قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية حب افتراضي بقلم دعاء الفيومي الفصل الثالث عشر

رواية حب افتراضي بقلم دعاء الفيومي بجميع فصولها

رواية حب افتراضي بقلم دعاء الفيومي الفصل الثالث عشر

كانت تجلس عبير في ردهة المنزل، وتتحدث في الهاتف بصوت منخفض مع عليا.
عبير بهدوء: مالك يا خيتي صوتك مخنوق ليه إكده فضفضي.
عليا بصوت حزين: بدر زعلان مني يا عبير. أول مرة أشوفه متعصب كده، ده وصلني للبيت ومشي بدون ولا كلمه.
عبير بتعجب: حوصل إيه لده كلاته؟!
عليا بتوتر: ها ولا حاجه أصل مقصرة في المذاكره شويه، وامتحان العملي قرب خالص.

عبير بعدم اقتناع: مذاكرة! بدر أه عايزك تذاكري وتخلصي وتنجحي، بس عمره ما يتعصب أوي إكده كيف ما بتقولي بسبب مذاكره، مخبيه إيه يا عليا؟
عليا وقد توترت أكثر: أنا غلطانه اني كلمتك قولتلك هو ده اللي حصل وبس، وبعدين قوليلي انتي بتتكلمي بصوت واطي كده ليه؟!
عبير بهدوء: علشان مروان نايم في حضني، وأم السعد خرجت تجيب طلبات، هخلص معاكي واطلع أنيمه.

عليا: خلاص اسيبك علشان تنيمي حبيبي وهبقى اكلمك بعدين.
عبير بحب: متزعليش نفسك، انتي عارفه بدر ميقدرش على زعلك هيهدى ويرجع، وانتي شوفي اللي عملتيه ضايقه وصلحيه.
القلوب اللي بطبطب صعب تزعل أو تجرح يا عليا متخافيش.

اغلقت عليا الهاتف وشردت في تلك الكلمات التي لمست روحها.
أما عن عبير فقد اغلقت الهاتف، وفزعت على صوت نواره من خلفها تتحدث بغضب.
نواره بغضب: كنتي بتتحدتي مع مين إكده يامرت ولدي، وصوتك مش طالع كيف الحيه اللي بتتدارى من غير صوت كي ما حد يحس بيها؟!

وضعت عبير مروان على الأريكه برفق، ووقفت، وتحدثت بنفاذ صبر: هو إيه اللي بتقوليه ده يا مرت خالي، هو يعني إكمني متربيه، ومبردش، تقومي تشككي في أخلاقي، ليه إكده أنا طول عمري صاينه شرفي، وشرف أبوي، وبعدها شرف جوزي، أومال لو مكنتش متربيه تحت عينك، حرام عليكِ اللي عملتيه، ولسه ناويه تعمليه فينا ده.

نواره بغضب وصوت مرتفع: إنتي بتردي عليا يابت المركوب، والله وطلع للبسه لسان، وضوافر، ده أكيد فيه اللي مقوكي، عملت فيكم إيه يازينة الستات؟!، مش مياصتك هى اللي عملت فيكي إكده، عايزه تمشي على حل شعرك ونسيبك إياك.

جلست عبير ببكاء وصدمه على المقعد، ولم تستطع الرد، نظرت لها بحزن فقط؛ فهى سبب التعاسه التي تعيشها حتى الأن، فجأه وقفت واتخذت قرار كانت قد أجلته لعل السعادة تعود لها.

نظرت لنواره وقالت ببكاء: شوفي يامرت خالي أنا مش هرد عليكي تهزيقك ليا، ولأهلي وده لأني متربية، وكمان بعشق جوزي لأبعد الحدود علشان إكده مش هاهين أمه، حتى لو هى هانتني؛ بس أنا بشر وخلاص لا قلبي، ولا عقلي هيستحمل تشكيكك، وإهانتك فيا لعند ما وصلتينا أنا، وسالم لطريق مسدود، أنا طالعه ألم خلجاتي، وهروح بيت أبوي؛ أبوي اللي انتي هنتيه وأنا عارفه إن دي هتبقى النهايه، يمكن إكده ترتاحي، وتشوفي ولدك فرحان، ومتهني.

رفعت نواره زاوية فمها وأخرجت زفير من أنفها باستهزاء وعقدت زراعيه امامها، وهى تقول: أيوه اتحججي بيا، إنتي بتستنى اللحظه دي من زمان، عايزه تمشي من إهنه علشان تاخدي راحتك في الطالعه، والداخله مفيش حد يحاسبك، بس انسي أنا ولدي راجل من صلب راجل، مهيسمحش بالمهذله دي
لو خرجتي بره البيت مهتدخليهوش تاني واصل، وولدي هجوزه بلغه غيرك، تكون تحت رجليه وهما كتير متلقحين، وحفيدي هيتربى وسطينا إهنه مش هنسيبه لواحده زيك تربيه.

مع نظرات الألم، والصدمه من عبير، وعجز عضلة لسانها عن التحرك لتنطق بأي شئ، نزلت ملك من أعلى الدرج وهي في قمة غضبها ووجهت حديثها لوالدتها.
بغضب، وحزن يمتلك نبرة صوتها: إيه ياما حرام عليكي، إنتي إيه متعظتيش حتى برجوعي ليكي مكسورة الخاطر؟!

عملت إيه عبير؟ كل ذنبها إنها عشقت ولدك الحيله، إنتي حتى عمر قلبك ما رق ليا بتكرهي البنات اللي انتي من جنسهم، وأهم حاجه عندك ولدك ماشي مقولناش حاجه؛ حافظي على سعادته بقى، تعرفي إن بتفريقك، وقساوتك كنت هتوصليني إني أكره أخوي الوحيد، بس هو قدر بحبه ليا وحنيته يحافظ على مكانته في قلبي، بس للأسف مقدرش يعمل إكده مع مرته، وأم ابنه، وعشقه، كل ده من زنك اللي خرب حياته.
نظرت لعبير وقالت بتحدي: لو هتسيبي البيت أنا رجلي هتسبق رجلك يا عبير، ده بيتك متضعفيش مسير الغشاوه تنشال من عين أخوي.

تفاجأت ملك بنواره تسحبها من خصلات شعرها، و صفعتها بقوة، وكادت أن تكمل فوقفت عبير لتمنعها، فرأت سالم يدخل مندفعاً وأخذ ملك بين أحضانه.
سالم بغضب مكتوم: بكفياك إكده يا أمي.
كادت أن تتحدث نواره إلا أنهم تفاجأوا جميعاً بعبير تسقط مغشياً عليها.
هرول سالم إليها بذعر وجلس بجوارها يربت على وجنتها، وينطق إسمها بصوت مرتعش، فقالت ملك بعد أن تناست ألم الصفعه إثر فزعها على عبير: اتصل بالدكتور ياسالم، إعمل حاجه.

نواره بتأفف: سيبك منها يا سالم ده كهن حريم، كي تداري غلطها ومتحسبهاش.
أخرج سالم هاتفه، ولم يعير لحديث والدته إهتمام، فقلبه يصرخ خوفا، هاتف الطبيبة المسؤولة عن النساء في عائلتهم، وطلب منها الحضور بأقصى سرعة، وحمل عبير بين يديه متجهاً بها نحو المصعد، فتبعته ملك بعد أن حملت مروان الذي، استيقظ بسبب الأصوات وأخذ يبكي عندما رأى عبير لا تنطق، ولم تحمله كعادتها.

بعد فتره مرت كالدهر على سالم المنتظر خارج الغرفه كما طلبت منه الطبيبه وظلت ملك فقط معهم بالغرفه أتمت الطبيبه فحص عبير وخرجت

اقترب سالم منها بلهفه: خير يا دكتورة طمنيني فاقت؟ وهى فيها شي؟
الطبيبة بنبرة عمليه: متقلقش هى فاقت وكشفت عليها، واضح انها مفيش تغذيه كويس وأختك أكدت ده إنها بقالها فترة مبتكلش كويس، كمان واضح انها اتعرضت لضغط عصبي مقدرتش تستحمله علشان كده فقدت وعيها، وده واضح من دموعها اللي موقفتش لعند ما أقنعتها إنها كده بتضر نفسها، وكمان الجنين.

سالم بتعجب: جنين!
الطبيبة: مبروك المدام حامل، لكن لو استمر الوضع كده تغذيه سيئه، وزعل هيأثر عليها بالسلب.
كتبت الطبيبة على أدوية، وطلبت من سالم إحضارها وقالت بعمليه: دي فيتامينات وحمض فوليك تستمر عليهم لعند ما تعمل التحاليل دي وتجيني العياده بعد اسبوع، وأهم حاجه التغذيه، والهدوء.

أخذ سالم الأوراق من الطبيبة، وشعر بالسعاده تدق أبواب قلبه، فها هو رب العالمين يعلم مدى حبه لزوجته، وأنه نادم حقاً على قسوته الغير مبرره، فأرسل له تلك الهديه، لتقوية العلاقه أكثر بينه وبين عشقه، أنعم عليه بأخ أو أخت لولده لتذداد أسرته الصغيرة الذي قرر الدفاع عنها قدر استطاعته، واسترجاع حبه الذي كان على وشك الضياع.

هذا ما دار بعقل سالم الذي ما أن أوصل الطبيبه خارج المنزل، حتى عاد مهرولاً نحو غرفته ليطمئن على عبير حياته.
دق الباب ودلف للداخل بسعادة لكن عبير ما أن رأته، حتى أشاحت بوجهها بعيداً عنه، فهو من أعطى المجال لوالدته في التمادي في إهانتها.
اقترب سالم من الفراش الذي تتوسطه عبير، وبجانبها ملك كل منهما تبكي بصمت على حالها.

سالم بحنان: ملك معلش ياغالية امسحى دموعك، وحقك عليا أنا متزعليش دموعك غاليه عندي أوي.
ملك وهى تجفف دموعها، وتقف: خلاص مش زعلانه، اتعودت على قسوتها من وانا صغيره.
نظرت لعبير وقالت بحنان: عايزه حاجه يا عبير، هعملك كوباية لبن وهجيبهالك بس اطمن على مروان الأول لأني سبته بيعيط مع سته، وخدته أوضتها.

هزت عبير رأسها بالنفي وقالت بصوت ضعيف: هاتيه لو سمحتي يا ملك عايزه ابني.
ملك: حاضر شويه واجيبه.
بعد أن خرجت ملك من الغرفه، تمدد سالم بجوار عبير ودقات قلبه تكاد تصرخ باسمها، مد يده وظل يمررها بهدوء على خصلاتها.
سالم بحب: ينفع إكده يا بيرو تفزعيني عليكي إكده، طيب انتي زعلانه مني وبتعاقبيني، ليه تعاقبي نفسك وتهملي في أكلك.

رغم حزنها إلا أن لمسته لها، وكلماته التي تعمل معها كعمل السحر، لاسيما تدليله لها بهذا الإسم المحبب كل ذلك أعاد لها الأمل في عودة الحبيب التائه في ظلمات القسوة، فنظرت له ليكمل إلا أن كلماته التالية قطعت حبل الأمل لديها.
سالم: طب حتى. خافي على اللي في بطنك حتى ده أخو أو أخت الغالي مروان.

هو أراد أن يحنن قلبها لتهتم بحالها؛ لكن خانه التعبير فقد أوصل لها أن سبب اهتمامه وكلماته حالياً هو حملها فقط، شعرت بغصة في حلقها، فأشاحت بوجهها مرة أخرى، وقررت أن تنهي هذه العلاقه مهما كان الثمن باهظاً فمن الواضح أن حبها قد ضاع ولن يعود نطقت بقهر: حاضر هاخلي بالي من اللي في بطني، أوامر تانيه؟
شعر سالم بحزن فهو إلى الأن لم يستطع وضع حل لمعانته، مما بدأ يؤثر على تركيزه الذي هو رأس مال عمله كضابط.

مال بهدوء وقبل رأسها قبله حنونه يتمنى أن يبثها كل الحب الذي ينبض في قلبه فيها، ثم نهض وخرج من الغرفه متجهاً لغرفة والدته عازماً على إنهاء تلك المهزله، واسترجاع حبه، وسعادته وإلا سيترك كل شئ ويرحل.

وقفت عبير بوهن نفسي، وجسدي، ودموعها تتساقط دون توقف، واتجهت نحو خزانة ملابسها، وأخرجت حقيبه بها ثيابها، كانت قد أعدتها من قبل لتقنع سالم أنها تريد الجلوس، بضع أيام مع عليا لتهدأ قليلاً، لكن الأن عزمت أن تتركه للأبد، إرتدت عبائتها، وحجابها سريعاً، وخرجت لتبحث عن مروان لترحل.

بعد فترة ليست بقصيرة، جلس فيها سالم مع والدته، شعر بحركة أمام باب الغرفة؛ فهرول مسرعاً خشية أن يكون أحد استمع للحوار الذي دار بينه وبين والدته، والذي أصابه بالذهول، والصدمة، وجد باب الغرفة لم يغلق جيداً، ففتحه مسرعاً فاستمع لصوت عليا مع ملك يصعدان الدرج المجاور للغرفة، نظر بتمعن لهما ليستشف ما أن سمعت إحداهما شئ، لكن بدى له أنهما لم يستمعا لشئ فهم ليسوا بحالة صدمة فبالتأكيد إن سمعت ملك ذلك الكلام ستصاب بصدمة قوية.

نظر سالم لعليا، وحاول جاهداً إخفاء حزنه، ولم ينظر تجاه ملك نهائياً.
سالم بتعجب: عليا! كيفك يا خيتي انتي عرفتي منين اللي حوصل؟! وكيف تاجي وحدك دلوك مكلمتنيش أجي أخدك ليه، ولا هو بدر وصلك؟!

عليا بتعجب: إيه كل الأسئلة دي، المهم أنا كويسه الحمد لله بس، هو إيه اللي، عرفته؟!
أنا كنت زهقانه قولت أجي اشوفكم والعب شويه مع مروان، ومكلمتكش لأننا لسه العشا يعني مش متأخر أوي عادي جيت وحدي.
سالم: لأ إهنه الوقت ده متأخر، بدر موصلكش ليه؟
عليا وقد بدى عليها الحزن قليلا: بدر معرفش هو فين، وعمر قابلني وحاول يوصلني بس قولتله هنا محدش يعرف انك صديق ابن عمي، فضل ماشي ورايا برده من بعيد لعند ما وصلت، ايه بقى اللى حصل؟

ملك بهدوء: مفيش سالم بس افتكر إن حد قالك على تعب عبير فجيتي.
عليا بفزع: عبير تعبانه مالها؟
ملك بهدوء: اهدي متقلقيش هى بخير، بس داخت شويه وطلعت حبله.
عليا بفرحه وهى تتجه لغرفة عبير وتجذب يد ملك: بجد طيب تعالي ياملك نروحلها، بعد إذنك يا سالم.
نادى سالم عليها برجاء: عليا حاولي، تأكليها أي حاجه.
عليا بابتسامه؛: حاضر.
هبط سالم الدرج، وخرج لحديقه المنزل، لعل الهواء البارد يطفئ النار التي تشتعل بين طيات صدره.

جلست في شرفة منزلهم المتواضع، وقد تناست حزنها إثر صدمتها اليوم من اكتشفها لحقيقة لم تتوقعها.
نظرت للسماء المزينه بنجمات متراصه بشكل جمالي، لا تعلم لما كل هذه السعادة التي تغمر كيانها؛ فهو لا يعني لها أي صله؛ لكن ما تعلمه أنها فرحت بشدة عندما اكتشفت أنه ما زال على قيد الحياه، أغمضت عيونها وعلى شفتيها ابتسامه وأرجعت رأسها تُسنده على الكرسي الذي تجلس عليه، وشردت تتذكر حوارها مع ليلى.

اتسعت عيونها بعد استماعها كلام ليلى فتحثت بصوت مرتعش: ب.. بس أنا شوفت د. كريم بنفسي لما العربيه خبطته، وحسيت وقتها إن روحي انسحبت لما شوفته مبيتحركش، لقتني بدون وعي مني روحت وراه المستشفى، وأول ما وصلت عند العمليات، سمعت صراخ بإسم كريم، وواحده كانت بتقول متسبنيش يا كريم يابني وقتها حسيت إن الرؤية عندي اتعدمت، ومشوفتش وشوش الناس قدامي، اتصدمت لدرجة أنا نفسي متخيلتهاش، مقدرتش أقرب خرجت بسرعة من المستشفى.

دمعت عيون ليلى عندما: أه فعلا كنت أنا أول من يعرف باللي حصل لأني بشتغل في المستشفى، وكان طارق جوزي معايا وقتها بالصدفه، صرخت فعلا وهو في العمليات بس ده لأني غمضت عنيا وتخيلت ان الدكتور طلع وقال البقاء لله من شدة قلقي، فتحت عيني ومحستش بنفسي بقول إيه وقتها، بس طارق ضمني وفضل يهديني.

حسناء بسعادة: يعني هو بخير الحمد لله صح؟

ليلى بتعجب للإهتمام حسناء الذائد: أيوه هو بقى كويس، بس بيعمل علاج طبيعي لرجله لانه بقى مبيعرفش يمشي كويس أوي بيها الحادثه أثرت عليها، واختار يعمله بعيد عن هنا؛ علشان حصلت معاه حاجات شخصية كده خنقته، فحب يبعد شويه، وأنا قولتله ههتم بساجد.
حسناء بفضول: بس هو كان بيقول إنه لسه هيخطب، إزاي بقى هو عنده ساجد؟!
ليلى: لا دي حكايه طويله مقدرش اتكلم فيها لأنها تخصه.

حسناء بإحراج: أسفه معلش فضولي غلبني.
ليلى مسرعه: مفيش، أسف حبيبتي إحنا اخوات، بس فعلا هو مبيحبش حد يتكلم في الحكاية دي.
حسناء بابتسامه: مش مهم؛ المهم إنه عايش وبخير وبس.
نظرت لها ليلى نظرة ذات معنى ظهرت فيها مهنتها كطبيبة نفسية تحلل ما تسمعه لتصل لعمق الشعور.

لاحظت حسناء نظراتها، فخجلت ووقفت.
حسناء: بعد إذنك هروح بقى حبيبتي.
ليلى: أنا طلبتك تاكسي زمانه وصل تحت، علشان مش هقدر أوصلك علشان الولاد، وعلشان اكون مطمنه عليكي لأن شكلك تعبان كده، نورتيني بجد يا نونه.
احتضنتها حسناء بحب، وفرحة وقالت: ربنا يديم الود بينا يارب.

يجلس في مكتب المحامي الخاص بعائلتهم، والصديق الصدوق لوالده الراحل منذ أيام قليلة، ويجلس معه صديقه علي الذي لا يتركه أبداً فحازم بالنسبة له مصدر للمال الوفير الذي يغطي سهراتهم، وحفلاتهم.
نظر حازم للمحامي وقالبنبرة يشوبها الغرور: ها يا أ. عزت كنت قولتلي واحنا في العزا انك عايزنى في موضوع مهم بعد ما يخلص، وأنا قولت أجي بنفسي أشوف إيه الموضوع، وكمان علشان نعمل إعلان الوراثة.

رفع عزت حاجبيه بتعجب من أسلوب حازم في الحديث؛ لا يبدي أي حزن على رحيل والده؛ بل كل ما يهتم له هو استلام الإرث فقط، هز رأسه باقتناع عندما تأكد أن قرار أمين كان صحيحاً.
تحدث حازم بضيق: خير يا متر مبتردش ليه؛ مش بكلمك أنا؟!

أراح عزت ظهره على كرسي مكتبه، ونظر لعين حازم مباشرة ليرى ردة فعله ثم تحدث بهدوء، وثقه: هو أنا كنت متخيل انك لسه حزين على والدك؛ فكنت مأجل الكلام لعند ما تفوق بس واضح انك تخطيت الموقف بسرعة، على العموم الموضوع اللي كنت هقولهولك إن أمين بيه الله يرحمه خلاني وصي عليك.

عقد حاجبيه بتعجب ثم رفع يده لأذنه وأمسكها من الخلف، وقرب رأسه قليلاً من المكتب وقال بسخرية: بتقول إيه؟! سمعني تاني كده يمكن أكون سمعت غلط أو معقول يكون كلامك موجه لحد تاني.

رفع صوته وتحدث بغضب: وصي إيه وزفت إيه يا أستاذ إنت اتجننت ولا إيه، هو أنا طفل قدامك لو نظرك ضعيف، ولا عقلك فوت أنا قدامك راجل عندي ٢٧ سنه.
اعتدل عزت ثم أخرج صور ل أوراق من درج مكتبه ومد بها يده لحازم في هدوء وهو يقول: مش وصي بالمعنى المشهور بس اقرأ دي وانت تعرف يابني، وبعدين قبل ما تقرأ الرجوله مش بالسن؛ لأ دي بالتصرفات.

جذب الأوراق منه بعصبيه واطلع عليها، واتسعت عينيه من الصدمة ثم نهض واقفاً وتحدث بصوت مرتفع وغاضب وهو يلقى الأوراق على سطح المكتب: إيه التهريج ده، يعني إيه كتب ليك كل حاجه بيع، وشرى انت أكيد نصاب.
عزت بهدوء: متغلطش ياحازم انت زي ابني، وكمان انت في مكتبي وده غلط كبير واهدى شويه كده علشان تفهم الكلام.

أشاح حازم بيده في الهواء وهو يتحدث تحت نظرات على المتعب لما يحدث: أفهم إيه أنا متأكد ان ده تزوير بابا هيعمل كده ليه، انت اللي طول عمرك معاه، وعارف عنه كل حاجه أكيد طمعت وعملت الورق ده واستغليت مرضه ومضيته بدون ما يعرف.

وقف عزت وتحدث بغضب: اسمع لما أقولك والدك كان أخ ليا وأنا معايا شهود انه عمل كده بإردته، وده لأنه كان عارف انك عيل تافه، وطايش وهتضيع شقاه وتعبه عمل كده وقالي أكون مكانه واللي تحتاجه هتاخده مني؛ بس أنا بقى مش زي أبوك أنا هربيك لأن الفلوس فسدتك، اللي هتحتاجه في حدود المعقول بس هتاخده، الفيلا هسيبك فيها لأني مش ناوي أخد منك ولا مليم لكن هحافظ على تعب أخويا لعند ما تعقل؛ أظن كلامي واضح.

التف حازم حول المكتب متجهاً لعزت وعينيه تشع غضب، ثم أمسكه من ملابسه يجذبه حتى كاد يختنق، وهو يردد: انت نصاب، وانا هوديك في داهية أنا هقتلك.

وقف علي مسرعاً، وحاول إبعاد حازم عن عزت إلا أن حازم كان كالنمر الشرس القابض على إحدى الفرائس، حتى تجمع العاملون في المكتب إثر سماعهم صوت حازم، ودلفوا المكتب الخاص بعزت وأسرعوا لإنقاذ، أبعدوا حازم عنه بصعوبه، فجلس هاوياً على الكرسي، وظل يسعل بشده، وأشار لهم أن يخرجوه من المكتب.
حازم وهو يحاول تخليص يده من قبضتهم: مش هسيبك يا عزت لازم أخد حقي، دي فلوسي وأملاكي.

خرج من المكتب وهو يكاد لا يرى أمامه من شدة الغضب، وخلفه علي يحاول تهدأته، استقلا السيارة، وانطلق بها بأقصى سرعه.

يقف خلف شرفة غرفته بتوجس دون أن يظهر نفسه لأحد من الذين يعملون في البيت بأكمله، فهم بالتأكيد يكنون الولاء لوالده، يتابع من بعيد والده في حديقة المنزل يجلس في الهواء الطلق، ويتحدث في الهاتف تمنى حامد أن شهيق أبيه يتوقف ولا يستطيع الزفير، فقد امتلأ قلبه كره، وحقد على والده، قاتل ولده، ومدمر حياته، فجأه ظهرت إمرأة تدخل إلى البيت تتلفت حول نفسها، وكأنها سارقة، أو ربما تكون من اللواتي يقضي معهم والده ليالي قذرة، لكنه تعجب فعلوان رغم قذارته، إلا أنه لا يحضر إحداهن للمنزل من قبل..

تمعن النظر كي يراها، فوجد أبيه يقف كمن لدغه عقرب، ونظر نحو شرفة حامد، فدخل حامد مسرعاً، حتى لا يراه، ثم بعد دقائق قليله نظر بهدوء لم يجد أحدهم، وسمع صوت صعود علوان لغرفته، ومعه تلك المرأة، فاانتظر حتى وصلوا عند غرفة علوان هذا ما استنتج من وقع خطواتهم، وصوتهم الخافت، فتح جزء من باب الغرفه، رأها خلف علوان و تتلفت خلفها، فصدم عندما عرفها، أغلق الباب ودخل مسرعاً وأمسك هاتفه أراد الإتصال بسالم، لكن تراجع كي لا يصدر صوت، فأرسل له رساله بهوية تلك المرأة التي بين أحضان أبيه الأن.

ثم وقف وخرج من غرفته متسللاً، لم يجد أحد من الخدم مستيقظ، وكان قد علم مسبقاً أن رجال علوان في الغرفه السرية خرجوا منها لعمل ما، فذهب بهدوء شديد للمكتب الذي استطاع سرقة مفتاحه من أبيه، وصنع منه نسخه، ودخله، مد يده أسفل المكتب و وضع سريعاً جهاز للتنصت قد أعطاه إياه سالم من قبل، وأخذ يبحث سريعاً عن أي أوراق تخص من يعمل معهم علوان، لكن للأسف لم يجد شيئاً، فقد كان علوان شديد الحرص، فخرج سريعاً، ولم يلحظ من رأه، فقد استيقظ أحد الخدم لجلب الماء، ورأى حامد يخرج من المكتب كاللصوص يتلفت حوله، وصعد سريعاً للأعلى.

أما عن علوان بعد أن سمح لنفسه تدنيس فراش زوجته الرحلة بأفعاله القذرة وقد كانت أول مرة يقوم بهذا الفعل البذئ في البيت لكن بما أنها أتت لم يتردد حتى قبل أن يسألها عن سبب حضورها، فشهوته تغلبت على عقله.
اعتدل في الفراش ثم نظر للمرأة التي بجواره، وهى تعدل من ملابسها.

علوان بضيق: جيتي ليه إهنه يابت المركوب انتي، الله يحرقك.
أم السعد: يوه يا بيه ما كنت حلو دلوك لسه، وبعدين الحق عليا، عايزه أوصلك الأخبار كيف ما أمرتني.
علوان بغضب مكتوم: إهنه في البيت، مكلمتنيش ليه؟!
أم السعد: علشان خفت ست عبير، أو ست نواره يسمعوني، والبيه يعلقني، وساعتها كف واحد مهستحملوش هقر انك مشغلني هناك علشان تعرف أخبارهم.

علوان: قولي اللي عندك يابومة انتي.
أم السعد: حامد ابنك طلق ست ملك، وسمعتهم بيقولوا مش هيقولوا لحد واصل دلوك.
علوان بصدمة: انتي متوكدة من حديتك ده يابت انتي؟
هزت رأسها بتأكيد وهتفت: إلا متوكده شوفت المأذون بعيني، وسمعتهم بوداني، وفهمت كمان من حديتهم إنك كنت غاصبه عليها، وإنها لسه بت بنوت لدلوك.

وضع يده على مقدمة رأسه، فقد شعر بدوار خفيف، فلم يتوقع أبداً خيانة ولده، بل كان ينتظر أخبار عن بيت سالم، وما يدور فيه فقط ليأخذ احتيطاته.
علوان بذهول: إيه تاني عندك ياوش الفقر؟
أم السعد: سالم بيه، وست عبير بينهم زعل، والبيه بقى ميجيش كتير البيت، وكانت خلتني اجهز ليها شنطه فيها خلجتها، وقالت هتستأذن من البيه وتروح كام يوم عند أختها في بيت أبوهم، علشان ترتاح.

علوان بجمود: عندك إيه تاني؟
أم السعد وهى تمد يدها: بس مفيش هات مزاجي بقى أبوس يدك دماغي هتتفرتك، وعايزه فلوس.
مد علوان يده في سترته، وأخرج منه كيس به مخدر، وبعض النقود وألقاهم أسفل قدمه، فجثت تلك الخائنه مسرعه دون تفكير والتقتتهم.
علوان: خليكي إهنه لما أتأكد إن محدش بره، مش عايز حامد يعرف بيكي علشان ميبلغش سالم؛ لأن اللي هيحصول لازمن يكون مفاجأة ليهم كلاتهم .

بالفعل أخرجها بعد قليل عندما تأكد من خلو الطريق تماماً، إلا من الخادم وهذا لا يعنيه فكل ولاؤه له، لكن اقترب منه هذا الخادم وهمس بجانب أذنه.
الخادم: حامد بيه كان في مكتبك يا بيه من شوية.
علوان بعين واسعة: بتقول إيه يا زفت إنت متوكد، كيف ده المفاتيح معاي.
الخادم: والله يابيه شفته بعيني اللي هايكلها الدود خارج منه.

تحدث علوان مع نفسه بحزن: إكده يا حامد وأني اللي فرحت وقولت هتبقى سندي كيف ما اتمنيت، لا وصدقتك بمخي الضلم إنك اتحولت وبقيت تحبني مرة واحدة، بس ماشي المكتب ومفيش فيه حاجه تثبتها عليا، وأنا هخليك تقر بطلاقك ل مرتك بنفسك، ولازم ترجعها.
صعد علوان لغرفته، دون أن يذهب لحامد كي يستطيع التفكير فيما عليه فعله.

بعد وقت طويل قضاه بدر عند تلك الشجرة التي لها أحلى ذكرياته مع عليا حتى وإن لم تكن رومانسيه إلا أن بها حب من أي نوع، فبعد أن ترك عليا عند البيت عاد مرة أخرى لنفس المكان كان يريد أن يصبح وحيداً يبث حزنه، وقهره للشجرة لعلها تكون الشئ الوحيد الذي يشعر بعذابه، لقد نالت منه خيبة الأمل مرة أخرى بعد إعتراف عليا أن كريم ما زال على قيد الحياة، الأمر الذي لم يحزنه مطلقاً فالقلب الأبيض لا يتمنى الأذى لأحد؛

لم يتمنى الموت له أبداً؛ لكن ما أحزنه أن عليا أخفت الأمر عنه، رغم وجوده في نفس البيت، أيعقل أنها تثق في شخص لهذه الدرجه دون أن يكون بينهم حديث مسبق، والأمر الأكثر إيلاماً إعترافها بحبها لكريم، فقد تخيل لوقت ما أنه قد تقرب منها، وستذوب جبال الجليد بينهم لكن هيهات، فهذا القلب الصغير الذي عشقه بكل كيانه، سرقه غريم أخر.

نظر بدر لجسده بقهر وضرب بطنه بقبضة يده بقوة، وحدثه وكأنه شخص يلومه.

أيعقل أيها الجسد أن تصبح قاتلي.
يالك من قاتل قاس على قلبي.
ما ذنبي أنا في معاناتك لألقى البعد والهجر.
لما لا تنصاع لإرادتي، فكم تمنيت أن تفهمني.
إن لم تعتدل فسأختنق معك إلى الأبد.

سالت دمعة حزن من عين العاشق، مسحها سريعاً وأخرج هاتفه وأجرى مكالمة لطبيب كان يتابع معه قبل أن يترك كل شئ وأتى خلف معذبته.

الطبيب/السلام عليكم.
بدر/وعليكم السلام يا دكتور، كنت حضرتك قلتلي إن جسمي رغم إن صحتي كويسة جداً إلا إن الحرق عندي قليل أوي.
الطبيب/ أيوة ده حقيقي يا بدر صعب التنظيم في الأكل يجيب معاك نتيجه، خاصة لو انت في حالة توتر في أجسام بتزيد مع الزعل أو التوتر.
بدر: بس حضرتك قولت ان فيه عمليه ممكن تتعمل تساعدني أنزل جسمي صح؟
الطبيب: أكيد صح بس وقتها قولت إنك محتاج تحقق حاجه الأول قبل ما تعملها.
بدر بحزن: لا خلاص اللي كنت بتمنى يحصل ضاع، هاجي لحضرتك في أقرب فرصه.
الطبيب: تمام منتظرك.

أغلق بدر الهاتف، ووقف متجهاً للبيت، وعندما دخل لشقته هو وعمر وجد عمر يجلس شارداً، حتى أنه لم ينتبه لدخوله.
بدر: عمر ياااااعمر.
عمر بخضه: إيه فزعتني يا أخي جيت إمتى؟
بدر بهدوء: من بدري بس انت في عالم تاني مالك؟!

عمر بهيام: بفكر في اللي بدلت حزن قلبي لفرح من أول مرة، وكأني محبتش قبل كده، إيه الأدب ده، إيه الأسلوب الجميل في الإقناع ده، إيه التواضع، وكمان جمال المظهر، والجوهر.
قاطعه بدر بتعجب: إييييه هى دي مين يابني اللي عملت فيك كده وشوفتها فين؟ احنا هنا في قنا مش اسكندريه.
عمر بإحراج: صراحة تبقى ملك يابدر أخت
سالم.
بدر بدهشه: انت اتجنيت معقول كام مرة يعملوا فيك كدة؟! أوعى تكون زعلتها أو غلط بحرف معاها.

عمر بحب: من اول مرة وحياتك يا بدر وكلمها كأنه بلسم داوى جرحي، وتأكدت من إيديها إنها مش مرتبطه.
توتر بدر فلم يكن يستطيع أن يخبر صديقه أنها مطلقه بالفعل لأن سالم منع ذلك، وفي نفس الوقت يخشى أن يقول انها متزوجه فيصدم عمر مرة أخرى فصمت وترك الأيام تقول كلمتها في تلك العلاقه.

عمر: إيه رحت فين هو ممكن سالم أو هى يرفضوا ؟! أكيد عليا ليها تأثير عليها هما قرايب وصحاب.

تغيرت ملامح بدر للحزن والألم عند ذكر اسم عليا.
عمر: إيه حكايتكم انت وعليا انت زعلت لما سمعت إسمها، وهى شكلها زي الورده الدبلانه وكأنها مخنوقه من حاجه.
بدر بتعجب: انت شوفتها فين؟
عمر: كانت نازله رايحه بيت أختها، وحبيت أوصلها قالت ميصحش، سألت عليك قولتلها معرفش انت فين، وفونك مقفول، مشيت ومشيت انا وراها من بعيد لعند ما اطمنت إنها وصلت، ودخلت.

وقف بدر فجأة تعجب لها عمر، وقال: يعني عليا مش فوق، طيب أنا جاي أهو.
خرج من الشقه، وصعد الطابق العلوي فصعد خلفه عمر متعجباً من تصرفه، نظر بدر لشقة مصطفى وتوجه لها، ودق الباب مرات عده.
عمر: إنت يا بني بتعمل إيه مفيش حد في البيت غيرنا وعليا وبس.

بدر: لا الشقه دي فيها واحد اسمه كريم.
عندما لم يأت لبدر رد من الداخل قرر أن يدخلها دون تراجع، وكأنه قد لغى عقله، وحركه قلبه فقط، فعاد للخلف ثم دفع الباب المتهالك إثر مرور السنين عليه، فكسره، تحت نظرات عمر المصدومة، فلأول مرة يرى بدر هكذا، دخل بدر المنزل، وخلفه عمر، وصدما مما رأوا.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة