قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية حب خاطئ للكاتبة هاجر الحبشي الفصل التاسع

رواية حب خاطئ للكاتبة هاجر الحبشي الفصل التاسع

رواية حب خاطئ للكاتبة هاجر الحبشي الفصل التاسع

- من المؤسف أن أعشق الأولى وأرغب في الثانية وأتزوج من الثالثة -.

كانت جالسة على الأريكة بجانب والدتها تنتقي الذهب بسعادة من فوق الطاولة التي وضع عليها خواتم وقلادات ودُبل وخلاخيل وأقراط ذهبية بمختلف الأشكال والنقشات الجميلة منها القديم ومنها الحديث..

كانت نادين ترتدي ملابسها المعتادة وفوقها عباءة لأنها أحبت الك الملابس تاركة شعرها منسدلا بنعومة حول وجهها، بينما ليلى كانت ترتدي ملابسها المعتادة المكونة من بنطال قصير ضيق وكنزه ومن المفترض أن المنزل دافئ كالمعتاد لكن اليوم لم يكن دافئ، تتلحف بوشاح ثقيل بسبب البرودة التي أدخلها الباب المفتوح على مصراعيه مع إدخاله للضوء و نسمات الهواء التي داعبت خصلات شعرهم بنعومة..

هي بالفعل أخذت الملابس من حُسنة كما أخبرتها لكنها تركتهم على الفراش رافضة أن ترتديهم، جمعت خصلتين خصلتين من شعرها من كل جانب وقامت بـ لويهم وجمعتهم داخل مشبك الشعر الصغير كي لا تتمرد بقية خصلاتها وتضايقها وخصوصاً أنها لا تطيق النظر إلى وجهها وهي هكذا..
بينما حُسنة ودهب كانا يجلسان جوار بعضهما البعض يتحدثان بهدوء مع كل قلادة تضعها حُسنة على صدر دهب كي ترى الأجمل والأنسب لها..

إلتقطت قلادة أخرى وهي تزفر بسبب مزاجيه إبنتها ورفضها كل ما تقترحه عليها..
صرخت بها بحدة افزعتهم: في إيه يا بتي مفيش حاجة عاجباكِ واصل!
زفرت دهب بضيق وقالت بتذمر: أعمل ايه يعني ياما مش عجباني اللِبة ديّ!
نظرت لها حُسنة باستياء ثم قالت بقلة حيله: براحتك مليش صالح عشان تعبتيني وياكِ يابت بطني..
ابتسمت ليلى ثم وقفت من مكانها وجلست بجانب دهب واقترحت عليها بهدوء: ينفع أساعدك؟

اومأت لها بوجه عابس فابتسمت ليلى وبدأت يدها تتجول بين القلادات حتى إلتقطت واحدة ووضعتها حول رقبتها برقة وسألتها: ايه رأيك في دي؟
إبتسمت دهب وهي تتحسسها بأناملها ثم قالت بابتسامة: تسلم يدك حلوه جوي..
نظرت لها حُسنة بسخط ثم سألتها بتهكم: أباي عليكِ يا بت الجزمِة إنتِ أنا حطيتها على رجبتك ياجي خمسين مرة وجولتي عفشِه بجِت زينه دلوك؟

ابتسمت ليلى وحاوطت كتف دهب وقالت برقة: لأ هي مردتش تكسفني بس، عشان هس برده مش عجباها يا أم عمّار صح يا دهب..
ابتسمت دهب ببلاهة ثم خلعتها عن رقبتها وقالت باستسلام: أني عاوزه حِجل، وتركتهم وجلست بجانب نادين تنتقي معها بهدوء دون تأثير من أحدٍ عليها تحت نظرات والدتها التي تهز رأسها بيأس..
ربتت ليلى علي كتفها بحنو وقالت بهدوء: تلاقي هرمونات الحمل مقصرة عليها شوية..

هزت رأسها وقالت بتعجب و استياء: ديّ لسه عالبر يا بتي للحديت دِيه إحنا محبِلناش ولِّيه!
ضحكت ليلى بخفه ثم قالت وهي تضيق عينيها: كل حاجة اتغيرت دلوقتي تلاقيها بتتجلع عليكِ يا أم عمّار..
ضحكت حُسنة ثم هزت رأسها وكادت تذهب لكنها لاحظت نظرات ليلى تجاه إحدى الخلاخل الذهبية..

حملته بابتسامة ورفق كأنها تخشى عليه ثم رفعت قدمها ووضعتها على طرف الطاولة وارتدته حول كاحلها وهي تبتسم فكان سوار رقيق يتدلى منه فراشات صغيرة رقيقة تتراقص مع كل حركة تصدر منها، خلعته عن قدمها وهي تبتسم بحزن فهي ترى أنها كبرت على تلك الأشياء، وضعته على الطاولة لكن يدها توقفت بمنتصف الطريق عندما أمسكتها حُسنة وهتفت باعتراض: والله ما يرجع عاد..

حركت ليلى أهدابها بتعجب وسألتها بعدم فهم: مايرجع ايه؟ مش هاخده!
اختطفته حُسنة من بين يديها وهتفت بحدة ولغة أمره: أرفعي رجلك ديّ علي المخروبة دلوك..
نظرت لها بتعجب دون ان تصدر عنها حركة، شهقت عندما رفعت حُسنة قدمها بنفسها على الطاولة وأعادت وضعه حول كاحلها من جديد وهي تقول: الحاجة اللي تعجبك تاخديها من غير حديت ورطرطة كَتير..

هزت رأسها بنفي وردت متعجبة وهي تنظر إلي قدمها: مش معني إنه عاجبني اخده مش هتستخدمه دي فلوس علي الفاضي!
ربتت حُسنة على كتفها وقالت بابتسامة: مش فلوس على الفاضي عاد! ديّ أجل من جيمتك يا حبيبتي من حبنا حبيناه وصار متاعنا متاعه اعتبريها هديتي ليكِ يا غاليِة..
ابتسمت ليلى بنعومة و سألتها باستفهام رقيق: إنتِ ليه بتقوليلي يا غالية؟

إبتسمت حُسنة وقالت بحنان: عشان إنتِ غاليِة يا غاليِة، عانقتها ليلى بحنان وهي تبتسم بِحب مع قولها: إنتِ طيبة أوي يا حاجة أم عمّار..
ابتسمت حُسنة وربتت على شعرها وهي تقول بابتسامة: والله إنتِ اللي طيبة وأميرة يا أميرة، أنا هجوم بجي عشان البنتِه اللي في المطبخ دول ما هيعملوش حاجة زينه غير لما أجعد فوج دماغتهم..
عشان نلحق جبل الليل وجبل مايوصلوا الضيوف..
سألتها ليلى باستفهام: مين اللي جاي؟

وضعت حُسنة يدها اسفل ذقنها وسألتها باستنكار: إنتِ ما تعرِفيش ولِّيه؟ النهاردِه جراية الفاتحة بتاعة عمّار!
هزت ليلى رأسها بجهل وهتفت بتعجب: عمّار وندي؟
ضربت حُسنة كفيها معاً وهي تهز رأسها وتكاد تجن من تلك الاسئلة جعلت ليلى تبعد وجهها إلى الخلف وهي تحرك أهدابها بتعجب تستمع إلى بقية قولها: خبر ايه يا بتى تفي من خشمك ندى ايه ديّ ديّ فاتحة عمّار ونادين يا حبيبتي!

هزت رأسها باستنكار ثم سألتها بغضب طفيف إحتراماً لها: يعني ايه فاتحة؟ مين اللي قال كده؟
تنهدت حُسنة وقالت بهدوء كي تفهم ما يحدث هُنا: أنا جولتلك جبل سابج يا حبيبتي إنك طالما جيتي إهنِه يبجي إنتِ موافجة ومش ناجص غير موافجة الحج وبينُه إكدِه وافج وأمر ومحدش هيردِله طلب واصل..

ردت بعصبية وهي تضرب الطاولة براحة يدها: يعني ايه محدش يردِله طلب يعني؟ ليه احنا هنا تحت رحمته لحد ما يوافق ويؤمر ولا ايه؟، وقفت بغضب وتابعت بحدة ولغة آمرة إلى نادين التي وقفت بقلق: إتفضلي اطلعي جهزي حاجتك عشان نمشي مش هنقعد هنا دقيقة واحدة..
زفر بضجر وهو يمر من أمامها تلك الثرثارة التي لا تتوقف شفتيها المثيرة عن الحديث، دفعها من كتفها أسقطها على الأريكة وهو يقول بسخط: عاملة دوشة ليه يا حماتي؟.

ركلت حُسنة ساقهِ وهو يمر من أمامها وهي توبخه بحدة: من ديج المكان جي تزنج نفسك إهنِه يا جاموسية إنتِه!
قهقهة وهو يجلس بجانبها ثم قبل جبهتها بحنان وبرر بهدوء: أنا جاي أجعد جارك يا ست الكل..
ربتت على صدره بحنان لـ يبتعد قليلاً إلى الخلف شاعراً بالألم، سألته بتعجب ويدها أستقرت على صدره: مال صدرك دافي إكدِه ليه مرضان ولِّيه؟

أمسك يديها بين يديه وقبلها بحنان وقال بسخرية: أصلي كُنت برضع دلوك، ضربت كتفه بسخط و وبخته وهي تضيق عينيها: ترضع مين يا ناجص إنتِه..
قهقهة وهو يعانقها ثم سألهم باستفهام: انتوا جاعدين إهنِه ليه؟ في رجاله جايين عشان في مشكلة إيكش يتعاركوا في نص الطريق ويجتلوا في بعض ونخلص من الفُجّر اللي بيتاجروا في المساخيط دول..

ربتت حُسنة على رأسه بحنو وهتفت مواسية: ربنا يجويك يا ولدي أني واعية إنك ما هتحبش المشي البطال..
ضحك بتسلية وهو يستمع لها، حسناً معها حق هو لا يحب هذا، لكن أي واحداً تقصد لأن هناك ما يحبه..
سألهم وهو يبحث عن الصائغ بناظريه: هو فين المحروج التاني مهملكم دهباتُه إكدِه كيف؟
لويت حُسنة شدقيها وهي ترفع حاجبيها وقالت بتهكم: إحنا هنِسرجه ولِّيه العِفش دِيه! همله جاعد مع الرجالة في الطله بيشرب شاي..

أومأ وهو ينظر إلى الذهب الموضوع أمامه على الطاولة ليقع نظره على ساق ليلى الناعمة التي تمدها على طرف الطاولة تعقد يديها أمام صدرها بوجوم وهي تفكر، ليهتف عمّار بسخرية وهو يلمح ذلك السوار الرقيق الملفوف حول كاحلها: حماتي جامت بالواجب وسرجت أهي..
ضحكت بسخرية ولم ترد عليه متصنعة البرود وهي تنفخ أنفها مع وجنتيها بغضب وكم تتمنى بشدّة أن تقتلع ذلك اللسان اللعين..

وبخته حُسنة بخفوت وهي تقرص ذراعه: إخرس ديّ هديه مني..
رفع حاجبيه وسألها متصنعاً الحزن: بجي بتهادي حماتي وسايبة خطيبتي؟
رفعت قدميها عن الأرض وربعتها ثم سألته وهي تهتز: بجولك ايه يا واد يا مخبول إنتِه ماترازيش فيِه أنا مش فيجالك والدهبات كلها أهي تحت أمرها ولا لازم أجولها؟

ضحك وهو يراقبها بتسلية ثم هتف بأسف: معلاهش بعـ، قطع قوله دلوف أحد حُراس المنزل حاملاً معه بعض الحقائب مستمراً في السير دون توقف أو النظر لهم..
أستوقفه قول عمّار باستفهام: رامح على فين كيف البهيمة إكدِه..
توقف الحارس ثم أستدار وذهب اتجاهه، وقف أمام الطاولة وهتف باحترام: كنت بجيب طلبات للمطبخ جنابك..
أومأ لها عمّار ثم سأله وهو يحدق بالحقيبة البلاستيكية التي يحملها من: وجايب ايه؟

قال بهدوء وهو يناوله الحقيبة: طماطم..
أخذها عمّار وتفحصها وهو يسأله: بكام دلوك؟
رد بهدوء: عشه جنيه..
سأله بامتعاض وهو يتفحصها: ليه من كارفور؟، قضمها كي يتذوقها ثم قال بتقزز: دي ماصخة! وطريه جاك خابط في مجايبك اجلب من وشي..
قهقهت نادين ثم قالت وهي تغمزه: إنت باد بوي اوي على فكرة..
قهقهة ثم قال إلى والدته بتسلية: تبجي فرجي شربات على البلد يا أم عمّار..
سألته بتعجب وهي تضع يديها أسفل ذقنها: ليه يا ولدي..

قال بهدوء وهو يربت علي صدره: بمناسبة إني بجيت باد بوي..
دفعته وهتفت بسخط: بعِد عني يا بجف وجوم من إهنِه جوم، ضحكت نادين بتقطع وهي تراقبه بابتسامة، قلبت ليلى عينيها بسخط وهي ترفع طرف شفتيها بسخرية فكم تبغضه ذلك السيء، هو سيء حقاً فلما يضحك بفرح وسرور وفخر هكذا؟، هزت رأسها لتقع عينيها على تلك القلادة التي تلمع بشكل ملحوظ، نظرت لها بتركيز وأنزلت قدميها عندما وجدت القلادة عبارة عن إسم ندى..

حركت يدها وقربتها من الطاولة كي تأخذها، وضعت يدها فوقها لتجد يدها تهبط فوقها بقوة بسبب يده الصلبة التي وضعت فوق يدها، لا بل كانت صفعة قاسية تلقتها كأنهما يلعبان معاً..
تأوهت بألم ونظرت له بسخط ثم أمرته بحدة وصوت مكتوم: شيل المرزبة دي من علي ايدي!
رد ببرود وهو يدحجها بنظرات نارية: شيلي ايدك انتِ انتِ مالك بالأسم المقرف ده؟
لاح على ثغرها ابتسامة ساخرة ممزوجة بإزدراء عقبه قولها: وطالما مقرف عايزة ليه؟

ابتسم بهدوء وقال مبرراً وهو يرفع حاجبيه: هحط ألف ونون عشان يبقي نادين، ضحكت بسخرية وهي تنظر له بسخط، قاطعهما قول نادين العابس ترفع يدها يديها أمام وجهها تباعد بين أناملها بخفه وهي تتأمل تلك الخواتم الرقيقة بابتسامة: بقي كده يا عموري ماتقوليش إن النهاردة الخطوبة بتاعتي ينفع كده؟
نظر لها وهو يبتسم بهدوء ثم قال مواسياً: عمورك لسه عارف دلوقتى وحياتك، بس وعد هتعرفي معاد الفرح قبله متقلقيش..

أومأت وهي تبتسم بنعومة لتقضم ليلى شفتيها بغيظ وهي تنظر لها بغضب تلك الحمقاء الساذجة البلهاء التي تغرق نفسها في الوحل..
هتفت بانفعال وهي تبتسم ابتسامة لا تليق بثورانها بتاتاً: وياتري بقي عمورك قالك انه هيتجوز عليكِ عشان يرضي السلطان سليمان؟

أسودت عينيه بغضب ثم إبتسم بعصبية وهو يضغط على يدها بقوة أكبر جعل آلامها تتضاعف وتحدث من بين أسنانه بتحذير بصوت خافت وصل لها: أنا حذرتك قبل كدة من قبل ماتيجي تخلى بالك من كلامك هنا صح ولا لأ؟ أنا سايبك بمزاجي تتجاهلي وجوده وتتجنبيه ومش بتكلم لكن لو سمعتك تقولي عليه نص كلمة متعجبنيش مش الحزام اللى هيتكلم، ايدي اللي هتتكلم المرادي و متلوميش غير نفسك..

هزت رأسها بتفهم وقالت باحتقار ونفور: مستبعدهاش علي واحد ايده طويلة ومعندوش اخلاق زيك، ثم دفعت يده عن يدها بعنف وتركت له القلادة وصعدت إلى الأعلى..
زفر بضيق وهو يشعر بالغليان بسبب تلك الملعونة تفقدة عقله، التفت ليجد نادين تنظر له بحزن فتنهد وقال بهدوء: ساعتين وتعاليلي ورا البيت و هفهمك كل حاجة، ودلوقتي بجي انجلوا في المندرة الثانية عشان المجاطيع وصلوا يلا..

في منزل خليل الطحاوي..
كانت تجلس على المقعد الدائري الناعم الذي يبتلعها، تثني ساقيها، تضع الهرة علي قدميها تداعب فرائها بنعومة وشرود وهي تنظر عبر الفراغات الضيقة في النافذة الصغيرة بيد والأخرى تضعها حول معدتها بقلق، هي خائفة من أن تخسره ماذا ستفعل؟.
قطع شرودها سماع صوت سعاله بقوة وهو يتقدم منها يرتدي عباءته البيضاء الخاصة بالنوم..

جلس على المقعد المقابل إلى مقعدها، أخرج علبة من جيبه ثم أشعل لِفافة التبغ، وضعها بين أسنانه الصفراء يستنشقها بهدوء، سعل بحدة وهو ينتفض من على المقعد بسبب انتفاضة صدره من ذلك السم الذي لا يتوقف عن استنشاقه هو والنارجيلة ذات القاعدة الزجاجية (الشيشة) دون توقف..
سألها خليل بخشونة بأنفاسه الثقيلة وهو ينفث الدخان من فمه: نِعست بدري عشيِه امبارح ونسيت أسألك عملتي إيه امبارح! شوفتي عمّار؟

أومأت بهدوء وهي تخفض وجهها تنظر إلى هرتها، ليتابع: وحُصول ايه عاد؟
هزت كتفيها وقالت بهدوء: ولا حاجة إشتريت جزمِة وجيت..
أومأ بهدوء ثم سألها من جديد: و فين الجزمِة ديّ؟

أشرت على الطاولة الموضوعة في المنتصف الموضوع عليها الكيس البلاستيكي منذ أمس، اعتدل بجلسته ثم أخرج الحذاء وقلبه بين يديه بعدم إهتمام وهو ينظر لها بسخط ثم سألها بتهكم وهو يلوح به بين يديه: وايه دِيه ان شاء الله؟ هتتزفتي وتلبسي المحروجة ديّ كيف وإنتِ حِبله؟ ولو مش حِبله من ميته بتلبسي عالي إكدِه؟ عايزه تتجسر رجبتك ولِّيه؟ ولا فلوس بتترمي عالأرض عالفاضي!

أبعدت الهرة عن قدمها ثم ضمت ركبتيها الى صدرها واسندت وجنتها إليها وهي تضم نفسها ثم قالت بإحباط: كان في هناك مرة حلوة جوي، كانت لابسة جزمِة كيف الجزمة ديّ وكانت ماسكة ديّ في يدها كومان غيرت لما شوفتها! اشمعنا هيِه يعني وأنا لاه عشان إكدِه جبتها..
قذفها عليها بغضب وهو يسبها لكنها تحركت وتفادتها.

لـ يصرخ بها بجنون: وإنتِ مالك إنتِ إنت مالك؟ تغيري وتخسِريني أني؟ مالكيش صالح بيها تلبس ولا تتجندل هي بتلبسهم لكن إنتِ لاه يا جموسية يلعن أبو اللي جابك..

عبست بضيق ثم شهقت وهبت واقفة عن المقعد عندما وجدت الحذاء الآخر يقذف عليها، اختبأت خلف المقعد وهي تسمع سبه لها وصوت الأحذية التي تصطدم بمقعدها العزيز تجعله يهتز: يا وجعتك المربرة يا حزينة كلهم بـ كعوب أكسرهم على دماغك دلوك ولا وأخرم بيهم ودانك أعمل إيه؟

وقفت وهي تزفر ثم رفعت رأسها و أسندت مرفقها على رأس الكرسي وقالت بنبرة مهمومة قلقة وهي تقضم أظافرها: فكِر في اللي عاوز تعمله أنا خايفِة أروح عِنديهم هيسجِطوني!

ضرب كفيه معاه ووبخها بحدة وهو يقبض على عباءته بقوة: أنا مش إتحددت وياكِ كَتير وجولت إن محدش هيجرب منيكي عشان حِبله؟ مهما كانوا عفشين بس بيعرفوا ربنا ومحدش هيجرب منك، والمطلوب إنك تتمحلسي لكل واحد شويِه لحد ما يحبوكي على الأجل لغاية ما تولدي وبعدين يحلها حلال..
تابعت قضم شفتيها بتوتر ثم سألته بإحباط: وهتمحلس كيف يعني هعمل ايه؟
إبتسم باصفرار وهتف بسخرية: يعني حُكي ما تِعرِفيش الحك؟

جلست على المقعد وربعت قدميها ومازالت تهزها بتوتر ثم سألته من جديد: ما تخليني إهنِه لحد ما اولد؟
حمل المطفأة التي يطفأ بها أعقب السجائر ورفعها أمام وجهها مهدداً: يا حزينة روحي دلوك عشان بعد الولادِه يكونوا باجيين عليكِ!
هزت رأسها بنفي لهذا وهتفت باعتراض: ولو محصلش حاجة من كُل دِيه عاد عيحصل فِيا إيه؟

هز كتفيه بعدم إهتمام وقال بنبرة ذات مغزى: ولا حاجة تولدي وترجعي ونفضوها سيرة ولا عيجبي في جواز ولا يحزنون وأصلاً مفيش جواز نسيتي ولِّيه؟ و معانا وجت كَتير تكوني عرفتي اللي عايزين نعرفهُ، عشان المرة الجاية لما ناجي نجتله محدش يفاديه عاد واعية للحديت؟
أومأت وهي تبتسم بعصبية وقالت بانفعال ظهر جلياً على ملامحها الناعمة: مفكِر إن كل دِيه عيبجي بالساهل؟

ابتسم وقال بنبرة تحذيرية هادئه: لاه مش بالساهل بس طول ما إنتِ هاديِه ونسمة ومش بتنبشي على المشاكل وتزني على خراب عشك محدش هيجرب منيكي واصل! متبجيش مِحراك شر عشان هيودِروكي..

لدي عمّار في المنزل..
همهم عمّار للمرة الألف وهو يجلس على مقعد والده في منتصف الغرفة بملامح جامدة قاسية صلبة لا تحمل المزاح بتاتاً يمسك بين يديه ذلك التمثال الذهبي العتيق الذي أخرجوه من أحد المقابر الكثيرة هُنا وسبب المشكلة الرئيسية، العراك على من سوف يملكه..
أسند ذقنه عليه وهو يسألهم ببرود: عيد إكدِه وسمعني الجانون بتاعكم ايه؟

ازدرد الرجل ريقه وهو ينظر مقابلة إلي ذلك الرجل الذي يجلس بملامح متجهمة يفترسه بنظراتٍ قاتلة جعلته يشحب، ثم انتقل بنظره إلى جانبه لذلك الذي الرجل الثاني الذي يرى موته بعينيه لامحالة ليرتجف قلبه ذعراً خوفاً منهما..
تحدث ذلك الذي يُدعى طلعت بهدوء لكن نبرته خانته وخرجت مرتجفة رغماً عنه وهو يتصبب عرقاً: الجانون عندينا إن اللي ينضر حاجة لوْوَل تبجي بتاعته وملكه..

أومأ عمّار بتفهم ثم نظر إلى يساره وسأل ذلك الذي يُدعى مُنذر: ومشجلتك ايه عاد؟

هتف بعصبية وهو يأشر على لطفي الذي يجلس مقابله على يمين عمّار: المشجلة إني أني اللي نضرتها لوْوَل ومن حقي وهو عمال يرطرط في الحديت ويجول هو اللي نضرها لوْوَل ومعرفش ايه وابصر ايه ومدري كيف؟!، أومأ له عمّار ثم نظر يمينه وسأل لطفي بنفاذ صبر وهو يبتسم على مضض كي لا يقتل هذان اللعينان المتبجحين هل يبلغ عنهم؟: رأيك ايه يا حج لطفي؟

نظر له لطفي وقال بكل هدوء بأعصاب باردة: أنا اللي نضرتها لوْوَل ومهجولش غير إكدِه؟
أومأ عمّار ثم أعاد سؤال طلعت: رأيك ايه يا حج طلعت مش إنت صاحب الليلة ديّ مين اللي نضرها لوْوَل؟

تحمحم وهو يجفف جبهته براحة يده ثم قال بارد: الصراحة ومن غير كذب أنا بعد ما خرجتها من المجبرة إتصلت علي التِنين واستنيت اللي هياجي لوْوَل لجيت التِنين جِدامي فجأة وجبل ما أتحددت لقيتهم جامو على بعض كيف الكلاب، صمت ونظر إلى كليهما باعتذار ثم هتف بتذبذب: لمؤاخذة، وتابع وهو ينظر إلى عمّار: دِيه يجول من حقي والتاني يجول من حقي! جولتلهم يجسموها بيناتهم لكن الطمع بعيد عنك مهيخليش..

أومأ عمّار وهو يمسد جبهته ثم رفع رأسة وقال بهدوء وهو يأشر عليهم بذلك التمثال: انتوا جولتوا ان اللي ينضر حاجة لوْوَل ياخدها صُوح؟
قال مُنذر بانفعال وخشونة: صوح!

فأعاد عمّار وهو يرفع حاجبيه: انتوا عارفين ان محدش بيخرج من إهنِه مظلوم وأنا مش بظلم حد عاد! وانتوا مش موافجين تجسموها بيناتكم وأنا شايف إن دِيه صوح عشان ديّ مش من حج حد فيكم انتوا التِنين عاد! طلعت اللي نضرها وهو اللي خرجها وهو اللي عياخدها، وقذفها إليه مع نهاية حديثه ليرفع طلعت يده المرتجفة والتقطها بوجه شاحب بهت أكثر فأكثر وهو يتبادل النظرات معهما بخوف..

إبتسم لطفي بانتصار وسعادة ولا مُبالاة بهذا، فهو يكره مُنذر ولا يفعل كل هذا سوى عناداً كي يُضايقه ويقهره وخصوصاً أنه يعلم أن لديه هوس بالآثار وجمعها وكون طلعت أخذها لا يزعجه بتاتاً، فأي شيء يسبب الإزعاج له يحبه، ربت على كتفه وهو يهنئه برضى: مبروك عليك يا طلعت صبُرت ونولت، أومأ له وهو يبتسم ببهوت ابتسامة بالكاد خرجت، ثم نظر إلى مُنذر الذي امتقع وجهه واحتقن بحمرة الغضب ليسأله لطفي باستفزاز: صوح يا مُنذر يستحجها!

هب مُنذر واقفاً وصاح بصوت مرتفع غاضب: أنا ما هجبلش دِيه شغل طلعت وبياخد فلوس على إكدِه هو يطلع واحنا ناخد الجانون مش بيطبج عليه!
أومأ عمّار مؤكداً وهو يبتسم بخفه ثم هتف ببساطة: من النهاردِه الجانون اطبج عليه ولا تزعل نفسك عاد عشان صحتك!
هتف بحدة تضاعفت وجسده أخذ يشتعل من الغضب: أنا مش موافج..

تأفف عمّار وهو يمسد جبهته ثم قال ببطء وتحذير وهو ينظر بنقطة معينة أمامه: حِسك علا وفي داري ودِه ومش كويس عشانك يا مُنذر هدِي و روِج مش هتموت من الجوع يعني! إنت طالع واكل نازل واكل كفياك عاد! لكن طلعت معاه خمس روس محتاجين كل جِرش مش عتحس ولِّيه! تكونش حاطت على جلبك مراوح؟.
زفر بخشونة كانت كصرخة مكتومة ثم جلس على المقعد بغضب وهتف بتهكم: ويرضي يطفِح عياله من مال حرام؟

ضحك عمّار بخفة وسأله بسخرية: جول لحالك يا وِلد آيوب فلوسك ديّ جايبها منين عاد شغال دلال ولِّيه؟
نظر له منذر بغضب وكُره بيّن ظاهر أمام الجميع حتى له وهو يضم قبضتيه بقوة ووعيد ليرفع عمّار حاجبيه وسأله وهو يبتسم بتسلية استفزته فوق استفزازه: مالك بتبحلجلي إكدِه ليه؟ حديتي مش لاددْ عليك؟ من ميتة وهو بيلِد عليك بلا وجع دماغ، خلاص خلصنا ومش عايز رطرطة وحديت ماصخ وعراك كيف النسوان عشان مساخيط اتجوا الله..

هتف مُنذر بعصبية وهو يقف شاعرا بالإهانة: واااه شايفنا كفرنا ولِّيه حديـ، قاطعه عمّار وهو يقف مع قولة باستخفاف ولا مُبالاه: بس بس ليطجلك عرج وروِج عندنا فرح النهاردِه، هستناكم يا رجاله، وترك الغرفة وهو يلعنهم جميعاً وغادر..
بعد بعض الوقت خلف المنزل..
نفخ داخل أذنها جعلها تنتفض بهلع، أدخلت خنصرها داخل أذنها باقتضاب ثم هتفت بعبوس مصطنع: إخص عليك يا عموري..

قهقهة عليها ثم قال بازدراء: والله عيب عليكِ عموري ايه؟
ضحكت وهي تلملم شعرها ترفعه بين يديها لـ تختفي ابتسامته عندما رأى القلادة تزين عنقها! هذا؟ لما أعطتها لها تلك الشيطانة، ألا تعجبها؟ هل تريدها من الياقوت تلك المتسلطة؟ أمسكها بأنامله ببطء كأنه يتفحصها ثم سألها باستفهام: منين السلسلة دي؟

ابتسمت وقالت برقة: دي بتاعـ، شهقت بتفاجئ عندما شدها بعنف من حول رقبتها قطعها بملامح متجهمة وهو يقول بغلظة: مش حلوه..
صرخت به بغضب: ايه يا عمّار دي بتاعة مامى هعمل ايه دلوقتي بقي؟
قذفها وسط النباتات بحنق وقال بعدم اهتمام: وحشة برده واسمعي بقي المهم وسيبك من التفاهة دي!.

كانت تدثر نفسها تحت الغطاء وهي تسند ظهرها على جزع الفراش الحديدي تمسك بين يديها إحدى الروايات الأجنبية تزفر كل برهة وأخرى بعدم تركيز وهي تتنفس بعصبية بسبب شعرها الذي لا يتوقف عن مضايقتها ووخزها..

دلفت نادين دون طرق، أغلقت الباب خلفها ببطء كي لا يزعجها وتخيفها، سارت اتجاهها تقدم قدم وتأخر الأخرى بإحباط، جلست على طرف الفراش وظلت صامته منتظرة أن تنتبه لها ليلى لكنها كانت منغمسة في القراءة وهي تبتسم بنعومة..
تحدثت نادين بخفوت: عمّار حكالي كل حاجة..
قطبت ليلى ما بين حاجبيها ثم أغلقتها الرواية و نظرت إلى نادين بتركيز لتدرك تشوشها من ملامحها بسبب ما قصهُ عليها في الأسفل..

سألتها باستفهام بنبرة هادئه وهي تتركه من يدها: وقررتي ايه؟
قالت بخفوت وهي تعبث بأصابعها بتوتر: موافقة..
صرخت بها بعصبية واستنكار وهي تكاد تشد شعرها وتقطعة بين يديها: نعم! موافقة علي ايه؟ انتِ اتجننتي ولا ايه؟

أدمعت عيناها بحزن ونظرت لها بلوم، تأوهت ليلى وهي تهز رأسها بأسف ثم إقتربت وكوبت وجهها بين يديها وسألتها بأسي: مالك يا حبيبتي؟ إنتِ شايفة نفسك وحشة اوي كده عشان ترمي نفسك الرمية دي؟ مفيش حاجة تجبرك انك توافقي علي كده!

سقطت عبراتها بألم وهتفت من بين شفتيها بارتجاف: أنا عايزه كده، أسمعيني، عمّار قالي إن ده وضع مؤقت مش هيستمر، ولسه معانا شهور قبل الجواز لما تكون ولدت اللي اسمها ندي دي وبعدين هيشوف هيعمل ايه؟
ازدردت ليلى ريقها بصعوبة وحلق جاف ثم سألتها باستفهام: مين حامل؟
ردت بضيق وهي تمحي عبراتها بظهر يدها: ندي دي حامل و جاية النهاردة..
هزت ليلى رأسها بسخرية وهي تضحك ببرود ثم سألتها من جديد: ندى حامل؟

أومأت نادين بتعجب وهي تنظر لها بريبة بسبب ضحكتها ثم سألتها باستفهام: مامي بتضحكي علي ايه؟

تابعت ضحكها وهي ترفع ركبتيها الى صدرها ثم قالت وهي تحك حاجبها بأناملها: مفيش، مفيش، وبراحتك، بس متجيش تعيطي في الأخر وخليكِ فاكرة إني مأجبرتكيش على حاجة واي حاجة هتحصل هتبقي نتيجة إختيارك الغلط، ودلوقتي بقي لو سمحتي سبيني عشان أكمل الرواية، وحملت الكتاب عن الفراش، وضعته أمام وجهها أخفته وتابعت قراءته بهدوء، وهي تشتعل غضباً داخلها ومقتِها وكرهها إتجاه ذلك الغبي تتضاعف أكثر فأكثر كل يوم دون وضع حد أو قدر إلى هذا الكره..

تنهدت نادين بحزن ثم قالت بلؤم وهي تقف: ماشي، أنا أصلاً كنت ماشية عشان عملت اوردر وزمان الأستشوار وصل دلوقتي..
أنزلت ليلي الرواية من أمام وجهها وسألتها وهي تحرك أهدابها بسرعة وتفكير: استني عندك، هتعملي ايه؟ وجبتيه ليه؟
أبتسمت نادين وهتفت بمشاكسة: عشان اعمل شعري كيرلي زيك اصل شكلك حلو..

قذفتها بالكتاب بحدة وهتفت بغيظ: اخرجي برا يا كذابه مين ده اللي هيجيلك هنا عشان استشوار، قهقهت نادين وهي تنحني وحملت الكتاب عن الأرض ثم وضعته على الفراش وقالت بابتسامة: هجيلك تاني عشان تجهزي نفسك يا أم العروسة..
ضمت قبضتها بغضب شاعرة بارتفاع ضغط دمها وهي تنظر لها بسخط ثم هتفت من بين أسنانها: أخرجي براا يا مستفزة براااا، أومأت وهي تضحك ثم قبلت وجنتيها بسرعة خاطفة وركضت الى الخارج..

=: اتفضلي يا ماما، هذا ما أردفت به جـنّـة وهي تقدم العصير إلى والدتها..
ابتسمت روحية بحنان وهي تأخذه من بين يديها شاكرة: تسلم إيدك يا حبيبتي، هزت رأسها بـ إمائه بسيطة وهي تبتسم، تحركت وكادت تذهب لكن والدتها أمسكت يدها جعلتها تتوقف ثم أجلستها بجانبها وتحدثت بتشوش: إستني يا جـنّـة عاوزة اسألك على حاجه؟

أومأت لها بهدوء لكن القلق بدأ يساورها وقلبها بدأ بالرنين عالياً وهي تسألها: خير يا ماما في حاجه؟!
تحدثت روحية بهدوء: لا بس جاسم كان متعصب إمبارح من غير سبب تعرفي ليه؟!
هزت رأسها بنفي وهي تقطب حاجبيها ثم قالت وهي تتذكر أحداث أمس: لا يا ماما هو إمبارح وصلني ورجع يصلح عربيته وبعدها دخلت ونمت حتى مشفتهوش فى حاجة حصلت ولا إيه؟!

أومأت روحية بِـ همٍ وقالت بإيجاز: إمبارح لما رجع دخل وهو بيزعق وقال إنك سبتي الهدوم في الجنينة وراح وسيبهم هنا على الطربيزه حتى مطلعمش فوق حصل إيه؟!
هزت جـنّـة رأسها بجهل وقالت بتعجب وهي تفكر: مش عارفه والله يا ماما محصلش حاجة تضايقه بس أكيد متضايقش عشان سبت الشُنط بره جاسم أعقل من كده؟
مسدت روحية جبهتها بتعب وقالت يجهل مماثل هي الأخري: مش عارفه يا جّـنـة مش عارفه..

أومأت لها بتفهم ثم هبت واقفة وقالت وهي تتحرك على عجل: أنا هطلع أشوفه يا ماما عن اذنك..
أومأت لها بهدوء وقالت باستسلام: إتفضلي يا حبيبتي..

بينما في غرفته في الأعلى كان يستلقي على الفراش يتوسد مرفقية يحدق بالسقف بعمق شارد الذهن مشغول البال مُشتت الأفكار ولا يعلم لما ولايستطيع إيجاد سبب معين لحالته! ولم يستطع أمس أن يذهب إلى غرفتها أيضاً كي لا يتشاجر معها بلا سبب فظل في غرفته حتي غفي كطفلٍ تائه، هو يعلم أنها تغيرت كثيراً لكن لما بهذا القدر؟ ولما لم تتذكر إلى الآن وهي معهم؟ فهي طوال الوقت سابقاً كانت معهم ومن المفترض أن يكون كل شيءٍ مألوفاً بالنسبةِ لها لكن هي لا تبدر عنها أي ردة فعل مهما فعل؟ حتى تلك القُبلات البريئة منها لها مذاقاً آخر مختلفاً من شفتيها عن سابقاً!.

أخرجه من شروده صوت طرقات رقيقة على الباب، إبتسم عندما علم لمن تابعة تلك الطرقات الرقيقه..
فلم يرد منتظراً أن يعرف كيف ستكون ردة فعلها ثم تصنع النوم...

تعالي صوت الطرقات من جديد لكن لم يرد عليها، زفرت وهي تهز قدمها بتوتر وتلف أعصاب ثم دلفت عندما نفذ صبرها، أغلقت الباب خلفها بخفه كي لا يستفيق عندما أبصرته نائماً، تقدمت من فراشة ببطء بخطوات حثيثة تسير على أطرافها برشاقة، استلقت بجانبه بهدوء، وضعت يديها أسفل وجنتيها واراحتها على الوسادة وظلت تتأمله مطولاً بفيروزتيها اللامعة وابتسامه رقيقه تعتلي ثغرها، رفعت يدها وداعب وجنته برقه وهي تبتسم بحُب لبعض الوقت حتى تحدث بتثاقل جعلها تشهق و تبعد يدها سريعاً: مش كفايه لعب؟!

تدرج وجهها بالحمرة وهتفت بارتباك وخجل وهي تخفض وجهها: إنت صاحي؟!
فتح عينه النصف مغلقة وتحدث بنعاس مصطنع: لا إنتِ صحتيني سبيني أكمل نومي بقي!
أومأت بخفه وهي تزم شفتيها بإحباط ونهضت للذهاب لكنه جذبها من يدها أسقطها بجانبه من جديد، تحدث بخفوت وهو يحاوط خصرها دافناً رأسه في حنايا رقبتها يستنشقها بانتشاء أصابها بقشعريرة: هتمشي بسهوله كده؟!

عبست بحزن وتحدثت وهي تغلغل أناملها داخل شعرة تداعبه بحنان: أنت اللي قولتلي أخرج..
شدد قبضته حول خصرها بقوة وتحدث وهو يهز رأسه دافناً أنفه داخل شعرها: يعني لو قولتلك سبيني هتسبيني؟!
هزت رأسها بنفي وهي تزم شفتيها فتابع بخفوت: خليكِ عارفه إني لما أقولك سبيني فأي وقت ده بيكون رجاء إنك تفضلي معايا دايماً، أومأت وهي تبتسم برقه ثم سألته: كنت متضايق امبارح ليه بقي وسبت هدومي تحت كمان ينفع كده؟!

شهقت عندما وجدت نفسها أسفله وهو يترأسها ناظراً له بثقب ومكر وهو يسألها باستفهام: جه دورك بقى سبتي الشنط في الجنينه ليه؟!
ازدردت ريقها ثم عبثت بأصابعها بتوتر و قالت بتلعثم: الصراحة، الصراحة، كلب جري ورايا خوفت ودخلت بسرعه ونسيت..
قطب ما بين حاجبيه وتساءل بتقطيبه حاجبيه هذه: كلب هنا؟! إزاي يعني؟!

تحدثت بتوتر وهي تنظر في جميع أنحاء الغرفة عدى عينيه خوفاً من أن يكشف كذبها: عادي تلاقيه هرب من صاحبه الحمدلله عدت على خير ومحصليش حاجه؟
أومأ مبتسماً بحنان وهو يبعثر شعرها ثم عانقها برقة وتساءل: جهزتي نفسك الحفلة النهارده؟

تصنعت التفاجئ بعبث رغم أنه أخبرها أمس: بجد أقوم أنا بقى عشان الحق أجهز نفسي من دلوقتي، وتركت الفراش وتركت الغرفه وهي تهرول سريعاً إلى الخارج وغادرت قبل أن يخبرها أنه أخبرها أمس، إبتسم بهيام وهو ينظر في أثرها ثم ترك الفراش وتوجه إلى الخزانة كي يرى ماذا سيرتدي هو الآخر..
لدي سامي..

كان يقف في المطبخ عاري الصدر وهو يميل برأسه إلى الجانب واضعاً الهاتف بين أذنه وكتفه لكي يدعمه في إسناده وهو يقلب كوب الشاي: شاهى يا قلبي إزيك فاضية النهاردة؟! طيب هعدي عليكِ تكوني جاهزه على تسعة تمام باي، ورفع رأسه تاركاً الهاتف ينزلق من على كتفه وسقط أرضاً، نظر له بلا مبالاة ثم رفع الكوب يرتشف منه بهدوء وهو يبتسم بخبث فيجب أن يعود كل شيء لسابق عهده اليوم، يجب أن يحدث هذا..

في منزل قُصيّ..

أبعد المنشفة البيضاء جبهتها وهو يتنفس باختناق وصدره يعلو ويهبط بتثاقل شاعراً بهموم العالم أجمع تطبق على صدره، وضعها داخل إناء المياة البارد عندما وجدها تضاهي جبهتها حرارة، ثم قام بعصرها بقبضته بخفه وأعاد وضعها على جبهتها من جديد كي تنخفض حرارتها وهو يراقب شحوبها بحزن، رفع يده ونظر داخل ساعة معصمه، زفر وهو يرى الوقت يمر ولن تكون بخير حتى المساء ولن يذهب إلى الحفل، لا يهم لا يريد الذهاب، الأهم هي..

استفاق من شروده ونظر لها عندما سمع صوتها الواهن وهي تقول بتثاقل وحلق جاف: عارفه إنك عاوز تروح الحفله..
نظر لها بحنو ثم إبتسم وهتف بمشاكسه: حتي وإنتِ تعبانة مش عاتقة! أه عاوز أروح الحفله هتعملي إيه؟!

رفعت جسدها وهي تبعد المنشفة عن جبهتها ثم اعتدلت جالسة في الفراش بتعب وهتفت بوهن وهي تفتح عينيها بصعوبة من الحِمي التي لا ترى بسببها: هروح معاك يلا، صمت قليلاً وهو ينظر لها بتفحص ثم إنفجر ضاحكاً وهو يهز رأسه بسخرية وهتف باستخفاف: انتِ مش شايفه نفسك ولا إيه؟ اتغطي ونامي يا حبيبتي يلا..
تنهدت بتعب وهي تبعد شعرها إلى الخلف بحركة بطيئة ثم قالت بوهن بنبرة أقرب إلى البُكاء: قُصيّ متتعبنيش وخلص..

ضحك وهو يضرب كفيه معاً: انتِ عبيطه ولا إيه؟ انتِ خلصانه خِلقه نامي نامي..
أبعدت الغطاء عنها ونهضت تاركة الفراش بقدم مرتجفه لكنها لم تستطع الصمود كثيراً فسقطت على قدمه بضعف، زفر بنفاذ صبر ثم حاوط خصرها وحملها بين يديه، سطحها على الفراش و دثرها أسفل الغطاء وهتف بحزم: أقعدي بقي وإهدي مفيش خروج..

هزت رأسها بنفي رافضة وهي تعود إلى الجلوس من جديد، تحرك بعصبية في الغرفة ثم التقط مرآة وعاد أدراجه لها، رفعها أمام وجهها وتحدث بنبرة تهكمية: شايفه شكلك عامل ازاي ارتاحي انتِ تعبانه بدل ما تفضحينا هناك..
رفعت رأسها ونظرت له بلوم وعتاب، أدمعت عينيها و حركت شفتيها المرتجفة تسأله بنبرة مرتجفة متعبه: هو ده كل إللي همك هفضحك هناك..

مرر يده بشعره بعصبيه وهتف بحدة: عشق متخرجنيش عن شعوري عشان انا لحد دلوقتي محسبتكيش متزودهاش على نفسك واسمعي الكلام..

صرخت به بعنف من أعماقها شعرت من خلاله برأسها تنفجر من الألم أثر تلك المطارق التي تضرب رأسها: هتحاسبني على إيه؟! عشان متجوزة وعملت علاقه مع واحد حبيته هو ده اللي هتحاسبني عليه؟ أومال إنت مين إللي يحاسبك ما انت متجوز إنت كمان وعملت نفس العلاقة ولا عشان إنت الراجل؟! إحنا زي بعض على فكرة ومحدش أحسن من حد وملكش إنك تتكلم معايا فاهم؟ عشان إنت ولا حبيبي ولا خطيبي ولا جوزي بلاش تلعب الدور ده عشان بتخليني أكره نفسي أكتر إرحمنــ، قاطعها سؤاله ببرود: كل ده بسبب إنك عاوزه تروحي الحفلة؟.

ضحكت بهستيريا بصوت مبحوح إنتهى ببكائها بحرقة ثم سألته باستنكار: إنت ليه بارد أوي كده ومش بتحس؟! شايف إن كل ده عشان حفلة حفلة!
تنهد وهو يمسد جبهته ببطء ثم جلس بجانبها وقال بهدوء: خلاص هنروح الحفلة، يا إلهي على هذا الذي لا يملك قلباً!.

دفعته من جانبها بضعف وقالت له بنبرة مرتجفة وأعين دامعة: إبعد عني يا قُصيّ مش عاوزه أشوفك، هز رأسه بيأس وعانقها بحنان فدفعته عنها وهي تبكِ مع ضربها لصدره بقوة، فقيد خصرها بقوة تحت تململها بين يديه ومقاومتها لكنها استكانت على صدره في نهاية الأمر عندما همس باذنها ببحة رجولية: بحبك..
علا صوت بكائها بحرقة وهي تدفعه بهستيريا مع قولها: كذاب أنت كذاب..

شدد قبضته حولها أكثر ثم أسند ذقنه على رأسها وقال ببحة رجولية بحتة: أنا فعلاً كذاب عشان أنا بموت فيكِ..
هزت رأسها بنفي وازداد نحيبها وهي تحاول إبعاده براحة يدها قائلة بقلب منفطر: متكذبش انت مش بتحبني وأنا عارفه ومش محتاجه منك حاجه ولا حتى حُبك سبني بس مش طالبه منك أكتر من كده ده مش صعب للدرجادى!

هتف بنبرة حزينة وهو يهز رأسه مشدداً علي عناقها أكثر: صعب بالنسبالي قولتلك انا مش جاهز دلوقتي مش عاوز كده!، ثم تابع بترجي: خليكِ معايا شوية كمان شوية بس وهثبتلك ساعتها ان انا بحبك بجد وهتصدقيني، أبعدها عنه قليلاً ثم كوب وجهها بين يداه وتحدث بحنان وهو يبعد شعرها خلف أذنها بنعومة: ودلوقتي ارتاحي شويه عشان نروح الحفلة بليل مع بعض ها؟، أومأت له بطاعة وأعين دامعة، ثم ارتشفت بعض المياه وأخذت الدواء ودثرت نفسها تحت الغطاء بمساعدته، وقد وقعت بفخ حُبه من جديد واستمعت له ونفذت بكل طاعة فهي لا تتعظ..

مر الوقت سريعاً وحل المساء..
كانت قد بدأت تستفيق ببطء بينما هو كان يجلس مقابل الفراش على المقعد يتأملها طوال النهار دون ملل يفكر ويفكر ويفكر فهو علم أن جاسم سيكون هُناك فماذا سيحدث إن رأها هل يُجب أن يتركها؟!
أخرجه من شروده بها تحركها وهمهمتها بانزعاج، عقد يديه أمام صدره وحدق بها منتظراً أن تستفيق كُلياً..

انتصبت جالسه على الفراش ثم مررت يدها على وجهها بنعاس ومطت ذراعيها وهي تتثاءب، فهي تشعر بالتحسن الآن، تثاءبت من جديد بصوتٍ مرتفع غافلة عن وجوده..
تحدث بسخرية وهو يبتسم بجانبية: أكيد فاكرة نفسك لوحدك!
شهقت بخضه ووضعت يدها على فمها ثم تحدثت بضيق بوجه حار متورد: إنت كُنت هنا؟!
إبتسم بإشراق وهتف بعبث: مش قولتلك هثبتلك إني بحبك أديني كنت بتأملك كل الوقت ده أهو أي خدمة..

قلبت عينيها بضجر وهتفت وكأنها لم تكن مريضة: إنت فاكر إني صدقتك يا قُصيّ ده إنت موسوعه ستات ويلا بقي هاتلي فستان عشان الحفلة..
رفع حاجبيه وهو يقوم وقام بخلع قميصة وألقاه أرضاً، ازدردت ريقها وناظرت الاتجاه الآخر بعين زائغة وهي تلعنه بخفوت، ابتسم بخبث وهو يقف، تقدم وقام بفتح الخزانة، أخذ قميصاً غير هذا و ارتداه بهدوء ثم تحدث باستفهام وهو يغلق أزراره: اجيبلك فستان منين دلوقتي الحفلة هتبدأ؟!

مطت جسدها بكسل تحت نظراته الماكرة التي كان يرمقها بها وهو يراقبها عبر المرآة..
نظرت إليه عبر المرأة وتحدثت بابتسامة وهي تسند ذقنها على راحة يدها: لسه بقولك إنت موسوعه ستات مش هلاقي عندك حِته فستان لا راح ولا جه!
إبتسم بجانبية ورفع إبهامه متفقاً مع حديثها وقال بتفكير: عندك حق ثواني ويكون فستانك عندك اجهزي إنتِ بس..

أومأت بهدوء وتركت الفراش وهي تبعد شعرها خلف أذنها ثم ذهب تجاه دورة المياه بينما هو ذهب يبحث لها عن ثوب مُناسب للحفل..
عاد بعد بعض الوقت حاملاً بين يديه فستاناً لها من اللون الأسود، بينما هي كانت تأخذ حماماً دافئ داخل دورة المياه، وضعه على الفراش بهدوء وهو يمرر يده عليه بابتسامة ثم ترك الغرفة وذهب يرتدي ملابسه بغرفة أخري..

انتهت بعد الوقت، وقفت تصفف شعرها أمام المرأة، تركته منسدلاً خلف ظهرها ثم وضعت قليلاً من مساحيق التجميل كي تخفي ارهاقها، بحثت عن أي أقراط او قلادة لكنها لم تجد، زفرت وتقدمت من الفراش، حدقت بالفستان قليلاً تقيمه بنظراتها المعجبة، لقد راقها قُصيّ يملك زوقاً راقي دائماً، لهذا اختارها هذا اللعوب، حملته بين يديها وقامت بارتدائه بهدوء..

ابتسمت بعد انتهائها عندما رأت نفسها بالمرآه فهو صنع خصيصاً من أجلها، فكان لونه أسود لامع طويل يبرز قوامها المنحوت بأكمام منسدل من على الكتفين خامته ثقيله..

التفتت عندما سمعت صوت إدارة مقبض الباب، دلف قُصيّ بحلته السوداء الأنيقة المرتبة، تقدم منها وهو يبتسم بجاذبية بملامحه الرجولية الصارخة، تأملته من أعلاه لأخمص قدميه حتى ذلك الحذاء الذي يلمع من نظافته! ثم رفعت نظرها إلى صدره لتقع فيروزتيها على ذلك المنديل الحريري الأسود الذي يضعه بجيب القميص فوق قلبه، ثم انتقلت بنظراتها إلى أزرار قميصه الأمامية المفتوحة التي أبرزت صدره الصلب و خصلات شعره الناعمة السوداء القاتمة المصففه إلى الخلف بعناية، ثم حاجبيه الكثيفين الذي يقطبهم دائماً عندما يفكر بشيءٍ ما، وشفتيه التي يرفعها دائماً بسخريه المحوطة بذقنه المشذبة التي تروقها وغزتها الخشنة لها دائماً، ياإلهي، هو فقط قابل للأكل لما ليست زوجتهُ؟ هي تحبهُ أكثر ومتأكده أنه مهما حيي لن يجد من تحبهُ أكثر منها قط، لكن هذا هو حظها البائس..

أستفاقت من شرودها عندما وصلت رائحة عطرة النفاذ إليها عقب وقوفه أمامها مباشرةً، تراجعت إلى الخلف خطوتين كردة فعل وهي تحرك أهدابها بسرعة تزامناً مع سرعة خفقات قلبها العاشقة، حاوط خصرها بتملك وقربها منه وهمس أمام شفتيها بعبث: حلو الفستان عليكِ..

أومأت بهدوء دون أن تبدي أي ردة فعل وهي تعود إلى الخلف بخطواتها لكنه أعاد سحبها من خصرها بخشونة بين قبضته ثم همس بتهدج وهو ينظر إلى شفتيها بحلق جاف: ما تجيبي بوسه؟!

أبعدت رأسها إلى الخلف وهي تهزها بنفي رافضة هذا فقربها منه بإصرار وهمس أمام وجهها بأنفاس لاهثة: بقولك عاوز بوسه، هزت رأسها بنفي وهتفت بهمس خافت أمام شفتيه وهي تبتسم بنعومة و أناملها تمر علي وجنته ببطء وإغراء: أنا قولتلك مرة إنك مش هتلمسنى تاني صح؟ وبرده مش هتلمسنى، عايزني طلق جـنّـة..
إبتسم وهو يضغط على أسنانه من الداخل وعلى خصرها من الخارج بقوة وهو يقول: ولو طلقتها هتطلقي إنتِ كمان..

توقفت أناملها عن التحرك على وجنته وهي تنظر له مطولاً بتفكير ثم أومأت موافقة وقالت: لو طلقتها هطلق القرار ليك..
أنزلت يدها وأمسكت يده التي علي خصرها وأبعدتها عنه، حدق بيده المعلقة في الهواء مطولاً بذهول فهي تعلمه الأدب يعلم هذا، رفع حاجبيه ثم سألها بنبرة ماكرة: متأكد إنك مش هتدينى بوسه؟!

زفرت وتجاهلته فهو لا يصمت عندما يريد شيءٍ ما، استدارت ونظرت في المرآة وانشغلت بتلك الوحمة التي تظهر بوضوح على كتفها، تأففت بضيق وهي تحرق كتفيها بنظراتها الباغضة تحت متابعة قُصيّ لها فتساءل باستفهام وهو يضع يده داخل جيب بنطاله: ايه اللي مضايقك أوي كده؟! ده حتي شكلها حلو شبه التاتو!.

لاحت على شفتيها ابتسامة ساخرة ثم هتفت بغيظ وغلظة عبر المرآة: بس يابو تاتو بس، وظلت تحدق بها بغيظ ثم وضعت فوقها بعض مساحيق التجميل في محاولة لإخفائها لكنها أظهرت فرق اللون بين جسدها وبين تلك العلامة، رفعت أناملها إلي فمها وقضمت أظافرها بتفكير، انحني قُصيّ وبحث عن شيءٍ ما في أحد الأدراج ثم رفع رأسه ونظر لها بابتسامة عابثة وهو يلوح بيده أمام وجهها ممسكاً بإحدي العبوات..

هتفت بتعجب وهي تقطب حاجبيها: حِنة؟!
أومأ وهو يبتسم ثم أمرها بهدوء وهو يفتح العبوة: لفي لفي هرسملك رسمه دلوقتي هتخليكِ تبوسيني لوحدك..
هزت رأسها بسخرية وهي ترفع زاوية شفتيها وهتفت بإصرار: بعينك يا قُصيّ..
ضحك لتضرب أنفاسه الدافئة عنقها وهتف بنبرة ماكرة خبيثة وهو يرسم فوق تلك الوحمة بتركيز: مش بعيني ولا حاجه عشان أنا عملت إللي أكتر من البوسه..

قضمت شفتها بوجه محتقن وهي تخفض وجهها بصمت دون التحدث بحرف بسبب ذلك الوقح الذي إن ردت عليه لن يصمت وسوف يتابع الحديث في هذا دون التطرق لغيره دون خجل، اتسعت ابتسامته الماكرة وهو ينظر لها وقد رأتها في المرأة وكم تمنت لو تصفع ذلك الوقح أو تركله كي لا يستطيع السير..

توقفت يده عن التحرك وهو يبتسم بفخر لذلك الإنجاز الذي فعله، قذف العبوة من يده ثم أدارها وجعل من ظهرها يقابل المرأة كي تراها، تذمرت وهي تدير رأسها إلى الجانب ناظرة فوق كتفها حتى شعرت بألم رقبتها وزاغت عيناها وترنحت قليلاً بدوار: مش شايفه كده!، تركها والتقط مرآة صغيرة ووضعها أمام وجهها لترى الرسمه بوضوح في المرآة خلفها التي انعكست صورتها في المرآة الصغيرة، ابتسمت بنعومة عندما وجدت العلامة إختفت ثم هتفت بامتنان وهي تتأمل ذلك الغصن الرقيق الذي رسمهُ عرضاً فوق كتفها: حلوة أوى..

إبتسم بغرور وهتف بثقة وهو يضم جانب سترته معاً: عارف..
قلبت عينيها ثم نظرت له بسخط، فمال عليها وهتف باستفهام وهو يبتسم بمكر: مش هتديني البوسه بقي؟!
زفرت بتأفف وهتفت بإصرار: لا
ابتسم بهدوء وهو يومئ لها ثم لفت انتباهها بقوله: طيب ركزي في الرسمه كده!

نظرت له بريبة وهي ترى إبتسامته ثم قطبت حاجبيها ورفعت المرآة أمام وجهها من جديد وحدقت داخلها بتركيز، شهقت بتفاجي و التمعت عيناها ببريق سعادة وهتفت برقة ليس مُخطط لها: عشق، ده إسمي؟!
هز رأسه بيأس و سخر منها: عارف إن ده إسمك
أومال إسمي انا!، تركت المرآة من يدها ثم ضربت صدره بقوة من الغيظ جعلته يضحك وهي تقول بغضب: ده إنت سِم سِم، ثم ابتسمت بنعومة وتابعت: بس حلو أوي رسمك حلو..

تحمحم وهو ينظف الغبار الوهمي عن كتفه وقال بثقة: الرسم ده لعبتي وعلي فكره مش أي حد يعرف يقرأ رسمي وعارفه ده معناه إيه؟!
ابتسمت وسألته بخفوت بعين ناعسة: إيه؟!
ربت على شعرها برقة وأعاد سؤالها بعبث: يعني إيه؟!
حركت أهدابها بتعجب وتساءلت بنفاذ صبر: إيه؟!
ابتسم وضرب أرنبه أنفها بسبابته وأردف غامزاً: يعني تجيبي بوسة عشان وحشتيني..

ضحكت وهي تبتعد إلى الخلف فضحك معها وهو يفتح يديه على مصراعيه كي يعانقها لكنها هتفت بسخط بعد إن توقفت عن الضحك: قُصيً ريح نفسك ويلا نمشي فرصك خلصت ومفيش حاجه تستاهل إني أديك بوسة..
أومأ وهو يضع يده بخصره وهتف باستياء: لا لسه معايا فرصه بس متجيش بقى تتحايلي عليا عشان تاخدي إنتِ البوسه..

قلبت عينيها بضجر ثم انحنت وارتدت حذائها المرتفع عندما تركها وسار تجاه الخزانة بابتسامة ماكرة، فتحها وأخرج علبة زرقاء مخملية كبيرة مربعة، استدار وعاد أمامها من جديد، وقف أمامها باعتدال كأنه سيتقدم لزواجها تحت نظراتها المتعجبة و المستفهمة عن تلك العلبة فهي مألوفة بالنسبةِ لها! أخفض وجهه ونظر إلى الأسفل عندما وجدها أصبحت طويلة فجأة فقال بابتسامة راضية: كويس عشان لما أبوسك ظهري ميوجعنيش وإنتي عارفه إني كبرت بقي وكده، ضحكت بسخريه وهي تهز رأسها بسبب تلك الاحلام الوردية خاصته ثم وقفت باستقامة وكادت تتحدث لكن الصدمه الجمتها وعقد لسانها عندما وجدته رفع العلبة أمام وجهها وهو يبتسم ثم فتحها أمام عينيها، أدمعت عينيها بتأثر حتى لم تعد تراه بوضوح، ارتجف جسدها بانفعال وهي تمنع شهقتها من الهروب عندما أبصرت قرط وقلادة والدتها، لقد أعادهم لها من جديد..

رفعت نظرها له وهتفت بنبرة مرتجفة وهي تنظر له بحب وقلبها يخفق بقوة مضاعفة عن ذي قبل: قُصيّ..
هتف ممازحاً وهو يرى وجهها المتورد من كل اتجاه مع ذلك العبوس وعدم التصديق إنها تأخذ العقل قابله للأكل: إيه كنتي فاكراها الشبكه ولا إيه؟!

ضحكت وانسابت عبراتها بغزارة كـ أمطار في ليلية شتوية عاصفة، ومن دون مقدمات عانقه بقوة وهي تبكِ ومازالت لا تصدق، حاوط خصرها بيد وهو يبتسم بحنان والأخرى كانت معلقة تحمل العلبة بيده..

هتفت وسط شهقاتها بحب وامتنان: أنا بحبك اوي وبجد شكراً ليك شكراً أوي، اتسعت ابتسامته وهو يمسح على ظهرها بحنان، فصلت العناق وأخذتهم من بين يديه، تحدثت وهي تحدق بهم بسعادة حقيقية أصبحت نادرة بالنسبةِ لحالتها في الأيام الأخيرة، لقد نسى كيف يكون مظهرها وهي تبتسم حقاً: دول بتوع ماما بابا كان جيبهم هديه ليها إنت متعرفش أنا كرهت نفسي قد إيه لما بعتهم..

ابتسم وهو يمحي عبراتها برقه وهتف بلوم: قولتلك لما تحتاجي حاجة قوليلي لكن إنتِ غبيه وفاكره إني كده بدفع ثمنك صح؟!، رفعت نظرها له وكادت تبرر موقفها هذا لكنه أصمتها عندما هتف بحزم: بس خلاص مش عاوز أسمع صوتك، ويلا هاتي حقهم إنتِ عارفه دفعت فيهم قد إيه؟!، ضحكت برقه وهي تمحي عبراتها ونظرت له بامتنان لا نهاية له، فابتسم بخفه محركاً رأسه بإيماءة بسيطة فهمت من خلالها أنه يطلب منها أن تستدير..

أومأت له وهي تبتسم ثم أولته ظهرها كي يلبسها القلادة، حملها ببطء كي لا تنتزع ووضعها حول جيدها بتركيز بينما هي كانت تنظر له عبر المرآة بهيام وهي تبتسم بنعومه، وضع الأقراط بأذنها بخفه ثم تحدث برضا تام وهو يطالع هيئتها: كده تمام نمشي؟!، ومد يده لها بلباقة كـ أميراً، لكنها ابتسمت وتحدثت وهي تضع يدها تحت ذقنه ورفعت وجهه كي ينظر لها: لسه في حاجه ناقصه، قطب حاجبيه بتفكير وهو ينظر لها بتفحص محركاً رأسه بِحيرة ليفهم مغزى حديثها عندما وجدها تحوط عنقه بنعومة و قبلته برقة..

تفاجئ في بادئ الأمر وتوسعت مقلتية في تعجب ظناً أنها من المستحيل أن تسمح له بقلبه حقاً لكنها هي من تفعل الآن، هو رائع، يعلم يعلم، تدارك الأمر وحاوط خصرها النحيل، قربها من جسده أكثر فأكثر و أطبق جفنيه وبادلها قبلتها بجموح فهو علم أنه سينتصر فليست من شيمه أن يطلب شيء ويفشل في الحصول عليه هو دائماً المنتصر..

فصل القبله عندما شعر بحاجتهما إلى الهواء، همس أمام شفتيها بتهدج وهو يتنفس بثوران وصدره يعلو ويهبط بانفعال محركاً يده بين خصلات شعرها بنعومة: لو كنتي قولتيلي هات بوسه كنت هرفض بس كده أحسن أنا بحب المفاجئات، ابتسمت وهي تداعب أنفها بأنفه بخفه وخصلاتها تتراقص حول وجهها بنعومة، ابتسم وقبل أنفها بسرعة خاطفة ثم التقط شفتيها في قبلة ناعمة من جديد وهو يضم جسدها اليه..

لدي جاسم..
صاح بإسمها من أسفل الدرج بعد أن انتهى من ارتداء حِلته السوداء: جـنّـة، جـنّـة، جـنّـة، جـنّـة لسه مخلصتيش؟!
تحدثت بسرعة وهي تخرج من الغرفة تنحني على ذيل فستانها تعدله باستعجال: جايه أهو جايه..
هبطت الدرج ببطء وحذر إلي خطواتها وهي ترفع فستانها كي لا تتعثر، اتسعت ابتسامة جاسم وهو يرى عشقة تأتي اتجاهه بهيئتها الملائكية..

بذلك الفستان الازرق الداكن المنتفخ من الخصر وقصير من الأمام يصل إلى كاحلها وطويل من الخلف مع حذائها الأبيض الكريمي المرتفع المماثل لحجابها الذي لم يزدها سوي جمالاً ونعومة مع كحل عينها الذي أبرز فيروزتيها أكثر وأغرقت جاسم داخلها أكثر فأكثر..
توقفت أمامه وهي تبتسم بخجل على أحياء وهي تخفض وجهها وحمرة وجنتيها الطبيعية زادتها جمالاً كـ ثمرة فراولة طازجة..

أمسك راحة يدها وهو يبتسم بسعادة لا توصف، قبلها برقة وحنان بالغ وزوقاوية تقدح حُباً تخبرها بقدر حبه لها دون أن تنطق شفيه لكنها نطقت لتكتمل أسمي معاني الحب: بحبك يا عشقي وكل حاجه ليا بحبك..

التمعت فيروزتيها ببريق سعادة وحب ثم رفعت يده التي تشابكها مع يدها، قبلتها بخفه ثم ضمتها إلى قلبها وتحدثت بحنان وصدق: أنا مش عارفه أنا كنت إيه أو كنت بتصرف إزاي! بس كل إللي أعرفه دلوقتي إني أول مافوقت لقيتك إنت جنبي إحتوتني بكل حب لما كنت محتاجه حد جنبي هونت عليا كل حاجه من غير ماتشتكي بل بالعكس كنت بتبتسم ليا بكل حب وتساعدني وده كفايه عليا أوي مش محتاجه أفتكر حاجه عشان أنا مصدقاك وبثق فيك أكتر من نفسي وعارفه إنك هتحافظ عليا عشان بتحبني وعشان أنا عشقك صح؟، عانقها بقوه دافناً رأسه بحجابها وهتف بتنهيدة حارة: لو تعرفى انا بحبك قد إيه؟!

ابتسمت بنعومة وهي تربت على ظهره بحنان وهتفت بحب: عارفه ومش محتاج تثبتلي بأي حاجه عشان مصدقاك أنا بدعي ربنا في كل صلاة يا جاسم إننا نفضل مع بعض دايماً وتكون معايا في الجنة ومش عايزه حاجه ثانيه..

خفق قلبه بحبها للمرة الألف وهو يبتسم ثم فصل العناق وهتف وهو يبتسم: بس أنا عايز..
تساءلت وهي تداعب وجنته: عايز إيه؟!
تحدث بحنان وهو يقبل أناملها: عايز عشقات كتير منك..
ابتسمت بنعومة وتدرجت وجنتيها بحمرة الخجل: كام يعني؟!
إبتسم وأعاد وهو يمط شفتية: مفكرتش في الموضوع بس عايز كتير وخلاص..
قطبت حاجبيها وتساءلت وهي تضيق عينيها: إنت دايس في أي حاجه كده وخلاص؟!

قرص وجنتها بخفه وقال بمشاكسة: أي حاجة وخلاص ايه بس إنتِ أي حاجه منك هتبقي احلي من الخيال..
=: طيب يلا يا حليتها الحفله هتخلص، هذا ما أردفت به روحية بصوت مرتفع وهي تتقدم منهما..
تنهد جاسم بيأس وهو يحاوط خصر جـنّـة وهتف باستياء: إيه يا ماما! ما تخليكِ متعاونه معانا في إيه ده أنا إبنك برده!

تقدمت منهم وهي تبتسم وشفتيها تتحرك ببطء تقرأ شيءً ما ثم وضعت يدها على رأس جـنّـة مستمرة بتحريك شفتيها دون توقف، فتسائل جاسم بمزاح: بتعملي إيه يا ماما تعويذة دي ولا ايه؟!
ردت بإيجاز وهي ترمقه بطرف عينيها: برئيها من الحسد يا حبيبي ربنا يحميكم ويبعد عنكم الحاسدين والحاقدين وولاد الحرام، إبتسم بحنان وهو يراقبها حتى إنتهت وأمرته بهدوء: يلا امشوا..

حرك أهدابه متعجباً ثم نظر إلى نفسه وتساءل بإزدراء وهو يضع يده بخصره: هو أنا مش من العيله ولا إيه؟! ولا عشق هي اللي حلوه وهتتحسد وأنا لأ؟!

ابتسمت بحنان وهزت رأسها بقلة حيلة ثم إقتربت منه ورفعت يدها فوق رأسه وبدأت تقرأ تلك الأيات القرآنية من جديد بهدوء فابتسم بحماس وأخرج لسانه لـ جـنّـة كطفلاً، هزت رأسها وهي تبتسم من ذلك الطفل الذي تحبهُ، راقبته بملامح هادئه حتي إنتهت والدته، قبل يديها بحنان بالغ ثم رأسها وقال: ربنا يخليكِ ليا ياست الكل، قبلته بحنان وهي تربت على صدره ثم قلبت جـنّـة وهي تضمها: ويخليكو ليا يا حبايبي، يلا عشان متتأخروش..

لدي سامي..
زفر بضيق وهو يحدق بها عبر المرآة التي تجلس أمامها منذ ساعتين: ما خلاص يا شاهي حلوه خلاص خلصى ده إنتِ خلصتي كل الميك آب على خلقتك في إيه؟!
زفرت بضيق وهي تترك الإسفنجة من يدها ثم هتفت بامتعاض وهي تنظر له عبر المرآة: ملكش دعوه سبني براحتي مش كل واحد براحته برده؟ طالما إنت رايح بسبب عشق سبني أشوف حالي أنا الثانيه!

ابتسم وتقدم منها، توقف خلف مقعدها ومشط شعرة بتركيز وتحدث مُبرراً: شاهي يا بيبي إنتِ عارفه إني بعتبرك زي أختي بس قدام الناس مرتبطين عادي!
هزت رأسها باستياء وقالت على مضض: خلصت يلا..

طالع هيئتها في المرآة مرة أخيرة وهو يبتسم بعبث فهي شقراء جميلة قصيرة القامة لكنها فاتنة ذات منحنيات صارخة، كانت ترتدي فستان ضيق من اللون الأحمر القاتم يصل إلى فخذيها ضيق بحمالات رقيقة، تضع مساحيق تجميل صارخه لكنها جعلت منها جميلة أكثر..
حاوط خصرها وهتف بمكر وهو يلاعب حاجبيه لها: يلا يا أشقر يا جميل إنت يا جميل..

أمام الفندق..
توقف قُصيّ بالسيارة أمام الفندق، ترجل منها بهدوء
وهي معه ليضرب الهواء الطلق جسديهما، أمسك يديها بين يداه وكاد يدلف لكنه قطب حاجبيه وتحسس جبهتها ثم تحدث بقلق: سخنتي تاني!
هزت رأسها بتثاقل وبدأت تشعر بالخمول، حاوط قُصيّ خصرها كي لا تسقط وهو يضم المعطف على جسدها وتوجه بها إلى الداخل، اقترح أثناء سيره قبل الدخول إلى قاعة الحفل: أنا هاخد اوضه بإسمك عشان لو تعبتي تطلعي ترتاحي تمام؟

أومأت له بخفة وهي تحرك أجفانها بتثاقل شاعرة بالحرارة تغزو جسدها، توجه للإستقبال وهو يحوطها بقلق وكل تارة وأخرى ينظر إليها، إبتسم رجل الإستقبال عندما رأهم..

طلب قُصيّ بهدوء: عايز اوضة بإسم عــ، لكنها قاطعته عندما قالت بوهن وهي تتحاشى النظر له: جـنّـة رشدان، أومأ رجل الإستقبال بهدوء، بينما نظر لها قُصيّ بدون تعبير، أخذ مفتاح الغرفة من بين يديه بهدوء وهو ينظر إليه يرى رقم الغرفة ثم سار في بهو الفندق ذاهباً اتجاه المصعد..
سألها قُصيّ بعدم فهم بسبب قول اسم جـنّـة: ليه مقولتيش انك عشق؟!

قالت بخفوت وهي تتحسس وجنتها بظهر يدها بخفة تذكره: نسيت إن جـنّـة مراتك ومعروف إن المناسبات دي مراتك بتكون معاك!
أومأ بعدم رضى ثم قال ببعض الضيق: لا عادي مش ضروري عشان كله هنا عارف إن مراتي محجبة ومالهاش في الجو ده ومحدش يعرف شكلها أصلاً وقليل اوي اللي يعرفها لكن ظهورك فجأه كده ومش محجبة كمان هيفتكروكي مراتي والأسئلة مش هتخلص..

توقفت في منتصف البهو وسألته بتهكم بصوت مرتفع جذبت الأنظار: إنت متضايق عشان الأسئلة ولا عشان هيفتكروني مراتك؟!
أطبق جفنيه بنفاذ صبر وزفر بحده وهو يحك منحدر أنفه بضيق ثم حذرها بسبابته وهو يصك على أسنانه: ده مش وقت تفاهاتك دي الناس بتتفرج علينا وطى صوتك..
صرخت بوجهه بغضب لففت الأنظار أكثر تتابع تلك المسرحية الهزلية: خليهم يتفرجوا ويشوفوا بتعامل مراتك إزاي؟!

رفع زاوية شفتيه بسخرية ثم جذبها من ذراعها بقوة وعنف كادت تسقط أثرها وهتف بتهكم خشن: إنتِ صدقتي نفسك ولا إيه؟ مكنش شوية إهتمام هو؟ خليكِ عارفة إن أنا مش بتفرق معايا حب ولا مش حب أهم حاجه عندي شكلي قدام الناس أنا قُصيّ رشدان..

أومأت له بأعين دامعة وتقسم أنه مصاب بالانفصام ذلك المريض ذات الألف وجه، ردت بنبرة مرتجفة منكسرة وهي تبلع غصتها و مقلتيها تهتز مهددة بتساقط تلك العبرات الحارقة: عارفه كل الكلام ده وعلى العموم إستمتع بالحفله أنا هفضل فوق في الاوضه لحد ما تخلص عشان تحافظ علي مكانتك جوا قدامهم ولو فكرت فيا أو خطرت علي بالك يعني أنا في الأوضة، ثم أخذت مفتاح الغرفة من بين يديه وتركته وغادرت، زفر بنفاذ صبر وضم قبضته بغضب حتى أبيضت عروقه مراقباً ابتعادها عنه بصدر مشتعل حتى دلفت الى المصعد، لكم الحائط بغضب وثوران ثم ذهب تجاه قاعة الحفل بملامح متهجمه..

وبهذه الاثناء وصل جاسم مع جـنّـة متجهين إلى الأستقبال مباشرةّ كي يسألوا عن الحفل بأي قاعة..

توقف جاسم أمام موظف الأستقبال وكاد يتحدث لكنه سمع هتاف بإسمة من خلف ظهره، التفت كي يري من ولم يكن غيره، إنه سامي يتقدم منه مع تلك الشقراء الفاتنة، نظرت له جـنّـة بضيق بينما هو كان يبتسم لها بسذاجة، أبعدت نظرها عنه بازدراء لتجد موظف الاستقبال يحملق بها دون أن يحيد بنظره عنها قط، امتقع وجهها واخفضته بضيق ثم رفعت رأسها وهزتها باستنكار أمام وجهه وكأنها تسأله ماذا؟.

أشر لها أن تقترب عندما وجد جاسم منشغل بالحديث مع سامي، حركت أهدابها بتعجب واهتزت مقلتيها.

بانفعال ناظرة له بارتياب ثم قربت رأسها بخفة من خلف الكاونتر الخشبي ليهمس بخفوت: اخت حضرتك لسه واخده اوضه دلوقتي جـنّـة رشدان اوضه رقم 220، تسارعت نبضات قلبها باضطراب ثم رفعت حاجبيها وأشرت على نفسها بتعجب، فهز رأسه مؤكداً بثقة وأعاد بهمس: 220، أومأت له بخفة وظلت شاردة تفكر بفاه فاغر، استفاقت على يد جاسم التي احتضنت يدها بحنان ثم سار بها إلي القاعة..

بعد ساعه تقريباً، أنهى قُصيّ مكالمته داخل دورة المياة خلف الباب مباشرةً، فتح باب دورة المياه كي يذهب ليتفاجئ بتلك الشقراء تقف خلف الباب من الخارج تنظر له بوجه شاحب وأعين جاحظة وجميع جسدها يرتجف من الخوف بلا مبالغة، بالتأكيد سمعت مكالمته، ابتسم ابتسامة مخيفة أرعبتها وهو يضيق عينيه اثناء إلقاء سؤاله عليها: سمعتيني مش كده؟!

هزت رأسها بنفي وهي تعود إلى الخلف بخطوات مترنحة وصدرها يعلو ويهبط بعنف من كم الرعب الذي تشعر به، انسابت عبراتها خوفاً منه وخوفاً مما سمعت ليشحب وجهها عندما وجدته يهز رأسه بأسى وهو يتقدم منها، تحدث بأسف وهو يضع الهاتف داخل جيب بنطاله: بجد أسف بس مكنش ينفع تسمعي الكلام ده غلط عليكِ..
هزت رأسها وهتفت برجاء وهي تبكِ بحرقة: أنا، أنا مش هتكلم ولا هقول حاجه بس سبني سبني أرجوك..

وضع يده علي كتفها فانتفض جسدها بخوف كـ ردة فعل وهي تنظر له بترقب لما سوف يفعله و شهقاتها تتعالى دون توقف، رفع يده الأخرى وحك ذقنه بتفكير و سألها بسخرية: أسيبك؟!

هزت رأسها سريعاً بهستيريا موافقة وخوفها يتضاعف مع انتفاضة جسدها، ضحك بخشونه وبُنيتهُ تلمع ببريق إجرامي، دفن رأسه داخل خصلاتها الشقراء يستنشقها بانتشاء مرضى لتغمض عينيها بذعر حقيقي وعلا صوت أنينها الواهن، رفع رأسه وهو يبتسم بإجرام ثم سحبها من يدها داخل دورة المياه واغلق الباب خلفه..

تأفف جاسم للمرة الألف وهو يحدق بسامي بدون تعبير بسبب تحدثه بالترهات حتى هتف بضجر: إنت عمال تلف وتدور ليه عمال تتكلم مره عشق ومره جـنّـة في ايه مش فاهم!
أعاد سامي بإرهاق وهو يحاول إقناعه: عشق مكنتش بتحبك يا جاسم ولازم تعترف بـ كده بعيد عن أي حاجه وعن إللي حصل عشق كانت بتصُدك ومنشفه ريقك ومكُنتش سعيد!

صمت جاسم قليلاً يعيد تلك الكلمات داخل رأسه مراراً وتكراراً مع توافد ذكرياته مع عشق طوال تلك السنوات ثم قال بضيق: بس أنا دلوقتي سعيد..
زفر سامي وتحدث بابتسامة غاضبة: عشان دي مش عشق..
ضحك جاسم بتسلية وهتف ببساطة: هتقولي عشان دي جـنّـة طب ما هي فعلاً بقِت جـنّـة!
صرخ سامي بنفاذ صبر وهتف بحدة: يا بني آدم بطل غباء بقي متخليش حُبك ليها يعميك و يوديك في داهيه دي مش عشق!.

ضحك جاسم وصفعه على وجنته بخفه وهتف بتسلية: عارف إنك سنجل وده مقصر عليك بس حلوه الشقره إللي كانت معاك راحت فين دور عليها وخدها وأرقص وروق دمك هاا يلا يا حبيبي عقبال ما أشوف جنتي راحت فين حلو إسم جـنّـة تصدق، ثم ضحك وتركه وغادر..

توقفت جـنّـة أمام باب الغرفة كما أخبرها موظف الاستقبال بقلب يخفق باضطراب، نظرت إلى المقبض بتردد خائفة من أن تدلف وتري ما بالداخل، قد يكون شيء ربما يؤثر على حياتها سلباً وهذا ما جعلها في تتردد من أمرها، أخذت نفساً طويلاً أخرجته زفيراً متقطعاً وقد أتخذت قرارها بتفح الغرفة ولا يهم ما قد يحدث...

وضعت يدها على المقبض وقبل أن تديره وجدت من يدفعها بقوة وعنف، التصق وجهها بالحائط ثم قُيدت يديها خلف ظهرها بيد والأخرى كان يضغط بها على رأسها ساحقاً وجنتها الناعمة في الحائط ثم همس بأذنها بفحيح كأفعى: إنتِ عايزة إيه مننا هاا؟! قُصيّ اللي باعتك مش كده؟ بس أنا مش خايب زي جاسم وعارفك وفاهمك..

حاولت تحريك جسدها بقلب هالع مذعور عندما سمعت صوته البغيض، تحدثت بكره وهي على وشك البكاء من الألم إثر عنفه: إبعد عني يا همجي هقول لجاسم يا خاين يلي طمعان في مراته وده مخليك تلف حوالين نفسك عشان تخليه يسبني لكن بعينك مش هيحصل مش هيحصل وإنت إللي هتخرج من حياتنا كلها..

صك أسنانه بغضب وهتف بإشمئزاز: كنت فاكرك بريئه لكن كلكم كده بتتمسكنوا لحد ما تتمكنوا طلعتي شبهها أوي ويمكن أسوأ منها كمان بس للأسف بحبها وهفضل احبها ومش هسيبها، ثم رمقها بكره وتابع: احمدي ربنا عشان طلعتي مش هي إنتِ متعرفيش أنا كنت هعمل معاكِ إيه؟!
انسابت عبراتها بحرقة وهتفت بكره وهي تحاول التحرك تقاومه بعنف: أكيد حاجه زباله زيك بس أحسن إني مش فاكرة ومش عايزة افتكر ناس زيك..

ضحك بخشونة وضغط على رأسها أكثر جعلها تشهق بقوة شاعرة بتخدر وجنتها مع فكها وهو يقول باشمئزاز: خليكِ اكذبي اكذبي بس هتروحي مني فــ، وصمت عندما باغته جاسم بتلك اللكمة العنيفة التي أطرحته أرضاً، سقطت هي الأخرى أرضاً بأعصاب تالفة عندما لم تحملها قدماها وجسدها ينتفض دون توقف، وضعت رأسها بين يديها وهي تبكِ بانهيار وصوت مرتفع بذعر..

زمجر جاسم وهو يعتلية وهتف بغضب جهوري وهو يسدد له اللكمات بقوة وعنف: يا حيوان إنت إزاي تمسكا بالطريقة دي إنت مالك إنت إنت مالك بيها؟!

سعل وهو يهز رأسه يحاول أن يلتقط أنفاسه بصعوبة، حرك شفتيه ليتحدث لكن جاسم لكمه من جديد ولم يعطه فرصة التحدث بل ظل يلكمه ويشفي به غليله بدون مبرر حتى جعل وجهه يقطر دماء قانية من كل اتجاه، ثقلت أنفاسه الواهنة وهو يسعل بألم، لقد تشوهت ملامحه ويعلم هذا، هو لم يترك انش بوجهه لم يقترب منه..

رفع رأسه وحدق في السقف قليلاً وهو يلهث بانفعال وصدره يعلو ويهبط بعنف، يحاول جمع شتات نفسه والتحكم في غضبه ولا يعلم ما كم هذا العنف الذي اكتشفه بنفسه الآن وكم البغض الذي يكنهُ بداخله إلى ذلك اللعين للمرة الأولى، لكنهُ حقاً يرغب الآن، رغبة جامحة لفعل أكثر من هذا، كقتله مثلاً!، هو ببساطة يشعر باختفاء إنسانيته وتجرده منها في هذا الوقت تحديداً!.

هو يستحق لما يمس امرأته لما فعل؟، أخفض رأسه ونظر الى تلك الجثة أسفله، لكن اللعين يبتسم المريض، يبتسم وكأنه لا يتألم! يظهر أسنانه الحمراء من الدماء بكل استفزاز وتقزز وكأنه لا يشعر!، ابتسم جاسم ابتسامة مماثلة بعين داكنة وهو يميل عليه بجذعة ومن دون سابق إنذار رفع رأسه بين يديه ثم ضربها في الأرض الصلبة بعنف وغضب جعله يسمع طنين أذنه قبل أن يفقد الوعي..

بصق جاسم عليه ثم تركه وركض إلي جـنّـة بلهفة ليعود ذلك القلق والخوف يحتل كيانه مع انسانيته التي تجرد منها لوهلة..

ضمها إلى قلبه بحنان عندما وجدها تبكِ بحرقة وحدها، أعتذر بكل أسف وهو يقبل جبهتها وكأنه لم يكن وحشاً برياً منذ ثوانٍ قليلة: أنا أسف أسف مش هسيبك لوحدك تانى اسف إهدي إهدي متعيطيش، لكنها لم تهدأ بل ظلت تنتحب بأحضانه بخوف وهي تتشبث بطرف سترته بقوة، وضع يد أسفل فخذيها والأخرى خلف ظهرها، حملها بين يديه كي يذهب لكن صدح صوت الإنذار فجأه ووجد رجال الأمن تركض هُنا وهناك وعاملات الغرف تهرول في المكان بملامح مذعورة شاحبة، ماذا يحدث؟ هل هو حريق؟

سأل إحداهن باستفهام أوقفها: هو في إيه؟
ردت سريعاً بأعين دامعة خائفة: جريمة قتل في واحدة ادبحت في الحمام وممنوع الخروج لحد ما يلاقو المجرم..

صدح صوت هاتفه في السيارة مع الضوء الخافت الذي أضاء هذا الظلام، أخرجها من شرودها وتحديقها عبر النافذة، نظرت تجاهه بريبة عندما لم يتوقف عن الرنين هل هي فتاةٍ ما يا تُرى، أبعدت نظرها عنه وهي تهز رأسها مبعده تلك الأفكار عنها فلا دخل لها لما تتدخل فيما لا يعنيها لما؟ نظرت من النافذة باقتضاب وهي تفكر أثناء بحثها عن آدم بناظريها فهو لما تأخر؟ هذه وجبة سريعة فقط لا تحتاج كل هذا الوقت؟!

مدت يدها والتقطت الهاتف بارتباك وكأنها تفتعل جريمة قبيحة كمراسلة حبيبته واخبارها أنه يخونها وأشياء من هذا القبيل..
وضعته على أذنها وتحدثت بهدوء وهي تنظف حلقة: الو!

قطب حاجبيه باستنكار لذلك الصوت ثم سخر: آدم! ايه الـ ده؟، شهقت وجحظت عينيها وهي تضع يدها على فمها بتفاجئ ليتابع قبل أن تفكر أن تتحدث: إنت مش جي الخطوبة انت والـ التاني اللي مش بيرد، حركت شفتيها المرتجفة ذهولاً من تلك الألفاظ بملامح انكمشت بتقزز وقبل أن ترد وجدت آدم يستقل السيارة حاملاً حقيبة بها الطعام..

وضعها على قدمها وهو يبتسم بخفة لترفع نظرها له بوجه باهت جعلته يقطب حاجبيه بتعجب ثم نظر إلي الهاتف الموضوع على أذنها، أخذه بخفة ظناً أنه هاتفها وهناك من يزعجها..
وضعه على أذنه ثم رفع كتفه يسنده كي لا يسقط ثم مدّ يديه إلي الحقيبة وأخرج شطيرة الهامبرغر ووضعها بين يديها وهو يبتسم لها مع قوله باستفهام: ألو مين معايا؟ عمّار! ايه ده ده موبايلي أنا!

رفع نظره إلى تالين التي تمضغ الطعام ببطء و شرود وكأنها مجبرة عليه بينما، بينما هو أهم ثاني شيء يهمها في هذه الحياة فهو المفضل لديها، لكن لما هي شاحبة هكذا لما؟ هل سمعت شيءً من ذلك الوقح الذي لا يتحدث بجملة واحدة دون أن يتفوه بالقذارة في منتصف الحديث: انت قولتلها ايه؟ يا، شهقت والتفتت اليه بعين جاحظة ذاهلة وغير متوقعة منه، هذا آدم الذي لا يفعل الخطأ ماذا حدث له؟، ترجلت من السيارة بضيق وتوقفت في الخارج قليلاً تملأ رئتيها بالهواء النقي، وتنظف مسامعها التي تلوثت بتلك بالقذارة فهي طبيبة لبقة!

زفر ولعنه بغضب: الله يحرقك يا شيخ عايز ايه؟ خطوبة ايه دي اللي النهاردة مش هنلحق خالص، كده كده كنت مظبط نفسي وجي اقعد عندك كام يوم عشان مخنوق لكن النهاردة من المستحيل اني الحق هنوصل متأخر ومش هلحق حاجة وكمان قُصيّ مش جاي النهاردة وأصلا عنده حفلة هنجيلك فين؟ وبعدين مقولتش ليه من بـ، الو! الو! عمّار! كانت ناقصة هي بقي!، ألقي الهاتف بغضب ثم هتف باسمها بصوت مرتفع: تالين، تالين..

التفتت سريعاً ونظرت له من النافذة باستفهام ليقول بغضب: انتِ بتعملي ايه برا اتفضلي اركبي..
زفرت بضيق ثم استقلت السيارة وجلست عاقدة يديها أمام صدرها باقتضاب كطفلة..
تنهد وفارق بين ذراعيها وهو يبتسم، وضع الشطيرة بين راحة يدها ثم المشروب الغازي بين راحة الأخرى وأمرها بحزم: اتفضلي كُلى..
تأففت وهي تقضم من الشطيرة بغيظ ثم سألته بتهكم بفم ممتلئ منتفخ: انتوا ليه قليلين الادب اوي كده؟

ضحك وهو يخفض رأسه لتستقر على المقود الذي احتضن وجنته، إبتسم ابتسامة بالكاد ظهر نصفها بسبب وضعيته ثم قال ببساطة وهو يتأملها بحنان وتمني كنجمة بعيدة: عشان احنا قليلين الأدب بس والله أنا أكثرهم احتراما..
توقفت عن مضغ الطعام وهي تحرك أهدابها وأول ما جال بخاطرها ما فعله معها أمس، حسناً هو الأكثر إحتراماً بطريقة مميزة تعترف لهذا..

تنهد بإحباط وهو يراقبها وقد علم بطريقة أو بأخرى أنها تفكر بهذا وكم ندم بسبب غباءة..
هتف بندم وعبوس: بحبك، غصت اللقمة داخل
حلقها و أحمر وجهها من الإختناق بفضله وبفضل حديثة المفاجئ كما أفعاله التي سوف تقتلها يوماً ما..
تحمحمت وهي ترتشف تلك المياه الغازية حتى أنهت نصفها تقريباً..
قالت بتوتر وارتباك ببعض الرجاء: آدم، بلاش الكلام ده مالهوش لازمة..

هز رأسه موافقاً وهتف بهدوء وهو ينظر لها بعمق: ماشي، آسف، تنهدت بعدم رضى بسبب ذلك الإعتذار ثم قالت بضيق: آدم بلاش كده..
كادت يتحدث لكن هاتفه اللعين الذي يكرهه عندما تكون تالين معه صدح بصوته المزعج الذي أزعجة، غمغم بغضب ثم وضع الهاتف على أذنه دون أن يرى من المتصل ليصل إلى مسامعه أبغض ثانِ صوت سمعه بعد صوت والدته، شقيقة..

=: إنت فين يا آدم ماما لسه قافلة معايا من ساعتين وكانت تعبانة جداً ودلوقتي بكلمها مش بترد خالص!
رفع آدم رأسه عن المقود وهتف بسعادة: معقول تكون ماتت؟
وبخه مصطفي بحدة: ماتت ايه تف من بؤك يا أخي وخلص روح اطمن عليها وطمني عليها، لوي آدم شدقيه وهو يقول بنفسه، بالطبع يجب أن يقلق فهي لم تنجب وتهتم سوي بك أيها اللعين..

هتف بهدوء متصنعاً القلق: طبعاً هروح اقفل بقي عشان سايق، واغلق الهاتف ثم قذفه بعدم اهتمام وأعاد وضع رأسه على المقود يتابع تأمله لها بحنان، فلتذهب والدته إلي الجحيم، يتمنى فقط لو يعود ويجدها قد فارقت الحياة، يقسم أنه لو حدث سوف يذبح جملاً ويتبرع بنصف أملاكه، وكي لا يكون عاقاً سوف يقوم بفعل صدقة جارية من أجلها ويضع ثلاجة في منتصف الطريق بإسمها كي تروي المارين هُنا وهُناك وهو متأكد تمام التأكد أن المياه ستخرج عفِنة لأنها تخصها...

ضحك بسخرية وهو يغلق عينيه لتخيلة هذا، فالموت يليق بها وتخيل هذا يجعله سعيداً ويُجب أن تموت كي تكتمل سعادتهُ، لكن هل هذا يحدث للجميع أم له هو فقط؟، هل هو مريض؟ أم أن الجميع مرضي وهو وحده من يرى الحقيقة؟
سألته تالين باستفهام وتعجب: بتضحك علي ايه؟
هتف بهدوء وهو ينظر داخل ساعة معصمة: مفيش، ماما بتموت في البيت بس..
شهقت بتفاجئ وضربت كفتة وهتفت بحدة كي يتحرك: وقاعد بتعمل ايه؟ سوق يلا عشان نطمن عليها..

نظر لها بهدوء وظل جامداً دون أن يرف له جفن ولم يقود أيضاً، هزت رأسها بحزن وهتفت بنبرة مرتجفة: آدم إنت بتخوفني بالطريقة دي؟، ثم تابعت باستنكار مع تساقط عبراتها ولا تعلم لما: إنت ازاي بتقولي بحبك وانت معندكش قلب كده؟ حتى لو كانت قاسية عليك مش من حقك تعمل معاها كده دي أمك..

إبتسم بعصبية وهو يمرر يده داخل شعره ثم هز رأسه مؤيداً قولها وقال بنبرة بالغة الهدوء: عندك حق أنا معنديش قلب، ثم أدار مفتاح السيارة وانطلق بسرعة مخلفاً خلفه ضجيجاً أثر احتكاك إطارات السيارة بالأرض بعنف..
توقف أمام المنزل بملامح هادئة هدوء ثلجي مازالت تحسده عليه فهو يحترق الآن وتعلم، حركت شفتيها كي تتحدث لكنه أمرها بلغه أمره دون أن ينظر لها: انزلي.

ارتجفت شفتيها بحزن وهي تنظر له كيف يتجاهلها ثم أومأت بهدوء وترجلت من السيارة..
صفها وعاد بعد بعض الوقت ليجدها مازالت تقف في الخارج تنتظره ولم تدلف بعد، تخطاها كأنها هواء غير مرئية وذهب لتغلق عينيها لبرهة من الثانية بنفاذ صبر فهو يتحول إلي طفلاً عند الغضب ما هذا؟ من المفترض أنها هي الغاضبة من أمس ما به هذا الأحمق يتمادى في الغضب وهو المخطئ؟!

فتحت عينيها بغضب ثم زفرت وركضت خلفه، توقف بجانبه عندما كان يدير المفتاح داخل المقبض، دلف بهدوء ليقطب حاجبيه عندما وجد جميع الأضواء مغلقة، ماذا الآن هل تم سرقة المنزل وقتلها؟ هل سوف يبصر جثتها عندما يضئ الأنوار؟
تحرك تجاه مقبس الكهرباء بحماس لكن هُناك من فاجئة عندما أضاءت أنوار المنزل بأكملة مع صياح شقيقة بحماس: مفاجئة..

نظر خلفه ليجد مصطفي يجلس على الأريكة وبجانبه سالي ترتدي فتساناً عاري بعض الشيء يخص إحدى المناسبات وبجانبها اللعينة والدته تبتسم له باقتضاب وهي ترتدي ملابس تليق بحفل ايضاً! ومن هؤلاء؟ الرجال والنساء الذين لا يعرف أحداً منهم؟!
أخرجه من شرودة تقدم مصطفي منه وهو يحمل بين يديه عُلبة مخملية صغيرة وكما توقع، أنها دُبلتين واحدة تخص النساء وأخرى الرجال..

هتف مصطفي بابتسامة هو يضرب كتفه: أي خدمة أقل من يومين كل حاجة جهزت وهتلبس الدبله أهو..
إبتسم آدم بهدوء وهو يومئ، هذا مفاجئ! يملك تأثيراً جيّد على والدته، ضحك بخفة وهو يميل برأسه وأخذ العلبة من بين يديه، نظر خلفه وهو يبتسم غير قادراً على إغلاق هذا اللعين، لوح بها أمام وجه تالين التي كانت تبلع غصتها وهي تقف ساكنة في مكانها ولم تتحرك خطوة واحدة مُنذ أن دلفت..

هتف وهو يبتسم موجهاً حديثة لها لتدرك قسوة قولها وأثر وقوع تلك الكلمات على مسامعه ومدى تأثيرها عليه: معنديش قلب وكده وهي حفلة!، هز رأسه بسخرية وهو ينظر لها ثم طلب من مصطفى بوداعة جعل قلبها ينبض بألم شاعرة بذلك الوخز المؤلم لسببٍ لا تعلمة: ياريت تساعدني أعمل الفرح قريب زي الخطوبة كده..

في الصعيد..
صدح صوت المزمار البلدي الصعيدي والطبول في أنحاء المكان، بينما في الخارج لم يتوقف صوت الطلقات النارية قط كأنه زفافاً..
توقفت خلف المنزل بأنفاس مرتجفة وهي تتلفت حولها بريبة وقلق، خليل الآن يجلس عند الرجال والجميع مشغول ولن ينتبهوا لها وسط تلك الضجة والزحام..

دلفت من باب المطبخ وقلبها يرتعد خوفاً، توقفت خلف الباب والذعر تمكن منها متوقعة أن تجد وابلاً من الصفعات والركلات تهبط على جسدها تهشمه كأنهم كانوا في انتظارها، لكن، لم يحدث شيء الجميع يتحرك هُنا وهُناك منشغلين بما يفعلون بتركيز ولم يلتفت لها أحداً من الأساس..

تنفست الصعداء ثم تحركت بارتباك كأنها من أهل المنزل وصعدت إلى الأعلى بخطوات حثيثة حذرة أين تضع قدمها بملابسها المكونة من عباءة هفهافة كريمية بأكمام متسعة بأجنحة فراشة من الجانبين ترتديها بالمناسبات وفوقها عباءة سوداء تفتحها على مصراعيها وأنزلت الحجاب الشفاف عن شعرها ليستقر حول رقبتها، تقبض عليه بأناملها أثناء صعودها إلى الأعلى مشدودة بخوف وقلبها يقفز داخل قفصها الصدري بذعر، لن ينتبهوا لها بالتأكيد لن ينتبهوا لها..

توقفت في الطابق الثاني في منتصف الممر المؤدي إلى الغرف تتلفت حولها بتشوش تساءل إلى أين ستذهب الآن؟

شهقت بخضة شعرت بمغادرة روحها جسدها من الخوف عندما سمعت صدح صوت زغرودة أصمتها ثم بدأ الضجيج وعلا صوت غناء النساء تلك الأغاني الشعبية مع التصفيق الحار والتطبيل داخل احدي الغرف، نظرت حولها بتشوش وهي تميل رأسها للجانب تسترق السمع تحاول اكتشاف مصدر هذا الصوت، تقدمت بتردد تجاه أحد الغرف الملتصقة بغرفة متولي نفسه عندما وجدت بابها مفتوح على مصراعيه والصوت يقترب منها أكثر كلما إقتربت..

خرج عمّار من غرفته في هذا الوقت، يرتدي عباءته السوداء وعمامته البيضاء بأناقة بعد إن أغرق نفسه بالعطر كما يفعل دائما فهذه عادته، يسير باستقامة وثقه كأنه سلطان متوج على عرشة، تثاءب بنعاس ومط ذراعه من قلة النوم فهو يشعر بالخمول ويحتاج إلى النوم، هو يتوقع أن يفقد الوعي في الأسفل، سيفرح كثيراً ان حدث هذا..

استوقفه تلك التي تقف في نهاية الممر بشعر مجعد توليه ظهرها تقف بطريقة مائلة كسارقة تبحث عن شيءٍ ما بحذر!، هز رأسه ومسح وجهه بعنف وهو يزفر ظناً أنه يتوهم من قلة النوم، هذا ليس سوى سراباً، وأخذته خطواته الى الأسفل بملامح متجهمة غير سعيدة بالمرة..

صافح واحداً واحداً بالتناوب في الأسفل وهو يرد على وابلاً من المباركات والتهاني بخطبته بابتسامة باهته بالكاد خرجت، توقف عند المقعد الأخير ليبصر ذلك البغيض النتِن يجلس يبتسم له بتلك الأسنان الصفراء المُتسخة العفِنة..
مد يده وهو يبتسم كي يصافحه فأبي عمّار أن يصافحه ويضع يده بين يديه القذرة تلك، وكُل ما كان يجول داخل رأسه أن تلك الفتاة كانت ندى وهو لعين أحمق، سُحقاً له..

رفع يده وعلق إبهامه داخل فتحة العباءة من على الصدر وقال بخشونة وهو يرفع رأسه بتحدي: معلهش إكمني لسه متوضي..
وقف خليل وهو يبتسم ثم ربت على كتفه وهتف بابتسامة مقززة: ولا يهمك يا وِلد الغالي، خلي بالك على ندى بتي، إبتسم عمّار بعصبية وقبل أن يتحدث وجد يد تجذبه إلى الخلف ليستقر على مقعد بجانب ذلك الفارس الوسيم..

نظر بجانبه بغضب وهو يحرك شفتيه استعداداً للشتم لتتوقف شفتيه عن الحركة ويبتسم باتساع وهو يراه بجانبه، عانقه وهو يبتسم وهتف بسعادة: أبو نسب، توحشتك كَتير..
هتف متذمراً وهو ينظر له: وأنا توحشت مَرَتي يا عالم يا ظلمة، عايزينها تُجعد معاكم شهر إهنِه ليه؟
قهقهة عمّار وهز رأسه بقلة حيلة: العلم علمك عمي اللي جال ومجدرش أجولة لاه وانت واعي..

زفر وهو يضع راحة يده أسفل وجنته مهموماً يفكر بزهرة قلبه بشرود وشوق، جعل من عمّار يضحك وهو يراقبه بشفقة متعاطفاً معه، فهو رجل رائع وطيب ومحترم وزوج صالح يفكر بربه قبل أن يقدم على أي شيء والجميع يحبه، هو حقاً يتعجب لوقوعة بحب دهب بالرغم من أنه لم يعرفها قبلاً وتزوجها وهو لا يعرف سوى إسمها فقط، لقد كان زواج باختيار الأباء ولا رأي للأبناء بهذا سوى الطاعة فقط، يا إلهي كيف كيف تعامل مع تلك الشرسة قبل أن يروضها بتلك الطريقة؟، هو إلى الآن لا يصدق أنها حامل! لقد تفوق على نفسه حقاً عندما أسقطها بحبه داخل ذلك الفخ الذي سقط به عندما وقعت بُنيتهُ داخل خضراويها اللامعة، هو شخصاً رائع ويستحق..

ربتت عمّار على كتفه وهمس داخل أذنه بخفوت: جوم إطلعلها فوج ولو نضرت أمي جولها إنك عايز دهب ومش هتردك خايب عاد..
تنهد فارس ونظر له بلوم جعله يتعجب ثم قال بهدوء: دهب اللي عاوزة تفضل إهنِه عشان بت خليل الطحاوي وحضرتك جاي تشجعها وعتجولها تسجيها الحنضل ومعرِفش ايه وهي حِبله ودهب حِبله وأنا ألطم على صداغي بالمركوب!.

غمغم عمّار وهتف بضيق: ما تنخلعش عليها إكدِه مش هيحصل حاجة واصل ودلوك جوم فِز وروح إلحجها أنا لسه ناضر بت النتِن فوج عند النساوين..
زفر فارس بضيق ثم أبعد نظره وراقب الطريق وهو يتفحص المكان من حوله جيّداً كي يصعد دون أن يوقفه أحداً ساذج ويسأله إلى أين..

جلست وسط النساء بزاوية وحدها تُراقب الجميع بترقب وخوف وهي تنظر تجاه الباب كل برهة وأخرى خوفاً من دخول أحداً كـ دهب أو حُسنة، فهي سمعت الكثير وتشعر بالرعب حقاً..
قبلت وجنتها بحنان وهي تحاوط منكبها من الخلف تنظر لها عبر المرآة بسعادة ثم قالت بحنان بالغ: زي القمر يا حبيبتي..

ابتسمت نادين بنعومة وهي تربت على يد والدتها محركة وجنتيها ضد وِجنتها برقة بالغة، طرق الباب بسرعة ثم أدارت المقبض ودلفت وهي تتساءل باستفهام: لسه مخلِصتوش ولِّيه تأخرتي إكدِه يا حبيبتي..

ابتسمت ليلى وهي توقف نادين عن المقعد وتديرها كي تراها حُسنة ثم قالت بفخر: خلاص خلصت، حلوه؟، اتسعت ابتسامة حُسنة وهي تمسحها بنظراتها صعوداً ونزولاً، تقدمت وعانقتها بحنان بالغ وهي تبتسم بسرور قائلة: كيف الجمر يا حبيبتي كيف الجمر..

ضحكت نادين بنعومة وهي تربت على ظهرها، فكانت ترتدي فستان طويل ذهبي رقيق لا مع بأكمام شفافة أظهرت ذراعيها، ووضعت قليلاً من مساحيق التجميل بناءًا على رغبة ليلى لأنها أخبرتها أنها جميلة لا تحتاج إلى ما يضر ببشرتها، وتركت شعرها منسدلاً بنعومة بعد محاولتها الفاشلة كي تجعده لكنها فشلت..

تنهدت حُسنة وسألت ليلى باستياء وهي تنظر إلى ما ترتدي: بردك مصممة على الخلجات ديّ؟ يا حبيبتي دي بانجول عليها إهنِه بدلة رجص!

تنهدت ليلى وهي تنظر إلى الثوب الأحمر الضيق على جسدها كجلد ثان لها مشقوق من الجانبين واكمامه واسعة وبه شق بسيط عن الصدر مع حجاب هي حتى لا تعلم إن كان حجاباً أم قطعة قماش كبيرة فقط لكن مع هذا عقدتها حول جبهتها إلى خلف رأسها كما رأتها أكثر من مرة عبر التلفاز، وتركت خصلاتها المجعدة منسدلة بضجر..

هتفت بعدم فهم وهي ترسم عينيها داخل المرآة بعد أن وضعت أحمر الشفاه القاتم: بدلة رقص ليه أنا شلت منها الترتر خلاص مش ملفته ولا حاجة..
هزت حُسنة شفتيها وهي تكاد تلطم منها ثم قالت وهي تضرب يدها معاً باعتراض: دول عيجولوا عليكِ الرجاصة لو شافوكِ إكدِه غيري الخلجات ديّ الله يرضى عليكِ..

تنهدت وهي ترفع ساقها خلفها تميل بجذعها أكثر على المرآة لتضرب حُسنة قلبها وهي ترى الخلخال الذي يُزين كاحلها من الصباح وأسفلة ذلك الصندل ذات الكعب المرتفع الذي ترتديه..
هتفت برجاء وهي تنظر لها من أعلاها لأخمص قدميها بحسرة: يا حزني يا حزني ياني والنِعمة عيجولوا عليكِ الرجاصة..
قهقهت نادين وسألتها باستفهام: ليه ده أنا كنت عايزة البس زيها!

ضربت قلبها بصدمة وزجرتها بحدة: تفي من خشمك ده كان عمّار جطع خبرك..
لترد ليلى بشراسة وهي تصك على اسنانها بغضب: قطع خبرة هو مليون مرة..
هزت حُسنة رأسها بتعب وهتفت باستسلام: براحتك وعلى كيفك مليش صالح، ثم نظرت إلى نادين وحستها على الذهاب معها: وانتِ يا حبيبتي يلا بينا عاد..
أومأت نادين وهي تبتسم ثم تقدمت وعانقت ليلى التي كسي الحزن ملامحها، وهتفت مواسية: متزعليش، هى مش قصدها حاجة دي بتحبك..

ربتت ليلى على ظهرها بنعومة وقالت بخفوت: عارفة ومش ده اللي مضايقني، انتِ خسارة فيه..
تنهدت نادين وهي تهز رأسها بيأس من والدتها ثم ابتسمت بنعومة وقبلت وجنتها وهي تحرك أهدابها بلطافة دون التحدث، لأن ليلى تفهم ماتريد أن تقول ولا حاجة إلى تكرار هذا عنه الحديث عنه كي تقبله، ابتسمت بحنان ثم حاوطت خصرها وأخذتها إلى الخارج مع حُسنة..

تقدمتهم دهب وهي تحمل بين يديها علبة الذهب، دلفوا إلى الغرفة معاً، وعلا صوت الزغاريد والتصفيق الحار تزامناً مع رفع ندي الحجاب، أخفت به وجهها كاملاً عدى عينيها التي كانت تتفحص كل واحدة على حدى..
تقدمت مجموعة من الفتيات يجدلن شعرهن، أخذوا نادين من بين يد ليلى، صنعوا دائرة حولها، أوقفوها داخلها وظلوا يدورون حولها أثناء غنائهم وتصفيقهم بصوت مرتفع..
سألتهم باستفهام وعدم وفهم: أعمل إيه أنا دلوقتي؟

خلعت إحداهن حجابها وجثت على ركبتيها أمامها، عقدته حول خصرها وقالت بمكر وهي تهزه بين يديها: أرجصي ياعروسية أرجصي..
صمتت لوهلة وهي تحملق بها تستوعب قولها ثم ضحكت بصياح وهزت خصرها وبدأت تتمايل مع طرق الطبول وتصفيقهم الحار ر هي تضحك بسعادة وفرح..
محت عبراتها بتأثر وهي تراقب سعادتها وتمايلها وضحكها بفرح، فرُبما تكون سعادتها هُنا حقاً ولا تدري..

لكزتها دهب بكتفها وهي تبتسم: انتِ بتبكي ليه دلوك سيبي شوي للفرح، أومأت ليلى وهي تجفف عبراتها لتجد دهب تدفعها إلى الأمام وهي تقول: ارجصي ارجصي، عادت محلها سريعاً وهي تهز رأسها بنفي واقتضاب: لأ، مش بعرف ارقص ارقصي انتِ!
هتفت بقهر غلب عليه التذمر: أمي جالتلي هتجطع رجبتي لو شافتني برجص عشان الواد والزفت..

ربتت ليلى علي كتفها بحنو وهتفت مواسية: هي خايفة عليكِ وعندها حق، ربنا يقومك بالسلامة، وعانقتها برقة وهي تبتسم لتبادلها العناق وهي تجول بنظرها في الغرفة..
أخفضت وجهها سريعاً وتسارعت خفقاتها عندما رأت دهب تحدق بها بتركيز واستفهام من خلف كتف ليلى..
فصلت العناق ثم سألت والدتها عندما رأتها تمر من جانبها وهي تحمل الشبكة بعد إن شاهدها الجميع: مين اللي هناك ديّ ياما..

نظرت حُسنة حولها بتعجب وسألتها: مين ايه يا بتي مش شايفة حاجة..
زفرت دهب وأشرت على مكانها وهي تلتفت: اللي هناك ديّ يـ، وصمتت عندما لم تجدها ووجدت عباءة سوداء ملقية محلها!.

صفقت بيديها عالياً لينزلق كم عباءتها ويظهر ذلك الذراع الناعم وهي تطوح برأسها يميناً ويساراً كأنها بأحد الموالد في طريقها إلى نادين كي تختبئ وسط هذا الحشد على العروس، أطلقت زغرودة وهي تدخل نفسها داخل الدائرة مع نادين، وتحركت معها في تناغم مع حرصها على جعل ظهرها هو ما يقابلهم في الخلف كي لا يراها أحد، وكأنهم يعرفونها من الأساس..

زفرت ليلى للمرة الألف وهي تقضم شفتيها بنفاذ صبر أثناء استماعها إلى تلك الهمسات والأحاديث الجانبية عنها، تلك النساء اللعنة عليهم لم يتوقفوا عن النميمة والتحدث عنها منذ أن أتت بالرغم من وقوفها بجانبهم، لكنهم لا يملكون حياءًا حقاً ولا يطيقون الانتظار حتى تذهب يُجب أن يتحدثوا الآن لأنهم سوف يحترقون أحياءًا إن لم يتحدثوا..

استفاقت على سحب ذراعها من قبل دهب وهي تتقدم بها إلى الأمام مع قولها بصوت مرتفع: بس يا مرة منك ليها دلوك عشان نلبس العروسية الدهبات يلا..
ابتعدوا عنها الفتيات وتكتلن خلفها كي يشاهدن بينما هي فكت ذلك الحجاب عن خصرها وجففت به جبهتها من العرق وهي تلهث بابتسامة ثملة، ألقت بجسدها على ليلى، حاوطتها بحنان وهي تقهقه عليها لأنها تعبت من كثرة الرقص..
سألتها بخمول وهي تبتسم: شوفتيني وانا برقص؟

أومأت لها وهي تجفف جبهتها براحة يدها برقة: أه شوفت، يلا عشان تلبسي الشبكة..

أومأت وهي تقف باستقامة على وضع الاستعداد، تقدمت حُسنة وهي تزغرد بنفسها، فتحت دهب العلبة وحملتها عن والدتها لأنها ثقيلة، إلتقطت حُسنة الدُبلة من بين كل هذا الذهب وبدأت بها، ذلك الكم من الذهب الذي جعل ليلي ترفع حاجبيها بتعجب بينما نادين حملقت به باستفهام ثم رفعت نظرها إلي والدتها فهي لم تختر كل هذا؟ وما أعجبها لم يتخطى الخمسين جراماً كما اتفقوا ما هذا الآن..

هزت ليلى رأسها بخفه تحسها على الصمت ومتابعة هذا دون التحدث، لكنها مالت قليلاً إلى الجانب وهمست بإذن دهب التي كانت تقف خلفها ندى مباشرةً سمعت حديثهم: نادين مختارتش الدهب ده كله!

ردت بهمس مماثل وهي تبتسم: بعدين بعدين مش دلوك، رفعت ندى حواجبها بتفكير وهي تضع يدها بخصرها ولم تكف عن تفحص جسد ليلى ببعض التمني للمرة الألف صعوداً ونزولاً بمقلتيها دون توقف، تتساءل بنفسها كيف تستطيع الوقوف والتحرك بذلك الكعب المرتفع بكل راحة دون أن تسقط؟، هي نفسها من كانت بالمتجر أمس مع عمّار، هل هي حماته إذاً؟!

هتفت نادين بتذمر بعد مرور بعض الوقت ولم ينتهوا بعد: يا مامي ايدي وجعتني من الغوايش، ابتسمت ليلى بحنو وهي تراقبها ثم نظرت داخل العلبة التي بقي بها فقط القليل كي تطمئنها أن عذابها الذي يتمناه الكثيرون سينتهي قريباً، قطبت حاجبيها عندما التقط نظرها طرف ورقة بيضاء أسفل الذهب، رفعت رأسها مع حاجبيها ونظرت حولها بريبة وهي تتنفس بانتظام كأن الجميع كان ينظر معها داخل العلبة ورآها، ابتسمت بخفه وهي تضيق عينيها بتفكير وقد توقف كل شيء حولها وكل ما كان يجول بخاطرها في هذا الوقت انه عمّار، هي من تفعل تلك الحركة! لكنه أصبح يستخدمها مؤخراً هو الآخر؟، حسناً هي أم العروس وستفعل ما تريد..

طلبت من دهب بهمس: دهب في ورقة تحت الذهب ممكن تطلعيهالي، حسناً، هي غبية وحمقاء ودهب تضاهيها حماقة وغباء، أخرجتها من أسفل الذهب ورفعتها بين يديها أمام الجميع وسألتها بحماقة: ديّ، أومأت ليلى وهي تضحك ببلاهة ثم قرصت وجنتها بخفة وهي تضغط على أسنانها من الداخل وكم ترغب أن تقرصها بقسوة لكن ليس أمام الجميع، أخذتها من بين يديها وظلت محتفظة بها داخل قبضتها حتى تجد وقت فراغ كي تقرأها، هي متأكده أنه عمّار..

قالت نادين بسعادة وكأنها ظفرت بانتصارها: أخيراً خلصت وبقيت اشخلل زي دهب، لويت ندى شدقيها بامتعاض وهي تتفحصها بنظراتها من أعلاها لأخمص قدميها كـ امرأة خبيثة غافلة عن دهب التي استدارت ووجدتها بوجهها وتنظر إلي خطيبة ابن عمها الغالي بتلك الطريقة، حسناً هذا يوم حظها..
شهقت بخضة عندما سألتها دهب بحدة: من بيت مين إنتِ؟

ازدردت ريقها وزاغت عيناها وهي تخفض رأسها تحدق في البساط بتفكير ووجه باهت هربت منه الدماء..
أعادت سؤالها بشك وهي تتفحص هيئتها: من بيت مين يا بت انتِ؟
رفعت وجهها الباهت وهتفت بشفتين ترتجف خوفاً: مش، مش، من بيت حد عاد..
ردت بتهكم وهي تنظر لها بسخط: بوه، اومال ايه عاد؟، خفضت رأسها وهي تلتقط أنفاسها المسلوبة ذعراً تفكر بما سوف تقول لكن عقلها توقف، توقف عن العمل..

قاطعها تربيت ليلى على كتفها وهي تقول بهدوء: الحاجة عايزاكِ..
هزت رأسها بنفي وهي تقول بغضب: مش متحركة من إهنِه غير لما أعرف مين المحروجة ديّ؟
نظرت لها ليلى قليلاً بتفحص ثم قالت بكل هدوء: دي اسمها ندى، رفعت رأسها شاهقة وهي تنظر لهم بخوف حقيقي وقلبها ينبض بجنون بينما دهب اسودت عينيها وظهر انفعالها جلياً على صدرها الذي علا وهبط بعنف وتنفسها بتقطع وهي تسألها بشراسة: جولتي مين؟

أعادت ليلى بتعجب بسبب هذا التحول: ندي، لسه شايفاها امبارح وكانت لسة بترقص مع نادين من شوية..
نظرت حولها لتبتسم عندما وجدت نادين منغمسة في الرقص بسعادة وحُسنة تتحدث مع إحدى النساء ودهب مشغولة مع هذه، نظرت الي دهب ذات الوجه المتهجم مرة أخيرة ثم تسللت من بينهم وذهبت إلى الخارج..

جذبتها من حاشية ملابسها بعنف كـ فرخ صغيرثم هتفت بكُره وهي تصك أسنانها بقوة: ندى الطحاوي يا بت عرفتك من ساعة ما نضرتك بتتلوي كيف الحية مع النساوين وراا ده أني هجتلك دلوك دلوك، صرخت ندى بذعر مستنجدة بالجميع وهي ترفع يديها قائلة: إلحجوني يا عالم إلحجوني ياخلج..
ركضت حُسنة إليها بقلق، أمسكت بيد دهب بقوة في محاولة لكي تبعدها وتحرر تلك المسكينة، لكنها لم تستطع، من أين لها تلك القوة والتماسك الآن..

صرخت بوجه والدتها بغضب كي تتوقف: محدش ليه صالح أني مش ههملها دي ندي ياما ندى أنا هشرب من دمها، صفعتها بقسوة جعلتها تصرخ ثم سحبتها خلفها من حاشية ملابسها وهي تصرخ بجميع النساء: لو بس مَرة جربت والنِعمة هجطع رجبتها واعيِين..
توقفت نادين بجانب حُسنة وسألتها بخوف: هي مالها قلبت كده ليه؟
ضربت حُسنة كفيها معاً وهتفت بحسرة: يا مراري الطافح ياني يا مراري..

ضحكت بنعومة وهي تُعيد قراءة ذلك السطر المقسم على فقرات صغيرة من جديد متخيلة مظهرة ونبرته الرجولية العابثة وهو يقول: مِتين جرام أهو يا حماتي إيكش بس ترضى عني، قامت بثني الورقة بهدوء وهي تتابع سيرها إلى غرفتها، توقفت قدميها عن السير بمنتصف الممر وهي تفكر ثم تقدمت من الدرابزون بخطوات بطيئة، اختلست النظر إلى الأسفل من خلفه تستكشف من بالمكان بعسليتيها المرسومة ببراعة، بحثت عنه وهي تضيق عينيها، بالتأكيد هو ليس ممن يولون ظهورهم لها، ضحكت بعدم تصديق عندما رأته، حقاً هل هو نائم وسط كل هذا الضجيج!.

كان يجلس على في الأسفل على المقعد القاسي ويضع يديه أسفل وجنته مغلق العينين! هل هو نائم أم مهموماً؟
شهقت بخضة عندما سمعت جسد يلقي أرضاً بعنف خلفها عقبة صراخ نساء!، استدارت لتشهق وهي تري دهب تعتلي ندي تغرقها بوابلاً من الصفعات التي وصل صوتها إليها دون توقف أو رحمة..

ركضت إليهم وحاولت إمساك يد دهب والتفرقة بينهم لكن دهب دفعتها بقوة أسقطتها أرضاً وقد جن جنونها وهي تمسك بإبنه ذلك المخنث عديم الرجولة بين يديها..
صرخت بها حُسنة بحدة زجرتها وهي تدفعها من فوقها: بزياداكي عاد بَعدي عنها دي حِبله همليها لَجل ولدِك يا بتي حرام عليكِ ليه تأذي حالك وياها بَعدي عنها بَعدي..

انسابت عبراتها الحارقة المقهورة وهي تنظر إلى والدتها بحسرة ثم بكت بحرقة وصرخت بقهر: يعني خلاص دم إخواتي راح هدر عشان حِبله محدش عيجرب منيها عاد!
شهقت بألم وهي تشعر بوجنتها تشتعل من الحرارة وتعلم أنها أصبحت مشوهة ألآن من كثرة الصفعات، وضعت يدها المرتجفة على فمها بخوف و جسدها ينتفض أسفل جسد دهب عندما وجدتها تنظر لها بهذا الحقد، شهقتها لم تكن مرتفعة كثيراً صحيح؟.

صفعتها من جديد وهي تبكِ مع صرختها بألم ثم صفعتها مجدداً وهي تشهق باختناق من البكاء ثم رفعت يدها من جديد فتعلقت في الهواء عندما أمسك بها..

نظرت بجانبها وهي تنتحب عندما علمت صاحب تلك القبضة الدافئة، هتفت بحرقة وهي تلقي نفسها بأحضانة: فارس، ضمها بحنان بالغ وهو يطبق جفنيه حُزناً بسبب حالتها، رفعها من خصرها وأوقفها معه وهو يهدئها بحنان: هششش، بزياداكي بكى عاد بزياداكي، شهقت بحرقه وهي تنتفض داخل حضنه بانهيار غير قادرة على التوقف..

صرخت حُسنة بنفاذ صبرٍ منها وهي تضرب فخذيها براحة يدها بحسرة موجهة حديثها إلى فارس: إنتِه متهملهاليش إهنِه عاد خدها معاك دي هتنجطني و هتموَتني ناجصة عُمر..
هز رأسه بخفة موافقاً وهو يهدئها بحنان بالغ ثم حملها وصعد بها إلى غرفتها ولم يتوقف قط عن الهمس بدفء داخل أذنها بكل عبارات الحب والحنان..
استفاقت ليلى من تجمدها على مساعدة حُسنة إلي تلك المسطحة أرضاً دون حراك تبكِ بحرقة وألم..

نظرت لها بتفحص وقلبها يخفق بألم وهي تتساءل لما كل ذلك العنف فقط لأنها ندي؟ لما؟ ماذا حدث ولما تتحدث دهب عن شقيقيها المتوفيين دائماً عندما تأتي بسيرة تلك العائلة؟ ماذا حدث؟، يا إلهي، لقد أخبرها عمّار بالقصة عندما طلب رأيها في الشرفة لكن دون أن يفسر ماحدث، هو فقط قال عناوين فرعية ولم تفهم؟.

نظرت بجانبها تناظر نادين التي كانت تتشبث بذراعها بخوف، لتجدها تضم يديها إلى صدرها تنظر تجاه الدرج في أثر فارس ودهب في تأثر وهي تزم شفتيها..
عانقتها ليلى بحنان ظناً أنها خائفة ليصل إلى مسامعها همسها بعبوس: حلوين اوي يا مامي عقبالي انا وعمّار، قضمت شفتها بغيظ وهي تضم قبضتها كي لا تتهور وتصفعها الآن الحمقاء، هي تستحق لأن عاطفة الأمومة لديها تأتي في المقدمة دائماً..

أوقفتها حُسنة وهي تؤنبها بقولها: ايه اللي جابك اهنِه بس؟، لكنها، شهقت تتابع بكائها بحرقة وهي تغمر وجهها بين راحة يديها، ولم تتحدث..
همست نادين بخفوت تسأل ليلى: هي دي ندى اللي بيقولوا عليها؟، هزت رأسها بخفة وهي تنظر تجاهها بشفقة ومازال قلبها ثائراً خائفاً، حاوطت خصر نادين كي تأخذها وتذهب الى غرفتها يكفي ارهاقاً ورقص اليوم، قطبت حاجبيها عندما وجدت الحجاب مازال معقود حول خصر ابنتها وهي لا تشعر!.

ضحكت بصوت مرتفع وصل إلى ندى بعد مغادرة حُسنة أثناء سؤالها بتعجب ويديها تحل ذلك الحجاب: إنتِ خرجتي كده عادي ومش حاسة؟، أومأت بعبوس وهي تتنهد بحزن قائلة بخفوت: عمّار وحشني..
التفت ندى ونظرت لها بكُره من أعماقها وهي تشهق بأسى ظناً أنها تضحك عليها وتسخر منها مع ابنتها، كم أصبحت تكرهها قبل التعرف عليها حتى..

حاوطت خصر نادين وسارت باتجاه الغرفة دون التحدث، فتذمرت نادين بحزن: ايه ده خلاص مش هدخل أرقص تاني..
توقفت ليلى عن السير وسألتها بهدوء: عايزة ترجعي؟، أومأت بعبوس فقبلتها ليلى برقة وهتفت بحنو: طيب روحي، أنا هدخل ارتاح شوية..

أومأت وهي تبتسم وكادت تتحرك، لكنها توقفت عندما سمعت الضجيج في الأسفل، ركضت تجاه الدرابزون كطفلة تستكشف المكان، التمعت عيناها بسعادة عندما أبصرت عمّار في الأسفل، توقفت ليلى بجانبها وسألتها بمكر عندما وجدتها توقفت: مش هتدخلي؟

هزت رأسها بنفي واسندت مرفقها فوق الدرابزون وقالت بعبوس: لأ هتفرج على عموري اقفي اتفرجي معايا، بينما ندى توقفت خلف الدرابزون الآخر بعيدة عنهم وظلت تراقبهم في الأسفل وعبراتها لم تجف قط ولم تتوقف عن الانسياب شاعرة بوجنتيها تنبض بالألم..

جلس بجانبه على المقعد الفارغ محل فارس، تحمحم بخشونة بصوت مرتفع جعله يفتح عينيه شاعراً بالحرقة داخلها، رفع رأسه ونظر حوله بتيه وتثاقل وهو يحاول تذكر ما يحدث، حدق بوالده وهو يبتسم ببلاهة وأعين نصف مغلقة ثم عمه الذي كان منغمساً في الحديث مع والده..

أخرجه من شروده قول خليل المتسلي وهو يضحك أوصل إليه رائحة أنفاسه الكريهه: ماتجوم ترقص يا عريس بدل ما انت مهموم إكدِه ولا عروسة البندر طلعت مش كَد إكدِه ولِّيه؟، ثم رفع يديه ربت على فخذة بخفة جعله ينظر الي يديه وهو يرفع حاجبيه ليتابع: بس متجلجش بتي الغاليِة بدر منوِر حبيبة أبوها عاد، ضحك عمّار وهو يمسد جبهته ثم قال وهو يبتسم جعل من ابتسامتهِ تختفي بالتدريج: طبعاً لازم تبجي حلوه ليه؟ عشان إنت ماهتخلفش غير البنِتِه يا خليل! والراجل الوحيد اللي باجي في عليتكم متخبي كيف النسوان! إيكش يولع مطرح ماهو مِتهَبب!.

صمت قليلاً كي يلتقط أنفاسه ويستنشق هواء نقي قبل أن يختنق من تلك الرائحة الكريهة ثم هز رأسه وتابع بتقزز: تِعرف هجوم أرجض بس مش عشان انت جولتلي لاه عشان خشمك ريحته كيف الطرنش المعتج، ووقف عن المقعد وهو يكاد يتقيأ..
قذف له أحد الرجال عصى عند وقوفه مباشرةً، التقطها وهو يبتسم، رفعها بين يده وبدأ يلوح بها ويده والأخرى كان يثنيها خلف ظهره ثم قفز على قدمٍ واحده وبدأ بالرقص..

كانت نادين تراقبه بمقلتين تقدح حباً وتكاد القلوب تقفز منها وهي تضم قبضتيها معاً أسفل ذقنها تبتسم في الأعلى بسعادة، بينما ندى كانت تراقبه بنظراتٍ هادئة حملت بطياتها الكثير..

أما ليلي والآن بالتحديد كانت تحك طرف حاجبها بتفكير ثم اقترحت علي نادين بخفوت: ما تنزلي ترقصي معاه، حركت أهدابها سريعاً بتعجب وهي تنظر الى والدتها ثم ضحكت وقالت وهي تمرر يدها حول رقبتها بخجل: لأ، لأ، مقدرش اعمل كده خالص، مقدرش، أومأت ليلى بتفهم وصمتت ثم قفزت فجأة إلى الخلف وهي تشهق عندما قرصت نادين خصرها وهي تغمزها بعبث: ما تنزل انت يا جميل وعلمهم الرقص اللي علي حق..

ضحكت ليلى وقالت بنفي: لأ، لأ، طبعاً مينفعش، لكنها تقدمت منها وهي تبتسم بخبث ثم قرصت خصرها فجأه جعلتها تضحك وهي تنفي بسبابتها: لأ، مش هينفع لأ، لأ، لكن نادين لم تتركها بل جذبها من ذراعها وهي تتضحك، أوقفتها على بداية الدرج ووضعت الحجاب حول رقبتها وقالت بابتسامة: بالتوفيق يا مامي يلا روحي، اتسعت عينيها وهزت رأسها بنفي وصعدت لكن نادين وقفت أمامها وفتحت يديها على مصراعيها و هتفت بحزم طفولي: لأ يا مامي انزلي عايزه اتفرج عليكِ من هنا، بليز بليز، اعتبريها هدية خطوبتي، بليييز عشاني، تنهدت ليلى وأومأت باستسلام وكأنها لم تكن تريد فعل هذا حقاً!، هي لن تكذب، لأنها لديها رغبة مُلحة وتريد فعل هذا، ليست وكأنها تريد رؤية ردة فعل عمّار أو شيء من هذا القبيل! لا هي فقط تريد ان ترقص ما المشكلة؟ لن تحدث مشكلة بالتأكيد..

توقف أمامه حارسه الخاص وهو يلهث، مال وهمس بأذنه ببعض الأشياء و حدقتيه تتسع مع الحديث بالتدريج وكأن ما يقوله حدث على مرأى من عينيه و يعاصره الآن..
هب خليل واقفاً وهتف بغضب: المجاطيع، ده أني هجطع خبرهم النهاردِه ورايا يا جحش، وتركهم وغادر وكأن أحداً كان يهتم له..

عقدت الحجاب حول خصرها وهي تهبط الدرج درجة درجة ببطء وتلك الفراشات حول كاحلها تتراقص برقة، عسليتيها معلقة عليهم في الأسفل، يعتلى ثغرها ابتسامة عابثة، رُبما تكون هذه هي المرة الأولى التي تظهر بها ابتسامة مثل هذه على محياها! ولن تكون الأخيرة..

توقف والده عن مراقبته وهو يرقص عندما رآها توقفت خلف عمّار الذي يوليها ظهره وبدأت تتمايل على تلك الطبول والمزمار البلدي باحترافية في تناغم دون أن تعبأ به ولا بالمكان ولا بهؤلاء الرجال التي جحظت أعينهم من التفاجئ والسعادة في أنٍ واحد تلك تلك الغبية، لا تفهم..

قطب عمّار حاجبيه بتعجب عندما رأي تعبيراتهم المندهشة بشدّة وتلك الابتسامة التي اعتلت شفتيهم فهو لا يرقص بذلك الجمال كي تظهر تلك التعبيرات عليهم ولا حتي التفاجئ ما خطبهم وما خطب والده الذي امتقع وجهه هكذا؟، هو لا يعلم أن نصف عمرة يفوته الآن وهو لا يدري..
استدار على حين غرة لتتوقف يديه في الهواء.

وتجحظ عيناه ويسقط فكه مما يرى، اللعينة الشيطانة ماذا تفعل؟ كيف جاءت ومتى؟ ولما ترقص أمام كل هذا الجموع؟ إن أرادت الرقص فلتخبره وترقص أمامه وحده لما الجميع؟، جسدها، منحنياتها الصارخة، يا إلهي فلتحترق حيه بهذا الجسد الذي لم يتوقف عن التمايل والتلوي كالحية قط، لا لا يستطيع النظر أكثر سينهار أمام تلك الأنوثة سينهار، ازدرد ريقه وهو يمسحها بنظراته الذكورية البحتة من أعلاها لأخمص قدميها محملقاً بذلك القوام الفتاك بأعين داكنه وذلك الخصر الذي لا يكف عن التقسيم الإهتزاز، هي لا تخجل اللعينة المتبجحة تباً لها وسحقاً لها واللعنة عليها وعلى جسدها المهلك الفاتن المغوي فلنظر له معصية ومنذ أن رآها لا يفعل سوى تلك المعصية، هي تلك الشيطانة المفسدة في الأرض ويعلم هذا..

أنزل عصاه المعلقة التي إتخذت شكل رقم تسعة، أمسك طرفها وهو يرفعها ويمدها على طول ذراعه إلى خصرها، شعرت بكهرباء تسري في عمودها الفقري عندما استقرت رأس العصا خلف ظهرها عقبة سحبها بقوة أسقطها بداخل أحضانه..

تنفست بلهاث وصدرها يعلو ويهبط دون توقف تطبق جفنيها بقوة تزدرد ريقها بحلق جاف وقلبها يخفق بقوة بسبب ذلك المجهود، رفعت رأسها بهدوء وهي تسند راحة يدها على صدره الذي يطرق بعنف صخري كان يلكم راحة يدها لكماً، إنها ليلى وبين يديه؟ أين غرفة النوم؟، رفعت نظرها له عازمة أن تتجاهله وتتابع ما تفعل لكن تلك الخضراوين الناعسة التي كانت تمر على ملامحها بهدوء وعمق بنظرات لم تفهمها أسرتها ولم تستطع التفكير بأن تحيد بنظرها عنه قط ولا أن تتجاهل عسليتيها خضراوية! هُناك شرارة تجمع بينهم، وتلك النظرات التابعة له تثبت هذا لكن سُرعان ما أخفاها سريعاً كي لا تفهمها لأنه يريد التهامها التهاماً، هي تسحق رجولته سحقاً بالنظر لها فقط فلترحمه قليلاً..

أخفض رأسه قليلاً وهمس بصوت مهزوز سمعته وهو يهز رأسه مُستنكراً كأنه يسألها ماهذا: ايه؟، رفعت وجهها وبحركة عفوية سريعة متعمدة أسقطت عمامته عن رأسه وهي تهمس ببطء بتلك الحُمرة على شفتيها: ايه؟، فكم يحب ألوان أحمر الشفاه الداكنة كي يرى من من خلالها تلأْلؤ أسنانها ناصعة البياض، هذا طفولي لكنهُ يُحبهُ..

ابتسمت مع تحريك يديها ببطء، أبعدت تلك العصي عن ظهرها ثم أخذتها من بين يديه بسهولة أثناء حملقته بها بتيه، ابتعدت عائدة إلى الخلف وهي تنظر له بانتصار ممزوج بتلك الابتسامة العابثة لم التي لم يراها قبلاً، إنها تشبهه، اللعينة تشبهه..

رفعتها بين يديها عرضاً وهي تحركها في تناغم مع ذراعيها وساقيها وخصرها بالطبع متناسية نفسها تماماً، صفر له إحدي الرجال سريعاً مع هتافه بإسمه: عمّار، استدار ونظر خلفه بتشوش لأن مقلتيه لا تبصر سوى ليلى، لا لا الحية، الحية التي تتلوي الآن..

وجد عصي تقذف إليه، رفع يده بعدم تركيز لتصطدم بأنامله جعلته يتأوه بألم وسقطت أرضاً وهو يلعنها لقد تخدرت أنامله اللعينة فليأخذها الله، لكن بعد أن يحصل عليها أولاً لأنه سيقتل نفسه قهراً خلفها..
قذف عصى أخرى ليلتقطها تلك المرة جيّداً ثم تقدم منها وهو يحركها بين يديه ببراعة لتبتسم وهي تتقدم منه تتمايل برشاقة ليس وحدها بل حاجبيها الكثيفين المنمقين لم يتوقفوا عن الحركة بعبث غير بريء بالمرة..

استدارت لتتراقص بجذعها فوق صدره وهي تبتسم، جعلت تلك النيران تنشب داخل جسده، لما لما تفعل هذا؟ فلتخبره فقط كي يرتاح لما! هي شريرة شريرةٌ جداً..
سقطت صينية المشروبات من بين يدي صباح وهي تشهق بتفاجئ عندما رأتهم، عادت أدراجها راكضة حيث مكان المطبخ كي تخبر حُسنة سريعاً..

بينما في الأعلى كانت ندى تراقبهم بدون تعبير لكن الاشمئزاز ظهر جلياً على وجهها وهي تنعتها بأبشع النعوت وقد كرهتها من دون مقدمات ولا تحتاج عذراً كي تكرهها لقد كرهتها هي وابنتها هذه! المُدللة دلال مقزز، لكن لن تنكر شعورها بتلك النيران والغضب والغيرة التي نشبت داخلها في أنٍ واحد جعلها ترغب أن تكون محلها ولو لوهلة فهذا لا يبدو سيءً إلى هذا الحد؟ اللعينة تلك ترقص ببراعة أفضل منها حتى، تكرهها بشدّة..

بينما نادين كانت تضع يدها على فمها بذهول وعدم تصديق لما يحدث في الأسفل وهي تبتسم إبتسامة غريبة وفقط تنتظر دقيقة إضافية ترى ما سيحدث خلالها ثم تقفز فرحاً وتصيح بـ مرحي هذا رائع أمي تلك الغبية..

وقفت سريعاً ضاربة قلبها بيديها بعنف وهي تهتف بمرارة: الله لا يسامحك يا ليلى يا حزني يا حزني، ثم أخذت العباءة الثقيلة المفتوحة التي كانت تتلحف بها صباح وهرولت الى الخارج كي تأخذها، بالتأكيد هي الآن كقطعة حلوى سقطت بين أيدي مجموعة من الجائعين، وإبنها أكثرهم جوعاً..

أنزل عصاه على خصرها عرضاً حاوطها بها، رفعت رأسها عن صدره واستدارت سريعاً لتكون مقابلة وهي ترفع نفسها لتبعد لكنه ألصق العصي بظهرها وقربها منه حتى التصقت بجسده ليتلاشى ذلك الفراغ ويذهب إلى الجحيم شاعراً بمفاتنها ضد صدره لتنفجر رأسه ويتحول جسده إلى حمم بركانية لن يتحملها أحداً غيرها..

سألها بخضرواية الداكنة المهتزة بعدم فهم ببحة رجولية خافتة وهو يترك العصى تسقط وحل محلها قبضته التي حاوطت ذلك الخصر الناعم الذي سيفقده عقله: عايزة ايه يا حماتي؟
ابتسمت لـ تبتسم معها عسليتيها الغزالية التي تهدم حصونه وتخترق خضراويه بلا هوادة فكم يشتهي أن يقبلها الآن وليشهد الجميع على فضيحته..

قضمت شفتها وهي تفكر لتغيب عينيه في غيمة سوداء ناظراً لها بنظرة داكنة وداكنة وداكنة وداكنة لم تفهمها، لقد أضاعت النوم من عينيه، وجعلت تفكيره محصور حول كيفية الحصول على قبلة من تلك الشفتين التي لا تتوقف عن شتمه، ثم البحث عن أقرب فراش قد يجده..
هتفت بهدوء وهي تبتسم بينما هو يستمع لها في ترقب لما سوف تقول: عمّار، إنت لسه نكرة..

رفع زاوية شفتيه بسخرية ثم إنفجر ضاحكاً وهو يرفع رأسه ناظراً إلى السقف ويده تقبض على خصرها وهو يتساءل بنفسه، ما هذا الجسد الطري، ما هذا؟.
ضحكت معه بنعومة من كل قلبها عندما لم يتوقف عن الضحك، فلماذا يضحك؟ هذا ليس مُضحك؟ هي تضحك لأنهُ يضحك وصوت ضحكته الرجولية تروقها ليس لأنها خفيفة الظل؟

توقفت وظلت مبتسمة تراقبه عن كثب حتى ينتهي، لكنه لم ينتهي بل ابتلع ضحكته عندما سمع والده يهدر بعنف وهو يضرب بعصاه الأرض: عمّااااااااار، تزامناً مع هرولة حسنة اتجاهها بلهفة وهي تتحسر على وشك أن تبكِ بسبب تصرفات الجميع بلا تعقل في هذا المنزل..

أبعدت يديه التي كانت تقبض على خصرها كالكلابيب بعنف وهي تدحجة بنظرات حادة ثم أخفت جسد ليلى داخل العباءة جّيداً وهي تحاوط منكبها وأخذتها وذهب وهي تهمس لها بقهر: بجي تسيبي النساوين فوج وجاية ترجصي وسط التيران ديّ يا مراري؟
استدار عمّار إلى والده الذي لم يجده مكانه!، يبدو أنه صعد ومعنى هذا أن يذهب خلفه كي يتلقى عقاباً كالأطفال، وهو بالفعل سوف يفعل مثل الأطفال الآن ويحتمي بعمه لأنه سوف يأخذه معه..

حرك شفتيه كي يطلب منه ليجده وقف قبل أن يتحدث وسبقه هو إلى الأعلى بعد أن أخبر الخدم الرجال أن يهتموا بالضيوف..

بعد ساعة...
ضرب عصاه أرضاً وهتف بحدة وغضب: الناس تجول علينا ايه دلوك؟ متولي الصعيدي اتجوز ام عروسِية ولده لما شافها بتتمسخر وياه؟
حرك عمّار أهدابه بتثاقل معيداً تلك الجملة داخل رأسه مراراً وتكراراً ثم قلّبها داخل عقلة من جديد مرارا وتكرارا وهمس بها إلى نفسهُ ربما يفهم المغزى والمقصد من هذا القول لكنهُ لم يفهم؟، أولا يريد أن يفهم!

رفع رأسه ونظر له باستفهام التقطه متولي سريعاً وهذا جعله يرفع رأسه بشموخ وهتف بنبرة لا تقبل النقاش أو الإعتراض وكأنه قد قرر هذا مُسبقاً: حماتك عجبتني وعتجوزها..
هل من المفترض أن يزغرد فرحاً الآن أم يرقص بسعادة؟، يستحق هذا، فليذهب الآن ويبحث عن فراش كي يمنحه إلي والدهُ..

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة