قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية حارة القناص الجزء الأول للكاتبة شروق حسن الفصل السادس

رواية حارة القناص الجزء الأول للكاتبة شروق حسن الفصل السادس

رواية حارة القناص الجزء الأول للكاتبة شروق حسن الفصل السادس

هُناك كثير من البشر قلوبهم حاقدة وكريهة، لكن مُغلفون بطبقة من الذهب تُقسِم إن رأيتهم بأنهم أبرياء من العِفة والوفاء، وتلك النوعية موجودة بحياة الكثير مِنا.
أفسح صهيب الطريق ل يُمنى، فدلفت للداخل بعد أن رمته بنظرة باردة لم تُؤثر بنظراته الماكرة، أغلق الباب خلفه ببطئ ثم اتبعها لغرفة المعيشة، فوجدها قد سلكت طريقها نحو الأريكة ثم جلست عليها بهدوء تضع قدمًا فور الأخرى.

جلس هو بالمقعد الوثير الذي يُجاورها مُستندًا على ذراعيه، ثم تحدث بعبث أثناء تجفيفه لخصلاته المُبللة بالمنشفة: تشربي إيه يا يمون!
أجابته بهدوء وهي تعتدل بجلستها تُعدِّل من خصلاتها الساقطة على وجهها: مش عايزة أشرب حاجة وخلينا في المهم.

رمى صهيب المنشفة من يديه قاذفًا إياها على الطاولة الزجاجية بالمنتصف، ثم هبَّ من على مقعده مُتجهًا للمطبخ المصنوع على الطراز الأمريكي، قائلًا بعبث وهو يفتح باب البراد: والله أبدًا لازم تشربي حاجة، أجيبلك شمبانيا!
جعدت وجهها باشمئزاز وهي تهز رأسها بنفي، ثم أجابته بضجر: هات عصير أو أي حاجة وخلينا نخلص من اليوم دا بقى.

جذب صهيب زجاجة العصير ثم صبها في كؤوس زجاجية فخمة، واضعًا إياها على صينية صغيرة واتجه بعدها لها مُنحنيًا بخفة ليضعهم على الطاولة، عاد لمحله مرة أخرى لمقعده ثم وجَّه انتباهه إليها عند إعطائه لكوب العصير لها: ها بقى، قولتيلي إنك تعرفي مين هو القناص وعايزة تبلغيني.

ارتشفت يمنى رشفة صغيرة من العصير، ثم تحدثت إليه مُحذرة إياه بقوة: قبل أي حاجة، لو أختي اتلطت في الموضوع دا هقلب الطرابيزة عليك ومش هسمي على حد فيكوا، لا أنت ولا عيلتك.
لوى صهيب ثغره باستنكار ثم أردف بقسوة: دا اسمه تهديد صح؟
أرجعت ظهرها للخلف مُجيبة إياه ببرود: اعتبره زي ما أنت عايز، المهم أختي لأ.
اتفقنا، هاتي اللي عندك، مين هو القناص؟
اعتدلت مُجيبة إياه على بغتةً وصوت هامس: قاسم طاحون.

انتفض من مكانه كما لو لدغته أفعى سامة فشل في السيطرة عليها، ثم حدجها لعدة ثوانٍ بعدم تصديق يُقلب كلماتها وحديثها بين دهاليز عقله، وأخيرًا خرج صوته يسألها مرة أخرى غير مصدقًا ذلك الحديث الذي رمته عليه: أنتِ قُولتي مين!
أخرجت صوتًا ساخرًا من بين شفتيها، ثم كررت حديثها مرة أخرى: قاسم طاحون يا صهيب بيه.

اشتدت عيناه قسوةً، كذلك ابيضت مفاصل يده من قوة الضغط عليها، لقد نفذت آخر ذَرة صبر لديه تجاه ذلك الرجل، تمتم بصوت خفيض لكنه يحمل من الغضب أطنانًا كثيرة: مين قالك أو أكدلك الكلام دا!
وقفت يُمنى مكانها مُمسكة بحقيبتها في يدها ثم اقتربت منه بمكر هامسة بالقرب من أذنه: أصل عقبال عندك خطوبته هو وأختي النهاردة، سلام يا صهيب، بيه.

تركته وذهبت غافلة عن تلك العاصفة الهوجاء التي تملكت منه، كيف ل قاسم أن يكون هو القناص! ولماذا ينتقم من عائلته تحديدًا! وإن كان يكرههم لتلك الدرجة لِما يعمل بالمشفى الخاصة بهم! الكثير والكثير من الأسئلة الغامضة تدور برأسه، حتى كاد أن ينفجر من شدة التفكير.

احتدم العراك داخله ورغبة الانتقام منه تزداد شيئًا فشيئًا، هو بالأساس كان لا يُطيقه، لكن بعد ما علمه الآن يريد التخلص منه وتعذيبه بأي طريقة كانت، أمسك بهاتفه بغضب بالغ مُهاتفًا أحد الأشخاص، ثوانٍ وكانت تأتيه الإجابة، فتحدث هو بصوت شيطاني هامس:
عايز أقابلك بليل في المكان اللي بنتقابل فيه دايمًا، تمام سلام.

أنهى اتفاقه ثم دلف للمرحاض ليتحمم، علَّ ذلك الماء يُطفيء تلك النيران المُشتعلة داخله بعد ما عرفه.

عاد قاسم إلى المنزل بعدما أخذ إجازة لمدة يوم واحد، كان وجهه جامدًا بشدة، مُبهم، وغامض، دلف للداخل فوجد فور جالسًا على الأريكة بوجه مُنهك، حدجه باستغراب وبدأ القلق يتفاقم في قلبه عندما وجده ساكنًا لا يتحرك، اقترب منه حتى جلس جانبه يهزه برفق: فور. واد يا فور أنت مُت ولا إيه!
اصمت واللعنة عليك أنت الآخر قاسم، لا يكفي ذلك الحقير رائد لتأتي أنت أيضًا وتزعجني.

خرجت تلك الكلمات من فم فور حانقًا ومازال لا يستطيع أخذ تنفسه بشكل طبيعي، وضع قاسم يده على جبهته فوجد حرارته طبيعية، علم السبب حول هذا الإختناق الآن، فبالطبع بسبب تناوله لكميات كبيرة من الطعام مما أدى إلى انتفاخ معدته ومنعه من التنفس بشكل طبيعي.
هز قاسم رأسه بيأس عندما همس فور له بتعب: اعطني تلك الحلوى قاسم، اشعر بالجوع.

أمسك قاسم بيدي فور يسحبه قِصرًا، ثم جعله يستند بذراعيه على كِلتا ركبتيه حتى تتسع الرئتين ويستطيع التنفس بشكل أسرع، حاول فور العودة لمكانه مرة أخرى بضجر، فثبته قاسم رغمًا عنه وهو يقول بسخط: يا أخي اهدى بقى بدل ما الأكل يقف في زورك وتفطس مننا.
حاول فور الاعتدال مرة أخرى حتى يأس صارخًا: بربك ماذا تفعل بي! اتركني وشأني يا مغفل.

استغل قاسم وضعيته تلك فضربه على مؤخرة عنقه بمشاكسة: اثبت ياض بدل ما تلاقي كمان قفا لابس فيك.
أنا أكرهك قاسم.
أجابه قاسم بعبث أثناء محاولاته لكتم ضحكاته على ردة فعله المُنتظرة: وأنا أحبك يا عزيزي، ما رأيك أن تيجي ونأتي ب منيجي!
تسائل فور باستغراب: مَن هو منيجي!
كتم قاسم صوته بصعوبة وهو يُجيبه: اسم طفلنا يا فتى.

انتفض فور من مكانه بخضة يفتح عيناه على وسعهما بعدم تصديق، ابتلع ريقه برعب قبل أن يقول بخوف: ماذا تقول يا رجل! بالطبع أنت تمزح صحيح!
وقف قاسم وداخله يريد أن يموت من الضحك، لكنه اقترب من بثبات زائف أثناء قوله الماكر: ما بك يا رجل! لما أنت مُعقد هكذا!
راقب فور اقترابه بهلع لذلك صاح بعلو صوته صارخًا: رائد. أين أنت يا رائد! يريد قاسم التحرش بي، فلينقذني أحد.

صرخ بالأخيرة عندما رمى قاسم رأسه على كتفه مُنفجًرا في الضحك، لا يستطيع إيقاف ضحكاته، خاصةً عندما دفعه فور بعيدًا ثم صعد على الأريكة هاربًا: فلتبعد جسدك الحقير عني، ما بك أصبحت تهوى الرجال! أنت قذر يا رجل.

قهقه قاسم عاليًا حتى باتت صدى صوت ضحكاته تصدح بالخارج، لقد صدق حقًا أنه يريده، كم هو غبي حقًا، جاء رائد من الخارج مُستمعًا لصوت صراخ فور وضحكات قاسم، قطب جبينه بتعجب ثم تسائل: في إيه يا فور طالع عندك كدا ليه!
أجابه فور الذي كان يُطالع قاسم بسخط: هذا الوقح يريدنا أن نُنجب منيجي.
ضم رائد شفتيه يمنع صدور أي ضحكة منه، ثم تسائل مُدعيًا البراءة: منيجي ازاي يعني!

فلتسأله هو، أنا لا أعلم ما الذي حدث لهذا العالم، الجميع يُنجِب من الجميع هكذا!
هُنا ولم يتسطيع رائد كتم ضحكاته ضاربًا كفه بكف قاسم الذي استقبله ضاحكًا هو الآخر، حدجهم فور بسخط ولم يتحدث، وبمجرد ما رأى شقيقه چون يدلف من باب المنزل؛ حتى هرول إليه قائلًا بإستنجاد: فلتنقذني چون من قاسم، أصبح قذرًا وأنا أريد الذهاب من المنزل قبل أن يفعل بي شيئًا قبيحًا.

علم چون ما يرمي إليه عندما شاهد فزعه وضحكات الشباب العالية، فأخيه يشمئز من تلك الأشياء وبقوة، رغم أن بثقافتهم يوجد الكثير من تلك الأشياء لكنه كان مُعارضًا لها بشدة، كان دائمًا يردد على مسامعه الرجال للنساء، ما يفعلونه مُقزز للغاية، وهو مُتفق مع حديثه كثيرًا.

أحاط چون بكتفه ثم دخل جالسًا على الأريكة وهو جانبه كالطفل الصغير، ثم تحدث بضجر مُوجهًا حديثه ل قاسم ورائد: ماذا فعلتم له يا حمقى، لما تزعجونه هكذا! إنه جميل ولطيف للغاية.
توقف قاسم عن الضحك مؤكدًا حديثه بسخرية: لطيف اه، روح نام أنت وأخوك.
ارتشف رائد بعض الماء، ثم وجه حديثه ل قاسم يسأله: هنروح نتقدم امتى!
نظر قاسم لساعة معصمه قائلًا: هنروح نقنع چيچي عشان تيجي معانا، وربنا يستر من ردة فعلها.

أكد له چون على حديثه لاويًا شفتيه بقلق: نعم بالفعل، بالطبع ستظل تنوح بأننا لم نخبرها من قبل.
وقف رائد بالمنتصف بكل شجاعة قائلًا: متخافوش يا رجالة، الست دي أمي وأنا راجل ومستحيل تزعقلي قدامكم.

انتفض رائد عندما وجد نعل والدته يحتضن وجهه بقوة، مما جعله يصرخ مُتألمًا، ابتلع الشباب ريقهم برعب ودموعهم تهبط بصمت دون حتى الحديث.
فكعادة چيهان عندما تغضب من شيء ما، تُحضر كيسًا بلاستيكيًا من البصل ثم تبدأ بتقطيعه بلا هدف، مسح فور دموعه عندما طال ضيقها منهم: عيناي تصرخ من الألم أتوسل إليكِ توقفي عن بشر البصل.

توقفت ثم وجهت نصل السكين تجاه وجهه تصرخ به مُوبخة إياه: أنت تسكت خالص بدل ما أشق رقبتك نصين، سمعت!
خضع لها فور صامتًا، وجاء دور قاسم للحديث فأوقفته صائحة: أنت بالذات تسكت ومتتكلمش خالص بدل ما أقوم بالشبب وعلى دماغك.
تأفف قاسم بسخط ماسحًا وجهه من الدمعات التي تهبط على وجهه: حسبي الله ونعم الوكيل في اللي زرع البصل دا، يا خالتي الله يسترك كفايا هتعمي.

شوحت بيدها أمام وجهه وهي تهتف بصراخ مثله تمامًا: ما تتعمي ولا تروح في داهية، مش بدل ما أعرف إنك رايح تتقدم لواحدة وأنا آخر مَن يعلم! بقى دي أخرتها يا نتن!
اعتدل رائد في جلسته على الأرضية الصلبة: ياما ما هو قالك الموضوع جِه بسرعة، ليه جو المسلسلات الهندي اللي أنتِ عاملاه دا!
لم تُجيبه، بل ظلت تُخرط البصل تُخرِج به نوبة غضبها منهم، صدح صوت چون يهتف ببكاء: يكفي هذا واللعنة، لم أعد أرى شيئًا.

خلعت چيهان نعلها الآخر تقذفه عليه أثناء صراخها عليه: أنت بتقولي أنا اللعنة! دا أنت يومك أسود أنت وهو النهاردة.
ذهب قاسم للجلوس جانبها على طرف الكرسي لمراضاتها بحديثه المعسول، لكنه انتفض بفزع عندما صرخت به بغضب: ابعد يلا هتكسر دراع الكرسي، دا أنا جايباها الأسبوع اللي فات ب 90 جنيه.

أغمض قاسم عيناه بنفاذ صبر وها قد بدأ غضبه يعلو على قسماته، لكن سيطر على ذاته برسمه ابتسامة متصنعة وهو يميل على جبينها يُقبله بإعتذار: خلاص يا ستي حقك عليا والله، وأوعدك المرة الجاية قبل ما أتحرك أي خطوة هاجي أقولك أنتِ الأول.
نظرت له بطرف عينها وها قد بدأت تميل: يا واد! بتثبتني يعني!

أشار لذاته بصدمة مزيفة قائلًا بعتاب: أنا بثبتك! اخس على قلة الثقة يا چيچي اخس، يلا قومي البسي بقى عشان منتأخرش يا قمر.
ضحكت بخفة واضعة السكين والبصل جانبًا، ثم أردفت بإستسلام: خلاص هاجي وأمري لله، بس يا ويلك ويا سواد ليلك لو خبيت عليا حاجة تاني.
أومأ لها مُسرعًا بخضوع متشدقًا: عيب عليكِ يا ستي، أنا راجل وكلامي سيف على رقبتي.

ذهب الجميع لمنزل أَهِلَّة بعدما استطاع قاسم اقناعهم وإرضائهم بشتى الطرق، فكانوا كالجيش الذي يذهب للقبض على مجرم واحد لكثرتهم، طرق محروس باب المنزل بهدوء مُحدجًا الشباب بإشمئزاز بطرف عينه، فتحت لهم نبيلة و يمنى والتي استقبلتهم بإبتسامة باهتة مُرددين بترحيب: اتفضلوا يا جماعة، آنستوا وشرفتوا والله.

نظرت نبيلة للعدد الكبير الذي يدلف بأعين مُتسعة، فقد كانوا محروس، چيهان، لواحظ، سهيلة، فور، چون، رائد، وأخيرًا قاسم.
توقفت لواحظ بإنهاك طالبة من يُمنى بنهيج: اسنديني يا شابة أصلي من قادرة أمشي.

حدجتها يمنى باستغراب قاطبة جبينها بتعجب ودلفت للداخل تاركة إياها وحدها، مصمصت لواحظ على شفتيها باستنكار هامسة مع ذاتها: مسم، بنات آخر زمن ياختي، معندهمش لا زوق ولا احترام، كانوا يجوا يشوفوني وأنا بنت 14 سنة، مكنش فيه في أخلاقي والله.
استندت لواحظ على سهيلة التي أمسكت بيدها ضاحكة وهي تقول بمرح: تتعالي يا تاتا اسندي عليا أنا وسيبك منها، دي باين عليها قليلة الذوق.

سارت معها لواحظ عدة خطوات ثم توقفت فجأةً ناظرة لها بتعجب: أنتِ مين!
قلبت سهيلة عيناها بضجر مُجيبة إياها: أنا سهيلة يا تاتا بنت ابنك.
ادمعت أعين لواحظ بتأثر قبل أن تُجيبها: ابني مين! أنا أصلًا متجوزتش.
تركت سهيلة يدها بضجر ثم دلفت للداخل مُتمتمة مع ذاتها ببعض الكلمات الحانقة، تابعت لواحظ ابتعادها مُنادية إياها بحنق: أنتِ يا بت، شيلي الأكل من تحت رجلك.

نظرت سهيلة أسفل قدمها لكنها لم تجد شيئًا، استدارت لجدتها لتجدها ترسم على ثغرها ابتسامة بلهاء قبل أن تقول ضاحكة: وضحكت عليكِ، عليكِ واحد.
عضت سهيلة على أناملها بغيظ، ثم أكملت سيرها للداخل دون التوقف على نداء جدتها المُتكرر، بعد ذهابها أردفت لواحظ ساخطة: بت قليلة الرباية زي أبوها.
صمتت قليلًا ثم نظرت حولها بتعجب قائلة: أنا فين!

بالداخل. هتفت ملك بسعادة وهي تقفز مكانها: العريس جِه، العريس جِه، عايزة أشوفه أوي والله.
دخلت عليهم يمنى في تلك الأثناء، والتي استمعت لحديث ملك الأخير مُعلقة عليه بسخرية: ياختي اتنيلي يعني هتشوفي الأملة!

حدجتها أَهِلَّة بتحذير من أن تُخطئ القول أمام شقيقتهم، فنفخت يمنى بغيظ من نظراتها الواضحة، هي لا تريد منها أن تتزوج من قاتل مثل هذا، تريد لها الأفضل دائمًا كما تريد لعائلتها جميعًا، لكن تورطها مع مجرم كهذا سيُدخلهم في كثير من المتاعب والمصائب التي لا حصر لها.

دلفت نبيلة تستعجلهم بناتها للخروج، لكنها توقفت بأعين متأثرة عندما رأت هيئة فتاتها الجميلة، فقد كانت ترتدي فستانًا طويلًا من اللون الأحمر، تاركة لخصلاتها العنان خلف ظهرها، مع وضعها لقليل من مستحضرات التجميل التي زينت بها ذاتها.
اقتربت نبيلة من أَهِلَّة مُحتضنة إياها بين ذراعها قائلة: زي القمر يا نور عيني، أحلى وأجمل عروسة أشوفها في الدنيا.

طالعت أَهِلَّة والدتها بحب ثم قبلتها على جبينها بحنان وهي تردف: تسلميلي يا أحسن أم في الدنيا، دي عيونك هي اللي جميلة والله.
جاء صوت ملك من خلفهم متحدثة بحزن مصطنع: بوسيني أنا كمان يا ماما، دا أنا قلبي اشتكى من قلة الهشتكة.
ما بلاش أنتِ.
قالتها يمنى بنبرة خبيثة ضاحكة، فنكزتها أَهِلَّة من جانبها وهي تكتم ضحكاتها حتى لا تُلاحظ والدتهم الأمر، ذهبت نبيلة تحتضن ملك هي الأخرى هاتفة بحنان:.

وأنتِ كمان يا حبيبتي زي القمر والله، كلكم حلويات، يلا بقى عشان منتأخرش على الناس برا.
طالعت ملك شقيقتها يمنى بتوعد، ثم خرجوا من الغرفة، لتكون الصدمة من نصيب ملك التي رأت رائد يجلس وسط تلك العائلة التي من المفترض قادمة لخِطبة شقيقتها.!

مُنكسة الرأس، وحيدة، تائهة، يكرهها الجميع، كانت تلك حالتها بعدما عادت مع والدتها للمنزل الآن، لم تعد للمنزل هي والدتها سوى اليوم، قضوا ليلة البارحة في تصوير الكثير والكثير من الصور التي ستُنشر في المجلات، لكن لم يكن هذا الذي يُحزنها، بل تطاول أحد الرجال في لمسها بطريقة قذرة غير لائقة وصمت والدتها على هذا الفعل المشين كانت أكثر ما جعلها مُنصدمة.

تذكرت عندما وضع الشاب يده على قدمها العارية عند تصويرهم الإعلان الجديد، حينها انتفضت من مكانها غاضبة تصرخ بوجهه: أنت اتجننت! ازاي تحط إيدك عليا بالطريقة دي.
جاءت والدتها إليها مُسرعة والتي كانت تُتابع التصوير كاملًا بل وتُشرف عليه، ثم تسائلت حانقة من أفعال ابنتها المُستهترة كما تظن: في إيه يا حبيبة لكل دا؟

أشارت حبيبة للشاب الذي يُتابع حديثها ببرود، وعيناه تجول فوق فستانها الذي يكاد لا يُخفي من جسدها شيء، مُتابعة بصياح: بيحط إيده على رجلي بطريقة مش كويسة.
صدمتها والدتها بقولها البارد وهي تهز كتفها بلامبالاة: وإيه المشكلة! دا شغل يا حبيبتي، والشغل مُتاح فيه أي حاجة.

حدجتها حبيبة بعدم تصديق ودهشة، لا تُصدق بأن تلك هي ردة فعلها، اقتربت منها والدتها ثم همست بأذنها وهي تجز على أسنانها بغضب: لِمي الدور بدل ما أخلي يوم طين النهاردة، احنا في تصوير مش في بيت أبوكِ.

ارتعش جسد حبيبة بهلع عندما دفعتها والدتها صوفيا لذلك الشاب والمدعو ب زين، والذي استقبلها في أحضانه برحابة صدر مُستغلًا قربها المُهلك منه، انتفضت مُبتعدة عنه وكل ما يجول بخاطرها هو الإستماع لحديث والدتها الآن، وبعد ذلك فلتهرب بعيدًا، بعيدًا عن العالم بأكمله.

كانت طوال جلسة التصوير تتحمل لمساته الجريئة والتي تُشعرها بالإشمئزاز منه ومن ذاتها، شردت بثيابها وحديث صهيب، بالفعل هي تبدو كعاهرة بتلك الثياب، هو لم يكذب، بل رمى حقيقتها النكراء بوجهها دون أن يُجملها.

انتهت من كل هذا بأكمله ومعه عادت من ذكريات ليلة أمس، نظرت حولها فوجدت أنها تجلس بغرفتها بنفس تلك الثياب القذرة التي كانت ترتديها، وقفت محلها مُتجهة أمام المرآه تنظر لإنعكاسها بحسرة، وثوانٍ كانت تنهمر البكاء الهستيري، أمسكت بخصلاتها تُشعثها بقوة وهي تصرخ عاليًا، ثم ضربت على وجهها عدة ضربات، هي ليست مرغوبة، ليست محبوبة، الجميع يراها كسلعة رخيصة ليس لها أي أهمية، وهُنا أمسكت بزجاجة العطر وقذفتها على المرآة لتتهشم إلى فُتات صغيرة، مثل قلبها تمامًا.

فُتح باب الغرفة ودخل منه صهيب بفزع على صوت صراختها التي استمع إليها عند سيره نحو غرفته، وجدها بتلك الحالة من الجنون وتقذف وتسب كل ما تطوله يدها، وكأنها لا ترى أمامها من فرط ما تحمله في قلبها من ضغينة.
حاول تهدأتها بالحديث ولكنها لم تستجيب، لذلك كتفها من ذراعها رغمًا عنها، بينما هي كانت تتلوى بين ذراعيه وهي تصرخ عاليًا بهستيريا: سيبوني في حالي بقى، يا بابا، تعالى خُدني من هنا.

أحاط صهيب بها مُهدهدًا إياها كالطفلة الصغيرة: شششش محدش هيجي جنبك، اهدى أنا معاكِ.
ظلت على حالة الهذيان التي تلبستها وهي تبكي بقوة، تبكي ألمًا وخسرة على حياتها التي تخسرها شيئًا فشيئًا بسبب جشع والدتها، حاولت الفكاك من حصاره وهي تصرخ به: سبني بقولك، أنا بكرهكم كلمكم سبوني.

لم يتركها، ولم يبتعد عنها، بل ظل مُلتصقًا بها يُمسد بيده على خصلاتها المُشعثة بفعل يدها، ثم خرج صوته هادئًا حنونًا تلك المرة: اهدي يا حبيبة محدش هيجي ناحيتك، اهدي.

أغمضت عيناه بتعب وغفت، لكن في الحقيقة هي هربت من واقعها الأليم، هربت من الجميع بفقدانها للوعي، حدجها صهيب بحزن ثم حملها بهدوء واضعًا إياها على فراشها الكبير، قام بوضع الغطاء فوق جسدها العاري، ثم ظل بجانبها يُمسد على خصلاتها بحنان، وقرر عدم تركها تلك المرة.

تراجعت ملك للخلف بصدمة وهي تلطم على وجهها برعب مُزامنةً مع قفزها الغبي مُتمتمة مع ذاتها برعب: يا نهار اسوح يا نهار اسوح، إيه اللي جابه دا؟
دلفت شقيقاتها للصالون، واستمعت إلى صوت والدتها ينادي عليها بصوت عالٍ، ابتلعت ريقها برعب ثم ذهبت إليهم تُقدم قدمًا وتؤخر الأخرى، مُتحاشية النظر إلى رائد الذي ردد بصدمة وصوت عالي على مسامع الجميع: ملك!

الفصل التالي
بعد 16 ساعة و 35 دقيقة.
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة