قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية حب افتراضي بقلم دعاء الفيومي الفصل الثاني والعشرون

رواية حب افتراضي بقلم دعاء الفيومي بجميع فصولها

رواية حب افتراضي بقلم دعاء الفيومي الفصل الثاني والعشرون

أهدأ أيها القلب
لما كل هذا الخوف؟!
لن يتخلى عنك ذاك القلب الذي طالما اهتم لشأنك؛ لكن لما انقبضت حينما تخيلت أن إحداهن ستشاركك قلبه؟
أليس هذا من حقه؟!
أين حبك الذي انتظرته سنوات، وعشت معه رسمات على ورق؟
قد أصبح أمامك، وتجسدت رسماتك، وارتويت بالكلمات التي طالما انتظرتها؛ فلما الأن تشعر بالحيرة ؟!
لما فقدت شغفك لرؤية الحبيب المُنتظر؟!

كل تلك الأفكار كانت تدور في عقل عاليا، التي ما أن شعرت أن بدر من الممكن أن يفكر في الارتباط جن جنون قلبها؛ حتى أنها منذ أن خرجوا من المشفى لم تذهب لبيت والدها لترى كريم كما اعتادت، وفضلت المكوث مع بدر الذي ظل مع سالم حتى يبدأ في التعافي؛ كي يساعده إذا أراد شئ لا يقدر عليه سوا الرجال؛ لكن ما حدث معها من تصرفات بدر الغير معتاده عليها جعل كيانها يهتز، وتشعر بما لم تشعر به قط حتى هى لا تعرف لما كل هذا التوتر الذي تملكها
فبدر لا ينظر لها قط منذ أن أغشى عليها في المشفى؛ ورغم أنه لم يترك المشفى إلا بعد خروجها هى وسالم منها إلا أنه لم يتحدث إليها إلا في أضيق الحدود، وكأنه يريد الهرب منها.

هزت رأسها عدة مرات وهى مغمضة العينان؛ محاولةً منها أن توقف التفكير؛ وقفت ثم قررت الذهاب لترى كريم؛ فمن الممكن أن البعاد بينهم هذه الفترة، هو سبب حيرتها، وقلقها، أيضاً بالتأكيد هو قلق عليها فهى لم تحادثه، أو تراه منذ أن تركت المنزل.

أرادت ملابسها، وهبطت الدرج، وأخبرت عبير أنها ستذهب لإحضار شئ ما من منزل والدهم.
عندما خرجت للحديقه رأت بدر يسير بهدوء، ويتحدث في الهاتف، وعلى وجهه ابتسامه، دفعها فضولها لتعلم من يحادثه ويجعله مبتسم هكذا؛ فحاولت الاقتراب منه دون أن يشعر بها عندما أدار ظهره دون أن يراها؛ لكن رأها عمر الذي دخل لتوهه من بوابة الفيلا؛ فأسرع ليصل لبدر قبلها متجاهلاً وجودها كي لا تعلم أنه رأها، وقف بجانب بدر مولياً إياها ظهره هو الأخر، ووضع يده على كتف بدر، وهتف بصوت عال ليصل صوته لعاليا.

عمر: بدر أخبارك إيه.
نظر له بدر، واتسعت ابتسامته، وأنهى بدر الاتصال ليرحب بصديقه، وهتف: الحمد لله ازيك يا عمر قولي يا عم العريس جاي تطمن على سالم، ولا على أخت سالم.
قالها وهو يغمز بعينه على سبيل الممازحه.
ابتسم عمر وهتف: اسكت انا مصدقتش نفسي لما سالم وافق، حسيت هيطلعلي جناحات هطير بيهم من السعادة، ومش هنيالك معروفك لما ذكتني عنده وشرحتله بنفسك وضعي كله، وأن شاء الله هردلك جميلك قريب جداً، لما اغني في فرحك أحلى الأغاني.

توترت عاليا، وخفق قلبها، ثم أنصتت لتسمع رد بدر.
عقد بدر حاجبيه، وقبل أن يرد على عمر قاطعه قائلاً: ها زميلنا، وزميلاتنا في الشركة هنا كلموك يطمنوا عليك؟
هز رأسه بإيجاب: أيوه كلموني زمايلنا، بس ايه عرفهم اللي حصل؟

عمر بابتسامه: ياعم هو فيه حاجه في البلد هنا بتستخبى؟دا كان تاجر مخدرات وعمر ما حد شك فيه لطيبته الظاهريه مع اغلب الناس، وأول ما اتقبض عليه، والتنقل المشفى الخبر بقى على كل لسان واللي في الشركة عرفوا اللي حصل وكلموك كان فونك مقفول، واول ما روحت الشركه حسيت اني محاصر منهم قلقانين على سالم، وعليك، وخصوصاً أنسة شرين جابتلي صداع من كتر ما سألتني عنك طول الوقت، وكانت زعلانه ان فونك مش بيجمع، بس أكيد زمانها هديت لما رديت عليها.

تعجب بدر من طريقة عمر، وكاد أن يتحدث لينفي اتصالها به، لكن حاول عمر أن يشير له بعينه لينبهه بوجود عاليا كي يفهم لماذا يتحدث هكذا؛ إلا أن بدر لم يفهم كلماته الخافته.
بدر بتعجب: بتقول إيه.
غمز له عمر وقال بصوت منخفض عندما خشى أن تسمعه عاليا فتفسد خطته: خلاص هتفهم بعدين.

رفع صوته مرة أخرى: قولي انا عايز احدد ميعاد لكتب الكتاب بس بعد العدة بتاعت ملك ما تخلص اكيد، تفتكر سالم هيوافق انا عايز اتجوز على طول كل حاجه جاهزه، وتعرف ممكن نعمل فرحنا سوا.

ضرب كفيه ببعض، وهتف: مالك يا عمر فيك ايه؟!
رفع عمر كتفيه بمعنى لا شئ، وهتف: مفيش حاجه ياعم فرحان، ومستعجل، بس بلاش اكلمه النهارده خليني أأجلها لبكرة، احنا بكرة نروح الشركة علشان زمايلنا، وزميلاتنا يطمنوا عليك، وبعد كده اكلم أبويا يتصل بسالم من الذوق يحدد معاه ميعاد مناسب.

اقتربت منهم عاليا وهى تضرب الأرض بقدمها كالأطفال، في كل خطوة تريد تفريغ طاقتها بها، وقاطعتهم بصوت حازم: بدر أنا عايزه أرجع اسكندريه، هتيجي معايا أكيد صح؟

تعجب بدر من غضبها الواضح على ملامحها، وطريقة حديثها؛ ثم سرعان ما فهم ما يحدث حوله من كلام عمر الغريب؛ فبالتأكيد رأها عمر، وأراد أن يختبر غيرتها؛ وها هو قد نجح؛ إلا أنه ليس متأكد هل هذه غيرة حب، أم غيرة على أخ أو شخص تعودت أنه لن تتقبله أي أنثى؛ فسيظل لها وحدها حتى وان ارتبطت هي بغيره؟!

لم ينظر لعينيها كما اعتادت في أخر فترة، وهتف بهدوء: ليه القرار المفاجئ ده؟! انا قاعد هنا لسببين انك ترتاحي بعد اللي حصل ومتتعبيش في الطريق، والسبب التاني نطمن على سالم انتي عارفه مكنش بيقدر يقعد كويس أو يقوم يمشي الا بمساعدة، وعبير حامل فكنت بساعده أنا.

عقدت ذراعيها أمامها وتحدثت بنبرة فيها شك: قاعد هنا علشان كده بس؟!
على العموم أبيه سالم الحمد لله بقى كويس وبيقدر يعتمد على نفسه دلوقتي اكتر من الاول، وانا قدامك اهو بقيت زي القردة.
ضحك بدر، وعمر بصوت مرتفع، فنظرت لهم شذراً وهتفت: ضحكتكم أوي الكلمه ماشي المهم هتيجي معايا نرجع علشان اقدر استعد لامتحاني كمان؟

تدخل عمر وهتف باستفزاز: كل الكلام ده ومفيش ازيك يا عمر حتى طيب ماشي هرد انا بدون ما تقوليها الحمد لله يا عاليا انا بخير بس مينفعش صدقيني بدر يسافر من غير ما يطمن قلوب زميلنا، وزميلاتنا في الشركة هنا دول هيتجننوا ويشفوه.
نظرت له بضيق، وهتفت: انا طالعه احضر شنطتي وهسافر لوحدي يابدر خليك انت طمن اصحابك، وصحباتك، بس قبل ما اسافر هعدي على بيت بابا أجيب حاجه من هناك.

قالت تلك الكلمات الأخيرة، وهى تريد إثارة غضب بدر؛ لكنها فوجئت بهدوء، واستمراره في عدم النظر إليها، ثم هتف: خلاص يا عاليا اتفضلي حضري نفسك، وإن شاء الله بكرة هنسافر، أنا كمان الجماعة عندنا وحشوني، وهما عايزنا نروح علشان يطمنوا عليكي بعد اللي حصل ستي تعبت شوية ومقدر ش يسبوها وينزلوا هنا.

عليا بفزع: ستي تعبانه، ومقولتش يابدر؟ حتى طنط ايمان كانت بتكلمي امبارح ومقالتش.
بدر بهدوء: اهدي يا عاليا انا قولت تعبت شويه، وده كان من خضتها عليكي؛ بس دلوقتي بقيت احسن؛ فليه نخضك، وادينا هنروح نشوفها، ياله يا عمر ندخل نطمن على سالم، واعرفه بقرار سفرنا.

دخلوا جميعاً، واجتمعوا بالأسفل.
نوارة بترحيب: يا ألف مرحب بيك يا عمر يا ولدي اتفضل نورت البيت.
عمر بابتسامة: البيت منور برجوع أصحابه يا أمي تسمحيلي أقولك يا أمي؟
نواره بابتسامه واسعه: مش هتبقى جوز بتي؛ يبقى لازمن تقولي اكده؛ بس أهم حاجه تحطها في عينيك.
تسارعت دقات قلب ملك من فرط سعادتها بكلمات نوارة التي طالما تمنت أن تسمعها لتشعر بمحبتها، وحنانها، وأيضاً سعادتها بسبب ذكر ارتباطها.

تحدث سالم: بصراحة أنا مكتفتش بكلام بدر، وكمان من حكمي عليك من تصرفاتك يا عمر إنما سألت عنك، وعن أهلك كتير، آصل اللي يتلسع من الشوربة بقى؛ بس حقيقي زي انطباعي الأول عنك كانت سيرتك، واكده هكون مطمن وانا بسلمك جزء من قلبي،وأكتر حاجه عجبتني فيك هو اعتماداك على نفسك؛ مع إن والدك حالته المادية ميسرة جداً؛ الا انك رفضت مساعدته.

ابتسم عمر وهتف: فعلا ده حقيقي؛ بس اني ان شاء الله مش هخلي ملك ينقصها حاجه أبداً، وكل طلباتها مجابه.
وقفت ملك، واستأذنت في الصعود عندما شعرت بالخجل، وتبعاتها عاليا متحججه بأنها تريد استذكار بعض الدروس، أما عن الحقيقه فهى تتألم من تجاهل بدر لها.
اعتدل سالم في جلسته فتأوه بخفه ففزعت عبير قائلة: مالك فيك حاجه تحب تطلع تريح فوق؟!

ابتسم الجميع على لهفتها العفويه، وهتف سالم بهدوء: لا ياغاليه مفياش حاجه واصل، بس بتعدل الجرح شد بسيط أوي أني بقيت زيييين وكلتها يومين وارجع احسن من الاول؛ بس ممكن تعملي لينا دور قهوه أني والرجاله دول؟
وقفت عبير وهتفت بابتسامه: حاضر من عيوني.
كادت نوارة أن تتبعها ظنا منها أن ولدها يريد الجلوس معهم بمفرده؛ إلا أن سالم أوقفها: لا يا أمي خليكي عايزك تسمعي الحديت اللي هقوله وتقولي رأيك.

جلست نوارة وهتفت: حديت إيه يا ولدي خير.
تحدث سالم بجديه: أنا رغم اني مكنتش مسؤل عن القضيه في أخر فترة، إلا أن القائد بتاعي، وكمان الظابط عزيز وصلوا مجهودي فيها للقيادة، وعلشان أكده هما رقوني.
بدر، وعمر في آن واحد: ألف مبروك يا سالم،تستاهلها.
نوارة بنبرة سعيدة: ألف مبروك ياولدي، بس مش كنت فرحت عبير كومان.

سالم بهدوء: ما هى عرفت؛ لأنها كانت جمبي لما القائد اتصل عليا وقالي، بس الترقيه لازمن معاها نقل ل القاهرة؛ فأنا طلبت من القائد انه يتزكى ليا بدل ما تكون في القاهرة، تكون لو ينفع اسكندرية، وفعلاً حوصل ده.
نوارة بضيق: كل ده حوصل، واني معرفش يا سالم، أمك اخر من يعلم،وكومان عايز تسافر وتسبنا اهنه أني ومرتك، وخيتك.

وقف سالم ببطئ، وجلس جوارها ثم أمسك يدها وقبلها، ثم هتف بحب: حقك عليا ياست الكل، أني بس كنت عايز اتأكد قبل ما اتحدت وياكي، وبعدين من قال إني هسيبكم، ده من سابع المستحيلات إني أعملها
عقدت حاجبيها وهتفت بتعجب: كيف مهتسبناش، وانت لساك قايل انك اتنقلت اسكندرية؟!

سالم بتردد: أصلي نويت أخدكم معايا، هصفي الشركة إهنه، وأضمها لشركة بدر هناك ونكبرهم سوا، ويكون هو رئيس مجلس الإدارة التنفيذي زي اهنه، طبعا لو وافق يعني.
وعمر زي ما هو هيمسك الشئون القانونية كلها، ونشتري فيلا صغيرة إكده نعيش فيها أني وانتي، وعبير، وملك، وعمر بعد ما يتجوزوا ان شاء الله
كل ده بعد موافقتك يا ست الكل طبعاً.

نوارة بذهول: كل ده فكرت فيه، وجاي تقول بعد موافقتي، انت مقرر ومشي الحال يا ولدي؛ بس اني مهسبش بيتي ولا بلدي واصل، انت خد مرتك، وولدك، وملكش صالح بيا، بعد اذنكم اني طالعه فوق ارتاح.
أمسك يدها وهتف بترجي: اسمعيني بس يا أمي الله يرضى عليكي.
جلست مرة أخرى وهتفت: قول أني سمعاك.

سالم بهدوء: أني لا يمكن اعمل حاجه تزعلك مني، زي ما هو لا يمكن أسيبك إهنه وحديكي؛ لا انا ممكن اسيب الشغل واصل ولا انك تزعلي بس، كل اللي قولته ده كان تفكير مش قرار؛ لاني معرفش رأي بدر، ولا عمر لسه، وكومان انتي لو رفضتي أني هتنزل عن الترقيه.

شعرت نوارة بالرضا من حديث سالم، واهتمامه بيها فهتفت: لا يا ولدي أني ميرضنيش الضرر ليك، ترقيتك دي مش ليك لوحدك، ده حلمي اللي عشت عشانه طول عمري اني اشوفك في أعلى المناصب؛ ومع اني صعب عليا اسيب بيتي، وحياتي، بس الأصعب عندي إنك تبعد عني انت وولدك، وكومان خيتك؛ فخلاص لو الكل وافق أني مهقفش في طريق مستقبلك.

ابتسم سالم بسعادة، وهتف: ربنا يباركلي في عمرك يا ست الكل.
وجهه نظره لبدر، وهتف: ها يا بدر قولت ايه بالنسبة للشركة؟
بس الموضوع مفيش فيه احراج؛ لو مش موافق أني هصفي الشركة إهنه من الأساس واحط فلوسها في حساب ملك لأنها بتاعتها، وهنقلها باسمها لوحدها، ورثها من ابوي الله يرحمه.

ابتسم بدر وهتف: ياعم خد نفسك كده، قال يصفيها؛ لا انا موافق طبعاً اننا نضمهم، ونكبرها سوا.
على فكرة خبر استقرارك في اسكندريه ده فرحني جدا؛ كمان عاليا هتفرح أوي علشان عبير.
سالم بابتسامه: لعند إكده تمام أوي، وانت يا عمر موافق تمسك الشركة ولا ليك خطط تانيه.

عمر بهدوء: لا تانيه، ولا ثالثه موافق طبعا لاني لازم اكون جمبكم، انتوا اخواتي؛ بس عندي اعتراض بسيط لو تسمحلي.
عقد سالم حاجبيه، وهتف بجديه: خير اتفضل طبعاً.
عمر بهدوء: معلش انت قولت نعيش معاكم انا وملك بعد الجواز، وده مش هينفع انا عندي شقتي وان شاء الله تعجبها حتى لو مش زي الفيلا كبيرة إلا انها كويسه جداً، وموقعها حلو، وربنا يكرمني ان شاء الله بعد فترة صغيرة وأجيب لها الفيلا اللي، تتمناها.

حاز حديث عمر على إعجاب، الجميع؛ فهتف سالم: على خيرة الله اتفقنا، ابدأ من بكرة يا عمر لو سمحت إجراءات ضم الشركتين، واللي حابب من الموظفين يتنقل معانا بذيادة رتبه علشان السكن أهلا وسهلا، واللي رافض ده هوفر ليه شغل قبل ما نسافر ان شاء الله.

بدر: طيب يا سالم الحمد لله اني اطمنت عليك، وبقيت دلوقتي بتتحرك احسن وبدون مساعده، هستأذن أسافر بكرة الصبح بدري ان شاء الله انا، وعاليا علشان امتحاناتها، وكمان اشوف الشركة هناك.
سالم بسعادة لاتمام ما أراد: على خيرة الله.

تجلس على مكتبها تستذكر دروسها منذ فترة طويلة؛ فشعرت بألم في رأسها، تركت ما بيدها، ورفعت كفيها تمسك رأسها وتضغط عليها بخفه لعل الألم يهدأ.
دق باب غرفتها، و لفت والدتها، ورأتها هكذا: حسناء مالك يا حبيبتي.
نظرت لها حسناء بابتسامه خفيفه: ولا حاجه يا حبيبتي دول شوية صداع؛ من كتر تركيزي في الكتب، قدامي.

ابتسمت الأم بهدوء، ووضعت ما بيدها على سطح المكتب،وهتفت: أنا عملتلك كوباية شاي مظبوطه، وسندوتيشين كده انتي ناسيه نفسك في الأكل خالص يا حسناء، وده غلط، ويمكن هو اللي عملك الصداع.
اتجهت الأم نحو الفراش، وجلست عليه ثم هتفت: هاتي ساندوتش، والشاي، وتعالي اقعدي قدامي هنا هعملك تدليك لراسك ان شاء الله هتخف.

انصاعت حسناء لرغبة والدتها؛ فهى حقاً تحتاج إلى هذا في الوقت الحالي.
تناولت كوب الشاي، والطعام، واتجهت لتجلس أرضاً أمام والدتها؛ فآصبحت رأسها من الخلف أمام يد والدتها.
ظلت الأم تدلك لها رأسها، وتحلل أصابعها بحنان بين خصلات شعرها الحريري حتى بدأ الألم يختفي شيئاً فشيئاً، وشعرت حسناء بالسكينة بين يدي والدتها فشردت في ذكراها المحببه لقلبها، عندما أخبرت كريم بما حدث معها، وايضا انها لن تصبح أم يوماً ما.

كريم بتعجب: مش فاهم ازاي مش، هتكوني أم؟!
صمت لثواني ثم سرعان ما فهم مقصدها، فشعر بسكين يغرس في قلبه لهيئتها المتألمة الحزينه هتف بهدوء وهو يجذب كرسي بجانبه: طيب ممكن تيجي نقعد وتهدي كده
هزت رأسها بلا رد، وجلست؛ فتحرك هو بدوره، وجلس على الكرسي المقابل لها، وبينهم منضدة صغيرة من البيلاستيك.
تحدث كريم بنبره هادئه: ده كان سبب طلاقك من حازم؟

انسابت دموعها أكثر، وتحدثت ببكاء وهى تتذكر معاملته القاسيه لها: كان متجوز ني في الأساس علشان متعود ياخد اللي هو عاوزه، وراهن انه هيتجوزني رغم اني كان مكتوب كتابي، وانا للأسف علشان ظروفنا الماديه متعسرة، كنت دايما احلم بحياه أفضل مفيش فيها مشاكل، مكنتش اعرف ان المشاكل، والتعاسه ممكن يكونوا حتى لو فيه فلوس.

صمتت لثواني ثم واصلت حديثها وسط بكاؤها وشهقاتها التي لم يقطعها كريم، ولا حتى ليلى التي اقتربت من الشرفه وسمعت حديثهم، فاعترافها ل كريم هو أفضل حل يريحها حالياً.

حسناء: وأول ما عرف إني مش هجيب ولاد أبداً؛ لأن عندي مشكلة في الرحم مستناش نكشف تاني، ولا نسافر، ولا حتى انتظر نروح ويعمل اللي عمله؛ لأ ده طلقني في الشارع، وقال انه خلاص خد هدفه الأول مني بأنه اتجوزني رغم اني كنت مخطوبه، وهدفه الثاني اني أجيب ليه ولد علشان يسكت أبوه، وده مش هيتحقق يبقى أنا مليش لازمه.

أنا مش زعلانه من كل القسوة اللي شربتها على إيد حازم؛ لأني اعتبرتها تكفير عن ذنبي في حق عمر اللي اتخليت عنه، وجرحته رغم إني كنت متخيله اني بحبه في الأول، بس بعد فترة حسيت ان الحب ده كان مجرد حب افتراضي، أو مسكن علشان انسى اعج...

صمتت ولم تكمل حديثها، عندما كادت أن تعترف بإعجابها له منذ البداية، ومدت يدها تحاول منع دموعها المتسابقه على النزول، لكن هيهات أبت تلك الدموع أن تقف، وكأنها تريد أن تخرج، وتجرف معها أي حزن في قلبها، ولا تترك إلا الهدوء، والسلام النفسي فقط.

تحدث كريم باهتمام: ارتبطي بعمر من غير حب علشان تنسى، أو تسكني إيه؟
نظرت للأسفل هرباً من نظراته المثبته عليها، ثم وقفت، وهتفت: معلش أنا دوشتك أنا لازم أمشي دلوقتي.
وقف وهتف بترجي: لو سمحتي يا حسناء اسمعيني لدقايق بس، وبعدها مش همنعك أبداً تمشي ممكن؟
جلست مرة أخرى بتردد، وجففت دموعها، ولم تنظر له.

تحدث كريم بنبرة تشع حب، وصدق: حسناء انتي عملتي نقطة تحول في حياتي من أول ما شوفتك في الجامعه وحسيت اني منجذب ليكي يعني أنا حابب تعرفي، وتأكدي حتى لو انتي رفضتي تكوني معايا باقي عمري إني محبتش، ولا هحب حد قدك، وموضوع إنك اتخليتي عن عمر؛ فأنتي منكرتيش غلطك، وده في حد ذاته جميل جداً، ويأكد طيبة أصلك؛ بس لمعة الجوهرة زغللت عينك زي ما كان ممكن تجذب أي حد، بس للأسف طلعت مزيفه؛ أما بقى بالنسبه لأنك مش هتكوني أم فده أمر ربنا اللي مينفعش لا نزعل، ولا نعترض عليه لأن فيه كتير بيجيبوا أولاد ويبقوا معاقين، أو ممكن الام تموت وهى بتولد، وتسيب طفل يتيم.

طبعاً دي بعض الحالات مش كل الناس كده بس مقصود كلامي إن احنا منعرفش الخير فين، ممكن ربنا مقدر ليكي خير بعدم الانجاب؛ كمان ممكن جداً يكون كلام الدكتور مثلا فيه خطأ؛ ما هو مش لازم يكون صح ميه في الميه ممكن يكون فيه أمل المهم ان احنا منستسلمش لحزن، ولا ليأس.

وحابب أقولك كلمة أخيرة إن مفيش انسان معصوم من انه يغلط، المهم انه يفوق من غلطه، وهقولك تاني لو كنتي من نصيبي زي ما انا بحلم ساجد هيكون ابنك بكل معنى الكلمه، مش هدخل في تربيته ابداً إلا لو انتي طلبتي ده.

شعرت بالراحه، والسعاده عندما تحدثت معه وأيضاً عندما سمعت رده.
احمرت وجنتيها خجلاً مما أشار إليه بأنه يتمنى الارتباط بها فهتفت في خجل: أنا بعشق ساجد سواء بقيت أم ليه أو لأ فهو هيفضل حبيبي، حبي ليه كان من أول نظرة ده حقيقي، بس انا مش فاهمه هو ليه مكنش متعود عليك مش ده غريب؟!

توتر كريم لكنه تحدث بمزاح متفادياً الرد على سؤالها: يعني كل الكلام الجميل، والحب ده لساجد وابو ساجد لأ طيب انا كده هغير بقى.
صمت للحظه ثم تابع وهو ينظر لها باهتمام: قوليلي ليه دايماً تقولي لو، هو انتي ممكن ترفضيني؟

أخذت شهيق طويل ثم أخرجت ببطئ، وهتفت: مش رفض؛ لكن الأكيد اني هبعد تماما لو عاليا فعلا بتحبك.
كريم بتعجب: بس انا مبحبش عاليا يعني حتى لو ده شعورها فأنا مستحيل ارتبط بيها؛ ببساطه لاني بحبك انتي.
حسناء بجديه: وانا لا يمكن اجرح صديقة عمري أو اخونها.
تعجب كريم من هذه الصديقه التي على استعداد لدفن مشاعرها كما فعلت من قبل لأجل صديقتها، وذاد قيمتها في نظره بسبب هذا التصرف.

هتف بهدوء: ان شاء الله عاليا مش هتكون سبب يفرقنا، السبب الوحيد اللي ممكن يفرقنا انك ترفضني بعد ما تعرفي عني كل حاجه، لأن مش انتي وحدك عندك حاجات زي اللي حكتيها ليا من شوية.

عقدت حاحبيها وهتفت: تقصد إيه؟!
انت عندك سر حابب تحكيه ليا.

هز رأسه بنعم، وهتف: أيوه بس في الوقت المناسب مش دلوقتي.
دلوقتي قومي ندخل علشان نتغدى مع ليلى والولاد من زمان محستش بجو الأسرة الجميل ده؛ لاني كنت بتفادى أقعد مع ساجد كتير.
عادت من شرودها على صوت والدتها الحنون هاتفه بهدوء: إيه يا حبيبتي الوجع خف شويه؟
التفتت لها، وأمسكت يدها وقبلتها، وهتفت: أيوه يل ست الكل، تسلم ايديكي اللي عاملهزوكأنها بلسم يا حبيبتي.

يسير بهدوء في حديقه بها أزهار تبعث عبيرها المنعش حوله؛ كأنها تريد أن تدخل لصدره تنقي الشوائب التي مازالت عالقه بداخله، وتحل محلها؛ لتعطيه أمل في حياه جديدة نقية من جميع أخطاء الماضي.

نظر لتلك الزهور بديعة المظهر، وابتسم عندما تذكر باقة الزهور الصباحيه التي اعتاد أن تتجدد يومياً في غرفته مع كارت به كلمات مشجعه من مرسلة مجهوله.

اقترب منه الطبيب المسؤل عن علاجه، وسار بجانبه وهتف بهدوء، وابتسامه مشرقه: صباح الخير يا حازم، إيه النشاط ده خارج من بدري وبتتمشى في الجنينه، والممرضه قالتلي انك فطرت النهارده مش زي كل يوم، حقيقي انا سعيد جداً بعزيمتك، ورغبتك في انك تخف اللي ساعدتنا كتير؛ لأنك استجابت لمرحله كبيرة من العلاج في وقت قصير، لسه مراحل بسيطه وان شاء الله هتبقى أحسن من الأول بكتير.

ابتسم حازم بهدوء وهتف: أنا متشكر جداً لحضرتك يادكتور وآسف علشان عذبتك في البدايه، بس كان غصب أكيد.
الطبيب بابتسامه: ده كان طبيعي يا حازم، وبعدين ده واجبي اني استحملك واساعدك تتخلص من اللي كنت فيه، سيبك بقى من الرسميات دي وقولي سر الفطار، والنشاط النهارده إيه الورد الصباحي برده؟
قالها وهو يغمز له بعينه بمزاح.

ابتسم حازم وهز رأسه بنعم، وهتف بهدوء: أيوه هى، بصراحه انا هتجنن واعرف اللي بتبعاتها وازاي بتعرف كل أخباري، ولما سألت الممرضات كلهم أنكروا انهم يعرفوها، أو انهم بيشوفوها وهى بتجيب الورد، بيلاقوا الورد كل يوم بدري قدام الأوضه عندي، والنهارده كتبتلي انها زعلانه مني لاني مبكلش، وإني لو مكلتش معدتش هتبعت ورد.

تعرف أول ما قرأت كلامها لقيت ابتسامتي اترسمت لوحدها على وشي، وحسيت اني جعت فجأه وعايز أكل خوفاً من انها تمنع الورد ورسايلها اللي فعلا ساعدتني في العلاج.
ابتسم الطبيب وهتف: اللي يشوفك دلوقتي ميصدقش انك كنت بتتعصب وتطلع عصبيتك على الورد المسكين، وتقطعه يومياً قبل كده؛ بس تعرف أنا كمان نفسي أوي أعرف صاحبة الورود دي.

تلاشت ابتسامة حازم وحل محلها ملامح الغضب، وهتف بحده: ليه عايز تعرفها مش فاهم؟

ضحك الطبيب بصوت مرتفع وهتف: إيه ده انت بتغير على واحده مشفتهاش قبل كده؟!
على العموم أنا ياسيدي عايز أعرفها بس علشان أشكرها مش أكتر؛ لأنها بدون ما تحس ساعدتني كتير في علاجك النفسي، وكأنك كنت بتقاوم الوجع علشان تخف لأنك حسيت إن حد مهتم بيك، وعايزك تخف، وكمان وعدها ليك إنها أول ما تحس انك اتحسنت هتعرفك نفسها شجعك أكتر.

نظر للأسف وهتف بإحراج: أسف يا دكتور على أسلوبي معاك بس فعلا معرفش ازاي غيرت كده رغم اني معرفهاش.
الطبيب بهدوء: ولا يهمك ياله ندخل علشان ميعاد، علاجك، وعلشان ترتاح شويه وبعدها نعمل شوية رياضه سوا.

امتثل حازم لأوامر طبيبه بكل هدوء، وذهب معه وكل تفكيره في صاحبة الورد الصباحي، وهذا مالم يتوقعه طيلة حياته؛ أن تحتل فتاه تفكيره، وقلبه دون أن يراها فهل هذا بداية حب، أم فضول لمعرفتها فقط؟!

تقف في الغرفه تنهي استعدادها للسفر؛ أغلقت حقيبتها بعد أن لملمت جميع أشيائها، ثم ارتدت ملابسها، دق باب الغرفه، ودلفت ملك على وجهها علامات الضيق.

ملك بحزن: خلاص جهزتي يا عاليا وماشيه؟
ابتسمت عاليا، واقتربت منها وهتفت بهدوء: أيوه حبيبتي بس ليه كل الزعل ده؟!
نظرت لها بتعجب وهتفت: يعني مش عارفه اني هتوحشك؛ فاكرة زمان لما جيتي تسافري اسكندريه بعد عمتي، وجوز عمتي الله يرحمهم أني بكيت قد ايه؟
فضلت كتير قوي على ما اتعودت ان صاحبتي، واختي بعدت عني ومهونش ده عليا وقتها الا وجود عبير معانا اهنه في البيت.

ابتسمت عاليا، واحتضنتها بحب وهى تردد: بس المرة دي تفرق لأن خلاص معدش فراق، أبيه سالم هيستقر هناك، وانتي هتتجوزي حبيب القلب وهنفضل سوا كلنا.

ابتسمت ملك بخجل وهتفت بهدوء: ايوه صوح حديتك.
عاليا بمراوغه: ايه هو اللي صح اننا هنستقر هناك، ولا انه حبيب القلب؟!
ضربتها ملك بخفه على جانب ذراعها وهتفت: لا يا ناصحه الاتنين.
ضحكت عاليا بسعادة، وهتفت: لا لا مش ممكن ابو الهول نطق ملك بنت خالي عرفت تتكلم.
ضحكت ملك، وضمتها مرة أخرى وقالت هتوحشيني الفترة دي لعند ما سالم يخف ونقدر ناجي اسكندريه.

ابتعدت عنها ونظرت لها بتساؤل وكأنها تذكرت شيئاً ما، وهتفت: صوح يا عاليا انتي دلوك ماشيه، واحنا اللي هنجيكم يعني مش هتنزلي اهنه دلوك واصل، وبتقولي ممعاكيش رقم كريم، ومتعرفيش مشكلته هتنحل ميتى؛ حتى من وقت ما خلصنا من اللي حوصل معانا، ورجعنا من المستشفى محاولتي تروحي هناك، ولا حتى جبتي سيرته.
طيب هتعملي ايه؟

جلست على الفراش وتحدثت بنبره تحمل الحيرة، والارهاق: والله انا مخنوقه ومش عارفه ايه بيحصلي يا ملك، من وقت ما حصل اللي حصل وبدر متغير معايا رغم ان تصرفاته وحنيته زي ما هي إلا أنه بيهرب من الكلام معايا، وحتى من أن عنينا تتقابل، وده مضايقاني وخليني مليش نفس اخرج، ولا حتى افكر في كريم
ممكن تستغربي وهيكون عندك حق لاني انا مستغربه نفسي؛ بس هو ده احساسي ومش عارفه ليه؛ على العموم انا قولت لبدر اني هاروح البيت اجيب حاجه، قبل ما امشي وده علشان اكلم كريم واعرفه واجيب رقمه، بس عايزه الحق؟

هزت ملك رأسها بنعم؛ فأكملت عاليا كلامها: كنت بقول كده لبدر علشان اضايقه بس مش لاني عايزه اروح.
ملك بهدوء: وتضايقيه ليه؟
وقفت عاليا واتجهت للمرآة تهندم حجابها وهى تهتف: والله ما انا عارفه المهم دلوقتي هنزل علشان متتأخرش، ونبقى نتكلم بعدين.
رفعت ملك حواجبها وهتفت: طيب ماشي اهربي من الحديت دلوك بس هتروحي مني فين.

احتضنوا بعض بحب مرة أخرى وهم يبتسمون، وخرجوا من الغرفه متجهين للأسف؛ حيث كانت عبير تعد بعض الأشياء وعيونها مليئة بالدموع، اقتربت منها عاليا، وضمتها بحب وهتفت: مدمعه ليه هو انا اسكت ملك الاقيك انتي هتعيطي.

عبير بحب: هتوحشيني قوي ياختي خلي بالك على نفسك.
مدت لها يدها بحقيبه بها، وقالت: دول شوية وكل صغيرين خديهم معاكم هتجوعوا في الطريق.
ابتسم بدر الذي كان يقف قريب منهم في ردهة المنزل، وهتف: أكل ايه بس يا عبير هنبقى ناكل في الطريق في أي مطعم.
عبير برفض: لا مش هيبقى مضمون زي، وكلي خديهم يا عاليا.

سالم بضحك: القرار نفذ خلاص يابدر مفيش أمل مطاعم، خوديهم يا عاليا واشتري نفسك انتي وبدر. مش ناقص انها تزعل من دي، كومان بكفايه بكاها من الصبح على سفر عاليا، وأنا بقنعها اننا خلاص مجرد ما أشد حيلي واقدر للطريق هنحصلكم.

مدت يدها عاليا وأخذت الطعام من عبير، وهتفت: خلي بالك من نفسك حبيبتي ومن ابيه سالم علشان يخف بسرعه وتيجوا هناك بقى.
بدر بعجاله: ياله ياعاليا اتأخرنا.
خرجوا جميعاً من المنزل، واستقل بدر السيارة، وبجواره عاليا وانطلق أ خارجين من المنزل بأكمله.
عليا بهدوء تحاول بدأ الحديث: انا فرحانه اوي لملك، ولعمر كمان، ربنا عوضه بعد جرح حسناء ليه.

بدر دون أن ينظر لها: اه فعلا انا كمان مبسوط علشان هم هما الاتنين اتجرحوا جامد، وربنا عوضهم ببعض.
رفعت عاليا حاجبها وضيقت عينها بغيظ من تجاهله؛ لكنها اكملت حديثها لعله لم يقصد التجاهل: تعرف حسناء وحشتني أوي، انا فعلا زعلت منها بس مقدرتش اكرهها لان دي في الأول والأخر حياتها، واللي حصل كان خير ليهم.

بدر وهو ما زال ينظر أمامه دون أي التفاته لها: خير لعمر ان شاء الله لكن اللي حصل مع حسناء مكنش خير ليها خالص لأنها اتطلقت.
عقدت حاجبيها ونظرت نحوه بدهشه، وهتفت: معقول اتطلقت امتى وليه وانت عرفت ازاي.
بدر بهدوء: اهدي يا عاليا براحه قابلتها صدفه وقالتلي لكن ليه معرفش مدخلتش في تفاصيل ممكن تبقى تسأليها.
اراحت ظهرها للخلف، وعقدت ذراعيها أمام صدرها، وتحدثت بضيق: طيب ماشي ياعم البارد، ممكن توديني بيتنا قبل ما نخرج من البلد.

تعجب من وصفها له بالبرود؛ لكن لم يعلق على هذا بل تحدث بهدوء تام: حاضر هوديكي لازم طبعا تروحي.
ضيقت عينيها، وزمت فمها بغيظ، وكادت أن تتحدث الا ان صوت رنين هاتف بدر قاطعها.
كان بدر ممسكاً بهاتفه انذاك في يده، نظر للشاشه وهتف بسعادة: ده مصطفى ياه وحشني والله، بس مش هينفع ارد وانا سايق ممكن تفتحي الاسبيكر وتمسكي الفون يا عاليا، ولا اوقف العربيه دقايق؟

عاليا بهدوء: لا عادي هات همسكه انا، بلاش تقف.
رد بدر بابتسامه: ألو إيه يادرش واحشني ياراجل فينك؟!
مصطفى بضحك: ايه الدخله الجامده دي يا بشمهندس، انت كمان وحشتني والله، انا قاعد مع صديق ليا تقدر تقول اعز أصدقائي في الجامعه، فبنتكلم عن الصداقه، وجبت سيرتك قولت اكلمك اطمن عليك، واطلب منك طلب ليه.

نظر بدر بطرف عينه وجد عاليا يبدو على ملامحها التعجب؛ فهى تعلم جيداً ان أقرب أصدقاء مصطفى هو كريم.
هتف بمكر: هنياله ياسيدي هو أعز اصحابك، وانا تفتكرني لما تكون عايز طلب، على العموم أأمر.
مصطفى بضحك: لا يابدر متقولش كده انا دايماً بقولك ان انت، وكريم معزه واحده عندي.

هنا سقط الهاتف من يد عاليا عندما سمعت اسم كريم، وانه في الاسكندريه؛ لكن سرعان ما جمعت شتاتها، وكادت ان تلتقط الهاتف مرة أخرى الا ان بدر سبقها، والتقته، وأوقف السيارة، وهتف: معلش يا مصطفى الفون وقع، بتقول كريم؟! يعني هو رجع من السفر؟
مصطفى بهدوء: ايوه رجع، وحاليا بيجهز فيلا صغيرة علشان يتجوز، وانا قولتله مش هيلاقي مهندس ديكور، ولا شركة احسن من شركتك يتعامل معاها.

تحدث بدر بهدوء: اه حاضر ان شاء الله هكلمك تاني، ونحدد ميعاد نتقابل وانا تحت أمركم.
أنهى المكالمة مع مصطفى، وضغط عدة ازرار في هاتفه، كانت عبارة عن رسالة مرسلة إلى مصطفى نصها: متشكر يا مصطفى انك قولت زي ما اتفقنا اول ما رنيت ليك.
بدر بهدوء، وهو يدير السيارة: كريم دلوقتي في اسكندريه، ها تحبي نروح البيت برده ولا نكمل طريقنا؟!

عليا بشرود: تفتكر ازاي حل مشكلته يا بدر، وهما مين الللي كانوا هيقتلوه، وازاي محاولش يوصلي قبل ما يسافر، ما هو مدام خرج يبقى كان لازم يعرف انا فين وحصلي ايه صح؟
بدر بهدوء: الله اعلم ايه اللي حصل معاه.

عقدت عاليا حاجبيها وتحدثت بعصبيه متناسيه تفكيرها في كريم عندما وجدت بدر مازال يهرب بعينيه منها: هو انت مالك بقيت معايا كده، انت ليه بتهرب مني بعينك كده، وتتعامل ببرود من وقت ما كنا في المشفى؛ لدرجة انك مدخلتش تطمن عليا لما فوقت، ايه خلاص كرهتني وزهقت مني؟

نظر لها بلهفه وهتف: انا اكرهك انتي؛ انا لو كرهت العالم كله لايمكن اكرهك انتي يا عاليا غاليه اوي فوق ما تتخيلي عندي، بس اللي حصل وانتي مخطوفه خلاني مش قادر اواجهك؛ لاني سبتك وسافرت وانا زعلان.
وعدتك اكون دايماً جمبك بس اللي حصل كنت انا بعيد عنك.

عاليا بتعجب: بعيد عني!
انت أول واحد كان جمبي وانقذني من اللي كان هيحصل، اللي حصل ده كان ممكن يكبر، ويحصل اكبر منه لو انت مخاطرتش بنفسك علشاني، أوعى تفكر كده لانك ببساطه دايماً جمبي في كل حاجه بتحصلي.

صمت كليهما وكل منهم يفكر فيما نطق به، وفيما قاله الأخر
بدر لنفسه: ايه ده يا عاليا كل المشاعر اللي خارجه من كلامك ده حيرتيني معاكي، كلامك حرك قلبي وحاسس انه هيخرج من مكانه من فرحته؛ بس تصرفاتك بتقول انك مش ليا.

عاليا تحدث نفسها: ايه اللي قولتيه ده يا عاليا؟!
ايه ما هي دي الحقيقة؛ بس طريقتك كانت غريبه في الكلام؛ تفتكري يكون فهم انك بتحبيه؟
طيب هو انتي بتحبيه اصلا؟ طيب وكريم لا لا بدر علشان اااا
ها علشان ايه انطقي؟
مش عارفه بقى انا مبقتش عارفه حاجه انا هتجن.

أمسكت رأسها بين كفيها، واعتصرت عينيها بقوة.
بدر بلهفه: فيكي ايه يا عاليا تعبانه؟ نروح المشفى؟
اعتدلت عاليا وهتفت بهدوء: لا مفيش، حاجه شوية صداع دلوقتي يخف ياله خلينا نمشي انا مش عايزه اروح البيت.
أدار محرك السيارة وانطلق دون كلمه أخرى، وشرد كل منهم مرة أخرى في أفكاره وصراعه الداخلي بين القلب، والعقل.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة