قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية حارة القناص الجزء الأول للكاتبة شروق حسن الفصل الرابع والأربعون

رواية حارة القناص الجزء الأول للكاتبة شروق حسن الفصل الرابع والأربعون

رواية حارة القناص الجزء الأول للكاتبة شروق حسن الفصل الرابع والأربعون

جلس مختار وبجانبه شقيقه نادر الأرماني يأخذون العزاء بعد موت صفوت الأرماني بذبحة صدرية، الغضب يرتسم على وجوههم بقوة، وكأن الشر المُنتشر على العالم بأكمله جاء ليتسطر بين تجاعيد وجههم الظاهرة، كان صوت القاريء يصدح بوضوح وهو يتلو آيات القرآن، نظر نادر للجمع المُرتص أمامه بنظرة شمولية ثم مال على مختار مُتحدثًا بخفوت: هتعمل إيه؟

رمقه مختار بطرف عينيه ثم تحدث بجمود: هعمل كتير، كتير أوي أوي بس أخلص من الموال دا الأول.
و صهيب؟
تسائل نادر بترقب، ليُجيبه مختار بفحيح: لو اللي في دماغي صح و صهيب طِلع عارف كل حاجة، يبقى قول عليه يا رحم ن يا رحيم.
أومأ له نادر بشرود وهو يزفر بصمت، ثم تحدث قائلًا بغموض: أنا ليا معارفي هناك في روسيا وهوصل للحقيقة في أقرب وقت، سيب الموضوع دا عليا.

هز مختار وجهه يُوافقه، وداخل عقله تدور الكثير والكثير من الأفكار، لكن ليست أفكار عادية أو آدمية، بل تفكير في منتهى الشر والقذارة، قطع شروده قدوم وليد إليه بهرولة، ثم أجابه بأنفاس سريعة وقلقٍ زائف: مختار بيه إلحق فيه مصيبة.
هبَّ مختار من مكانه وكذلك نادر الذي طالعه بفزع، طال صمت وليد وهو يأخذ أنفاسه؛ ليصرخ به مختار الذي أجابه بأعصابٍ مشدودة متوترة: ما تنطق يا وليد أنا فيا اللي مكفيني.

نظر إليه وليد ببعضِ التردد حتى نجح في بث الرعب والقلق داخل قلب كليهما، وأخيرًا فتح فاهه للتحدث قائلًا: الشركة المُشتركة بينا وبين ميلانو شيفت اتفجرت، و ميلانو وإيلينا اتقبض عليهم.
صُعِق الاثنان مما استمعوا إليه وشُلت أجسادهم فلم يقدروا على الحراك، وبصعوبة بالغة حرك نادر رأسه نحو مختار يسألها بصدمة: مش. مش دي الشركة اللي أنت حطيت فيها ممتلكاتنا كلها؟

وبدون أن يتحدث حرَّك رأسه يُوميء له بالإيجاب، مما جعل نادر يضع يده على قلبه بألم عندما شعر بانقباضة قوية تضرب داخل صدره، أسنده وليد بسرعة والذي تحدث بقلقٍ بالغ: مالك يا نادر بيه؟
أغمض نادر عيناه بقوة يُحاول السيطرة على ضربات قلبه التي تتزايد بسرعة رهيبة، لا يعلم أهي تتزايد أم تنقص، لكن هو يشعر بألمٍ رهيبٍ يضرب فؤاده.

كانت السعادة تتراقص داخل فؤاد وليد لكنه أخفاها ببراعة، لقد اختاروا الشراكة الصحيحة لتدميرها، والتي تُعتبر مصدر الأموال لعائلة الأرماني بعد أن تم تدمير جميع ممتلكاته في مصر.
وفي نفس الوقت على الناحية الأخرى.

كان يحيى ومعه رائد يتسلقون سور الفيلا الخاص بعائلة الأرماني، بعد أن رأوا أن تلك الليلة هي المُناسبة لإقتحام منزله والبحث بين المستندات عن الأوراق التي تُدين صهيب في كل العمليات الغير شرعية التي قامت بها العائلة، تسللوا على تطرف أقدامهم عندما قفزوا للحديقة الخلفية، وبالطبع كان وليد على علمٍ بكل ما يحدث الآن، فهو قد سهَّل عملية دخولهم وأمَّن لهم الطريق للدخول، دخلوا من الباب الخلفي للمطبخ، فوجدوا ابنة صفوت تقف به، والتي ترتدي ثيابًا سوداء بالكامل، غير وجهها الأحمر الذي يعكس بكائها لساعاتٍ طويلة، ومعها تقف الخادمة، مدت ريماس يدها بكوبِ العصير بعد أن وضعت به بعض الحبوب المجهولة ثم أعطته للخادمة آمرة إياها بتحشرج: اطلعي وإدي دا ل أنس زي ما اتفقنا، ولو قالك مش عايز قوليله مختار بيه هو اللي قالك.

أومأت لها الخادمة بصمت على وجهها يترسم القلق بوضوح، لتعنفها ريماس بقوة وهي تصرخ بها: افردي وشك عشان منتكشفش، أقسم بالله لو اتكشفنا لهقول إنك اللي بتحطيله الحبوب دي.
أصاب الرعب جسد المسكينة الأخرى والتي أومأت لها بفزع وهي تقول: ح. حاضر يا هانم.

قالتها ثم هرولت من أمامها وهي تُمسِك بكوب العصير وصعدت به نحو الأعلى حيث غرفة أنس، نظر كُلًا من رائد ويحيى إلى بعضهم البعض بتعجب، ليتحدث رائد قائلًا: أنا مش متفائل.
فرد عليه يحيى وهو يقول: ولا أنا كمان.

تابع كلاهما خروج ريماس من المطبخ باهتمام حتى ابتعدت عنهم كُليًا، خرج يحيى من مخبأه وخلفه رائد وسارا نحو الداخل بحذر شديد، اشرأب يحيى ليرى المارة بالخارج، لكنه لم يلمح شيئًا، لذلك أشار ل رائد بسرعة أن يتبعه، وبالفعل تبعه رائد وظلا يسيران في المناطق المخفية عن الأنظار حتى وصلا أخيرًا إلى مكتب مختار الأرماني الذي يعلمه يحيى عن ظهر قلب.

دلفا للداخل وأغلقا الباب خلفهما بسرعة حتى لا يراهما الحرس أو سكان المنزل، وهُنا بدأت رحلتهم في البحث عن الاوراق التي أتوا من أجلها، بحث رائد في أركان وأدراج الغرفة، و يحيى بدأ في البحث في المكتب ورؤية الأماكن التي كان يضع بها مختار الأوراق الهامة كما رأى منه في الفترة الأخيرة.

استمرت مدة البحث حوالي عشر دقائق وكلاهما يضع يده على قلبه خشيةٍ من كشف أمرهم، حينها سيتم قتلهم بدمٍ بارد دون أن يعلم أحد بمقتلهم من الأساس، وبعد ثلاث دقائق أخرى؛ صاح رائد ل يحيى بصوتٍ خافت: يحيى تَعالى بُص بسرعة.
ذهب إليه يحيى مُسرعًا أثناء إمساكه ببعضِ الأوراق وهو يتسائل: في إيه؟

فتح رائد الأوراق أمام ناظريه ليُريه إياها: دي ورق من صفقات أعضاء قديمة ل مختار ونادر، ودي شُحنة هيتم تسليمها بكرة ميناء روسيا فيها أدوية منتهية الصلاحية، والشُحنة دي مختار هو اللي ماضي عليها عشان صهيب مكانش معاه في الفترة الأخيرة.

التمعت عيني يحيى بسعادة، فمد يده بالأوراق التي معه وأردف بحماس: ودي كمان ورق لشُحنة أغذية مُسرطنة هتتسلم بعد أسبوع هنا في مصر، ودا كل الورق اللي صهيب مضى عليه من غير علمه.
اتسعت ابتسامة رائد والذي أردف بلهفة وهو يُخفي جميع الأوراق التي معه داخل ثيابه: طيب دا كويس أوي، يلا نمشي بقى قبل ما نتكشف.
وافقه يحيى مُسرعًا وهو يقول: تمام. يلا بينا.

منذ أن أتوا إلى هُنا وكُلًا من قاسم وصهيب يقبعان داخل أحضان والدتهم، كُلٌ يستند على كتف ويضموا خصرها إلى أجسادهم، لقد عادت إليهم مصدر الأمان مُجددًا، عادت إليهم والدتهم الحبيبة، بل وتجلس معهم وتُعانقهم أيضًا، كان الصمت يعم المكان، صوت أنفاسهم هو الذي يصدح فقط، بينما قاسم كان بين الدقيقة والأخرى يرفع رأسه ويُقبِّل وجهها بحنان.

هدهدتهم حياة كالأطفال ومن الحين للأخر تُقبل وجوههم بحنان، حتى قررت التخلي عن الصمت أخيرًا والتحدث بنبرة مشتاقة: عاملين إيه يا يا حبايبي.
رد عليها قاسم ومازال مُحتضنًا إياها: احنا بخير بوجودك يا ماما.
ضمها قاسم إليه أكثر وهو يقول: وحشتيني. وحشتيني أوي يا ماما.
طبعت حياة قُبلة أعلى رأسه وهي تُجيبه بحنان: وانتوا كمان وحشتوني يا نور عيني.

مسح قاسم دموعه التي هبطت سعادةً، وخرج من أحضانها قائلًا وهو يتلمس وجهها بلهفة: أنتِ كويسة دلوقتي؟ يعني مش حاسة بأي وجع؟
هزت حياة رأسها بالنفي قائلة: لأ يا حبيبي مفيش وجع، أنا بس مش قادرة أحرك رجلي، حاساها منملة.
ارتاح فؤاد قاسم ثم أجابها باطمئنان: متقلقيش يا حبيبتي، من كُتر النوم والرقدة بس مش أكتر، وبعدين أنتِ هتحتاجي علاج طبيعي لو حسيتي بوجع وأنتِ بتمشي ولا حاجة.

أومأت له بهدوء وكان كفها مازال يُربت على ظهر صهيب النائم على كتفها، اغتاظ قاسم منه فقام بنغزه في جانبه وهو يقول بحنق: ما تقوم يا بغل أنت، هتخلع كتفها هي ناقصاك؟
لم يُجيبه صهيب بل ظل مُستندًا على كتفها دون الرد عليه، نظر قاسم بدهشة لوالدته التي تضحك بصوتٍ خفيض، ليتحدث بتعجب: هو مبيردش ليه؟
هزت والدته كتفها بجهل، ليلتف قاسم له قائلًا وهو يهزه بخفة: ولا يا صهيب؟ أنت يالا؟

وللمرة الثانية لا يُجيبه، لينظر قاسم لوالدته بقلق وصمتٍ لبضعة ثواني، حتى شهق فزعًا وهو يضرب على صدره: يا مصيبتي؟ ليكون مات!
هزت والدته رأسها بيأس وهي تقول بعتاب: بعد الشر عليه دا حبيبي، هتلاقيه بس نام من غير ما يحس، ما دي عادته من وهو صغير.
نام؟
رددها قاسم بدهشة، لتوميء له والدته بضحكة مكتومة مما زاد الغيظ بفؤاد قاسم الذي نغزه بقوة: ما تتنيل تقوم من على كِتف أمك يالا!

زمجر صهيب أثناء نومته، فتجعد وجه قاسم ساخطًا، لكن سرعان ما تشكل على ثغره ابتسامة خبيثة وهو يقترب منه صارخًا بأذنه: ولااا يا صهيب قوم مراتك بتولد يالا.
انتفض صهيب من مكانه فوقع على الأرض بفزع، مما أدى إلى علو الضحكات من حوله، نظر حوله بتيهة فتشدق بدوار: حبيبة بتولد إزاي.
اقتربت منه حبيبة تجلس القرفصاء بجانبه، ثم تشدقت برقة وهي تُربت على كتفه: أنا هنا أهو يا صهيب.

طالعها صهيب بتيهة ثم ابتسم ببلاهة متشدقًا: لو جيبتي ولد سميه على اسمي.
كتمت حبيبة ضحكاتها وهو توميء له بالإيجاب، ثم ساعدته على الوقوف والجلوس على الأريكة العريضة، بينما حياة نظرت إلى حبيبة قائلة بابتسامة هادئة: أنتِ مرات صهيب؟
طالعتها حبيبة بحرج ثم هزت رأسها لها بالإيجاب، لتمد حياة كفها إليها وهي تطلب منها بود: طيب تعالي هنا جنبي.

نظرت حبيبة إليها بتردد وهي تعض بأسنانها على شفتيها، ثم حوَّلت أنظارها تجاه صهيب الذي أومأ إليها بحنان لتذهب إليها، وببعضٍ من التوتر اقتربت منها حتى جلست على طرفِ الفراش، فقربتها منها حياة تُعانقها بود، ثم تمتمت بصوتٍ حنون وهي تُربت على ظهرها: قمر يا حبيبتي ما شاء الله عليكِ.
ابتسمت حبيبة بخجل وهي ترد عليها: تسلمي يا طنط حضرتك اللي قمر.

طالعتها حياة بضحك وهي تقول بمشاكسة: طنط وحضرتك؟ امممم الحكاية شكلها مطولة حبتين تلاتة.
لم تفهم حبيبة مقصدها لكنها ابتسم احترامًا لها، بينما نظرت حياة نحو أهلة الاي تُتابعهم بابتسامة هادئة، ثم تشدقت بمزاح: إيه يا أهلة؟ قاسم منكد عليكِ عشان كدا مش عايزة تسلمي عليا؟
ضحكت أهلة بخفة ثم ذهبت إليها مسرعة وبعدها احتضنت إياها بود كما فعلت الأخرى، ثم أردفت بمشاكسة: لأ قاسم مش بينكد عليا، أنا اللي بنكد عليه.

قهقهت الأخرى وهي تضمها إليها بحنان، ثم تشدقت وهي تنظر لابنها المُتابع للحديث باهتمام: أيوا كدا عايزاكِ مسيطرة، أصل اللي زي دول ميقدرش عليهم غير القوي أوي.
اقترب منهم قاسم مُتنهدًا بيأس: والله هي القوي أوي والوحيدة اللي قِدرت عليا.
ضحكوا بصخبٍ، فاستدارت حياة إلى حبيبة تسألها بترقب: وأنتِ مسيطرة ولا الواد دا بيزعلك؟

كاد صهيب أن ينفي بلهفة، فردت عليه حبيبة بامتعاض: آه بيزعلني وأنا مش بتكلم، بس أهلة بتجيبلي حقي.
فرغ صهيب فاهه بصدمة ناظرًا إلى حبيبة بدهشة جلية، مما جعل قاسم يضع يظه على فمه ليُخفي ضحكته التي كادت أن تصعد بقوة، بينما حياة رمت إلى صهيب نظرة حارقة ثم عادت بأنظارها نحو حبيبة لتسألها: زعلك كام مرة؟
ردت عليها حبيبة بخفوت وهي تُخفض رأسها للأسفل: مرة واحدة.

وتلك المرة لم يستطيع قاسم أن يسيطر على ضحكاته، ليصدح صدى صوته في أنحاء الغرفة عندما رأى تشنج وجه والدته، وفعلت مثله أهلة التي أدارت وجهها للناحية الأخرى حتى لا ترى حبيبة ابتسامتها التي تشكلت على ثغرها.
طالعت حبيبة أخ زوجها بحنق، فتحدثت ساخطة وهي تُوجه حديثها ل حياة: و قاسم برضه بيزعل أهلة وكانت بتعيط بسببه امبارح.

ابتلع قاسم باقي ضحكاته وهو ينظر إليها بصدمة، وتلك المرة تبدلت الأدوار وصدحت ضحكات صهيب بصخب، زوجته تنتقم من كلاهما! حبيبة البسكوتة باتت شرسة وتشكو منهم لوالدتهم!
طالعت حياة ابنائها بصمتٍ مشحون بالغضب لعدة ثواني، قبل أن تهتف بحدة: اطلعوا انتوا الاتنين برا.

(2 رمضان).
يومٌ جديد لا يوجد به أي أحداث جديدة سوى:
بات صهيب وقاسم وزوجاتهم مع والدتهم بالمشفى اشتياقًا لها.
قام مختار الأرماني بتأجيل كل شيءٍ الآن حتى يجد خطة بديلة للقضاء على قاسم وصهيب طاحون، بعد أن تأكد أن صهيب على علم بكل شيء.
آلبرت وأخواته ظلوا جالسين طيلة الليلة بجانب شقيقهم چون يتحدثون عن مواضيع مختلفة، واعتذروا من قاسم على عدم الذهاب معه لكنه تفهم الأمر بصدر رحب.

و فور مازال يبحث أكثر بتعمق عن الدين الإسلامي ليقتنع به.
حالة لوسيندا الصحية كانت سيئة للغاية، خاصةً عندما ازداد تقيؤها لعدة مرات، لكنها تجاهلت الأمر ظنًا منها بأنه مجرد تعب بسيط كغيره وسيرحل وحده.
وأخيرًا وافقت نبيلة على رائد كزوجٍ لابنتها، لكن الخِطبة ستتم بعد عودة شقيقتها.
وأخيرًا تم تحديد زفاف لواحظ ثاني أيام العيد!

الساعة الخامسة مساءٍ، تبقى على آذان المغرب ساعة كاملة بالضبط، وهُم مازالوا بحارتهم هُنا بعد أن تأخر رائد في ارتداء ثيابه وكأنه فتاة أو ما شابه!
زفر يحيى بضيق وهو يقف أسفل منزل رائد ينظر لساعة معصمه بسخط، وبجانبه سيف الذي يستند على السيارة بلامبالاة وعدم اهتمام.

وبعد عدة دقائق، خرج رائد مُرتديًا ثيابه والتي كانت عبارة عن بنطال من الجينز الأسود، وقميص من اللون البُني الغامق، وخصلاته مُصففة بعناية، كان يُعَدِّل من كُم قميصه دون أن يُدرك بنظرات يحيى الحارقة، فذهب إليه مُمسكًا إياه من ياقة ثيابه يجذبه خلفه وهو يصيح بحنق: ما هو احنا مش رايحين فرح سِتك عشان تتشيك كدا.

انصدم رائد من هجومه العنيف، خاصةً عندما فتح باب السيارة ودفعه للداخل، لكنه ترك كل هذا جانبًا وصاح به صارخًا: أنت بتذلني بستي؟
طالعه يحيى باستفزاز ولم يُجيبه، بل استدار صاعدًا للسيارة وبالخلف جلس سيف الذي تمدد على الأريكة الخلفية قائلًا بتثاؤب: لما نوصل ابقوا صحوني يا شباب، يلا انجوي.

تشنج وجه كُلًا من رائد ويحيى اللذان تابعاه باستنكار، ليقوم يحيى بتدوير مُحرك السيارة وهو يهتف بحنق: شوية عيال معندهاش دم، دا أنا ياريتني ما جيبتكم.

انطلق بالسيارة بسرعة عالية حتى يصلوا مُسرعين، وبعد 45 دقيقة تقريبًا وصلوا، كان يتبقى على آذان المغرب عشر دقائق تقريبًا، فهبطوا من السيارة ليجدوا بادر مُستقبلًا إياهم بابتسامة واسعة، ثم اتجه نحو يحيى يحتضن إياه وهو يهتف بود: أهلًا أهلًا نورت المنطقة كلها يا صحبي.
بادله يحيى العناق مُربتًا على ظهره وهو يقول: تسلم والله يا حبيب أخوك.

ابتعد عنه ثم أشار لكلٍ من رائد وسيف مُعرفًا إياهم: دول صحابي اللي ما يتسموا، رائد وسيف.
ورغم أن رائد لا يعرف بادر ولا تعامل معه ولو لمرة واحدة حتى، لكنه ذهب إليه وعانقه قائلًا بمزاح: واحشني يا صحبي.
قهقه بادر عاليًا وهو يحتضنه، ثم أردف بضحك: وأنت كمان واحشني يعم.
وجاء دور سيف الذي تشدق بتهذيب وهو يصافحه: ازيك عامل إيه؟

صافحه بادر والذي أردف بود: بخير الحمد لله، تعالوا بقى عشان المغرب فاضل عليه دقايق ويأذن.
ساروا جميعًا بجانبه حتى وصلوا إلى منزله والذي كان يحتوي على أربعة طوابق، اثنان خاصين بأبيه وأخيه الأكبر، والأثنان الآخران ملكٌ لأعمامه، صعدوا معًا على الدرج وأثناء صعودهم تحدث بادر بابتسامة هادئة: هندخل وأعرفكم على أخواتي، متأكد إنكم هتحبوهم أوي.

قال جُملته ثم فتح باب الشقة ودخل هو أولًا، وهُم دخلوا خلفه، وما كاد رائد أن يدخل هو الآخر مثلهم؛ حتى شعر بحذاء يصطدم بوجهه بعنف! تلاه صوت ذكوري عنيف أيقن بأنه أباهم: والله يا تربية وسخة أنت وهو لهطين عيشة اللي خلفوكم النهاردة.
حمحم يحيى بتوتر والذي اختبأ خلف بادر: واضح إن احنا جينا في وقت غير مناسب.
بينما سيف حك عنقه من الخلف بتوتر وهي يتمتم: أنا إيه اللي جابني بس؟

كان هارون يقف أمام أولاده الذين ارتصوا كصفٍ واحد، بدايةٌ من يعقوب حتى بدير، وأخيرًا صاح بهم هارون صارخًا بغضب: هو انتوا عايزين تجننوني؟ كل شوية هروح أجيبكم من خناقة شكل.
امتعض وجه يعقوب الذي تدخل بقوله الحانق: يابا احنا جوانا شخصيات مُحترمة، بس الناس هي اللي متربتش.
صاح به هارون وهو يشد ثيابه الخاصة بنفاذ صبر: الناس هي اللي متربتش يا عديم الرباية أنت واخواتك؟

صمت ليلتقط أنفاسه ثم نظر إليهم بحدة وهو يُشير إليهم بسبابته قائلًا بتحذير: اسمع ياض أنت وهو، يمين بالله لو سمعت إنكم اتخانقتوا مع حد تاني ما انتوا بايتين في البيت دا تاني، انتوا سمعتوا؟
وتلك المرة تدخل حمزة والذي تحدث بسخط: يعني عايزنا نكون هفأ ومنجيبش حقنا يا بابا؟ دا حتى يكون عيب في حقنا والله.
أيد مصعب حديث شقيقه وأضاف عليه بقوله: أيوا صح يابا، وبعدين مش ولاد الحاج هارون اللي يتعلم عليهم.

طالعه هارون بنظرات حارقة وهو يُعنفه بقوة: أنت بالذات تسكت خالص يا مُتنمر يا قليل الأدب، رايح تتريق على راجل كبير قد أبوك وتقوله ودانك فاضلها اتنين سنتي وتطير بيهم؟
ما هو اللي ودانه كبيرة فعلًا.
تمتم بها ببساطة، ليضع هارون يده على فؤاده بقلة حيلة وهو يهمس: يارب يا تهديهم يا يتجوزا ويغوروا من وشي.
وهُنا تحدث بدير بلهفة: ما أنا قولتلك يابا توافق على العروسة اللي متقدمالي وهريحك مني.

وهُنا صرخ هارون بنفاذ صبر: يارب صبرني على ما بليتني.
أتت بتلك اللحظة حنان التي كانت مُنشغلة بتجهيز الطاولة وتركتهم يتشاجرون كيفما يشاءوا، لاحظت وقوف ابنها ومعه ثلاثة من الشباب الذين أخبرها عنهم، لتُرحب بهم بتهليل: أهلًا يا حبايبي اتفضلوا، أنا جهزت الأكل تعالوا ادخلوا.

والآن فقط انتبه هارون وأبناءه على وقوف الشباب، ليزفر هارون مُحمحمًا ثم رحب بهم بابتسامة مُتكلفة: اتفضلوا يا شباب، اتمنى تكونوا انبسطوا بالعرض اللطيف اللي قدمناه من شوية دا.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة