قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية حب خاطئ للكاتبة هاجر الحبشي الفصل الثالث

رواية حب خاطئ للكاتبة هاجر الحبشي الفصل الثالث

رواية حب خاطئ للكاتبة هاجر الحبشي الفصل الثالث

-أرويني من رحيق شفتيكِ الكرزية المُلهبة حتى أكتفي و لن أكتفي أبداً-.

داخل أكبر محل بيع المصوغات في القاهرة..
كان يقف يعقد يديه أمام صدره يُراقب ما تفعل هي ووالدتها بثقب وعقله شارداً في تلك الوقحة المتسلطة هل هو إمرأة؟
لقد جنّ وركض إلي السيارة وكان سيلحق بها اللعينة ويُريها من الحُرمة مثلما قالت لكن نادين هي من هدأته بأعجوبة وجعلته ينسى ظناً أنه سوف ينسى حقاً!

لقد تفوهت بالكثير من الترهات وصمت ولم يتحدث لكن لن يظل هكذا كثيراً! هو يفضل أن يثور بدلاً عن صمته لأنه لا يرى بغضبه ولن يتضرر أحداً سواها سليطه اللسان تلك، هو لا يطيق ذرعاً كي يصفعها على شفتيها المثيرة هذه كي تصمت وتكف عن الحديث نهائياً لكن ليعلم أولاً إجابات الأسئلة التي لديهِ ثم يفعل ما يشاء..

نظر لها بتفحص من أعلاها لأخمص قدميها للمرة المليون اليوم ولا يعلم ماهية شعوره! منزعج من ضيق الملابس ولكنه يريدها أن تظل بها أيضاً كي يتأمل ذلك القوام الممشوق فهو يقدر الجمال ومن الجهل ألا يلتفت لها طالما يملك عينين تبصران!
لاحظ تلك الابتسامة الحنونة التي تعتلى ثغرها وهي تنظر إلى إبنتها كيف تنتقي ما يعجبها بحماس..

أطرقت رأسها ونظرت إلى أناملها الخالية من أي خواتم زواج وهي تبتسم بحزن، لقد حصلت على كل ماتتمناه أي فتاة، أموال، ملابس، سيارة، كل شيء امتلكته ؛ لكنها فقدت أمامه أبسط الأشياء التي أرادتها هي لم تملكها من الأساس حتى تفقدها لم تملك شيءً يوماً!
نفضت رأسها من تلك الأفكار وهي تحاوط خصر نادين وأسندت رأسها على كتفها تراقب ماتفعل بابتسامة فهي تكفيها وأجمل ماحصل لها لا تريد شيءً آخر..

التمعت عيناها ببريق إعجاب عندما وقعت عيناها على دُبلة ذهبية عريضة ممزوجة بالذهب الأبيض والأصفر معاً حوافها رقيقة نقشت ببراعة، تركت ليلى خصر نادين وأخذت الدُبلة من وسط شقيقاتها وهي تبتسم ثم وضعتها بأنامل نادين رغم إعجابها بها وقالت لها بابتسامة حنونه: دي جميلة أوي يا حبيبتي..

أومأت نادين وهي تبتسم برقة لـ يتحدث البائع مؤكداً: فعلاً حلوه، تقدم عمّار ووقف بجانبها كي يرى ما الجميل وقبل أن يتحدث رفعت نادين أناملها أمام وجهه وسألته: ايه رأيك في الدبلة دي؟ ماما نقتهالي..
قال على مضض بسبب رؤيته إلى ليلى وهي تنتقيها: أه حلوه، عبست بحزن وظنت أنها لا تعجبه!، خلعتها من يدها ووضعتها بعيداً وطلبت منه: نقي معايا إنت طيب!

أخذتها ليلى بغضب وقالت بضيق: دي حلوه يا حبيبتي مالكيش دعوة برأيه ده فلاح معندوش ذوق أصلا..
ضحك بسخرية وهو يمسد جبهته ضاغطاً على أسنانه بقوة داخل فمه لأن صبره بدأ ينفذ منها حقاً..
أخذ شهيقاً طويلاً ثم قال بضيق وهو ينظر لها: حماتي هي اللي هتلبس لو الدبلة عجباكِ أوي كده خديها ليكِ وخلاص!
نظرت له بحدة وقالت والشرار يتطاير من عينيها: وإنت مالك إنت حد كلمك ولا خد رأيك؟

زفر وهو ينظر لها بسخط بيّن لـ تبعد نظرها عنه بِكُره وهي تحرك شفتيها بدون صوت تأكد من خلاله أنها تسبهُ، ثم وضعت الدُبلة محلها بضيق ووضعت يدها بخصرها تنتظر رؤية ما سوف ينتقيه لكن صوت هاتفه صدح فجأة، أخرجه وكاد يغلقه لكنه رأي إسم والده، توقفت أنامله أمام زر الإغلاق ثم عاد خطوتين إلى الخلف وأولاهم ظهره وترك المحل ووقف يحادثه في الخارج..
هتفت بفظاظة وهي تراقب ظهره: آيفون كمان المعفن.

نظرت لها نادين بتعجب ثم سألتها باستنكار: مامي إنتِ من إمتى بتتنمري على الناس كده؟
حركت ليلى أهدابها بتعجب ثم قالت وهي تهز كتفيها: أنا بوصفة مش بتنمر عليه؟
وصل إلى مسامعه صوته الخشِن العميق: عامل ايه يا ولدي؟
تنحنح منظفاً حلقة ثم قال بهدوء واحترام: بخير يا بوي الحمد لله..
=: مش هتاجي ولّيه كِفاياك بُعاد عاد!
هز رأسه وهو يمسد جبهته ثم قال بهدوء: هاجي عن جريب..

رد بنبرة جادة لا تحمل المُزاح وهو يضرب بعصاه الأرض وصل صوتها إليه عبر الهاتف: يومين وتكون جِدامي فاهم؟ المشاكل بجِت كَتير ومفيش غيرك عيحِلها؟
تنهد وهو يلعن الجميع هُناك بسبب المشاكل والثأر الذي لا ينتهي ثم قال بطاعة: فاهم، يا حاج فاهم، بس حماتي لسـ، ألو، ألو؟، أغلق الهاتف وزفر بضيق وهو يعود إلى الداخل فكيف يخبرها؟ هي لن توافق بالتأكيد رُبما تصفعة عندما تسمع هذا!

زفر للمرة الألف وهو يراقبها بحنق وكم تمني خنقها بين يديه تلك المتسلطة اللعينة..
تحدثت ليلى بعدم رضى وهي تنتقي إحدي الخواتم الثقيلة من أجل نادين: ده حلو ده وتقيل خليه يِكُع ويدفع..
تنهدت نادين وهمست بخفوت: مامي شكله كبير على أيدي؟ وبعدين مش في جرامات حددناها مع بعض؟
هزت ليلى رأسها بضيق و قالت باقتضاب: مليش دعوة باللى إتحدد أنا ليا باللي هنجيبه أياً يكن هيدفع غصب عنه حتى لو أكتر..

مسد جبهته بنفاذ صبر وحاول ضبط أعصابه قدر الإمكان بعد سماع قولها الذي ظنت أنه كان همس وقال بابتسامة صفراء: أكُع ايه يا حماتي؟ إحنا إتفقنا على خمسين جرام؟
رفعت زاوية شفتيها بسخرية وهتفت باستخفاف: مش موافقة ده قُليل على بنتي! هُمه ميت جرام..
رفض بضيق: لأ كتير هُمه سبعين وكفاية أوي!

عقدت يديها أمام صدرها باعتراض وتقدمت منه بخطوات بطيئة متهادية وقالت بتحدي وهي ترفع رأسها له وعسليتيها تخترق خضراوية بضراوة: ميه وخمسين؟.
ضحك بصوت رنان وهو يمشط ذقنه بيده ونظرهُ معلق عليها فمن أين لها تلك الثقة؟، هز رأسهُ بسخرية جعلها تبتسم باتساع أظهرت صفيّ أسنانها اللؤلؤية ثم سألته وهي ترفع حاجبيها: ايه بخيل إنت ولا فقير؟

تقدم خطوتين إلى الأمام ومال عليها وهو يبتسم بخبث وظل صامتاً قليلاً يحملق في وجهها بتسلية دون التحدث ومازال يبتسم كـ المهرج أخافها حقاً وتعترف بهذا!
رأت المكر بـ خضراوية الداكنة التي كانت تخترقها بطريقة أثارت في نفسها الرعب!، إقترب أكثر لـ تضرب أنفاسهِ الباردة وجهها الدافئ مباشرةً عندما عرض عليها بهمس وهو يرفع حاجبيه بتسلية: متين جرام وأبدل العروسة؟!

هزت رأسها موافقة جعلته يتعجب هل وافقت حقاً؟ أم إنها حمقاء لم تفهم؟.
زفر وهو يهز رأسه بسخرية عندما سمع قولها وهي تأخذ نادين إلى الخارج: هيبدل العروسة! مش عايزك هيتجوز غيرك يلا مفيش شبكات..

أخذ شهيقاً عنيفاً وهو يضم قبضتيه ثم رفع ذراعه أمامهما أوقفهم وقال بنفاذ صبر: بهزر بهزر، خدي اللي إنتِ عايزاه و انا هستني برا، وتركهم وغادر بملامح متجهمة بالتأكيد حمقاء! بالطبع حمقاء لأنها لم تفهم قصده؟ يبدو أن لا أحد يفكر هُنا بقذارة سواه!

أطلق زفيراً حاداً خرج معه أنفاسه المتثلجة بسبب البرودة وهو يعقد يديه أمام صدره بضيق يحدق بالمارة وهم يسيرون ذهاباً وإياباً في هذا الصقيع بعمل من أمرهم، يُفكر ويُفكر حتى وجد ليلى ونادين تخرجان تترفق كل منهما يد الأخرى ولم ينتبهوا له من الأساس..
أوقفهم صوته البارد المتسائل: مجبتوش حاجة يعني؟
زفرت ليلى ينما نادين تحدثت بأسف: قفلت من المحل ده مش هجيب حاجة..

هز رأسه متفهماً ثم أخرج مفتاح السيارة من جيبه وأعطاه لها: أنا داخل اجيب الدبلة و استنوني في العربية عشان البرد، أومأت وسحبت ليلى معها بينما هو دلف ينتقي له واحده..
خرج بعد بعض الوقت ثم استقل السيارة لـ يجد ليلى من تجلس في المقدمة ونادين في الخلف كاد يسخر منها لكن نادين تحدثت بحماس: جبت الدبلة؟

أخرج الدبلة السوداء التنجستين من بين أنامله وأعطاها لها لـ تبتسم بنعومة وإعجاب وهي تقلبها بين يديها: جميلة أوي يا عمّار انا هلبسهالك..
إبتسم ومدّ ذراعه الأيمن لها، ادخلتها بـ خنصره وهي تبتسم ثم رفعت كفه أمام يد والدتها: بصي يا مامي الدبلة؟
نظرت لها ليلى ثم رفعت زاوية شفتيها بسخرية وهتفت: الفضة أحلي، ونظرت بالإتجاه الآخر..

نظر عمّار إلى نادين التي عبست وقال لها بكل هدوء: معلش ياحبيبتي ماما شكلها دقة قديمة شوية متفهمش في الحاجات دي معلش، حتى محصلتش الفلاح ياحسرة..
قضمت شفتيها ومررت يدها بشعرها بعصبيه وهي تتحاشى النظر له فهي لن ترد عليه سوف تتجاهله و تتركه بلا قيمه هكذا! وكأنه يهتم..
تحدثت نادين بحزن: أنا جعانة..
إقترح وهو ينظر لها عبر مرآة السيارة: تحبي تاكلي فين؟
ابتسمت بنعومة وسألته: هتعزمني؟

هز رأسه نفياً وهتف مُمازحاً: لأ طبعاً انا هوديكم المكان وإنتوا تدفعوا، قهقهت عليه ثم سألت والدتها: مامي ناكل فين؟، لم ترد عليها بل كانت شاردة تحدق من النافذة تفكر في كيفية التخلص منه..
بدأ هو في القيادة وذهب تجاه المطعم الذي يتناول به الطعام دائماً مع أصدقائه..

إبتسم وهو يسألها بهدوء: تاكلي إيه؟
هزت كتفيها وقالت برقة: أي حاجة خفيفة عشان مش باكل بليل أصلاً!
إبتسم آدم وهو يضيق عينيه ثم سألها بعبث: ده لزوم الدايت يعني؟
أومأت وهي تضحك ثم قالت بكل صراحة: طبعاً لازم أحافظ على رشاقتي ووزني المثالي إنت مش هتنفعني لما أتخن؟
صمت قليلاً وهو ينظر لها بحب ثم قال بحنان استشعرته: إنتِ حلوه في كل حالاتك!

توردت وهي تحمحم منظفة حلقها و مقلتيها أخذت تتجول على المكان بارتباك قاطعه وهو يقول بابتسامة كي يبعد خجلها: انا اللي عازمك و هتاكلي على مزاجي اعتبرية اليوم الفرى بتاعك!
ابتسمت تالين برقة وهو تومئ له وتركته يطلب هو الطعام على ذوقه وأخذ يتبادلان معاً أطراف الحديث بهدوء حتى قام بسؤالها مُمازحاً: عاملة ايه في الجامعة؟ جاهزه تكشفي عليا ولا هتكتبيلي علاج غلط؟

ضحكت وهي تبعد شعرها خلف أذنها برقة وقالت مؤكده: طبعاً هكتب علاج غلط ده كلام..
أومأ لها بتفهم ثم احتضن راحة يدها بين يديه فجأة جعلها تتعجب وقال برجاء: أرجوكِ اكشفي على ماما اول واحده..
ضحكت بنعومة وهي تومئ له بطاعة ثم قالت ك بخفوت وهي تهز رأسها: من عنيا الاتنين يا آدم إنت تؤمر..
إبتسم براحة وأكد عليها: أنا هعتمد عليكِ؟

أومأت له ومازالت تبتسم برقة وراحة لا تشعر بها سوى معه ثم قالت فجأة عندما تذكرت: اه صح ماما مش في البيت النهاردة، إبتسم تهللت أساريرة بسعادة ويدعو بداخله أن تحترق في الجحيم بلا عوده مجدداً..
تابعت وهي تصفق بحماس وسعادة: هاكل براحتي بقي..
نظر لها قليلاً ثم سألها بتعجب: وهي منعاكِ من الأكل ولا ايه؟

تنهدت وهي تمرر أناملها بشعرها بضيق ثم قالت بهدوء: آدم أنا مش هكذب عليك بس هي دايماً بتقولي أبعد عنك و معرفش ليه؟
ابتسم بأسى وسألها بعتاب: ومبعدتيش ليه؟

مالت إلى الطاولة أكثر جعلت المقعد يرتفع عن الأرض وهي تحتضن راحة يده التي كان يريحها على الطاولة بين يديها وقالت بحزن: عشان مش هقدر أبعد إنت اجمل حاجة حصلتلى يا آدم أخويا وصاحبي مش هقدر أبعد عنك! مفيش غيرك بيريحني ويسمعني ويهتم بيا حتى مصطفي مش بيعمل نص اللي إنت بتعمله!
اعتلى ثغره ابتسامة متألمة ثم سحب يده من بين يديها وقال بتعب: أنا مش أخوكِ وعمرى ما هبقي يا تالين!

كادت تتحدث لكن وجدت النادل يضع الطعام أمامهم فصمتت وهي تقضم شفتيها بتفكير فإن بدأت الحديث لن تتوقف حتى تسأله ذلك السؤال المُحير الذي يؤرق حياتها وليس يوم أو إثنين!.
نظرت إلى ملامحه الهادئة تراقبه كيف يتناول الطعام بهدوء وسكينة حسدته عليها فكيف يستطيع أن يُكوِن هالة الهدوء حوله بتلك الطريقة بينما داخله يحترق وتعلم هذا..
رفع نظره لها فجأة اربكها ثم أشر على طبقها وأمرها بحزم: كُلي..

أومأت وأخذت الملعقة من على الطاولة ومازالت تنظر له باستفهام لـ يقاطعها قوله وهو يقطع شريحة اللحم: مش هتشبعي لو فضلتي بصالي كتير كُلي!

أومأت من جديد وهي تزدرد ريقها بتوتر ثم سألته وهي تحرك الملعقة في الطبق دون شهية: آدم، رفع رأسه ونظر لها باستفهام لـ تتابع بتردد: إنت ليه ماقولتش من الأول إنك كنت بتدور على عروسة لـ أخوك!، ونظرت له في نهاية حديثها، لتجد ملامحه هادئه لكن وتيرة تنفسه عَلت بانفعال وصدره أصبح يعلو ويهبط بسرعة، ترك الطعام من يده ثم ارتشف بعض المياه بلل بها حلقة الجاف قليلاً، لـ تُمرر يدها خلف عنفها بارتباك وتابعت عندما وجدته صامتاً: أنا كنت فاكرة إنك إنت اللي هتخطبني مش تخطبني ليه؟

سألها وهو يضع يده على فمه بعصبيه: إنتِ كنتي عايزاني أنا في الوقت ده؟
بللت طرف شفتيها بلسانها وهي تحرك أهدابها بتوتر ظهر جلياً عليها ثم قالت بتلعثم: أنـ، أنـ، أنا، مش عارفة بس عشان إنت ماقولتش ولا جبت سيرة إنك عندك أخ أصلاً وفجأه تطلبني لأخوك غريبة مش كده؟

أومأ وهو يبتسم لها إبتسامة لم تري بها سوى الألم وقبل أن تسأله سبب كل ذلك الألم في نظراته قال بهدوء وكأنه يخبرها أسمه: غريبة فعلاً عشان كنت جي أخطبك ليا وفجأه لقيت أمي بتخطبك لأخويا و متهيألي ده يخليكِ تفهمي سبب المشاكل اللي بيني وبينها عشانك، عشان بحبك وكنت هتجوزك لكن خدتك مني وفي ثانية كنتي خطيبة اخويا عرفتي ليه؟

تدرج وجهها بألوان قوس قزح السبع وهي تنظر له بأعين جاحظة وعدم تصديق! أنفاسها بالكاد كانت تخرج وصدرها يعلو ويهبط بعنف مؤلم وهي تعيد قوله داخل رأسها ألاف المرات! هل إعترف بحبه لها الآن؟.
رفع نظره لها وقال بنبرة عادية وهو يبتسم: متستغربيش أوي كده؟ عشان دي الحقيقة اللي كنتي هتعرفيها في أقرب وقت برده!.

نظرت له بذهول واستنكار في أنٍ واحد وهي تهز رأسها للجانبين وخاصة بسبب ابتسامته الهادئة رغم كل ما تفوه به!، تركت الملعقة من يدها بارتجاف عندما سمعت بقية قوله لـ تترقرق الدموع بعينيها: متستغربيش هدوئي عشان انا عديت مرحلة الألم والإنكسار دي من زمان؟

أمسك المدّية من على الطاولة وقام بغرسها داخل قطعة اللحم بعنف أصدر صوتاً جعلها تقشعر عندما احتك طرفها بالطبق وتحدث بغضب وأعين حمراء مدمية شاعراً بالدماء تغلي داخل عروقه: أوضتي جنب اوضتكم يا تالين عارفة يعني ايه؟ يعني بسمعكم وإنتوا مع بعض بسمعة وهو مبسوط وبياخد حاجة من حقي أنا!، ضغط على المدّية أكثر وهو يضربها داخل الطبق حتى تهشم وقال بقهر: صوتك! عارفه انا ببقي عايز اعمل في ايه وانا سامعك؟ عمرك حسيتي بالحسرة على حاجة كانت بين إيديكِ وضاعت منك ومش قادرة توصلّلها تاني؟

رفع يده التي كانت ترتجف بانفعال ومررها على وجهه بعصبية وتابع بعذاب وهو يرى عبراتها: روحي بتتحرق وأنا شايفك بتتعذبي بسبب إهماله ليكِ ولا كأنك موجوده وأنا هنا مستعد أبوس التراب اللي بتمشي عليه عشان تقبلي بيا وإنتِ مش شايفاني؟!

هز رأسه بعصبية وأعاد مبتسماً وهو يأشر عليها: لأ، لأ شايفاني، شيفاني أخوكِ! بس أنا آسف مش هقدر أبقي أخوكِ ولو هتفضلي شايفاني أخوكِ يبقى تسمعي كلام حماتك وتبعدي عني أحسن، وترك الطاولة بغضب ودلف إلى دورة المياه..

زاغت عينيها وهي تحدق في ظهره وهو يبتعد ثم هربت شهقتها بألم وهي تدفن وجهها بين راحة يديها فكيف من المفترض أن تتعامل معه بطريقة طبيعية بعد اعترافه الذي جعلها تندم أضعاف مضاعفة بسبب زواجها الفاشل من شقيقة..

محت عبراتها بألم بعد بعض الوقت وهي تمسد صدرها براحة يدها مع إقتضاب ملامحها بسبب أنفاسها المسلوبة وكأن أحدهم كان يقوم بخنقها بعنف ثم تركها الآن، لقد صعب عليها كُل شيءٍ ليتها لم تسأله ولم تتفوه بحرفٍ واحد..
لقد جعلها تشعر بالذنب والتأنيب وسوف تظل توبخ نفسها بسبب حالته لما تحدثت لما؟! ليتها ابتلعت لسانها قبل أن تسأله بسبب فضولها اللعين..

اعتدلت بجلستها ثم ارتشفت كوب المياه بأنفاس متسارعة كادت تسعل أثرها، تفكر فيما سوف يحدث بعد هذا!
أطرق رأسه أمام المرآة، أنفاسه متسارعة وكأنه كان يركض في ماراثون لساعات طويلة، قفصة الصدري يكاد يتهشم أثر دقات قلبه التي أصبحت قاسية كي يتحملها، أعصابة تالفة يكاد يسقط بقوة خائرة..
أطبق جفنيه بقوة وهو يلهث موبخاً نفسه، لما أخبرها الآن؟ سوف يخسرها هكذا؟!.

ضرب الرخام الصلب الملحق بالحوض بغضب عدة ضربات وهو يلهث بتقطع شاعراً بتخدر يده وارتجافها ثم رفع رأسه ونظر إلى انعكاس صورته في المرآة بكُره ورفع قبضته كي يلكم نفسه في المرآة لكن يد قوية أمسكت بقبضته أوقفته مع قوله بتسلية: كده تعورى نفسك يا لوزه إهدي..
نزع يده من بين يديه بعنف ثم نظر بجانبه بتهجم تحول إلى تفاجئ مع قوله بتعجب: عمّار؟ إنت بتعمل ايه هنا؟

أغلق حزام بنطاله وهو يقول بسخريه: كنت بفضي التنك همه بيعملوا ايه في الحمام؟
تنهد آدم وهو يضم قبضته بنفاذ صبر: عمّار قصدي بتعمل ايه في المكان نفسه؟
قال بامتعاض وهو يخرج زجاجة العطر الصغيرة من جيب سترته كي يضع منها: عازم حماتي وبنتها على العشي إيكش تطفحة وتموت عشان أخلص..
تنهد آدم وصمت وهو يولي ظهره إلى المرآة مهموماً..

استفاق على ذلك الرزاز الذي ضرب وجهه لـ يلعنه بضيق وهو يمسح وجهه بذراعة: يا عم الله يحرقك حد قالك عايز زفت اتفضل شوف انت رايح فين يلا
ضحك عمّار وسأله بتأثر: إنت بتدعي عليا مكنش العشم! وعلى فكره أنا شوفت البت تالين براا و، وصمت عندما أمسكة آدم من ياقته بضيق جعله يضحك: مين دي اللي بت وتشوفها ليه أصلا؟
هز عمّار كتفيه بقلة حيلة وهتف بعبث: عيني اللي شفِتها مش انا! أصلي بلقطهم من على بُعد..

زفر آدم هو ينظر له عاجزاً عن لكمه لأن يديه من ستؤلمة وليس فك ذلك اللعين، ضحك عمّار وقال بأسف وهو يربت على كتفه: عارف إنت نفسك في ايه بس مش قادرة معلش أنا هخرج دلوقتي وهسيبك بس تخرج ورايا وملكش دعوه بالإزاز إنت الدلوعة بتاعتنا ومنقدرش نشوفك متعور ماشي يا بيضة متتأخرش، وتركه يضحك وغادر..

قذفت قائمة الطعام من يدها وهي تد حجها بنظرات حادة ثم وبختها: إنتِ هتختارى أكل زي الناس ولا لأ؟ مش شايفة نفسك قربتي تختفي! اتفضلي أطلبي أكل عِدِل بدل والله هقلب عليكِ..
أومأت نادين وهي تقوس شفتيها ثم قالت بخفوت: هستني عمّار ونطلب مع بعض..
زفرت وهي تأخذ قائمة الطعام من جديد ثم نظرت بداخلها بوجوم وهي تهمس لنفسها: عمّار وزفت اللي طلعلنا في المُقدر الجديد..

أبعد المقعد ثم جلس بهدوء لـ تنتشر رائحته عطرة في أرجاء المكان جعلتها تتقزز بطريقة أظهرتها له وقد لا حظها..
تجاهلها وإبتسم ثم سألهم بهدوء: طلبتوا؟، هزت نادين رأسها بإحباط فابتسم وقرص وجنتها بخفة ثم أخذ قائمة الطعام ونظر بها هو وهي معاً حتي أتي النادل الذي رحب بـ عمّار بحرارة: عمّار باشا نورتنا..
إبتسم عمّار وهو يضرب كتفه كـ ترحيباً به هو الآخر وأوصاه: عايز تظبطنا النهاردة..

أومأ النادل وهو يبتسم ثم قال: تحت أمرك، تطلبوا ايه؟
تحدثت ليلى بهدوء: عايزه ستيك أوت، أومأ لها هو يقوم بتدوين طلبها ثم نظر إلى عمّار لـ يقول بشهية مفتوحة: عايز كوارع، هزت رأسها بسخرية وهي تسبه فهو خنزير، أومأ له النادل وهو يدون طلبه ثم نظر إلى نادين فقالت بحماس: وأنا زيه كوارع، أومأ لها ثم تركهم وذهب..

نظر عمّار خلفه يبحث عن آدم لكنه لم يخرج بعد، تحرك وكاد يذهب ويجذبه من شعره لكن ظهر وهو يتقدم من طاولته بهدوء..
جلس وهو يبتسم ابتسامته الهادئة تحت نظرات تالين المتعجبة وكأنه لم يقول أي شيء منذ دقائق؟!.

تحدثت بتفاجئ جعلها تخافه: إيه ده الطبق مكسور!، هز رأسه بأسف ثم لملمة ووضعه جانباً على الطاولة و سألها بابتسامة: أكلك برد صح؟ هطلب غيره، وأشر إلى النادل كي يأتي له وظل يتحدث معها بهدوء في مختلف الموضوعات وكأنه لم يقول شيء حقاً جعلها تشك بنفسها وكأن ماحدث كان هلاوس رأتها وحدها!

تحدث عمّار عندما طال الصمت وكل واحداً منهم يحدق بالأخر لبعض الوقت ثم ينتقل للأخر ثم الأخر: حماتي، كان في حاجة مهمة عايز أناقشها معاكِ!
نظرت له بانتباه، بملامح مقتضبة لـ يقول باستنكار: هو أنا قلتلكم قتيل ولا ايه البسمة في وجه أخيك صدقة في ايه؟!
زفرت وهي تسمد جبهتها ثم قالت له بدون تعبير: خلص وقول عايز ايه عشان لما الأكل ييجي هاكل ومش بتكلم وأنا باكل ولما أخلص هاخد بنتي وهنمشي!

نظر بساعة معمصة وسألها بتعجب: تمشي ايه دي كوارع! وبعديـ، أصمتته عندما رفعت يدها أمام وجهه وقالت بسخط: إنت بتتكلم كتير ليه؟ قول اللي عندك وخلصني..
إبتسم بإجرام وهو يضع أناملة الباردة على شفتيه و مقلتيه الداكنة تتجول على وجهها الحانق فإن لم تتوقف عما تفعل سيكسر ساقها التي تهتز أسفل الطاولة تلك المُتكبرة..

أضاع الوقت تاركاً العنان إلى خضراويه تخترقها بنظراته القاتمة دون أن يرف له جفن، بينما هي كانت تتجاهل تلك النظرات وكأنه لا يجلس معها حتى إلتقطت عينيها سعيد الذي لا يتوقف عن طلب زواجها يجلس على طاولة وحده يتناول طعامه بهدوء، رفعت نظرها فجأة لتقع عينيها بأعين نادين التي تنظر لها بلوم، أبعدت نظرها عنها بضيق ليصل النادل بالطعام في هذا الوقت وبدأ بوضعه أمامهم بهدوء ثم تركهم وغادر بعد انتهائه..

بدأت تناول الطعام بهدوء تحت نظراته التي كانت تراقبها وهي تقطع قطعة اللحم بحدة وانفعال فهي تتعارك معها لا تقطعها!
تحدث بهدوء ويعلم أنها تستمع له: أنا لما قابلت نادين أول مرة اتفقت معاها إن موضوع جوازنا لو تم ومشي هتيجي معايا إسبوع اثنين أو شهر بالكتير البلد عشان تتعرف على أهلي وكانت موافقة وطبعاً مش هتبقى لوحدها وهتكوني معاها طبعاً و ياريت رد سريع عشان مسافر بُكره بليل..

ابتسمت وهي تترك الملعقة من يدها ثم أسندت مرفقيها إلى الطاولة وشابكت يديها معاً وسألته باستفهام: ومين قالك إن موضوع جوازكم مشي معلش؟
همست نادين بحزن: مامي!
نظرت له بحده ثم قالت بقسوة: إنتِ تخرسي خالص مسمعش صوتك، كنتي تتجوزيه بالمرة جاية على نفسك ليه مش اتفقتي معاه روحي ما إنتِ مالكيش كبير ومش عارفه اسيطر عليكِ..

أطرقت رأسها بحزن و أدمعت عينيها لـ تتابع ليلى بحده وهي تنظر له: مش موافقة وحتى لو وافقت محدش مسافر معاك مش دي العروسة! يجولها لحد عندها عشان يشوفوها مش هتروح في حته..

تنهد وشرح لها بنفاذ صبر: مش موضوع عروسة ومش عروسة؟ السبب في السفر مش عشان يشوفوها بالمعني الحرفي! كفاية صورتها او مكالمه تليفون وطالما أنا اختارتها محدش هيتكلم؟ كل الموضوع إني عايز يكون في وِد بين العلتين مش أكتر والمفروض عليتها اللي هو إنتِ وإنتِ مصعبه الموضوع من كل إتجاه ومش فاهم ليه؟

هتفت ببرود وهي ترفع حاجبيها: ولا عمرك هتفهم وبقولك تانى اهو مش موافقين روح شوفلك عروسة ثانية غير بنتي وعرفها على أهلك..
مرر يده على وجهه بعصبيه وسألها بوجوم: يعني ايه؟
حركت شفتيها باعوجاج استفزه وقالت ببرود: يعني أخرنا مع بعض الأكله دي وكل واحد يروح لحاله..

هربت شهقتها وهي تذرف الدموع بحزن، نظر لها عمّار ثم مد يده ومسح عبراتها فـ عانقته وهي تبكِ بحرقة دافنه رأسها بصدره الذي احتواها جعل ليلى تنظر له بكُره مضاعف تم تركت الطاولة وذهب تجلس مع سعيد فهي لا تطيق النظر لوجهه البغيض..

ربت على شعرها بحنان بيد كي تهدأ والأخرى كان يربت ظهرها صعوداً ونزولاً ببطء ثم تحدث بنبرة ذات مغزى ونظره معلق على ليلى تلك اللعينة سيُريها: مش هسيبك و هتسافرى معايا وهتشوفي مش هسيبك
فصلت العناق ورفعت رأسها له، نظرت له بوجهها الباكِ وقالت بنبرة مرتجفة: بجد يا عمّار؟

أومأ مؤكداً وهو يقرص وجنيتها بابتسامة: طبعاً بجد هو أنا بقول حاجة ومش بتحصل؟، هزت رأسها بنفي فتابع مع إتساع ابتسامتها: سبيلي انا ماما وكل اللي عليكِ إنك تجهزي الشُنط بس، أومأت موافقة وهي تستنشق ما بأنفها لـ يتابع وهو يأخذها خلفة: ويلا بقي تعالي نرقص..
اوقفته وهي تقول بعبوس: أنا جعانة إستني آكل، أومأ وقرب الطعام أمامها وراقبها وهي تأكل بابتسامة كـ طفلة تسقط الطعام عليها كل برهة وأخري..

قهقهة وهو يزيل بقايا الطعام من حول شفتيها بإبهامة لـ ترمش بتعجب ثم سألته وهي تجفف شفتيها بالمنديل: عمّار إنت مش بتقرف؟
نظر لها بتعجب ثم لاحت على شفتيه ابتسامة ماكره ليقول: أقرف من إيه بس يا قمر إنت يا قمر، ضحكت بنعومة واقتربت ثم قبلت وجنته برقة وأطعمته معها وهي تتحدث بإعجاب: جميلة أوي الكوارع دي يا عمّار بتعملوا منها عندكم في البلد؟

ضحك بـ تسلية وقال وهو يبتسم: مش هتلاقي هناك غيرها يا قلبي، ثم بدل لهجته إلى الصعيدي وهو يلاعب حاجبيه: بس مش عجولك غير إنك هترتربي من كتر الوكل يا بت يا نادين وعتبجي كيف الجاموسية..

ضحكت بأعلى صوتها جذبت الأنظار وهي تضرب كتفه جعلته يبتسم وهو ينظر لها ثم حاوطها وأطعمها بيديه عندما وجد ليلى تنظر لهم بضيق لـ يبادلها بابتسامة صفراء وهو يمد يده وحمل شوكتها التي كان عالقاً بها بعض اللحم الذي تركته وذهبت، رفعها أمام وجهها وكأنه يسألها أتأكل معه ثم هز رأسه بأسف مصطنع عندما وجدها بعيدة ووضعها في فمه ومضغها بتلذذ وهو يهز رأسه كأنه يمثل أحد الإعلانات..

لعنته بهمس وهتفت بغضب: يارب تقف في زورك وتموت يابعيد..
سألها سعيد بتعجب: مين ده يا ليلى اللي يموت؟
ابتسمت بتكلف وقالت بهدوء: ولا حاجة..
سألها وهو يتناول طبق ليلى بنهم: مين اللي حماتى قاعده معاه ده؟
ردت نادين وهي تلتقط أنفاسها من كثرة الطعام فهو طيب: ده سعيد الناجي شريك ماما واتقدملها للجواز بعدد شعر راسها يا عمّار بس مش موافقة!
سألها بسخرية وهو يتفحصه بخضراوية: ليه صعيدي هو كمان؟

هزت رأسها وقالت مبررة أفعال والدتها: أنا قولتلك مش إنت المشكلة الرجالة كلها عمتاً يعني..
تنهد باستياء ثم سألها بتفكير: فين قرايبكم وأبوكِ فين؟
تنهدت وقالت بحزن: بابي مش شفته مات وأنا صغنونه وقرايبه كلهم تقريباً قاعدين برا عشان كلهم بشوات وعالين أوى محدش قاعد منهم في مصر أما مامي بقي فأنا معرفش عن أهلها اي حاجة وهي مش بتتكلم عنهم ولو اتكلمنا بنتخانق وفي الأخر تعيط وتخليني أندم إني اتكلمت..

تنهد ونظر إلى ليلى ليجدها تبتسم بنعومة وهي تتحدث! يا إلهي هل تستطيع أن تبتسم؟ هل تعرف الخطوات كي تفعل؟ ظن أنها ولدت بذلك الوجه البشع والبسمة لا تعرف طريق شفتيها سوى البسمة الساخرة لكنها تبتسم كـ النساء! هذا كثير عليه حقاً..
لكزته نادين بذراعه بتذمر: ركز معايا كده عمال تبص على مامي ليه؟
قال وهو يهز كتفيه: بعد شعر راسها عشان أعرف اتقدملها كام مرة؟

ضحكت وهي تسند رأسها على كتفه ثم قالت بحزن: لازم تقنعها يا عمّار..

في مدينة الإسكندرية..
كانت طوال الطريق تسند رأسها على زجاج السيارة تحدق من النافذة بهدوء تتأمل مياه البحر بابتسامة رقيقة عذبة حتى توقفت السيارة..
شعرت بتوقف السيارة فجأة، التفتت إلى جاسم وسألته بتفاجئ: إحنا وصلنا؟! أومأ لها لتتسع ابتسامتها أكثر هل ستمكث بجانب البحر حقاً!.

ترجل من السيارة ووقف ينتظرها في الخارج لكنها لم تخرج، هز رأسه بابتسامة وتقدم من السيارة وفتح الباب من أجلها وهتف باستفهام: نسيتي العربية بتتفتح إزاي كمان؟، ابتسمت بخجل وهي تترجل من السيارة لـ يحتضن كفها بين كفيه برقه، فسألته بحماس: هو إحنا قاعدين قُصاد البحر علي طول؟!، أومأ بابتسامة عندما رأي سعادتها بهذا ثم أشر بيده على الشرفة بالأعلى كي تنظر: البلكونة دي بتاعتي بتبص علي البحر علي طول..

التمعت عينيها ببريق سعادة ثم تذمر بعفوية وهي تعقد يديها أمام صدرها: طيب وأنا؟!
إبتسم وهتف بمشاكسه: خلاص نتجوز بسرعة عشان تبقي بتاعتي أنا وإنتِ، هزت رأسها بتذمر وهي ترمقه بجانب عينها لـ يقهقه عليها ثم حاوط كتفها وأخذها إلى داخل المنزل..

هتف وهو يضع يده على الجرس: دلوقتي بقي هتشوفي أحن واحدة في الدُنيا بتحبك اوي و اكتر مني كمان، ابتسمت برقه وهي تومئ لتجد الباب يفتح لِتطل عليهم أجمل إمرأة حقاً، المرأه ذات الجمال المتأصل ترتدي حجابها بإهمال وعبائه فضفاضة كي تفتح بها الباب..

هتفت بحده وهي توبخه عكس ملامحها الحنونه الهادئه: شيل إيدك من على الجرز الله، قهقهة جاسم وعانقها بحنان وهتف أثناء عناقه: ما إنتِ لو تشوفي أنا بواجه إيه هتعذريني!، ضربت كتفه بغيظ لتتوسع عينيها بسعادة حقيقية عندما وقعت علي جـنّـة التي كانت تحدق بهم بابتسامة رقيقة خجولة..

دفعته عنها وهتفت بحنان أُمْ وهي تتقدم منها: عشق حبيبتي، جذبتها من يدها إلى أحضانها بلهفة ثم عانقتها بقوة وهي تشكر ربها لأنها عادت إليهم سالمه غانمة..
أدمعت عينيها وهي تقول بشوق: وحشتيني اوي ياحبيبتي وحشتيني، فصلت العناق وكوبت وجهها بين يديها وأغرقتها بوابلاً من القُبلات الحارة التي أدخلت السعادة على قلبها جعلتها تبتسم وقلبها يرقُص فرحاً ثم عانقتها بدورها وهتفت برقة: أنا الحمد الله كويسة يا ماما..

توقف روحية ونظرت لها بتفاجئ لم يقل عن تفاجئ جاسم لتتحدث بتوتر وارتباك عندما رأت نظرتهم: هو، هو أنا قولت حاجه غلط؟!
ابتسم جاسم وهو يتقدم منها ثم هتف بسعادة: أصلك كنتي رافضه تقوللها يا ماما عشان الأم بالنسبالك واحده بس!.

ابتسمت جـنّـة وهتفت برقة مُعبرة عن ما بداخلها بنفي هذا القول: لا طبعاً إنتِ أمي الثانيه عشان إنتِ أُخت ماما وكمان عشان أنا مرات إبنك و مستحيل تبقي في واحده حنينه عليا كده ومقولهاش يا ماما مش كده؟!، أومأت روحية بتأثر وهي تكاد تبكِ من قولها: لا كده ياروح ماما كده، وعانقتها مجدداً بحنان بالغ لـ تربت جـنّـة على ظهرها برقة وهي تتنفس براحه..

تحدث جاسم بتذمر: مش هندخل ولا ايه؟، فصلت والدته العناق ثم محَت عِبراتِها لتشاركها جـنّـة فعل هذا و رفعت أناملها تنظف وجنتىّ والدتها من ذلك النهر الجاري برقة لـ تُقبلها روحية وهتفت بحنان: ربنا يحفظك يا حبيبتي، ثم أمسكت يدها وأخذتها خلفها إلى الداخل..

أغلق جاسم الباب الذي تخطاه وتركه مفتوحاً خلفه من سعادته ثم عاد وأغلقه من جديد وهو يقهقة، فـ حقاً تغيرت تغير ذريع وتمني لوهلة لو أنها لا تتذكر الماضي من جديد يكفي وجودها الآن وهو لن يجعلها سوي سعيده فلا حاجة للذكريات المؤلمة وخاصتاً الخاصة بوالديها المتوفيين فهي تشعر بالنقص ودائماً ما تتهمه بكونه يستغل كونها يتيمة لكنه لا يفعل هذا، لكن عشق هذه تشعر الآن بالرضى ولا تعترض فذلك قدر!.

دلف إلى غرفة الجلوس ليجد والدته تجلس على الأريكة وجـنّـة بجانبها وبدأت تتحدث معها دون توقف لكن جاسم أوقفها وهم بالتحدث: ماما معلش ممكن نأجل الكلام عشان عشق ترتاح؟!.
ثم إقترب وأمسك يدها برقة جعلها تقف أمامه وتحدث إلى والدته: هوري عشق أوضتها وهاجي افهمك كل حاجه تمام، أومأت له بتعجب وعدم فهم ليتحرك بها متجهاً إلى غرفتها في الطابق الثاني المُقابلة إلى غُرفته..

فتح الباب بهدوء و ولج إلى الداخل ثم حثها على التحرك، فـ تحركت وولجت إلى داخل الغرفة وقلبها يضرب قفصها الصدري بقوة واضطراب..
رفعت نظرها وحدقت بأرجاء الغرفة المطلية باللون الوردي الممزوج بالأبيض و الستائر الرقيقة التي تطايرت بفعل الهواء لـ يقع نظرها على التخت الناعم الموضوع بمنتصف الغرفة الذي تراه لأول مره بحياتها لكنها لا تعلم هذا..

التمعت عيناها ببريق لم يستطع جاسم قراءته ومعرفة إن كان فرح أم سعادة لم يستطيع!.
أما تلك الخزانة البيضاء الرقيقة إضافة إلى أنها ممتلئة بالملابس الجميلة التي لم تري مثلها يوماً كانت تأخذ مساحة كبيرة في الغرفة بسبب ضخامتها..
لاحظ جاسم نظارتِها المُشوشة وحاوطها بحنان متسائلاً: الاوضه مش عاجباكِ؟!

هزت رأسها بنفي ولم تتحدث لكنه رفع رأسها كي تنظر له وهتف بإبتسامة: مش هتعرفي تكذبي عشان بعرف يلا قوليلي الاوضه مش عاجباكِ؟!
هزت رأسها من جديد وقالت بابتسامة رقيقة: لا بالعكس جميله بس ألوانها!، ثم توقف زافرة وتابعت: مفيش يا جاسم حلوه، لكنهُ حاوط ذراعيها وهتف بحزن: عشق..

صفعت يده عنها بعنف وتحدثت بعصبيه لا تعلم من أين أتتها: متقوليش يا عشق!، نظر ليده التي صفعتها قليلاً قبل أن ينظر لها بلوم جعلها تندم عندما رأتها واكتفي بالصمت وترك الغرفة وغادر..
جلست على الفراش بحزن وسقطت عبراتها بألم وهمست لنفسها وهي تحتضن ذراعيها: أنا مكنتش أقصد مكنتش أقصد..
أبعدت حجابها عن رأسها بعنف لـ تنسدل خصلاتها حول وجهها بنعومة ثم توجهت إلى خزانة وهى تستنشق ما بأنفها فهي تدين له باعتذار..

أخرجت ملابس بيتيه لكنها فغرت فاهها بتعجب عندما رأت كل تلك الملابس العارية لما هي عارية هكذا؟!.
أخرجت بنطال بيتي وكنزه من الستان بحمالات رقيقه وهذه كانت أكثر الملابس المحتشمة لديها دون مبالغة..
ثم توجهت إلى دورة المياه كي تغتسل..
وفى هذا الوقت كان جاسم قد أنهى شرح كل شيء إلى والدته التي تحدثت بتعجب وهي تراقب سعادته: ومالك فرحان كده ليه؟!.

هز جاسم كتفيه بعدم معرفة وهو يتنهد: مش عارف بس يا ماما عشق متغيرة كأنها مش هيه كل حاجه بتعملها منافية لتصرفاتها القديمة اللي كانت بتعملها زمان وأتمنى إنها تفضل كده كده أحسن بكتير حتي إنها رجعتلي مُحجبة تصدقي إنتِ؟

هزت روحية رأسها بحيرة ليتابع: لا خدي الكبيره كمان غيرت لون شعرها!، توسعت عينيها بعدم تصديق لـ يومئ لها وهو يضحك: لا بجد بصي هي اتغيرت ميه وثمانين درجه وانا عجباني التغيرات دي كلها وياريت يا ماما تخلي بالك منها وأنا متأكد إنها مش هتعمل معاكِ زي زمان..
نظرت له بحزن وتحدثت بعتاب: إخص عليك يا جاسم هو أنا مكنتش بخلي بالي منها؟!

إبتسم جاسم وقال بحنان: لا طبعاً يا ماما أنا قصدي إنها دلوقتي مش فاكره حاجه ومش عايز كل شويه نقولها إنتِ مختلفة مكنتيش بتعملي كده زمان عشان متحسش انها كانت مش محبوبه أو كانت بتتصرف تصرفات مش كويسه والحجات دي مش مظبوطه!
هزت رأسها بحزن لكن لم تنكر سعادتها بالتغيرات البادية عليها، أخرجها من شرودها تقبيل جاسم لـ يدها بحنان ثم هتف فجأة: صح يا ماما أنا قولتلها هنقدم الفرح ووافقت..

توسعت عينيها باستنكار وسألته بتعجب مبالغ به: بجد؟!
أومأ بحماس لتهتف باعتراض أحبطته: بس يا جاسم إنت عارف ان مش هي لوحدها اللي كانت معترضة على الجواز دلوقتي أنا كمان مش موافقه إنت عارف إن كُليتها مش سهله ومش هتعرف توفق بينك وبينها دي مش بتلعب يا جاسم دي في طب؟!.

زفر بضيق وهتف كأنه تعرض للظلم: هو أنا هعمل إيه يعني عشان تقعدي تقولي توفق ومتوفقش؟! ما أنا مشغول برضه وعندي شغل أنا هرسم وهي هتبقي قاعده جنبي بتذاكر مشكلتك إيه بقي؟!
تنهدت روحية وقالت بتعب: جاسم ياحبيبي اصبر شويه ماهي معانا في البيت أهى مش هتطير!.

تنهد ومرر يده على وجهه بنفاذ صبر و هتف بضيق وتهديد: ماما أنا عايزها محتاجها جنبي وفي حضني عايز أصحي ألاقيها جنبي مش في اوضه تانيه ولو محدش طاوعني صدقيني هاخدها تنام معايا في الاوضة وبراحتك بقى خلي طب تنفعكم..
تنهدت بقلة حيلة وقالت باستلام: براحتك يا جاسم إعمل إللي إنت عايزه بس لو شالت مادة أو حصلت حاجه ليها علاقه بالكلية هتزعل مني بس، وتركته وصعدت إلى غرفتها كي تأوي إلى الفراش..

هتف بامتعاض وهو يمد قدميه على الطاولة الزجاجية أمامة: على الأقل هتسهر معايا بدل ما إنتِ بتنامي بدري كده زي الفراخ..
وجد تحفه فنيه من التي تزين غرفة الجلوس إرتطمت بذراعه لحقها حديثها بغيظ: سمعتك ومفيش جواز وخليك لوحدك على طول، قهقهة عليها وهو يراقب صعودها الدرج ثم إبتسم بسعادة وتنهد براحة لأنه إرتاح الآن حقاً..
صدح صوت هاتفه داخل جيب بنطاله، أخرجه بإبتسامة، وضعه على أذنه وهتف براحه: حبيب قلبي..

أتاه صوت إبن عمه المستاء من الجهة الأخرى: لا والله كتر خيرك إنك لسه فاكرنى!.
قهقهة جاسم وقال بتبرير: معلش كنت مكتئب شويه..
هتف سامي بضجر: كُله بسبب سِت عشق إللي منكده عليك حياتك..
رد جاسم بامتعاض: ملكش دعوه
فقال سامي بسخط: ودلوقتي خلاص الهانم رضيت عنك ورجعت!.
قال جاسم بضجر: بقولك إيه بطل رخامه ومتتكلمش عنها..
رد بامتعاض لاوياً شدقيه: لا ونبي خليني أتكلم، ثم زفر وتساءل: عامل إيه؟!.

إبتسم جاسم ورد عليه بابتسامة فهو بمثابة شقيقة: الحمد الله تمام، صمت قليلاً ثم هتف وهو يلتقط مفتاح سيارته: أنا جايلك أقفل، وأغلق وترك المنزل وذهب..
خرجت هي بذلك الوقت من دورة المياه وهي تحاوط جسدها بالمنشفة وتلف شعرها بمنشفة صغيرة.

نزعتها ووقفت أمام المرآة تنظر إلى نفسها قليلاً بدءًا من شعرها الحريري الرطب إلى جسدها الحليبي المنحوت وكأنها تراه لأول مرة بذلك الجمال! فهي لا تتذكر تلك العبائة المهترئة التي كانت ترتديها وتبتلع جسدها كاملاً تخفية عن أنظارها إضافة إلى مرآتها المشوشة التي لم تكن ترى بها سوى صورة مشوهة!

مررت يدها بنعومة علي منحنيات جسدها التي لاحظتها الآن لـ تبتسم وهي تتوجه إلى الخزانة وأخرجت ثوب ضيق من الأثواب الكثيرة التي وجدتها في الخزانة و ارتدته بإبتسامة رقيقة..
وقفت تحدق بنفسها في المرأة من جديد بذهول وتعجب وهي ترى جمالها لما هي جميلة هكذا؟!، كان ثوب لامع من اللون الأسود يصل إلى فخذيها يحتضن جسدها بنعومة عاري الكتفين مبرزاً شق صدرها..

التقطت إحدى القلادات من أمام المرأة الملحق بها كومود وزينت بها عُنقها لحقها قرط رقيق ارتدته بإذنها الفارغة ثم إلتقطت أحمر شفاه قاتم ووضعته علي شفتيها بهدوء وهى تحدق في المرآه بتركيز أنثي تعلم ما تفعل جيداً..

إنتهت بإبتسامة رقيقة وهي تنظر إلى نفسها برضى بينما شعرها كان قد جف في تلك الفترة بسبب تركه مسدولاً خلف ظهرها بنعومة، جمعته بين يديها وهي تغلغل أناملها النحيفة داخلة بنعومة ورفق كأنها تتعامل مع أكثر الأشياء هشاشة ثم وضعته على كتفها ووقفت تتأمل هيئتها بابتسامة رقيقة عذبة..

شهقت بخضه عندما وجدت الباب يفتح ظناً أنه جاسم لكنها تنهدت براحه عندما وجدتها والدته التي اتسعت عيناها ببريق تعلمه جيداً وهو أن ولدها قد أحسن الاختيار، بالتأكيد أحسن الاختيار لأنها ابنة شقيقتها..

تقدمت منها وهي تبتسم بينما هي خجلت بشدة وأطرقت رأسها لترفعها روحية عندما أمسكت مقدمة ذقنها وهتفت بابتسامة حنونه: زي القمر يا حبيبتي ربنا يحفظك، أومأت بخفه وهي تقضم شفتيها بارتباك ثم أعادت إحدي خصلاتها خلف أذنها برقه لتمسك روحية يدها وأخذتها إلى الفراش وجلست عليه وجعلتها تجلس أمامها..

تحدثت بهدوء تسألها: جاسم قلي إنكم قربتو معاد الفرح! أومأت جـنّـة بخفة لـ تتسائل روحية هي ترفع وجهها بين يديها كي تنظر لها: بصيلي وأنا بكلمك ياعشق!

صمتت قليلاً ثم تنهدت وأعادت عليها: ده جواز مش لعبه ومش هكذب عليكِ عشان إنتِ كنتي رافضة الجواز ومأجلاه لحد ماتخلصي أخر سنة ليكِ! ودلوقتى وافقتي بسهوله فـ لازم أجي أسألك وأعرف ليه وافقتي فجأة والمفروض إنك مش فاكره وده يخليكِ ترفضي أكثر لكن إنتِ وافقتي! لازم تفهميني أنا أمك زي ما هو ابني ومش هتمنالكم غير السعاده بس لازم أفهم؟.

ازدرد جـنّـة ريقها و تحدثت بنبرة خرجت مرتجفه ولا تعلم لما: عندك حق فى كل حاجه قولتيها بس جاسم لما حضني وأنا في المستشفى حسيت بـ دفا وأمان محستش بيه قبل كده وحتي لو حسيت بيه قبل كده ومتقصرتش! بس المرادي كانت كل حاجه مختلفه بالنسبالي وفي شعور جميل حسيت بيه وأنا معاه وأنا مش عايزه أفقد الشعور ده يا ماما، وبعد ماقلي إنه محتاجني جنبه مقدرش موافقش عشان انا برضه محتجاله جنبي، ثم تحولت نبرتها إلى حزينة وهتفت بإنكسار: وهو يعني يا ماما خساره فيا؟!، وسقطت عبراتها في نهاية حديثها لحقها شهقتها الرقيقة..

عانقتها روحية بحزن وتحدثت بندم: أنا أسفه يا حبيبتي والله مقصدش وبعدين إحنا إللي محظوظين عشان إنتِ مننا خسارة فيكِ إيه ده لو دور علي واحده زيك مش هيلاقي..
لكنها لم تصمت وظلت تبكِ لـ تعتذر روحية بأسف وهي تربت على ظهرها فهي أول مره تراها تبكِ بتلك الطريقة: آسفه يا حبيبتي آسفه والله حقك عليا..
هدأت بعد بعض الوقت لتمحي روحية عبراتها بحزن وهي تعتذر من جديد: متزعليش مني مقصدش يا حبيبتي..

أومأت جـنّـة بإبتسامة ثم عانقتها وتحدثت بنعومة: مش زعلانه مش زعلانه انا بس مش عارفه بس حسيت إن أنا محتاجه أعيط في حضن حد..
شدّدت روحية على عناقها بحنان أكبر وهي مازالت تشعر بالندم وهتفت بحنان: وحضني موجود عشانك في أي وقت، ثم رفعت وجهها بين يديها وتحدثت برجاء: مش عايزه اشوفك بتعيطي تاني إتفقنا؟، أومأت لها وهي تبتسم برقة لتربت على وجنتها برفق مع قولها وهي تقف: هسيبك عشان ترتاحي تصبحي علي خير..

ردت جـنّـة بابتسامة رقيقة: وإنتِ من أهله، تركتها وغادرت لكنها هتفت بعبث قبل أن تغلق الباب خلفها: متنسيش تغيري عشان جاسم لو شافك كده هيتجنن، وأغلقت الباب وذهبت تاركه جـنّـة تحمر خجلاً وقلبها يخفق بقوه عندما فكرت بـ رده فعله إن رآها هكذا؟!

انتبهت على نفسها وألقت نظرة على جسدها مرة أخرى لـ تبتسم بخجل وهي تفكر به، هزت رأسها مُبعدة تلك الأفكارعن رأسها وبدلت ثيابها مجدداً متناسية خلع القلادة الرقيقه والقرط ثم توجهت إلى دورة المياه من جديد، توضأت ثم خرجت من أجل قضاء فروضها..
إرتدت جلبابها مجدداً بسبب عدم وجود ملابس تليق بالصلاة هُنا ثم حجابها وقامت بوضع بعض الملابس أمامها على الأرضية ووقفت لـ تبدأ صلاتها في خشوع..

أنهت صلاتها بعد بعض الوقت وجلست على الفراش تفكر قليلاً ثم عبثت بأحد الأدراج، لـ تبتسم بسعادة وقلبها رقص فرحاً عندما رأت مصحفاً، أخذته بسعادة وبدأت تقرأ وردها اليومي بصوتها العذب...
تحدث سامي بضجر وهو يراقب سعادته: من ساعة ماجيت وإنت سرحان وبتضحك زي الأهبل في إيه؟!
تحدث جاسم بضيق: بُكرة تتهبل زيي لما تحب..
ردّ سامي بسخرية: مش هتحصل يا حبيبي وبعدين مش عشق إللي تخليك تضحك كده إنت نسيت النكد ولا إيه؟!

فقال جاسم بجديه وضيق: سامي إنت زودتها متنساش إنها مراتي وبنت خالتي إحترم نفسك بقي؟!.
قال سامي بامتعاض: هتخرِس أهو بس لازم أشوف التغيرات دي إللي غيرتك كده عشان اشكرها برضة ما إنت كنت بتقرفني!.
فقال جاسم باستياء وهو يلوح بعدم إهتمامٍ له: هتشوفها هتشوفها بس مش دلوقتي خليها علي الفرح..
اعتدل سامي بجلسته وقال متوجساً: فرح مين؟!
قال جاسم بابتسامة: فرحي أنا وعشق..

هربت الدماء من وجهه وهو ينظر إلى جاسم ثم ضحك ببلاهه وعدم تصديق مبعداً ذلك الذهول عنه: بجد عشق وافقت خلاص دي أكيد اتلبست لأ اتلبست..
زجره جاسم بحده: سامي!
قهقه عليه بوجه شاحب وهتف بإستسلام: خلاص يا عم سكت أهو مبروك مقدماً وهنام خلاص تصبح على خير..
رد جاسم بهدوء: وإنت من أهله، أنا ماشي بقي..
أوقفه سؤال سامي بانفعال: مش كنت بتبات؟

ابتسم جاسم ببلاهة وهو يحك ذقنه: كُنت لما عشق مكنتش موجوده بس دلوقتي موجودة! وبالمناسبة لما تشوفها قولها عشق خفيفة متدوسش على الإسم أوى و تركه وغادر تحت رمشه بعدم فهم..

تجول بسيارته قليلاً حتى مل وعاد إلى المنزل وقت بزوغ الفجر، تثاءب وهو يغلق باب المنزل خلفه وصعد إلى غرفته بنعاس وقبل أن يلج للداخل رأي غرفة جـنّـة مضيئة، فتح الباب بهدوء دون أن يصدر صوتاً واختلس النظر إليها من تلك المساحة الصغيرة التي أدخل منها رأسهُ...

إبتسم بحنان وقلبه ينبض بحبها أكثر فأكثر عندما رآها تصلي الفجر بخشوع! ولا ينكر تلك السعادة التي أحاطت حياته حقاً في هذا اليوم وتلك الساعات القليلة التي عنت له الكثير بفضلها..
أغلق الباب عليها بهدوء ثم توجه إلى غُرفته، توضأ هو الآخر وقام بصلاة الفجر حاضراً وبعدها خلد إلى نوم، لـ تفعل هي المثل بعد فراغها من الصلاة..

دثرت نفسها بالغطاء الدافئ وغطت في نومٍ عميق على التَخت الناعم المريح لجسدها عوضاً عن الآخر الذي كان يهشم عظامها أثناء النوم..

في القاهرة..
طبع قبلة على كتفها العاري بنعومة ثم همس بتثاقل وهو يضم جسدها إليه بقوة: تتجوزيني؟
كتمت أنفاسها وهي ترمش لبعض الوقت تستوعب قوله ثم استدارت ونظرت له بنعاس وقلبها يخفق بقوة وهمست بنبرة مرتجفة: بجد يا قُصيّ؟
قبل جبهتها بحنان وهمس مؤكداً وهو يدثرها بأحضانه أكثر: طبعاً بجد أنا بحبك وإنتِ عارفة اني بحبك تتجوزيني؟.

دمعت عينيها وهي تنظر له لـ يبتسم بحنان ثم محى عِبرتِها التى سقطت بشفتيه وقبلها بحب وقال برقة: بحبك يا عشق، قطبت حاجبيها بتعجب وهي تفكر، عشق! كيف علم؟
شهقت باختناق عندما أمسك عنقها بقوة وقام بخنقها وهو ينظر لها بأعين حمراء دامية داكنة رأت الغدر بها مع موتها، الموت سوف يقتلها، سوف تموت، جاسم! إنه جاسم سيقتلها لا محالة! سوف يقتلها..

شهقت بفزع وهي تنتصب جالسه على الفراش وجبينها يتفصد عرقاً تتنفس بعنف، قلبها يخفق بقوة مؤلمة، ضربات قلبها في تزايد، نظرت حولها بتشوش وهلع تتأكد أين هي، إنه حلم بالتأكيد سوف يكون حلماً قُصيّ لن يقبل على زواجها حتى إن أحبها لن يفعل هي تعرفه تمام المعرفة، وجاسم! جاسم! لما أتي؟ لقد حول حلمها الجميل إلى كابوس!

تنفست الصعداء وهي تضم الغطاء على جسدها العاري ثم ضمت نفسها ورفعت ساقها إلي صدرها وأسندت رأسها على ركبتيها وهي تهتز، تحتجز عبراتها كي لا تبكِ من الخوف لكنها لم تتحمل..
هربت شهقتها وبدأت تبكِ بحرقة وهي تفكر بـ جاسم وخالتها فهي خانت ثقتهما بسهولة وتركت كل شيء خلفها دون أن تعبأ بهما وجزائهم فقط لأنهما منحاها حبهما بإسراف..
فتح عينيه بتثاقل عندما وصل إلى مسامعه صوت أنين خافت وشعر باهتزاز الفراش!.

إستقام جالساً ثم فرك عينيه مبعداً عنه أثر النوم وهو ينظر لها بتعجب ثم سألها بقلق وهو يعانقها: بتعيطي ليه؟ حصل ايه؟
علا صوت نحيبها وهي تهز رأسها جعلته يعانقها بقوة أكبر من سابقها وهو يربت على شعرها بحنان ممزوج بالحزن: مالك بس بتعيطي ليه؟
قالت بحرقة وهي تنتحب أحزنته عليها: أنا تعبانة يا قُصيّ تعبانة..
سألها بحزن بنبرة حانية وهو يهتز بها بخفة: قوليلى مالك عشان أعرف أساعدك..

شهقت وقالت بتحشرج وهي تلتقط أنفاسها بصعوبة: انا، انا خاينه يا قُصيّ خاينه..
نظر لها بعدم فهم لكنه ظل يعانقها بحنان وهو يقبل رأسها تارة وجبهتها تارة أخرى كي تهدأ حتى هدأت بالتدريج وظل جسدها ينتفض بخفة أثر البكاء..
إبتعدت عنه لكنه أعادها لأحضانه مجدداً وأراح رأسها على صدره فابتعدت بضيق وقالت بنبرة مرتجفة كي يبتعد وهي تبعد نظرها عنه: قُصيّ لو سمحت..

تركها دون أن يبدي إعتراضا، حاوطت جسدها بالغطاء وتركت الفراش ثم ارتدت منامتها السوداء القصير فوقة مِبذل النوم وأغلقته جيداً وأخذت هاتفها ودلفت إلى الشرفة..
ارتجفت اوصالها عندما لفح الهواء البارد جسدها لكنها لم تهتم بل جلست على الأرضية الباردة، مالت وأسندت رأسها على سور الشرفة الحديدي وظلت تنظر في الأسفل عبر الفراغات الحديدية وعبراتها تنساب على وجنتيها ببطء تحرق داخلها بلا رحمة وهي تفكر بـ دنائتها..

حدق بها مطولاً من مكانه وهو يراقب بكائها الصامت فهي مُتغيرة تلك المرة! مُختلفة عن كل المرات السابقة، أكثر حُزناً، أكثر هُدوءًا، مُنطفئة لا تضحك مثل السابق لاتتحدث كثيراً! ما الذي تغير بها هذه المرة؟ يُجب أن يعلم ما يحدث بحياتها!

فهو عندما تجاهل هويتها وكل ما يخصها في البداية تجاهلهُ فقط لأنه يعلم أنها لن تبقى معه فوق أيام ولا يعبأ بمن تكون! لكن الآن كل شيء اختلف! يُريد معرفتها أكثر والتغلغل داخل حياتها وسيفعل شاءت أم أبت..

تنهد وترك التَخت هو الآخر، إرتدي سرواله خامة الجينز القصير، وصل إلى ركبتيه فقط وترك صدره عاري ثم دلف لها في هذا الطقس البارد دون أن يصدر عنه أي ردة فعل أثر الرياح التي لفحت جسده الصلب لكن لم يهتم وكأنه فقد الشعور هو الآخر..
شعرت بـ ساقِها ترفع عن الأرض الباردة لـ يجلس مُقابلها ثم وضع ساقيها على فخذيه..

نظر لها مطولاً يراقب شعرها الحريري الذي كان يتطاير بقوة أمام وجهها حجب عنه رؤيتها، أبعدته خلف أُذنها بأناملها النحيفة وهي ترفع رأسها مع قضم شفتيها مستمرة في البكاء بصمت والاهتزاز دون توقف..
تأمل ملامحها الناعمة الرقيقة وخاصتاً أنفها ووجنتيها الحمراوين بسبب البكاء والبرودة في أنٍ واحد..

رفعت نظرها له بإرهاق عندما شعرت بيده تمسد ساقها وكأنه يواسيها بتلك الطريقة فلا يوجد ما يفعله سوى هذا حتى هي بعيدة عنه كي يعانقها!
هز رأسه بإيماءة بسيطة مطمئنة حثها من خلالها على التحدث لكنها لم تفعل، أطرقت رأسها وفتحت الهاتف وهي تشهق، توقفت أناملها على اسمه ثم ضغطت عليه بخفة..
ابتسمت بألم وهي تنظر إلى صورته الموضوعة على جهة إتصالها ثم رفعت الهاتف ووضعته على أذنها بهدوء..

رفع نظره إلى السماء عندما اشتدت الرياح لـ يجد السُحب تكتلت فوق بعضها البعض وأخرى تلاصقت بأخرى كأنهم يخبرونه عن قدوم عاصفة قوية قريباً يجب أن ينتبه..
الإسكندرية في هذا الوقت..
صدح صوت هاتفه المرتفع في الغرفة، تقلب جاسم بانزعاج وهو يدفن رأسه تحت الوسادة بتثاقل لكن صوت الهاتف لم يتوقف، فتح عينيه بنعاس وأخذه من على الكومود دون النظر ورؤية من يهاتفه..
تحدثت بتثاقل: ألو، ألو، ألو!

وضعت يدها على فمها تكتم شهقتها ثم أغلقت الهاتف وعادت تبكِ بحرقة تحت مراقبة قُصيّ لها بتعجب واستفهام عن ذلك الإتصال، مد يده كي يأخذ الهاتف لكنها كانت أسرع منه، حملته عن قدمها سريعاً وأخرجت شريحة الاتصال بسرعة وكأن هُناك من يطاردها!.
حاولت كسرها لكنها كانت قوية على يديها التي كانت ترتجف دون توقف، وضعتها بفمها وقامت بثنيها بعنف اسفل أسنانها حتى تأكدت من تدميرها نهائياً..

أخرجتها من فمها ثم ألقتها من الشرفة تزامناً مع صوت الرعد القوي والبرق الذي أضاء لبرهة ثم هطول الأمطار الغزيرة بعدهما أغرقتهم داخل الشرفة..
تقدم منها وهو يسير جاثياً على ركبتيه بعد أن أغرقتة الأمطار التي تهطل بغزارة ومازالت تهطل، نظر إلى السماء التي تضيء وتنقسم أثر البرق تحدث بقلق: قومي ادخلى عشان البرد..

هزت رأسها برفض وهي ترتجف، أبعد شعرها الملتصق على وجهها إلى الخلف وطلب برجاء: قومي معايا هتتعبي الجو برد، هزت رأسها بنفي ثم إنتفض جسدها مع صوت الرعد المخيف..
تخدر فمها من البرودة و تحرك فكها بتلقائية ضارباً صفيّ أسنانها معاً بقوة لـ تتحدث بنبرة مرتجفة أثر البرودة: عا، عايزه، أسافر..
حملها بضجر تحت تململها بين يديه كـ جرو مُبلل مستمعاً إلى صوت صكيك أسنانها معاً بقوة..

هتف بتهكم وهو يدلف بها إلى الداخل: جاية تناقشيني هنا في البلكونة؟، وضعها على التخت ثم حاوط جسدها بالغطاء بقوة وهرول إلى دورة المياه وجلب منشفة وبدأ يجفف شعرها بخفة شاعراً بانتفاض جسدها من الداخل..
فقال بتوبيخ والمياه تتقطر من شعره حتى أسفل صدره: إنتِ ايه اللي دخلك جوا دلوقتي و لابسة خفيف وعريان مبتحسيش؟
شهقت عائدة إلى البُكاء وقالت بحرقة: إنت اللي مش بتحس!

هز رأسه موافقاً وهو يتابع تجفيف شعرها: فعلاً عندك حق مش بحس أنا فعلاً مش حاسس بحاجة؟!
طلبت من جديد وهي تبعد يده عنها ومازالت تبكِ: أنا عايزه أسافر..
تنهد وقال بحنان وهو يبعد شعرها إلى الخلف: نسافر منسافرش ليه!
هزت رأسها وقالت بصوت مبحوح: عايزه أسافر لوحدي ومش هرجع تاني هنسيب بعض..

جلس أمامها على الفراش ثم كوب وجهها بين يديه وهتف بحنان وهو يداعب وجنتها بإبهامه: إنتِ متغيرة ومش مبسوطة لو عايزه ترجعي ارجعي مش مُجبره إنك تفضلي معايا بس هستناكي لما تبقي كويسه عشـ، قاطعته وهي تهز رأسها عائدة إلى البُكاء بأسي: قُصيّ إفهم أنا همشى ومش هرجع تاني لازم تنسي إنك عرفتني إنساني زيي زي غيري..

ابتسم بحزن وهز رأسه وهو يقول: إنتِ مش زى حد ولا هتبقي، وحاوطها بحنان رغماً عنها جعلها تدفن رأسها بصدره وهي تنتحب دون توقف فهي تتألم ولا تعلم ماذا تفعل! تشعر أنها تقف داخل نيران وأمامها طريقين ولا تعلم أيهما تقطع كي تنجو بحياتها! لكنها إختارت الطريق الخطأ ولا تعرف طريق العودة بعد الآن! وإن عرفت طريق العودة يوماً لن تستطيع التراجع! قلبها لن تتركه؟!.

كوب وجهها من جديد وأسند جبينه على جبينها وهتف برجاء: لو أنا مضايقك متزعليش مني أنا آسف بس متسبنيش، لو عايزاني أبعد عنك الفترة دي لحد ما تهدي هبعد بس خليكِ خليكِ..
أومأت وهي تحاوط خصره بقوة فـ حاوطها بقوة مماثلة وهو يقبل رأسها بحنان بالغ حتى هدأت وصمتت نهائياً وظلت ساكنة بين أحضانه تتنفس بانتظام كـ طفلته حتى عاد الدفء يزحف إليها من جديد وهي تحدق تجاه الشرفة..

أغمض عينيه شاعراً بحرقتها من قلة النوم بعد أن أبعد نظره عن الشرفة، حملها برفق وهو يدثرها داخل الغطاء ثم أنامها على الفراش ظناً أنها نائمة لكنه وجدها تنظر له بهدوء..
ابتسم وربت على وجنتها بحنان وحثها على النوم برفق: يلا نامي عشان ترتاحي، أومأت له وهي تحرك رأسها على الوسادة ثم أمسكت يده عندما وجدته يذهب وسألته بصوت متعب بالكاد خرج: رايح فين؟
قال بهدوء وهو يتثاءب: همشي عشان مضايقكيش..

هزت رأسها رافضة ذهابه وطلبت منه بحزن: خليك جنبي لحد ما أنام، أومأ لها بهدوء وجلس على طرف الفراش وظل يربت على شعرها بحنان وهو يتأملها حتى ثقلت أنفاسها وغفيت..
قبل وجنتها بحنان وتحرك ليذهب لكنه لم يستطيع، عانق جسدها برقة ودفن رأسها بصدره هو يضمها إليه بقوة وظل متشبثاً بها رافضاً فكرة ابتعاده وذهابها لن يستطيع يرفض بشدة..

أخذ شهيقاً طويلاً وهو يراقب شروق الشمس بابتسامة مثل كل يوم صباحاً، تنهد وهو يحرك يديه داخل جيب سترته البيتية وهو يفكر بعمق، مُنذُعودتهما أمس لم يراها وهي لم تتحدث معه بل إختفت عن وقع أنظاره بعد أن وضعت قدمها داخل المنزل، لا يعلم ماذا يفعل وكيف يبادر بالتحدث معها كيف؟!

استفاق من شروده عندما شعر بأنامل تلكز كتفه بخفة فاستدار بتعجب لـ تتسع ابتسامته عندما رأي تالين تمد له قدح قهوة دافئاً يتصاعد منه البُخار من شرفتها وهي تبتسم له بعذوبة..
حملق بها بتعجب لبعض الوقت وهو يحرك أهدابه ظناً أنه يحلم ثم أخذه من يدها عندما ضحكت بخفة وهي تحركه أمام وجهه جعلته يستيقظ من شروده بعد وصول رائحة القهوة المُخدرة إلى أنفه..

إبتسم لها وداخلهُ يرقص فرحاً بسبب رؤيتها في هذا الوقت المُبكر واهتمامها به وخصوصاً أنه كان يفكر بها لكن لم يخفي تعجبه أيضاً من موقفها هذا؟!
رفع قدح القهوة أمام أنفه و استنشق رائحتها بانتشاء ثم قال بتخدر وهو يبتسم بامتنان مع هز رأسه بخفة وتلذذ كأنه تناول مُخدرة الخاص الآن: تسلم إيدك يا تالين حلوه أوي..

إبتسمت وهي ترتشف قهوتها هي الأخرى ووقفت تراقب الشروق معه وهي تبتسم شاعرة بالدفء بالتأكيد بسبب ملابسها الثقيلة وليس بسبب وجود آدم بجانبها أو شيء من هذا القبيل..
هزت رأسها وهي تبتسم وكل تارة وأخرى تنظر إليه ثم ترتشف رشفة قهوة وتضحك، تنظر إليه وترتشف رشفة قهوة وتضحك جعلته يتعجب لكنه لم يعلق أيضاً؟!

في الإسكندرية..
توجه إلى الداخل بينما هي كانت تبحث عن مكان الأكواب فوجدت يد تحاوط خصرها بحميمية، ابتسمت بنعومة ظناً أنه جاسم لكن صوت سامي الماكر جعلها قدميها تتيبس أرضاً دون حراك: وحشتيني يا عشق..
شهقت بخوف و ابتعد إلى الخلف لكنه سحبها من خصرها بخشونة وقربها له مجدداً ثم رفع ذقنها بإبهامه وهتف أمام شفتيها بهمس: بس أجمل بالحجاب تصدقي؟.

ترقرقت الدموع بعينها وهي تحاول أن تدفعه بضعف وهتفت بنبرة مرتجفة خائفة: إنت مين إبعد عني إبعد..
ضحك بخشونة وهو يقربها له أكثر مشدداً قبضته حول خصرها ألمها: مش دي المُقابله إللى كنت متوقعها وخصوصاً إنك وافقتي تتجوزي جاسم!.
تحدثت بخوف وهي تحاول التملص من يديه بذعر: وإنت زعلان ليه هتجوزه ولا مش هتجوزه؟!

ضحك وتبدلت ملامحه لأخرى غاضبة باغضة: أتضايق؟ إنتِ ناسيه ولا إيه؟! الشغل اللي إنتِ عملاه ده يمشي على روحية وجاسم مش سامي ماشي يا قطة؟! ثم إبتسم بمرض وقبل وجنتها بحنان وهتف بنبرة جعلتها تشمئز: بس وحشتيني أوي ونفسي نقضي وقت زي إللي كُنا بنقضيه مع بعض..

جحظت عينيها وشهقت بصوت مرتفع وهي علي وشك البُكاء من قوله هذا جعلته يضحك بتسلية وهو يراقبها ثم أقترب أكثر وهمس بأذنها بخبث: لو نسيتي أفكرك، ثم تركها وذهب..
زحفت البرودة إلى أوصالها كمن ألقي عليها دلواً من الماء البارد، ترنحت إلى الخلف وجسدها يرتجف بأعصاب تالفة غير قادرة على الوقوف..

تشبثت بحافة الرخام خلفها وتساقطت عبراتها بألم فهي علمت الآن أنها لم تكن فتاة جيّدة بتاتاً، هزت رأسها وهي تشهق لـ تخيلها ما كانت تفعل مع هذا ومعها جاسم! هي ماذا فعلت ماذا فعلت؟!.

القاهرة..
خرجت من غرفتها بنشاط وهي ترتدي ملابسها الرياضية خاصتها المكونة من بنطال ضيق وارتدت فوقه سترة شتوية دافئة وحذاء رياضي ورفعت شعرها ذيل حصان وذهبت كي تمارس رياضتها الصباحية..
توقفت أمام المطبخ عندما وجدت نادين ترتشف مياة بنعاس فسألتها بحنان ممزوج بتعجب: إنتِ صاحية بدرى ليه؟

قهقهت نادين بثمالة وقامت بتعديل قولها: أنا لسه هنام يا مامي! أنا بس عطشت وعمّار كان بيكلمني عشان كده هطلع أنام دلوقتي..
أومأت ليلى بهدوء ثم طلبت: هاتي رقمة..
نظرت لها بتعجب وقد ذهب النعاس عنها وظلت صامتة لبعض الوقت ثم قالت بتردد وكأنها تسألها: رقم عمّار يا مامي؟

هتفت ليلى بعصبيه وهي تنظر لها: أومال مين يعنى اتفضلي اكتبي رقمه، وألقت الهاتف أمامها على البار باقتضاب، كتبته لها بهدوء ثم وضعته مكانه باحترام، وصعدت كي تحصل على الراحة وتنام..
بعد ساعتين..
توقفت تلهث بأنفاس متسارعة وهي تسند يدها إلى ركبتيها تغمض عينيها بإرهاق وقلبها يخفق بقوة، قوة مؤلمة لقد أرهقت نفسها يكفي اليوم يكفي..

صرخت بهلع عندما اصطدم بها جسد صلب أسقطها أرضاً على مؤخرتها ولم يهتم أو يتوقف بل تابع طريقة راكضاً بكل هدوء..
صرخت بألم وهي تجلس بتأوه ثم سبته بصوت مرتفع: يا حيواان يا أعمي ربنا ياخدك..
توقف عمّار وهو يلهث ثم أنزل القبعة الملحقة بـ كنزته القطنية عن رأسه ونزع سماعات الأذن عن أذنه وهو يقطب حاجبيه لقد سمع شيء؟ نظر خلفه بتعجب نظرة شملت الطريق بكامله فلم يجد شيءً مريباً سوى فتاةً ما تجلس أرضاً!

هز كتفه بتعجب ثم وضع سماعات الأذن داخل أذنه وبدأ يدندن مع الموسيقى وتابع ركضة، توقف بعد خمس دقائق عندما سمع صوت هاتفه معلنا عن وصول رسالة نصية برقم غير مسجل..
فتحها باقتضاب يرى من هذا لـ ينفجر ضحكاً وهو يقرأ محتواها بأعين باسمة بالطبع ستكون هي، إنها حماته الوقحة التي لا تحترمه، تريد رؤيته! هذا جيّد لأنه لا يطيق ذرعاً كي يلقنها درساً..
بعد مرور ساعتين.

انتهى من ارتداء حِلته السوداء الرسمية ثم أغلق السترة من المنتصف لـ يبرز صدره من أسفل القميص الذي ترك أزرارة الامامية مفتوحة ووقف يمشط ذقنه بملامح هادئة ويتمنى حقاً أن ينتهي كل شيء بخير وألا تتعبه تلك الثرثارة ويعود إلى المنزل لأن والده لايتركه يحيى هُنا بسلام..

أما في مقر عمل ليلى، كانت تجلس على مقعدها بهدوء ترتشف مشروب ساخن بسبب برودة الطقس شاردة الذهن، ترتدي فستان أبيض مغلق من كل الإتجاهات ضيق يحتضن عنقها البِض وذراعيها النحيلين بأكمام يصل إلى ركبتيها وهذا كان سبب برودتها، ساقها العارية من الأسفل..
شعرها الكستنائي مُصفف بعناية تليق بها، تضع قليلاً من مساحيق التجميل فهي لا تفضلها كثيراً وخاصتاً بسبب كونها تملك وجهاً جميلاً ما حاجتها إلى مساحيق التجميل!

أخرجها من شرودها رنين الهاتف، تحدثت بهدوء وهي تتنهد بكسل: ألو، دخليه، أغلقته باقتضاب لا لا بل صفعته وهي تنتظر رؤية وجهه ذلك البغيض الذي وصل الآن..

دلف بهدوء لـ تنتشر رائحة عطرة الرجولية في أرجاء المكان جعلتها تقوم بإغلاق أنفها بسبابتها و إبهامها وهي تهز رأسها بتقزز لاحظة مثل امس فضحك وهو يجلس أمام مكتبها مُتجاهلاً تصرفاتها وتحدث بهدوء وهو ينظر لها: إزيك ياحماتي؟، نظرت له بدون تعبير ثم قالت بتهكم: أنا قولتلك أقعد؟
رفع ساقيه على الطاولة أمامة كي يجلس براحة أكبر ثم سألها: أنا جي أقابل مدير المدرسة ولا ايه يا حماتي؟ أنا كبرت على الحاجات دي!

أراحت ظهرها على المقعد، وبدأت تقلب القلم بين يديها وهي تنظر له بتركز لـ يبادلها بنظرات متسلية وهو يتفحها بـ خضراوية ولم ينكر كونها مذهلة بالأبيض، هي مذهلة بكل شيء تلك العجوز الفاتنة..
عجوز أي عجوز! يشك بهذا! هو العجوز وليست هي!.
ضحك بسخرية على تلك الأفكار جعلها ترفع حاجبيها وهي تنتظر له لـ يسألها وهو يحدق بالكوب الموضوع أمامها: مش هشرب حاجة ولا ايه؟

ارتشفت آخر ما بقي به ثم قالت بأسف: معلش مش هتشرب حاجة عشان مش بحب أضايف حد مبحبوش..
إبتسم وأومأ متفهماً وقال برفق: بحب صراحتك على فكرة أنا هطلب لنفسي متتعبيش نفسك إنتِ يا غالية..

نظرت له بسخط لـ تبتعد إلى الخلف بالمقعد ببعض الخوف كـ ردة فعل عندما وقف ومال على مكتبها لـ تزفر وهي تلعنه تحت أنفاسها عندما وجدته يأخذ سماعة الهاتف وتحدث بهدوء وهو ينظر لها رافعاً حاجبه الأيمن ويعتلي ثغره ابتسامة لم تُريحها بتاتاً: واحد قهوة سادة بسرعة..

جلس مكانه من جديد وأراح ساقيه على الطاولة وعقد يديه أمام صدره ثم قال بابتسامة جانبيه وهو يراقب تذبذبها بسببه: مالك يا حماتي خدي راحتك في القعدة ده مكتبك برده رحرحي رحرحي؟.
ضمت قبضتها بضيق ثم إقتربت بالمقعد أمام المكتب من جديد لـ يسألها بهدوء: مش عاوزاني؟ خير في حاجة؟
ابتسمت بتهكم وهي تشبك يديها معاً هل يقول هذا المتبجح خير؟ من أين سيأتي وهو موجود؟
سألته باستفهام: إشمعنا إختارت بنتي؟

فكر قليلاً وهو يقطب حاجبيه ثم قام بتعديل قولها: المفروض إختارت نادين ليه مش اختارت بنتك ليه! أنا معرفكيش عشان اتجوز بنتك عشان هي بنتك فاهماني؟
هتفت بضجر وهي تبعد شعرها إلى الخلف: إنت بترغى كتير ليه؟ المعنى واحد في النهاية وأنها بنتي؟
رد بضجرٍ مماثل: يعني عايزة ايه يعني؟ اختارتها لأسبابي الخاصة مالكيش دخل فيها!

ردت بعصبية مفرطة والدفئ بدأ يزحف إلى جسدها بسبب انفعالها: لأ ليا دي بنتي ولازم أعرف اللي هتاخده ده شكله عامل ازاي؟
إبتسم بعبث وأمال رأسه للجانب وقال بهدوء: شكلة! أنا أهو مش شايفة شكلي؟ عيني خضره شعري إسـ، صمت عندما صرخت به بنفاذ صبر تزامناً مع دخول مساعدتها بالقهوة: عمّااااار..

توقفت أمام الباب بارتباك لبعض الوقت ولا تعلم ما تفعل بسبب صراخ ليلى، بينما هو كان يحدق بساعة معصمه ببرود وكأنه لم يفعل شيء، وليلى تجلس ترمقه بنظرات حارقة وهي تستشيط غضباً بسبب برودته وسذاجته في الحديث..
أمرتها بهدوء وهي تمرر يدها على وجهها كي تهدأ قليلاً: إتفضلي يا رنا تعالي..

تقدمت وهي تبتسم بتوتر ثم وضعتها بجانب قدميه على الطاولة فاعتدل وأنزل قدمه ثم قال بابتسامة شُكر: ميرسي يا رنا عقبال شربات فرحك، ابتسمت بخفة وهي تومئ بهدوء كاتمة ضحكتها بسبب ليلى التي قتلته بخيالها ألاف المرات، ثم تركتهم وغادرت..
أرتشف القهوة بصمت قطعته ليلى عندما تحدث بضيق: عمّار، سؤالي واضح وصريح ليه عاوز تتجوز نادين؟

تنهد وقال بتفكير وهو يتذكر هيئتها: عشان هادية، رقيقة، طيبة، كيوت!، وصمت ينظر لها فتابعت عنه بتهكم: والضعيفة اللي هتدوس عليها بسهولة وتتحكم فيها وبعدين ترميها بعد ما تخلف النبي حارسة إبنك..
قهقهة بخشونة وهو ينظر لها ثم سألها بعدم فهم عاجزاً عن فهمها حقاً: ليه الحاجات الوحشة بس اللي بتيجي في دماغك وبعدين ايه الفيلم ده؟
ردت بفظاظة وهي ترمقه باشمئزاز: عشان إنتوا كده!

قلب عينيه وأسند وجنته على راحة يده وسألها: إنتوا مين؟ عمّار؟!، ثم أشر على نفسه وتابع: إحنا اللي هنتجوز نادين مش عاجبين حضرتك ليه؟
إبتسمت وهي تمسد جبهتها بتعب ثم قالت بكُره: عشان الرجالة عمتاً يعني كلهم بلا إستثناء خبيثين، أنانيين، قذرين، وقحين، ومقرفين، ضيف عليهم الصفة دي عرفتها لما شوفتك، نكرة، إنت نكرة يا عمّار ومستحيل أديك بنتي عشان تنفيها وتدفنها معاك هناك..

وضع قدح القهوة من يده بهدوء تحت تصلب جسده من الغضب أخفاه ببراعة وهو يضحك بتقطع ساخراً من حديثها أغضبها، ثم سألها بجدية: إنتِ تعرفيني عشان تتكلمي عني بالطريقة دي؟
هزت رأسها وبررت بلا مبالاة: مش محتاجة أعرفك عشان شكلك باين، بتاع نسوان، عينك زايغة، مغرور، شايف نفسك على الفاضي وإنت عيل عارف يعني ايه عيل؟ مش راجل يعني من الآخر..
ضحك وهو يهز رأسه بتفهم وعينيه تقدح شراً ثم سألها فجأة: فين أهلك يا حماتي؟

ضربت جدار المكتب براحة يدها بقوة وقالت بحدة غير مُبررة وهي تقف بانفعال: أنا هنا إللي أسأل وبس، إبتسم بسخرية تحولت إلى برود وهو يرفع قدمه، نظر إلى حذائه المُدبب قليلاً وهو يُفكر وبدون سابق إنذار ضرب الطاولة بعنف تهَشَم الزُجاج أثرها جعلها تصرخ بفزع، لـ يقول بتعجب وهو ينحني على الطاولة ناظراً إلى شظايا الزجاج المتناثرة حولهُ كأنه هَشم كوباً صغيراً: رقيق أوي الازاز ده متجبيش من الناس دي تاني، ثم مرر يده الزجاج الموضوع على جدار المكتب وسألها بعبث: أجرب ده وأشوفه رقيق زيه ولا لأ؟

صرخت به بوجه مكفهر من الغضب وقلبها يقفز خوفاً داخلها: ياهمجي يا خرتيت نزل ايدك القذرة دي من على مكتبي..
إبتسم وأبعد يده وهو يرفعها باستسلام كأنه تحت التهديد و مقلتيه تلمع ببريق ظهر جلياً داخلها أخافها أكثر ثم جلس على المقعد بهدوء وبدأ بفك أزرار كُمية الفضية الأنيقة وهو يقول بابتسامة: إنتِ جوزك كان صعيدي ولا ايه ياحماتي؟

ضحكت بسخرية وقالت باحتقار أخفت خلفهُ خوفها وهي تنظر إليه: ولا حد منهم يطول ضفري..
إرتفعت زاوية شفتيه بسخرية وسألها بتهكم: و لمؤاخذه كده يا حماتي هياخد ضفرك يعمل بيه ايه؟ هيسلك بيه سنانه؟
أغمضت عينيها بنفاذ صبر وهي تتنفس بانفعال وعصبية وهي تكاد تصفعه من كم الاستفزاز والتبجح هذا..

صكت أسنانها بغضب ثم زفرت بحرارة شاعرة بدمائها تغلي داخل عروقها جعلته يبتسم مستشعراً كم الغضب الذي أصابها، لكن رغم هذا تحدثت بأكثر نبرة هادئه حملتها يوماً: أخرج برا وامشي، أخرج من حياتنا يا عمّار..

نظر لها عمّار مطولاً دون التحدث ثم سألها باستنكار عندما طال صمتها: مالك بتتكبرى عليا ليه وإنتِ شبه كوباية السوبيا كده؟ ومين دول اللي ميطولوش ضفرك؟ إوعي تكوني فاكرة نفسك واحدة والناس هتقطع نفسها عليكِ! لأ ده سعيد المغفل بس اللي في سن أبوكِ هو اللي بيعمل كده عشان مش قادر على البنات الصغيرة! إنتِ شخصية نِفريه ومفيش راجل يقدر يتحملك أصلاً..

اهتزت مقلتيها العسلية و ازدردت ريقها بصعوبة وهي تقبض على حافة المكتب بأناملها الرقيقة بقوة ثم قالت بثبات وهي ترفع رأسها بـ شموخها المعتاد وكأن قوله لم يؤثر بها وليست على وشك البكاء الآن: أخرج برا بدل ما أطلبلك الأمن..
لكنه تابع بتهكم وكأنه لم يسمعها وقد التقطت خضراوية ذلك البريق الحزين في عسليتيها: هخرج بس لازم تعرفي إني هتجوز نادين و هتمشوا معايا بليل برضاكِ أو غصب عنك!.

هتفت بتهكم وهي تسخر منه: تاخدنا عشان تقعدنا في الزبالة اللي جيت منها صح؟
هز رأسه وهو يبتسم إبتسامته المميتة ثم خلع سترته وألقاها أرضاً بنفاذ صبر وهمّ بالتحدث وهو يقوم بثني أكمام قميصه ضامراً لها كُل شر: تعرفي إن البدلة دي غالية أوي؟ والبرفيوم اللي سَديتي مناخيرك من ريحته المقرفة متعرفيش تجيبي زيه أصلاً! والحزام الجلد ده تعرفي بلبسة ليه؟
قطبت حاجبيها بتعجب بسبب أسئلته الغير مفهومة؟

لكن ابتسامتها الساخرة لم تختفي مع هذا إستفزته أكثر وجعلته يتحدث بكل رفق وهو ينظر لها بوداعة: تصدقي وتؤمني بإيه يا حماتي إني حاولت..
نظرت له بعدم فهم لـ تجده بدأ يفك حزام بنطاله لـ يدب الرعب بأوصاولها ماذا سيفعل؟ سيغتصبها؟! ياإلهي؟!.

تابع وهو ينظر لها ببرود وعينيه تقدح شراً: وحيات الغاليين الميتين قبل العايشين حاولت بشتى الطرق إني موركيش الوش التاني وأعدى قِلة أدبك من ساعة ما شفتيني لحد دلوقتي بخير! لكن مفيش فايده فيكِ لسانك عايز يتقطع من لغلوغه، وضرب المكتب بحزامة بعنف كـ سوط في نهاية حديثة جعلها تنتفض بخوف وهي تنظر له بذعر و قلبها يقفز هلعاً داخلها..

عادت بخطواتها إلى الخلف بتلقائية وأنفاسها ترتجف كـ قدميها من الخوف، لـ يهقهة بتسلية وهو يضرب جدار المكتب من جديد جعلها تصرخ بفزع حقيقي وهي تضع يدها على فمها ثم قال بعدم رضي وهو يقطب حاجبيه: لأ الصوت مش عاجبني؟.

نظر إلي المتعلقات الخاصة بها الموضوعة على جدار المكتب بترتيب وتنسيق أنيق دمره عندما دفع كل هذا أرضاً مخلفاً فوضي وتهشم بعضاً من أغراضها أثرة كـ الكوب وإسمها العريض والهاتف الأرضي، ثم ضرب المكتب بعنف مضاعف كأنه يُعذب أحداً ما وكم تمنى أن تكون ليلى لأنه إن لم يشفي غليلة سوف يمزق جسدها به..

انشطر الزجاج فوق المكتب إلى نصفين أثر عنف ضربته لـ يرفع رأسه لها بملامح متجهمة وأعين حمراء تضخ شرار جعلت الدماء تهرب من وجهها وتشحب وخارت قواها وهي على وشك أن تفقد الوعي، لكنه عاد يبتسم بإجرام وهو يحدق بحزامه بعمق أخافها أكثر ثم تحدث قائلاً باقتضاب وعدم رضى: برده الصوت مش عاجبني لأ مش هينفع كده!.

زفر ورفع رأسه على حين غرة هو يقلب الحزام بين يديه ونظر إلى ليلى بعمق أسقط قلبها أثر تلك النظرة وخضراوية تجولت على جسدها بوقاحة وبكل وضوح أمام ناظريها بث الرعب بداخلها، ثم سار حول المكتب الخشبي بهيئته المبعثرة وهو يطرق عليه بأنامله بتسلية حتى توقف أمامها خلف المكتب ثم تقدم أكثر لتعود إلى الخلف كـ ردة فعل بخطوات مبعثرة وهي تكتم أنفاسها المرتجفة بخوف مُستمعه إلى اقتراحه بهمس وهو يبتسم أمام وجهها الباهت: عايز أسمع صوت الحزام الجميل وهو نازل على الجسم القمر ده ايه رأيك؟!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة