قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية حب افتراضي بقلم دعاء الفيومي الفصل الثالث والعشرون

رواية حب افتراضي بقلم دعاء الفيومي بجميع فصولها

رواية حب افتراضي بقلم دعاء الفيومي الفصل الثالث والعشرون

بعد وقت طويل من السفر، والصمت الذي لم يقطعه طوال الطريق إلا بعض الكلمات البسيطه؛ عندما يريدون الاستراحة أو تناول الطعام فقط؛ كل منهما يحاول الهرب بأفكاره بعيداً عن الآخر،وصلوا إلى الأسكندرية، ومن ثمَ إلى منزل والد بدر.
أوقف السيارة، التفت بدر ينظر لمعذبته التي تغط في النوم بجواره، ابتسم لبراءة ملامحها الهادئه؛ كأنها طفلة تنام بأريحية بجوار مصدر أمانها.

ظل ينظر لها دون أن ينطق أو يحاول إيقاظها؛ تمنى لو يظل هكذا طويلا، حتى شعرت هى بتوقف السيارة، فضمت حاجبيها بخفه ثم حركت أهداها الطويلة عدة مرات، وفتحت عينيها العسلية ببطئ، وجدت عيونه التي تشبه ورقة الشجر في فصل الربيع مسلطة عليها بشرود كمن فقد قدرته على التحكم في عينيه كي يبعدها، وهذا ما حدث لها أيضاً دون شعور منها ظلت تنظر في عينيه مباشرة دون حراك أو كلام.

لم يقطع هذه اللحظه سوا صوت هاتف بدر الذي جعلهم يعودوا إلى واقعهم؛ فأبعد كل منهما نظره بخجل وتوتر.
أجاب بدر على هاتفه بصوت متحشرج يخرجه بصعوبه: احمم السلام عليكم
ايمان بصوت مرتفع: فيه حاجه حوصلت يابدر.
بدر بتعجب: حاجة إيه يا أمي.

إيمان: أصل أنا واقفه في البرنده من زمان نطراكم، ولقيتك جيت ووقفت بالعربية، قلبي هيطير ويقابلكم على السلم بس انتوا عوجتم تحت، بصيت تاني لقيتك منزلتش منيها؛ فقلقت.
ابتسم بدر وهتف بهدوء: معلش يا حبيبتي قلقتك بس مكنتش اعرف انك واقفه بتستني والله، أصل عاليا كانت نايمه مرهقه من طول الطريق ولما وصلنا قولت استنى دقايق يمكن تصحى وحدها، وده اللي حصل فعلاً واحنا خلاص طالعين أهو ثواني.

أنهى المكالمه، ونظر لعاليا وجدها تفتح باب السيارة، وتترجل منها؛ فترجل هو الأخر، وتحرك باتجاه السيارة من الخلف وأخرج حقيبة عاليا، وهتف بابتسامه: الحمد لله على السلامة يا غالية.
ابتسمت عاليا وهتفت: الله يسلمك، قولي يا بدر هو انت قولت دلوقتي ياعاليا، وانا سمعتها غلط.
ابتسم بدر وهتف: لا مسمعتيش غلط انتي سمعتها غالية، وعاليا عندي، غالية فوق ما أي حد يتصور؛ يبقى لما تسمعي أي اسم فيهم عادي متستغربيش لأنهم واحد بالنسبالي.

ابتسمت عاليا وهتفت: عندك حق أنا متأكدة من غلاوتي عندك فعلا متفرقش أي اسم، وكمان انت غالي عندي جداً يا بدر ده شئ مفروغ منه؛ لأننا اخوات.
وقعت كلمتها على سمعه كمن سقط عليه دلو من الماء البارد؛ فقد كان بدأ يتأمل أن مشاعرها تحركت اتجاهه، هذا ما اعتقده من غيرتها، واهتمامها بهروبه منها، حتى من عدم اكتراثها أن تذهب لرؤية كريم كما تعتقد بعد خروجها من المشفى.

قطع ذهوله هذا كلمات أخرى خرجت من عاليا لتثبت له أنه لم يكن مخطئاً فقط؛ بل كان غبياً، حيث أكملت حديثها: شوفت مصطفى بيستأذنك تعمل لكريم الفيلا اللي، هيتجوز فيها، ميعرفش انك أكيد اللي، هتعملها لأنها هتكون ليا.

قالت تلك الكلمات وهى تبتعد بعيونها عنه، ولم تشعر بسعادة إطلاقاً وهى تنطقها؛ لكنها طوال الطريق كانت تفكر في وضعهم، وقررت أنها لن تكون خائنة؛ فهى أوضحت لكريم مشاعرها، وهو يبادلها تلك المشاعر؛ فكيف لها الآن أن تبتعد عنه حتى وإن شعرت بالاختناق حاليا كلما طرأ على تفكيرها؛ فهذا بالتأكيد من أثر الإبتعاد الفترة الماضية؛ كما أنها لن تكون خائنة لبدر؛ بدر الذي يهتم بها منذ صغرهم كيف تتصرف معه هكذا وتعطيه إحساس بحب محكوم عليه بالإعدام؛ لابد أن تضع حداً لحيرتها.

كست علامات الحزن، والانكسار وجه بدر؛ فتحدث بصوت منخفض: اه ان شاء الله.
حمل الحقيبة، وتركها مولياً إياها ظهره متجهاً للمنزل، وصعد الدرج، وهى تبعته بصمت.
شعرت في كل خطوه يخطوها على الدرج وكأن قلبها يتمزق معها، لم تعرف لما كل هذا الشعور بالحزن؛ ألم يكن هذا ما قررته؟!
ألم تعتقد أن هذا الصواب، والأصح للجميع؟
إذن لما هذا الشعور بالاختناق؟!
ماذا بكِ يا عاليا؟!

هكذا كانت تفكر وهى تصعد الدرج حتى وصلوا للشقة، وجدوا ايمان تستقبل بدر بسعادة وتضمه بقوة وهى تهتف: بدر ولدي اتوحشتك ياغالي إكده يابدر تسافر فجأة من غير ما نعرف إكده، وكل ما نكلمك تلفونك مقفول وفييين وفييين على ما طمنتنا لا لا أني زعلانه منيك.
تدخلت الجده: وه عليكي يا إيمان سبيهم يدخلو الأول ونملي عنينا منيهم وبعدين ابقى عاتبي براحتك، وقولي كل الحديت اللي في قلبك.

تركته إيمان ليسلم على جدته وتوجهت لعاليا تحتضنها: كيفك ياعاليا اتوحشتك والله يابنتي.
عاليا بصدق، وهى تشدد من ضمها: وانتي كمان وحشتيني أوي يا طنط.

فتحت الجدة ذراعيها بسعادة وهتفت: عاليا بتي حبيبتي ونور عيني اتوحشتك.
أسرعت عاليا إلى جدتها، وانحنت لتضمها بقوة وبكت بين أحضانها.
الجدة بقلق: ليه بتبكي يابتي فيكي حاجه، عبير، وسالم بخير؟
ابتعدت عنها عليا وجثت أمامها، ومسحت دموعها ثم رسمت ابتسامة على ثغرها لم تصل لمقلتيها، وهتفت: أنا، وعبير، وسالم كلنا بخير ياستي أنا بس كنت مشتاقة لحضنك علشان كده أول ما حسيت بيه دمعت.

كان بدر يقف بجوار والدته يتابع حديثهم فهتف متسائلاً بصوت يبث ما في قلبه من ألم: أمال بابا فين؟
تعجبت إيمان من الحزن الذي يملأ صوت، وعيون ولدها، ثم سرعان ما ربطت بين بكاء عاليا، وحزن ولدها فشعرت بالماء تغلى في عروقها من الغضب؛ فدائماً تكون عاليا سبباً في آلمه.

نظرت له إيمان وهتفت بهدوء: استناكم كتير، ولما عوجتم قال هيروح يقعد مع صاحبه عمك مختار على ما توصلوا، هحدته في التلفون وعقبال ما ياجي أكون حضرت العشا، أني عملالك كل الأكل اللي بتحبه.

بدر بهدوء: لا يا أمي أنا تعبان وعايز أرتاح وكمان مليش نفس أكل؛ أنا هنزل، وهعدي على بابا اسلم عليه، وأروح شقتي، وعاليا هتبقى تفهمكوا اللي حصل معانا بالضبط، واللي كنتوا عايزين تفهموه.

زمت إيمان شفتيها بغضب وسحبت شهيق كبير ثم أخرجته دفعه واحده، وهتفت بحزم شديد لم يعتده منها بدر، ولا حتى عاليا: مفيش نزول، ولا بيات في شقتك، وهتتعشى معانا، أني واقفة طول اليوم بجهز في الوكل اللي بتحبه، واللي ساعدتني ميرفت بت عمك مختار، ربنا يبارك فيها المؤدبة الشاطرة، وعارف عملتلك بيدها الرقاق اللي بتحبه؛ علشان إكده عزمتهم يتعشوا معانا النهارده، حتى خالتك نوال أم ميرفت متوحشااك قوي ونفسها تشوفك.

حاول بدر الاعتراض مرة أخرى؛ لكن قوبل بإصرار والدته على غير عادتها؛ فدائماً تطلب منه البقاء لكن لا تجبره.
استسلم لرغبتها غير قادراً على الجدال أكثر من هذا؛ فيكفيه ما هو فيه من ألم.

شعرت عاليا بالاختناق من كلام إيمان؛ فهى تعلم أن نوال تسعى جاهده منذ زمن كي تحصل على بدر زوجاً لابنتها بغض النظر إن كانت ميرفت تقبله، وتحبه أم لا المهم هو مركز بدر كمهندس، وايضا ما يمتلكه.
تعجبت من هذا الشعور بالاختناق الذي يصاحبها الاونه الأخيرة، فهى صاحبة قرار ان تحدد علاقتها ببدر في إطار الأخوة؛ فلما هذا الحزن يمتلك قلبها الآن؟!

وقفت، واستأذنت لتدخل غرفتها، وعندما دخلت جلست على الفراش تفكر في حالها.
حدثت نفسها قائلة: أنا أكيد الخنقه دي بسبب بعدي عن كريم فترة كبيرة، أيوه أكيد الحرب اللي جوايا والذبذبة في مشاعري سببها البعد، وقفت مسرعه، وفتحت حقيبتها، وأخرجت منها دفتر الرسم الخاص بها، وجلست على مكتبها، فتحت الدفتر، وظلت تنظر لرسمات كريم، وتقرأ ما كتبته عليها، لفت نظرها أنها كانت تذكر بدر في كل مرة تكتب فيها؛ فهى لم تكن تقرأ ما تكتبه مرة ثانيه، كانت تكتب ما بقلبها فقط، دون النظر عليه.

أمسكت قلمها، وفتحت صفحة بيضاء في دفترها وقررت رسم صورة جديدة ل كريم علها تستريح من التفكير.
بعد فتره من الشرود، وهى ترسم الصورة، تركت القلم من يدها ورفعت الدفتر أمام عينيها التي اتسعت حينما وجدت أنها رسمت بدر بكل تفاصيله، عوضاً ٦ن كريم.
كيف، ولماذا؟! لا تعرف هذا ما حدث وفقط.

وضعت الدفتر بارهاق جسدي، وذهني وحركت يدها فسقطت بعض الروايات المتراصه على سطح المكتب؛ فانحنت لتجمعهم، وعندما أمسكت رواية بعنوان (امتلكت قلبي) تذكرت يوم أن أحضرها بدر لها كهدية لتفوقها في اختبارات المرحلة الثانوية، ابتسمت عندما تذكرت سعادتها بتلك الرواية حينذاك، أخذتها واتجهت نحو الفراش وتسطحت عليه، وبدأت في الاطلاع عليها، وجدت بيت صفحاتها ورقة مثنية.
فتحت تلك الورقة وشرعت بقراءة ما بها؛ ففزعت من استرخائها، وجلست محملقة في تلك السطور التي بين يديها.

دار بعقلها صراع على الفور.
نعم إنها هى؛ نفس القصيدة التي أسمعني إياها كريم وهو يقف أمامي في النافذة
كيف هذا؟! من أتى بها بين أغراضي؟! ولماذا في هذه الروا...
عقدت حاجبيها، وتسارعت أنفاسها عندما تذكرت، أن تلك القصيدة من تأليف بدر.

نهضت مسرعة دون تفكير، وخرجت تنادي بدر، فأجابتها جدتها بتعجب: عاليا بتنادي على بدر ليه يابنتي حوصل حاجه.
عاليا بعجالة: لا ولا حاجة يا ستي بس هو فين.
الجدة بهدوء: هو مع ايمان في أوضتها، ادخلي غيري خلجات السفر اللي انتي لسه بيها دي، عقبال ما يخرج من عنديها.

هزت رأسها، وتوجهت مرة أخرى لغرفتها؛ أبدلت ملابسها وعقلها شارد يفكر كيف ل قصيدة كتبها بدر، وأهداها إياها أن يقولها كريم، وكيف لها من الأساس أن تنسى تلك الهدية، وأنها من بدر، أم هى من أرادت أن تنساها.

في غرفة إيمان.
تقصدي إيه يا أمي بقصيدة الغزل اللي عماله تقوليها عن ميرفت من وقت ما رجعت، لعند اللحظه دي أنا مالي ومال إنها شاطرة، وجميلة، ومؤدبة، ومتعلمة، وكمان بتشتغل مدرسة هو انا هتجوزها.

قال بدر كلماته تلك بتعجب من حديث والدته في وصف ابنة صديق والده، لكن سرعان ما فهم ما ترمي إليه تلك الوالدة التي لا تهتم بشئ أكثر من أمنيتها بتزوجه، رغم أنها تعلم بأن شكله عائق ولن تقبل به واحدة، حتى من أهداها جم حبه، واهتمامه، ومشاعره، قابلت هذا بجفاء، ورفض للحب بسبب شكله.
إيمان بحزم: أيوه هتتجوزها، وامها موافقة، وبتتمنى من الصبح، ما انا مش هسيبك تضيع عمرك قصاد واحدة مش مقدراك، وهى سبب وجعك.

بدر بهدوء: سيبك من عاليا خالص في كلامنا يا أمي
بس انتي بتقولي امها موافقه، طيب وهى؟ وكمان أنا؟
يعني انتوا قررتوا بالنيابة عننا لأننا أطفال مثلاً؟!

إيمان بنفس الحزم: لا لأننا شايفين مصلحتكم، ولأن لو مسمعتش كلامي وريحتني يابدر؛ لا هتكون ولدي، ولا عايزة اعرفك،مش لأنك عيل زي ما بتقول لا ده انت سيد الرجالة كلماتها، بس لأني بحبك، وبحلم باليوم اللي أشوفك فيه مرتاح مع حرمة تقدرك، وترعاك أنا ياولدي مهعيشش ليك طول عمرك.

رفع حاجبيه بتعجب من تهديد والدته.
ألهذا الحد وصل تمنيها بزواجه أن تهدده بغضبها عليه.
فكر للحظات؛ فوجد أنه لا داعي للجدال في الوقت الحالي؛ فما يشغله الأن هو مواجهة عاليا مع كريم، وكيف ستسطيع تخطي هذه الصدمة؟ وهل هى بالفعل تحبه لدرجة أنها رفضت خبر وفاته، أم أن حديث ليلى عن تجسيد شخصيته في صورة كريم كان حقيقي؟!

قرر أن يريح والدته ببعض الكلمات التي لا تدل على قرار.
نظر لها بحب، وأمسك كفيها وقبلهم، وهتف بهدوء: بعد الشر عليكي ياست الكل، وحبيبة قلبي.
شوفي أنا من غير تهديدك اللي زعلني شوية ده مقدرش ازعلك، ولا أرفضلك طلب، وحاضر هريحك بس اديني فرصة كام يوم بس، فيه حاجه شغلاني وبعدها هنتكلم ونشوف الصح ونعمله ماشي؟

تهللت أساريرها واتسعت ابتسامتها، وهتفت بتساؤل: صحيح يا ولدي كام يوم بس، وهتنفذ اللي اقولك عليه ؟
بدر بابتسامة: كام يوم ونتناقش في الموضوع وصدقيني ان شاء الله هتكوني راضية عني بس من هنا ليومها اتمنى متفتحيش الكلام ده تاني لا معايا، ولا مع عاليا.
زمت شفتها، ثم هتفت بضيق: تاني خايف على عاليا من الحديت، وهى ايه يضايقها مش هي رفضاك، وبتقول اخوها؛ يبقى المفروض تفرحلك، وتتمنالك الخير.

أغمض عينيه، وتنهد يحاول أن يفكر في كلمات تقنعها بما يريد، ثم فتحهم، وهتف: أكيد يا أمي هتفرحلي لو فعلا حصل حاجة، بس بلاش اليومين دول هي اصلا عندها امتحانات، ومريت بظروف صعبة اليومين اللي فاتوا أثروا على نفسيتها.
عقدت حاجبيها بتعجب، وهتفت: ظروف إيه دي، تقصد تعب سالم يعني، وايه يعني مش بقى زين؟!
بدر بهدوء: لا تعب سالم ده مكنش تعب دي كانت إصابة وهو بينقذ عاليا وعبير، وملك وهما مخطوفين، فهمتي بقى.

ضربت صدرها بقوة وقالت: مخطوفين! يا مصيبتي، وتخبوا علينا إكده يابدر، طيب والبنات اتأذوا أو حد قرب من...
قاطعها بدر بحدة، وهو يقف، وهتف بعيون غاضبة: محدش يجرأ، عاليا زي الفل، والبنات كمان.
أمسكت يده تجذبه ليجلس، وقالت بهدوء: خلاص يا ولدي اقعد أني بس اتخضيت، ومن حقي اطمن، ألف حمد وشكر لله إنهم بخير، ورجعوا بالسلامة.

مسح على وجهه يحاول أن يهدأ، وهتف: اطمني كلهم بخير يا أمي، بس ياريت متقوليش لستي، ولا لبابا ملوش لزوم موضوع وعدى على خير الحمد لله.
هزت رأسها بنعم فتابع بدرحديثه: بعد إذنك محتاج أشم شوية هوا، هقف في البرندة لعند ما بابا، وعمي مختار يوصلوا.
وقفت إيمان وهتفت بابتسامه وهى تربت على كتفه: ماشي يا حبيبي، وأني هروح اخلص اللي ورايا.

خرج من الغرفه وجد عاليا تجلس على أريكة تنظر لورقه بيدها، ويبدوا أنها شاردة الذهن.
لم يعيرها اهتمام، واتجه نحو الشرفه ليستنشق بعض الهواء عله يساعده على التخلص من الاختناق المتملك من قلبه.
دق باب المنزل فعادت عاليا من شرودها، ورأت بدر في الشرفه فوقفت مسرعة، وقبل أن تتبعه قالت لها جدتها: افتحي الباب يا عاليا.
لكن عاليا تحركت نحو الشرفة، ونظراتها مثبتة على الواقف بها، وكأنها لم تستمع كلمات جدتها؛ فهى في ذلك الوقت ذهنها مشتت ولا تعلم أين هو الطريق؟

عقدت الجدة حاجبيها بتعجب من تصرف عاليا؛ لكنها تفادته، وهتفت بصوت مرتفع: يا إيمان تعالي افتحي يابتي الباب.
خرجت إيمان من المطبخ الذي عادت إليه بعد حديثها مع بدر وهى في قمة السعادة؛ فقد أعطاها الأمل أنه سيريح قلبها ويحقق حلمها بأن تراه مستقر في حياته.
كان بيدها منشفه صغيرة تجفف بها يدها؛ وهتفت: حاضر ياما جاية أهو امال عاليا ولا بدر مفتحوش ليه؟
نهايته هفتح انا وخلاص.

تركت المنشفة من يدها، وفتحت باب المنزل، وزينت شفتيها ابتسامه واسعة، وهى تستقبل ضيوفها: أهلاً وسهلاً يامرحب بالغوالي .
اتفضلي يا ام ميرفت، تعالي ياميرفت يا قمر نورتونا والله.
ابتسمت والدة ميرفت وهى تدلف للداخل، وتناول إيمان بعض الحلويات التي صنعتها ميرفت على حد قولها فرحاً بذلك التجمع المحبب لقلوبهم: البيت منور بأصحابه يا حبيبتي.

قالتها وهى تحتضنها بكل حب، وود، ثم توجهت لتسلم على الجدة.
إيمان بابتسامه: اتفضلوا أبو بدر والحاج مختار مع بعض وزمناتهم على وصول، وبدر هيستقبلهم أول ما يوصلوا البيت بيتكم، هروح أشوف عاليا تاجي تسلم عليكم.
في الشرفة نظر بدر للورقة التي تمدها له عاليا ببرود ظاهري فقط وهتف بعدم اكتراث: إيه دي؟!

عاليا بصوت مهتز ويبث حيرة: افتحها يابدر لو سمحت.
تناولها من بين يديها، وما أن فتحها، ووقعت عيونه على المخطوط بها؛ خفق قلبه، فتلك الكلمات هى تجسيد ل مشاعره التي حاول مراراً وتكراراً أن يظهرها لمن امتلكت قلبه.

حرك أهدابه عدة مرات، وهز رأسه بعدم فهم لما تريه هذه القصيدة الأن؟!
نظر لها وهتف متعجباً: ليه بتوريني الشعر ده دلوقتي مش فاهم؟!
قاطعهم صوت إيمان: عاليا الضيوف إهنه وانتي لساتك واقفة ترغي مع بدر تعالي سلمي عليهم، عقبال ما أجهز الوكل، وانت يابدر لما يوصل عمك مختار مع أبوك استقبلهم.

بدر بهدوء: حاضر يا أمي بس دقايق وعاليا هتحصلك.
تركتهم ورحلت وهى تهتف: ماشي متعوجوش أصل ميصوحش إكده.
نظر لعاليا مرة أخرى منتظر ردها.
هتفت بصوت مختنق: أنا مش عارفه يا بدر ايه اللي حصل ده، هو انت تعرف كريم شخصياً، عمرك قولت قدامه شعر، اساسا عمرك قابلته.

عقد حاجبيه بعدم فهم لما ترمي إليه، ثم سرعان ما توتر أن تكون علمت بمقابلته لكريم وعلمت الحقيقة، خشى عليها من الصدمة، فهتف بصوت مهزوز: لا وهشوفه فين ده؟!
نظرت له بعيون تائهة وقالت: أمال ازاي قالي ان هوايته الشعر، فرحت ان هوايته زيك، ولما قولتله يسمعني حاجه قالي القصيدة دي إزاي مش فاهمه انا هتجن من وقت ما شوفتها، أنا حتى لما سمعتها منه حسيت إني عرفاها بس مفتكرتش وقتها فين، وازاي.

توتر بدر وعلم أن وقت الحقيقة اقترب للغاية، خفق قلبه دون إرادته خوفاً عليها؛ فحتى وإن لم تكن له فستظل معشوقته التي يخشى عليها من نسمات الهواء؛ فماذا إن كانت صدمة كهذه؟!
عاليا بتعجب: هو انت سكت وحسيت وشك اتغير ليه فيه حاجه؟
بدر بهدوء مصطنع: لا ولا حاجه بس مستغرب اللي حصل، طيب يمكن خدتيها معاكي الكلية، ووقعت منك وشافها مثلا او أي حاجه.

قال هذا المبرر الواهي محاولا الافلات من براثن قلقه؛ لكن هيهات فنظرة الحيرة في عيونها مكنت أمواج القلق من إغراقه.
هزت رأسها بنعم رغم عدم اقتناعها، وهتفت: يمكن.
عزمت على مقابلة كريم في اليوم التالي وسؤاله كي تتخلص من حيرتها.
استمعوا صوت إيمان يناديهم: بدر يا ولدي تعالى استقبل عمك مختار مع أبوك بيخبطوا على الباب.

خرج بدر، وتبعته عاليا، ودلفت مرحبه بهدوء ب ميرفت والدتها، اتجه بدر ليستقبل والده.
بعد تناول طعام العشاء جلسوا جميعاً، وكانت ميرفت يبدو على وجهها الحزن منذ أن حضرت حتى أن عاليا التفتت لذلك وتعجبت.
تحدث كامل لمختار بضحك: تحب نلعب عشرة طاولة في البلكونة زي زمان واغلبك

مختار بنفي: تغلبني ده إيه لاااا المكسب ليا النهاردة يا اخويا.
ضحك كامل، ونهض وهتف موجها حديثه لايمان: هتيلنا الضيافه في البرنده يا أم بدر.
إيمان بابتسامة: من عيوني حاضر.
وقف بدر ليتبعهم، فأسرعت ايمان: على فين ياولدي خالتك نوال مشتقالك، وهى طول عمرها بتحبك كيف ولدها يعني مش غرب.

نوال بتأكيد: ايوه والله يا بدر يابني، بالله عليك خليك قاعد معانا شوية.
أغمض عيونه بضيق؛ لكنه لم يريد احراجهم؛ فهم بالفعل كعائلة واحدة.
نظرت ايمان بابتسامه لميرفت، لكنها لاحظت حزنها فتعجبت، وهتفت: يوه مالك يا ميرفت يابتي شكلك زعلان ليه إكده؟!

لكزه خفيفه من والدة ميرفت لها، وهتفت بدلا من ابنتها: لا ازاي بقى زعلانه ايه، دي كانت فرحانه طول اليوم اننا جاين اهنه، وأن عاليا، والبشمهندس بدر رجعوا بالسلامة، وفضلت تجهز في الحلويات بعد ما رجعت من عنديكي بس تلاقيها مكسوفه هبابه ولا حاجه.

ضحكت إيمان، وربتت على قدم ميرفت، وهتفت بابتسامة: طول عمرك كسوفه يا ميرفت يا حبيبتي، ومؤدبة، وشاطرة كومان، بس انتي اهنه وسط أهلك، واني زي أمك متتكسفيش، امال بقى لما تبقي عروسة زي القمر إكده هتعملي إيه، وإن شاء الله هيبقى قريب.

تهللت أسارير نوال بتلميح إيمان؛ فهى تعلم رغبة إيمان في طلب يد ميرفت؛ فهم دائماً يتحدثون سوياً في كل الأمور كعادة كل سيدات مجتمعنا.
هتفت نوال بسعادة: يارب يسمع منيكي يا خيتي، نفسي افرح بيها ويكون شاب محترم، وأخلاق وتكون حماتها طيبه متتخيرش عنيكي إكده.
نظرت ايمان لبدر فوجدت علامات الضيق تبدوا على وجهه من تلميحها؛ فهو طلب منها ان تمهله بضعة أيام، وهو لا يحب أن يضعه أحد أمام الأمر الواقع.

توترت قليلا فهى لا تريد إغضابه، أو أن تتسبب في ضيقه؛ فهتفت مبتسمه، وباقتضاب: ان شاء الله حبيبتي.

نظر بدر لعاليا وجد وجهها يشتعل باللون الأحمر، لم يعلم
هل هى غاضبة أو حزينة من تلميح والدته؟
أم أن ذهناها ليس هنا من الأساس، ويشرد بتفكير مع وهمها؟
تذكر كلمات ليلى بأنه لابد لعاليا ان تشعر بأن بدر ليس ملكية خاصة بها، ووجوده محال لن يرحل، لابد لها بأن تشعر أن له حياته الخاصة، وانها لن تظل محور اهتمامه، فقرر امساك العصاة من المنتصف
لن يعشم ميرفت بشئ خاصة بعد ما شعر به من حزنها، وفي نفس الوقت سيتحدث معها باهتمام اخوي ستفسره عاليا اهتما آخر.

نظر بدر لوالدته، وهتف: هاتيلي طبق كنافه من اللي عملاه أنسة ميرفت كده يا أمي، بصراحة حلو جداً، مش غريبة عليكي أبداً انك تتخصصي اقتصاد منزلي يا ميرفت، برافوا بجد اختاري مجال دراسة مناسب لموهبتك.
ابتسمت ميرفت باقتضاب دون رد.

نظرت له عاليا بطرف عينها، ولم تعلق لكنه لاحظ انها تعتصر يدها ببعض بقوة.
ابتسم بداخله لذلك، واكمل حديثه: وعلى كده مبسوطه في شغلك، ولا حد بيضايقك في المدرسة، لو كده عرفيني أنا ليا معارف، وأصحاب في الوزارة، واقدر اساعدك في أي حاجه احنا طول عمرنا أهل.
ابتسمت نصف ابتسامه، وهتفت: متشكرة يابدر، عارفه انك قدها، بس انا الحمد لله كويسة، ومرتاحة جدا في شغلي.

تحدثت نوال بفخر: ميرفت بنتي بسم الله ما شاء الله عليها اتوظفت بسرعه لأنها من العشرة الأوائل على كليتها، وكل اللي في مدرستها بيحبوها لأخلاقها، وأدبها، وشطرتها في شغلها كمان. ودلوقتي بتذاكر الدرسات العاليه اللي بتقولوا عليها دي.

بدر بابتسامة مجاملة: أكيد طبعاً كلامك صح ميرفت طول عمرها متفوقة، وقدرت تحقق هدفها بأنها تكون مدرسة، وبجد فرحت انك بتكملي كمان مذاكرة برافوا عليكي بجد.

وقفت عاليا وتحدثت بصوت مهزوز يشوبه غضب هى نفسها لا تعلم سببه: بعد إذنكم يا جماعة تعبانه جداً من السفر وحاسه بصداع جامد، هدخل أرتاح شويه أنا متأسفه لأني عارفه المفروض أقعد معاكم بس الخير والبركة في طنط إيمان، وبدر.
قالت اسم بدر وهى تنظر له بطرف عينها، وتجز على أسنانها.

قبل أن تتحدث إيمان سبقها بدر وتحدث بابتسامه بارده بعض الشئ: اه طبعا من حقك يا عاليا اتفضلي انتي متشليش هم احنا موجودين.
فرغ فاها من الصدمة بسبب طريقة كلامه الباردة؛ قاطعت ايمان صدمتها هاتفه: ماشي يا حبيبتي ادخلي ارتاحي انتي انا عارفه انك تعبانه.
سلمت على الجالسين، ورحلت مسرعه متجهه لغرفته، واغلقت الباب خلفها، ورعان ما ارتمت على فراشها باكيه؛ كأنها تخرج كل حيرتها في هذه الدموع

وقف بدر هو الأخر؛ فهو يشعر بالضيق من نفسه لكنه يحاول بكل الطرق إفاقة حبيبته من وهمها وهتف: بعد اذنكم هشوف بابا وعم مختار اقعد معاهم شويه وانتوا خدوا راحتكم.

يجلس في غرفته في ذلك المبنى الذي ذهب إليه مقيد ثم بعد فترة حصل على حريته إثر تنازل صديق والده عن حقه في عقابه؛ أيضاً ذهب لهذا المبنى وهو محطم، وكارهاً لذاته؛ لكن بعد فترة تحسن بكل معنى الكلمة؛ فقد أصبح لديه حافز على ذلك، هناك من تهتم لأمره وتحبه رغم ما يمر به، ورغم ما كان عليه قبل ذلك.
اتجه نحو النافذه التي تتوسط غرفته، نظر للسماء وجدها صافيه، ونجومها البراقة تخطف الأنظار والقمر يتوسطهم وكأنه ملك وسط حاشيته.

ابتسم بتعجب ووجه حديثه للقمر وكأنه شخص ما أمامه: معقول أنا أوصل لمرحلة اني افكر أعد النجوم، وأفضل ابص ليك وكأني بتخيل وشها فيك؟!
طيب ليه هو إيه بيحصلي؟ معقول اكون اتجنيت ولا أثر المخدرات لسه مرحش من عقلي؟
أنا حازم اللي عمر ما واحده شغلتني، وبس كنت اشاور على واحده تكون ملكي، أفضل افكر في واحدة مشوفتهاش؟!

سمع دق على باب غرقته، ودلف منه الطبيب المعالج له.
الطبيب بهدوء: ازيك يا حازم.
حازم بجمود: كويس.
هز الطبيب رأسه بتفهم لمزاجه المتقلب، وهتف: الممرضة قالت انك رفضت تتعشى وكمان مخدتش العلاج ممكن اعرف ليه؟
احنا خلاص يا حازم قربنا ننهي اللي بدأنا ياريت متأخرناش انت ده لو حابب تخرج من هنا.

تنهد حازم وتحدث بيأس: اخرج لمين وليه؟
والدي، ووالدتي خلاص ماتوا، أصحابي اللي كنت فاكرهم أجدع أصحاب طلعوا أندل ناس، وأهلي واتخلوا عني خوفا على سمعتهم وكمان علشان اكتشفوا انهم مش هيطولوا من حواليا ولا مليم لأن خلاص كل الفلوس مبقتش معايا، وحاليا تحت وصاية عمي عزيز وكأني طفل.

رفع الطبيب حاجبه بتعجب وهتف: بس دي مكنتش حالتك امبارح، كنت بتتمشى في الحديقة، وفطرت وكمان خدت علاجك، واللي فرحني لقيتك بدأت تمسك كتبك بتاعت الكليه وتقرأ فيها، ممكن افهم ايه حصل؟
أبعد حازم نظره عن الطبيب، ونظر مرة أخرى للسماء وهتف باقتضاب: ولا حاجه.

نظر الطبيب حوله لم يجد باقة الورد المعتادة يومياً؛ ففهم ما سبب ضيقه، وكأنه شعر بأن سبب مجاهدته للعلاج سيتلاشى، أو سيفقده.
اقترب منه وقف بجانبه ووضع يده على كتفه، ونظر معه للسماء، وهتف بهدوء: تتعالج وتخرج علشان نفسك، انت انسان فطرتك كويسه بس اللي كنت بتسميه صحاب كانوا شياطين جروك لعالم انت مش منه، بس علشان لسه جواك نور ربنا بعتلك اللي ينقذك، يبقى متسبش نفسك للضياع.

انت لازم تثبت نفسك لنفسك، وكل حاجه ضاعت ممكن تتعوض والدك، ووالدتك تقدر تصلهم بإنك تحقق أمنياتهم فيك، وتكون على الصورة اللي اتمنوها، تقدر تكون أصحاب جداد يساعدوك في طريقك الصح، يرفعوك مش يبقوا سبب هلاكك، أهلك كلهم بلا استثناء هيفتخروا بيك لما تثبت ذاتك، وعلى حد علمي من حكايتك انك عندك رأس المال اللي هو زي وديعة عند عزيز بيه، مش ممكن الراجل اللي بيهتم بيك، وبصحتك بالطريقه دي يكون طمعان في فلوسك، والا كان سابك وقال وانا مالي، يتسجن وانا أخد الفلوس أهي كلها معاه.

حتى كليتك لو ضاعت السنه دي ومقدرتش تمتحن، قدامك لسه فرصه السنه الجايه، أنا واثق انك مش هتكون زي السنة دي، وأخيراً صاحبة الورد مسيرك هتلاقيها سواء هي بذاتها أو غيرها وهتكون وقتها دافع تكمل باقي عمرك صح.
استدار له حازم وتحدث بنبرة فيها أمل: تفتكر كل اللي قولته ده ممكن اعمله، حتى بعد ما ظلمت كتير.

الطبيب بابتسامة: ربنا غفور رحيم، ولو ظلمت حد وتقدر ترد ظلمك عنه بعد ما تخرج هيكون كويس جداً، ولو متقدرش يبقى تستغفر كتير وان شاء الله كل حاجه هتبقى كويسه.
ابتسم حازم لطبيبه، وهتف: انا متشكر بكل معنى الكلمة، انت مش دكتور انت أخ بجد ده لو تقبل يعني، أنا لو كنت قابلت صديق زيك مكنش ده بقى حالي.

بادله الطبيب ابتسامته وهتف ممازحاً: لا مش هقبل.
نظر له حازم وقبل أن ينطق هتف بابتسامة: ده يا دكتور حازم يشرفني، واحنا مش هنكون أصدقاء بس لا هنكون اخوات يا سيدي. ها ياله انا ميت من الجوع وعايز النهارده اشاركك في العشا علشان يكون عيش وكفته ممكن؟
هز رأسه بنعم وهتف بابتسامه واسعه: اكيد طبعا مدام فيها كفته دي من اول ما جيت هنا مكلتهاش.

بعد فترة أنهوا طعامهم، وتناول حازم أدويته، تركه الطبيب وغادر، اتجه لفراشه وتسطح عليه تاركاً، ثم مد يده أسفل الوسادة، وأخرج عدة أوراق لها رائحة جذابة، ومزينه ببعض الرسومات التي تدل على رقة من أرسلهم، قربهم من أنفه، وظل يستنشق رائحتهم الساحرة؛ ثم وضعهم بجانبه بترتيب وصولهم وتناول واحدة تلو الأخرى يقرأ ما بهم.

ابتسم وهو يقرأ كلمات الورقة الأولى.

(الحمد لله إنك بدأت تتحسن؛ مستغرب إني بقولك كده؟
لا متستغربش الرسالة دي بكتبها مكررة بكل حرف فيها من أول ما بدأت أبعتلك الورد، وقررت إني مكتبش غيرها غير لما تقرأها، وكل مرة كنت بتقطع فيها الورد والرسالة؛ كان بيذيد إصراري إني أخليك تقرأها، ومعنى انها بين ايديك النهارده يبقى أنا كسبت الرهان.
نيجي بقى لمين أنا؟ السؤال اللي هيحيرك.

أنا واحدة أعرفك من زمااان أوي بس عمرنا ما كنا قريبين من بعض، كنت بشوفك من بعيد وأحس إنك مخلوق علشاني، بس انت حتى و ان كانت عنيك بتشوفني إلا إنك عمرك ما شوفتني.
عارفة إنك أكيد مستغرب تاني وبتقول عني جريئةصح؟!
بس تعرف هقولك الحقيقة أنا ولا جريئة، ولا نيلة؛ كل ما في الموضوع إني حسيت بأنك محتاجلي، ومتسألش إزاي حسيت بكده لأني أنا نفسي معرفش، ولأني معنديش الجرأة أقرب منك وأنا معرفش رد فعلك حبيت أكتب لك الرسايل دي، وابعتها مع أكتر حاجة بحبها في حياتي (الورد)؛ الورد هو حياتي، وشغلي، وصديقي الوفي..

ياله كفاية عليك كدة تعريف عن نفسي، بتمنى انك تتحسن بسرعة، وترجع أحسن من أيام ثانوي كمان، ترجع حازم المحبوب من الكل.).
انتهى من قراءة تلك الرساله، وقربها من أنفه يستنشق رائحتها الرائعة، رائحة مثل خليط من الزهور.
أغمض عيناه، واتسعت ابتسامته، وهو يحاول رسم ملامح لتلك الغامضة في خياله.

فتح عيونه مرة أخرى، وأخذ يقرأ جميع رسائله بلا ملل، حتى وصل لأخر رسالة، وتذكر حاله وهو يقرأها وقت وصولها؛ فقد كان مجهداً، وفاقداً لشهيته؛ لكن عندما استلم تلك الرسالة وقرأ ما بها تبدل حاله

(صباح الخير.
النهاردة أنا زعلانة منك جداً، وشكلك مبقتش عايز مني ورد ولا رسايل.
عقد حاجبيه ودق قلبه؛ فهو اعتاد بالفعل على وجودها معه، وإن كانت بكلماتها فقط.

أكمل قرأة
لو زعلت من كلامي ده، وفعلا عايزنى مقطعش الورد اللي بيربطني بيك، لازم تثبتلي ده.
طبعاً هتسأل ازاي. هقولك.
سمعت إنك مش عايز تاكل، وكل شوية تقول ملكش نفس، وده طبعاً غلط على صحتك لازم تاكل كويس، وبعدين ليه مبتخرجش للحديقة تغير جو وتشم هوا نضيف من الورد، وحاجة أخيرة لو فعلاً يهمك إنك تعرفني لازم تخف، وترجع زي ما كنت دايماً بشوفك قبل ما يحصل ده، يعني لازم تاخد علاجك، وتمارس رياضة.

أخبارك كلها بتوصلي، أتمنى متخذلنيش،وأنا أوعدك إن اول ما تخرج من عندك هتشوفي، وتعرفني، وهأكلك أخر اختراعاتي في الطبخ.
أعرف إنك بتحب المكرونة بالبشاميل، بس من ايدي هتعشقها مش بس هتحبها.)

تذكر حين قرأ تلك الرسالة أغلقها، وأسرع يطلب الممرضة، وطلب منها إحضار الطعام له، وتناوله بشهية مفتوحة، وخرج يسير بين زهور الحديقة، وتناول أدويته أيضاً في استسلام تام؛ كي لا تقطع عنه زهورها التي أصبحت محببه لقلبه.
عاد من شروده وأغلق الرسائل، ووضعها أسفل الوسادة مرة أخرى، وتحدث مع نفسه بصوت مرتفع
ياترى يا بائعة الورد فين وردك النهاردة، مليتي مني، ولا فيكي حاجه، يارب تكوني بخير.

استسلم للنوم، وغاص في عالم أحلامه كي يتخيلها، ويراها مثل كل ليلة.
فتاة ملامح وجهها مبهمة، وترتدي فستان أبيض مزين بالزهور حمراء اللون، ويزين شعرها تاج من الزهور البيضاء، والحمراء معاً، وتمد له يدها كي يذهب إليها.

فجأة تسلل لأنفه رائحة جذابة؛ جعلت حواسه تستعيد حياتها، واستيقظ دون أن يفتح عينيه فقط حرك أجفانه، وهى مغمضة، واستنشق بقوة، نعم هى رائحتها؛ رائحة الرسائل.
هل تسللت من أسفل الوسادة، أم أن صاحبتها هنا؟!
دق قلبه قبل أن يفتح عيناه بسرعة، وهو يتنفس بسرعه؛ لكنه رأى صبي من الخلف يخرج مسرعاً من الغرفه؛ فنادى عليه لكن لم يجد إجابه، أسرع خلفه؛ ولكنه أيضاً فشل في الإمساك به، واختفى داخل المصحة من الداخل، ولم يعد يعلم أين ذهب.
عاد لغرفته متعجباً مما حدث.

من هذا الصبي؟!
لماذا هرب عندما أردت أن أعرف هويته؟
هل من الممكن أن يكون هذا هو من يأتي بالورد، ويتمثل في صورة فتاة أثناء كتابته للرسائل؟!
أخذ نفس كبير، وحبسه لثوان ثم أخرجه بحده بسبب ضيقه.
عندما دخل الغرفه، أغلق الباب خلفه، واتسعت عيناه عندما نظر على الكومود الموضوع بجانب فراشه، فاقترب مسرعاً، وحملها بيده بتعجب.
ياترى عاليا هتفهم غيرتها وتفسرها صح؟

ايه ممكن يحصلها لما تشوف كريم وتكتشف انها كانت في وهم؟
مين اللي أثرت في حازم كده وأثرت عليه وساعدت في شفاؤه؟
تفتكروا حازم هيقدر يشيل الغبار من على قلبه، ويرجع لمعدنه الأصيل، ويستغل فرصة ان ربنا بيديله فرصة تانية؟
منتظرة أرائكم في الحلقة حبايبي، وياريت لو بتحبوني بلاش ملصقات بدون إبداء الرأي.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة