قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية حارة القناص الجزء الأول للكاتبة شروق حسن الفصل السادس والأربعون

رواية حارة القناص الجزء الأول للكاتبة شروق حسن الفصل السادس والأربعون

رواية حارة القناص الجزء الأول للكاتبة شروق حسن الفصل السادس والأربعون

لحظاتٌ من الصمت مرت على الجميع، منهم المُنصدم، ومنهم المُندهش، ومنهم السعيد، ومنهم الغاضب!
ماذا قُلت للتو؟
كلماتٌ صعدت من فاهِ آلبرت الذي تسائل بحذر أثناء اقترابه أكثر من فور، ليبتلع فور لُعابه بريبة أثناء نظره لملامح وجه أخيه الجامدة، وبالرغم من ذلك لم يتراجع بحديثه، بل أعاده بكل قوة وهو ينظر له: لقد اعتنقت الإسلام أخي.

أمسكه آلبرت من تلابيبه وهو يهزه بعنف قائلًا من بين أسنانه بغضب: ما هذا الهُراء الذي تتفوه به الآن؟ أي إسلامٍ هذا الذي اعتنقته؟
أغمض فور عيناه يُحاول التحدث بكل هدوء وعقلانية ليمتص غضب شقيقه، لذلك تحدث برزانة: لقد سكلت الطريق الذي أشعرني بالراحة أخي، لم أشعر بمثل هذا المقدار من السرور من قبل.

اقترب منهم ستيفن والذي تحدث بتعجب وابتسامة غير مُصدقة مُتشكلة على ثُغره: بماذا تهذي فور بحق الله؟ هل تعني بهذا الحديث أنك ستتركنا؟
انقبض فؤاد جميع الأخوة برعبٍ من تلك الفكرة، لينفي فور برأسه مُسرعًا وهو يقول: بالطبع لا، لقد اخترت الطريق الذي أراه صوابًا من وجهة نظري، لكن هذا لا يعني بأني سأترككم، أنتم أخوتي مهما اختلفت أدياننا.

كانت النظرات مُشتعلة بين الجميع، لكن بالنسبة ل قاسم فكان بوادٍ آخر غير الجميع، حين انتفض من مكانه مُتسائلًا بسعادة عارمة وهو يُمسك بذراعي أهلة: يعني إيه؟ يعني صهيب هيبقى أب؟ وأنا هبقى عم؟ وماما هتبقى تيتا؟ وأنتِ هتبقي مرات عمه الحربوءة؟
صعدت ضحكات أهلة الصاخبة تنطلق وهي ترى جنونه وسعادته في نفس الوقت، لكنها قررت مُجاراته وأومأت له بأعين دامعة: أيوا هبقى مرات عم حربوءة.

وفي اللحظة التي تلتها كانت تستقر بين أحضانه وهو يحتضنها بقوة أثناء قوله السعيد: أحلى حربوءة في الدنيا.
لم تتمالك أهلة ذاتها أكثر وزادت ضحكاتها، لكنها شهقت بفزع عندما دفعها قاسم على الأريكة وتحديدًا على قدم مهرائيل ثم هرول تجاه فور الذي استقبل لكمة عنيفة من يد أخيه، وفي اللحظة التي تلتها كان قاسم يحتضنه مُهللًا بسعادة: مبروك ياض يا فور، سيبك من اخواتك التيران دول أنت كدا في السليم.

وضع فور كفه على وجهه مكان لكمة أخيه بألم، ثم تحدث وهو ينظر بنظرات مُغتاظة نحو أخيه: شكرًا لك قاسم، لولاك ما كنت أخذت ذلك القرار.
جز آلبرت على أسنانه بغيظ ثم تحدث بفحيحٍ قبل أن يذهب من أمامه كُليًا: حسنًا فور أنت مَن اخترت، ليس لي علاقة بك بعد الآن، لا أريد رؤية وجهك أمامي.

قالها ثم ذهب وتركه ينظر في أثره بحزن، رفع فور أنظاره أخواته الباقون فوجد علامات الخذلان مُرتسمة على وجوههم، عدا چون وليونيد، اقترب ستيفن من شقيقه حتى وقف أمامه وأردف: بفعلتك تلك أنت تُقرر الانفصال عنا كُليًا.

هز فور رأسه نافيًا حديثه بسرعة، وما كاد أن يفتح فاهه للحديث حتى قاطعه قاسم مُتحدثًا برزانة: لن يحدث أي شيءٍ من هذا ستيفن، والدليل هُنا، أنا وشقيقي مُسلمان ولم يؤثر اختلاف الأديان على صداقتنا ولو بقدرٍ صغير، كما أن فور سيظل ماكثًا هُنا معكم أي أنه لن يذهب لمكان.

طالعه ستيفن بعدم اقتناع ثم ذهب هو الآخر وترك الجميع، وكان الخصمان الآخر هُم إيغور وآندريه، اللذان نظرا ل فور لثوانٍ من الصمت ثم رحلوا أيضًا تاركين إياه ينظر لأثرهم بألمٍ بالغ، ربت قاسم على ظهره وهو يتشدق بدعم: لا تحزن عزيزي هُم بالنهاية إخوتك ولن تطول مقاطعتهم لك.

اقترب منه كُلًا من چون وليونيد اللذان احتضناه بحب حتى لا يحزن، فبدأ ليونيد الحديث أولاً بقوله: لستُ راضٍ عن ما فعلت بنسبة مئة بالمئة لكن لا بأس، المهم ألا تبتعد عنا فور.
أيد جون حديثه قائلًا بحب: نحن نحبك فور وأنت تعلم هذا، وما فعله أخواتك طبيعي تمامًا، سيهدأون فقط ثم سترى بأنهم قد سامحوك.
ضمهم فور إليه قائلًا بحب: أنا أحبكم حقًا حتى أكثر من ذاتي، لا يمكنني الابتعاد عنكم حتى لو لإنشٍ واحد.

ربت ليونيد على ظهره بحنان وهو يقول: نحن نعلم ذلك، الأمور ستعود لوضعها الطبيعي لا تقلق.
وعلى الجانب الآخر. بعد مرور نصف ساعة تقريبًا.
كان صهيب يُطالع حبيبة بنظراتٍ مرتابة وحين تتلاقى أنظارها يُبعدها عن على الفور، نظر لها بطرف عينه ليجدها صامتة تنتظر ردة فعله بعدما أعلنت أهلة بكل غدرٍ عن حملها المُفاجيء، وهو كان يهمس بينه وبين ذاته: أكيد أنا سمعت غلط.

وحين تلاقت أنظارهم مُجددًا؛ هرب بها لجهة أخرى وهو يهمس بنفس الجُملة، وبعد ثانيتان أُخريتان قام بالنظر إليها بطرف عينه ويتسائل كيف للبسكوتة خاصته أن تكون أمًا؟ وللمرة المائة على التوالي تلاقت أنظارهم فهرب هو بأنظاره وهو يهمس لذاته بعدم تصديق: أكيد أنا من تأثير الصدمة سمعت غلط، حبيبة حامل؟

وبكل بلاهة وحماقة عاد لينظر إليها مُجددًا وكأنه يتأكد من هويتها أو ما شابه، لكنه انتفض من مكانه بفزع عندما صرخت به أهلة بنفاذ صبر: جرا إيه يا عم الكتكوت! بقالك ساعة مصدوم وبتبص للبت ولا كأنها كانت عقيمة وحامل؟ ما تقوم تحضنها يا جدع أنت ولا تعملك أي أكشن في ليلتك دي.
طالعها ببلاهة لعدة ثوانٍ ثم عاد لحالته التي كان عليها منذ دقائق، وكأنها لم تتحدث من الأساس!

اقترب منه قاسم ثم جلس جانبه وتسائل بضحكة مكتومة: مالك يا صهيب متنح كدا ليه؟
طالعه صهيب بعدم فهم ثم أشار لزوجته وكأنه يشكي منها: مراتك بتقول إن مراتي حامل.
أخفى قاسم ضحكته بصعوبة بالغة، ثم تسائل بجدية زائفة: أيوا وفين المُشكلة؟

رمش صهيب بأهدابه عدة مرات ولا يجد إجابة لسؤاله، وبكل بلاهة قام بالإنحناء للأمام ليرى وجه زوجته الذي يُخفيه قاسم خلف جسده، وبنفس الغباء عاد لموضعه مُجددًا وهو يشكو له: طيب بذمتك دي هتخلف إزاي؟ هربيها أنا ولا هربي ابنها؟
تشنج وجه قاسم وهو يُردد كلمته: ابنها؟ وهو جاي باتصاله من البلوتوث ولا إيه مش فاهم؟

ابتلع صهيب ريقه بصعوبة والآن فقط بدأ يُقلِّب الحديث داخل عقله، زوجته حامل! تحمل داخل معدتها طفل! والطفل يكون طفله هو! أي أنه سيكون أبًا! وبعد تلك النتائج المُذهلة التي وصل إليها؛ شهق بحدة وعدم تصديق وهو ينتفض من مكانه وهو ينظر لزوجته:
أنتِ حامل بجد؟
خافت حبيبة أن يكون كارهًا لذلك، فأدمعت عيناها بقوة وهي تقول بنبرة مُرتعشة وإجابة غبية تُشبه الموقف بأكمله: أنا مليش دعوة الدكتورة هي اللي قالتلي.

لوت أهلة شفتيها بسخط على بلاهة حبيبة، ثم هبت من مكانها واتجهت نحو قاسم حتى جلست بجانبه، ثم مالت عليه هامسة بغيظ: شايف أخوك مربي للبت الرعب إزاي؟
ضحك قاسم بصوتٍ خفيض رغمًا عنه ثم تمتم: يا بنتي هو أخويا لسه عمل حاجة، بقولك إيه اتفرجي وأنتِ ساكتة.
قالها وهو يُحيط كتفها بذراعه، بينما هي نظرت إليه بعدم رضا ثم حوَّلت أنظارها لتُتابع ما يحدث كحال الجميع تمامًا.

اقترب صهيب من حبيبة ثم وقف قبالتها مُباشرةً وهو يقول بصدمة: حبيبة أنتِ بجد حامل؟
عضت على شفتيها وهي تُطالعه بريبة، وبهدوءٍ وحذر أجابته: على حسب، يعني لو هتفرح فأيوا أنا حامل، ولو هتزعل وربنا ألم هدومي وهروح أبات مع أهلة في أوضتها.

كادت أن تُكمل حديثها لكنها صمتت بفزع عندما وجدت جسدها يطير عاليًا بعد أن جذبها لأحضانه ودار بها حول ذاته بكل سرور، وكأن فرحة العالم بأكمله جاءت لتتشكل أمام حدقتاه الآن بعد أن أخبرته بحملها.

صدحت الضحكات وتعالت التصفيقات، وأطلقت مهرائيل صافرة من داخل فمها وهي تُصفق بسعادة، أنزل صهيب زوجته التي تتمسك في رقبته بقوة شديدة وهي تضحك بقوة، وبحبٍ شديد قبًَل جبينها وهو يردف بسعادة وأعين دامعة: أنتِ. أنتِ مش بتهزري صح؟

تجمعت الدموع بأعين حبيبة التي هزت رأسها بالنفي، ثم أجابته بحب: لأ مش بهزر، أنا حامل بجد يا صهيب، روحت أنا و أهلة النهاردة علشان نحلل والتحليل عملناه مستعجل ونتيجته طلعت إني حامل ولسه في الشهر الأول.

وللمرة الثانية ضمها صهيب إليه وهو يُتمتم بالحمد ودموع السعادة تجمعت داخل حدقتاه بكثافة، أحاط خصرها بقوة بينما هي أحاطت رقبته وهي تدفن وجهها داخل عنقه تستنشقه بكل لذة، ضحك صهيب على فعلتها لكنه لم يريد أن يفصلها عن وصلة وَحمها التي بدأت بالظهور من الآن!

كانت أهلة تُتابعهم بابتسامة سعيدة للغاية وهي تضم كفيها لصدرها بكل حماس، وجدت قُبلة تِطبع على وجنتها بقوة وصوت قاسم الحنون يصعد قائلًا: هستنى اليوم اللي هتبلغيني فيه إنك حامل بنفاذ الصبر، وهستنى عوض ربنا لينا بعد كل الإختبارات اللي إحنا مرينا بيها سوا، هستنى جُزء مني بيتكون جواكِ بكل حماس وشغف، وهستنى طفل تكوني أنتِ أمه وأنا أبوه.

ابتسمت أهلة باتساع وهي تتخيل كل ما يتمناه، حُلمٌ جميلٌ تتمنى بأن يتحقق، طفلٌ يُشبهها وفتاة تُشبهه! مجرد التخيل جعلها عيناها تلتمع بدموع الفرحة والسعادة، وتلقائيًا استدارت له وأحاطت بخصره أثناء وضعها لرأسها على صدره لتستمع إلى خفقاته العالية، أغمضت عيناها براحة ثم همست بعد وقتٍ من الصمت:
وأنا كمان بتمنى من ربنا يعوضنا العوض اللي بجد، رغم إني خايفة من الفكرة ذات نفسها بس يكفي إنك هتكون معايا.

رفعت أنظارها تُطالع وجهه عن كُثم، فوجدت ابتسامة واسعة مُرتسمة على شفتيه من حديثها، وتلقائيًا هبط على عينيها ليُقبلهما وهو يهمس بعشق: عايز ولادنا كُلهم ياخدوا عينيكِ، بدوب فيهم ولا كأني بغرق.
قطع حديثهم الرومانسي قدوم مهرائيل إليهم والتي مدت يدها إليها بطبقٍ من الطعام وهي تقول بوجهٍ جامد: خُدي كُلي عشان المغرب أذَّن بقاله ساعة وأنتِ مكلتيش حاجة.

اعتدلت أهلة في وقفتها ثم أخذت منها طبق الطعام وهي تُطالعها بامتنان، لكنها قطبت جبينها بتعجب عندما وجدتها ترحل دون حتى أن تنظر إليها أو ترد إليها ابتسامتها، نظرت أهلة لأثرها بتعجب وبعدها حوَّلت أبصارها ل قاسم الذي كان يُتابع حديثهما باهتمام ثم تسائلت بتعجب:
هي زعلانة مني ليه؟
هز قاسم كتفه بجهلٍ ثم تحدث بمزاحٍ قبل أن يتركها ويذهب لأخيه: قُدامك مُهمة مُصالحة يا هولا، انطلقي يا امرأة.

وبالفعل انطلقت أهلة نحو مهرائيل التي كانت تجلس على الأريكة بجانب شقيقتها، جلست أهلة بجانبها من الناحية الأخرى ثم تحدث بمزاح: الجميل زعلان مني ليه؟
ربعت مهرائيل ذراعيها أمام صدرها ثم أردفت بجمود: وأنتِ عملتي حاجة عشان أزعل منك؟
فكرت أهلة بجدية لبعض الوقت، لكنها نفت بعد ذلك وهي تقول: على حسب ما أتذكر لأ، بس قوليلي أنتِ زعلانة ليه يمكن زعلتك بدون قصد.

استدارت لها مهرائيل بعصبية ثم تحدثت بحنق: ما هو أنتِ هتاخدي بالك إزاي وأنتِ أصلًا مش معبراني لا أنا ولا لوسيندا، دايمًا باجي أتكلم معاكِ وبكون مبسوطة وأنا بكلمك لكن بحس إن فيه من ناحيتك لامُبالاة وإنك مش عايزة تتكلمي معايا، ولما قولت ل لوسيندا قالتلي يمكن أنتِ مشغولة أو زعلانة، لكن دايمًا بشوفك مع حبيبة وبتضحكوا وتهزروا سوا، رغم إن أنا كمان بحبك زيها بس مش بلاقي مُقابل منك.

كانت أهلة تستمع إليها بدهشة وهي تفتح فاهها بعدم تصديق، تُطالعها وهي تُحاول استيعاب مَن الذي يلومها أو لماذا، لكن النتيجة كانت بأن مهرائيل هي التي تتحدث، تحول وجه أهلة إلى الجمود ثم عادت للخلف قليلًا بعدما كانت مُلتصقة بها ثم تحدثت بهدوء يشوبه الخذلان:.

طيب ما أنتِ كمان كدا، رغم إننا عايشين في بيت واحد أنتِ مش عارفة أنا بمر بإيه، أيوا أنا عارفة إنط بتحبيني وبتحبي تتكلمي معايا لكن أنتِ بتيجي في أوقات غلط، أنتِ تعرفي إيه عني؟ تعرفي إني بدأت أتعالج بقالي شهر تقريبًا؟ تعرفي إني بعاني بالليل مع نفسي ومع أفكاري وبحارب عشان مرجعش لنقطة الصفر تاني؟ تعرفي إني بقيت أعيط ودموعي مبقتش تجف من الوجع اللي بحس بيه كل يوم في رحلة علاجي؟ تعرفي إن حبيبة هي الوحيدة اللي بتجيلي كل يوم وتقعد معايا عشان تخفف عني علشان كدا هي بقت قريبة مني؟ أنتِ فعلًا بتحاولي تقربي مني وأنا مش كارهة دا، بس حبيبة بتخفف من وجعي وأنا الفترة دي مش عايزة حاجة غير إن وجود الكل يكون خفيف على قلبي عشان أعرف أكمل.

استمعت إليها مهرائيل بدهشة ولم تكن تعلم بمقدار الألم الذي يتشكل داخل فؤاد صديقتها، بينما أهلة أردفت بكلماتها دُفعةً واحدة ثم ابتعدت عنها واتجهت نحو الحديقة الخلفية للقصر، نظرت لوسيندا لشقيقتها بعتاب ثم أردفت: مش قولتلك هتلاقي عندها ظروف تاعباها وأنتِ مصدقتنيش؟

قضمت مهرائيل أظافرها ثم تحدثت بتوتر: ما أنا مكنتش أعرف، أنا قولت أعاتبها عشان بحبها بس طلعت أنا اللي مقصرة في حقها أوي، هعمل إيه دلوقتي بقى؟
هبت لوسيندا من مكانها ثم سحبت شقيقتها معها وهي تقول بحسم: هنصالحها طبعًا وهي دي فيها كلام! هسبقك أنا وأنتِ روحي هاتي حبيبة وتعالي.

أومأت لها مهرائيل وهي تشعر بالذنب الشديد يتخللها، ثم اتجهت نحو حبيبة وأخذتها من جانب زوجها دون حتى الحديث أو الاستئذان، وتركت صهيب ينظر إلى أثرهم بتشنج واضح ثم صاح بسخط: هي إيه الستات القادرة اللي إحنا عايشين معاهم دول؟ دي مبقتش عيشة دي.
ضحك فور عاليًا والذي تشدق بمشاكسة بالمصرية: معلش يابني هي الدنيا كدا، اسمع الكلام يا إما هتاخد على دماغك.

أيده چون بحسرة: دي حتى لوسيندا قامت وخدت في وشها ولا كأني موجود، حزب النساء دا مقلقني وحاسة إنه فيه مؤامرات هتتنفذ ضدنا.
وعلى الجانب الآخر.
جلست لوسيندا على الاريكة الوثيرة الموجودة بالحديقة ثم تحدثت باعتذار: متزعليش مني ولا من مهرائيل، إحنا بنحبك والله فعشان كدا هي اتكلمت لما لقتك بتبعدي عنها.
نظرت إليها أهلة بطرف عينها ثم تحدثت ساخرة: لأ واضح إن هي بتحبني أوي.

زفرت لوسيندا بضيق ثم تحدثت بحزنٍ وهي تخفض رأسها للأسفل: بُصي يا أهلة أنا عارفة إن إحنا مش قريبين منك أوي زي حبيبة، بس أنا و مهرائيل بالذات عندنا استعداد نصاحب الكل ونرسم البسمة على وشوشهم، بس مش بنحب نتدخل في التفاصيل، دايمًا عندنا إحساس إن الشخص اللي قدامنا مش هيكون متقبل اهتمامنا الزايد فممكن نكون تُقال على قلبه، رغم إن ممكن الشخص دا يكون غالي على قلوبنا جدًا ونفسنا نفضل جنبه دايمًا، لكن الاحساس بعدم الرغبة والخوف مسببلنا فوبيا إن احنا مش محبوبين، علشان كدا مش بنحاول نحشر نفسنا في التفاصيل.

لانت ملامح أهلة والتي استدارت لها وهي تقول بضيق: طيب ما إحنا صحاب وعلى طول جنب بعض، ليه هتضايق من فكرة وجودك أو وجود مهرائيل؟ انتوا لو فعلًا مش مرغوبين من ناحيتي مش هتلاقوني بكلمكم أو يهمني زعلكم.

تنهدت لوسيندا بألم وهي تُجيبها: أنا وهي اتخذلنا من صحاب كتير أوي لحد ما بقى معندناش ثقة في حد، بنحاول على قد ما نقدر إن وجودنا يكون خفيف على قلوب الكل عشان ميزهقوش مننا، مش بنشكي زعلنا لحد نهائي، لو أنا زعلانة أوقات بروح اشتكيلها وأعيط في حضنها، وأوقات تانية بعيط لوحدي عشان مشيلهاش فوق طاقتها، وهي برضه كدا، احنا اجتماعيين بس متوحدين في نفس الوقت.

شعرت لوسيندا بنغزة قوية في كتفها، فاستدارت بغضب لرؤية الفاعل الحقير، وبالطبع لم تكن سوا مهرائيل التي هتفت بغيظ: أنتِ متوحدة لكن أنا فرفوشة وملكيش دعوة بيا، قال متوحدة قال.
قالت جُملتها ثم استدارت للجلوس بجانب أهلة من الناحية الأخرى، وبعدها أمسكت كفها بود قائلة برجاء: متزعليش مني أنا أسفة والله، بس أنا مكنتش عايزة أتقَّل عليكِ وأسألك مالك عشان متضايقيش أو تحسي إني بحشر نفسي في اللي مليش فيه.

كانت أهلة تُحاول أن تظل على موقفها وتدعي الحزن، لكنها ابتسمت تلقائيًا عندما أردفت الأخرى بيأس: يا هولا بقى متزعلش مني يوه، طب خلاص هبقى أرخم عليكِ وهسأل عليكِ على طول بس متزهقيش مني.
ضحكت أهلة وهي تهز رأسها بيأس، ثم اقتربت منها لتحتضنها وهي تقول بحنان: يا ستي مش بزهق والله، وأنا أطول إن مهاميهو تسأل عليا أصلًا؟
ضمتها مهرائيل بقوة وهي تقول بحب: حبيبة قلب مهاميهو والله.

ابتعدت عنها ثم استدارت نحو لوسيندا وعانقتها هي الأخرى ثم قرصتها من ظهرها وهي تقول بمزاح: وأنتِ يا ست كُخة ابقي تعالي واحكي كل اللي في نفسك لتجيبي للواد عُقدة وإحنا مش ناقصين.

ضحكت لوسيندا بمرح وهي تُبادلها العناق، وبعدها ابتعدت عنها، تحمست أهلة أكثر ثم صفقت بكفيها معًا عندما جال بخاطرها فكرة عظيمة، وما كادت ان تفتح فاهها للتحدث؛ حتى وقع بصرها على حبيبة التي تُطالعها بحنق هي الأخرى أثناء تربيعها لذراعيها أمام صدرها!

قهقهت أهلة بقوة عندما توصلت إلى سبب اغتياظها، ثم هبت من مكانها واتجهت نحو حبيبة ذات الملامح الحانقة، وبعدها احتضنتها مثلما احتضنت الفتاتان الأخريتان وهي تقول بمرح: حبيبة عيني واللي ليا والله.
بادلتها حبيبة العناق أثناء قولها الساخط: والله! ما أنتِ كنتِ مش هتحضنيني زيهم.
ربتت أهلة على ظهرها وهي تقول باعتذار: حقك عليا والله، وبعدين هما كانوا زعلانين وبصالحهم، لكن أنت حبيبي يعم ومع بعض دايمًا.

ابتسمت حبيبة والتي بادلتها العناق، ثم أردفت برقة: خلاص هسامحك عشان بحبك.

أروح ويقتلوني ولا أنفد بجلدي؟
كانت تلك الكلمات تصعد من فاهِ وليد والذي نطق بها بعد أن حادثه مختار وطلب منه القدوم، وقف في منتصف الصالون بمنزله واضعًا يده أسفل ذقنه وهو يقول بتفكير: ما هو أكيد عِرف الحقيقة وإني كنت بكدب عليه، يا خراب بيتك يا وليد؟

أمسك بهاتفه ثم طلب رقم قاسم لكن لم يكن هناك إجابة، زفر بضيق ثم دار حول نفسه لعدة ثوانٍ وهو يُفكر في حلٍ لتلك المُعضلة التي ستودي بحياته لا محالة، توقف فجأة وقرر مُهاتفة يحيى أو رائد، فظهر أمامه رقم رائد أولًا فقام بطلبه وانتظر قليلًا حتى أتاه الرد من الناحية الأخرى:
حبيبي أخبارك إيه؟
رد عليه وليد بابتسامة هادئة: الحمد لله يا حبيب أخوك بخير، بقولك إيه أنت فاضي أنت و يحيى؟ عايزكوا في حوار كدا.

نظر رائد ل يحيى الذي يجلس مع لواحظ ويتسامرون معًا، ثم قال أثناء التقاطه لثمرة من التفاح: تعالى يا عم البيت ينور، هنروح نصلي العشا على ما تيجي واديني رنة.
وافق وليد وهو يقول: ماشي يا صحبي، يلا سلام.

أغلق رائد معه الهاتف ثم استدار نحو يحيى الذي يأكل بعض المُقبلات أثناء حديثه مع لواحظ التي تشكو له من إهمال عبدالقادر لها الفترة الأخيرة، ليُمصمص يحيى على شفتيه وهو يقول باستنكار: شوفي ياختي الراجل؟ يعني أنت بعتيله كل سنة وأنت طيب يا عبده عالواتساب وشافها ومردش؟

أومأت له لواحظ بأعين دامعة، ثم تشدقت بحزنٍ وهي تتنهد بحرقة: أنا حاسة إنه مبقاش يحبني زي الأول، أنا متأكدة إن الولية أم رفعت لفت عليه وسرقته مني.
مد يحيى يده ليُربت على كفها المُجعد، وبعدها أردف بحزن: متزعليش يا لولي ومتظلمهوش، مش يمكن مشغول ولا وراه مشاكل ومش عايز يدوشك بيها؟
هزت لواحظ رأسها بالنفي وهي تقول: لأ معندهوش مشاكل، دا كان بيبعتلي كل يوم كيلو تفاح، تخيل مبقاش يبعتلي؟

ضرب يحيى على صدره مُتحدثًا بصدمة: حتى التفاح مبقاش يبعتهولك؟ لأ دا كدا في الحوار إن ولازم نعرفه، لو مكنش هو هيبعتلك تفاح احنا هناكل تفاح منين؟
قال جُملته الأخيرة ثم قضم قطعة من التفاح الذي بين يده، بينما هي هبت من مكانها وأردفت بحسم: معاك حق، أنا لازم أعرف الحوار هيخلص على إيه عشان مبقاش مُغفلة كدا.
قالت كلماتها ثم اتجهت نحو غرفتها لتتحدث مع عبدالقادر وترى إلى أين سيصل أمرهم.

أكمل يحيى تناول الطعام دون أي مبالاة مُستلذًا بمذاق الحلوى داخل فمه، طالعه رائد باستخفاف ثم اقترب منه ليجلس على المقعد الذي يُجاوره وهو يقول بسخرية: أراك تأكل في بيت أمك.
نظر إليه يحيى قائلًا بابتسامة صفراء: حبيبي متقولش كدا إحنا أهل، يلا غور من هنا بقى وروح شوف أبوك وأمك بيعملوا إيه.

قالها وهو يُشير نحو محروس وچيهان اللذان يجلسان على الأريكة العريضة أمام التلفاز، ويُتابعان أحد الأفلام القديمة وهم يتهامسان، استدار له رائد ثم تحدث بسخط: يا عم إحنا عيلة قليلة الأدب ملكش دعوة بينا، يلا قوم عشان نصلي العشا.
وضع يحيى آخر قطعة من الحلوى داخل فمه ثم ارتشف بعدها بضعة قطرات من المياه وهب من مكانه وهو يقول بجدية: يلا يا عم وربنا يتقبل منا.

اتجهوا نحو باب المنزل في نية للذهاب، فاستدار رائد لأبويه أولًا وهو يردف بهدوء: أنا خارج أ.
وقبل أن يُكمل حديثه؛ قاطعه صوت أبيه الحانق: وياريت متيجش تاني أنت وصاحبك الرزل دا، سِكتم خضرا.
استدار رائد ل يحيى ثم دفعه للخارج وهو يقول بحنق: يلا يا عم نغور من هنا، دا إيه العالم دي!

بدأ إحساس الظلم يتسلل تدريجيًا إلى فؤاد يحيى، فتنهد بيأس وهو يقول بحزنٍ مبالغ به: أنا مش عارف الناس بقت وحشة كدا ليه! ففيهل إيه يعني لما أفضل قاعد عندكم طول النهار وممشيش غير على السحور!
ربت رائد على كتفه قائلًا وهو يتنهد بيأس: معلش يابني استحمل، يمكن ربنا يجازينا خير.

وصلا كلاهما إلى المسجد ثم دلفا إليه لتأدية صلاة العِشاء جماعة، تلك هي عادتهم منذ أن قدوم رمضان، فلقد غيَّر عادتهم إلى الأفضل وأصبحوا ملتزمين كثيرًا عما كانوا عليه من قبل.

تجمع الأربعة فتيات أمام شاشة الحاسوب الكبيرة ووضعوه أمامهم على الطاولة الموجودة في الحديقة ثم انتظروا قليلًا، وبعد عدة ثوانٍ ظهرت كُلًا من ملك ويمنى اللواتي ما إن رأوهم حتى صاحوا يصرخون بسعادة، خاصة ملك التي أدمعت عيناها فور رؤيتها لشقيقتها.
أدمعت عيني أهلة حين رؤيتها لشقيقاتها اللواتي لم تراهن منذ أسبوعٍ تقريبًا، بادرت يمنى بالحديث وهي تنظر لشقيقتها: وحشتيني أوي يا أهلة، وحشتيني بجد.

ردت عليها أهلة بتأثر وهي ترى دموعها: وأنتِ كمان وحشتيني أوي يا يمونتي.
ضحكت يمنى باشتياق عند تذكرها لذلك الاسم الذي كانت تُناديه بها منذ الصغر، وتلك المرة تدخلت ملك في الحديث تسألها بصوتٍ مكتوم: عاملة إيه يا هولا؟ هتيجي إمتى أنت وحشتيني أوي.
ورغمًا عنها هبطت دموعها وهي ترى لهفة أشقائها عليها، لتضع يمنى كفها تكتم شهقتها وهي تتسائل بعدم تصديق: أهلة أنتِ. أنت بتعيطي؟

هبطت دموع أهلة أكثر وهي تُوميء لها بالإيجاب، وبصوتٍ مليء بالمشاعر ردت عليها: أيوا. أنا اتعالجت يا يمنى من الكتمان، اتعالجت وبقيت كويسة وبعرف أعيط.
وقفت ملك من مكانها حتى تنحت بعيدًا عن شاشة الهاتف، وببكاءٍ عنيف وضعت يدها على فمها لتكتم صوت شهقاتها، علمت أهلة بأنها تبكي فنادت عليها بصوتٍ مبحوح: ملك تعالي.

هزت ملك رأسها بالنفي وكأن الأخرى تراها، لتُعيد أهلة طلبها ولكن بصوت راجٍ أكثر: عشان خاطري تعالي.
الأمر كان لا يحتاج لكل تلك الدموع، لكن رؤيتهم لشقيقتهم وهي بكامل عافيتها أشعل بهم الكثير من المشاعر السعيدة، وكعادة الفتيات فأفضل طريقة للتعبير عن الفرحة هي الدموع، جففت يمنى دموعها والبسمة تُنير محياها، ثم مدت يدها لجذب يد ملك وهي تقول بمشاكسة: تعالي بقى إحنا ما صدقنا نتكلم متبقيش قطاعة أرزاق.

أتت ملك لتجلس مكانها مرة أخرى ولكن تلك المرة بوجه ممتليء بالدموع، كانت أهلة قد جففت دموعها، لتطلب منها ملك بصوتٍ مُتحشرح: عيطي كدا تاني عشان اتأكد إن أنتِ اتعالجتي!
ضحكت أهلة عاليًا وهي تُجفف باقي الدموع المُتبقية بين أهدابها، وبعدها تحدثت بمزاح: لأ دموعي غالية مش بتنزل غير بمواعيد.
تدخلت لوسيندا في الحديث مُسددة قُبلة في الهواء لهن قائلة: وحشتوني وحشتوني وحشتوني أوي بجد.

ردت عليها يمنى باشتياق: وأنتِ كمان وحشتينا يا لوسي أوي، عاملة إيه؟
ردت عليها مهرائيل بحماس وهي تُصفق بكلتا يديها: لوسيندا حامل.
شهقت ملك بسعادة، لتُكمل مهرائيل بسعادة أكبر: و حبيبة هي كمان حامل.
صرخت يمنى بسعادة وهي تردف بعدم تصديق: الله احلفي بجد!
وبتلقائية شديدة رددت مهرائيل: آه وأقسم بالله زي ما بقولك كدا.

تعالت الضحكات بينهم بصخبٍ، بينما وجه حبيبة تحول إلى اللون الأحمر من شدة الخجل، لتبدأ بينهم الأحاديث العابثة والتي أصابتها بخجلٍ أشد، وظلوا يتسامرون لساعاتٍ طويلة وناقشوا الكثير من المواضيع المُختلفة وسط جو من المرح والحب والاحتواء.

بداخل المسجد.
كان الجميع يُؤدون صلاة العشاء حتى جلسوا للتحيات، أغمض يحيى عيناه ليخشع أكثر في الصلاة، لكنه فتحها بفزع عندما شعر بصفعة قوية تهبط فوق وجنته من يد أحد الأطفال الموجودين في المسجد!
كاد أن يُطلق سبة بذيئة من فمه لكنه تمالك نفسه بصعوبة احترامًا للمكان الذي يُصلي به، بينما رائد بجانبه كاد أن يموت من الضحك من هول الصفعة التي استمع لها جميع من بالمسجد تقريبًا!

وأخيرًا انتهوا من الصلاة وألقوا السلام على الجانبين، ليبدأ يحيى بالبحث عن الفاعل المُجرم، بينما رائد وضع يده على فاهه يُحاول كتم ضحكاته العالية التي صعدت رغمًا عنه حتى لا يتهمه أحد بقلة التربية أو ما شابه، طالعه يحيى بغيظ ثم نظر لصف الأطفال الأخير المُرتص أمامه يُحدجهم باتهامٍ شديد، ولم يخرج من المسجد إلا عندما جذبه رائد بصعوبة شديدة بعدما كان أن يُعاقب جميع الأطفال.

جز يحيى على أسنانه بغيظ هامسًا: شوية عيال مشافتش تربية بجنيه.
وعلى الجانب الأخر؛ وصل وليد إلى منزل رائد فصعد للأعلى حتى وصل إلى الطابق المقصود، ضغط بإصبعه على جرس الباب وانتظر قليلًا حتى فُتِح الباب وظهر من خلفه شابٍ في مثل سنه تقريبًا والذي تسائل بتعجب: أنت مين؟
أجابه وليد بثقة وهو يضع يده في جيب بنطاله: أنا وليد سعيد.
لوى الآخر فمه بحسرة ثم رد عليه بحسد: يا بختك، وأنا سيف حزين.

طالعه وليد بسخرية ثم أجابه بنفس الحسرة المُرتسمة على وجهه: لأ للأسف دا اسمي، لكن الحالة هتبقى وليد المرحوم إن شاء الله.
قطب سيف جبينه بعدم فهم ثم تسائل بفضول: إزاي مش فاهم؟
اعتدل وليد في وقفته ثم أردف بحماس: بقولك إيه أنا ارتحتلك، تعالى إما ننزل تحت وأحكيلك.

أومأ له سيف بابتسامة مُتسعة، وبالفعل أغلق خرج من المنزل وأغلق الباب خلفه، وما كادا أن يتحركا خطوة واحدة؛ وجدا كُلًا من رائد ويحيى قد أتوا، قطب رائد جبينه وهو يتسائل بتعجب: إيه دا أنتوا لحقتوا تتصاحبوا.
لف وليد ذراعه حول كتف سيف وتحدث بابتسامة واسعة: دا بقى حبيبي دا وكنت هحكيله قصة حياتي دلوقتي.

ضحك يحيى بخفة، فأردف وهو يُكمل الصعود للأعلى وكأنه منزله لا منزل رائد: طيب تعالوا نقعد نكمل كلامنا على السطوح، الجو جامد فوق.
وافقه الجميع وصعدوا خلفه، وبدأوا بالتناقش حول المشكلة التي حلت فوق رأس وليد وحاولوا التوصل إلى حلٍ مُناسب.

في اليوم التالي.
تجهزت كُلًا من قاسم وأهلة للذهاب إلى الطبيب النفسي مرة أخرى.
زفر قاسم بأسى وهو يقول في نية لإقناعها: يا بنتي نعتذر لو مش عايزة، أنا مش عايز أضغط عليكِ.
أحكمت أهلة لف الحجاب حول رأسها ثم هزت رأسها بالنفي وهي تقول: لأ أنا عايزة أروح، عايزة أخلص من الحِمل الموجود على قلبي وعايزة أتعالج.

اتجه قاسم إليها ثم أدخل عدة خصلات كانت ظاهرة أسفل الحجاب جيدًا، وبعدها تحدث باستسلام: خلاص براحتك، بس وقت ما تحسي إنه خلاص مش قادرة تكملي وتعبتي قوليلي واحنا هنمشي.
أومأت إليه بابتسامة هادئة، لكن سرعان ما انمحت وهي تسأله بريبة: توعدني إن مهما كان اللي هتعرفه النهاردة مش هتسيبني؟
أحاط وجهها بحنان ثم تحدث بكل الحب الموجود بالعالم: عمري في حياتي ما هسيبك، مش هينفع أسيبك بعد ما لقيتك.

أمسكت بكفه المُحيط به وجهها وأغمضت عيناها بتمني وهي تهمس: ياريت. ياريت بجد.

كان آلبرت واقفًا أمام المسبح الكبير ينظر لمياهه بشرود، يظن بأنها تُشبهه، فبالرغم من هدوئها إلا أنها تحمل عُمقًا وضجيجًا كبيرًا بداخلها، وهذا حاله منذ العديد من السنوات.
شعر بمن يقف بجانبه والتي لم تكن سوى مهرائيل بابتسامتها الساحر وشعرها المُتطاير حول وجهها: هاي!
رد عليها آلبرت بانطفاء: أهلًا.
أرجعت مهرائيل خصلاتها خلف أذنها ثم تقدمت للوقوف أمامه وتسائلت باندهاش: أنت لسه زعلان من امبارح؟

أجابها ساخرًا: ما ظنكِ أنتِ! هل عليّ أن أسعد؟
طالعته بيأس ثم هزت كتفيها ببساطة وهي تشرح له نظريتها بيدها: بُص أنت ليك حق تزعل أنا عارفة، بس مش هنقيم الحد يعني عشان الواد اختار اللي يريحه، سواء بقى مسلم أو مسيحي أظن إن دا مش هيأثر في علاقتكم كأخوات، يعني أعتقد إن اختلاف الأديان دا شيء عادي بالنسبالي.

سحب آلبرت نفسًا عميقًا ثم زفره على مهل بثقل وصمت، ظنت مهرائيل بأنه لم يقتنع بحديثها كالعادة فقلبت عيناها بملل ثم صمتت مثله، لكنه فاجئها يتحدث بعد صمتٍ دام طويلًا: ما يُحزنني هو أنه لم يعود لي ويسألني قبل أن يأخذ قرار كهذا.

شرحت له مهرائيل بعقلانية قليل ما تظهر: ما هو دا اللي بحاول أفهمهولك، هو أكيد كان خايف إنك تعترض وأكيد أنت كنت هتعترض، فعشان كدا أخد القرار من دماغه وبعد كدا جِه وقالنا، صدقني أخوك زعلان من زعلك منه ودا ظهر على كلامه إمبارح، متقلقش من فكرة إنه أسلم وهيبعد عنكم، والدليل قدامك أهو، أنا وأختي مع البنات علاقتنا أحسن من الأخوات، لإن الحب بيكون نابع من القلب مش من اختلاف أو تشابه الأديان.

حسنًا. حديثها بث الطمأنينة في قلبه بنسبة كبيرة للغاية، لكنه لم يُريد أن يُظهِر هذا، تحولت نظرات مهرائيل للعبث وهي تقول بابتسامة عابثة: على فكرة أنا فكرت إني أقدم خدمة كبيرة للبشرية زيك بالظبط.
التوى ثغره بابتسامة جانبية ثم تسائل: خدمة ماذا؟
أجابته بابتسامة واسعة قبل أن تهرب راكضة من أمامه: أوافق أتجوزك.

قالتها ثم هرولت ودلفت للداخل بخجلٍ شديد، لكنها استمعت إلى صوت ضحكاته يصدح عاليًا وهو يُراقب أثرها، وبابتسامة واسعة عاد بأنظاره نحو المسبح وهو يهمس: جروٌ جميل.

وصلوا إلى العيادة وتمت الترتيبات وتمددت هي على الشازلونج كما اعتادت، أمسك قاسم بكفها بحنان بينما مايكل بدأ حديثه طالبًا منها بجدية: اتفضلي احكي يا مدام أهلة.

ضغطت أهلة فوق يد قاسم ثم بدأت حديثها بقولها: المرة اللي فاتت قولتلك إن صاحب بابا كان بيحاول يبوسني، بس بعدها بابا جِه وأنا قولتله واشتكيتله وهو زعقلي وضربني رغم إني مش غلطانة، كل دا عشان شغله ميتأثرش بينه وبين صاحبه، مرة ورا التانية الموضوع بدأ يزيد، بس أنا مسكتش وقولت لماما، راحت اتخانقت مع بابا وفضلت تهدده إنها هتبلغ عنهم لو صاحبه دا مبعدش عني، بابا راح اتخانق معاه خناقة كبيرة وبعد كدا مبقاش يكلمني، بابا بدأ يكون كويس معايا ويعاملني كويس وأنا كنت فرحانة أوي، وفي مرة طلبت منه إني أروح معاه الشغل، وللأسف وافق.

هبطت دموع أهلة بأسى ثم أكملت بشهقاتٍ حادة: سابني في المكتب وراح يخلص أوراق، صاحبه جه فلقاني موجودة بس أنا مهتمش، بس برضه لقيته بيقرب منه بطريقة وحشة أوي أوي، ولما عيطت وقولتله إني هقول لبابا هددني وضربني، ضربني جامد أوي وقالي إني لو قولت لحد هيضربني تاني، كان بيركز على الأماكن اللي مش باينة من جسمي ويضربني فيها عشان محدش ياخد باله، ويوم ورا التاني بدأ يجي عندنا البيت أكتر من الأول، وبابا رجع أسوأ من الأول بمراحل، وصاحبه كان مستمر في ضربي وكل ما أعيط يضربني أكتر، لحد مبقتش أعرف أعيط خالص، كنت بكتم بوقي وأنا بعيط واتكوم على نفسي جنب الحيطة، بس هو مكانش بيحس بيا، كان بيضربني جامد أوي وأنا مش عارفة أشكي لحد وخايفة.

كادت أن تختنق من حدة بكائها فوجدت قاسم يُعدلها في مكانها بقوة وجذبها لأحضانه، أدار وجهه للناحية الأخرى حتى لا يرى مايكل دموعه التي هبطت رغمًا عنه، ربت على ظهرها بحنان ورغم الأذى الذي بها أكملت حديثها من وسط بكائها:.

بابا بقى بيشرب مخدرات وبقى بيرجع سكران، كنت بستخبى في حضن ماما، بس اكتشفت إن ماما كل ليلة بتكون نايمة مش حاسة بحاجة خالص، كنت بستغرب بس كنت بكتفي إني نايمة في حضنها، لحد. لحد ما في يوم بابا اتأخر برا وأنا كنت عطشانة أوي وخرجت أشرب، وفي الوقت دا حاول. حاول يعتدي عليا. كان. كان سكران خالص ومش شايف قدامه.

اتسعت حدقتي مايكل بصاعقة كُبرى وتسائل مُجددًا عله استمع إلى شيءٍ آخر: مين اللي كان بيحاول يعتدي عليكِ؟
وبهمسٍ يكاد لا يُسمع وبصوتٍ مقهور رددت أهلة حديثها: أبويا.
كفاية يا أهلة كفاية.
صرخ قاسم بتلك الكلمات واستدار نحو مايكل مُرددًا بأعين حمراء كالدماء: كفاية لحد كدا يا مايكل.

لم يعترض مايكل نظرًا لحالة أهلة التي كانت لا تُرثى لها، خاصةً عندما هرولت نحو المرحاض وأفرغت كل ما في جوفها، ولكن تلك المرة قررت الهروب من الواقع الأليم وفقدت وعيها على الفور.

دائمًا ما يُعوضك المولى بهدايا تأتي على هيئة أشخاص، فلا تيأس، ولا تبتئس، ضع ثقتك في خالقك وادعو بقلبٍ خاشع وانتظر أنت الإجابة.
دخل رائد على شقيقتها فوجدها جالسة على فراشها تقرأ إحدى الروايات الورقية، لكن تلك المرة لم تكن خادشة للحياء مثلما كانت تقرأ، بل تعلمت من تجربتها السابقة واستطاعت أن تجلب لذاتها روايات تستمع بها وبذاتِ الوقت تتعلم منها.

رفعت سهيلة أنظارها لأخيها الذي هتف بمرح: حبيبة أخوها بتعمل إيه؟
رفعت سهيلة أنظارها إليه ثم ابتسمت له واعتدلت في مضجعها وهي تُجيبه: بقرأ رواية.
نظر رائد للرواية التي بين يديها ثم أردف بعد تفكير: لما تخلصيها ابقي هاتيها عشان أقرأها، بقالي كتير أوي مقرأتش.
غمزته بمشاكسة وهي تُجيبه: عيني يا عم بس كدا؟ المهم بقى قولي إيه سر الدخلة اللي مش سعيدة دي!

جعد رائد وجهه بقرف ثم تحدث ساخطًا: تصدقي إنك عيلة باردة وعهد الله؟ أنا غلطان إني جاي أقولك خبر حلو.
وقف في مكانه وكاد أن يذهب، لكنها انتفضت من مكانها وتوقفت أمامه ثم تسائلت بحماس: خبر إيه دا؟
أصرَّ رائد على موقفه وتحدث بعناد: لأ مش هقولك.
ترجته بأعين بريئة: عشان خاطري يا رائد بقى قول.
تصنع رائد اليأس ثم تشدق بعبث: متقدملك عريس.
وحياة أمك؟ احنا هنهزر؟

ردت عليه بطريقة سوقية، ليُجيبها بعبث أكبر: مش لما تعرفي مين العريس الأول؟
أشاحت بيدها أمام وجهه ثم تجاهلته وذهبت للجلوس على فراشها مرة أخرى: اتجوزه أنت.
أعطت ظهرها له، فأردف هو دون مراوغة: فور أسلم يا سهيلة.
تصنمت مكانها واستدارت له تُطالعه بصدمة قوية، وبصعوبة شديدة رددت بعدم تصديق: إيه؟

ارتسمت ابتسامة حنونة على ثُغر رائد ثم ذهب إليها وجلس أمامها، وبعدها أردف بنبرة حانية: ربنا استجاب لدعاكِ وهداه للإسلام، وهو حاليًا متقدملك رسمي.
ارتعشت شفتي سهيلة وهي تهز رأسها بعدم تصديق، استندت على رُكبتيها ثم تسائلت ببكاء وهي تُمسك بيده برجاء ألا يكون أن يمزح: بتتكلم بجد يا رائد ولا بتضحك عليا؟ بالله عليك قولي الحقيقة.

رفع رائد كفيه ليُجفف دموع شقيقته التي هبطت بكثافة، وبعدها أردف بحنان: والله ما بهزر، فور لسه مكلم بابا من شوية وطلب إيدك منه.

احتضنته سهيلة وانفجرت باكية وحتى الآن لا تُصدق، لقد حدثت مُعجزة بالفعل كان من الصعب تحقيقها، لقد استجاب الله لدعائها واستمع لبكائها، أرفق بقلبها المسكين وقرر أن يجعله ينال مطلبه، ومن وسط بكاؤها كانت تُتمتم بالحمد، الحمد لخالقها الذي لم يرد يداها فارغة بعد دعاءٍ وبكاء دام لليالٍ كثيرة.

جلس قاسم في شرفة الشرفة الغرفة بعد أن عاد من الخارج معها، فؤاده يحترق بنيرانٍ تستطيع إحراق الجميع، فؤاده مُشتعل حتى شعر بأنه على مشارف الاختناق، زفر بضيق شديد وهو يتذكر كل ما روته وقصته على أذانه، لقد كاد أن يُصاب بالصنم من هول ما استمع إليه، فما بالك بهي؟

أباها حاول الاعتداء عليها، وصديق والدها كان يقوم بضربها والتحرش بها حتى سبب لها مرض مزمن، وهي كانت تُعاني فقط طيلة حياتها، أين كانت والدتها؟ أين كان أخواتها؟ عائلتها؟ الكثير والكثير من الأسئلة تدور حول رأسه حتى شعر بها تكاد أن تنفجر.

استمع لصوت تكسير يأتي من الداخل فهرول مُسرعًا إلى مصدر الصوت، لقد أوقعت زجاجة المياه رغمًا عنها وانتشرت شظاياها أسفل قدمها حتى جرحتها، جلست على الأرض تتأوه بألم، وهو جلس بجانبها وأمسك بالمناديل الورقية وقام بالتنظيف، مدت قدمها إليه وهي تشكو له بشفتين مُرتعشتين وكأنها طفلة صغيرة تطلب العون من والدها: اتعورت.

جفف الدماء بالمناديل الورقية وكانت مجرد خدوش لا أكثر، اقترب منها بعد أن أعدلها وأحاط بها ليُقربها منه ثم أخذها في عناقٍ طويل، وبهدوء شديد طلب منها: عيطي يا أهلة ومتكتميش جواكِ.

وكان حديثه هو نقطة الإنذار بالنسبة لها، حيث انفجرت هي في البكاء وهي تتشبث في ثيابه أكثر، كانت تُتمتم من وسط بكائها ببعض الكلمات التي لم يفهمها لكنه تركها تشكو كما تشاء، تركها تُخرج ما في جبعتها من ألم تحملته وحدها لعدة أعوام، لقد عانت وحدها ولم يُشاركها أحد الألم، رأت من العذاب ألوانٍ ولم تجد من يُخفف عنها، لذلك تركها على راحتها لإخراج الكبت الموجود داخل صدرها.

مرت نصف ساعة وهم على وضعهم هذا، لكن صدره كان يحترق، يريد معرفة الحقيقة بأي طريقة، تلك الأفكار التي تدور برأسه تُهاجمه بشراسة، لذلك أبعدها عنه وسألها بجدية تامة: احكيلي يا أهلة كل حاجة، إزاي أبوكِ كان بيحاول يعتدي عليكِ ووالدتك ممنعتهوش!
هزت أهلة رأسها بالرفض وأردفت ببكاء: لأ. لأ مش هحكي.

هزها من كتفيها بعنف وهو يصرخ بها بعد أن نفذ صبره وأعمى الغضب بصيرته: لأ هتحكيلي. مش هينفع تسيبيني لدماغي كدا. أنا حاسس إن دماغي هتنفجر من كُتر التفكير. احكيلي.
أصرت وهي تُعاود البكاء مرة أخرى بعنفٍ أكبر، لينتفض من مكانه وصرخ بها بعد أن أمسك بهاتفه: طالما مش عايزة تحكيلي فأنا هتصل بوالدتك وهي اللي هتحكيلي.

تصنمت فجأة في محلها، رفعت أنظارها له تُطالعه بصاعقة كُبرى فوجدته بالفعل يعبث بهاتفه، انتفضت من مكانها بسرعة ثم انتشلت منه الهاتف تُخبئه خلف ظهرها وهي تنفي بهسيريا: لأ. ماما لأ. ماما تعبانة يا قاسم مش هتستحمل لأ.
اقترب منها بغضب ثم ثبت جسدها وانتشل منها الهاتف وأردف بتحدي: طالما خايفة على أمك أوي كدا فبلاش هي، هتصل بأختك يمنى أو ملك ما هما أكيد عارفين.

وبالفعل بدأ يبحث عن رقم شقيقتها يمنى، فاقتربت منه صارخة ببكاء دافعة إياه من صدره بقوة وصوتٍ يكاد أن يُحيي الأموات في قبورها من ارتفاعه: نبيلة مش أمي، يمنى وملك مش اخواتي. نبيلة اتبنتنا احنا التلاتة بعد ما كُنا مرمين في الشارع.

تصنم جسد قاسم بغتة وهو يستمع لحديثها الصادم، والذي كان كالقنبلة بالنسبة إليه، بينما هي ارتمت على الأرض مُتحدثة بوهن والدموع تتسابق على وجنتيها: أنا و يمنى وملك ملناش علاقة ببعض، احنا التلاتة مش أخوات.
اقترب منها قاسم بصعوبة وجلس أمامها بنفس الصدمة، ثم ردد بعدم تصديق: أنتِ بتقولي إيه؟ يعني إيه الكلام دا؟
رفعت عيناها الحمراء تُطالعه ببكاء وضعف شديدين، قبل أن تهمس بما شلَّ لسانه عن الحديث:.

أنا ابقى أهِلَّة مختار الأرماني.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة