قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية حب افتراضي بقلم دعاء الفيومي الفصل الثامن عشر

رواية حب افتراضي بقلم دعاء الفيومي بجميع فصولها

رواية حب افتراضي بقلم دعاء الفيومي الفصل الثامن عشر

تقف في ممر المشفى، أمام غرفة وردة تتلفت يميناً، ويساراً تتمنى أن لا يأتي أحد قبل إنهاء مهمتها؛ فهذه المهمة إن نجحت في تنفيذها؛ ستكون بمثابة باب الثراء المنتظر، وتستريح من هذا العمل الشاق، كما أن من أوكل لها المهمة وعدها بالخلاص، ومساعدتها على الهروب خارج مصر فور التنفيذ.

هكذا تخيلت، أن تقتل نفساً بريئة لا يحرك في قلبها ساكناً، فقد أعمى الطمع بصيرتها.
دلفت الغرفة، وهى تدفع أمامها منضدة معدنية صغيرة عليها بعض الإبر، والأدوية المعتادة تخص الوردة التي تحارب لتستعيد الحياة، وتزهر مرة أخرى؛ إلا أن هناك من يخططون لإقتطافها بكل قسوة.

اقتربت منها ونظرت لها وجدتها تغط في ثبات عميق إثر جرعة من المنوم أعطاتها لها صباح هذا اليوم.
قالت لها تحدثها بصوت هامس، وكأنها تسمعها: والله انتي خسارة تموتي بالطريقة دي يا قمر انتي، بس الحوجه مره ياخيتي والحالة بقيت ضنك، والقرشينات دي هتساعدني أقب بقى على وش الدنيا، وأشم نفسي.

تذكرت فجأة أن ليس معها وقت، فأخرجت من جيب الزي الذي ترتديه، وأخرجت إمبول صغير، سام وجهزت إبرة سريعا، واقتربت أكثر بخطى مرتعشه بعض الشئ، وكادت أن تضعها في المحلول الموصل بيد وردة إلا أن باب الغرفة فُتح ودلف الطبيب المعالج منه؛ فارتبكت، وارتعشت يدها قسقطت الإبرة منها أرضاً، فانحنت سريعاً وأخذتها.
لاحظ الطبيب توترها عندما دخل فهتف متعجباً: مالك يا سوسن، وشك جاب ألوان ليه.

حاولت إخفاء يدها في ملابسها من الجانب، وتحدثت بصوت مرتعش: ولا حاجه يا دكتور أنا كنت أااا جايه أصل علشان أه علشان أشوف المحلول خلص ولا لأ.
ذاد تعجب الطبيب، واقترب منها؛ فرجعت خطوة للخلف بتوتر.
نظر لوردة، وأمسك كف يدها يقيس لها النبض، وهتف هو: مش عارف المريضة دي إزاي مفاقتش لدلوقتي، كل وظايفها كويسة جداً، والدكتور النفسي اللي بيعالجها بيقول إنها المفروض تبدأ تفوق، علشان يكمل علاج معاها.
عندما لم يجد رد من الممرضة نظر لها وجدها تتصبب عرقاً، ووجهها شاحب، وشاردة فهتف بصوت عال نسبياً: مالك يابنتي انتي مش بكلمك؟!

انتفضت وقالت مسرعة: أسفه يادكتور شردت شوي.
نظر ليدها التي تكاد تدخلها في جسدها لا في ملابسها فقط وقال: وريني ايدك فيها إيه.
قالت مسرعة: مفيهاش حاجة واصل ده هي بتوجعني شويه.

اقترب منها بعد أن ذاد شكه فيها وأمسك يدها، وجذبها؛ فوجدها مطبقة على إبرة ضيق عينيه، وسألها: إيه الحقنة دي؟ فين الإمبول بتاعها انطقي؟
ارتمت تحت قدمه، وقالت بتوسل بعد أن انهارت حصونها: أبوس رجلك يا دكتور سامحني، ومتبلغش عني معرفهاش ازاي الشيطان وزني وكنت هعمل إكده.
أبعد قدمه عنها، وانحنى جذبها من حجابها وهتف بغضب: فين الإمبول انطقي كنتي هتعملي ايه هتقتليها، ولا إيه؟

تألمت من قبضته، ورفعت يدها برعشة ودستها في جيبها، وأخرجت الإمبول المكسور، وعندما أخذه منها الطبيب صدم وهتف: انتي يا حيوانة المفروض ملاك رحمة، بتستأمنك على المرضى تقومي تتجردي من الرحمة نهائي، وكنتي هتقتليها لولا إني دخلت في الوقت المناسب.
أخرج هاتفه وهو ما زال ممسكاً بها، وهاتف سالم الذي عندما علم ما حدث أمره بالتحفظ عليها لحين وصوله.

أغلق الطبيب الهاتف، وطلب أمن المشفى وأمرهم بالتحفظ عليها، نظر لوردة بحزن وقال: عملتي ايه ياترى علشان عايزين يقتلوكي كل شوية بالوحشية دي؟
سمع صوت الطبيب النفسي الذي كان يقف على باب الغرفة: مش مهم عملت إيه المهم انها ليه مبتستجبش للعلاج، الباقي هنعرفه لما تفوق.
في هذه اللحظة رأوا يدها تتحرك ببطئ فاتسعت عيونهم، واقتربوا منها مسرعين، وهتف الطبيب النفسي: وردة.. مدام وردة سمعاني؟!

فتحت عيناها ببطئ ثم نظرت لهم فأعاد الطبيب السؤال مرة أخرى مستفسراً إن كانت تسمعه، وتشعر به فهزت رأسها بهدوء شديد، ولم تتحدث؛ و انسابت دموعها في صمت.
يسير في ممر قسم الشرطة، مطأطأ الرأس يمد يده اليمين للأمام قليلاً رغماً عنه؛ فهى مقيدة في يد الشرطي الذي يجذبه بخطى واسعة، وقوية على عكس خطواته الضعيفه؛ فقد أعلمه أن لديه زيارة.

يشعر بجسده قد هزل قليلاً بعد حبسه وسط أُناس لم يختلط بمثل وحشيتهم قط؛ ففي الخارج الكل كان يحترمه، ويقف له على قدم وساق لأن معه المال، لكن الأن لا مال، ولا أب، وأم ينجداه، ولا صديق ممن كانوا يدعون أنهم له سند، كما أن المواد المخدرة التي كان يدخلها لجسده بكل استهتار مُنعت عنه بالتأكيد.

تملكته رعشة تسري في سائر جسده، وجبينه متعرق دائماً، طوال الطريق كان يفكر من سيزوره فكل أقاربه قد تخلوا عنه عندما حاول الإستنجاد بهم؛ وكأنهم نسوا خدمات أبيه لهم طوال حياته.
دق الشرطي باب المكتب الخاص بالمحقق في قضية حازم، وأُذن لهم بالدخول.

دلف للمكتب، وقف، ورفع يده المحررة إلى أنفه يحكها، ويستنشق بقوه لعل ألم رأسه يقل، نظر لوكيل النيابة إثر سماع صوته يأمر الشرطي بفك يده، ويتركه، ثم هتف: تعالى ياحازم عندك زيارة من صديق قديم ليك.

كانت عيناه شبه مغلقتان، فأغمضهم بقوة ثم اقترب يدقق النظر فيمن يجلس فوقف الزائر واقترب من حازم ليقف أمامه وهتف: مش فاكرني ياحازم؟! أنا إيهاب الخولاني زميلك من أيام المدرسة الثانوية ها افتكرتني؟!
نظر حازم لهيئته بتعجب عندما تذكره، وهتف بصوت مرتعش وهو عاقداً لحاجبيه: إيهاب ابن الفراش! معقول انت بقيت كده ازاي؟

ابتسم إيهاب بسخرية عندما تذكر ضيقه وهو مازال طالب عندما كان حازم، وأصدقائه يسخرون من مهنة، والده، ومن فقره فقد دخل مدرستهم بمنحة لتفوقه، وكان متفوق مثل حازم إلا أن الأخلاق كانت تختلف بينهم؛ فكل منهم له طريق يسلكه.
أمسك بيد حازم، واستأذن من الضابط أن يجلسه عندما لاحظ رعشة جسده فأذن لهم، وتركهم في مكتبه؛ فهو صديق شخصي لإيهاب.

نظر إيهاب بشفقة للحالة التي أوصل حازم نفسه إليها وتحدث بهدوء: دوام الحال من المحال يا حازم، أنا بعد الثانوي دخلت إعلام، واجتهدت والحمد لله بقيت معيد فيها.
نظر له حازم نظرة حزينة وهتف: وانت جاي بعد السنين دي لما عرفت باللي حصلي علشان تشمت فيا، وتوريني انت بقيت ايه وانا ايه؟!
زفر بتهكم وقال بهدوء: لا يا حازم أنا مش هشمت، ولا هسخر منك زي ما كنتوا بتعملوا زمان لأن ببساطه أنا فعلا حزين على وضعك، بس أنا جايلك من طرف أ. عزت برسالة.

عقد حاجبيه، وهتف: رسالة! رسالة إيه، وانت تعرفه منين أساساً؟
أراح ظهره للخلف وقال بهدوء: أولاً أعرفه منين دي لأني جوز بنته، وهو من أكثر الناس المحترمة، والأمين اللي قابلتها في حياتي؛ يعني لا يمكن كان هى مع في فلوسك كل ما هنالك إنه حب يحافظ على شقى، وتعب والدك الله يرحمه، وكمان ينفذ وصيته إنه ميسلمكش الميراث وانت بحالك المذري ده.

ثانياً بقى الرسالة: انت أكيد عرفت ان اللي عملته جريمة شروع في قتل؛ بس عمي عزت مش هاين عليه ان مستقبلك يضيع؛ فهو بيعرض عليك شرط مقابل انه يتنازل عن القضية وكمان بعلاقاته هيخليها كأنها لم تكن من الأساس، لو قبلت الشرط كان بها مقبلتوش يبقى انت اللي ضيعت حياتك في سجن، وكمان خسرت فلوسك.

كانت رعشة جسده بدأت تذداد، وشعور الألم في سائر جسده يكاد يقتله فهتف دون تفكير: موافق على أي شرط.
إيهاب مسرعاً: بس لازم تعرفه برده الأول وهو انك هتنفذ أي أمر ليك من عمي عزت وكأنه والدك، كمان هتروح تتعالج في مصحة إدمان علشان تخلص من اللي انت فيه ده، وهتبعد عن كل الحسالة اللي جروك لكل اللي حصل ده.

هز رأسه وهتف: موافق موافق بس أرجوك يا إيهاب أي قرص مسكن حاسس اني هموت.

قال هذه الجملة، وهو يمسك برأسه بقوة، ومد يده المرتعشة ليمسك كوب الماء الموجود على سطح المكتب إلا أنه لم يستطع امساكه، فالتقطه إيهاب، وساعده على ارتشاف بعض منه، وتركه، واتجه نحو باب المكتب، وسأل عن مكان تواجد وكيل النيابة، فعلم أنه في مكتب قائده؛ فطلب طبيب لحازم، وبعد وقت ليس بقصير كان قد حضر المحقق بعد أن أخبره الشرطي، ومعه طبيب المسؤل عن السجناء.

تم فحص حازم، وأعطاه الطبيب نسبه صغيره من المخدر كي يهدأ جسده؛ فليس من الصحيح سحبه من جسده دون تدريج.
الطبيب بهدوء: الأفضل يتنقل لمصحة إدمان لأنه واضح بقاله فترة كبيرة بيتعاطى المخدر مش جديد.

خرج الطبيب من المكتب، وجلس المحقق على كرسي مكتبه وقال: معلش يا إيهاب كفاية زيارة لعند كده النهارده، لولا انك صديقي مكنتش هسمح بكل الوقت ده، بس أنا واثق فيك.
ابتسم إيهاب وهتف: متشكر أوي يا سمير بجد؛ بس طمعان في ذوقك خمس دقايق كمان بس؛ لان القضية ان شاء الله قربت تتحل.
ضم شفتيه، وزفر بتفكير للحظة ثم هتف: ماشي معاك خمس دقايق بس وانا موجود اتفضل.

نظر إيهاب لحازم المستكين تماماً أمامه بلا حول، ولا قوة، وهتف: انت دلوقتي أحسن صح؟
هز حازم رأسه فأكمل إيهاب حديثه: طيب لسه موافق على الشروط؟
حازم بترجي: أيوه بس أرجوك يا إيهاب بلاش ترجعوني الحبس.
أخرج إيهاب ورقة من سترته، ومدها لحازم، وقال: امضي هنا، وهترجع الحبس بس لعند ما نخلص إجراءات التنازل.
مد يده وأخذ الورقة، وقرأ ما بها فاتسعت عيناه، وهتف: ده إيصال أمانه ومكتوب فيه اسمي، واسم أ. عزت ببيناته كاملة، وناقص بس رقم بطاقتي، والمبلغ أمضي عليه ليه، هو أنا مديون ليه؟!

إيهاب بحزم: تمضي عليه لأنك فعلاً مديون ليه بإنقاذ مستقبلك، وانك تقضي كام سنه في السجن، واطمن هو مجرد ضمان انك هتنفذ كلامه، وتستقيم، وتعالج، وترجع أحسن من الأول، وبعدها هيقطعه.
فكر حازم لثواني قطعها صوت إيهاب، وهو ينظر لساعته: ها مفيش وقت هتمضي، وتبصم ولا ايه؟

حازم بقلق: طيب والمبلغ كام؟
إيهاب بهدوء تام: عمي هيبقى يحدده براحته، ياله لو سمحت خلصني.
هز هازم رأسه بموافقه فليس أمامه مخرج سوى هذا؛ غير أنه بعد قضاء هذه الفترة القليلة بالحبس أجزم أن الموت أهون من وجوده في هذا المكان، وبعد تخلي الجميع عنه تمنى لو عاد الزمن به ليستقيم، و ينقذ حاله من الضياع.

أمسك إيهاب من حقيبه صغيرة معه كان قد وضعها على المنضدة الصغيرة أمام المكتب، وأخرج منها قلم، وعلبة حبر لأخذ البصمات، وأعطى القلم لحازم فأخذه بيد مرتعشة، ومترددة إلا أن إيهاب قام بتشجيع قائلاً: صدقني ده أفضل ليك، وعمي مش عايز غير مصلحتك.

بعد انتهاء حازم من الإمضاء، وقف إيهاب، وهتف موجهاً حديثه لوكيل النيابه المتابع لهم في صمت: متشكر جداً جداً يا سمير بجد انت ونعم الأخ، أستأذن أنا بس ليا طلب أخير لو أمكن يعني.
ابتسم سمير بهدوء: انت بتشكرني يا إيهاب طيب ده ينفع أنا من وقت ما اتعرفت عليك، وانت في مقام غالي أوي عندي كفاية أخلاقك؛ اتفضل أأمر لو بأيدي مش هتأخر.

بادله إيهاب ابتسامته بود وقال بترجي: لو ينفع الوقت اللي هيقضيه حازم قبل التنازل تحوله زي ما قال الدكتور لمصحة علاج إدمان تحت حراسة، بدل رجوعه الحبس، وعلشان صحته كمان.

نظر سمير لحازم فوجده يبدو على ملامحه الندم، والحزن عندما رأى شخصية إيهاب، واحترام حتى وكيل النيابة له فشعر بما يدور في رأسه وهتف: تمام يا إيهاب هأمر بتحويله للمصلحة، واتمنى الخدمة اللي هتعملوها فيه تأثر فيه فعلاً ويفوق من الضياع ده.
شكره إيهاب مرة أخرى واستأذن، ورحل، وترك حازم يفكر فيما هو آت.

يجلس أمامها، وينظر لها باهتمام؛ وهى تطلع على بعض الملاحظات التي دونتها في دفتر أمامها، أثناء حديثهم من قبل ينتظر معرفة رأيها فيما قص عليهم، ومعرفة أيضاً لماذا لم تعطي وجهة نظرها عندما تحدث أمام كريم، وحسناء، وطلبت مقابلة بينهم على انفراد.
بدر: دكتورة ليلى هو حضرتك ساكته ليه؟! مش حضرتك طلبتي اجي لوحدي علشان تفهميني ليه عاليا بتعمل كده، وإيه التصرف اللي المفروض أعمله.

ابتسمت، وتحدثت بهدوء: ساكته لأني بحاول اتأكد من الإحساس اللي وصلني من خلال الملحوظات اللي كتبتها وقت كلامك عن اللي بيحصل مع عاليا.
عقد حاجبيه وهتف: وإيه هو الإحساس اللي وصلك؟!
ليلى مسرعة: إنك بتحب عاليا، مش مجرد قلق على بنت عمك بس صح؟

صمت بدر يفكر ألهذا الحد أمره واضح أم لأنها طبيبة نفسية قامت بتحليل حديثه؛ قاطع صمته صوت ليلى: على فكرة ده كان واضح جداً وانت بتتكلم، من غيرتك اللي ظهرت على نبرتك لما قولت انها بتحب كريم، ومن قلقك الذايد إنها تتصدم قبل امتحانها ويأثر عليها، ومن ابتسامتك اللي نورت وشك لما كريم اتصدم من الحقيقة، وأكدلك إنه عمره ما بين لها أي إهتمام، وانه عنده حاجه ممكن تخلي عاليا تكرهه.

رفع حاجبيه بتعجب وهتف: كل ده لاحظتيه ما شاء.
صمت لثانيتين ثم قال: طيب هو ممكن نخلينا حالياً في مشكلة عاليا، وإزاي هنحلها؟

ليلى بحزم: مينفعش يا بشمهندس لأني شايفه إن خيوطكم كلها متربطه ببعض، إنت، وعليا، وكريم، وحتى حسناء، وكلكم محتاجين لعلاج نفسي مش، عاليا بس؛ يمكن هى الوحيده اللي حصلها حاجه ظاهريه بتأكد إن عندها مشكلة، إلا إن كل واحد فيكم عنده مشكلة نفسية، وأنا قررت إن شاء الله أكون سبب إستعادةحياتكم اللي ضيعتوها في دواير ملهاش أخر، ممكن تسمحلي أسعدكم، وتصارحني بكل حاجه؟

هز رأسه باقتناع، وتحدث بهدوء: حضرتك عندك حق أنا بعشق عاليا من يوم ما فهمت يعني إيه حب؛ لأ من قبل حتى ما أعرف إيه هو الحب لقتني عايز دايماً أروح الصعيد علشان أكون معاها كانت فترة الإجازه أسعد أيام بعيشها، وهى كمان كانت بتقولي كده، كنت، ومازلت بخاف عليها أكتر من نفسي، وعلى قد زعلي بموت عمي، ومراته على قد فرحتي لما عرفت إن عاليا هتعيش هنا معانا.

صمت قليلاً ثم تنهد بحزن، وأكمل: بس للأسف حبي من طرف واحد، وياريت حتى هى لقيت الحب اللي هيسعدها إلا إن كمان حبها من طرف واحد.

تحدثت ليلى بجدية: مين قال إن حبك من طرف واحد؟!
نظر لها باهتمام وعقد حاجبيه، وقال: تقصدي إيه مش فاهم؟
ابتسمت وهتفت: كلامي واضح ملوش معنين حبك مش من طرف واضح من كل كلامك واضح إن عاليا بتحبك إنت، بس فيه حاجه مانعه عقلها يعترف بده، هى حبيت كريم بعقلها، أما قلبها محبش غيرك.

فرك جبينه بأصابع يده، ثم نظر لها وهتف: إنتي هتلخبطيني ليه؟ يعني إيه حبيت كريم بعقلها، وانا بقلبها، وبعدين إيه الدليل إن قلبها بيحبني أساساً؟

ليلى بجديه: شوف يا بشمهندس، إنت قولت إنك لما شوفت الصور اللي كانت رسماها عاليا لكريم كل صورة كاتبه فيها حدث بتاريخ وكل حدث كان بيدور عليك انت وهى، ولو حتى الحدث يخص كريم كانت بتذكر إسمك فيه صح؟
هز رأسه بنعم وقال:أيوه بس ده مش دليل كافي.

ليلى: عارفه بس هقولك حاجتين إنت قولتها لما اتكلمت عن الصور أولها إنك اتلخبط أول ما شوفت الصورة، وتخيلت إنها رسمتك إنت، ولما دققت عرفت إن الرسمه مش ليك، وده سببه إنك، وكريم بينكم شبه واضح جداً، ما عادا تفاصيل بسيطه، وكمان الجسم.
ثاني حاجه قولتها، إنك لما زعلت منها جريت وراك وهى بتبكي، وقالت ليك إنها هحكيلك كل حاجه تاني يوم، وطلبت منك إنك توعدها متبعدش عنها، وانت وعدتها فعلاً بده، وحادثة كريم كانت المانع من إنها تحكيلك، صح كلامي؟

بدر بتعجب: أيوه فعلا كلامك صح بس برده إيه يثبت حبها ليا هى بتعتبرني أخ.
ليلى بحزم: لأ هى حبيت شكل كريم مش أكتر، الشكل اللي فيه نسبة كبيرة من شكلك، ومن كلام حسناء بتقول حبيت أخلاق كريم من بعض تصرفاته اللي شافتها، واللي أنا شايفه إن انت فيك الصفات اللي هى حبيتها، وكلامها عنك طول الوقت في الصور اللي هى تعايشت معاها كأنها شخص حقيقي بيثبت أهميتك اللي بتتخطى مرحلة الأخوة؛ بس اللي لسه موصلتلوش بقى هى ليه بتهرب من اعترافها بحبك انت، وليه تحب شخصك في واحد تاني برغم إنك موجود.

نظر للأسفل بحزن، وتحدث بهدوء: لما أهلي فاتحوها إننا نرتبط رفضت علشان شكل جسمي.
زمت شفتيها، وأسندت ظهرها على الكرسي، ثم هتفت: كده أنا فهمت، هى حبيت شخصك انت في جسم كريم، لأنها حسيت إنه أقرب حد ليك بس بجسم رياضي،طيب قولي يا بشمهندس هى عاليا عملت إيه لما حسناء قالتلها إن كريم إتوفى؟
شعر بالغيرة تنهش صدره؛ لكنه أجاب عليها: صرخت في حسناء وقالتلها كذابة، وطردتها، ومعيطتش حتى؛ بس رفضت تروح الكلية تاني من وقتها، سافرت الصعيد، بعيد عن هنا يعني.

ليلى بجدية: يعني رفضت تصدق الواقع، وبعدت علشان متتأكدش من خبر موته لو راحت الكلية، وفي الصعيد عقلها نسج ليها قصة خيالية علشان تعيش قصة الحب اللي هى رسمتها على ورق، واللي بطلها بدر التخفي في صورة كريم، تمام قولي إنت حاولت تخس قبل كده؟

هز رأسه بتأكيد: كتير بحاول بس بدون نتيجة، وقررت أعمل عملية.
ليلى بجدية: وليه كنت بتفشل في محاولاتك؟
بدر: الدكتور بيقول إن صحتي كويسه جداً، ومفيش حاجه تمنع إني أخس بس الحرق عندي، كأنه معدوم، ودي، ممكن نفسية.
ليلى بتأكيد: فعلاً نفسية، تعرف ليه؟
عقد حاجبيه، ونظر لها باهتمام: ليه؟!

ليلى بهدوء: لأنك من جواك رافض تخس كده؛ انت بتتمنى عاليا تحب شخصك مش شكلك، كنت بتتمنى تحبك زي ما انت صح؟
هز رأسه بتأكيد، وتحدث بنبرة يغلفها الحزن: كان نفسي أحس بحبها لو ليوم واحد، وإنها موافقه ترتبط بيا زي ما أنا، كان نفسي تحس بحبي ليها وتفسره صح مش أخوة؛ وقتها كنت هعمل المستحيل علشان أخس علشانها لو حتى هموت بس أكون حسيت بحبها.

وقفت ليلى ودارت حول المكتب، وجلست على الكرسي المقابل لبدر وقالت: شوف يا بشمهندس أنا قادرة أحس بتفكيرك، وفهماك بس اسمحلي أقولك إنك غلطان، وقبل ما تسأل ليه أنا هقولك
أولاً إنت المفروض لو قررت تخس يكون علشان نفسك قبل أي حد، لأنك لما حبيت تخس علشان عاليا جسمك كأنه رفض ده لأن عقلك عايزها تحبك زي ما انت؛ يعني حالتك النفسيه أثرت على هرمونات جسمك وده بيحصل كتير للناس بأسباب مختلفه تلاقيهم مش بياكلوا كويس بس بيتخنوا أو مش بيحرقوا على الأقل.

ثانياً غلطتك بإنك حسست عاليا إنك أمر مسلم بيه في حياتها، مهما عملت إنت موجود بصورة أخ أو صديق، أو أي، حاجه وده اللي هى عايزاه وجودك جمبها لأنها بتحبك بس عقلها اللي رافض يعترف بده، ليه بقى ده اللي هعرفه لو اتكلمت معاها.

ظل صامتاً يفكر في حديث ليلى، ويتذكر بعض المواقف التي تؤكد صحة تحليلها للموضوع، نظر لها وتحدث بهدوء: كلام حضرتك صحيح، ومقنع فعلاً، أنا هعمل العملية علشان نفسي وبس؛ لكن عاليا أنا مش عايز حاجه تشوش تركيزها اليومين دول قبل امتحانها فياريت نأجل مقابلتك ليها أو حتى ظهور كريم في الحقيقي قبل الامتحانات، أنا هطلب منها تيجي هنا لأن الامتحان العملي قرب، وبالتالي تبعد عن المكان اللي بتتوهم ظهور كريم فيه، خصوصاً إنها مش بتشوفه إلا في البيت هناك وبس يعني الموضوع كله نسج من خيالها صح كلامي؟

ليلى بجديه: صح جداً إنت كده وصلت للي عايزه اقوله تمام، وأنا طلبت من كريم ميقطعش أجازته إلا أخر يوم في الامتحانات، وطلبت من حسناء متتكلمش عاليا دلوقتي، ومتعرفهاش الحقيقة، وفي الوقت ده ربنا يقدرني وأعالج اللخبطه في حياته، وحياتها كمان.

وقف بدر بعد أن شكر ليلى بشدة، وغادر المكتب وهو يفكر فيما سيحدث، وما هى ردة فعل عاليا بعد معرفة الحقيقة، وما هو الشئ الذي أكد كريم أن عاليا عندما تعلمه ستبتعد عنه.

كانت تجلس في شرفة الغرفة، وتمسك كتاباً دراسياً بيدها، تحاول التركيز واستماع المعلومات منه، لكن هيهات؛ فالهاتف بيدها أيضاً تنتظر أن تسمع صوت رناته كي يطمئن قلبها الذي لم يعرف القلق من قبل على بدر؛ فقد كان دائماً بجانبها، وفجأة ابتعد، أغلقت الكتاب، وألقته بإهمال أمامها على المنضدة الصغيرة..،

نظرت للهاتف وتحدثت معه كأن بدر أمامها: بقى كده يابدر من وقت ما سافرت مرة واحدة اللي كلمتني فيها، وبتصل بيك قافل فونك، ياترى إيه اللي شغلك عني كده، طيب أنا بقى هجيلك بنفسي علشان أفهم إيه الحكاية، مش معقول كل ده زعل مني عمرك ما كنت كده، أااه بس كريم هقوله مسافرة قبل الامتحان، وهسيبه، تفتكر ممكن يزعل لأ لأ أكيد هيفهم إني محتاجه أحضر بعض المحاضرات قبل الامتحانات.

دخلت عليها عبير، وجودتها تحدث الهاتف، وكأنه شخص أمامها فتعجبت، وهتفت: بسم الله الرحمن الرحيم مالك يا خيتي جنيتي إياك إنتي بتتحدتي ويا التلفون؟!
انتفضت عاليا إثر سماعها لصوت عبير؛ فهى كانت منفصلة عن العالم حولها شاردة فيما يخص عقلها، وقلبها معاً، وضعت يدها على قلبها، وهتفت: حرام عليكي يا بيرو خضتيني.

رفعت حاجبيه، وضربت كفيها ببعض، وقالت متعجبه: لا حول ولا قوة الا بالله واحدة بتتحدت مع التلفون وكأنه أدمي قدمها، وتقولي، خضتيني، والتانية، قاعدة طول اليوم في الجنينة بحجة بتلعب مع مروان، وهى في عالم لوحدها، ولما قربت منيها بردك قالت خضتيني، ومفيش واحدة منيكم عايزه تقول مالها، هو خلاص أني معدش ليا لازمة في حياتكم انتم التنين؟!

عاليا مسرعة: لا يا حبيبتي متقوليش كده إنتي أهم حد في حياتنا أختنا الكبيرة، وحبيبنا، بس عارفين إنك بتتعبي في الحمل، ومش حابين نزهقك بحاجات بسيطه أنا بس مشغولة بالمذاكرة، وخايفه يكون قرار وجودي هنا بعيد عن الكلية كان غلط، وبفكر أرجع، أما ملك إنتي عارفه اللي حصلها مش قليل وما صدقت تخرج شوية تروح الشركة أبيه سالم منعها تاني اليومين دول وبدون سبب، بس قوليلي أنا ملاحظه إن مرات خالي اتهدت وبقيت تتعامل بهدوء معاكي، ومع ملك من وقت ما جيت هنا إيه السر متعرفيش؟

عبير بابتسامه: مفيش حاجه كل الموضوع إن سالم قالها إنه تعب ومحتاج يعيش في هدوء، ومش عايز نكد.
عقدت حاجبيه وهتفت: بس كده معقول؟!
وضعت يدها على رأسها وقالت: أيوه بس إكده.
عاليا بلهفه: مالك يابيرو فيكى إيه؟

عبير بهدوء: مفيش العادي يعني دايخة شوي، هقوم أرتاح شوية طول اليوم عايزه أنام، وأم السعد كانت بتشيل عني مروان من يوم ما مشيت ومعرفناش طريقها وهو شوية مع سته، وشوية يبكي ولا من أصحى فرصة إنه مع ملك هقوم أنام هبابه.
وقفت عاليا وهتفت: تعالى أوصلك أوضتك.

عبير برفض: لا اقعدي ذاكري انتي أني زينة، ولما سالم ياجي هقوله إنك عايزه تسافري، ولو وافق أجي معاكي أروح للدكتورة اللي كنت روحتلها أيام مروان، لما تعبت، وولدت كمان عنديها علشان أكون مع مرت عمي، وستي. صراحه كان علاجها أياميها زين قوي.

هزت رأسها بتأكيد وهتفت: هى فعلا علاجها اتحسنت عليه وقتها أنا فاكرة، ياريت والله يابيرو تيجي معايا، دي ستك هتفرح جداً إنها تشوفك، شوفي رأي سالم، وقولي لي.
غادرت عبير الغرفة، ووقفت عاليا تنظر من الشرفة فرأت ملك تجلس على أرجوحة في حديقة المنزل بجسدها فقط؛ أما ذهنها فهو شارداً فيما يخص فرحتها التي دائماً تسلب من بين يديها قبل أن تكتمل.

رفعت هاتفها، وضغطت رقم بدر على أمل أن يطمئنها هذه المرة، وما هى إلا ثواني وأتاها صوته بهدوء، شعرت بدقات قلبها تكاد تتراقص، لم تتخيل أنها ستشتاق لسماع صوته يوماً ما، وكأنه لم يتحدث معها منذ دهر، تعجبت من هذا الشعور؛ لكنها لم تعطي له بالاً وتحدثت بلوم: كده يا بدر تقلقني أنا هتجن من أخر مكالمة وسيادتك قافل فونك، وسايبني أضرب أخماس في أسداس.

ابتسم بدر لنبرة القلق التي تغلف صوتها؛ لكنه تحكم بنبرة صوته كي لا تظهر ابتسامته وتحدث بثبات: معلش يا عاليا أصلي مشغول، وقفلت الفون علشان ميعطلنيش.

شعرت بالحزن فلأول مرة يتحدث معها بعدم اهتمام، وأيضاً لم يقدر شعورها بالقلق فجأة شعرت بإحساس غريب لم تعرف ما هو عندما تخيلت أن ما يشغل بدر هو فتاة، هتفت بغيظ: وإيه اللي شاغلك عني أوي كده، أصل يكون في الموضوع واحدة أو حاجه.
دق قلبه بسعادة عندما شعر بغيرها فتحدث منتظراً لردة فعلها: انتي عارفة يا عاليا الواحد بدأ يكبر، وأمي بتزن كتير علشان أستقر فبصراحة بدأت أفكر بجدية علشان أستقر بقى وأبقى أب، وتبقى انتي كمان عمتو.

احتقن وجهها بشدة، وتحول ل اللون الأحمر، وجلست بعنف على الكرسي، وهزت قدمها بتوتر لا تعلم لما كل هذا، لكنها لن تتخيل أن بدر سيرتبط في يوماً ما، وكأنه محرمُ عليه أن يكون ملك لغيرها، تعجبت من تفكيرها فهذا حقه؛ بل أبسط حقوقه فلما كل هذا الغضب، قطع صمتها بصوته الهادئ: إيه يابنتي سكتي ليه؟
عاليا بصوت حزين: وياترى لقيت اللي هتخليك تستقر؟ هو انت بتحب حد.

بدر بابتسامة فشل في إخفائها: أيوه بعشق مش بحب يا عاليا، ادعيلي هى كمان تطلع بتحبني زي ما بحبها كده.
دمعت عيونها لما؟ لا تعرف لكنها اختنقت، وتحدثت بهدوء: هدعيلك ان شاء الله.

بدر بجدية: لسه بتقفي في الشباك، وبتكلمي كريم، ولا بتذاكري؟
عاليا مسرعة لعله يسعد بتصرفها: لا خالص أنا سبت البيت خالص، وقاعدة مع ملك، وعبير هنا في بيت خالي، واللي عطلني عن المذاكرة انت لأني كنت قلقانة.
ابتسم بهدوء، وقال: أنا أسف يا لولو بعد كده مش هقفل الفون، وده بس، علشان تقدري تذكري مكنش السبب في تشتيتك.

عاليا: أنا أساساً هرجع اليومين دول اسكندرية، علشان استعد للامتحانات بقى.
أكملت بغيرة: وأهو تعرفني على الأبلة اللي بتحبها دي.
ضحك بدر بكل صوته، وهتف: حاضر أكيد هعرفك عليها طبعاً بس لما هى تعرف الأول، وتوافق.

دبت الأرض بقدمها وقالت بنبرة تحمل الغيظ: اقفل يابدر كفايه كده.
أكمل ضحكه ثم صمت وتحدث: استنى بس انتي مالك متعصبة ليه.
عاليا بصدق: مش عارفه بس متعصبة وخلاص من غير سبب.
تحدث بهدوء: طيب خلاص سيبك من الموضوع ده نهائي طالما عصبك، قوليلي مشوفتيش عمر من وقت ما سبتي البيت؟

عاليا بهدوء: لأ سليم عامل علينا حظر تجوال مش فاهمة ليه كل ده، بس بتسأل ليه؟
بدر بهدوء: أصل لما كلمني بخصوص مشكلة كده في الشغل، وموظف طلع حرامي، وهو اتصرف معاه حسيت صوته مخنوق، وكأنه لسه سايب حسناء وقتها، رجع صوته مكسور زي، وقتها مفهمتش ليه، وهو مرضيش يتكلم؛ فقلقت عليه، وقولت يمكن شوفتيه يكون تعبان أو حاجة.
تذكرت حالة ملك، وأنها اتصلت ببدر هذه المرة في الأساس لتستعين به في حل هذه المشكلة فهتفت: لا مش تعبان بس عنده سوء فهم.
عقد حاجبيه، وقال: يعني إيه؟

عاليا بجدية: الظاهر إنه كان بدأ يتعلق بملك، ولما اعترفلها، وطلب مقابلة سالم، طبعاً أجلت علشان ظروفها اللي هو عرفها بعد كده، واتصدم لأنه اعتقد إن ملك زي حسناء، وراح في مكتبها قالها إن كل الستات زي بعض، ومن وقتها، مشفتوش، وهى مراحتش الشركة من وقتها.
زم شفتيه وتنفس بضيق على حال صديقه فلابد أن يريحه لا يستطيع تركه لهذه الحالة؛ فيكفي صدمته الأولى.

بدر بهدوء: طيب وملك رأيها إيه في اللي حصل، هى أساساً كانت وافقت على طلبه؟
عاليا: أيوه وافقت بس طلبت مهلة، ولما بطاقتها وقعت في مكتبه شاف فيها متزوجة، ومن وقت اللي حصل، وهى حزينة، ومحبطة، وسرحان دايماً، هى أول مرة تحب؛ لأن حامد كانت مجرد جوازة والسلام علشان تخلص من معاملة أمها الشديدة.

أصدر صوت يدل على تفهمه( امممم)، هتف بهدوء: يبقى لازم عمر يعرف الحقيقة، علشانهم هما الاتنين.
هزت رأسها بنعم، وكأنه يراها، وهتفت: أنا لما كلمتك دلوقتي كنت عايزة أطلب منك ده، ياريت تفهمه ظروف ملك.
بدر بحب: خلاص ولا يهمك متزعليش نفسك، وأنا هشوف الموضوع، وهكلم سالم كمان علشان تيجوا على أخر الأسبوع الجاي، الإمتحان الأسبوع اللي بعده.

أنهت المكالمة، ووضعت هاتفها، ووقفت متجهة لأسفا لتجلس بعض الوقت مع ملك في حديقة المنزل.
يجلس أمام مكتب قائدة نظره للأسفل يشعر بالتقصير، والقلق أيضاً، يستمع لتأنيب القائد دون أن ينطق.

تحدث القائد بغضب: إنت نايم على ودانك يا حضرة الظابط، ولأول مرة أشوفك مقصر كدة، يعني إيه بنت معروف إنها في خطر، متتأكدش من الممرضة والدكاترة حتى اللي هيتبعوها، يعني إيه خدامة في بيتك تطلع جاسوسة لعدوك؛ عدوك اللي انت سلمته أختك في بيته بدون ما تعمل تحريات كافية عنه، بما إنك ضابط يعني، كمان روحت وثقت، واتصرف من نفسك في تعين حامد، وانت عارف إنه معندوش خبرة، وبسهولة ممكن يتكشف، أيوه هو ليه تار عند أبوه...،

بس مش مدرب كفاية علشان تعتمد عليه، ده غير إنك محطتش مراقبة عليه، عقلك كان فين يا حضرة الضابط، أهو منفذش اوامرك وراح بوردة، وكشف نفسه بمنتهى الغباء، أنا لأخر لحظة كنت بشجعك، ومش عايز أقف في طريق خطتك؛ لأن كان عندي ثقة في ذكائك؛ بس للأسف ذكائك خانك، وكشفتنا لعلوان واللعب بقى على المكشوف، واللي انت مقدرتش تعمله بإنك تعرف مين اللي بيمشي علوان، أكيد غيرك ممكن يعرفه.

سالم بحزن: يافندم أنا... قاطعه صوت مديره بصرامة: مفيش تبرير ممكن يتسمع منك، اتفضل سلم المهمة بأوراقها للضابط عزيز، وروح أمن أهلك لأنهم أصبحوا في خطر هما كمان لأن انت، وهما أقرب درع أمان لعلوان حالياً، أكيد هيفكر يأمن نفسه، والمكان المختفي فيه حالياً، في الغالب هيكون فيه البضاعة، يعني لو عزيز قدر يوصله هنوصل للبضاعة، ولحامد إن مكنش قتله.

خرج من المكتب الألم يعتصر قلبه، وعقله يكاد أن يفقده من كثرة التفكير في كيف يحمي أهله، وينقذ حامد في آن واحد، فإن تنازل عن المهمة رسمياً إلا أن ضميره لن يسمح أن يترك شخص يؤذى بسببه، وهو يشاهد فقط دون تدخل، دخل مكتبه، وأخرج أوراق القضية ليسلمها للضابط الجديد كتنفيذ للأوامر، رن هاتفه فأخرجه من سترته، أجاب سريعاً وتحدث بصوت غاضب: أيوه يابدر إنت إزاي تسافر فجأة كدة من غير ما تقولي، وكمان تلفونك مقفول أكتر الوقت.

تعجب بدر من غضب سالم الذايد وتحدث بهدوء: مالك يا سالم بس إهدى كده، أنا اضطريت أسافر ضروري، وكنت مخنوق شوية مقولتش لحد، وإن كان على الشركة فعمر ااا...

قاطعه سالم بحزم: تتحرق الشركة، أني دلوك في المصيبة اللي اتحطيت فيها، علوان كشف حامد، واختفى.
أوقف بدر سيارته فجأة، وتحدث بعصية، وقلق: بتقول إيه ياسالم معنى كده الكل عندك في خطر، بنات عمي لو حصلهم حاجه مش هرحم حد، ولا انت حتى.
سالم بعصبية: بنات عمك دول مرتي، واختها، وبنات عمتي كومان يابدر إهدى اوزن حديتك عاد قبل ما تنطق.

صمت لثوان، وأخذ شهيق طويل وأخرجه دفعه واحدة يحاول تهدأة نفسه: حقك عليا يا سالم أنا اتعصبت ذيادة، أنا عارف إنك بتخاف عليهم زيي وأكتر، بس أن دلوقتي هجيلك بسرعة.
سالم مسرعاً: لأ متجيش أنا هبعتهم في عربيتين فيهم حرس، هتخرج بكرة بدري إن شاء الله، خليك في استقبالهم، والحرس هيفضل معاكم عنديكم كومان.
أنهوا المكالمة، وكل منهم لا يعلم ماذا سيحدث في الأيام القادمة، هل ستمر مرار الكرام، أم سيكون ضحيتها أحد قلبيهما؟!

وصل سالم للمنزل، وجد الحرس يقفون كما هم في أماكنهم، والهدوء يسيطر على البيت؛ تنفس العداء، وتوجه للداخل، وسأل أحد الخدم عن الجميع، وعلم منه أنه في غرفهم جميعاً، صعد الدرج، وتوجه لغرفته، عندما دلف داخلها لم يجد عبير؛ لكنه استمع لصوتها في الحمام كانت تتقيئ، فأسرع إليها، ووقف خلفها، ووضمها مت الخلف، واضعاً يده حول بطنها بهدوء؛ كي تستطيع التوقف، وعندما انتهت، ساعدها في غسل وجهها، فنظرت له بحب، وقالت: أسفه يا سالم إنك جيت لقتني...

قاطعها بهدوء، واضعاً سبابته برقه على فمها، ونظراته تملؤها الحب، والقلق، واقترب منها حتى لفحت أنفاسه رقبتها، وهو يتحدث بصوت هادئ يصيبها بالدوار: أسفة إيه بس ياعمري أني اللي أسف، وأسف، وأسف.

فقدت القدرة على الوقوف، فكادت أن تقع بين يديه، فانحنى سريعاً، وحملها وخرج متجهاً نحو الفراش، ووضعها برفق، وتمدد بجانبها، وضمها وهى مستلمة للمساته التي تشتاق إليها في كل ثانية تمر عليها.
مد يده يلاعب خصلاتها، وقال بهدوء: فاكرة لما الدكتورة بتاعت اسكندرية قالت أعمل زي ما عملت من شوية، لو لقيتك تعبانه إكده.

رفعت نظرها له بهدوء، وقالت بصوت هامس: لساك فاكر أهو.
سالم بصدق: أني عمري ما أنسى حاجه تخصك، أني اللي كنت غبي بتفكيري، وبس.
المهم دلوك تحبي تروحي تتابعي معاها هناك، الفترة دي، وتكوني مع مرت عمك، وستك.

ابتسمت بسعادة وهتفت: كنت هطلب منيك إكده، وخفت ترفض، وكومان عاليا حابه تسافر علشان امتحان ها، نعمل حسابنا على أول الأسبوع الجاي ده؟

أغمض عينيه،واعتصرهم بقلق يحاول يخفيه، وقال: لأ هتسافروا بكرة، ومعاكم ملك تغير جو، لأني حاسسها مضايقة إكده اللي مرت بيه مهوش قليل.

اعتدلت عبير، ونظرت له وهتفت بتعجب: بكرة إكده على طول؟!
سالم بجديه: أيوه جهزي نفسك، وقولي لملك، وعليا مفيش اعتراض لأني كومان مسافر مصر في مهمة تبع شغلي، علشان أكون مطمن عليكم، وأمي هطلب منيها تسافر عند خالتي في سوهاج.
اقتربت منه وأمسكت وجهه بكفيها بحنان، وقالت: حساك قلقان يا عمري، فيك إيه فضفض.
أمسك كفها وقبله ثم أبعد نظره عنها وقال بمزاح مزيف: إيه يابيرو انتي هتعملي مرت ضابط، وتحققي معايا، مفيش حاجه بس بفكر في الشغل بس، قومي بقى بلغي البنات وأني هقول لأمي.

في الصباح كان أمام المنزل سيارة كبيرة، جلست بها من الخلف عبير، وعليا، ملك، ومن الأمام حارسان، أحدهما يقود السيارة، والأخر يجلس بجواره، أجسامهم ضخمة، ويرتدون زي رسمي، وتحرك أ بعد أن أخذوا التعليمات من سالم، وودع عبير ومازال القلق ينهش صدره، وتحرك هو متجهاً لمكتبه ليرى ماذا سيفعل لينقذ حامد، ويساعد في القبض على علوان.

في الطريق تحدثت عاليا لعبير: مش فاهمه جوزك استعجل، ولخبطنا كده ليه يادوب الليل لميت حاجتي، وكمان اللي في بيتنا هناك مرضيش أجيبها.
عبير بشرود: والله ما أني عارفة يا عاليا، وكمان ذود الحراسة على البيت لما مرت خالي مارضيتش تسافر.
تحدثت ملك بصوت حزين، وهادئ: بس أحسن أنا مخنوقه، وما صدقت الصراحة إني أبعد عن البلد.

فجأة استمتعوا لصوت زفاف ورأوا تجمع هائل من الناس، ومعهم عازفون بالمزمار أمامهم بمسافة بسيطة، أوقف الحارس السيارة، وقال له الأخر أن يستدير؛ لكن قبل أن يرجع للخلف سمعوا زفة أخرى من خلف السيارة واقترب الجمع من الامام والخلف، وحاوطوا السيارة، وفي أقل من لحظات نزل الحارسان بعد أن أغلقوا أبواب، وزجاج السيارة، وأشهروا أسلحتهم، ووجهوها نحو الناس ليبتعدوا.

لكن صوت المزمار ارتفع أكثر وطلقتان من مسدسان مكتومي الصوت أطلقهم اثنان من وسط الجمع على الحارسان في ثوان معدودة، وتم كسر زجاج العربة الأمامي مع صرخات عاليا، وعبير، وملك التي لم يسمعها أحد، وأمسك أحد الرجال زجاجة بها مخدر، ووجهها على وجوههم، وما هى إلا ثوان وكان كل الجمع قد اختفى ومعهم الثلاث فتيات، وسط الزحام، دون أن يشعر بهم أحد، وتركوا جثث الحارسان بجوار السيارة.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة