قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية حب افتراضي بقلم دعاء الفيومي الفصل الخامس والعشرون

رواية حب افتراضي بقلم دعاء الفيومي بجميع فصولها

رواية حب افتراضي بقلم دعاء الفيومي الفصل الخامس والعشرون

بعد مرور فترة قضتها حسناء مع ليلى، والطفلان استقلوا السيارة، وهم في قمة سعادتهم خاصة حسناء كاد قلبها يطير من فرط سعادته؛ عندما تركتها ليلى تختار جميع ملابس ساجد، وألعاب بدون تدخل منها؛ شعرت وكأنها مسؤلة عنه ولو لساعات قليلة،وهذا الشعور أحبته بشده.

ليلى بابتسامة: ذوقك جميل جداً يا حسناء ما شاء الله.
بادلتها الابتسامه، وهتفت: متشكرة أوي ياليلى بجد، متتخيليش الخروج دي، فرقت معايا ازاي،وكمان فرحة ساجد، وجوري بالحاجات الجديدة فرحتني وكأني طفلة صغيرة زيهم.
نظرت للمقعد الخلفي، وأكملت حديثها: شوفي برأتهم وهما نايمين، شكلهم ما شاء الله يشيل أي هموم من القلب.

ليلى بهدوء: تعرفي يا حسناء ربنا فعلاً بيعمل لينا كل خير، شوفي انتي اتعلقت بساجد من أول ما شوفتيه رغم إنك متعرفيش هو ابن مين، وبعدها يطلع ابن كريم؛ اللي هو كان بيحبك من غير ما تحسي؛ وساجد نفسه عمري ما شوفته متعلق بحد كده حتى باباه معرفتش انا بشغلي حتى اني اخليه يحبه مع اني حاولت؛ بس كريم مكنش بيساعدني؛ إنما انتي قدرتي تخلي كريم يسمع كلامك، ويحاول يقرب من ساجد اللي بطبيعة حاله كطفل استجاب لطريقتك الجميلة.

حسناء بابتسامة: أنا معملتش أي حاجه، أظن هما الاتنين كانوا محتاجين لبعض جداً بس انا كنت مجرد حلقة وصل صغيرة.
نظرت لها ليلى سريعاً؛ ثم عاودت النظر أمامها على الطريق، وهتفت بنبرة بها تمني: ياريت تفضلي حلقة الوصل دي يا حسناء، ومتتخليش عنهم بعد ما فاقوا من اللي كانوا فيه، متتخيليش كريم كانت حالته عاملة ازاي الفترة اللي فاتت.

تذكرت حسناء سؤالها عن والدة ساجد فهتفت، وهى تركز نظرها على ليلى: هى مامت سجد اتوفت امتى يا ليلى.
تنهدت ليلى وهتفت بحزن: يوم حادثة كريم.
اتسعت عيناها بصدمة، وتحدثت: إزاي؟! ساجد عنده سنتين، كمان هو يوم الفلانتين قال هيخطب والنهارده قال كنت هخطب ام ساجد؛ هو فيه إيه أنا مش فاهمه حاجة.
نظرت ل ليلى وهتفت بترجي: لو سمحتي يا ليلى فهميني ايه اللي بتقوله ده؟!

أوقفت السيارة أمام الجامعة، وهتفت: احنا وصلنا، والكلام اللي حابه تفهميه مش من حقي اقوله، كريم بس هو اللي من حقه يقول؛ بس اللي حابه اقوله ليكي إن كريم قبل ما يحب حسناء، غير كريم دلوقتي خالص؛ فأتمنى تحكمي قلبك، ومتتخليش عنهم.

قالت آخر كلمة، وهى تنظر لساجد المستغرق في النوم بالخلف كالملاك البريئ.
تابعتها حسناء بالنظر له؛ ثم اعتدلت، وقالت: تمام مقدرة إنه مش من حقك علشان كده هروح لكريم نفسه هو اللي يفهمني.
فتحت باب السيارة بشرود دون أن تتحدث بكلمة واحدة أخرى، عازمة على أن تفهم ما ترمي إليه ليلى بهذا الحديث، وتفهم ما يحيرها.
نظرت إلى ساعة يدها فوجدت أن كريم على وشك إنهاء محاضرته؛ فتوجهت نحو مكتبه مباشرة.

في المدرج جلست عاليا في أخره حيث أنها تأخرت في دخوله بعد صدمتها من كلام كريم؛ إلا أنها دخلته قبل دخوله لا تعلم لما تأخر رغم خروجه من المكتب قبلها؛ ظلت تنظر له وتتابع شروده الغير معتاد أثناء شرحه، كما أن عيناه وقعت عليها مرة واحدة فور دخوله؛ فأبعد نظره عنها تماماً على غير عادته أيضاً.

أثناء شرحه للمحاضرة اهتز هاتفه على سطح المكتب، وأنا معلناً عن وصول رسالة، فقام بفتحها على الفور وأيضاً هذا مخالف لعاداته في أثناء الشرح، وجدها من ليلى وكان نصها يعلمه بتوجه حسناء لمكتبه، وأنها قد حاولت الاستفسار عن والدة ساجد.

سحب شهيق كبير، وحبسه داخله لثوان ثم أخرجه ببطئ، وأغمض عينيه يحاول ان يتوقع كيف ستكون ردة فعل حسناء؟!
وأيضاً ما الذي سيصيب عاليا بعد تحطم أحلامها، وتخيلاتها على صخرة الواقع؟!
تمنى أن لا يكون سببا في افتراق الصديقتان، وحزن حسناء، يكفيها ما مرت به.
ضغط بعض أزرار هاتفه مرسلاً رساله للمسؤل عن مكتبه أثناء المحاضرة نصها يفيد بأن يسمح لحسناء بدلوف مكتبه على الفور.

نهض من مكانه، ونظر للطلاب، واعتذر عن إكمال المحاضرة، وطلب منهم عدم الخروج، من المدرج؛ لأنه سيرسل إليهم صديق له يكمل المحاضرة، وعلمهم موعد الاختبارات العملية،ويحدثهم عن مشروع التخرج.
خرج متجهاً لمكتبه؛ لكنه قبل أن يخرج نهائياً نظر بطرف عينه لمكان عاليا، وجدها تقف هى الأخرى غير عابئة بحديثه عن الانتظار، وعدم الخروج؛ فعلم أنها ستتبعه.

وصلت حسناء أمام المكتب؛ فوجدت العامل يقف أمام المكتب سألته بهدوء: لو سمحت أستاذ كريم في المكتب؟
العامل بهدوء: لا مش جوه هو حضرتك أنسة حسناء؟
تعجبت من معرفته لها، وهتفت: أيوه بس ازاي عرفتني، وليه بتسأل؟

العامل: أستاذ كريم قالي ان حضرتك في أي وقت تسألي عليه ادخلك على طول.
هزت رأسها بهدوء؛ ففتح لها باب المكتب.
دلفت للداخل، جلست على الكرسي أمام المكتب تنتظره ليجيب على كل استفساراتها.

قبل أن يصل كريم أمام المكتب وهو يضع هاتفه على أذنه، ويستمتع للطرف الأخر.
العامل: ايوه يا أستاذ كريم الأنسة اللي قولتلي عليها لو جيت المكتب وصلت فعلاً ودخلتها على طول زي ما أمرت،وكنت جايلك المدرج أقولك لقيتك خرجت، وملحقتكش.
كريم بصوت منخفض:طيب يا مرسي عارف الأنسجة اللي شاورت ليك عليها قبل المحاضرة، وقولتك اعرفها علشان لو طلبت منك حاجه؟

مرسي: أيوه عارفها طبعاً، وهى خرجت كمان قدامي أهي من المدرج، وجاية ورا حضرتك نحية المكتب كمان.
كريم مسرعاً وبصوت خفيض: تمام كده مظبوط متشكر جداً يا عم مرسي.
مرسي: على ايه يا بيه ده خير ربنا، وبعدين خيرك مغرقني انت تأمر.
كريم مسرعاً: بس لو لقيت الأنسة دي واقفة على باب المكتب متبعدهاش، ولا تكلمها، وياريت خدمة أخيرة متخليش حد يقرب دلوقتي غيرها،وليك مكافئة كبيرة إن شاء الله.

مرسي: حاضر من عنيا، انت تأمر يا بيه.
أغلق الهاتف، وأغمض عينيه لثواني يحاول استجماع قوته؛ فها هو أنسب وقت للإعتراف بالحقيقة، ومواجهة عاليا أيضاً في أن واحد كما أرادت ليلى.
فتح عيونه، ونظر بطرفهم بعجاله للخلف ليتأكد أن عاليا بالفعل اقتربت، ففتح باب المكتب، ورسم دهشه مصتنعة على وجهه لوجود حسناء، ودخل، وأغلق الباب لكن ليس بالكامل؛ فقد ترك منه جزء ليس بقليل مفتوح عن قصد.

اسرع قبل أن تدق عاليا الباب هتف بصوت واضح راسماً ابتسامة على وجهه: حسناء حبيبتي والله وحشتيني الشوية دول، السكشن مكنش ليه طعم من غير وجودك.

كانت تلك الكلمات كفيلة أن تثبت قدم عاليا أمام الباب، وتنزل يدها التي رفعتها لتدقه، وتتسع عيونها بصدمة أكبر من صدمتها بكلماته لها عندما سمعت الرد بصوت حفظته عن ظهر قلب؛ نعم هى من وثقت بها طوال الوقت منذ أن تعرفت عليها بالجامعه، هى بئر أسرارها والوحيدة التي كانت تعلم بما يدور في قلبها من حب لذاك المتناسي لها.

سمعتها تهتف بهدوء وكأنها اعتادت على سماع تلك الكلمة منه قائلة: لو سمحت يا كريم قولتلك مش وقته الكلام ده أجله شوية لما نشوف إيه...
قاطعها كريم قبل أن تذكر اسم عاليا، وهتف ممازحاً: طيب اعمل انا ايه بقى قدام كسوفك اللي بيجنني ده، حاضر ياستي انتي تأمري، ها خلصتوا انتي وليلى جبتوا حاجات لساجد وجوري؟

أومأت برأسها ايجاباً وهتفت متسائلة: هو انت سايب خبر مع العامل اني اول ما اوصل يدخلني المكتب ليه، إيه أكدلك اني هرجع على الكلية، واني هاجي هنا اساساً.

نظر لموضع يده على سطح مكتبه كي يتحاشى النظر لها مؤقتاً، وهتف بهدوء عكس ما يدور داخله من قلق، وتوتر: بصرف النظر عن اني حابب في أي وقت تيجي تدخلي بدون تأخير، ولا استئذان، كنت متأكد ان فضولك هيرجعك علشان تعرفي إجابات الأسئلة اللي عندك عن مامت ساجد ابني، وتكملي حوارنا اللي اتقطع قبل ما تمشي

صدمة اجتاحت كيان الواقفة تسترق السمع أمام باب المكتب عندما سمعته يقول تلك الكلمة فهتفت داخلها بتعجب: ساجد ابنه! يعني إيه ابنه؟

قطع تعجبها صوت حسناء الممتلئ بالفضول، والإصرار لمعرفة الحقيقة: ايوه بصراحة عقلي مش عارف يقف عن التفكير ازاي قولتلي إن اللي اتكلمت عليها يوم عيد الحب وقولت هتخطبها تبقى والدة ساجد اللي عنده سنتين؟!

وهى اتوفت يوم الحادثه بتاعتك يعني من كام شهر إزاي ساجد مكنش متعود عليك وعلى كلام ليلى مكنش بيشوفك؟!
وبعدين انت قولت انها زميلة لينا وكنت بتبص علينا انا وعاليا وانها من الصعيد علشان كده تخيلنا انك تقصد عاليا، انا مسمعتش ان زميلة لينا اتوفت يوم الحادثة، هو وارد اكون مسمعتش بموتها لاني مجتش الكليه بعدها غير بيومين.
المهم جاوبني لو سمحت على اسألتي.

مرر اصبعيه السبابة، والإبهام على عينيه يعتصرهم ثم ثبتهم لثواني عند نقتطي التقائهم بأنفه، وسحب شهيق حبسه لثوان وأخرجه ببطئ، ثم أنزل يده ووضها فوق الأخرى على سطح المكتب، ونظر لحسناء، وتحدث بهدوء: قبل أي حاجه عايزك تتأكدي من حاجه واحدة، أنا عمر قلبي ما دق لغيرك، ومن أول ما شوفتك وحياتي اتغيرت ٣٦٠ درجه، ضميري اللي كنت منيمه بإدي فاق وصلحت أكبر غلطة في حياتي، بس للأسف بعد فوات الأوان.

عقدت حاجبيها والتمعت عيونها بدموع عندما بدأت الرؤية تتضح أمامها؛ لكن عقلها أراد رفض ما وصل إليه؛ فهتفت بصوت متحشرج: إحم غلطه؟!

أومأ رأسه بالإيجاب بعد أن أبعد نظره عنها، وهتف بصوت مختنق: أيوه؛ كنت طايش زي كتير من الشباب، ولأن والدي اتوفى وانا صغير، ومفيش اخوات غيرنا انا، وليلى والدتي الله يرحمها دللتنا بذيادة، يعني تقدري تقولي مكنتش شايل مسؤلية أي حاجه، خصوصاً ان ظروفنا المادية كويسة.

لولا إني كنت ذكي بطبيعتي، وبحب المذاكرة، مكنتش وصلت للكلية دي، ولا للشغل ده بس بجانب الطبيعه الكويس دي كان فيه عيب كبير، وهو كنت بعمل اللي أنا عايزه بدون ما اهتم لنتايجه، وعبلة والدة ساجد لفتت نظري أول ما شوفتها كانت لسه في أولى جامعه، مكنش حب بس لأنها كان اسلوبها ناشف شوية مع الكل، وكانت بتصد أي واحد يتقربلها، حسيت اني عايز ده عايز ارتبط بالشخصية دي، كانت من الصعيد، شخصيتها قوية، وفي نفس الوقت قلبها نقي علشان كده وثقت في ندل زيي.

اتقربت ليها عن طريق إني معيد، وكنت دايما اتعمد ابصلها، واناقشها في اللي بدرسه ليها، وابص ليها باعجاب، ونظرات خليتها هي تتعلق بيا، وتبدأ تتحجج انها تكلمني، وبعد فترة العلاقه اتطورت بالتدريج، وعرضت عليها الجواز عرفي، بحجة اني لسه في أول حياتي وممتلكش حاجه وأول ما اثبت نفسي هتقدملها، طبعاً ده كان كذب، الحقيقة اني كنت عايز أوصلها وبس بدون ما اتكتف بمسؤولية.

صمت لثواني يمسح دموع متساقطه منه، ويلتقط بعض الهواء، ثم أكمل على مسامع كل من حسناء، وعاليا المصدومتان: رفضت كتير بس بعد ما كانت اتعلقت بيا، وهددتها اني هنهي علاقتي بيها مرة، واتوسلت ليها بحبي الكذاب مرة لعند ما اقنعتها اني عمري ما هخذلها، وافقت، واستأجرت شقة وحصل اللي كنت عايزه، وبعد فترة حسيت بالملل واني خلاص وصلت للي انا عايزه ومهتمتش بمصيرها لو اتخليت عنها، وفعلاً سرقت الورقة اللي كانت معاها وسبتها ومهمنيش توسلها ليا، وهددتها انها لو فتحت بقها بكلمة هفضحها في الجامعة كلها، ومش بس كده لا عند أهلها وهي معها دليل انه انا بالعكس أنا اللي كان معايا دليل شوية صور لينا على تليفوني فهمتها اني ممكن اغير وشي ببساطه.

خافت، سكتت و بعد فترة صغيرة جاتلي وقالت إنها حامل، وقتها حسيت اني هتكتف بجد، وأن دي مسؤلية كبيرة أنا مش عايزها، فقولتلها مليش علاقه واني لا يمكن اعترف بيه، قولت ده لاني كنت متأكد انها هتخاف من أهلها ترفع قضية إثبات نسب ؛ كانوا هيقتلوها، حاولت تنزله بس خافت فهربت من الكلية، ومن السكن اللي كانت فيه، ومحدش عرف يوصلها ولا عارف طريقها غير صاحبتها اللي كانت بتبصلنا الصبح بحقد، وكره.

اختفت من حياتي نهائي، وانا مكلفتش نفسي افكر فيها؛ لا دا انا نسيتها مكنش بيفكرني بيها غير نظرات صاحبتها دي، وعشت حياتي لعند ما لفتي نظري، ولقيتني على غير عادتي مش قادر أقرب ليكي، ولا حتى عايز ارتبط بيكي على الطاير؛ لا انا كنت بحس انفاسي بتتخطف مني لما اشوفك، ومش قادر اكلمك علشان خايف على سمعتك، وقتها استغربت من تفكيري، شوية وبدأت اعرف ان قلبي دق لأول مرة؛ كانت دي أول مرة أحب بجد وابقى عايز اتجوز طول الوقت عيوني كانت عليكي، وكأني عايز احفر ملامحك قبل ما تروحي ومشوفكيش لعند المحاضرة اللي بعدها، قررت اصارحك واطلب اتقدملك بس اللي حصل إنك اتخطبت فجأة، وده سببلي صدمة، ومقدرتش اعمل حاجه، بدأت عبلة تيجي تاني في تفكيري بس بشكل مختلف، كانت بتيجي دايما عيونها مدمعه، وبتبصلي بلوم؛ كنت كتير بصحى مفزوع من النوم على كابوس هى وطفل صغير بيحاولوا يقتلوني.

فكرتاعرف هى فين بس خفت من الشوشرة، فلقيت صديقتها دي جاتلي وقالتلي الخبر اللي قلب كياني ان بعد كل اللي عبلة مرت بيه ده بسببي مرضت بالكنسر،وكانت في أخر مراحله، وطالبه انها تشوفني.

لأول مرة أحس ان اللي بيمشيني ضميري مش عقلي جريت عليها، ولما دخلتلها بكيت كتير قدمها، وطلبت منها السماح، و عدتها اني هصلح كل حاجه، كل ده وانا معرفش أنها ولدت طفل ومش متسجل ولا حتى بياخد تطعيمات مستخبيه بيه، وباعت كل ذهبها اللي كان والدها جايبه لها علشان تصرف، وكانت صاحبتها بتساعدها، هى اللى قالتلي كل ده وقالتلي انها هتسامحني لو اعترفت بابني، وسجلته باسمي وعدتها اني هخلي بالي منه.

جبت مأذون وكتبت عليها رسمي، وعملت تحليل Dna وأثبت ان الولد ابني وسجلته بالاسم اللي هي اخترته( ساجد) ونقلتها أكبر مستشفى هنا، وفعلا بدأت تتعافى وبعت لابوها بمكان المستشفى واعترفت ليه بكل حاجه، كان عايز يقتلنا لولا منظرها المريض قدامه، واني اتوسلت ليه يسامحنا وأننا متجوزين شرعي، فقلب الأب سكته بس طلب انها تفضل بعيد ومترجعش عندهم حتى لو ماتت؛ لأنهم اعلنوها فعلا في بلدهم ميته وخدوا ع اها من وقت ما هربت.

كل اللي عملته ده كان بدافع ضميري اللي فاق، مش حب بس قولتلها اني هرجع ليها كرامتها اقله بين زمايلها علشان كده يوم الحب اتكلمت اني هخطب وكنت عارف ان صاحبتها هتوصلها اللي عملته وقولتله، في الوقت ده كانت ليلى اتعرفت عليها وقربت منها ومن ساجد بس انا مقدرتش أقرب من ابني كنت حاسس اني مستحقوش لاني سبته في أهم أوقات كان محتاجلي فيها.

يوم الحادثه كنت هنا في الكلية وجالي تليفون إن عبلة اتوفت.

صمت يمسح دموعه التي تغرق وجنتيه؛ دموع الندم، ونظر لحسناء التي حالها لم يختلف عنه، وجدها تمسح دموعها؛ لمن تلك دموع الشفقه، والحزن على حال مسكينة كل ذنبها انها وثقت في الشخص الخطأ؛ نعم هى أخطأت بأنها خالفت ما تربت عليه؛ لكن عقابها كان ليس يسيراً

أكمل مستطرداً: جريت زي المجنون، ودماغي مفيش فيها غير صوت واحد بيقولي صلحت غلطك؛ بس لسه معوضتهاش، نسيت ان معايا عربية من كتر لهفتي وانا بجري، ووقتها العربية اللي خبطتني قدام الكليه ملحقش صاحبها يوقفها لما ظهرت انا قدامه فجأة.

فوقت بعد ما روحي خلاص اتعرضت للموت؛ بس اللي فاق كان واحد تاني واحد ضميره كأنه جلاد بيجلد فيه ليل ونهار ساعدتني ليلى كتير اني اتخطى المرحله دي بس قررت اسافر برة مصر، وقبل ما اسافر اتبرعت لمشفى السرطان بسراير، وأجهزه كصدقة جارية ليها، واطمنت ان ليلى هتخلي بالها من ساجد.

وفضلت هناك الكام شهر دول ورجعت وانا متغير تماماً، وكل اللي بتمناه في حياتي انك تسامحيني، وتقبلي تكوني شريكة حياتي.

كان كريم قد نسى تماما أمر عاليا التي تقف، وتستمتع لكل تلك الكلمات، وقبل أن تتحدث حسناء استمتعوا لارتطام جسد بالأرض، مما أدى لفتح الباب عندما مال هذا الجسد لداخل المكتب؛ وقفوا واتجهوا نحوها مسرعين، وذهلت حسناء عندما رأت الممددة أمامها بلا حركة ما هى إلا صديقتها عاليا.
أوقف سيارته أمام مبنى المصحة التي يُعالج فيها حازم، ونظر للجالسة بجواره، وهتف بضيق: مش
فاهم يا ريم ليه أصريتي تيجي معايا، انا اساسا مش عارف ان كان سماحي ليكي بحكاية الورد، والرسايل ده كان صح، ولا لأ؟!

ريم بهدوء: يابابي يا حبيبي اولا انا جيت معاك لأني مكنتش هقدر اعرف انه تعبان ومشفوش، وحضرتك عودتني على الصراحة، واني كمان مخبيش عنك أي حاجه مهما كانت يعني مكنتش هقدر أجي لوحدي و بدون إذنك، ثانيا بقى حضرتك وافقت على الورد لأنك اقتنعت إن ده هيكون في مصلحة حازم؛ لأنه في الفترة دي هيحس إنه وحيد، وممكن تأنيب ضمير بعد ما والده مات بدون ما يحس بتعبه، وده عمره ما كان هيحس بيه لولا إن أقرب الناس ليه اتخلوا عنه؛ فكان لازم حد يظهر ويدعمه.

صمتت لثواني، ونظرت للأسف، وهتفت بخجل: وبعدين حضرتك عارف مشاعري تجاهه من زمان؛ بس وقت ما حضرتك قولتلي ده مينفعكيش، وانه مستهتر وحياته فيها غلطات كتير، احترمت رأيك لأني متأكدة انه صح، وقفلت على مشاعري، وانهمكت في دراستي، وشغلي علشان مفكرش فيه؛ بس مقدرتش أنساه، واول ما حسيت إن فيه فرصة إنه يتحسن، ويرجع الإنسان اللي حضرتك تأتمنه عليا، وأنا أأتمنه على قلبي مقدرتش ما استغلش الفرصة.

رفه يده يفرك مقدمة رأسه للحظات، ثم نظر لها وهتف متسائلاً: طيب ولنفرض إنه بعد ما عرفك مبادلكيش نفس الشعور، وقتها قلبك هيتكسر وده بقى اللى أنا مش عايزه.

ريم بابتسامه مطمئنه له: متخفش أنا متأكدة إنه هيبادلني نفس المشاعر، ولو حصل العكس أوعدك إن قلبي مش هيتكسر ابدا، وعمري ما هندم إني وقفت جمبه في يوم من الأيام لأني ببساطة عملت ده مش لاني منتظرة مقابل مشاعري؛ بالعكس عملت ده لأني كنت هعمله مع أي إنسان محتاج لمساعدة وحسيت إني اقدر أساعده، بس مع حازم إلى جانب مشاعري مش هنكر؛ لكن ده مش معناه إني منتظرة مقابل المساعدة دي مشاعر وإلا تبقى صفقة. الإختيار هيكون ليه،وأياً كان عمره ما هيأثر عليا بالسالب.

نظر لها وهتف: طيب ولو متغيرش، وكان اللي بيعمله ده علشان ثروة أبوه ترجعله، وبعدها يرجع لحياته الفاشلة تاني.

ريم بتأكيد: أنا متأكدة إن حازم معدنه أصيل، وكويس يعني مستحيل بعد ما يلاقي إيد تنتشله من الظلمة اللي كان عايش فيها، يرجع تاني برجليه، وبعدين هقولك تاني لو عمل كده وده احتمال بعيد، وقتها هدوس على قلبي وانهيه من حياتي، وحضرتك تبقى عملت كل اللي عليك ونفذت وصية عمو الله يرحمه.

رفع حاجبيه وهتف بضحك: أقنعتيني يا بنت المحامي.
ابتسمت، وهتفت مسرعة: طيب ممكن بعد التحقيق ده كله يا متر ننزل نطمن عليه لأني قلقانه من وقت ما الدكتور كلمك، وقلك انه كان سخن الصبح،كان المفروض جينا بسرعة عن كده

عزيز وهو يترجل من السيارة مع ابنته: بسرعة اكتر من كدة يا ريم الدكتور كلمني وانتي معايا في المكتب كنا الساعه ١١ دلوقتي ١٢ ونص يعني يادوب جينا على طول.

دلفا سوياً إلى الداخل، وتوجهوا لغرفة حازم مع الطبيب.
كانت دقات قلب ريم تكاد تسمع من حولها؛ فهى رغم مبادرتها بإرسال بعض الكلمات المخطوطة في رسائل لدعم من عشقه قلبها؛ إلا أن مواجهه، ومعرفته لها يجعل وجنتيها تشتعل حرارة، وقلبها يخفق من التوتر.
ضمت مجموعة الزهور التي تحملها إلى قلبها؛ لعله يهدأ قليلاً، وانتظرت دخول والدها، والطبيب أولاً، ثم تبعتهم، وعيونها المتلهفه لرؤياه تكاد تنطق قلقاً.

عندما دخلوا سمعوا حازم يهذي ببعض الكلمات، والعرق يتصبب من جبينه؛ وشهاه لونها مائل للأبيض فاقترب الطبيب منه مسرعاً، وقام بقياس حرارته؛ فوجدها قد ارتفعت مرة أخرى؛ علم انها حالة تشنج حراري فنادى للممرض المسؤل عنه وسأله في غضب: ليه حازم سخن تاني كدة مش انا حددت ليه جرعات من علاج خافض الحرارة.

الممرض مسرعاً: اديتله العلاج في ميعاده بالضبط يا دكتور والله وعملته كمادات زي ما أمرت، بس الحرارة مش عايزه تنزل، وروحت لحضرتك علشان ابلغك بس في مكتبك قالولي ان حضرتك بتمر على المرضى؛ فقولت اكيد هاتيجي هنا، وجيت فعلا لقيت حضراتكوا هنا أهو.

الدكتور بعجالة: بتحكيلي قصة حياتك؛ بسرعة هاتلى امبول بيرفلجان، وكالونه، وتعالى ساعدني.
بعد أن انتهى الطبيب من حقن حازم بالعقار الخافض للحرارة، هتف عزيز بقلق: ها يا دكتور، إيه الأخبار.
الطبيب: اطمن يا أستاذ عزيز إن شاء الله الحقنه دي هتنزل الحرارة مع علاج البرد اللي كتبته هيتعمل في محلول حالا وهيبقي تمام.
أخيراً تحدثت ريم التي بلغ القلق في قلبها لذروته؛ عندما شاهدته في هذه الحالة: هو إيه سبب البرد ده أساساً يا دكتور ممكن أعرف؟

نظر لها الطبيب، وشعر باللهفه في صوتها فتعجب؛ فكل ما اعتقده أنها تقوم بعمل خيري، أو أداء واجب بزيارتها لإبن صديق والدها؛ لكن صوتها يوحي بغير ذلك.
ريم بتعجب: هو انا سؤالي صعب اوي كده؟!
انتبه الطبيب وهتف بهدوء: أسف شردت شوية يا أنسة، أنا كنت سهران معاه، وكان كويس جداً، واتعشى بس الظاهر انه قبل ما ينام نسي يقفل شباك أوضته علشان كده خد برد.

ريم بغضب: وهو عايش في بيته لوحده علشان تكون دي مسؤوليته، المفروض فيه ممرضين مسؤلين عن أي حاله هنا يطمنوا عليهم كل شوية.

نظر الطبيب بلوم، وغضب للممرض الذي هتف متعجلاً: يا دكتور حضرتك عارف اني عمري ما قصرت في شغلي بس أ. حازم بقاله فترة متحسن، ومستجيب لكل اللي حضرتك بتقوله، لدرجة حضرتك سمحت ان باب الاوضه يفضل مفتوح عادي، وانا امبارح كنت تعبان جدا والله نمت محستش بنفسي غير الصبح انا عارف اني غلطت أنا أسف.

تدخل عزيز مهدئاً للموقف: حصل خير يا دكتور أي إنسان بيغلط، وهو غصب عنه تعب، وإن شاء الله حازم هيبقى بخير، أنا هوصل ريم، وهرجع تاني اطمن عليه بما ان العلاج ممكن ياخد وقته شوية لعند ما يفوق.

ريم مسرعة: لا يا بابا بعد إذن حضرتك هفضل معاك شوية وبعدها همشي معلش.
هز رأسه بموافقة، وهتف: ماشي ياريم لو الدكتور معندوش مانع.
الطبيب: لا أبداً مفيش مشكلة.

خرج الطبيب، وتوجه الممرض لإحضار بعض الماء لعمل كمادات، واقتربت ريم قليلاً من فراش حازم نظرت له؛ فتجمعت الدموع في مقلتيها؛ لكنها جاهدت أن لا تخرجها أمام والدها.
وضعت الزهور بجانبه، وهذه المرة لم تكتب معها رسائل.

كان حازم في هذا التوقيت ما بين النوم، واليقظه، يستمع أصوات لكن لا يميز ما يقولون، تسلل لأنفه رائحة الزهور فرأى الفتاة التي تزوره دائماً في أحلامه؛ لكن هذه المرة ملامحها واضحة كانت تركض كالفراشة بين زهور الحديقة، وهى تضحك بأعلى صوتها، وتقول: مش هتعرف تمسكني يا حازم.

حازم بإصرار طفولي: لا أكيد همسكك، مينفعش تهربي مني.
ظلا يركضون ويضحكون مثلهم كمثل الأطفال في أؤل أيام العيد حتى شعرت هى بالتعب فأبطأت وهنا أمسكها حازم وهو يهتف بانتصار: هييي أخيراً مسكتك.
ضحكت هى الأخرى وهتفت: أيوه استسلمت علشان تعبت، وكمان علشان فستاني الجميل ميتبهدلش.

حازم بصدق طفولي: بصراحة فستانك جميل أوي، شكلك وكأنك وردة حلوة.
ابتسمت له، وهتفت بفرح: وانا كمان بدلة الضابط حلوة أوي عليك.
تحدث بفخر، وهو يمسح بيده على كتفه: طبعاً علشان أنا هكون ضابط، ولما نكبر هتقوليلي يا حضرة الضابط.

حضرة الضابط... حضرة الضابط
ظلت هذه الكلمة تتردد على ذهنه، حتى أفاق على شعوره بشئ بارد يوضع على جبينه؛ فبدأ يفتح عينيه ببطئ.
سمع صوت الممرض بجانبه يتحدث بهدوء: الحمد لله يا أستاذ حازم إنك فوقت على خير، كده برده كنت هتعملي مشكلة.
نطق حازم بضعف: ليه هو إيه اللي حصل، وليه حاطط المايه دي على راسي شيلها.

الممرض بهدوء: سبت الشباك مفتوح امبارح، وخدت برد وكنت سخن جداً، بس الحمد لله الحرارة نزلت، والبيه، والهانم مرضيوش يمشوا إلا لما يطمنوا عليك، هقوم أنا أشوف الدكتور لو محتاج حاجه، وارجعلك بعد إذنكم.
نظر حازم بجانبه؛ فرأي عزيز، وبجانبه فتاة غاية في الرقة، وهدوء الملامح تنظر له باهتمام واضح

حاول أن يعتدل، احتراماً لهم؛ لكن قاطعه صوت عزيز الهادئ: زي ما انت يا حازم متتحركش احنا مش أغراب، أنا عمك، وريم مش عارف هتفتكرها، ولا إيه من وانتوا صغيرين سافرنا، وكنا بنيجي إجازات بس، ولما كبرتوا واستقرينا هنا كل واحد منكم كان ليه حياته.
ها طمني انت كويس.

حازم بضعف لكن لم يبعد نظره عن ريم، وقد تملكه شعور لم يراوده من قبل: الحمد لله يا عمي متشكر جداً لاهتمام حضرتك، دايماً بيا من يوم ما دخلت هنا، ودايماً تسأل عني، ومهتم بكل طلباتي رغم اللي عملته.
قال كلماته الاخيرة بصوت نادم، وعيون تهرب من النظر لوجوههم.

عزيز بصدق: اللي عملته كان سبب انك تفوق، وتعرف صديقك من عدوك، ولو دي كانت الطريقة الوحيدة علشان يحصل كده؛ فأنا سعيد جداً باللي عملته، انت متعرفش يا حازم أبوك كان ليا إيه؟
كان أخ مش صديق بس.

نهض وهو يغلق أزرار بذلته الأنيقة، وهتف بابتسامة: هاجي اطمن عليك تاني بكرة ان شاء الله؛ بس حاليا مضطر امشي عندي شغل كتير في المكتب.
حازم بهدوء: اتفضل طبعاً يا عمي، ومتشكر مرة تانية.

توجه عزيز نحو باب الغرفة، وابعته ريم دون أن تنطق بحرف واحد؛ لكن بعد خروج والدها عادت للذي يتبعها بعينيه، وكأنه منجذب لها دون إراده، وهمست بصوت منخفض، ومتوتر: الحمد لله على السلامة يا حازم، ولا تحب أقول يا حضرة الضابط.
اتسعت عيناه بدهشه ارتسمت على جميع ملامحه، وقبل أن ينطق غادرت هي الغرفة، وقلبها يكاد ينخلع من مكانه من فرط سرعة دقاته.

اعتدل على الفراش جالساً رغم ألام جسده، ونظر بجواره وجد الزهور؛ لكنها هذه المرة ليس بها رسالة، ولم تعد من مجهولة، فقد أصبحت زهور ريم، ارتسمت ابتسامة عريضة على شفتيه دون إرادته، وشعر برعشة تسري في جسده حين تذكر الحلم مرة أخرى، وتيقن أنه لم يكن مجرد حلم، بل كان حقيقة؛ لكن أثار العقاقير التي تعالجه تؤثر بعض الشئ على الذاكرة، وتسبب النسيان.

أخرج الرسائل من أسفل الوسادة، وقربهم من أنفه يشتم عبيرهم، وحدث نفسه شارداً: ياترى مشاعرك اللي، وصلتني من رسايلك كانت حقيقية، ولا انا مجرد حالة شفقانه عليها وحبيبتي تشجعيها يا ريم؟!
دق باب الغرفة؛ فابتسم، ونظر نحوه بأمل أن تكون قد عادت، إلا أنه تفاجأ بالطبيب يدلف الغرفة بابتسامه هاتفاً: ها يا صديق أخبارك إيه؟ خضيتنا يا سيدي.

نظر له حازم، وهتف مبتسماً، وهو يرفع الرسائل أمام وجهه: عرفتها... عرفتها أخيراً.
ابتسم الطبيب، وهتف مؤيداً لكلامه: وانا كمان عرفتها.
عقد حازم حاجبيه، ونظر له مستفسراً.

فأكمل الطبيب كلامه قائلاً: صاحبة الرسايل، والورد أنسة ريم، كان باين عليها جدا، من لهفتها عليك، وغضبها لما لقيتك سخن، وأن السبب برد من الشباك، ونظرها اللي كانت كلها قلق،وأخيراً من الورد اللي جابته نفس نوع الورود بتاع كل يوم.
حازم بغضب مصطنع: طيب متبقاش تركز معاها كدة تاني ماشي؟

ضحك الطبيب، وأومأ برأسه موافقاً، وهتف: حاضر يا عاشق الغموض، بس اوعى تكرر موضوع الشباك ده تاني.
أراح جسده على الفراش، وهو يحتضن الرسائل، ويبتسم، ولم يتحدث مرة أخرى، وذهب مع شروده يتذكر مواقف تجمعه، وهو صغير مع صاحبة الورد.

تكاد عجلات سيارته لا تلامس الطريق من شدة سرعته في القيادة، يسابق الزمن كي يصل؛ ليطمئن على مليكة قلبه؛ فمنذ أن حدثته ليلى أثناء جلوسه مع ميرفت، وأطلعته على خطتها هى وكريم لمواجهة عاليا، وهو يشعر بالتوتر مما سيحدث ل عاليا، حتى أنه قطع حديثه مع ميرفت، وهتف متعجلاً: أنا آسف يا ميرفت مضطر أمشي دلوقتي لأني قايل لعاليا متروحش، علشان هروحلها، وده ميعاد خروجها، ومتقلقيش أنا طلبت منك إني أشوفك النهاردة مخصوص لآني حسيت بحزنك، لما لمحوا امبارح تلميحاتهم المفهومة دي، وكنت حابب اقولك إني لا يمكن أكون لإنسانة رفضاني؛ بس بعد ما فهمتيني سبب حزنك متقلقش عندي الحل.

ميرفت بابتسامة هادئة: متشكرة جداً جداً يا بدر انك فهمتني، وهتساعدني، اتفضل انت علشان متتآخرش.

وعندما استقل سيارته، وتوجه بها للجامعة أتته مكالمة ليلى التي أخبرته بأن عاليا سمعت كريم يعترف لحسناء ببعض الأشياء عن حياته الخاصة، ففقدت الوعي، وهى الآن بمكتب كريم؛ مما جعله يذيد من.
سرعة سيارته إلى هذا الحد.

وصل أمام الجامعة، وترجل من السيارة، وركض للداخل، وبيده هاتفه، وقام بضغط بعض الأزرار؛ فأتاه الرد من الطرف الآخر.

مصطفى بابتسامه: السلام عليكم ازيك يا بدر واحش...
قاطعه بدر مسرعاً: مصطفى مكتب كريم فين؟
تعجب مصطفى، وهتف: خير يا بدر
بدر بعجالة: أنجز يا مصطفى عاليا تعبانة في مكتبه.
نهض مصطفى مفزوعاً، وهتف مسرعاً: بتقول عاليا طيب المكتب اللي بعد مكتبي، أنا رايح هناك أهو.

أغلق الهاتف، وتوجه بسرعة قياسية ينظر له الطلاب متعجبين، بل مذهولين أن هذه السرعة من هذا الجسد الذي ترفضه الغالبية، دون النظر لقدراته.

دلف مكتب كريم دون استئذان عندما وصل لسمعه صوت بكاء عاليا، وعندما نظر لها بلهفه واضحة وجدها تجلس على أريكة جلدية في جانب المكتب، وتضع كفيها على عيونها، وتبكي، وبجوارها حسناء تبكي بصمت، ولا تفعل أي شئ، وكريم يقف بجوار مصطفى الذي تحدث لبدربصوت خافت: حاولت أهديها أول ما دخلت بس كريم قالي سيبها تعيط ده أحسن ليها.

كريم بصوت حزين، ومنخفض: ليلى كانت قالت العياط بيخرج اللي في القلب، وبيه ي الألم شوية، وهي أول ما فوقناها بصت لينا، وعيطت كده بدون كلمة.
نظر لهم بضيق، واقترب منها مسرعاً، وهتف: عاليا.

ما أن نطق اسمها حتى رفعت رأسها بلهفة كطفل وجد والده بعد أن كاد يفقده، نهضت مسرعة، وهتفت ببكاء، وهى تشير لكريم: بدر شوفت يا بدر اللي حصلي، شوفت الندل اللي اتعلقت بيه اكتر من سنتين، يطلع متجو...
قاطعها كريم بحزم: لو سمحتي يا أنسة انتي اتكلمي في اللي يخصك بس، وبعدين بأي حق تقفي وتسمعي كلام من باب مكتبي؟

نظرت له بعيونها الحمراء الغابة، وهتفت: بحق كلامك ليا في الصعيد فاكره، ولا عامل ناسيه هو كمان، فين اعترافك ليا بالحب، فين كل كلامك، واهتمامك اختفى، ولا كان تمثيل زي ما عملت مع المسكينة، وعايز تعمل كمان مع حسناء.

نظرت لحسناء، وأكملت حديثها: أوعى تكوني هتصدقيه بعد اللي قاله، ده خاين خان قبلي، وبيخوني معاكي، وهيخونك كمان، بس تعرفي انتي شكله انتي كمان بتعيطي! وده ليه علشان كنتي صاحبتي وبير أسراري، وأكتر واحدة عارفة إني اتعلقت بيه من أول مرة؟ ولا بتعيطي علشان خايفة يكون بيضحك عليكي زي اللي قبلي؟!
وياترى بقى قالك انه ادعى الموت علشان ناس بيطار وه، ولا ألف حكاية تانية.

نظرت له مرة أخرى، وهتفت: كنت جاي قنا ليه، وكان هدفك إيه من كلام...
قاطعها كريم بغضب: أنا عمري ما روحت قنا؛ لا أنا عمري ما روحت الصعيد نهائي، مش عارف انتي جايبة الكلام ده منين، وغرضك إيه؟ بس أنا عمري ما قولت ليكي أي كلمة أكتر من شرح محاضرة، وبس يعني دي، حدود علاقتي بيكي طالبة عندي، وبس.

رفعت يدها تجفف بعض دموعها التي أبت أن تتوقف، هتفت بغضب: كذاب انت كنت في الصعيد وقاعد في شقة مصطفى.
نظرت لمصطفى، وهتفت متسائلة: صح يا مصطفى مش انت اللي خليته يقعد في شقتكم القديمة، وكنت كمان بتهتم بطلباته عن طريق ناس معارفك من السلم اللي ورا علشان خايفين حد يعرف بوجوده؟

مصطفى بتعجب: أنا مش عارف إيه كل اللي بتقولوه ده، بس لا كريم عمره ما نزل الصعيد، وانا معطيتش الشقة ليه؛ لأنه ببساطة كان بره مصر بيعالج رجله بعد الحادثة، ومفيش حد قال خالص انه مات.

نظرت لحسناء، وهتفت مسرعة: انتي جيتي البيت عند عمي، وقلتيلي انه مات صح؟
حسناء بحزن من بين دموعها: كنت فكراه مات، وده لاني روحت وراه المشفى، وشفتهم بيصرخوا باسمه، بس بعد كده قابلت اخته، وابنه بالصدفة، وعرفت انه بره مصر.
اتسعت عيونها بدهشة، ثم أغمضتهم للحظات، وأمسكت رأسها بكفيها، فاقترب منها بدر وهتف بلهفه: مالك يا عاليا كفاية كده كلامك مش منه فايدة.

رفعت نظرها له، وهتفت: انت مصدقهم يا بدر، دول متفقين سوا ما هما أصحاب، عايزين يجنوني، ولا إيه، طيب لو كلامهم صح مين اللي كان في الشقة اللي قصاد شقتنا؟! مين اللي كان بيقف في الشباك؟!

وجد بدر أنه لا مفر من إكمال الحقيقة؛ لعلها تعود لرشدها؛ فنطق بحزم: مفيش حد كان في الشقة، انتي لما قولتي على حكايته، طلعت ليه وانتي كنتي عند عبير، ودقيت الباب كتيير جداً مفيش حد رد، وبعدها كسرته، ولما دخلت الشقة ملقتش غير العنكبوت، والتراب في كل مكان، والعفش متغطي بقماش واضح إنه متشلش من سنين، ولما روحت عند الشباك اللي قصاد الشباك بتاعك لقيته زي بقيت شبابيك الشقة مقفول من جوه بخشبة كبيرة، بمعنى إنها متفتحش من وقت ما أهل مصطفى سابوها .

رجعت للخلف عدة خطوات حتى لامست ساقيها الأريكة؛ فهوت عليها وكأنها لا تستطيع التحكم في جسدها، وظلت تنظر لهم نظرات زائغة، وهتفت: يعني إيه اللي بتقول ه ده كلكم، حتى انت يابدر؟!
تقصدوا إيه؟! طيب هو مين اللي كنت بشوفه، ويكلمني من الشباك، مين اللي قال انه بيحبني لدرجة انه قالي قصيد...
قطعت كلمتها، وعقدت حاجبيها عندما تذكرت أمر القصيدة التي وجدتها في الرواية، أي أنها من كلمات بدر؛ فنظرت له، وهتفت بضعف: حتى القصيدة كانت من كلامك.

أمسكت رأسها، وضغطها بكفيها بقوة، واعتصرت عيناها، ثم وقفت مرة أخرى وظلت تصرخ بصوت عالي وهى تنقل نظرها، وإصبعها السبابة بينهم جميعاً: انتوا كلكم كذابين.. كذابين.

هرول كريم، وأغلق باب المكتب، واقترب منها حسناء تضع يدها على كتفها فأزاحتها عاليا بسرعة؛ فنطق بدر بلهفة: اهدي يا عاليا.
صرخت بقوة أكبر: انتوا عايزين تجنن ني، كلكم متفقين حتى انت يابدر، عايزين تقولوا اني مجنونة وبكلم نفسي لا لا لا.
ظلت تصرخ هكذا وسط ذهول الجميع من ردة فعلها، وخوفهم عليها حتى فقدت وعيها مرة أخرى، وكادت أن تسقط؛ إلا أن يد بدر التقتطها سريعاً، وحملها، وهتف مسرعاً:افتح الباب يا مصطفى.

فتح مصطفى الباب مسرعأ، وركض بدر مهرولاً وهى بين يديه، لا يهتم لنظرات الطلاب؛ فكل ما يهمه هو حبيبته فقط، وصل عند سيارته، وخلفه حسناء التي ساعدته في فتح الباب الخلفي، وأنام عاليا بالخلف، وتفاجأ بحسناء تركب بجانبه في الأمام؛ لكن لم يعلق فليس هناك وقت.

حاول كريم أن يتابعهم؛ لكن يد مصطفى منعته وهتف: متروحش وراهم يا كريم الموضوع ممكن يتعقد بوجودك؛ لان الظاهر عاليا بتمر بصراع نفسي؛ بس اللي انا متأكد منه إن بدر مش هيسبها أنا عارف من واحنا صغيرين انه بيعشقها .

جلس متهاوياً على الأريكة، وشرد مفكراً في من تعلق بها قلبه.
هل ستصدقه، أم ستظن به سوء النية، وتبتعد عنه؛ ليعود إلى الحياة الفارغة التي ليس لها معنى؟!

ياترى ليلى هتقدر تتعامل مع عاليا؟
إيه رأيكم في ريم جريئة، ولا بتتصرف صح، ولا غلط؟
إيه رايكم حسناء تسامح كريم، وتثق فيه بعد اللي عرفته، ولا لأ؟

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة