكاسها في المرآة بابتسامة باهتة، إنها جميلة لكن هذا ليس وقت السعادة..

شكرتها بامتنان دون أن تواري حزنها: شكرا جدًا يا لمار انا معرفتش نفسى..

ربتت على كتفها وهي تضحك بنعومة ونفت وهي تمسح على شعرها المُصفف برقة: متقوليش كده أنتِ امورة خالص و دلوقتي بقي اسيبك تلبسي الفستان و هشوف لي لي بتعمل ايه، أومأت نادين وهي تبتسم بخفة مراقبة ابتعادها وخروجها من الغرفة، لتنظر إلى نفسها في المرآة بنظرة معبرة قبل أن تهبط بنظراتها فوق الساعة الرجالية الأنيقة التي وضعتها فوق المنضدة أمامها، تناولتها وقامت بفردها فوق كفها وظلت تحدق بها بعمق، هي خلاصها ودليلها الوحيد الذي تملكه كي تُبرئ نفسها..

طرقت لمار فوق الباب طرقتين وظلت واقفة حتى سمعت صوت ليلى تأذن لها بالدخول، ادارت المقبض ودلفت بهدوء لـ تستدير إليها ليلي وهي تميل برأسها تدخل القرط داخل أذنها، اتسعت ابتسامة لمار وهي تتفحص هيئتها الرقيقة، فكانت ترتدي ثوب أسود ثقيل بأكمام يشبه السترة بشق من المنتصف داكن يملؤه خطوط ذهبية طولًا وعرضًا يصل إلى ما قبل ركبتيها بقليل، وفرقت بين شعرها وجمعته معًا كـ كعكة أنيقة..

التقط نظر لمار دبوس الشعر اللامع الموضوع فوق المنضدة فأخذته ثم وقفت خلف ليلى وقامت بوضعه فوق كعكتها بابتسامة ودوده هامسة بانبهار: ايه القمر ده بس!
تبسمت ليلى وربتت على كتفها بينما تقول بلطف: ميرسي يا حبيبتي تسلميلي أنتِ القمر..

بادلتها ابتسامتها بأخرى متحيرة وهي تبلل طرف شفتيها وذلك الفضول يقتلها لا تستطيع الصمت لن تصمد يُجب أن تسألها كي ترتاح، أمسكت كفيها بين يديها بتأثر وسألتها بنبرة غلفها بعض الحزن: ليلى انا عارفة أن عمّار بيحبك أنتِ وعلى حسب شعوري ونظرتي فأنا شايفة انك عارفة ويمكن تكوني بتبادلية نفس الحُب كمان عشان كده بسألك ايه اللي بيحصل؟ نادين ازاي تتجوز؟

تكدست الغيوم في عينيها وشعرت بالحرقة وهي تحرك أهدافها بسرعة كي لا تنسل عبراتها وسط ثورة النفس تلك واختلاج قلبها المنهك فهي تعهدت لنفسها بعدم البُكاء، لن تبكِ..

ابتلعت غصتها المريرة ثم همست بخفوت وهي تشد على يدِ لمار تستمد منها قوة مزيفة: نادين بنتي يا لمار وهي اغلي حاجة في حياتي وانا عمري ما شُفتها مبسوطة أوي كده غير لما قابلت عمّار، يمكن قرار جوازهم مش عادل بس هو الحل الأنسب ليهم، أنا عرفت عمّار وعارف إنه مش ظالم و هيخلي باله منها كويس حتي لو محبهاش بس انا متأكده إنه هيحبها لما يقرب منها أكتر والقرار ده مفيش رجوع فيه..

هزَّت لمار رأسها بنفي وهتفت بحزن شديد: غلط كده هتظلميها؟
جذبت ليلي كفها من لمار بحدّة وهتفت بحنق مستنكرة قولها: أظلمها؟ أظلمها عشان بجوزها الشخص اللي بتحبه وكانت هتموت عليه؟
خللت أناملها داخل خصلات شعرها الكثيف وهي تتنهد ثم سألتها بفقدان صواب بسبب عمي بصيرتها: أنتِ ملاحظتيش الحزن اللي في عينها ووشها المطفي؟ ده شكل واحدة مبسوطة؟

احتجت ليلى كي تقنعها بيأس ولا تعلم أتقنع نفسها أم هي: هي بس تلاقيها مضايقة عشان كانت عايزة تتجوز لما تخلص الجامعة وتتخرج الاول وده مش هيغير انها بتحب عمّار..
عضَّت لمار على شفتيها وهي تنظر إليها بقلة حيلة ثم سألتها باستفهام: بس انا عرفت من عمّار أنك حطة في دماغك ان الجواز بالنسباله عشان يخلف بس مش اكتر من كده! فكرتك اتغيرت يعني؟

صمتت ليلى وظلت تنظر إليها بتمعن وهي تتساءل بنفسها لأى مدي وصلت علاقتها بـ عمّار كي تعرف كل هذا؟ فهو لا يبدو مُحبًا لصداقة الفتيات ولا لشيء هذا الفحل! تعترف أن شخصية لمار جميلة وتخطف القلوب ببرائتها وعفويتها، لكن عمّار!
أبعدت تلك الأفكار عن رأسها ثم أخذت شهيقًا من الأعماق وقالت بعملية وهي تتحرك: انا هشوف نادين عشان منتأخرش..

أومأت بهدوء والتزمت الصمت وهي تذهب خلفها فلن تتدخل مجددًا بشيء لسانها هذا والفضول الذي تملكه هو من يفسد عليها حياتها..
طرقت الباب بخفة ثم وثبت إلى غرفة نادين تزامنًا مع خروجها هي من الغرفة، اتسعت ابتسامتها عِندما أبصرت والدتها تتأمل هيئتها بحنان والسعادة تغمر قلبها..

أدمعت عينيها بتأثر أمومي وضمتها إلى صدرها بدفء هي تمسح على شعرها هامسة بحنان: حبيبتي ماشاء الله عليكِ زي القمر، ربنا يحفظك ويتملك بخير ويسعدك دايمًا قولي آمين..
ضحكت برقة وهي تريح رأسها فوق كتفها كابحة رغبتها في البكاء هامسة بتمني: آمين..
جففت لمار عبراتها بضجر وهي تلعن نفسها بسبب تأثرها ثم صاحت بمرح كي تبعد الحزن عن الأجواء: مش يلا بينا بقي ولا ايه؟

أومأت ليلى وهي تحسها على التحرك: نادين تاكل الاول عشان مأكلتش من الصبح وبعدين نمشي..
أومأت لمار بابتسامة وهي تبعد شعرها خلف أذنها بأناملها برقة ثم ساعدت نادين في النزول من على السلم برفق بسبب كعب حذائها المرتفع بينما ليلى كانت تسير خلفها بفرحة ونظرها معلق على ذيل فستانها الطويل بانتباه كي لا تدعسه عن طريق الخطأ..

فكان فستان نادين حريري رقيق لونه نبيذي قصير يصل إلى ركبتيها بذيلٍ منفصل من الخلف ارتدت معهُ حذاء مرتفع نفس اللون، وصففت شعرها بعناية وتركته مسدولًا، وزين وجهها الباهت ببعض مساحيق التجميل الصارخة من أيدي لمار..

بينما لمار كان فستانها بني داكن أسدلت كتفيه وزينت عنقها بقلاده صغيرة رقيقة متماشية مع قرطها، ووشاح شفاف كانت تحوط به كتفيها الناعمين مع القليل من مساحيق التجميل التي أبرزت بها ملامحها الناعمة وانتعلت حذاء ارضي..
بينما في هذه الاثناء في منزل قُصيّ..

كان يقف أمام المرآة يعقد رابطة عنقه بتركيز وعقله سابحًا بعيدًا تحت مسمي غيمة التفكير فيما سوف يفعل وأين ستؤول به حياته وكيف ستنتهي اللعنة التي يعيش داخلها..
بينما جـنّـة كانت تلعب مع غرام في غرفة الجلوس لكن مهاتفة والدها هي من جعلتها تصعد إلي هُنا تحادثة وابتسامة رقيقة تعتلي ثغرها وهي تجلس على السرير تختلس النظر إليه كُل برهة وأخرى..

ضيق قُصيّ عينيه وابتسم وهو يحدق عبر المرآة في تلك الرأس الصغيرة التي تختلس النظر إليه من خلف إطار الباب وسرعان ماتختفي عِندما يلاحظ وتعود لمراقبته من جديد عِندما يبعد نظرة..
عاد بخطواته إلى الخلف، يسير بظهره وعينيه معلقة على المرآة مراقبًا الجروة الشقية التي تراقبه..
صاح وهو يلتفت إليها سريعًا: قفشتك..

ضحكت بصخب وركضت هاربة لكنهُ قبض عليها ورفعها بين يديه وهو يضحك أثناء عجزها عن التملص من بين يديه: هتروحي مني فين مستخبيه ليه عايزة ايه؟
لفت يديها الصغيرة حول رقبته متذمرة وهي تلاعب قدميها في الهواء: خلصت لعب ومش لاقية حاجة اعملها وزهقانة أوي يا بابي..
فكر قليلا وهو يضم شفتيه ثم سألها: تيجي معايا الفرح؟
أومأت بحماس وتوسلته بلطافة: بجد! موافقة خدني معاك خدني معاك..

ضحك وضمها بدفء ثم قبل وجنتيها وهو يتقدم بها إلى جـنّـة التي كانت تراقبهما بحنان، وضعها فوق قدميها لتحوطها سريعاً كي لاتسقط تزامنا مع قوله: لبسيها عشان هاخدها معايا دلوقتي..
هزَّت رأسها بخفة وهي تبتسم مراقبة عودته أمام المرآة لتتابع حديثها في الهاتف كأنهُ لم يقل شيء، ارتدي سترته فوق القميص بعصبيه وهو يحدق بها عبر المرآة بجمود، الا تفهم؟

مشط شعره بحركة عصبية ثم عاد ونزع الهاتف من بين يدها أجفلها، قذفه بعيدًا فتدحرج وسقط أسفل الكومود هادرًا بحدّة حاول بقدر الأمكان أن يكون هادئاً من أجل غرام التي تشاهد: انا مش قُلت قومي لبسيها؟ ابوكِ هيطير! اتفضلي قومي..
نظرت إلى الهاتف بحزن ثم قالت بانصياع وهي تقف بـ غرام: حاضر..

زفر وجلس محلها باقتضابٍ وهو يحدق في أثرها بجمود، ستظل تغضبه وتفقده صوابه وعِندما يتصرف بعنف تنصاع وتصمت كـ حملٍ وديع كي يؤنب نفسه وتكون هي الضحية البريئة وهو الجلاد الظالم..

جثى على ركبتيه وبحث عن الهاتف براحة يديه بضجر ليعقد كلا حاجبيه عِندما التقط ورقة مقوية وكما يبدو من ملمسها أن داخلها أقراص حبوب، ازاحة وأخرجه أمامه ثم تابع البحث متأففًا حتى شعر به أسفل يده فأخرجة بضيق وانتصب ثم جلس فوق الفراش، وضع الهاتف جانبًا و نفض كفيه معًا بقوة وأخذ يقلب الورقة بين يديه بعقدة حاجبيه..

مسح وجهه بعصبية وهو ينظر إليه بتدقيق، هذه ليست حبوب مسكنة للآلام ولا للصداع ولا لأي شيء لم يراها من قبل بالتأكيد يعود لـ جـنّـة هي من تأخذ حبوب صُداع كثيرًا رُبما نوعًا جديد لكن أليس غريب يشبه المخدرات؟!

أخرج قرص وتفحصه بعينين دقيقتين يبحث عن أسم أي شيء قد يعرف بها نوعه وهو يكذب نفسه بالتأكيد لن تقدم على فعل هذا لن تتهور! ازدرد ريقه وذكريات تلك الليلة تتوافد على عقله، هذه الحبة شبيهة باللتي ابتلعها ذلك اليوم بسبب الصداع وبعدها لم يدري بشيء كأنهُ خاض رحلة بعيدة دون أن يذكر تفاصيلها!

أخذ الهاتف الخاص بها مشدودًا وبحث عن ذلك الشعار المنقوش فوق قرص الحبوب باهتمام، مضطربا أيما اضطراب وهو يهز قدميه بتوتر منتظرًا نهاية بحثه، فهو يحاول باستماته أن يصلح ما تبقى بينهما وهي لا تساعد بتاتًا لا تساعد..

فتحت الغرفة بابتسامة إلى غرام التي سبقتها مهرولة إلى والدها بحماس، توقفت عن التقدم خلفها عِندما رأت المرآة مهشمة وهاتفها ساقط أرضًا أمامها بشاشة محطمة، ازدردت ريقها بخوف وانتقلت بنظراتها إلى قُصيّ لتتجمد الدماء داخل عروقها وتتعالى خفقاتها رعبًا، فهو لن يبقى على حياتها تلك المرة سيقوم بخنقها كما فعلت مع عشق، منعت غرام من التقدم ثم طلبت منها برفق بنبرة مهتزة وهي تمسح على شعرها: غرام يا حبيبتي ممكن تستني بابا تحت عشان هنتكلم مع بعض؟

أومأت بطاعة وهتفت بفرحة وهي تقفز تلاه ركضها إلى الخارج: هروح عند عمتو..

تقدمت منهُ بخطواتٍ متذبذبة تُقدم قدم وتؤخر الأخرى، تفرك كفيها معًا حتى تعرقا فلا مبرر لأفعالها وتستحق كل ما سيحل بها، توقفت أمامه وهي تطرق برأسها بخزي وصدرها يعلو ويهبط بعنف أمام نظراته الجحيمية الصادرة عن عينيه الدامية التي أحرقتها حية وقتلتها مئات المرات بشناعة، نفرت عروق قبضته من قوة شدة عليها كي لا يقوم ويهشم رأسها تلك المدمنة، ظن أنهُ سيء لكنها الأسوأ على الإطلاق..

قرأت ما يجول داخل عقله وعرفت مصيرها من نظراته، تعرف ماذا سيفعل لن يضربها ولن يعنفها نظرته تخبرها أنه سيفعل شيء أكثر ألمًا من كُل هذا..

ركعت أمامه على ركبتيها وحاولت الشرح والتبرير دون البكاء لكنها عجزت واجهشت في البُكاء: والله يا قُصيّ والله أنا بطلت وخدت قرار نهائي بكده، انا، انا، الفترة الأخيرة كُنت تعبانة بطريقة متتخيلهاش والله مكنتش قادرة استحمل حياتي، انا مش مبسوطة ولا سعيدة بنفسي عارفة اني غلطانة واستاهل اي حاجة تعملها فيا بس هو ده اللي كان مصبرني وبيفصلني عن الدنيا من غيرة معرفش كنت هبقى فين دلوقتي..

ضحك بسخرية وهو يهز رأسهُ ثم جأر وهو يقبض على فكها بقسوة وهدر بنبرة اتهام: تبقي فين؟ تبقي معايا في السرير..

هزَّت رأسها وهي تشهق ووقفت على ركبتيها أمامه قائلة بتبرير وهي تضع يديها فوق ركبتيه وعيناها تفيض من الدمع: لأ والله لأ، لما غرام رجعت قررت هبطل عشانها عشان أبقي أم كويسة ورميت كُل البرشام ودي كانت أخر واحده هاخدها بس رجعت عشان ارميها والله كنت هرميها بس ملقتهاش، اكتشفت بعد كام ساعة أنك خدتها، وحياتك عندي مكنتش عايزاك تقربلي وأنت في الحالة دي بس مقدرتش أبعدك لأنك كُنت وحشني..

قست ملامحه فوق تجهمه وتمتم بتبلد وهو يدفع رأسها للخلف بعنف: أنتِ عارفة أن البرشام ده ممكن يجننك يا متخلفة؟
هزَّت رأسها بهيستيريا ونفت وهي تشتنشق ما بأنفها بحالةٍ مذرية: مش ده، اللي في ايدك هو اللي بيعمل كده وده قديم كان ضايع ومعرفش راح فين ومبقتش أخد منه..

هل تخبره بكل وقاحة أنها تبدل بين النوعين الآن!، نظر إليها بقرف وغمره الاشمئزاز وهو يفكر بأنها كانت حُبه يومًا ما، من الخسارة حقًا أن يستنفذ طاقته عليها..
تمتم ببرود وهو يقف: متزعليش من اللي هيحصل بقي انا اديتك فرصتك وضيعتيها..
صرخت بحرقة وهي تهز رأسها وتشبثت في قدمه قبل أن يذهب متوسله بتضرع: لأ، يا قُصيّ اسمعني بالله عليك اسمعني متخدش غرام مني متخدهاش قـ..

قذف الحبوب عليها ودفعها من أمامه بسأم وغادر، فركوعها تلك المرة لن يجدي نفعا معهُ ولن يجدي مجددًا، لن يقع في نفس الفخ مرتين على يديها..
ـ غرام، غرام، يلا، صاح وهو يصفق باب الغرفة خلفه بعنف، لتقفز غرام من على قدم ريمة سريعًا لكن ريمة رفعتها من خصرها وهي تضحك، ثم طبعت قبلة فوق وجنتها وأوصتها: اديها لـ بابا وقوليلي ريمة بتقولك متزعلش، يلا..
أومأت وركضت بحماس إلي الأسفل..

مسد جبينه وهو يتحدث بثقل متجاهلا قهقهات الطبيب المنتصر بعد سماع موافقته على خوض الجراحة، فهو لن يترك طفلته مع مدمنة..
غمغم بغضب: كفاية ضحك بدل ما ارجع في رأيي!
توقف الطبيب ثم هتف بحنو: بكره بليل هتسافر جهز نفسك، أومأ وهو يتنهد بقوة وهمهم ليعتلي ثغرة ابتسامة حانية عِندما سمع صوتها الذي يقترب منهُ أكثر فأكثر.

حملها من الأرض وضمها إلى صدره بقوة وهو يشدد قبضته حولها لتقبل وجنته بدورها هاتفة برقة: عمتو بتقولك مش تزعل وخد البوسة دي..
دسّ رأسهُ في شعرها وهو يضحك ثم سألها بهمسٍ غلفه حنان بالغ: انا بحبك اوي عارفة كده ولا لأ..
رفعت رأسها واحتضنت وجنتيه براحتي يديها
وهتفت بابتسامة بريئة وهي تحرك أهدابها ومقلتيها تلمع: وانا كمان بحبك أوي أوي..
فلم يكتفي بهذا القدر من الحُب والكلمات المعسولة.

فهمس بالروسية وهو يقبل يدها:
Я тебя люблю
(أحبك)
ابتسمت بلطافة وقامت بالرد:
Я так тебя люблю, мой принц
(أحبك كثيراً يا أميري)
رفع كلا حاجبيه بتفاجئ وسألها وهو يضيق عينيه:
О, я твой принц?
(أوه، هل أنا أميرك؟)
أومأت و أجابت بثقة وهي تلثم جبهته:
Конечно, мой принц, ты герой моей истории
(بالطبع يا أميري أنت بطل قصتي)
شدد قبضته حولها بتأثر وهمس بسعادة:
Боже мой, мой кот хорошо вырос
(يا إلهي قطتي نمت بشكلٍ جيد).

ضحكت بنعومة وهتفت مشاكسة مثلما تعلمت من ريمة:
все это благодаря твоим деньгам папа
(كل هذا بفضل أموالك أبي)
ضحك وقرص وجنتها بخفة ثم أجلسها داخل السيارة جوار مقعدة ولف حزام الأمان حول خصرها ثم استقل السيارة وغادر مع كتلة اللطافة إبنته..
في هذا الوقت تحديدًا في الفندق داخل احدي الغرف..

وثب آدم إلى الغرفة وهو يثرثر أثناء تحديقة في حِلة عمّار التي يحملها بين يديه: قوم يا عريس عشان تلبس المأذون جه وأبوك قاعد معاه تحت مستنيك..

لم يأته رد، فوضعها من يده واستطرد وهو يخرجها من الكيس الخاص بها: ليلي اتصلت على تليفونك وعشان انت ناسيه معايا رديت انا لقيتها لمار المهم جهزتلك البدلة السودة بس لمار قالت إن نادين لابسة نبيتي فا غيرت البدلة كُلها عشان تبقوا زي بعض ايه رأيك؟ عمّار جايين في الطريق قوم إلبس!

لم يأته ردًا منهُ بل وجده يقف من مكانه وأقبل عليه بوجه جامد جعله يجزع وكاد يهرب راكضًا لكنهُ توقف عِندما أخذ عمّار البدلة منهُ وقذفها أرضًا ثم أخذ السوداء ودلف إلى دورة المياه كي يرتديها..
تنهد آدم وكاد يجلس لكن سمع طرق الباب، ابتسم وهرول إلى الباب بحماس لأنه يعلم هوية الطارق..

فتح الباب بابتسامة سرعان ما تحولت إلى نظرات تعجب عِندما وضع قُصيّ طفلة بين يديه بابتسامة بلهاء وهو يقول أثناء دخوله وغلق الباب خلفه: سلِّمي على طنط يا حبيبتي، عمّار، عمّار أنت فين؟!
قبلت غرام وجنته وهمست بلطافة: ازيك يا عمو..
نظر آدم إلي وجهها بتمعن ثم إلى قُصيّ وتمتم بتعجب: قصي أنت بقيت تخطف أطفال ولا ايه؟ مين دي؟ دي شبهك!.
ضحك قُصيّ ونظر إليه نظرة ذات مغزى بينما يقول: شبهي تبقي ايه؟

اتسعت عينيه وهزَّ رأسهُ وهو يتمتم بعدم تصديق: لأ، أوعي تقولها؟
ابتسم قصي وهو يومئ وحرك يديه يحثه على التكملة: ايوه ايوه قولها قول قُصيّ دي بنتك ايوه بنتي ايه!
أبعد آدم نظره عنهُ ثم نظر إليها مجددًا بذهول وهتف باستنكار: ازاي يعني؟ جت أمتي؟ من مين عشق؟
اختفت ابتسامة قُصيّ وهتف بهدوء: لا جـنّـة، فين عمّار عشان اتكلم مرة واحدة؟

ـ قول سمعك، التفت إثر صوته البارد ليبتسم ببلاهة وهو ينظر إليه ويدعو بداخله أن لايتهشم وجهه الليلة..
بينما في هذا الوقت في الأسفل..
تأففت ليلى بغضب وصاحت بعصبية داخل السيارة المتوقفة من دقائق أمام الفندق: هو مجاش ليه البيه لحد دلوقتي؟
تنهدت لمار وحاولت الإتصال به مجددًا وهي تتمتم: انا كلمته وآدم هو اللي رد وفهمته كل حاجة ودلوقتي محدش بيرد خالص..

زفرت وبدأت بهز قدميها بتوتر وهي تنظر من النافذة تبحث عنه بناظرها بلهفة غير ملحوظة بينما نادين كانت جالسة في الجانب الآخر شاردة تقبض على الساعة بقوة وغيمة الغم تُخيم فوق رأسها..
هتفت لمار وهي تترجل من السيارة: انا هدخل اشوفه خليكِ هنا..
في الغرفة في الأعلى..
هتف قُصيّ بجزع وهو يعود إلى الخلف عِندما خلع عمّار رابطة عنقه ثم خلع خاصته ونظر إلى آدم وسأله ونظره معلق على رابطة عنقه هو الآخر بـ شر: عايزها؟

نفي آدم بـ هز رأسهُ ليخلعها عمّار عنه بنظرة خاوية ثم أوصل الثلاثة ببعضهم البعض وهو يحدق في قُصيّ بنظراتٍ قاتلة ليهمس الآخر بخوف وهو يعود إلى الخلف حتى سقط فوق السرير فهتف بجزع: على فكرة يا عمّار أنا مليش في الرجالة لو بتفكر في اللي انا بفكر فيه وانت عارف كويس..
أمسك قدميه وقام بربطهما معًا أثناء ثرثرته التي لا تنتهي: متربطش جامد بس عشان تتفك بسهولة واحنا نازلين مين هيشهد علي العقد لما تربطني ها؟

رفع نظره إليه لـ يزدرد قُصيّ ريقة بحلق جاف وهتف مستفهمًا وهو يضيق عينيه: مش عايز؟ معنديش مانـ، صرخ به أفزعه: هات إيدك..
قرب يديه معًا وهتف بانهزام: الاثنين اهم ميغلوش عليك والله، رفع رأسهُ ونظر إلى آدم المتشفي به وغرام التي تضحك باستمتاع ظنًا أنهما يمزحان..

أوصاه قُصيّ بتأثر وهو يقول بدرامية: بنتي أمانة في رقبتك يا آدم دخلها مدرسة انترناشونال وخلي بالك من لغتها مش عايزها تنساها ها ودلوقتي سِد ودانها عشان البكابورت هيفتح علينا، يلا
وضع آدم يديه على أذنيها بنفسه وهتف بسخط: بس يا خاين بس مش مصدق نفسي لأ أنت مش قُصيّ لأ..

قهقه وأردف باستخفاف: كبرتو الموضوع يا جماعة مالكم ما أنا قُلت ظروفي والمفروض أنكم تعذروني الله! وبعدين انا قُلت دلوقتي عشان مش فاضيين والموضوع يعدي ما لكم قافشين فيا ليه؟ مش عندك فرح يا بني اتفضل سيبني..

دس عمّار بقية ماتبقي من رابطة العنق في فمه كي يصمت وصرخ في وجهه أجفله: كبرنا الموضوع؟ أنت بجح ليه ياها؟ ازاي تفضل ساكت كل الفترة دي ومتقولش؟ وأصلا ازاي قدرت تعمل حاجة زي كده؟ دي الخيانة أهون من القرف ده!

هز رأسهُ وهو يهمهم عاجزًا عن التحدث لكن ملامحه كانت أقرب للضحك وهو ينظر إليه بعينان متسعة جعله يقول باستنكار: بتضحك ياعديم الاحساس؟ أنت عارف يا قُصيّ، هزَّ رأسهُ بنفي بنظره معبرة أخبر عمّار من خلالها أن يصمت ولايتابع ما أراد أن يقول فلن يكون جيدًا سماعة بتاتاً..

أوصد جفنيه بنفاذ صبر و انتفخت أوداجه ونفرت عروقة ورفع يديه وهو يزفر راغبًا بتطبيق وجهه بين يديه وسارع بتنفيذ هذا لكن صفق الباب بقوة عقبه صوتها الغاضب أوقفه: انتوا بتهزوا واحنا ملطوعين في العربية تحت؟
انتصب عمّار ووقف ثم سألها بوجوم: دخلتي ازاي؟ وازاي خدتى المفتاح من تحت؟
عقدت يديها أمام صدرها وهتفت بتهكم: قولتلهم أني عروستك..

زفر والتقط سترته وغادر الغرفة متخطيا إياها دون إضافة شيئًا آخر، ليتحرك آدم ولحق به ليبصق قُصيّ الرابطة من فمه بعد عناء وشق الأنفس..
صاح بغضب: فكني يا بني آدم وسيب البنت..
ترك آدم غرام فوق المقعد وذهب بعد أن ألقي عليه نظرة عتاب دون أي يقترب منهُ، مارا من جوار لمار دون أن ينظر إليها وهي لم ترفع نظرها إليه بدورها بل كانت تشدد قبضتها فوق وشاحها بخجل يسيطر عليها بسبب ماحدث آخر مرة..

صاح بيأس وهو يحرك معصمه بعنفوان حتى تألم: أنتِ يا مزة تعالي فكيني مين قال اننا بنهزر؟
تقدمت منهُ بإحباط وجاورته في الجلوس وهتفت بحزن وهي تنظر في العدم دون أن تلتفت إليه: ده حتي مبصش في وشي انا وحشة؟
نفي قائلا باستنكار وهو يشملها بنظرات تدقيقية: مين اللي قال الكلام ده بس لولا اني اعرفك كُنت قُلت مين الصاروخ اللبناني اللي دخل علينا ده؟

ضحكت بملامح حزينة وهي تضم شفتيها ثم سألته باستفهام وهي تنظر بينه وبين غرام: مين عمل فيك كده؟ ومين الكميلة دي!
أردف ممتعضًا وهو يعقد كلا حاجبيه: عمّار كان بيروش عليا بس فكيني بقي عشان الهيبة راحت قدام بنتي حسبي الله..

صاحت بتفاجئ وانبهار وهي تقف: بنتك؟ أنت مخلف الله، وتركته وهرولت إليها بحماس، جلست القرفصاء أمامها وراقبتها بأعين براقة وهي تبتسم بحنان، ثم رفعت يدها وربتت على وجنتها بنعومة وسألتها برفق: أنتِ أسمك ايه يا كميلة أنتِ؟
قلب قُصيّ عينيه ولوي شدقيه وهو يراقبها، سيظل هُنا حتي الصباح ولن يحل وثاقة أحد..
صاح بصوت مرتفع متهكم: أنتِ يا حنينه تعالي فكيني عايز الحق كتب الكتاب..

تركت غرام رغمًا عنها وهرولت تفك وثاقة بتركيز دون أن تبعد خصلاتهارالتي تهدلت فوق كتفيها مع حركتها أمام وجهه ورائحتها تخترق أنفه..
أبعد رأسهُ قليلا إلى الخلف وهتف بثقة وهو يأخذ شهيقا طويلا: من موقعي هذا بقولك انك هتتجوزي آدم..
رفعت رأسها بملامح متأثرة وهتفت بنبرة آملة: بجد! بالسرعة دي؟
سألها باستفهام وهو يضيق عينيه: بالسرعة دي؟ اومال أنتِ عايزة تمشي معاه في الحرام الاول ولا ايه؟

ضحكت وهي تهز رأسها بنفي ثم قالت بتبرير وهي تقف باستقامة: مش قصدي بس جواز وواثق اوي كده منين؟!
تمتم بشرود وهو يحل وثاق قدميه بنفسه: كُل حاجة بتيجي بالوقت وكُلها شويه وقت صدقيني، يلا..

ترجلت ليلي من السيارة بغضب عِندما أبصرت عمّار يقبل عليها، ساعدت نادين بالنزول وهي تبتسم في وجهها رغمًا عنها، توقف عمّار أمام السيارة بملامح جامدة لا تفسر مراقبًا تقدم كلتاهما منهُ بنظراتٍ ثاقبة لـ تتوحش ملامحه فجأة ويسحق أسنانه سحقًا وتغيم عينيه في سوادٍ قاحل عِندما رأي هيئتها كليًا..
تلك العجوز من تظن نفسها كي ترتدي ملابس بهذا القُصر وكعب حذاء مرتفع بتلك المبالغة! هل تريد أن تقع وتنكسر رقبتها؟

توقف أمامه بثبات ثم دفعت نادين بخفة لتتقدم منهُ لكنها ظلت جامدة لا تتحرك بسبب عينيه التي لم تسقط عن والدتها قط، دون أن يفكر بها أو بأحد ظل يحملق بها من أعلاها لأخمص قدميها بأعين جاحظة حمراء من فرط العصبية اربكها واخافتها في آنٍ واحد..
وكزه آدم في مرفقة بقوة كي يفيق هامسًا من بين أسنانه: مش دي يا عمّار مش دي هتفضحنا فوق!

لم يستمع إليه من الأساس بل كان يتأملها بغضب رغم هذا لم يتجاهل جمالها الآخاذ، إنها باهتة رغم أناقتها المذهلة حزينة وعرف من عينيها المنطفأة، تكابر وستظل تكابر و سيجعلها تندم في نهاية المطاف..
دفع قُصيّ ذراعه وانسل من بينهما وتقدم من ليلى بابتسامة مشاكسة، مال وقبل يدها بلباقة وعرض عليها وهو يغلق زر سترته الأوسط ثم مدّ مرفقة: تسمحيلي بالشرف ده؟

ابتسمت ملاطفة ثم ترفقت ذراعة وسارت معهُ لـ يزيح عمّار قليلًا بيديه وهو يقول بغرور: وسع يا حبيبي كده معلش وهات العروسة و تعالي ورايا..
قهقهت لمار ولحقت به وهي تسحب غرام خلفها برفق تنظر إليها كل خطوة وأخرى بابتسامة حانية..
التفت عمّار يحدق بهما بفاه فاغر يراقب كيف يسيران دون اهتمام، تمتم بعدم تصديق تأثيرًا لـ صدمته وهو ينظر إلى آدم: ايه ده؟

هز رأسهُ بنفي وقال بهدوء: مفيش يلا خد نادين وادخل، مبروك يا نادين..
ابتسمت ابتسامة باهتة وكان ردها عليه إيماءة خافتة بالكاد رأها وقبل أن تفكر في الحديث كان عمّار يعتقل قبضتها ويسير بها إلى الداخل بخطوات سريعة لكنها جاراته دون الاعتراض، توقفت أمام باب القاعة وهي تشد على يديه بقوة وقلبها يلكم قفصها الصدري بعنف تريده أن يتوقف..

نظر إليها بعدم فهم ولم يمهلها فرصة كي تتفوه بنصف حرف وتابع دخوله وقبضته هي من كانت تشتد فوق يدها بقوة، اخترقت أذنيه تلك الهمهمات والهمسات المتملقة عِندما وضع قدميه داخل القاعة معها فأطبقت الروائح المنبعثة منهم على أنفاسه فازداد قرفا و اختناقا..

انسل رامي من جانب والده ومرّ بين الجموع بوجه باهت واقترب أكثر من الطاولة التي ترأسها الشيخ وظل يحملق بهما بعدم استيعاب وقلبه يخفق بخوف بالتأكيد أصاب عينيه خطبا ما!، فغر فاه بذهول عِندما تأكد وهز رأسهُ برفض لـ تلك الحقيقة المتجسدة أمامه، ماهذا الآن! أنه سيصاب بذبحة صدرية ولن يتحسر فقط كيف أتت إلى هُنا؟ ما هذا الحظ السيء الذي يملكه يا إلهي؟! لو استمع إلى والده لكانت الآن زوجته هو..

ضمت ليلى يدها إلى صدرها وهي تنظر إلى نادين بحنان ثم بعثت لها قبلة في الهواء بأعين دامعة متأثرة فابتسمت في وجهها بعذوبة وهي تبلع غصه مريرة وقبضتها تشتد فوق الساعة بقوة..
ـ فين وكيل العروسة..
كان سؤال الشيخ وهو يفتح الدفتر
صاح قُصيّ وهو يجلس فوق المقعد المجاور للشيخ: أنا وكيل العروسة..

نظر إليه عمّار نظرة خاوية محافظًا على ثباته الانفعالي ولو كان الأمر بيده لوقف واقتلع قلبه وقذفه للكلاب كي يتعظ، لهذا طلب أن يصحبها إلى الداخل، الماكر الخبيث يستحق القتل..

ألقى نظرة سريعة على جميع الغرباء الذي لم يعرف منهم أحداً ثم استقر بنظراته على ليلى التي لم تكن معهُ من الأساس كان نظرها معلق على ابنتها، ذلك الحب والبريق الذي يتوق لرؤيته في عينيها يراه الآن وهي تنظر إليها، ستظل هي أول اهتماماتها ولن تعبأ به مهما حدث..

لأنها إن كانت تفكر به ولو قليلا، لو كانت تهتم ولو بقدرٍ بسيط لم تكن لتتركه لإبنتها، كان يمكنها أن تلغي كل شيء وتبعده لا أن تعطيه أبنتها كيف تتحمل شيءً مثل هذا؟، ابتسم بمرارة وهو يذكر نفسه أنها تكرهه صحيح نسي هذا لأنها عانقته..

لا يعرف أنها يئست منهُ ومن سماع كلماته، سئمت من تعامله وتجاهله لكل ما تقول وتمسكه بشيءً واحد فقط وهو الزواج بها دون أن يكترث بـ نادين أو يفكر بها ولو بقدرٍ بسيط كما يريد أن تفكر هي به، هو لا يملك أطفالا كي يشعر بما تشعر هي وهذا سيظل فرقًا و حائلا بينهما..
طلب الشيخ أن يضع كُلا من قُصيّ ومتولي ايديهم في ايدي بعضهم متصافحين، فعل الإثنان ورفع الشيخ المنديل ووضعه فوق أيديهم..

رفعت نادين نظرها إلي عمّار مستغيثة بأعينها الدامعة وهي تهز رأسها كي يوقف هذا، حرك الشيخ شفتيه وكاد يبدأ لكن عمّار أوقفه بسرعة ووضع يده فوق يد والده وقُصيّ بانفعال وهو يلهث كأنه كان يحارب نفسه حتى توصل إلى هذا الحل..
أردف قُصيّ بسخرية: هنلعب كيلو باميه ولا ايه شيل ايدك..

شدّ على نواجذه بغضب وهمس بتحذير وهو يرشقه بنظراتٍ قاسية: أقسم بالله يا قُصيّ هتزعل مني جامد اوي، أبعد نظره عنه واستطرد وهو ينظر إلى الشيخ: قبل كتب الكتاب لازم اتكلم مع العروسة شويه في حاجة مهمة لازم تعرفها مش هتأخر عليك..
أومأ الشيخ بقلة حيلة ونظر والده إليه بنظرة محذرة كي لا يقبل على افتعال أي متاعب بينما ليلى عقدت حاجبيها وكتفت يديها أمام صدرها باعتراض..

أوقفها معهُ برفق وسار لتحتج ليلى قائلة: بعد كتب الكتاب اتكلموا براحتكم مش لازم دلوقتي..
ـ مالكيش دعوه، هدر بحدّة وسحب نادين معه متخطيًا إياها كـ نكرة تاركها تطرف بصدمة وهي تعيد قوله في رأسها مرارا وتكرارً، لكن لن تتركه مهما حاول لن يؤثر على نادين كي تتركه لن تسمح لهُ لهذا، ازدردت ريقها وابتسمت ببهوت محاولة حفظ ماء وجهها ثم هرولت خلفهما وانسل رامي هو الآخر ولحق بها..

ضرب راحة يده في الحائط في الخارج بجانب باب القاعة وهو يخفض رأسهُ يفكر كيف يخبرها أنهُ لا يُريدها دون أن يجرحها أثناء نظرها إليه بشفقة..
همست بإسمه بنبرة مهتزة: عمّار..
رفع نظره إليها ليتراجع عن الفكرة عِندما رأي عبراتها تتساقط وهي تحاول الوقوف باتزان دون ترنح، اقترب منها وهمس بحزن وهو يحاوط ذراعيها: نادين أنـ..

ـ أنا مش بحبك يا عمّار، قاطعته بصراحتها البحتة وصدمته ببقية حديثها الصريح وهي تستلم للبكاء: أنا آسفة يا عمّار، عارفة انك بتحب مامي وعجبتك من ساعة ما شفتها زي ما أنا عارفة انك قربت لي عشان توصلها..

اتسعت عينيه من بوادر صدمته دون أن يتجاوز هذا ويخفيه، هزَّ رأسهُ بتعجب وهو يبعد يديه عن ذراعيها بندمٍ، هل كان مكشوفًا إلى تلك الدرجة؟ لكن لم يفهم لمَ الأسف تتأسف لمَ لأي سبب تتأسف؟ حرك رأسهُ مشدودًا منتبهاً لكل حرف يخرج من بين شفتيها وكُله أذانٍ صاغية..

رفعت يدها تمسح أنفها وهي تضحك بسخرية وهتفت بنبرة مرتعشة خافته وهي تهز كتفيها، تنظر في عينيه بثبات والعبرات تتدافع وتتسابق عن التي ستسقط أولًا: انا مش زعلانة عارف ليه؟ عشان ده نفس السبب اللى قربتلك عشانه انت كُبري بالنسبالى يا عمّار يوصلني للي انا عايزاه عِرفت ليه!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة