قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية حب أعمى للكاتبة شاهندة الفصل الثامن

رواية حب أعمى للكاتبة شاهندة بكامل فصولها

رواية حب أعمى للكاتبة شاهندة الفصل الثامن

قال سليم بهدوء:
اقعدى يانور
نظرت اليه نوران لاتصدق كلماته التى تسمعها، هل يطلب منها سليم حقا الجلوس معه؟ انتابتها الحيرة، أتصدق أذنيها وتجلس، أم تظل واقفة؟، ليقول سليم بحدة منهيا حيرتها:
ما قلتلك اقعدى يانور.ولا مبقيتيش تسمعى كمان؟

ابتلعت نوران ريقها فى صعوبة من لهجته الحادة وكلماته الجارحة، تود لو تختفى حالا من أمامه، ولكنها مالبثت أن جلست بتوتر مقاومة رغبتها بالهرب، ليزفر سليم وهو يحاول أن يتمالك أعصابه قائلا بهدوء:
أنا، سمعتك انبارح وانتى بتحكى مع دادة سعاد عن منطقة سافرتى و عشتى فيها فترة، و بصراحة وصفك للمكان عجبنى اوى حسيت كأنى شايفه، وانا بقالى كتير مشفتش الدنيا حوالية، ولا أعرف شكل المكان بقى ايه...
ليتردد لحظة قبل أن يستطرد قائلا:
يعنى، لو ممكن بس توصيفيهولى انتى، يمكن اقدر أحس بيه

فغرت فاهها بدهشة، تتساءل عن صحة ماتسمعه، هل أصابتها اليوم التهيؤات، أيطلب منها سليم حقا ان توصف له محيطه، أيتحدث معها حديثا عاديا كما يتحدث مع المحيطين به، ألا يعتبرها الآن، نور الخادمة؟
طال الصمت بينهما ليقول سليم بتوتر:
خلاص يانور مش مهم، لو، .

قاطعته وهى تنظر حولها، قائلة بسرعة، تخشى رجوعه فى طلبه:
الجنينة عبارة عن بساط أخضر واسع مليان بالورود الجميلة والوانها الكتيرة، الحمرا والصفرا والبيضا والبنفسج، والسما صافية اوى انهاردة ومتزينة بشوية سحب حاضنة بعضها وكأنها لوحة مرسومة، والشجر بيتمايل وبيرقص مع كل نسمة هوا، أما النافورة اللى فى وسط الجنينة فدى حكاية لوحدها، انعكاس الشمس على ميتها مخليها لؤلؤ أبيض منور، ايه ده، استنى كدة، فيه عصفور نزل على النافورة بيلعب بذرات المية المنتورة، وطلع ع الشجرة من تانى بيزقزق من فرحته، أد ايه حياته بسيطة وحلوة..

ليظهر الحزن على صوتها وهى تستطرد قائلة:
مش زى حياة البشر مليانة غدر وقسوة

لتصمت وهى تغيب بذكرياتها، تتذكر غدر نور بها، انها ذكريات مريرة حاولت دفنها كثيرا لتعود اليها الان بقوة وهى تقارن حياتها بحياة ذلك العصفور الرقيق، غافلة عن ذلك الرجل الجالس بجوارها تائه فى سحر وصفها، شاعرا بأنه يرى كل ما حدثته عنه، يشعر به، يستمتع بجماله، تعجب من دقة الوصف وحالميته.جذبته اليها بصوتها ذو النبرة الجديدة والتى تتحدث بها أحيانا، فقط..،

عندما تكون حزينة، كعبارتها الأخيرة والتى تعجب فيها من كلماتها، ليشعر بأن هذا الصوت ليس بصوتها بل هذا الصوت به شئ هادئ مريح للأعصاب، حتى الحزن الساكن فيه يؤثر به، يشعر بصدقه، يمزقه من الحيرة، يتساءل فى صمت لماذا تحزن من غدر البشر؟ أليست هى من غدرت؟ أليست هى من خانت وعود الحب والوفاء؟أليست هى من تخلت عنه عندما احتاجها؟، ليقسو قلبه مع ذكرى كلماتها، ليقول فى حدة:
قومى يانور، شوفى شغلك.

أفاقت من ذكرياتها على صوته الحاد، نظرت اليه فى دهشة، تتساءل فى حيرة عن سبب حدته، أأخطأت فى شئ؟، لتنتفض بشدة حين سمعته يستطرد بعصبية قائلا:
قلتلك قومى شوفى شغلك، لسة قاعدة بتعملى ايه؟

اغروقت عيناها بالدموع وهى تنهض بسرعة مبتعدة بخطوات مهرولة، ليغمض سليم عينيه بألم، يعلم انه جرحها بقسوته مجددا، ولكنه يحمى قلبه من الاستسلام لضعفه تجاهها، فقد لدغ منها مرة، والمؤمن لا يلدغ من جحر واحد مرتين

قالت نوران بألم:
كل ما احس انى وصلتله وقربت منه خلاص يجرحنى بقسوته، يدمرنى بأفعاله، بجد انا تعبت ومش قادرة أتحمل اكتر من كدة

قالت ضحى بعصبية:
قلتلك يانوران، وانتى اللى مسمعتيش كلامى، نشفتى راسك، وصممتى تعملى اللى فى دماغك، ملعون الحب اللى يخلى الواحدة تتزل وتتهان بالشكل ده، ملعون الحب اللى يخلى الحبيب يستنى لحبيبه على غلطة، اللى يخليه لا يسامح ولا يغفر...

لم تعد تدرى ضحى أتتحدث عن سليم ام شهاب، وهى تستطرد قائلة فى غضب:
الحب اللى بالشكل ده ميبقاش حب، الحب تضحية آه بس مش على حساب كرامتك، فوقى يانوران واتعلمى من غلطات غيرك، أنا حاسة انك مش هتفوقى غير على قلم كبير هيعلم على قلبك..

كادت نوران أن تتحدث وهى تتعجب من اندفاع ضحى الغاضب تجاهها لتجد بدور تقول بحدة غريبة عليها:
ضحى معاها حق يانوران، الحب عمره ما كان ذل واهانة، الواحد لو ما خافش على مشاعر حبيبه، لو ما اهتمش بأحاسيسه، لو جرحه وهانه مرة ورا مرة، وهو فضل ساكت يبقى معمى فى الحب، كفاية غباء وفوقى وانهى المهزلة دى..

نقلت نوران بصرها بين الاثنتين، ليتملكها الغضب وتندفع كلماتها دون ارادة منها قائلة بضيق:
لا والله ياست ضحى انتى وست بدور، بتقولولى الكلام ده وبتنصحونى بيه، طب كنتوا انصحوا نفسكم الأول، كل واحدة فيكم مقالتش الكلام ده لنفسها ليه، ها؟

لتلتفت الى ضحى قائلة:
مش انتى اللى خدتى حب جوزك ليكى شئ مسلم بيه. أهملتيه وأهملتى مشاعره وحسستيه ان حبك صدقة بتمنى بيها عليه، هى دى مش اهانة لحبيبك، هو بقى عمل ايه؟اتخلى عنك او بعد عن حياتك؟

ثم نظرت الى بدور قائلة:
وانتى ياهانم، مش جوزك ده اللى حبيتيه كام مرة هانك وذلك، قوليلى، قدرتى تبعدى عنه، قدرتى تتخلى عن حبه؟

نظرت الى ملامحهم المصدومة من كلماتها، شعرت بالندم لجرحهما ولكن فات اوان الندم، فالكلام قد قيل، والمشاعر قد جرحت لتقول بخيبة أمل:
أنا مش بحكيلكم عشان تقولولى اد ايه أنا غبية ومعنديش كرامة عشان قبلت بمعاملة سليم لية لأنى على الأقل عارفة ان سليم بيعامل المعاملة دى لنور مش نوران، سوء تفاهم مسيره فى يوم يتصلح..،

يمكن لو عرف الحقيقة كل حاجة تتغير ويمكن لأ، كل شئ فى علم الغيب، بس أنا كنت بفضفض مع صاحباتى، مع اخواتى اللى معرفتش غيرهم، بحاول اخرج مشاعرى، بس للأسف كنت غلطانة..
لتنهض آخذة حقيبتها قائلة فى حزن ودموعها تملأ عينيها:
عن اذنكم.

لتسرع مغادرة المنزل بخطوات سريعة، تتابعها عيون الفتاتين وقد تعرت الحقيقة أمامهم، هى على حق، يلومون عليها وهما مثلها تماما، ربما احساسهما بذلك هو ما جعلهما يلومانها، لقد ادركت ضحى خطأها فى حق شهاب وأدركت بدور خطأها فى حق نفسها، تساءل كليهما أكانا حقا بدورهما مصابين بالعمى فى الحب فلم يريا كيف أخطأ كل منهما؟ لتسقط دموعهما فى صمت تنعى قلوب قد تحطمت بإسم حب أعمى..

طرقت دادة سعاد باب حجرة المكتب الخاصة بسليم ليأمرها بالدخول، دلفت اليه لتجده جالسا بركن بعيد، يبدو عليه الحزن والتفكير لتدرك هى سبب حزنه، انها قسوته على نوران والتى تؤثر به وتجرحه قبل أن تجرحها، اقتربت منه قائلة:
ممكن أتكلم معاك شوية ياسليم؟

تنهد قائلا:
اتفضلى يادادة، تعالى اقعدى
جلست دادة سعاد قائلة مباشرة ودون مواربة:
آخرة اللى بتعمله فى البنت الغلبانة دى ايه ياسليم؟

نظر اليها بحدة قائلا:
قصدك مين يادادة
قالت دادة سعاد:
قصدى نورا، .نور ياسليم

عقد حاجبيه قائلا فى استنكار:
نور بنت غلبانة يادادة؟ وانتى اللى بتقولى كدة؟
قالت دادة سعاد بحنان:
انسى اللى فات ياحبيبى وبص بقلبك، نور مش زى ما انت فاكر، نور جواها قلب من دهب لو حافظت عليه انت الكسبان ياحبيبى

قال سليم بجدة:
انا مش قادر اصدق ان انتى اللى بتقولى الكلام ده عن نور يادادة.
ليزفر سليم بقوة وهو يتمالك نفسه قائلا:
عشان خاطرى يادادة بلاش نتكلم فى الموضوع ده، ومن فضلك سيبينى شوية لوحدى

هزت دادة سعاد رأسها فى يأس وهى تربت على يديه قبل أن تنهض قائلة:
فكر كويس يا سليم، شوف بقلبك واعترف بالحقيقة اللى انت مصمم تنكرها، نور رجعت بكل حاجة كنت بتتمناها فيها، متضيعهاش من ايدك، لإنها المرة دى لو ضاعت مش هترجعلك تانى، دى واحدة ضحت كتير عشانك والانسان اللى بيضحى عشان حبيبه وحبيبه مبيقدرش، قلبه ساعتها بيقسى ويقرر ينسى، ولو نور قررت تنسى ساعتها متلومش غير نفسك

عقد سليم حاجبيه بحيرة قائلا:
انتى بتقولى ايه يادادة، مين اللى ضحت دى، انتى بتتكلمى على مين؟
احست دادة سعاد بالارتباك، لتقول بتوتر:
مفيش ياسليم انا هسيبك وأروح احضر الغدا، وهدعيلك تفوق قبل فوات الأوان.
لتتركه مغادرة الحجرة لتاركه عاقدا حاجبيه يفكر فى كلمات دادة سعاد ليتساءل بحيرة، عن مقصدها بتلك التضحية التى قامت بها نور من أجله

عادت ضحى الى المنزل حزينة منكسرة، فتحت الباب ودلفت اليه بهدوء، كادت ان تصعد الى حجرتها لتسمع صوت شهاب وهو يقول:
كنتى فين ياضحى؟

تمزق قلبها من صوته الحازم الذى يتخلله الحزن، لتلتفت اليه بسرعة تتأمل ملامحه التى اشتاقت اليها، فمنذ ذلك اليوم الذى واجهها فيه، لم تراه، حقا لقد اشتاقت اليه، تأملها بدوره يشتاق اليها بدرجة قاتلة، يود لو ينسى كل شئ ويسرع اليها يرتمى بين ذراعيها ليعود كل شئ كالسابق ولكن للأسف، لم يعد شئ كما كان، لقد كسرت العلاقة وضاع الحب مع الخيانة، اقتربت منه بهدوء لا تعكس ثورة مشاعرها قائلة:
كنت مع نوران وبدور

قال بسخرية مريرة:
آه صحيح، ازاى نسيت، انهاردة الخميس ولازم تقابلى صاحباتك، كالعادة ياضحى، الكل عندك أهم منى، لو حياتنا بتضيع مش هيهمك، اهم حاجة تكونى جنب الكل الا جوزك،، صح ولا أنا غلطان؟

تجاهلت كلماته الساخرة والمليئة بالمرارة، تعلم انها نابعة من جرحه لتقترب اكثر منه قائلة فى همس:
لو العالم كله فى كفة وانت فى كفة، هختارك انت ياشهاب.
نظر الى عينيها قائلا بألم يمزق قلبه:
كان نفسى اصدقك ياضحى بس مع الأسف مش قادر

أمسكت ضحى يده قائلة فى عشق:
انا عارفة انى غلط ياشهاب بس كان المفروض تسامحنى مش تجرحنى بكلامك، انت دبحتنى بكلامك لية، بتهديدك ببعدك عنى وانا سامحتك عشان بحبك، انت كمان سامحنى عشان بتحبنى وأنا اوعدك أصلح كل حاجة ضايقتك منى

قال فى مرارة:
مش بالسهولة دى ياضحى، وقت السماح خلاص مبقاش فى ايدينا.
نظرت اليه بحيرة قائلة:
اللى بيحب بيسامح، حتى لو غلطتى كبيرة، حبنا يشفعلى عندك، ليه مش قادر تسامحنى، ليه مصمم تضيع اللى بينا؟

نزع يده من يدها وهو يلتفت ممررا يده فى شعره بعصبية وهو يقول بمرارة:
عشان اللى بينا خلاص ضاع ياضحى، وصعب يرجع تانى
التفت من حوله لتواجهه مجددا وهى تقول بغضب:
يبقى انت محبتنيش اصلا ياشهاب، اللى بيحب حد مش ممكن يضحى بيه بسهولة كدة

أمسك يدها بقوة قائلا فى مرارة:
أنا محبتكيش؟ده انا عشقتك ياضحى بس انتى ضيعتينى منك، أهملتينى وكسرتى قلبى، حسستينى انى ولا حاجة فى حياتك، خليتينى غلط فى حقك زى ما غلطى فى حقى بس غلطتى انا ياضحى مش ممكن تتمحى أو تتنسى

قالت ضحى فى قلق:
مهما كانت الغلطة، حبنا أقوى، وأكيد هسامحك..
اغمض عينيه ليفتحهما مجددا ودموعه تملأهما ليقع قلب ضحى عند قدميها وهو يقول فى مرارة:
تفتكرى حبك لية ممكن يغفر الخيانة ياضحى؟

نظرت اليه فى صدمة، تستوعب كلماته، تشعر بقلبها يتحطم الى أشلاء، ابتعدت خطوة الى الوراء وهى تهز رأسها ترفض تصديق كلماته، ليستطرد هو قائلا فى عذاب وهو يشعر بألمها، ضاغطا على جرحهما:
تفتكرى هتسامحينى لما أقولك انى نمت مع واحدة غيرك، نامت فى حضنى واحدة تانية ولمستها ولمستنى

ليصرخ قائلا:
واحدة غيرك ياضحى.
هزت رأسها فى الم تضع يدها على أذنها ترفض سماعه، ليستطرد قائلا وهو يضرب صدره بيده:
قلبى يمكن مخانكيش ياضحى بس جسمى خانك، خانك..
صرخت قائلة:
اسكت، اسكت

قال بغضب تقطر منه المرارة:
لأ مش هسكت، انتى مش عارفة انا حاسس بإيه، ولا قادرة تستوعبى، أنا قرفان من نفسى، خليتينى صيدة سهلة فى ايد واحدة تانية، خلتينى شبه واحد انتى عارفة كويس انى عمرى ما رضيت عن تصرفاته مع أمى، وعمرى ما قبلت بيها

لتنزل دموعه قائلا:
أنا بقيت زى اكتر واحد كرهته فى حياتى، بقيت خاين زى بابا ياضحى، خاين، خاين.
أغمضت عينيها بالم تردد بانهيار:
اسكت، ابوس ايدك كفاية

لينظر اليها بحزن يود لو يأخذها بين ذراعيه، يمحى المها الذى يشعر به داخل قلبه ويمزق صدره، ولكن هيهات لقد وصل بهم الطريق الى النهاية ومن المستحيل على كليهما ان يكملا حياتهما سويا بعد خيانته لها، علت شهقاتها، تشعر بضيق تنفسها، اقترب منها بجزع ولكنها اوقفته بحركة واحدة من يدها وهى تقول بألم:
ابعد عنى متقربش منى، انا، انا..

نظر الى أنفاسها التى تضيق ليشعر انها على وشك الاغماء، ليقول بخوف:
ضحى.
قاطعته من وسط دموعها قائلة:
متنطقش اسمى على لسانك ياشهاب، كفاية بقى، كفااااية

لتندفع الى حجرتها ويندفع هو خلفها، يخشى عليها، ليجدها قد دلفت الى حجرتها وأغلقت الباب خلفها بالمفتاح، طرق الباب قائلا بقلق:
ضحى، افتحى الباب، افتحى الباب ياضحى..
صرخت بمرارة قائلة:
ابعد عنى ياشهاب، سيبنى ألملم نفسى اللى ضيعتها بكلامك، سيبنى أفكر فى عمرى اللى ضاع معاك، سيبنى ياشهاب، سيبنى

لتنهار فى البكاء وتعلو شهقاتها ليسند رأسه على الباب يغمض عينيه بألم، يستمع الى انهيارها الأليم مجددا، يعلم ان ضحى اخطأت، ولكن هو من حطم تلك العلاقة وأضاع ذلك الحب الكبير للأبد..

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة