قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية حب أعمى للكاتبة شاهندة الفصل الثاني

رواية حب أعمى للكاتبة شاهندة بكامل فصولها

رواية حب أعمى للكاتبة شاهندة الفصل الثاني

كانت نوران تفرك يديها بتوتر، تنتظر لقاء سليم بعد ان ذهبت الدادة سعاد تخبره بأن نور، خطيبته السابقة، تود رؤيته، تعلم أن ما تفعله هو خاطئا مائة بالمائة، ولكنها لا تستطيع أن تمنع نفسها عن أن تكون بجواره ولو كلفها ذلك كل شئ، حتى حياتها نفسها، تهون من أجله، من اجل قربه، من أجل عشقه الذى يجرى بدمها، سمعت خطواته تقترب لتزداد توترا..،

أطل بوجهه الوسيم وجسده الرشيق، لترتفع دقات قلبها وتطرق فى صدرها كالمطرقة، فلأول مرة بحياتها ومنذ أول لحظة عرفته فيها، تكون بمواجهته، قريبة منه الى هذا الحد، مازال وسيما كما عهدته بل ربما ازداد وسامة، تختفى عيناه العسليتان خلف تلك النظارة السوداء والتى تليق به، وقف بمواجهتها، تبدو ملامحه غامضة يلفها البرود..

حاولت بصوت بالكاد خرج منها ثابتا، تحاول السيطرة على رعشته والوصول به الى صوت نور التقريبى، فلطالما كانت بارعة بتقليد الأصوات، ليخرج منها مرتعشا رغما عنها وهى تقول:
اذيك ياسليم عامل ايه؟

مال فمه لترتسم ابتسامة شبه ساخرة على شفتيه وهو يقول:
زى ما انتى شايفة، عايش يانور
تأملت ملامحه بشوق، ترغب فى معرفة كل شئ عن حياته منذ أن غابت عنه، ولكنها وجدت نفسها تقول بتلعثم:
واضح انك، يعنى، لسة، بتلعب رياضة

ظهرت ابتسامته الساخرة واضحة تلك المرة وهو يقول:
والواضح انك بتقولى أى كلام يانور
ثم مال برأسه لتشعر به أقرب إليها حتى أن أنفاسه الساخنة لفحتها وهو يقول ببرود رافعا حاجبه الأيسر:
جاية ليه يانور؟وياريت متهينيش ذكائى، وتقولى الحقيقة، يعنى تجيبى م الآخر

ابتلعت ريقها بصعوبة وهى تقول بهمس:
أنا جاية علشانك ياسليم
اعتدل ضاحكا بسخرية، لتتوقف ضحكته فجأة كما بدأت وهو يقول فى سخرية:
عشانى أنا، إيه، وحشتك يانور؟، ولا مش قادرة تعيشى فى بعدى؟ولا يمكن ندمتى على غلطتك فى حقى وجاية تصلحيها
قالت بقلق، تخشى أن يكون قد كشف كذبتها:
وليه لأ؟

أطلق ضحكة ساخرة أخرى، جعلتها ترتجف من الخوف، لتتوقف ضحكته وهو يميل عليها قائلا بشراسة:
جاية بعد ما اتخليتى عنى فى عز ما احتاجتلك، بعد ما سيبتينى سنة بحالها ورفضتينى بسبب عمايا، بعد ما كسرتى قلبى ودبحتينى، عايزانى أصدقك لما تقوليلى انى وحشتك، او انك ندمانة، قلتلك متهينيش ذكائى، مستحيل نور اللى عرفتها، نور اللى خانتنى، يطلع فجأة عندها شعور وبتحس
ليعتدل قائلا بصرامة:
قولى بسرعة، جاية ليه، وعايزة منى ايه؟

أغمضت عينيها بألم من جراحه التى تبدو حية، يذبحها المه الظاهر فى صوته من تخلى ابنة عمتها عنه، تشعر بذلك الألم يتردد صداه فى صدرها، لتقول بصوت صادق النبرات، تظهر كل مشاعر الألم والندم فيه، يتهدج من دموعها التى تحبسها داخل مقلتيها:
أنا آسفة ياسليم، آسفة لو مكنتش جنبك فى الوقت اللى احتجتنى فيه، آسفة لو اتخليت عنك وصدمتك، بس والله ما كان بإيدى، بعدى عنك كان غصب عنى، يمكن مش هقدر دلوقتى اقولك أسبابى..،

يمكن فى يوم من الأيام أحكيلك، بس اللى عايزاك تكون متأكد منه ان بعدى عنك قتلنى، خلانى عايشة ومش عايشة، أنا ندمانة على كل لحظة بعدت فيها عنك، وندمت ورجعتلك، أنا أدامك أهو، مستعدة لأى عقاب تحكم بيه علية، بس متبعدنيش عنك تانى، واوعدك، اوعدك أكفر عن أى ذنب عملته فى حقك، وأنسيك كل جرح اتسببتلك فيه..

ظلت ملامحه باردة ثابتة لاتعكس أى رد فعل منه على كلماتها سوى اختلاجة بسيطة فى فكه عجز عن اخفائها، وهو يشعر بصدق نبراتها، بحبها، بندمها، حتى كاد أن يصدقها لولا أنه بات يعرفها جيدا ليدرك أن أمثالها لا يعرفون الحب، ليقول ببرود قاتلا أى حنين بقلبه إليها:

آسف مش مستعد أنجرح ولا مستعد أرجع مغفل وأصدق كلامك من تانى، أو أجازف وأصدق دموع التماسيح بتاعتك، مش مستعد أسلملك قلبى تانى عشان تخونيه وتكسريه وتلعبى بيه، زمن الحب والكلام الفارغ ده بالنسبة لى انتهى، زى ما انتى انتهيتى وخرجتى من حياتى للأبد، ياريت ترجعى مكان ما جيتى، ندمك جه متأخر أوى، أوى يانور..

التفت ليغادر فأمسكت بذراعه بتوسل قائلة من وسط دموعها التى سقطت رغما عنها:
أبوس إيدك ادينى فرصة واحدة، واحدة بس، أصلح فيها غلطتى، أنا مش قادرة أعيش من غيرك ياسليم، أقولك، خلينى بس جنبك، آخد بالى منك، أنا بقيت ممرضة شاطرة عشانك، أو بلاش ممرضة، خلينى خدامة فى بيتك، بس متحرمنيش من قربك ياسليم..

عقد سليم حاجبيه بشدة، يشعر بالتوتر يسرى فى كل جسده من لمستها اياه، ونبرات صوتها التى تتسلل الى وجدانه تتوسل اليه ان يصدقها، تعجب من كلماتها، كم تبدو صادقة، وتعجب أكثر من طلبها الغريب فى أن تعمل لديه حتى وان كانت كخادمة فقط لتظل بجواره، تلك أبدا لا تشبه نور التى يعرفها، فنور التى ارتبط بها لا تتوسل ولا تهين كرامتها من أجل أحد أيا كان، حتى لو كان حبيبها..،

بل تكبرها وغرورها يمنعانها من ذلك، ترى أيكون لنور شخصيتان، ام أنها تمثيلية منها لغرض ما، أصابه كل ذلك التفكير والحيرة بصداع رهيب، ضرب رأسه بقوة، حتى أنه فقد اتزانه وأحس أنه على وشك فقدان الوعى، لتتمسك نوران به قائلة بقلق وقد لاحظت شحوب وجهه:
سليم، انت كويس؟

تمالك نفسه وهو ينزع يدها عنه قائلا فى حدة:
وفرى قلقك ده لنفسك ومتلمسنيش تانى لو سمحتى

شهقت وهى تضع يدها على فمها تتألم من معاملته الخشنة لها، تترقرق الدموع فى مقلتيها مجددا، لتتمالك نفسها وتعترف انه لا فائدة من وجودها فى هذا المكان، فسليم قد تغير كلية، لذا يجب عليها البقاء بعيدة عنه، أخذت نفسا عميقا ثم قالت بصوت متهدج النبرات:
الظاهر انى غلط فعلا لما جيت، أنا همشى خلاص ومش هزعجك بوجودى تانى، بس ياريت تلاقى فى قلبك ولو ذكرى واحدة كويسة عنى تخليك تقدر تسامحنى..

لتتحرك ببطء مغادرة المكان تسبقها دموعها ليستوقفها صوته وهو يقول بحزم:
استنى !
التفتت إليه دون أن تنطق بكلمة، ليتقدم منها خطوة قائلا فى هدوء:
انتى قلتى إنك ندمانة صح؟
قالت بانكسار:
من كل قلبى

قال متابعا بهدوء:
وقلتى انك مستعدة تشتغلى خدامة فى بيتى بس تفضلى جنبى صح؟
قالت بقلق:
أيوة صح
أومأ برأسه قائلا ببرود:
وأنا موافق
عقدت حاجبيها فى حيرة قائلة:
موافق على إيه؟

قال ببرود:
هتعيشى فى بيتى خدامة، زيك زى نعمة بالظبط، هى آخدة أجازة عشان عندها ظروف فى البيت وانا كدة كدة كنت محتاج حد يشتغل بدالها
لتسود نبرات صوته السخرية وهو يميل بوجهه جانبا مستطردا:
ها، لسة عند رأيك ولا هترجعى فى كلامك؟

نظرت الى ملامحه فى حيرة، تخشى أن توافق وهى تعلم علم اليقين أنه يريدها كى ينتقم منها، ولكنها أيضا تخشى الافتراق عنه مجددا، لتتأكد أن عذابها فى قربه أهون ألف مرة من عذابها فى بعده، لتقول بحزم:
لأ مش هرجع فى كلامى، أنا موافقة ياسليم، أهم حاجة انى أكون جنبك حتى لو ده معناه انى أشتغل خدامة فى بيتك

اعتلت ملامحه الدهشة وكأنه لم يتوقع تلك الإجابة منها لينفض دهشته بسرعة ويقول بثبات:
هنشوف يانور، هنشوف نور هانم الصباغ هتستحمل عيشة الخدامين لحد امتى؟

اقتربت منه حتى أصبحت أمامه تماما قائلة بهدوء:
هستحمل ياسليم، هستحمل لغاية ماتتأكد إنى بحبك وإنى عمرى ما حبيت قبلك ولا هحب بعدك

سقط ذلك القناع البارد عن وجه سليم وظهر عليه تأثره بكلماتها الصادقة والنابعة من أعماق قلبها، ليعقد حاجبيه فى حيرة، ولكنه تمالك نفسه ليعود ويرسم ذلك القناع البارد مجددا وهو يقول ساخرا:
هنشوف يانور، بكرة الأيام تبين كل واحد على حقيقته، وساعتها هنعرف مين الأصلى ومين المزيف فى مشاعره

كانت ضحى تمسك بطبق طفلها تيم بيد، والملعقة مليئة بطعامه باليد الأخرى، تحاول أن تطعمه إياها دون جدوى، لتقول بملل:
يوووه بقى ياتيمو، هتجرينى وراك طول النهار وهتغلبنى وفى الآخر برضه مش هتاكل صح؟

انطلقت ضحكة الصغير لتبتسم هى فى حنان، ليتناهى الى مسامعها صوت زوجها شهاب يقول بسخرية:
آه ما انتى تجرى ورا تيمو طول النهار تأكليه وتشربيه وتضحكيه وتلعبى معاه وتنيميه، لكن تيجى لحد عندى وياإما مشغولة بتيم، ياإما تعبانة ومش قادرة، صح ولا أنا غلطان؟
رمقته ضحى بغيظ وهى تعتدل فى جلستها قائلة:
إيه ياشهاب، فيه إيه، إنت بتغير من تيم ولا إيه؟مش تيم ده ابنك زى ما هو ابنى، مين هياخد باله منه غيرى، ها؟

اقترب شهاب منها قائلا بعتاب:
أكيد مش هغير من ابنى ياضحى، بس كان نفسى تهتمى بية نص اهتمامك بيه، تيم عنده الدادة ممكن تأكله وتشربه وتهتم بيه بردو، لكن أنا ياضحى مين هيهتم بية غيرك، وبعدين تعالى هنا وقوليلى، فين ضحى اللى كان شهاب أهم واحد فى حياتها، اللى كان يومها بيبتدى فى حضنه وبينتهى بردو فى حضنه، فين ضحى اللى كانت حياتى معاها جنة ولما كنت اروح شغلى كنت أعد الساعات عشان ارجعلها وأخدها فى حضنى عشان بكون متأكد من إنها مستنيانى وفاتحالى دراعاتها الإتنين عشان أرتاح جواهم، راحت فين ها، ردى علية وقوليلى روحتى فين ياضحى؟

قالت ضحى بعصبية:
على فكرة ياشهاب انت مأفور أوى، أنا زى ما أنا متغيرتش، إيه يعنى مشغولة عنك شوية بابننا، ده شئ عادى جدا وبيحصل لكل الأمهات، وانت المفروض تكون متفاهم ومتعاون كمان..
نال فمه بسخرية وهو يقول:
مأفور، وانا المفروض أكون متعاون، لأ وكمان انتى لسة زى ما أنتى، طيب

اقترب منها بخطوات سريعة ليقف فى مواجهتها تماما ويمسك الطبق والملعقة من يديها، ويضعهم على الطاولة أمامها ليسحبها بعد ذلك من يدها وسط دهشتها، حتى وصلوا الى مرآة كبيرة وسط الردهة ليوقفها أمامها ويقف خلفها مباشرة قائلا فى حدة:
فين ضحى دى، بصى لنفسك فى المراية وقوليلى، انتى زى ما انتى ازاى بس؟شعرك ده روحتى ظبطيه عند كوافير من امتى ؟، بشرتك دى آخر مرة اعتنينى بيها كانت امتى؟...

ثم أشار الى كامل جسدها قائلا:
هدومك دى غيرتيها من الصبح؟، طيب ملاحظتيش انها ضاقت عليكى وان وزنك زاد، أكيد لاحظتى بس المشكلة بقى، عملتى ايه لما لاحظتى ده؟ولا أى حاجة صح؟اهمالك ابتدى بيكى ووصلك لإهمالك فية، والست الشاطرة مش اللى تحافظ بس على بيتها وولادها، لأ، الست الشاطرة هى اللى تعرف كمان تحافظ على نفسها وجوزها وتهتم بيهم، بس للأسف انتى أهملتى الاتنين..

كانت ضحى تستمع الى ثورته المتمثلة فى كلماته الحادة وقلبها يتمزق من الصدمة، من الألم، من كل ماتحتويه كلماته من انتقادات لها، تعلم بداخلها أنها انتقادات صحيحة مائة بالمائة، ولكنها مؤلمة بل قاتلة لأنها تأتى منه، من زوجها وحبيبها شهاب، لتدرك فى لحظات تلك الفجوة التى أصبحت بينهما، وتدرك أنه يحمل لها الكثير فى قلبه..،

كلماته لها كانت قاسية ومريرة ربما لو نصحها برفق لتقبلت منه تلك النصيحة ولكنها جاءت منه كإهانة لها، غرست سكينا فى قلبها لتترقرق دموعها وهو تقول:
أد كدة بقيت وحشة فى نظرك ومش عاجباك، أد كدة بقيت ست مقصرة فى حق نفسها وجوزها، طب ايه اللى جابرك تعيش مع واحدة بالشكل ده، ما تطلقنى ياشهاب وترتاح منى..

أمسك شهاب بيدها فى قوة يديرها لتصبح فى مواجهته قائلا بغضب:
انتى أكيد اتجننتى، طلاق إيه اللى بتتكلمى عنه؟هو ده اللى طلعتى بيه من كلامى، هو ده رد فعلك؟انا مش هحاسبك دلوقتى على الهبل اللى انتى بتقوليه ده، بس أوعدك لما أرجع من شغلى، هيبقى لينا كلام تانى مع بعض، لإنى بجد اتخنقت، ومش قادر أكمل بالشكل ده..

ثم تركها وغادر المنزل بخطوات غاضبة، تتبعه عيناها بصدمة، نزلت دموعها فى ألم، وهى تدرك أنها أفاقت من حلمها الرومانسى الجميل على كابوس بشع، أفاقت من أوهامها بأن حياتها كاملة، بل مثالية لتكتشف بقسوة أن حياتها ليست بذلك الكمال ولا تلك المثالية التى تخيلتهم، وأنها لابد وأن تفكر جيدا أو ربما تعيد حساباتها وتتخذ بعض القرارات الحاسمة، لتنظر الى طفلها تيم، ثم تعقد حاجبيها تنفى تلك الأفكار عن رأسها، وهى تقنع نفسها أن كل ما حدث منذ قليل هو ذوبعة فى فنجان وستمضى على خير،،، أو هكذا تتمنى..

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة