قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية حب افتراضي بقلم دعاء الفيومي الفصل السادس والعشرون

رواية حب افتراضي بقلم دعاء الفيومي بجميع فصولها

رواية حب افتراضي بقلم دعاء الفيومي الفصل السادس والعشرون

يقف أمام الفراش الذي تتوسطه عاليا، والقلق عنوان نظراته يرى ليلى بجانب طبيب آخر متخصص في أمراض الباطنة يقيس النبض، ويحاول إفاقتها.
شرد قليلاً يفكر ونظراته ما زالت معلقة بها.
يشعر كأن الأسئلة تتصارع في عقله؛ يريد كل واحد منهم الإجابة بنعم، أو لا.
ماذا سيحدث لحبيبة عمره، هل ستتقبل الحقيقة؛ أم سيحدث معها ما لا يتمناه؟

هل هذه المواجهة كانت في توقيت صحيح؟!
هل من الممكن أن تشعر بحبه يوماً ما؟!
هل أخطأ هو عندما تركها تواجه الحقيقة وتتعرض الصدمة؟

نفض كل تلك الأفكار من رأسه سريعاً عندما رصدت عينه انقباضات خفيفه تحدث في وجهها، وحركات بسيطة متوترة بعض الشئ في أصابع يدها؛ فنقل نظره سريعاً ل ليلى التي أشارت له قبل أن ينطق برفع سبابتها على فمها كي يصمت، ثم أشارت بيدها على الباب تطلب منه الخروج، وعندما رأت نظرة الرفض في عيونه اقتربت منه بهدوء وأمسكت يده تحثه للخروج معها، وهمست: لو سمحت يابدر عايزه أقولك حاجة بره ثواني.

استسلم، خرج معها ليعلم ماذا تريد.
عندما أغلقوا باب الغرفة بعد خروجهم هتف بدر بغضب مكتوم: خرجتيني ليه أنا هموت من القلق عليها، أنا حاسس ان المواجهة دي كانت غلط.
نظرت له رافعه حاجبيها بتعجب، وهتفت: يعني الصح اننا كنا نسيبها في وهمها باقي عمرها.
بدر بغضب: يعني عاجبك منظرها ده، انتي أكيد مفكرتيش فيها فكرتي في اخوكي وبس علشان يخلص من موضوع احساس حسناء بالذنب ناحية عاليا، ويقدر يقنعها توافق صح؟

ابتلعت ليلى تلك الإهانة، والتشكيك في ضميرها المهني؛ فهى تعلم حالته، ومدى قلقه الأن هتفت بهدوء: لو ده كان هدفي مكنتش طلبت منك الخروج دلوقتي، أنا هدفي الأساسي أفوق عاليا من وهمها، واسعدها توصل للحقيقة اللي هى رافضة تقبلها.
هي حاليا بتفوق، ويمكن تكون ذاكرتها بتسترجع بعض اللي حصل معاها علشان كده طلبت منك تخرج، لأني مش عايزاها تشوفك أول ما تفتح،زي ما طلبت من حسناء انها تروح بيتها لأن كل حاجة وليها وقت عايزه أديها فرصتها تصرخ، وتخرج كل اللي جواها.

ودلوقتي بعد إذنك استنا هنا لعند ما اطمن عليها، وياااريت متدخلش لأي سبب حتى لو سمعت صوتها، واتمنى تثق فيا.
التفتت لتدلف للداخل؛ لكنها وقفت والتفتت له مرة أخرى، وسألته: بدر هي عاليا باباها ومامتها في الصعيد؟
بدر بحزن: لا متوفين ملهاش غير أخت في الصعيد متجوزة، واحنا والدي عمها هنا، وجدتنا جيت من الصعيد كمان ومستقر معانا هنا هي وعاليا من سنين.
ليلى بهدوء: طيب ياريت تكلمهم لو يقدروا يجوا ومعاهم رسمات عاليا اللي كانت بترسمهم، لأني هحتاج الرسمات، وممكن احتاج اتكلم معاهم.

أومأ برأسه في باستسلام؛ فكل ما يريده أن تتعافى، وتصبح بخير، وهتف الرسومات معايا هي كانت واخدة الدفتر معاها الكلية، وحسناء جابت شنطتها وهي جاية، وانا فعلا والدتي اتصلت وعرفت انها تعبانه كان لازم علشان اتأخرنا ومش عارف هنرجع امتى، وأكيد هيجوا بعد شوية.
ليلى بجدية: تمام جداً بعد إذنك.
تركته ودلفت لغرفة عاليا.

أما هو جلس على مقعد في الممر ووضع رأسه بين كفيه يحاول كبح الصراع الذي يكاد يفتك بعقله.
عندما دلفت ليلى للداخل وجدتها مازالت نائمة؛ فتعجبت، وهتفت: معقول لسه مفاقتش؟!
الطبيب: لا فاقت وبكت كتير اديتها حقنة مهدئة لأنها تقريباً اتعرضت لصدمة عصبية.
زمت شفتيها بضيق، وهتفت بهدوء: كنت محتاجة انها تفوق ونتواجه الحقيقة يا دكتور، لأنها كل ما هتنام هتصحى زي ما هي؛ بس تمام يمكن ده أحسن هتكلم مع أهلها شوية الأول.

خرجت من الغرفة فنهض بدر سريعاً وهتف: ايه اللي حصل خرجتي بسرعة.
ليلى بجدية: متقلقش هي نايمه والدك أو والدتك وصلوا.
بدر بهدوء: أيوه اتصلوا عرفوا مكاني، وطالعين.
نظر في أول الممر فوجدهم؛ فتحدث بهمس لو سمحتي متقوليش تفاصيل ل والدتي او والدي لأنهم مش هيحبوا اللي حصل، وصورة عاليا ممكن تتهز قدامهم، وده مش هسمح بيه، لو حابة تستفسري عن حاجة ضروري تبقى جدتي، ثم تحرك تجاههم: وصلوا ومعاهم جدتي كمان، هروح استقبلهم.

بعد دقائق طمأنت فيها أهل بدر على عاليا بزعمها أنه انخفاض في ضغط الدم ليس إلا، طلبت من جدتها الذهاب معها للمكتب، وتركت بدر مع والديه، وأصرت أن تدفع الكرسي الخاص بالجودة بنفسها.
الجدة بقلق: خير يادكتورة كونك قولتي عايزانى يبقى الموضوع مش ضغطها بس مش إكده، الله يرضى عليكِ يابتي طمنيني.
ليلى بهدوء: انا طبيبة نفسية يا أمي ومتقلقيش بس أرجوكي تفهمي كل كلامي وتحاولي تساعديني علشان اساعد عاليا.

أومأت رأسها بقلق يغزو ملامحها، وتساؤلات تحيرها عما حدث لحفيدتها، انتهت تلك الحيرة بعد أن اختبرتها ليلى بكل ما حدث مع عاليا؛ فهتفت بحزن: ياااه ياعاليا يابتي، لسه الحالة دي بتجيكي؟!
ليلى بلهفة: حالة إيه تقصدي إيه.
الجدة وقد ترقرقت الدموع بعيونها: عاليا كان ليها أخ صغير اسمه ذياد، كانت بتحبه، ومعلقة بيه أوي،

انسابت دموعها بغزارة وأكملت: كان عنده ٥ سنين، وهى كانت ٨ سنين كان بيلعب مع ولاد الجيران بيستخبوا من بعض فطلع على سطوح بيت لسه بيتبني جارنا، من غير ما حد من الكبار ياخد باله، ولما طلع صاحبه يجري وراه السور كان لساته واطي ؛ فوقع ومسك فيه وفضل يصرخ، أنا وأبوه اللي كنا في البيت، وأمه كانت بتجيب عاليا وعبير من مدرستهم، ولما وصلوا عند البيت لقيتنا أنا على الكرسي بتاعي اللي عجزني اتحرك، وأبوها واقف مبيتحركش وعنيه واسعة مصدوم، واخوها متعلق بيصرخ، صرخت أمها، وجريت مع الناس علشان يلحقوه بس كان قضى ربنا نفذ، ووقع منطقش ياقلبي قدام عاليا، أمي صرخت بعلو صوتي يومها، وعيني جيت على عاليا لقيتها بتبص على أبوها وبس اللي قعد مكانه مقربش لذياد، وسمعت أمها بعد ما نزلت وصرخت بتقول لولدي انت السبب، مخلتش بالك منيه ليه؟ متحركتش تلحقه ليه؟!

بس هو منطقش، وبعدها جاله القلب من الخضه يا كبدي.
وحياتهم اتقلبت معدتش مرته بتعامل زي الأول بقيت دايماً تبصله باتهام؛ مع انها كملت معاه علشان البنتين، وعاليا وقتها فضلت شهور مش مصدقة ان ذياد مات، لأنها يومها جريت على بيت خالها، وقعدت مع ملك ومرضيتش ترجع الا بعدها بيجي شهر ولما رجعت دخلت أوضة اخوها وفضلت تقعد على سريره، وتلعب معاه وكأنه قدامها.
ليلى باهتمام: يعني رفضت تعترف بموته؛ طيب ازاي اقنعتوها بعد كدة.

رفعت الجدة كفها تحاول وقف سيل الدموع الذي ينهمر على وجنتيها، وهتفت: في يوم خالها جه، وشافها قاعدة بتعمل إكده وبتلعب وتتكلم، وتجري وكأنها بتجري ورا أخوها وأني وأمها عاجزين مش عارفين نتصرف، ولا حتى جه في تفكيرنا وقتها نشوف دكتور كنا حزنانين عليها بس كنا بنقول من الصدمة وهتفوق، فضل يقولها عاليا ذياد مات متعمليش كدة وهي تصرخ وتقوله كذاب؛ فشالها، وخرج وخرجت وراهم أمها خدها عند المقابر وراها قبر اخوها، واسمه اللي مكتوب عليه، وقتها عيطت كتير وحضنت قبره، لعند ما نامت ورجعوها البيت، ومن وقتها معدتش جابت سيرته، ولا دخلت أوضته، ولا بترضى تبص لصورته، واحنا كومان مكناش بنتكلم عنه قدامها خوف عليها.

ليلى بهدوء، وحزن على حال مريضتها: معاكي صورة لأخوها ده.
أومأت رأسها بنعم، وفتحت سحاب بجانب عبائتها السمراء، وأخرجت صورة تجمع ولدها، وزوجته، وجميع أطفاله قبل وفاة صغيرهم ذياد، وهتفت: كانوا يا حبايبي متصورين قبل ما يموت ذياد بأسبوع بس كانوا في فرح، واتصوروا مع بعض.
نظرت ليلى للصورة، واتسعت عينها عندما رأت وجه الشبه الكبير بين بدر، وعمه الراحل حتى في الجسد.
نظرت ليلى لها باهتمام، وسألتها: إيه كانت علاقة عاليا بوالدها ؟!

الجدة بحزن: كانت روحها فيه، ومعلقة بيه قوي؛ بس بعد اللي حصل مفضلتش زي الاول كانها كانت بتقلل حديتها معاه، يادوب الكلمة على قد الكلمة بالخصوص بعد ما كل الناس كانوا بيتهامسوا بناتهم ان يعني أبوها متحركتش علشان جسمه تقيل؛ بس هو حلف كتير وقتها ان رجليه كأنهم أثبتوا في الأرض مقدرش يحركهم وأني صدقته مش لأني أمه بس لكن علشان أني شفته بعيني.

نهضت ليلى، وهتفت: وأنا كمان مصدقاه لأن ده بيحصل كتير بصرف النظر عن الجسم ممكن الصدمة تعمل زي حالة شلل مؤقت للإنسان، ويبقى عايز يتحرك وميقدرش.

أنا كده فهمت كل اللي حصل مع عاليا، متشكرة جداً لحضرتك، وأسفة إني قلبت عليكي وجعك.
الجدة برجاء: الله يرضى عنيكي يابتي ساعدي عاليا هى اللى فاضلالي من ريحة أبوها هى وعبير خيتها، وأني تحت أمرك في كل اللي تأمري بيه.
اقتربت منها ليلى وقبلت رأسها، وهتفت بهدوء: متقلقيش يا أمي إن شاء الله هتبقى بخير؛ بس أرجوكي خلي كلامي اللي قولته ليكي بينا،بلاش الحاج كامل، وزوجته.
أومأت رأسها بتأكيد وهتفت: لا يابتي مهقولش حاجه واصل عمها مهيحبش إكده، ولا هيفهمه.

دفعتها ليلى حتى وصلوا أمام الغرفة؛ فنظر لها الجميع؛ فهتفت: متقلقش يا جماعة كنت بستضيف الحاجة شوية وبسألها عن صحة عاليا وهى صغيرة اتكرر عليها الإغماء ده، ولا إيه.
كامل بلهفة: هتبقى زينة يادكتورة؟
ابتسمت، وهتفت: متقلقش ان شاء الله خير.

تركتهم، ودلفت للغرفه، وبعد دقائق عادت ل عاليا انقباضات وجهها، التي ذادت تدريجياً، مزامنةً مع دخول الطبيب الذي نظر لها؛ فعلموا أنها على وشك الإستفاقة.
تتمدد عاليا على الفراش، وهناك أصوات كثيرة متداخلة تتضارب في عقلها يحاول كل صوت منهم أن يطغي على الأخر، ويصل أولاً بسمعها.
( أيوة يا عاليا شعوري تجاهك زي ما حسيتي... جيت الصعيد علشان اكون جنبك... ساجد ابني... كنت متجوز عرفي... عمري ما حبيت غيرك... حسناء انتي غيرتيني...كنت فكراه مات وطلع عايش... عمري ما نزلت الصعيد... الشقة كانت فاضيه...)

شهقت شهقه عاليه كمن يستيقظ من كابوس، وجلست دفعة واحدة على الفراش، فوجدت طبيب يمسك بذراعيها ويحاول إعادتها لوضع التمدد هاتفاً: اهدي يا آنسة عاليا متخافيش، ممكن تنامي.
نظرت له في تعجب، ثم نظرت حولها تسكتشف المكان؛ فوجدت نفسها في مشفى، والطبيب يمسك بها، وأمامها سيدة لا تعرفها فعاد عقلها لما حدث في الكلية، وانها لم تشعر بما حدث بعد ما سمعته منهم، فامتلأت عيونها بالبكاء، ونفضت أيدي الطبيب من حولها، ووضعت يدها على وجهها وبكت في البداية بدون صوت، ثم علا صوتها شيئاً فشيئاً حتى تحول لبكاء كطفلة فقدت أبويها للتو.

حاول الطبيب القابع بجوارها أن يهدئها إلا أن يد ليلى منعته، وطلبت منه بهمس أن يتركهم، وهي ستتولى الأمر.
تركهم، وخرج واثقاً أن ليلى تستطيع بالفعل أن تهدئها؛ لكن قبل أن يخرج همس لها:انا هكون قريب بمر على المرضى لو احتاجتيني رنه وهكون هنا في ثواني.
هزت رأسها بمعنى موافقة مع ابتسامه خفيفه.

تركت عاليا تبكي فترة دون أن تتدخل ليلى التي جلست بجوارها على الفراش؛ ثم وضعت يدها على قدم عاليا بحنان، وهتفت بهدوء: عاليا لو سمحتي ممكن تهدي، وبصيلي عايزة اتكلم معاكي شوية، صدقيني انا عندي الإجابة على كل أسئلتك.
أنزلت يدها من على وجهها وهدأت قليلاً، وأزالت بعض دموعها التي أبت أن تمتنع، وهتفت بتعجب: انتي مين، وعرفتي اسمي ازاي، وبعدين بتقولي تعرفي إجابات اسألتي على أساس إيه تعرفيني منين، وتعرفي انا فيا إيه؟!

ليلى بهدوء: أيوه أعرف كل اللي حصلك بدر حكالي كل حاجة،لأني طبيبة نفسية وهو هيموت من القلق عليكي.
اتسعت عيونها، وتوقفت دموعها، وهتفت بغضب: بدر!
ودكتورة نفسية! يعني إيه الكل اتفق اني مجنونة وبكلم نفسي
انا مش قادرة أصدق حتى بدر اخويا اللي عمره بيخاف عليا من الهوا معقول صدق كلام كريم الكذاب اللي عايز يضحك على حسناء زي ما ضحك على ام ابنه، وكمان زي ما خدعني بكلامه، ودلوقتي بينكر والكل مصدقه لييييه لييييه كل ده.

نهضت من الفراش، تريد المغادرة؛ إلا أنها شعرت بدوار فجلست مرة أخرى، وبكت ثم نظرت ل ليلى التي تتابعها بهدوء: لو سمحتي أخرجي وتسبيني أنا مش مجنونة، ولا محتاجة لطبيبة نفسية لأني متأكدة من كلامي أنا مش بكلم نفسي زي ما قالك بدر
انهت حديثها، وظلت تبكي لا تعلم كيف توقف بكائها، أو لماذا تبكي
هل لأنها اكتشفت أن ما أحبته في كريم من شهامة، وأخلاق كانوا مجرد قشرة؟

أم تبكي لأنه يكذبها، وأن الجميع يصدقه حتى بدر؟
تحركت ليلى وجلست أمامها على الفراش، وأمسكت ذراعيها، وتحدثت بهدوء: اهدي واسمعيني يا عاليا كريم عمره ما خدعك هو أه غلط مع والدة ساجد؛ بس فاق، وندم وصحح غلطته، وكل إنسان ممكن يغلط.
أما انتي فهو مغلطش معاكي أبداً لأنه مخدعكيش بكلمة واحدة، وعمره ما وعدك وعد.

رفعت نظرها لها بتعجب، وهتفت: وانتي إيه أكدلك انه عمره ما وعدني سمعتي منهم بس، ومسمعتيش مني، وبعدين هو انتي ازاي تعرفي اسم ابن كريم هو معقول جه معايا وحكالك كل حاجة بالتفصيل، إيه ده متكسفش من غلطه حتى؟!
ليلى بهدوء: إجابتي عليكي في كلمة واحدة، وهى اللي هتخليكي تصدقيني انا أخت كريم، وبشتغل طبيبة نفسية، وبأكدلك إن كريم عمره ما غلط في حقك.
عقدت حاجبيها، و نفضت يدي ليلى من حول ذراعيها، وهتفت بغضب: أخته! وجاية دلوقتي تبرأي أخوكي وتقولي انه مغلطش؟! طيب ما ده طبيعي انك تقولي كدة هصدقك إزاي؟!

رفعت صوتها وهتفت: حرام عليكم عايزين مني إيه خلاص هو عايز حسناء وهى هتقبل بيه بعد كل اللي عرفته أنا معدش، يهمني إنما تقنعوني أنه مكنش بيكلمني مستحيل،اتفضلي بره ياله
تناولت ليلى حقيبتها وأخرجت منها أوراق، وضعتها أمام عاليا، وهتفت بصوت مرتفع: عاليا اسكتي شوية، وشوفي كدة جواز السفر ده، بتاع كريم واللي بيثبت إن كريم كان برة مصر طول الفترة اللي فاتت.

صمتت عاليا، ومدت يدها برعشة، وأمسكت الأوراق، وبالفعل وجدت بها ما يثبت صحة حديث ليلى؛ فرفعت نظرها بذهول، وقبل أن تتحدث مدت ليلى يدها بأوراق أخرى نظرت بهم وجدتهم أوراق تثبت ميعاد دخول كريم للمشفى والموافق ليوم الحادث، وأيضاً تاريخ خروجه الذي يسبق ميعاد سفره بيومين فقط، تقارير تثبت أن قدمه مصابه، وتحتاج لعلاج طبيعي.

تذكرت عندما تبعته بعد المحاضرة لاحظت أنه يسير بصعوبة قليلاً، ليس بشكل طبيعي.
أرخت يدها حتى سقطت جميع الأوراق منها، ونظرت بعيونها الحمراوتان من كثرة البكاء، وهتفت بضعف، وصوت مرتعش: يعني أنا كنت بتخيل وجود كريم قدامي، وكل اللي اتقال ده كان وهم فعلاً طيب إزاي ده؟!

رفعت ليلى أمامها صورة، وعندما رأتها عاليا أمسكت بها على الفور، ودققت النظر بها، وبكت أكثر وكادت أن تتحدث إلا أن ليلى قاطعها: زي ما فضلتي وقت كبير مش عايزة تعترفي بموت ذياد، وقبل ما تسألي عرفتي منين هقولك أنا عرفت من جدتك، وهى اللي ورتني الصورة، وكمان هى وعمك، وبدر، ووالدته بره قلقانين عليكي جداً، محدش جه معاكي وانتي تعبانه غير بدر، وحسناء؛ بس أنا طلبت من حسناء تمشي، وبعد شويه أهلك اللي بيحبوكي وصلوا بسرعه.

احتضنت عاليا الصورة بقوة، وظلت تبكي بصمت قطعته ليلى عندما تحدثت بهدوء: عاليا إنسي خاااالص إن كريم أخويا؛ وده ببساطة لأني بتعامل معاكي بضميري المهني اللي أقسمت إني لا يمكن أخونه، أنا قولتلك إني أخته علشان بس تصدقيني لما أأكدلك إنه عمره ما حبك.
نظرها لها، ثم رفعت زاوية فمها مع ضحكة ساخرة، وهتفت بضعف: وكده انتي بتعالجيني، ولا بتجرحيني؟! عايزه تقولي إني أنا حبيت أخوكي لوحدي لدرجة اني عشت معاه في الوهم.

ليلى بحزم: مش بجرحك أنا بفوقك، وقولتلك إنسي إن كريم أخويا، وكمان أنا عايزه اقولك الأهم إنك محبتيش كريم من أساسه، ولا توهمتي انه عايش وبيكلمك لأنك بتحبيه.
نظرت لها، وتحدثت بنفس نبرة السخرية: محبتهوش! طيب ده تسميه إيه.
وقفت ليلى وهتفت بغضب مصطنع: الظاهر إنك مش مصدقة ولا كلمة قولتها، وكمان مش مرغوب في وجودي تمام بعد إذنك همشي وخليكي في وهمك.
نطقت عاليا بحزن: وهمي! الظاهر حياتي كلها عبارة عن وهم.

ليلى بجدية: انتي اللي بتهربي من الحقيقة، وبتستسهلي عالم افتراضي تعيشي فيه لأنك ضعيفه عايزة كل اللي بتحلمي بيه يتحقق بدون ما يحصل العكس، ولما القدر بيعكس أحلامك، وياخد منك حاجه متعلقه بيها بترفضي ده ويبدأ عقلك الباطن يصورلك إنك صح والباقي هما اللي غلط، والدليل على كده إنك لما خالك وداكي عند قبر أخوكي خلاص مكنش ينفع تكملي في العالم الافتراضي اللي رسمتيه، بس في نفس الوقت مفوقتيش تماماً؛ لأنك كنتي بترفضي أي ذكرى ليه تتقال قدامك، واتهربتي من مواجهة والدك باللي كان في عقلك وقتها واكتفيتي بأنك تحددي، التعامل، وده كان غلط، وقلة إيمان، وقتها كنتي طفلة؛ بس لما كبرتي كان لازم تتكلمي وتخرجي اللي جواكي.

عاليا ببكاء: والدي كان واقف بيتفرج على أخويا لعند ما وقع، متحركش ولا حاول ينقذه، ياما ماما طلبت منه ينزل وزنه علشان كانت خايفة عليه، بس هو مكنش بيهتم، والأخر تعب بالقلب وكل الناس قالوا بسبب وزنه.
جلست ليلى مرة أخرى، وتحدثت بهدوء: والدك وقت حادثة أخوكي حصله تشنج في عضلات جسمه، مقدرش يتحرك، وده بيحصل كتير في حالة الصدمة وبتوصل كمان لشلل مؤقت وده ممكن يحصل لأي انسان، بصرف النظر عن جسمه.

تذكرت عاليا على الفور الفتاه التي كادت أن تقع من الشجرة وهم في الصعيد، وربطت كلام ليلى بما حدث حينذاك، حيث أنها بالفعل شعرت بقدمها تشبثت بالأرض ولم تستطع الحركة؛ كما أنها تذكرت حركة بدر السريعة وإنقاذه ل الفتاه وكأنه ليس بسمين على الإطلاق.
اكملت ليلى كلامها، وهتفت: قوليلي ياعاليا عمرك ما شوفتي مريض قلب وجسمه نحيف جداً؟

طيب بلاش دي انتي السنه دي، هتتخرجي وتبقى دكتورة صيدلة يعني أكيد عندك خلفيه إن مريض دهون الدم مش شرط يكون طخين صح؟
أنا مش بقول إن الطخن كويس، ولا بدافع عن حاجه أنا بس عايزة أقولك إن المرض، والصحة بإيد ربنا، وإن والدك لا يمكن كان بإيده ينقذ ابنه ويمتنع عن ده بإرادته، على الأقل كان هيحاول ولو موصلش وقتها نقول جسمه.

انتي غلطي زمان بس كنتي طفلة، ويمكن عدم اهتمام أهلك بالطب النفسي وقتها هو السبب بإنك تعيدي نفس الغلط.
إنتي حبيتي موقف أو اتنين لكريم، ومن هنا حكمتي انك بتحبيه رغم إنك متعرفيش حياته فيها إيه، تمام معاكي انه كان ممكن إعجاب بس مش لدرجة انك تفضلي طول الوقت ترسميه، وتتكلمي مع الصور بتاعته لعند ما خلقتي لعقلك الباطن عالم افتراضي تااني وحب افتراضي لمجرد ان كريم بيبص تجاهك،
نظرت لها عاليا بتعجب، وهتفت: عرفتي منين عن الرسمات كمان؟!

ليلى: كانت معاكي في حاجتك في الكلية، وحسناء جابتهم، وأنا أسفه شوفتهم كان لازم أفهم اللي وصلك للحالة دي.
حاجة كمان ياعاليا عايزه أقولك إن بدر مقلكيش ان الشقة فاضية لأنه خاف عليكي من الصدمة زي ما حصل معاكي النهاردة بالضبط، ولما لجأ ليا بالصدفة واكتشف ان كريم عايش أنا اللي طلبت منه ميقولش حاجة، لعند ما يجي الوقت المناسب.

كريم كان لما بيبص تجاهك كان بيبص لحسناء، لأنه أعجب بيها من أول ما شافها، ولما حاول ياخد خطوة جد حصلت معاه اللي سمعتيه في المكتب.
وعلى فكرة حسناء كمان مريضتي لأنها اتعرضت لضغوطات كتير في حياتها، وأول ضغوطتها كانت بسببك.
عاليا بتعجب وهى تضع يدها على صدرها: بسببي أنا! ليه؟

ليلى بهدوء: أيوه بسببك لأنها محبتش عمر هي حست بإعجاب تجاه كريم، ولأنك كنتي قايله ليها عن حبك الوهمي ليه، مقدرتش تكون منازعة لصديقتها الوحيدة، وظلمت عمر وظلمت نفسها بالخطوبة تخيلت بكده بتردع نفسها عن التفكير، وأهو عريس، كويس وبس.
حسناء بتحبك جداً لدرجة إني أنا نفسي حاولت أعوضها عن غيابك؛ بس مقدرتش رغم أنها بتحبني، وارتاحت ليا إلا إن غيابك كان مأثر فيها، ولعند اللحظة دي موقفة علاقتها بكريم عليكي لأنه لما قال إنه عمره ما حبك، هى قالت لو عاليا بتحبك حتى لو مش هترتبطوا لا يمكن أكون ليك.

بس أنا بخبرتي متأكدة إنك مش بتحبي كريم.
عاليا بتعجب أكبر: وليه متأكده كده مش ممكن حب من طرف واحد؟!
وقفت ليلى، وتحركت نحو الكومود الموضوع بجانب الفراش، وأخرجت منه دفتر الرسم الخاص بعاليا، وفتحته أمامها، وهتفت بهدوء: شوفي كده يا عاليا دول إيه؟
رفعت عاليا شفاها السفلية بتعجب، وهتفت بهدوء: رسوماتي ل كريم.
ليلى بهدوء: اقرأي، كده كل رسالة كتبتيها ليه بس بصوت عالي أسمعه.

بدأت عاليا تفعل ما طلبته ليلى، وبعد أن انتهت هتفت ليلى: إيه الشيء المشترك فيهم.
كادت أن تتحدث، عاليا إلا أن ليلى قاطعتها: هقولك أنا أكتر شيء مشترك بينهم، هو اسم بدر اللي انتي ذكرتيه في كل موقف بتكتبه، كمان فيه حاجه دققي النظر كده في الرسمتين دول.

عاليا بهدوء: ده كريم، وده بدر... لحظه من الصمت عندما لاحظت عاليا التشابه الكبير بين ملامح كلا من بدر، وكريم؛ فرفعت نظرها ل ليلى بذهول دون أن تتحدث.
ليلى بابتسامة: بالضبط هو ده اللي كنت عايزاكي توصلي ليه: انتي حبيتي في كريم الصورة اللي هي ملامح قريبة جدا لبدر بس في جسم غير اللي عقلك رافضه.
عاليا بتوهان، وهى تمسك رأسها: تقصدي، إني أنا بحب بدر لا صعب احنا طول عمرنا اخوات اااااه.

ليلى بهدوء: خلاص كفاية كده النهاردة لازم ترتاحي، عارفه انك تعبانه وأكيد لازم تحسي بألم في رأسك مع كل اللي بيتقال ده.
ناولتها حبه مهدئ، وهتفت: دي هتساعدك تنامي شويه، وتهدي من التفكير، وبعدها نبقى نكمل.
تناولها عاليا بدون أي اعتراض فكما أن عقلها مرهق؛ فإن جسدها أيضاً يشعر بالإرهاق.
بعد دقائق استسلمت للنوم عله يريحها قليلأ، أو تجد في عالم الأحلام جواباً على حيرة قلبها.

كان بدر في الخارج يجلس، ثم يقف، ثم يتحرك ذهاباً، وإياباً؛ كمن ينظر نتيجة الثانوية العامة، يمسك رأسه تارة، ويهز قدمه تارة أخرى.
كل هذا تحت نظرات والديه، وجدته هم قلقون أيضاً؛ لكن بدر قلقه أضعاف الأضعف؛ فهو يعلم ما الذي تنوي عليه ليلى، ويخشى من انتكاسة حبيبته.
نهضت إيمان، واقترب منه، وهتفت بهدوء: مينفعش إكده يا بدر جرالك إيه ياولدي، ما كلنا زعلانين على تعبها بس مش إكده.

بدر بقلق: مخنوق يا أمي وقلبي هيقف من كتر قلقي.
إيمان بغضب: ما تفوق بقى يا بدر هو انت لميتى هتفضل معلق قلبك بحلال دايبة؟ يعني ايه قلبك يقف دي ارحم نفسك هى مهتنفعكش دي مرايدكش.
قبض بدر يده بقوة، وضرب الجدار بجانبه، ثم التفت لوالده، وهتف بغضب مكتوم: حرام عليكي يا أمي حسي بيا بقى، قلبي مش ملكي هو موجود بين ضلوعي بس بيدق بعشق عاليا، ومحبتش، ولا هحب غيرها، ولو مش هتكون نصيبي مش مهم المهم انها تكون بخير.

نظرت له بذهول من طريقة كلامه، وغضبه الذي لم يتحدث به من قبل، وقبل أن تتحدث هتف كامل: بكفياكِ إكده يا إيمان، وسيبي ولدك في حاله، وانت يابدر ميصوحش تتحدت إكده مع أمك مش هتكبر علينا.
جلست إيمان بجوار زوجها مصدومه؛ فاقترب منها بدر، وجثى أمامها، وأمسك كفيها: أسف يا أمي حقك عليا.
اقتربت الجدة بكرسيها من بدر، وربتت على، كتفه؛ فالتفت لها، فهتفت: اطمن يا ولدي قلبي بيقولي انها هتكون بخير، وقلبك أني حاسة بيه، وصدقني هى هتفوق وهتبقى زينة.

وضع رأسه على قدمها، وهتف بتمني: يارب يا ستي يااارب.
هنا سمعوا صوت باب الغرفة يفتح، فوقفوا جميعاً، واقتربت الجدة، وهتف بدر: طمنيني ارجوكي.
ليلى بابتسامة: هي هتبقى كويسة جداً ان شاء الله بس الأدوية اللي خادتها بتسبب النعاس؛ فهى هتنام شوية وبعدها تقدروا تشوفوها عادي جداً.

حمدوا الله، وجلسوا جميعاً؛ ما عادا بدر الذي نظر ل ليلى بتساؤل؛ فأشارت له أن يتبعها للمكتب وتركتهم ورحلت؛ فاستأذن من أهله بحجة أنه سيشتري طعام، وتبعها على الفور، وعندما دلف المكتب شرحت له كل ما دار وردة فعل عاليا.
نظر للأعلى، وتمنى من الله في نفسه أن تستفيق حبيبته من وهمها، وتستعيد حيويتها، وتشعر بما ينبض به قلبه.

ثم نظر لها بأسف، واعتذر عن تحدثه معها بطريقة غير مناسبة، وعلل ذلك بشدة قلقه؛ فقابلته ليلى بابتسامة متقبلة اعتذاره، ثم فاجأته بطلب لم يخطر بباله؛ لكن رغم تعجبه لبى هذا الطلب؛ فهو الأن يثق بأنها تستطيع مساعدة عاليا...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة