قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية حب أعمى للكاتبة شاهندة الفصل الثاني والعشرون

رواية حب أعمى للكاتبة شاهندة بكامل فصولها

رواية حب أعمى للكاتبة شاهندة الفصل الثاني والعشرون

كانت بدور تشعر بالنهاية آتية لا محالة، أنفاسها تختنق من تصاعد أدخنة النيران من حولها والرؤية تكاد تكون معدومة، مر شريط حياتها أمامها، تشاهده فى مرارة، كم أخطأت فى حق نفسها، كم أذنبت فى حق كل من حولها، ابتداءا من والديها عندما عارضتهما وأصرت على الزواج من نزار ثم رضاها بالبعد عنهما عندما خيراها بينه وبينهما، لتختار بكل غباء نزار، وأخطأت فى حق نزار نفسه بخنوعها وصمتها على ايذاءه لها ليتمادى أكثر وأكثر..،

لم تدرى لم ظهرت أمامها الآن صورة زين، لتدرك أنه حتى ذلك الرجل الغريب عنها قد أخطأت فى حقه وظلمته كثيرا، فلم ترى منه سوى الرجولة والشهامة ولم يرى منها سوى نكران الجميل والجحود، لترفع عينيها الى السماء تبتهل الى الله بدموع تغشاها، تطلب منه أن يغفر ذنوبها، تتمنى لو أتيحت لها فرصة أخرى لتطلب الغفران من كل من أذنبت فى حقهم ليتناهى فجأة إلى مسامعها صوت تحطم الباب، لتسمع صوت شهاب ينادى باسمها صارخا:
بدور، بدور..

حاولت بصوت مختنق أن تناديه ولكن صوتها جاء ضعيفا هزيلا، سمعت صوت نزار يصرخ بدوره باسمها:
بدوور، يابدووور
لتأخذ نفسا عميقا ثم تصرخ بكل ما فيها قائلة:
أنا هنا
التقطت آذان زين صوتها ليقول لشهاب:
هناك ياشهاب، أنا هروحلها وخد انت الحيوان ده برة

اومأ شهاب برأسه واتجه الى نزار الملقى أرضا، بينما اتجه زين الى بدور حتى وصل اليها ليقول بلهفة:
بدور
قالت بضعف أدمى قلبه:
زين، أنا خايفة
تحسس قيودها وهو يحاول حلها قائلا:
متخافيش يابدور، هخرجك من هنا حالا

بحث عن شئ يقطع به قيودها، فلم يجد سوى زجاجة كسرها وأخذ قطعة منها وجلس على ركبتيه قبالتها يحاول قطع تلك القيود لا يهتم بيديه التى بدأت تنزف من قطعة الزجاج لترى بدور دماءه وتصاب بالجزع قائلة:
زين، .ايدك
لم ينظر اليها وهو يتابع تقطيع تلك الحبال التى تربطها بذلك الكرسى الضخم والثقيل قائلا بحزم:
مش مهم، المهم تخرجى من هنا

نزلت الدموع من عينيها تدرك مدى شهامة وأخلاق ذلك الرجل، كم أخطأت فى حقه، حتى أثقلها شعورها بالذنب تجاهه، لتقول بنبرات متهدجة من العبرات:
أنا آسفة
رفع عينيه اليها عندما شعر بدموعها ليرفع يده السليمة يمسح دموعها قائلا بحنان:
مش وقت الدموع يابدور، عشان خاطرى بطل عييط، وسيبينى أركز فى اللى بعمله

اومأت برأسها وهى تقع أسيرة لمسته الرقيقة ونبراته الحانية، ليعود زين الى تلك القيود يقطعها حتى تحررت لينهضها بسرعة ويخلع جاكيته ويحيطها به وهو يضمها اليه مارا بها بين النيران، ليجد شهاب على باب المنزل يقول فى قلق:
اتأخرتوا ليه؟
قال زين بسرعة:
مش وقته ياشهاب، يلا نخرج، المكان كله بينهار

أومأ شهاب برأسه وهم يتجهون بسرعة الى الخارج، وما ان خرجوا حتى دوى انفجارا هائلا بذلك المنزل ليندفعوا جميعا الى الأمام واقعين على الأرض ...
صرخ سليم الواقف بالخارج بجوار السيارة يلعن عماه الذى منعه من مساعدتهم، ليندفع باتجاه البيت غافلا عن ذلك الحجر الذى تعثر به ليسقط على وجهه مرتطما بالأرض بقوة، ومغشيا عليه

نهض كل من شهاب وزين وبدور ينظرون الى المنزل بصدمة فثوان أخرى بداخل ذلك المنزل وكانوا سيصبحون جثث هامدة لترتعش بدور وهى تبكى بشدة، ليلتفت اليها زين ويضم وجهها بقوة قائلا:
بدور انتى كويسة، كويسة صدقينى

نظرت الى عينيه فى بادئ الأمر بنظرات ذائغة، ليجبرها دفئ عينيه على العودة الى واقعها وأنها حقا بخير، لتهدأ شهقاتها ويضمها هو بحنان، لتستكين داخل صدره، ينظر اليهم شهاب ليدرك أن هذا الرجل واقع وبشدة فى حب تلك المرأة ليبتسم بهدوء، وهو يبتعد متجها الى السيارة..،

ليرى سليم الواقع أرضا .قفز الرعب فى قلبه ليتجه اليه بسرعة صارخا باسمه ليلتفت كل من زين وبدور على صراخه، فأبصروا سليم ممددا على الأرض، ليسرعوا جميعا اليه، كان شهاب اول من وصل اليه ليرفعه عن الأرض، يتحسس بقلق ذلك الوريد فى عنقه ليزفر بارتياح قائلا:
الحمد لله النبض تمام بس لازم ننقله المستشفى حالا

نظر اليه زين قائلا بلهفة:
ومستنيين ايه ؟ ؟ يلا بينا

حمل كل من شهاب وزين سليم بحذر وأدخلوه الى السيارة ليجلس شهاب ويضع رأس سليم على قدميه بحذر شديد، فمن الواضح من تلك الدماء على رأسه ان اصابته خطيرة بينما قال زين مشيرا الى نزار الملقى أرضا:
مش هناخد الحيوان ده معانا، أحسن يفوق ويهرب

ليقول شهاب بسرعة:
ملوش لزوم يازين، نزار مستحيل يهرب

نظر اليه زين ليدرك مقصده، نزار قد مات وانتهى الأمر، ليلقى نظرة سريعة على بدور التى فهمت مقصده بدورها لتتسع عينيها بصدمة وهى تنظر إلى جثة نزار ثم تشيح بوجهها فى ألم، فأسرع زين يضمها اليه لتبكى بقوة بين ذراعيه، ليقاطع بكاءها صوت شهاب القلق قائلا:
أنا آسف ياجماعة، بس سليم لازم يروح المستشفى حالا

لتخرج بدور من حضن زين وهى تتجنب النظر اليه، وتركب السيارة فى جمود، تنهد زين ثم أسرع يركب السيارة ويقودها بسرعة، يرجوا الله أن ينجى صاحبه، وأن تنتهى تلك الليلة دون خسائر أخرى

خرج الطبيب بعد فحص سليم قائلا للجميع:
مع الأسف الحالة حرجة ولازم يدخل عمليات حالا، الوقعتين اللى وقعهم، حركوا مكان قطعة الازاز اللى كانت ضاغطة على عصب البصر وده فى حد ذاته هيسمحلنا بإننا نشيلها لإنها خرجت برة مكانها اللى كان حساس جدا وصعب نقرب منه، بس فى نفس الوقت العملية دى فيها خطر على حياته ولازم حد فيكم يمضى على موافقته باجراء العملية

قال زين بحزم:
أنا اللى همضى واتفضل قوم باجراءاتك يادكتور
أومأ الطبيب برأسه قائلا للمرضة بجواره:
جهزوا المريض ودخلوه اوضة العمليات وهاتوا الاقرار للأستاذ عشان يمضيه، واستدعوا الدكتور عماد، بسرعة
أومأت الممرضة برأسها وهى تسرع فى خطواتها لتنفذ أوامر الطبيب ليقول هو:
بعد اذنكم هجهز للعملية
قال شهاب:
اتفضل يادكتور

ما ان غادر الطبيب حتى قال شهاب لزين:
زين وصل بدور الفندق ترتاح وبلغ نوران، أكيد هتحب تكون موجودة جنبه وطمن ضحى لإنها أكيد قالبة الدنيا علينا
أومأ زين برأسه قائلا بهدوء:
يلا يابدور، تعالى معايا
قالت بدور بحزن؛
خلينى هنا يازين، بدور أكيد هتحتاجنى جنبها

شع قلب زين حبا لها، فعلى الرغم من كل ما مرت به اليوم وعلى الرغم من آلامها تود أن تظل بجانب صديقتها تؤازرها فى محنتها ليقول بحنان:
طيب تعالى معايا عشان توصليلها انتى الخبر، وابقى ارجعى معانا
اومأت برأسها ليمد يده ويمسك بيدها لتترك يدها مستسلمة له وهو يأخذها ويتجهان الى خارج المستشفى تتبعهما عينا شهاب الذى قال:
يارب، كفاية خسارة ووجع قلب، ريح قلوبنا على حبايبنا يارب

قالت أريج بعصبية:
يعنى ايه لسة مرجعوش؟ راحو فين يعنى؟
قال محدثها:
قلتلك ياهانم، سافروا ولسة مرجعوش
قالت فى توجس:
متأكد انهم سافروا ولا هاجروا؟
قال محدثها فى نفى:
لأ ياهانم، سافروا، أنا صاحبت البواب وقالى ان شهاب بيه بيتصل بيه بنفسه يوميا يطمن على أحوال البيت

أمسكت جسر أنفها وهى تغمض عينيها قائلة:
خلاص خليك مع البواب وأى جديد بلغنى بيه، مفهوم؟
قال محدثها:
مفهوم ياهانم
لتغلق هاتفها وهى ترجع بظهرها الى الوراء، تستند برأسها الى الكرسى قائلة:
هتروحوا منى فين؟ انت لية ياشهاب مهما حصل، انت وفلوسك لية أنا وبس
لتطلق ضحكة شيطانية، تليق بشيطانة مثلها

كان لقاء بدور بصديقتيها لقاءا عاصفا، امتزجت فيه الدموع، تحتضنها كل منهما وهما لا تصدقان بأنها قد عادت اليهم سالمة، .أمسكتها ضحى من يدها وأجلستها قائلة:
تعالى احكيلى الزفت ده عمل فيكى ايه ياقلبى؟
قالت بدور من وسط دموعها:
خلاص ياضحى مبقاش يجوز عليه غير الرحمة، نزار مات

اتسعت عينا ضحى بصدمة لتقول نوران بحزن:
لا حول ولا قوة الا بالله، الله يرحمه
قالت ضحى فى حزن:
ربنا يسامحه على كل اللى عمله
أومأت بدور برأسها قائلة فى ألم:
الله يرحمه ويغفر له

لتقول نوران موجهة حديثها الى زين الذى كان يتابع مايحدث فى صمت حزين:
سليم فين يازين؟
لم يدرى كيف يخبرها بان سليم يخضع الآن لعملية خطيرة، صمته أقلق نوران وضحى لتقول ضحى بقلق:
شهاب وسليم راحوا فين يازين؟
كاد ان يقول شيئا ولكن بدور سبقته قائلة فى حزن:
سليم وقع على راسه يانوران وهو دلوقتى بيعمل عملية وشهاب فى المستشفى ياضحى، فضل معاه

نظرت نوران الى بدور فى صدمة بينما وضعت ضحى يدها على فمها، رفعت نوران وجهها الى زين تترجاه أن ينفى كلمات بدور، ليخفض نظراته ألما لتصرخ نوران فى لوعة قائلة:
سليييم

كان الجميع يقفون خارج حجرة العمليات، تلتف الفتاتان حول نوران يواسونها بينما وقف كل من زين وشهاب يشعران بالقلق فعملية سليم استغرقت وقتا طويلا، جميعهم ينتظرون خروج الطبيب بلهفة وخوف، ليخرج اليهم الطبيب بالفعل ويسرعون اليه، ليقول بهدوء وبلهجة عملية:
العملية نجحت والحمد لله، بس أحب أنبهكم ان عصب البصر كان مضرر بشكل خطير، احنا عملنا اللى علينا والباقى على الله، عن اذنكم

ثم غادر بهدوء، لتتعالى شهقات نوران وهى تفهم ما يحاول الطبيب أن يوصله اليهم، وان سليم قد يصبح أعمى بشكل دائم ولا أمل مجددا لاجراء اى عملية يستعيد بها بصره، فازالة قطعة الزجاج كانت الأمل الوحيد لسليم فى استعادة بصره أما الآن فبعد ان ازالوها، ربما يظل أعمى للأبد، هى لا تخشى تلك الاحتمالية، أعمى أو لا، تعشقه عشقا أبديا، ولكنها تخشى عليه من معرفة ذلك الاحتمال، قالت بدور فى حنان:
الحمد لله يانوران انه عايش وبيتنفس

قالت نوران:
الحمد لله يابدور، بس انا خايفة عليه لما يعرف الكلام ده
قالت ضحى:
كل شئ بأمر الله وسليم مؤمن ولازم يرضى بقضاؤه، يلا بينا نتوضى ونصلى ركعتين شكر لله انها جت على أد كدة
أومأت نوران برأسها لتتجه معهما الى الحجرة التى حجزوها لسليم، تتبعهم عيون شهاب وزين، ليحمدوا الله بدورهم على لطفه بهم فى قضاءه

تأملت نوران سليم وهو يجلس بجوار حمام السباحة يلبس نظارته السوداء، يبدوا شاردا صامتا، فمنذ أن أفاق بالمستشفى وعلم من الطبيب أنه من الممكن أن لايرى مجددا بعد تلك العملية وهو شارد، متباعد على ذلك النحو، اقتربت منه بهدوء ليستقيم جالسا كعادته معها، كلما احس بقربها منه، لتبتسم بحنان متذكرة كلماته عندما أخبرها بأنه يشعر بارتياح قلبه عندما تكون بجواره، وان هذا الشعور لا يجتاحه سوى بقربها، جلست على الكرسى بجواره قائلة:
أخبارك ايه دلوقتى ياحبيبى؟

قال سليم بجمود:
أنا كويس يانوران، متقلقيش علية
نظرت نوران بقلق الى ملامحه الواجمة ونبراته الجافة لتنزل دموعها وهى تقول بصوت متهدج:
مالك بس ياسليم من ساعة مارجعنا من المستشفى وانت بعيد عنى، أنا عملت حاجة زعلتك منى؟، وبعدين أنا لو مقلقتش عليك، هقلق على مين بس ياسليم؟

شعر بدموعها ليزفر بقوة، ثم يمسك يديها قائلا:
وبعدين بقى، ليه بس الدموع؟ ؟ أنا مش زعلان منك ولاحاجة يانوران، أنا بس بفكر فى حاجات كتيرة،، وصدقينى، أنا محتاج بس شوية وقت وهرجع زى الأول، أنا زى ما أنا متغيرتش ياحبيبتى

استمرت دموعها، ليميل عليها قائلا بمزاح:
طب تحبى أحلفلك؟ ولا أثبتلك؟
ابتسمت رغما عنها قائلة:
مصدقاك من غير حلفان ولا اثبات

ابتسم بهدوء يمرر أصابعه داخل كفيها دون وعى، مثيرا بداخلها أعتى المشاعر، ومرسلا اياها الى عالم وردى، ترفرف فيه الفراشات داخل جسدها بأكمله لتفيق من مشاعرها على صوت ساخر تعرفه جيدا، تقول بنبرات تكرهها نوران:
هو أنا جيت فى وقت مش مناسب ولا ايه؟

أحست نوران بتصلب جسد زوجها ليترك يديها وهما يلتفتان سويا لتلك التى تقف بكل خيلاء، تنظر الى نوران بتحدى قائلة:
مش هتقوليلى اتفضلى يابنت خالى؟
فتحت نوران فمها لتقول شيئا ليسبقها سليم قائلا بابتسامة ارتسمت سريعا على شفتيه:
ازاى طبعا، اتفضلى يانور

لتنظر اليه نوران بصدمة تلاحظ ابتسامته ونبراته المرحبة بنور، لتعود بنظراتها الى نور التى ابتسمت بتحدى وهى تقترب بخطوات رشيقة منهما، لتدرك نوران أن أيام سعادتها باتت معدودة وأن ذلك الطوفان الذى كانت تخشاه فى طريقه لتدمير زواجها، بيتها، بل حياتها بأكملها..

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة