قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية حب أعمى للكاتبة شاهندة الفصل الثالث والعشرون

رواية حب أعمى للكاتبة شاهندة بكامل فصولها

رواية حب أعمى للكاتبة شاهندة الفصل الثالث والعشرون

خرجت نوران الى شرفة حجرتها تستنشق بعض نسمات الهواء، لعلها تريح أعصابها التى صارت مشدودة للغاية، فمنذ رجوع نور الى حياتها بالأمس، وحياتها قد انقلبت للنقيض، فبعد أن كانت تعيش أحلى لحظات حياتها وجدت نفسها تعيش أسوأها، تلاحظ اهتمام سليم الواضح بنور واهتمامها به، حتى أنهم عندما جلسوا سويا البارحة على مائدة العشاء، استأثرت نور بالحديث مع سليم الذى بادلها الحديث دون أن يعير نوران أى اهتمام، مما أثار حنقها وغيظها لتظل تلهو بالطعام أمامها، وقد شعرت بغصة فى حلقها، جعلتها عاجزة عن الكلام لتنتبه من شرودها على صوت سليم يقول فى هدوء:
مبتاكليش ليه يانوران؟

أصابت نوران الدهشة وقتها لمعرفته بأنها لا تأكل ولكنها لم تتوقف كثيرا لتسأل كيف عرف، لتقول بصوت متحشرج:
مليش نفس، أصلى، تعبانة شوية، أنا طالعة أوضتى ارتاح
لم يظهر أى رد فعل على وجه سليم ردا على كلماتها بينما قالت نور فى تعاطف مزيف:
ألف سلامة عليكى يانوران
نظرت اليها نوران لترى عينيها الساخرتين لتشيح بوجهها عنها قائلة:
الله يسلمك، عن اذنكم

لتصعد الى حجرتها تنتظر مجئ سليم ولكنه لم يأتى. لتظل تنتظره وتنتظره حتى أحست بالنعاس، لتجد الباب يفتح فجأة ويدلف سليم، رمقته بنظراتها لتجده يقترب منها بهدوء، يجلس بجوارها على السرير، يشعل المصباح لتغمض عينيها بقوة وهى تتعجب من تصرفه، لتفتح نصف عين وتنظر اليه لتلمح شبح ابتسامة على شفتيه قبل أن يغلق المصباح مجددا، ليقف ويتجه الى الحمام، ويظل فيه لفترة، ثم يعود وقد بدل ثيابه ثم تمدد بجوارها على السرير، ساحبا اياها الى جواره، ليضمها الى صدره ويستند بذقنه على رأسها لتغمض عينيها بقوة ويتخشب جسدها بأكمله لتسمعه يقول بصوت ناعس:
اهدى يانوران، أنا بس عايز أنام..

لتحاول أن تهدأ قليلا، وتستسلم لضمته رغم شعورها بالغضب منه لتستمع إلى أنفاسه المنتظمة وتدرك أنه قد استسلم للنوم، فتحت عينيها ببطئ تتامله للحظات لتتنهد بقلة حيلة، تعلم أن سليم يضيع منها، ربما يحن الى تلك العقربة التى دخلت حياتهم فجأة، تود طردها من بيتها، من حياتها كلها الى الأبد ولكن ترحيب سليم بها واهتمامه الغريب، يمنعانها من ذلك، لتغمض عينيها وتستسلم للنوم بدورها، لتفيق فى الصباح ولا تجده بجوارها، تعلم الآن انه يجلس معها..،

تتناهى الى مسامعها صوت ضحكاتهما، لتلمع عينيها بالدموع، استمعت الى رنين هاتفها المتواصل لتدخل من الشرفة وتبحث عنه لتجده على الطاولة، أمسكته لترى شاشته التى أنارت باسم ضحى لترد على الفور، قائلة بصوت متحشرج:
ألوو

قالت ضحى بقلق:
مال صوتك يانوران، فيكى ايه؟ انتى كويسة؟
هزت نوران رأسها نفيا قائلة وقد بدأت دموعها فى النزول:
لأ، أنا مش كويسة ياضحى، مش كويسة أبدا

قالت ضحى وقد ازداد قلقها:
مالك بس يابنتى، قلقتينى؟
قالت نوران:
نور ياضحى، نووور
قالت ضحى فى حدة:
مالها الزفتة دى تانى؟ بعتتلك رسالة جديدة؟
قالت نوران فى مرارة:
ياريت، دى جت بنفسها هنا

قالت ضحى بصدمة:
هنا فين؟
قالت نوران:
عندى فى البيت ياضحى، ومش كدة وبس، سليم كمان،، ...
لتصمت وتتعالى شهقاتها، لتقول ضحى بعصبية:
سليم ماله يانوران، قولى علطول، أنا أعصابى تعبت

قالت نوران فى مرارة من وسط دموعها:
سليم شكله حنلها تانى، رجع بارد معايا زى الأول، لكن معاها، ضحك وهزار، بقى واحد تانى خالص ياضحى
تعالت شهقاتها لتزفر ضحى قائلة بغضب:
طب اهدى يانوران وقوليلى، سليم فين دلوقتى؟
قالت بمرارة:
قاعد معاها تحت، بيفطروا على البيسين، وسايبنى فى الأوضة لوحدى مقليش حتى انزل افطر معاهم

قالت ضحى بغيظ:
قاعدين مع بعض لوحدهم تحت وانتى فوق، ياخيبتك يانوران يابنت أم نوران، بردو لسة معندكيش ثقة بنفسك، سايبالها الدنيا كدة وفاكرة انك متقدريش تقفى قصادها وتفوزى عليها كمان، ده جوزك ياهابلة، يعنى انتى اقربله منها، ياخسارة تعليمى فيكى

قالت نوران من وسط دموعها:
خلاص بقى ياضحى، أنا مش ناقصاكى
تنهدت ضحى قائلى:
خلاص يانوران، اهدى وأنا هتصرف، اسمعى بس كلامى وقومى اغسلى وشك، وغيرى هدومك كدة والبسى حاجة حلوة، وانزلى اقعدى معاهم، وأنا مسافة السكة وهكون عندكم، ماشى

أومأت نوران برأسها قائلة:
ماشى
لتغلق نوران الهاتف وهى تتجه لتنفيذ تعليمات ضحى رغم عدم رغبتها فى رؤيتهما سويا والجلوس معهما، فرؤيتهما يتحدثان ويضحكان معا تمزق قلبها الى أشلاء فإلى متى ستتحمل رؤيتهما سويا، إلى متى؟

كانت بدور تجلس فى النادى، أمام حمام السباحة، تتأمل تلك الفتيات الصغيرة واللاتى تحاولن العوم فى المياه، لتستمع الى صوت زين يقول بهدوء:
ممكن أقعد معاكى شوية؟
نظرت اليه تتأمله لثوان أربكته لتدير وجهها الى الفتيات مجددا وكأنها لم تراه، ليقول بتردد:
بدور، ممكن أقعد؟
قالت بهدوء دون أن تنظر اليه:
اتفضل اقعد

عقد حاجبيه وهو يجلس أمامها ليقول بصوت حاول أن يكون هادئا:
الحقيقة أنا جايلك انهاردة فى مهمة رسمية، بما انى المحامى اللى انتى وكلتيه عنك، عشان أخلصلك كل الإجراءات الخاصة بموت المرحوم، الحقيقة فيه حاجة لازم تعرفيها قبل ما نقفل القضية دى خالص

حاز على انتباهها لتلتفت اليه، تنظر اليه بعينيها التى تسحره بنظراتها البريئة، لينسى كل ما أراد قوله، تنحنح ليجلى حنجرته قائلا:
احمم، تقرير الطب الشرعى، أثبت ان المرحوم نزار، مات من خبطة شديدة فى رأسه أدت لنزيف فى المخ، ووفاته علطول، يعنى مماتش من الاختناق زى ما كنا فاكرين، والد نزار قدر بعلاقاته يلم القضية فموصلتش للصحافة، وبصراحة كان مكسوف أوى منك لدرجة انه طلب منى اعتذرلك ومقدرش يواجهك بنفسه ويعتذرلك..،

بس اللى خفف عنه انه حذرك كتير وانتى مسمعتيش كلامه، ده اللى قالهولى لما شفته فى النيابة، ده غير انى أتأكدت بنفسى من الكلام اللى قلتيه، لما روحت للعنوان اللى انتى اديتهولى، ولقيت ان صاحب الشقة فعلا لقوه مدبوح مع واحدة من اياهم، والقضية اتأيدت ضد مجهول
وضعت بدور يدها على فمها لتكتم شهقتها وعيونها تدمع بسرعة ليقول زين بلطف:
خلاص يابدور، نزار مات، وماتت معاه كل حاجة غلط عملها، ربنا بقى يرحمه ويغفر له

أومأت برأسها دون أن تنطق بكلمة، ليمد يده لها بمنديله كى تمسح دموعها لتلاحظ بدور تلك الدبلة الفضية فى يده اليسرى لأول مرة، لتقول بفضول لم تستطع كبحه:
شكلها كانت ست طيبة أوى، عشان تفضل لابس دبلتها حتى بعد ما ماتت
أحست بدور بعينى زين تلتمعان، هل تلك دموع أم أنها تتخيل؟ ترى، هل تذكر الآن زوجته وافتقدها، لتشعر بغصة فى قلبها، لاتدرى سببا لها، تماسك زين ليقول بعد لحظة:
كانت ست طيبة فعلا، الله يرحمها، أنا، أنا لازم أمشى حالا، عن اذنك

لينهض ويمشى بخطوات مسرعة باتجاه بوابة النادى، تنظر هى فى إثره، تتساءل عن سبب اهتمامها بحزنه، بل على الأحرى سبب غيرتها من تلك التى مازال يتذكرها بحنين وحزن، لتضربها الحقيقة فى مقتل، أنها تهتم بذلك الزين، وتغار عليه أيضا، لتتسع عينيها فى صدمة، هل جنت؟

ان زوجها قد مات منذ أيام، هل استطاعت نسيانه بتلك السرعة لتميل مشاعرها إلى غيره؟ هى تعلم أن مشاعرها تجاه نزار ماتت منذ فترة كبيرة قبل موته ولكنها مازالت تعيش مأساتها الخاصة، مازالت تتجرع مرارة التجربة، لماذا تجازف مجددا بقلبها وتفتحه لمشاعر جديدة؟

هل تبحث عن جرح جديد؟ هزت رأسها نفيا، تعلم أن زين ليس أبدا كنزار ولكن هى لن تعيد التجربة، فالحب تجربة بالنسبة لها لم تعد مضمونة النتائج، ولم تعد مأمونة العواقب، اذا فلتحاول فقط أن تنسى مشاعرها وتتذكر فقط أنها من تخطئ دائما الاختيار، وأنها تعبت من التجارب، بل تعبت من تلك الحياة بأكملها

اقتربت نوران من مكان سليم ونور تستمع إلى ضحكات نور فى غيظ، حتى وصلت اليهما، لينتبه سليم على الفور لها وهو يقول بهدوء:
صباح الخير يانوران
اقتربت منه بخطوات واثقة لتجلس بجواره وتميل عليه تقبله من وجنته قائلة:
صباح الخير ياحبيبى

رفع سليم حاجبيه فى تسلية بينما رمقتها نور بغيرة لتبادلها نوران نظرتها بنظرة تحدى، قائلة بنظراتها:
سليم زوجى أيتها الأفعى ولا مكان لكى بيننا فارحلى
ابتسمت نور بسخرية لتقول لسليم برقة:
مش تقول لمراتك ياسليم على المفاجأة
نقلت نوران النظر بينهما فى قلق، ليقول سليم بهدوء:
نور هتدخل شريكة معانا فى القرية السياحية يانوران

أدركت نوران أن تلك الحية الرقطاء قررت ان تتواجد فى حياة زوجها وعمله، لتقرر التصدى لها بكل قوتها، فقد ولى ذلك العهد الذى كانت تشعر فيه بالضعف أمامها، فلم تعد تلك الفتاة التى لا تثق بحالها، فبعدها عن نور، وزواجها من سليم أعادا إليها تلك الثقة التى فقدتها منذ زمن بعيد، قالت بهدوء لا يعكس مشاعرها الثائرة:
انت مش كنت قلت انك مش محتاج شريك فى القرية ياسليم، ورفضت عرض المحلاوى، ولا انت غيرت رأيك وفجأة؟ معتقدش سليم الجندى محتاج لشريك، ولا إيه؟

ابتسم سليم قائلا:
فعلا غيرت رأيى، وبعدين نور مش أى حد، هى مش غريبة عننا، دى من العيلة
ابتسمت نور وهى تنظر الى نوران بتشفى، لتجز نوران على أسنانها، تود لو أمسكتها من شعرها وألقتها فى حمام السباحة لتشفى غليلها

كادت أن تفعل لولا ان قاطعها صوت ضحى وهى تقول بمرح:
مش معقول؟ الحرباية بذات نفسها هنا، قصدى نور بذات نفسها، انتى فين يابنتى، محدش شافك من زمان؟
ابتسم سليم ابتسامة خفية، بينما أحست نوران بالأمان وقتما رأت ضحى، ففى صداقتهم الثلاثية، ضحى هى الأقوى بينهم والتى تمنحهم دائما السند والشجاعة، هى ضحى عماد صداقتهم، هى ضحى وكفى

تغيرت ملامح نور لتقول بملل:
اذيك ياضحى
قالت ضحى بسخرية:
أحسن منك على فكرة، يوووه سورى بقى ياحبى، انتى عارفة هزارى
أشاحت نور بنظرها عنها قائلة:
عارفة ياضحى عارفة

قالت ضحى:
اذيك ياسليم عامل إيه؟
ابتسم سليم قائلا:
أنا كويس ياضحى، شهاب أخباره إيه؟
قالت ضحى بابتسامة:
كويس وبيسلم عليك وبيأكد عليك وبيقولك انه مستنيك بكرة فى الشهر العقارى عشان تكتبوا الفيلا باسم نوران

لتضع يدها على فمها بصدمة مصطنعة وهى تقول:
أوووووبس، معلش ياسليم، أنا بوظتلك المفاجأة ولا إيه؟
كانت نوران تنظر اليها بدهشة بينما نور تنظر اليها بغيظ، فى حين ابتسم سليم قائلا:
ولا بوظتيها ولا حاجة أنا كدة كدة كنت هقول لنوران انهاردة

ليميل على نوران مقبلا وجنتها، قائلا بحنان:
كل سنة وانتى طيبة ياحبيبتى، عيد ميلادك كمان أسبوعين ودى هدية بسيطة منى
تأملته نوران بعشق قائلة:
وانت طيب ياحبيبى، بس ده كتير أوى علية

اتسعت ابتسامته وهو يقول:
مفيش حاجة فى الدنيا دى كتيرة عليكى
جزت نور عل أسنانها وهى تنهض قائلة:
افتكرت مكالمة مهمة ولازم أعملها

ابتعدت بسرعة، تتبعها نظرات ضحى الساخرة، وعينا نوران المبتسمتين، والتى نظرت بهما الى ضحى مرسلة لها قبلة هوائية صامتة، لتهز ضحى رأسها بابتسامة، غافلين عن ذلك الذى هز رأسه مبتسما فى رضى...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة