قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية حب أعمى للكاتبة شاهندة الفصل الثاني عشر

رواية حب أعمى للكاتبة شاهندة بكامل فصولها

رواية حب أعمى للكاتبة شاهندة الفصل الثاني عشر

كان سليم يمشى فى حجرته ذهابا وايابا فى عصبية، تماما كليث جريح، تتنازعه الأفكار، وتؤلمه بشدة، يؤنب نفسه لجرحها بهذا الشكل، يتساءل بغضب من نفسه عن سر تفوهه بتلك الترهات، هو فى أعماقه لا يصدق أنها مخادعة، وقد أثبتت هى ذلك فى كل مواقفهما معا، خاصة ذلك الموقف الاخير عندما رفضت الزواج منه، لقد شعر وقتها بأنها حقا تحبه..،

لطالما أدرك أن حبها له حقيقى وقلقها عليه لا شك فيه، حتى أنها كادت ان تخسر حياتها فداء له، ولا تفعل ذلك سوى عاشقة، كم هو نادم على كل كلمة تفوه بها، يدرك أنه أراد أن يحمى قلبه من ألم جديد فأحس بألم أكبر، بات يخشى الحب حتى أنه يفضل عليه الفقد، يفضل أن يعيش وحيدا ولا يستسلم للحب فيجرحه مجددا، ليوقن الآن، فى لحظة صادقة مع النفس..،

أن نوران تختلف عن نور، وهو لم ينجذب لنور أبدا بل كان انجذابه كلية لنوران من خلال كلامه معها وأحب نور فقط كوجه وهو يظنها نوران، ربما نوران ليست جميلة كنور كما تقول ولكن فيم يهمه جمال الشكل فالأهم بالنسبة إليه هو جمال الروح، تساءل عن نوران فى تلك اللحظة، ترى كيف حالها؟، يدرك أن كلماته حطمتها بقسوة، توقف وقد حسم رأيه، سيذهب اليها ويعتذر منها، ليخرج من غرفته بسرعة متجها لحجرتها..،

طرق الباب بلهفة، فلم تجيبه بصوتها العذب الرقيق، لينتابه القلق عليها، طرق الباب مجددا بقوة، وعندما لم تجيبه فتح الباب ليدلف الى الحجرة مناديا باسمها بقلق فلم يجد اجابة، ليدرك أنها ليست بالغرفة، تملكه الفزع، أتكون قد رحلت؟ ؟، هل ستختفى من حياته الى الأبد، هل فقدها للمرة الثانية؟
أسرع هابطا الدرج ليذهب الى دادة سعاد ويسألها عن نوران، ولكنه توقف فجأة ويده على مقبض باب المطبخ عندما تناهى الى مسامعه صوت نوران الرقيق المتهدج بالعبرات وهى تقول:
اللى قاهرنى يادادة انه فاكرنى متفقة مع نور وكنت بتسلى بيه، طب ازاى محسش بية، ازاى مقدرش يحس بحبى ليه، بخوفى عليه، برعشة ايدى جوة ايديه؟

قالت دادة سعاد بحزن:
اهدى يابنتى عشان خاطرى، ومتعمليش فى نفسك كدة، والله سليم بيحبك بس اللى حصله مكنش قليل، خلاه شكاك حتى فى أقرب الناس ليه

اتسعت عينا سليم بألم حين استمع الى كلمات نوران اليائسة وهى تقول:
خلاص يادادة مبقتش قادرة أتحمل، أنا كنت عايشة على أمل ييجى يوم ويحس بية، بس الظاهر ان الأمل ده مستحيل، وبعدى عنه بقى واقع ولازم أتقبله، انا خلاص ماشية، هسافر بعيد جايز المرة دى أقدر انساه بعد ما اتأكدت انى عملت كل شئ فى إيدى عشان اوصله احساسى، بس للأسف موصلوش

قالت سعاد بحزن:
هتسافرى فين يابنتى؟
تنهدت نوران قائلة:
مش عارفة يادادة، جايز أرجع لبنان، هربت فيها من ذكرياته مرة وممكن اهرب فيها تانى بس المرة دى هتكون آخر مرة لإنى مش راجعة تانى...
تهدجت نبراتها بالمرارة والألم وهى تستطرد قائلة:
خلى بالك من سليم يادادة، وأشوف وشك بخير

شعر سليم بهما تحتضنان بعضهما من صوت البكاء الذى تلى كلمات نوران، ليسمع بعدها اقتراب خطواتها من الباب ثم فتحه ...
، .وقفت نوران تتسع عينيها بصدمة حين واجهت سليم الذى يقف بثبات رغم ارتجافة قلبه، قالت بصوت هامس متهدج النبرات:
سليم !

اقترب منها خطوة وهو يقول بتوتر:
رايحة فين يانوران؟
أفاقت نوران من صدمتها قائلة بألم:
همشى ياسليم، هبعد عنك، هريحك منى

نزع نظارته ليميل عليها ناظرا الى عينيها مباشرة وكأنه يرى، تخترقها عيناه لتشعر بالذوبان، استمعت اليه يقول بصوت حان:
طب ليه الدموع؟
مسحت دموعها بيدها بطفولية قائلة:
انا مبعيطش

ابتسم برقة قائلا:
مش معنى انى اعمى أبقى مبحسش يانوران
قالت مؤكدة فى عند:
قلتلك مبعيطش
اتسعت ابتسامته وهو يقول:
طفلة
دبت بقدميها الأرض قائلة:
انا مش طفلة

اعتدل وهو يلبس نظارته مجددا قائلا بابتسامة واسعة:
لأ واضح الصراحة
قالت فى عصبية:
على فكرة انت مستفز، انا ماشية، عن إذنك

مرت بجانبه تنوى الرحيل لتوقفها يده التى تشبثت بذراعها لتلتفت اليه، تعلو ملامحها الدهشة، نظرت الى ذراعه المتمسكة بذراعها ثم نظرت اليه مجددا قائلة:
سيب ايدى ياسليم
أرجعها سليم لتكون فى مواجهته قائلا بحنان:
مش هقدر

نظرت الى ملامحه بحيرة قائلة:
سليم انت، ...
قاطعها قائلا وهو يمسك يديها بين يديه:
أنا آسف، سامحينى على الكلام العبيط اللى قلته من شوية، صدمتى خليتنى مش فى وعيى، قلت كلام أنا نفسى متأكد انه غلط ومش مصدقه، احساسى بيقولى انك مش ممكن تكونى زى نور

نظرت اليه لا تصدق ما تسمعه أذناها، ترقرقت الدموع بعينيها وهى تقول:
سليم أنا، ...
قاطعها مجددا قائلا بتصميم:
عشان خاطرى سيبينى أكمل

ليتنهد وهو يستطرد قائلا:
من اول يوم جيتى فيه هنا وأنا حاسس انك واحدة تانية غير نور اللى خطبتها، حسيت بصدق كلامك وأسفك، حبيت رقتك وهدوءك، حتى وصفك للطبيعة من حوالينا حبيته، بقيتى حد مهم فى حياتى، حد محتاجله و مش ممكن أستغنى عنه، انا بطلب منك الجواز لتانى مرة يانوران، بس المرة دى بطلب نوران اللى قدرت تاخد مكان فى قلبى، هنبتدى مع بعض من جديد وكأننا لسة بنعرف بعض، هننسى اللى فات كله ومش هنجيب سيرته، ها ايه رأيك، تقبلى نبتدى من جديد، تقبلى تكملى حياتك معايا وتشيلى اسمى يانوران؟

همساته الحانية، لمسة يديه ليديها، ذلك الرجاء واللهفة والقلق بصوته، كل ذلك لم يدع لها فرصة للتفكير، فقلبها أعلنها صريحة، هذا هو يوم المنى، لتهز رأسها موافقة لتدرك حقيقة تغيب عنها كلما كانت الى جواره، وهى انه لا يراها، لتقول بصوت ظهرت السعادة واضحة جلية على نبراته قائلة:
موافقة ياسليم، موافقة

ليسرع بضمها الى حضنه، تستكين داخله، تستمع الى دقات قلبه القوية والتى تعلن استسلامه لمشاعره، لتبتسم دادة سعاد التى كانت تتابع ما يحدث وهى تحمد ربها فى سرها على رجوع نوران لحياة سليم

كانت ضحى تجلس الى جانب بدور فى الحديقة تتابع طفلها الصغير وهو يلعب بألعابه الصغيرة، ياالله كم يشبه تيمها ذلك الحبيب الغائب، شهاب، تساءلت فى صمت عن حاله، هل يبحث عنها؟ هل اشتاق اليها كما اشتاقت اليه؟ ام انه يعيش حياته مع تلك الفتاة التى خانها معها؟ لتنفض تلك الفكرة، فهى تعلم بداخلها ان شهاب ليس بخائن وأن ما مر به هى لحظة ضعف لن يسمح بتكرارها، ولكن مازالت تؤلمها خيانته، مازالت تؤلمها بشدة، أفاقت على صوت بدور وهى تقول:
ضحى !

نظرت اليها ضحى بتساؤل لتستطرد بدور قائلة:
أنا عارفة ان انهاردة التلات مش الخميس بس نوران وحشتنى وعايزة أكلمها تيجى نشوفها ونطمن عليها

تنهدت ضحى قائلة:
ووحشتنى انا كمان يابدور
قالت بدور متساءلة:
تفتكرى عملت ايه مع سليم؟

هزت ضحى كتفيها قائلة:
مش عارفة، بس ياريت يكون حس بيها وحبها، نوران تستاهل تتحب
ليستمعوا الى صوت نوران متهدج النبرات وهى تقول:
نوران متستاهلش صحاب زيكم

التفتوا سويا بصدمة ليروا نوران تقف خلفهم تمتلئ نظراتها بالخجل والدموع، ليقفوا سويا ويسرعوا اليها يرتميان بين ذراعيها، لتضمهم بشوق، بحنان، بحب، ليشددا هما من ضمها اليهما، ودموعهم لا تتوقف، خرجت من حضنهم تنقل نظراتها بينهم فى ندم قائلة:
آسفة والله العظيم ندمانة على كل كلمة جرحتكم ب،..
وضعت ضحى يدها على فم نوران قائلة فى حنان:
مفيش عتاب بين الصحاب ولا نسيتى؟

نظرت اليها نوران تشعر بالخجل من نفسها لتنزل ضحى يدها من على فمها وتمسك بيد نوران قائلة:
تعالى نقعد عشان خلاص رجلى من المفاجأة مش قادرة تشيلنى

ابتسموا جميعا ليذهبوا الى الطاولة ويجلسون حولها، قالت بدور بسعادة:
والله واتجمعنا تانى يابنات
ابتسموا ينظرون الى بعضهم، لتستطرد بدور قائلة:
رغم ان مكملناش اسبوع من آخر مرة شفنا فيها بعض بس حاسة زى ما يكون سنة، الأسبوع ده كان صعب أوى علينا

قالت نوران بحيرة موجهة حديثها الى ضحى:
صحيح ياضحى أنا كنت جاية اعتذر لبدور واجيبها واجيلك اعتذرلك، بس الدادة فجأتنى وقالتلى انك هنا بقالك كام يوم، هو شهاب مسافر؟
ظهر الحزن على ملامح ضحى وهى تقول:
انا سبت شهاب يانوران

اتسعت عينا نوران بصدمة وهى تقول:
سيبتيه ازاى ياضحى، وليه؟
ترقرقت الدموع بعينى ضحى وهى تقول:
هقولك يانوران، هقولك

كان شهاب يجلس بحزن يتأمل صور حبيبته التى اشتاق اليها بشدة، يتنقل بين جنبات ذلك الملف فى هاتفه والذى يحتفظ فيه بصور مختلسة لها فى مختلف مراحل حياتها ومختلف حالاتها، فتلك الصورة لها وهى تلمس زهرة بنعومتها التى لطالما سحرته، وتلك صورة لها وهى تقف ناظرة الى مشهد الغروب بحالمية، وتلك صورة لها وهى تعبس بوجهها بطفولية محببة إليه عندما لم يمنحها الشيكولاتة التى أحضرها لها، اما تلك الصورة فكانت نائمة كالملاك، التقط تلك الصورة فى اليوم التالى لمعرفته بحملها، كانت تنام فى ذلك الوقت لفترات طويلة، فيظل جالسا امامها يتأملها بعشق..،

تذكره ملامحها الفاتنة بقصة الجميلة النائمة، ليصبح ذلك لقبها الذى اطلقه عليها منذ ذلك الحين ليتضرج وجهها بالخجل وهى تضربه على يده بخفة وهى خجلة منه لتأمله اياها أثناء نومها، ابتسم للذكرى، لتتوقف عيناه على تلك الصورة والتى تجمعها مع تيم فى المطبخ، كان الدقيق يغمرهما سويا وهى تعد لهم كعكة، لقد جعلت من هذا الأمر البسيط حادثا جللا، جعلتها مهمة ثلاثية خطيرة ليتركوا اعداد الكعكة ويتراشقون بالدقيق ليسرع هو ويلتقط تلك الصورة لهما لتظل ذكرى رائعة تجلب الابتسامة الى شفتيه، تساءل بغضب من نفسه، كيف استطاع بيوم من الأيام اتهامها بإهماله والقاء تلك الكلمات الجارحة على مسامعها..،

حتى وان اهملته فقد كانت تهتم بوليدهما، ألم يكن قادرا على الاحتمال، او حتى توجيهها برقة، بهدوء، هل كان لابد وان يتكتم فى نفسه لتنطلق اتهاماته بعد ذلك تجرح قلبها بقسوة، ألم يكن قادرا على اثارة العاشقة بقلبها، لقد احس بصدع فى علاقتهما وبدلا من رأب ذلك الصدع قام بهدم تلك العلاقة من أساسها، عندما سمح لتلك الحقيرة باستغلال ضعفه وجعله خائن مثل ابيه الذى لطالما اعترض على تصرفاته، ولكن مهلا، من المستحيل ان يشبه أباه، فعندما خان ضحى، كان دون وعى منه، فمن المستحيل ان يخونها ويكون بوعيه كاملا، هو ابدا لايشبه أباه سوى بالملامح، الملامح فقط..

قاطع أفكاره صوت هاتفه ليلتقطه بملل ولكن ما ان رأى اسم محدثه حتى رد سريعا قائلا فى لهفة:
جبت العنوان؟
استمع لمحدثه ليغمض عينيه بقوة يلعن غبائه ليفتحهما مجددا وهو يقول:
انت متأكد؟

استمع الى محدثه مجددا ليقول بحزم:
تمام، لو اتأكدت من كلامك، هحولك الفلوس على حسابك فى البنك، سلام دلوقتى..
أغلق هاتفه لينظر الى صورة زوجته الرابضة على مكتبه قائلا:
ازاى مخطرش فى بالى انك ممكن تكونى عندها، يمكن عشان عارف انك مبتطيقيش نزار ومش هتروحى عنده

ليشعر بالغيرة فجأة تمزق قلبه وهو يقول:
والهانم بقى قاعدة فى بيته كدة عادى..
ليلوم نفسه على تفكيره مستطردا:
ده بيت صاحبتها ياشهاب مش بيته لوحده

ليزفر بقوة وهو يمرر يده فى شعره بعصبية قائلا:
بس هو قاعد معاهم ومش بعيد دلوقتى يكونوا قاعدين مع بعض بيضحكوا وهو بيتغزل فى عينيها الخضرا اللى ممكن تسحر اى راجل، خصوصا لو راجل عينيه زايغة زى نزار

لينهض قائلا بغضب:
انا هقوم حالا وأروح اجيبها من شعرها..
ليأخذ نفسا عميقا وهو يجلس مجددا فى مكانه قائلا لنفسه:
اهدى كدة ياشهاب، ومتتسرعش، الموضوع عايز هدوء أعصاب عشان تعرف تفكر هتتصرف ازاى، اهدى ياشهاب، اهدى..

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة