قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية حارة القناص الجزء الأول للكاتبة شروق حسن الفصل الخامس والأربعون

رواية حارة القناص الجزء الأول للكاتبة شروق حسن الفصل الخامس والأربعون

رواية حارة القناص الجزء الأول للكاتبة شروق حسن الفصل الخامس والأربعون

مر أسبوع كامل دون وجود أي أحداثٍ تُذكر، ف مختار الأرماني مازال صامتًا ولم يأخذ أي خطوة للانتقام، خاصةً بعد أن قاموا بالتبليغ عن شُحنته الأخيرة الموجودة بمصر وتم القبض عليه، لكنه خرج بكفالة بعد أن استطاع بكلِ خبثٍ أن يُثبت التُهمة على شخصٍ غيره، ومن بعدها لم يتخذ أي خطوة أو يُكلِف ذاته للبحث عن الفاعل!

تجهز قاسم وانتهي من ارتداء ثيابه ثم وقف مُعدلًا إياها أمام المرآة وهو يُنادي بصوتٍ عالي: يلا يا هولا هنتأخر.

خرجت أهلة من المرحاض وهي تربط خصلات شعرها للخلف على هيئة كعكة فوضوية، اقترب منها قاسم وعلى ثُغره ترتسم ابتسامة خفيفة حتى وقف قبالتها مُباشرة، وبعدها رفع يداه وقام برفع قُبعة المعطف على خصلاتها ليُغطيها ويخفيها عن أنظار الرجال، وبعد ما انتهى؛ هبط على وجنتها يُقبلها بلُطف أثناء قوله الحنون: ابقي فكريني واحنا راجعين أجيبلك لبس مُحجبات وطُرح مناسبة.

رفعت إليه أنظارها وهي تبتسم بسعادة، ثم أومأت له بحماس أثناء قولها الشغوف: الله بجد، أنا من بعد ما شوفت سهيلة لابساه وأنا عندي رغبة غريبة عشان ألبسه.
مسد على خدها بلطف مُتشدقًا بنبرة مُحبة: مُتأكد إنك هتكوني زي القمر بيه.
أنهى حديثه ثم قربها منه ليحتضنها أثناء همسه لها بشغف: خليكِ عارفة إني فخور بيكِ أوي، وهساعدك في كل خطوة صح هتاخديها في حياتك مهما كانت.

أحاطت أهلة خصره وهي تقول بامتنان: ربنا يخليك ليا.
ابتسم براحة عليها وعلى قرارها الصائب بارتداء الحجاب، رأى نظراتها تلتمع حينما رأت سهيلة ترتديه، فانتهز هو الفرصة وجلس يشرح لها عن ضرورة ارتدائه لتُخفي فتنتها عن معشر الرجال، وهي كانت مُرحبة بالأمر بكل جوارحها ومُنتبهة لكل حرف يخرج من فمه، خاصةً وأنه استدل بالأيات القرآنية والأحاديث ليُثبت لها.

ابتعد عنها قاسم ثم أمسك بكفها وسار للخارج بسرعة وهو يتحدث بمزاح: يا مراري احنا اتأخرنا! يلا بسرعة قبل ما مايكل يطردنا سوا.
ضحكت أهلة بخفة وهي تسأله: احنا المفروض نروح الساعة كام؟
أجابها قاسم أثناء فتحه لباب السيارة وادخالها به: المفروض نروح الساعة 12، والساعة دلوقتي 2 يا مدام.
انطلق بالسيارة مُسرعًا فاستمع إلى سؤالها المُتعجب: طيب ومصحتنيش ليه عشان نروح في ميعادنا؟

نظر لها قاسم بطرف عينه ثم غمزها مُتحدثًا بمشاكسة: أصحيكِ من النوم وأقلق راحتك؟ لأ يا ستي هو يستنى زي ما هو عايز وأنتِ ترتاحي براحتك.
ضمت أهلة قبضة يدها ثم مدتها له تحثه على ضرب خاصته بخاصتها: أنت راجل محترم وأنا اخترت صح.
تجاهل قاسم يدها التي تمدها له، ثم جذبها على بغتة حتى باتت بين أحضانه وهو يقول بعبث أثناء تقبيله لوجنتها: أنا مش بتفاوض غير بالأحضان يا هولا.

ضحكت بخفة وهي تُحيط بخصره ثم أجابته بمشاكسة: هعملك استثناء وهسمحلك بالتفاوض دا.
دا يا بختي بجد بقى.
رد عليها مُشاكسها إياها، بينما هي ابتسمت برقة وهي تنظر أمامها للطريق، هي بين أحضانه الآن واستثنته عن الجميع حتى بات مصدر أمانها، هل بعد ما سيعرفه في تلك الجلسة أو الجلسة القادمة سيبتعد عنها؟ هل ستُحرم من أحضانه؟ هل ستعود وحدها مُجددًا؟ ووسط عاصفة أفكارها العاتية؛ انتشلها صوته الذي سألها بهدوء: مالك؟

هزت رأسها بالنفي وهي تُجيبه بهدوء: لأ مفيش.
ثبَّت يد على عجلة القيادة، واليد الأخرى ربَّت بها على خصلاتها وهو يتسائل بحنان: خايفة؟
ردت عليه وهي تبتلع غصتها بصعوبة: شوية.
طمأنها بقوله الحنون: دكتور مايكل قال إن المرحلة دي أسهل بكتير من اللي فاتت، ومهما كانت صعوبتها أو سهولتها فاتأكدي دايمًا إني هكون ضهرك وقت ضعفك.
سحبت نفسًا عميقًا ثم زفرته على مهل وهي تقول: بتمنى كدا.

مرت نصف ساعة أخرى حتى وصلوا إلى مبنى الطبيب مايكل، دخلوا وكالعادة استقبلتهم السكرتيرة أولًا ثم دلفوا بعدها على الفور، استقبلهم مايكل بمعالم مُمتعضة وهو يُرحب بهم بسخط: لسه بدري يا أساتذة، مستعجلين ليه كدا؟
جلس قاسم على المقعد واضعًا قدمًا فوق الأخرى وهو يُجيبه بغرور: حبيبي والله ولا استعجال ولا حاجة، احنا بس بنحترم المواعيد مش أكتر.

التوى ثغر مايكل ساخرًا ثم أشار نحو المقعد الخاص بالجلسة (الشازلونج) قائلًا بعملية: اتفضلي يا مدام.

وقفت أهلة من مكانها وسارت بثبات حتى جلست وتمددت عليه، بينما فؤادها يطرق بعنف خوفًا من القادم، بينما قاسم ظل جالسًا مكانه واعتدل ليُتابعها باهتمام، أمسك مايكل بدفتر الملاحظات ثم بدأ حديثه بعملية شديدة وهو يقول: أول حاجة عايزة أبدأ بيها وأقولهالك؛ إن الوسواس القهري ليه عدة عوامل وعدة أعراض، يعني بيعتمد على حسب حالة الشخص، فيه أشخاص بكون عندها وراثة، وأوقات بيجي من هوس الإنسان بالنضافة أو عدم الثقة في نفسه، وأوقات تانية بيكون فيه شيء تسبب في الوسواس القهري دا، وهو بينقسم لعدة أجزاء، الخوف من التلوث، الشك ومواجهة صعوبة في تحمل عدم اليقين، هوسك إن الأشياء تكون بشكل منظم ومتناسق، وأوقات بتكون أفكار عدوانية وفقدان السيطرة وإيذاء نفسك أو الأشخاص اللي حواليكِ، أفكار غير مرغوب فيها، بما في ذلك العنف أو الموضوعات اللي تخص الزواج بصفة عامة.

أنهى حديثه مُتابعًا وجهها الثابت وكأن ما قاله لم يكن ليُعنيها أو ما شابه! وبالرغم من ذلك تسائل بانتباه: الوسواس القهري عندك وراثة ولا نتيجة لحدث معين؟
أجابته بهدوء وهي تُشبِّك كفيها معًا: نتيجة لحدث معين.
نوعه إيه؟
تسائل مُجددًا حتى يعلم بما سيبدأ لعلاجها، فأجابته هي: نضافة، بس الموضوع عندي متطور شوية، يعني بغسل إيدي كتير جدًا لما أتقرف وساعات بجرحها، وبتقيأ كتير وأوقات مش بكون قادرة آخد نفسي.

أومأ لها بهدوء ثم فكَّر قليلًا قبل أن يتسائل مُجددًا وهو يُمسك جيدًا من دفتره وقلمه: الوسواس القهري بدأ عندك من إمتى؟
أجابته بهدوء وهي تُطالع لون الطلاء الأبيض في السقف: من وأنا عندي 15 سنة.
دوَّن ما قالته ثم سألها مُباشرةً: والسبب؟
توترت ملامحها فأغمضت عيناها حتى تُسيطر على حالة الاشمئزاز التي تحكمت بها، وبصعوبة بالغة أجابته بعد مُدة طويلة من الصمت: كان. كان في حد بيلمسني بطريقة مش كويسة.

وما إن أنهت حديثها حتى حوَّلت أنظارها تجاه قاسم لترى ردة فعله، والذي كان وجهه مشدودًا للغاية، هربت من أنظاره وهي تكاد تبكي خوفًا، حسنًا لا بأس، فهو لن يتركها على أية حال كما أخبرها.

بينما مايكل علم أن القادم لن يكون يسيرًا بالمرة، لا عليها ولا على زوجها حتى، لكن رغمًا عنه مُضطرًا لاستكمال جلسته، حتى وإن كان سيضطر إلى تقسيمها على جلستين مُتتاليتين، سحب نفسًا عميقًا ثم زفره على مهلٍ وسألها بطريقة مُباشرة: احكي اللي تقدري عليه.

لا تعلم أهلة ما ذلك الدوار الذي أصابها، أهو من توترها أم من فكرة تَذكُرها للأمر مرة أخرى؟ شعرت بالقشعريرة تسري في أنحاء جسدها، والبرودة تتسلل تدريجيًا إليها، كحالِ الجميع عند شعورهم بالتوتر، لكنها شعرت بيدٍ دافئة تُمسِك بكفها وتضغط عليه بقوة، فتحت عيناها بفزع؛ لترى أن قاسم جلس بجانبها وأمسك بيدها لبث الدفيء به، ثم أردف بصوتٍ حنون وهو يُسدد لها ابتسامة دافئة: احكي متخافيش.

لعقت شفتاها بعد أن شعرت بقليلٍ من الراحة وهي تقول بصوتٍ مبحوح: في يوم من الأيام، ماما كانت بتشتغل وسايباني مع بابا، بس. بس في الوقت دا صاحبه كان موجود معاه في البيت، كنت طفلة وقتها وروحت عشان أسلم عليه فهو سلَّم عليا زي ما أنا ما متعودة، ووقتها أنا قعدت معاهم لحد ما ماما تيجي من الشغل، كانوا بيتكلموا في حاجات كتير غريبة وأنا وقتها مكنتش فاهماها، فلما كنت بروح أسأل ماما عليها كانت بتروح تتخانق مع بابا، بس مكانتش بتقوله إن أنا اللي قولتله، حتى إنها طلبت منه الطلاق كتير أوي بسبب الحاجات اللي هو بيقولها وبيعملها.

وإيه هو مغزى الكلام اللي كان بيقوله؟

سؤال صريح صعد من فاهِ مايكل، ليتحول وجه أهلة إلى الاشمئزاز تدريجيًا: بابا كان بيخون ماما، كان بيفضل هو وصاحبه دا يتكلموا عن الستات بطريقة وحشة، حتى إني شوفته مرة مع مرات عمي، كان شكلهم وحش أوي، ماما وقتها مكانتش موجودة بس. بس أنا قولتلها، وقتها صممت على الطلاق وكانت ثابتة على موقفها، لكن هو هددها لو اتطلقت هياخدني منها، خصوصًا إنها كانت بتشتغل وكانت من عيلة فقيرة، وعلشاني وافقت تعيش معاه، وافقت بكل قذارته وقرفه عشان خاطري أنا.

هبطت دموعها دون وعيٍ منها، فتحشرج صوتها في النهاية وهي تتشدق ببكاء عنيف: كانت بتستحمل خيانته عشان مياخدنيش منها.
جذبها قاسم لأحضانه وهو يُغمض عيناه بألمٍ شديد، يود سحب تلك الآلام وتكون بجسده بدلًا منها، دموعها تُرهقه وحُزنها يُتعبه، لذلك همس لها وهو يُشدد من احتضانها: لو مش عايزة تكملي ممكن نمشي عادي ونكمل بكرة.

هزت رأسها بالنفي وهي تبتعد عنه، ثم مسحت دموعها بعنفٍ وهي تقول بقوة: لأ أنا عايزة أخلص من كل اللي فيه دا.

أومأ لها بصمتٍ وظل مُحاوطًا بيدها بين كفيه، بينما هي أكملت حديثها بألم: وفي مرة سابتني وراحت الشغل بتاعها كعادتها، بس اليوم دا كان مختلف، بابا جاب صاحبه وفضلوا يشربوا سجاير كتير أوي، ريحتها كانت وحشة بس أنا مهتمتش، وقتها ماما كانت قايلالي مخرجش من أوضتي، بس كنت جعانة أوي ومكلتش من الصبح، عشان كدا روحت المطبخ على طول، عملت ساندوتش صغير ليا وجيت أرجع أوضتي لقيت صاحب بابا قدامي، أنا خوفت وجسمي اترعش جامد خصوصًا لما قرب مني أوي، ولما بقى قدامي على طول شالني وأنا فضلت أنادي على بابا، عمل نفسه بيهديني وكان. كان بيبوسني من وشي. بعدها. بعدها.

كانت ستُكمل بقية حديثها لكنها انتفضت من مكانها مُهرولة إلى المرحاض الموجود بالغرفة لتتقيأ، لقد حاولت السيطرة على ذاتها لكن خارت قوتها التي كانت تتصنعها، كاد قاسم أن يُهرول خلفها لكن أوقفه مايكل بقوله: سيبها عشان متحرجهاش.
نفض قاسم يده رافضًا بقوة: مينفعش أسيبها لوحدها.

قالها ثم ذهب خلفها مُسرعًا حتى يرى ما بها، فوجدها تستند على المرحاض وتُفرغ كل ما بجوفها، تلك اللمسات، الهمسات، والأحاديث المُقززة تتصارع داخل رأسها بعنف، حتى غضبت عليها معدتها ونفضت كل ما بها، وقف بجانبها يُربت على ظهرها بقولها لمساعدتها، بينما هي كانت تتنفس بصعوبة، مرت دقيقة كاملة كانت تُعاني بها بكل جوارحها، وهو يقف كحارسها المغوار ليدعمها، لكن حصونه قد انهارت، وجذبها في عناقٍ طويل بعد أن انتهت.

انصهرت الثلوج الموجودة على وجدانها وانهارت باكية، أمسك بقميصه تُشدد من الإمساك به وهي تهز رأسها بعنف، وكأنها تُحاول إخراج تلك الذكريات البشعة من داخل عقلها، شدد قاسم من عناقها أثناء همسه لها بكلماتٍ باتت حنونة إلى أقصى حد:
بس. بس إهدي يا عيوني. أنا معاكِ بس اهدي. كله حاجة هتعدي. هتبقي كويسة صدقيني. لو عايزانا نمشي دلوقتي هنمشي. كفاية عياط شششش.

هدأت شهقاتها قليلًا، فباتت تستمع إلى هدهداته الحنونة، كان يُمسد على خصلاتها بعد أن سقطت قُبعة ملابسها، يُقبِّل جبينها تارةً وخصلاتها تارةً أخرى، ومن الحين للآخر كان يهمس في أذنها بكلماتٍ حنونة داعمة، طفلته الجريحة هي، وهو سيعمل على شفاها.
أبعدها عنه بعد أن همست بصوتٍ مبحوح: عايزة. عايزة أمشي.

أومأ لها بحنان ثم أسندها وأحاط بها من خصرها، خرجوا من المرحاض فوجدوا مايكل في انتظارها، ليتحدث قاسم بهدوء: هنكمل بكرة يا مايكل لإنها مش قادرة تكمل النهاردة.
لم يُمانع الطبيب، لكنه طلب منهم بتهذيب وهو يُشير نحو المقاعد: مفيش أي مشكلة، بس أنا حابب أتكلم مع الأستاذة أهلة 3 دقايق بالظبط مش أكتر.
طالعته أهلة بتوتر، بينما مال عليها قاسم يهمس لها: لو مش عايزة هنمشي، بس هنشوف عايز إيه ونمشي على طول.

وافقت على حديثه ثم سارت معه عدة خطوات حتى جلست على المقعد وهو بجانبها، بينما مايكل جلس أمام كلاهما مُتحدثًا بعملية: أنا عارف إن حضرتك مريتي بماضي يظهر إنه صعب، بس عارف وواثق إنك هتقاومي، الحالة النفسية بتأثر بشكل كبير جدًا على العلاج والاستجابة، عايزك في الفترة الجاية تقاومي بكل قوتك، ومعنى إنك تقاومي إنك تحاولي تشتتي تركيزك عن الذكريات اللي بتسببلك الاشمئزاز والتقيؤ، ولو فشتلي وافتكرتيها؛ خُدي نفس عميق وطلعيه بالراحة، اقفي في مكان ريحته حلوة وابعدي عن أي مصدر إزعاج ليكِ.

ابتلعت أهلة ريقها بصعوبة ثم أجابته بخفوت: مش بعرف أسيطر على نفسي، لما أفتكر أي حاجة بيكون كل همي إني أجيب اللي في بطني عشان أنسى.

رد عليها بعقلانية: قولتلك مصدر علاجك في إيدك، خُدي نفس عميق، أكيد مش هقولك متفتكريش عشان بكدا هنكون بنهرب من السبب الرئيسي للعلاج، بل بالعكس لازم تفتكري، لكن الفرق إن تحاولي بقدر إنك تطردي الاشمئزاز من جواكِ، خُدي نفس عميق وطلعيه على مهلك، لو معرفتيش خُدي نفس سريع وخرجيه بسرعة، واعملي كدا كذا مرة ورا بعض.

أومأت له بشرود، فاستطرد هو حديثه مُبتسمًا بعملية: بكرة إن شاء الله لما نكمل الجلسة هكتبلك علاج مُناسب هيساعدك، المهم إنك تساعديني في دا.
وقف قاسم مكانه ثم اقترب منه يُصافحة وهو يقول بامتنان: شكرًا يا مايكل.
رد عليه مايكل ببساطة وهو يبتسم له: العفو دا واجبي، وربنا يكمل شفاها على خير.

آمن قاسم على حديثه، ثم استدار لها مُمسكًا كفها بحنان، وبعدها اتجهوا خارج البناية بأكملها، صعد قاسم لسيارته وكذلك فعلت أهلة، وكالعادة ظلت صامتة، شاردة، وحزينة!
أنهكه حُزنها لكن ما باليد حيلة، سيجعلها تستكمل علاجها رغم أن صدره يحترق بنيران الحقد والغضب، يشعر بأن داخله طاقة مُتصاعدة يريد التنفيس عنها، لكن مهلًا قاسم، ستأخذ بثأرها عندما تعلم مَن هو الفاعل، غدًا فقط وسينتهي كل شيء.

توقفت السيارة بعد عشرون دقيقة من السير، لتعتدل أهلة في جلستها ظنًا منها بأنهم قد وصلوا، لكنها وجدت السيارة تقف وسط كثير من المحلات، قطبت جبينها بتعجب ثم تسائلت بصوتٍ مبحوح مُتناسية حديثهم قبل أن يأتوا إلى هنا: وقفنا هنا ليه؟
ابتسم لها بحنان ثم قرص وجنتها بخفة وهو يقول بمشاكسة: جايين عشان نجيب لبس مُحجبات للكفاءة اللي ليا.

تذكرت هذا الأمر لكنها كانت مُتعجبة للغاية، لذلك عادت لتستند على المقعد قائلة بانهاك: بس أنا تعبانة دلوقتي مش قادرة.
قطع حديثها بصرامة: اصمتي يا امرأة، هو إيه اللي مش قادرة؟ يلا يا بت بلاش دلع ماسخ وننزل نشتري هدوم حلوة زيك كدا، اللهم إني صائم.

هوى فؤادي في عشق مَن أحببت، صُدفة هي ما جمعتنا، ترابطت أفئدتنا برباطٍ وهمي من التفاهم، حينها عاندت، ورفضت، وصرخت بأنني لم أعشق، لكني في النهاية عشقت.
هبط چون على رأس لوسيندا يُقبلها بحنان، ثم أردف بود وهي يعبث بخصلاتها: ما بها حبيبتي صامتة؟
رفعت لوسيندا رأسها له وعلى ثُغرها ترتسم ابتسامة لطيفة، وبعدها تسائلت بحب: صحيت إمتى؟
منذ وأن كنتِ شاردة، ماذا حدث؟ لِمَ تبدين حزينة هكذا؟

هزت رأسها بالنفي وهي تعتدل في مكانها، ثم أجابته بعد أن مالت على وجنته تُقبلها بحب: لأ مش زعلانة ولا حاجة، قولي بقى أنت بقيت كويس؟
اعتدل چون في جلسته بهدوء نظرًا لأن جُرح صدره قارب على الشفاء، ثم سحبها إليه يحتضنها بحب مُتسائلًا: أنا كويس، مالك يا لوسي؟
ضحكت بخفة وهي تقول بمزاح: بتبقى كيوت أوي وأنت بتتكلم زيي.
داعب وجهها بأنفه ثم أجابها بمرح: لأ دا أنا ممكن أقلبلك من شبرا لو عايزة.

أطلقت لوسيندا ضحكات صاخبة وهي تقول: لأ أنا بدأت أخاف منك، شبرا مرة واحدة؟ طب ما أنت مش بتتكلم كدا كتير ليه طالما بتعرف؟
أجابها وهو يهز كتفه ببساطة: لا أحب الحديث بالعربية كثيرًا، خاصةً إن كانت بالعامية، الفصحى أفضل منها بكثير.

كانت لوسيندا ستُنازعه لكنها صمتت عند شعورها بالدوار، خفتت ابتسامتها وأغمضت عيناها بتعب رغمًا عنها، انتفض چون من مكانه ثم أمسك بوجهها مُتحدثًا بقلق لكن بالروسية: ما. ما بِكِ لوسيندا؟
وعند عدم اجابتها له تحدث بهلع وهو يضرب على وجهها: لوسيندا حبيبتي مالك متقلقنيش عليكِ؟
أغمضت لوسيندا عيناها بألم وهي تهمس: دايخة. دايخة أوي.

ومع جُملتها الأخيرة كانت قد فقدت وعيها كُليًا، لقد فقدت آخر ذرَّة للتحمل ولم تعد تستطيع الثبات أكثر، انتفض چون مكانه على الفراش مما أدى إلى ألم شديد داخل صدره بسبب جرحه الذي لم يتعافى كُليًا، لذلك صرخ بجنون وصوتٍ عالٍ: أخي، آلبرت، فور. تعالوا بسرعة.

نادى باسم أخويه لأنه يعلم بأن بقية أشقائه ذهب ليقضيا مهمة غامضة كعادتهم، وجد الباب يُفتح بسرعة ويدلف منه كُلًا من آلبرت وفور الذي يرتسم على وجوههم القلق، ومن خلفهم جاءت مهرائيل مُهرولة عندما استمعت لصراخه، وما إن رأت شقيقتها مُمددة على الفراش حتى صرخت بفزع وهي تهرول إليها: لوسيندا. لوسيندا مالها مبتردش عليا ليه؟
اقترب آلبرت من أخيه المُنصدم فتسائل بقلق: ما بها زوجتك جون؟ ماذا حدث لها؟

هز جون رأسه بتيهة وهو يهز رأسه بخوفٍ بالغ: لا. لا أعلم. لقد فقدت وعيها فجأة.
وقف فور أمام أخيه ضاربًا إياه على خده ضربات خفيفة وهو يُعنفه: فِق أخي وهيا سنأخذها للمشفى سريعًا.
نظر جون للجبيرة على صدره بضعف، فربت فور على كتفه قائلًا بدعم: أنا أخاك، سأظل معك وذراعك مدى الحياة.

طالعه چون بدموعٍ مُتحجرة في عيناه، فذهب آلبرت سريعًا نحو خزانته وأخرج منها ثيابًا مُناسبة لأخيه الذي لا يرتدي ثيابًا على جزعه العلوي وساعده على ارتدائها.

بينما فور اتجه نحو جسد لوسيندا ثم حمله على مهل بعد أن حاول طمأنة مهرائيل المُنهمرة في البكاء، وبعدها انطلق نحو الخارج مُسرعًا وخلفه أخويه اللذان لحقوا به بسرعة، وضعها في المقعد الخلفي للسيارة وجلس بجانبها جون الذي أسندها على صدره رغم ألمه، وبالجانب الآخر جلست مهرائيل التي تبكي خوفًا على شقيقتها.

ذنبها الوحيد أنها أحبته، هل تنتظرون مني أن أُدِّون بعض كلمات الغزل؟ بالفعل ذنبها الوحيد بأنها أحبته بكل معنى الكلمة، ذلك ال يحيى الغبي، العابث، الطفل، الحقير، ليلة أمس؛ قام بالركوض خلفها بالسلك المُشتعل حتى أتلف لها ثيابها وتسبب في إتلافها.

في تلك الأثناء؛ كانت كُلًا من يمنى وملك تسيران في الشارع الطويل المؤدي إلى منزلهن، بعد أن ذهبوا لشراء بعد مقادير الطعام الناقصة وثياب جديدة للصلاة تخص يمنى، ظهر أمامهما من العدل كُلًا من يحيى ورائد، قلب يمنى عيناه بضجر بينما هو اقترب منها مُتحدثًا بابتسامة واسعة وهو يُحاول غض بصره بقدر الإمكان عنها:
أخت يمنى، لقد اشتقت إليكِ يا فتاة.

نفخت يمنى وهي تُردد بنفاذ صبر: اللهم إني صائمة، عايز إيه يا يحيى مني تاني؟ جاي تشيطلي لبسي المرة دي كمان؟
وضع يحيى يده على فاهه شاهقًا بصدمة: إيه دا هي هدومك شاطت من السلك؟ يقطعني.
تشنج وجه يمنى ثم صرخت ب ملك التي تبتسم بسمات خجولة عند رؤيتها لنظرات رائد الهائمة:
يلَّا يا ملك بدل ما قسمًا بربي أرتكب جناية هنا ومحدش هيحوشني.

أنهت حديثها وهي تجذب يد ملك خلفها ثم سارت عدة خطوات، لكنها توقفت عند وقف يحيى أمامها يمنعها من استكمال سيرها، رفعت أنظارها الحادة إليه وكادت أن تُوبخه، لكنها ابتلعت حديثها عندما تمتم لها باعتذار وملامح بريئة للغاية: خلاص أنا أسف متزعليش مني، حقك عليا، عارف إني كنت غبي معاكِ بس الحماس خَدني وبحب ألعب معاكِ.

هل قالت بأنها كانت مُنزعجة مُنذ قليل؟ حسنًا، تبًا لها ولمشاعرها التي تحولت في أقل من ثانية، لقد تبدد حُزنها وسار وكأنه لم يكن من الأساس!
لاحظ يحيى صمتها بملامح متوترة، فانتهز الفرصة وأخرج من جيب بنطاله عُلبة مستطيلة الشكل وقداحة (ولاعة)، قطبت يمنى جبينها بتعجب فسبقها هو مُتحدثًا بابتسامة مُتسعة: تيجي نلعب ونفرقع صواريخ مع العيال؟

نظرت يمنى ل ملك بتردد، فصرخت ملك بحماس وهي تُردد بسعادة: الله أنا موافقة.
انتشل رائد علبة المفرقعات من يدِ يحيى ثم ابتسم ببلاهة وهو يقول ل ملك بغباء: على فكرة أنا اللي جايبها علشانك.
تشنج وجه يحيى ثم انتشلها منه مُرددًا بسخط: يخربيت البجاحة وقلة الأدب، غور ياض من هنا، بتكدب وفي رمضان؟
اغتاظ منه رائد ثم صرخ به حانقًا: هروح أشتري واحدة يا نتن يا معفن، مش عايز حاجة من أشكالك.

قال كلماته بغيظ ثم استدار ل ملك التي تكتم ضحكاتها بصعوبة ثم تحدث بلين: تعالي معايا أشتريلك واحدة يا أجمل صاروخ فرقع في قلبي.
زمجرت به يمنى بفظاظة وهي تُعنفه: اتلم واحترم نفسك، خطوبتكم بعد العيد لسه، يا إما والله هقول لماما.
فزع كُلًا من رائد وملك من تهديدها فذهبت إليها ملك والتي أمسكت يدها برجاء، ثم تحدثت بابتسامة متوترة: ل. لأ خلاص يا يمنى هو رائد مش قصده.

حك رائد عنقه مُستغفرًا في سره عن الذنب العظيم الذي فعله، فلقد ذكرته يمنى الآن بعدم وجود أي رابط شرعي بينهما، لذلك قرر الانسحاب حتى لا يسير خلف وسوسة نفسه الأمارة بالسوءِ، فانسحب مُعتذرًا: طيب عن إذنكم ورايا حاجة ضروري لازم أعملها دلوقتي، سلام.

طالعت ملك أثره بحزن بعد أن ذهب مُسرعًا ولم ينتظر جواب أحد، ثم استدارت لشقيقتها تُطالعها بعتاب يشوبه الحزن، أمسكت يمنى بكفها وهي تُتمتم باعتذار: مينفعش والله بس حقك عليا مش قصدي أزعلك.

زفرت ملك بضيقٍ ثم أومأت لها بصمت، ليتدخل يحيى في الحديث قائلًا بابتسامة هادئة: على فكرة هو مش زعلان، بس هو بيحاول يحافظ عليكِ من نفسه لحد ما تبقي حلاله، وأنا بصراحة اللي اتكلمت معاه في الموضوع دا عشان ميغلطش غلطتي أنا و يمنى في الأول.
ابتسمت له ملك ثم تشدقت بنبرة مُمازحة: مش زعلانة والله، بس شكله كان كيوت خالص لما حسيته اتقمص.

التوى ثغر يحيى بسخرية وهو يُردد حديثها: كيوت؟ آه ياختي كيوت أوي أنت هتقوليلي!
صمت ثم أردف بنبرة مُتحمسة: يلا بقى نلعب مع العيال قبل ما يتفرقوا.

أومأت له الفتاتان بحماس، فذهبت يمنى خلف يحيى، لكن ملك توقفت مُتأوهة بألم عندما شعرت بشيءٍ يصطدم برأسها ويقع على الأرض! قطبت جببنها بتعجب ثم انحنت لتلتقطه، فوجدته عُلبة من المُفرقعات! اعتدلت في مكانها ثم دارت حول ذاتها، فوجدت رائد يقف على بُعدٍ كبيرٍ منها ثم غمز لها قائلًا: دي علشان تعرفي تلعبي براحتك.

قالها ثم رحل مُسرعًا وتركها تنظر في أثره بهيام، وبعد أن اختفى نظرت للعلبة التي بين يديها ثم ابتسمت بحب شديد، خاصةً عندما رأت المُدون عليها بخط حبري ثقيل: للصاروخ الأقوى على الإطلاق.
ضحكت بمرح وهي تنظر لكلماته العابثة، تكاد تُقسِم بأنه لو أمامها سيكون المكر هو كل ما يحتل وجهه المُشاكس.

بينما يحيى كان يُشعل الصواريخ ل يمنى وهي ترميها بكل مرح وسط الأطفال الذين يُهرولون للإختفاء خوفًا من الشرارات المُصاحبة لها، لكن ضحكاتهم الصاخبة كانت تملأ الأجواء المليئة بالبهجة.
مرت نصف ساعة أخرى وهم يلعبون فشعرت يمنى بتأخر الوقت، لذلك اقتربت من يحيى قائلة بابتسامة هادئة: همشي أنا بقى يا يحيى عشان اتأخرت.
بادلها الابتسامة ثم وافق قائلًا بهدوء: ماشي، وقولي لمامتك إني ممكن إجيلكم بالليل شوية.

اتسعت ابتسامتها أكثر وأومأت له بحماس، ثم حملت مشترياتها واتجهت نحو منزلها، أراد أن يُشاكسها قليلًا بأمسك بعودٍ من الصواريخ وقام بإشعاله ثم قذفه أسفل قدميها، ظنًا منه بأنه يُداعبها! لكن ما حدث بعد ذلك هي صراخها بفزع عقب استماعها لصوت انفجار قريبٍ منها، ليتحول وجهه للتوتر عقب استدارتها له وتسديد نظرة نارية منها ثم صرخت به بنفاذ صبر: يحيى؟

المرء يحتاج إلى شريكٍ صالح يأخذ بيده للصلاح، فاللهم الجنة مع مَن أُحب وأرشدني إلى الصواب.
لأ حاسس إنه ديق شوية.
تمتم قاسم بتلك الكلمات وهو يمط شفتيه بعدم رضا، لتزفر أهلة وهي تقول بحنق: يا قاسم يالهوي بقى! والله أنا رجلي ورمت من كُتر اللف وفي الآخر مجبناش غير طقمين.
وضع قاسم كفيه داخل جيب بنطاله مُجيبًا إياها بلامبالاة: وماله، هنلف تاني لحد ما نلاقي هدوم حلوة تنفع لوحدة مُحترمة زيك كدا.

زفرت أهلة بسخط، فابتسم لها قاسم بهدوء ثم اقترب منها وأحاط بذراعه كتفها أثناء قوله المُشاكس: خلاص يا ستي ولا تزعلي نفسك، تعالي وأنا هختار معاكِ.
ارتسمت ابتسامة يائسة على ثُغر أهلة ثم قالت بقلة حيلة: ماشي، يلا وأمري لله.

دلف معها قاسم لداخل الكثير والكثير من المحلات الموجودة بالمول الكبير، ثم انتقى من الثياب أوسعها وأجملها وأنقاها، اختار لها فستانًا بسيطًا من اللون الأبيض ومُزينًا بورودٍ زرقاء، واختار معه حجابًا مُماثلًا للون الورورد، وفستانًا آخر من اللون الأسود لكن بدون نقوش، فقط يوجد بعض الأزرار السوداء الموجودة بالمنتصف، وحزام عريض موضوع عند الخصر، وانتقى معه حجابًا من اللون النبيذي الرائق، وآخر من اللون البيچ، وفستان ثالث من اللون البنفسجي به حزام لامع من المنتصف، وآخر من اللون الأحمر الغامق، كانت جميع اختياراته غاية في الجمال والروعة، والأهم من ذلك انتقى لها ثياب مُحتشمة.

نظرت أهلة للثياب بابتسامة سعيدة، فثبتت أنظارها على آخر خطف أنظارها، كان يُشبه خاصتها والذي كان من اللون الأبيض ولكن به ورود وردية جميلة، لتستدير إلى قاسم تطلب منه برجاء: قاسم عايزة أجيب الدريس دا.
استدار قاسم حيث تُشير، فوجد أنه مُشابهًا للذي ابتاعه في البداية، ليتحدث بتعجب: بس أنتِ جيبتي واحد زيه بالظبط، خليني أجيبلك واخد تاني.
هزت رأسها بالنفي وهي تقول بسعادة: لأ دا مش ليا، أنا هجيبه ل حبيبة.

ابتسم قاسم تلقائيًا ثم أومأ لها دون وعي، ثم ذهب ليبتاع ما تُريده، لم يكن يعلم بأنها بكل ذلك الحنان والود، وهذا شيء زاد من نقاط حبها داخل فؤاده.
كانت تقف تبحث حولها عن أشياء قد تُعجبها أخرى لكنها لم تجد، لذلك اكتفت بالذي اشترته، لم تكن لتُصدق من الأساس أن تجد بروسيا أماكن لبيع ملابس للمحجبات، لكنها دُهشَت حينما وجدته، بل وبه الكثير من الثياب الرائعة و. والمثيرة!

احمرت وجنتاها وذهبت ببصرها بعيدًا عن ثياب مكشوفة بطريقة مُبالغ بها، لقد خجلت من رؤيتها فقط! حمحمت بانتباه عندما وجدت قاسم يقترب منها وبيده الكثير من الحقائب، قطبت جبينها بتعجب شديد ثم تسائلت: أنت اشتريت حاجة تاني؟
أومأ لها ثم رفع الحقائب أمام عيناها قائلًا بابتسامة واسعة: آه، خليت البنت اللي هنا تجيبلي من كل حاجة خدناها مرة تانية، عشان أنتِ و حبيبة تلبسوا على راحتكم.

اتسعت ابتسامتها بسعادة ثم تشدقت بحماس وتلقائية: طب والله كفاءة وسكر.
قهقه عاليًا ثم عدَّل من الإمساك بالحقائب، ثم أردف بمزاح: مفيش حد كفاءة غيرك يا عسل.
صمت قليلًا عندما رأى لمعة عيناها الرائعة، ثم تحدث قائلًا: يلا ننزل بقى أصل الشنط وجعت إيدي.

انحنت لتُمسك حقائب الثياب الخاصة بها، ثم هبطت معه حتى وصلوا إلى السيارة، وبعدها وضعوا الحقائب بصندوق السيارة الخلفي وأغلقوا عليها جيدًا، صعدت أهلة للسيارة وصعد هو جانبها ثم تسائل بابتسامة هادئة: مبسوطة؟
أومأت له بسعادة وهي تقول بامتنان: أوي أوي بجد.
قرَّبها منه ثم قبَّل وجنتها بحنانٍ مُتشدقًا بحب: ربنا يديم فرحتك يا حبيبتي.

ابتسمت له بحب، فابتعد عنها عندما استمع إلى صوت رنين هاتفه، رأى اسم فور يُزين شاشته فأجابة بهدوء: آلو!
انتظر قليلًا ليستمع إلى صوته المُلتاع، فرد عليه قاسم بتعجب: في المستشفى مالها؟
طيب تمام إحنا جايين حالًا، ابعتلي اللوكيشن بس.
اعتدلت أهلة في جلستها ثم تسائلت بقلق بعد أن أغلق الهاتف: مستشفى ليه؟
رد عليها قاسم وهو يُدير مُحرك سيارته: لوسيندا تعبت ونقلوها المستشفى وإحنا هنروحلهم على هناك.

الظلام يعم المكان، الصمت المُنتشر قد يبث الرعب بفؤادك، لا يوجد سوى صوت أنفاس لاهثة تصدح من أحد الأركان، وصوت عقارب الساعة تتناغم على التوالي، وحيث السكون يوجد كُرسيٌ يتمايل بانتظام للأمام وللخلف، يجلس عليه لا تظهر معالم وجهه سوى بعض الرتوش البسيطة، وببطئ شديد رفع ذلك الشخص كأس النبيذ إلى فمه لارتشافه، عقله صاخب لا يهدأ عكس الهدوء الذي يُغلف به وجهه، أمواج فؤاده الهائجة قاربت على اقتلاع جميع الثمار من حوله، وقد قاربت!

قطع ذلك الصمت هو انفتاح الباب دُفعةً وفتح أحدهم للأنوار المُغلقة تبعه صراخه المُهتاج: أنت قاعد كدا ولا على بالك يا مختار وكل حاجة بتروح من بين إيدينا؟

رفع مختار يده بلفافة تبغه يستنشقها بتروٍ ثم أخرج دخانها على مهلٍ دون أن يُجيبه، مما أدى إلى تصاعد الدماء بوجه نادر والذي صرخ بدوره: هو أنا بكلم نفسي؟ سيادتك قاعد كدا وسايب كل حاجة تضرب تقلب ومش هامك؟ احنا فلوسنا وثروتنا بتضيع يا مختار سامع؟ شقانا كله بينهار قُدام عينينا واحنا مش عارفين نتصرف.
فعل مختار فعلته الأولى واستنشق من لفافة تبغه قبل أن يردف بجمود: صهيب عارف كل حاجة ومتفق مع ابن طاحون.

احتلت الصدمة وجه نادر الذي تشدق بدهشة: إيه؟ عِرف كل حاجة إزاي يعني؟ وأنت عِرفت إزاي؟
نفخ مختار دخان سيجاره ثم تشدق بلامبالاة: مش مهم عرفت إزاي، المهم إني عرفت.
تقدم منه نادر بصدمة حتى جلس قبالته ثم تحدث مشدوهًا: طب. طب والعمل؟
رد عليه مختار بغموض: سيب العمل عليا أنا بقى، كل حاجة لازم ترجع لمكانها الطبيعي.
يعني إيه؟

تسائل بها نادر ومعالم الصدمة مازالت مُرتسمة فوق وجهه، ليعتدل مختار في جلسته دون أن يُجيبه، ثم رفع سماعة هاتفه الأرضي على أذانه وانتظر قليلًا وبعدها تشدق بجمود: تعالى يا وليد عايزك.
قالها ثم وضع سماعة الهاتف وشبك كفيه معًا وظل صامتًا حتى همس بفحيح: ودلوقتي هنبدأ ب وليد.

وصل كُلًا من قاسم وأهلة إلى المشفى تزامنًا مع وصول صهيب وحبيبة، تقابل صهيب مع شقيقه والذي تسائل بقلق: متعرفش حصل إيه؟
هز قاسم كتفه بجهل وهو يقول: فور مقالش حاجة.
طب يلا ندخل وربنا يستر.
ولجوا لداخل المشفى وقاموا بالاستفسار عن الحالة ورقم الغُرفة حتى أخبرهم موظف الاستقبال عن مكانها، أمسكت حبيبة بيد أهلة بخوف فأحاطت أهلة يدها بحماية، ثم أسرعوا من خطواتهم حتى يلحقوا بالرجال.

لمحوا آلبرت وفور يقفون بجانب چون الخائف لمواساته، فاقتربوا منهم بسرعة وتسائل قاسم بقلق: إيه اللي حصل؟
هز آلبرت كتفه بجهل وهو يقول: فقدت وعيها فجأة.
وقفت الفتاتان بجانب مهرائيل التي كانت منهارة في البكاء خوفًا على شقيقتها لتهدأتها، وبعد مرور خمس دقائق أخرى خرج الطبيب فهرول إليه الجميع على بغتةٍ مما جعله يعود للخلف برعب!
تسائل جون بقلق بالغ: ما. ما بها زوجتي أيها الطبيب؟

استعاد الطبيب رباطة جأشه ثم أجابهم بنبرة عملية وابتسامة صغيرة تُزين ثُغره: لا يوجد بها شيء يا سيد، مُبارك؛ فزوجتك تحمل بين أحشائها طفلًا وهو مَن تسبب بتلك الفوضى.
عمت الفوضى المكان ما بين تهليل وسعادة وصرخات غير مُصدقة، ووسط كل هذا كان جسد چون مُتصنمًا في مكانه، أي طفلٍ هذا؟ طفل زوجته! نعم طفل زوجته ليس طفله هو.
احتضن آلبرت جسد شقيقه المُتجحر مُتحدثًا بسعادة: أخي العزيز مُبارك يا فتى.

طالعه چون بنظراتٍ مصدومة وكأنه لم يعي معنى الحديث الذي يُقال، جاء دور قاسم الذي احتضن جون مردفًا بفرحة عارمة: مُبارك عزيزي چون، ستكون أبًا رائع أنا أثق بذلك.
جاء دور صهيب والذي تحدث بعبث وهو يحتضنه: والله وعملوها الرجالة ياض.
والآن فقط استوعب چون ما يحدث، ليُهرول فجأة إلى غرفة زوجته والابتسامة تشق وجهه والجميع خلفه، عدا مهرائيل التي تسللت ودلفت أولًا إلى شقيقتها.

توقفت حبيبة وأمسكت بيدِ أهلة قبل أن تلحق بهم، ثم اقتربت من أذنها هامسة بتوتر: أهلة تعالي معايا عايزاكِ في حاجة.
قطبت أهلة جبينها بدهشة وهي تتسائل: حاجة إيه؟
سحبتها حبيبة خلفها وهي تقول بإصرار: تعالي بس وأنا هقولك.
وبالفعل ذهبت معها أهلة فتسائلت بدهشة وهي تتلمس كف يد حبيبة البارد: أنتِ إيدك سقعة كدا ليه؟ مالك، أنتِ تعبانة؟
عضت حبيبة على شفتيها والتي أردفت بتوتر وخوف: آه تعبانة.

كانوا حينها قد دلفوا إلى المصعد الكهربائي الذي وقاموا بالضغط على الطابق الثالث، لتتحسس أهلة وجه حبيبة وهي تتسائل بقلق: تعبانة مالك؟ ومكشفتيش ليه؟
ابتلعت حبيبة ريقها بصعوبة وامتلأت حدقتاها بالدموع وهي تُجيبها بصوتٍ مُرتعش خائف: أنا. أنا حاسة إني حامل.
وعلى عكس المتوقع ضربت أهلة على صدرها مُرددة بعدم تصديق: يا مصيبتي!

بكت حبيبة خوفًا من ردة فعلها لذلك اردفت بسرعة: دا مجرد احساس بس، أنا أوقات بحس إن فيه حاجة بتتحرك في بطني.

وبالأسفل.
دخل الجميع الغرفة فوجدوا مهرائيل تميل على معدة شقيقتها تحتضنها وهي تُردد بسعادة: حبيب قلب خالتو.
ضحكت لوسيندا بخفة على جنون شقيقتها، وبالرغم من ذلك ابتسمت لها بحنان على سعادتها الواضحة والظاهرة، حتى ظنت بأنها سعيدة أكثر منها على الأغلب!
اعتدلت مهرائيل في جلستها ثم اقتربت على شقيقتها تضمها بحنان هامسة لها بصوتٍ مُتحشرج: ألف مبروك يا حبيبة قلبي، هتكون أحلى أم في الدنيا كلها.

أدمعت عيني لوسيندا تأثرًا ثم بادلت شقيقتها العناق مُقبلة جانب وجهها، ثم أردفت بحب: عقبالك يا حبيبتي.
لوسيندا!
كانت تلك همسة چون الغير مُصدقة، فمسحت مهرائيل عيناها على الفور وأفسحت له المكان للجلوس، جلس چون أمام لوسيندا التي ابتسمت له بحنان، فوضع هو يده على معدتها هاتفًا بتردد: طفل. ط. طفلنا!

أومأت له لوسيندا بالأيجاب وهي تبتسم بسعادة، ثم أمسكت بكفه الموضوع على معدتها قائلة بحنان: نعم طفلنا چون، أنت ستكون أب رائع حبيبي.
أدمعت عيني جون بسعادة وهو يضحك بعدم تصديق، وعلى بغتة جذبها في عناقٍ قوي وهو يهمس: أنا أحبك. بل أعشقك. أنا. أنا أهيمُ بكِ عشقًا لوسيندا.
دفنت لوسيندا وجهها بعنقه هامسة بتحشرج: وأنا أحبك كثيرًا چون، أحبك أكثر من حياتي حتى.

كانت الأجواء مليئة بالحب والشاعرية من تلك الأحاسيس التي تدور بين عاشقين نالوا ثمرة حبهم، لكنهم انتفضوا برعب عندنا استمعوا إلى صرخة فور الغاضبة: كفى، أنا لا أريد هذا الطفل.
استدار له الجميع يُطالعونه بتعجب، حتى صدح صوت آلبرت المُعنف: ما هذا الهُراء فور؟ هل جُننت؟

ذهب فور ليقف أمام شقيقه جون هاتفًا بغضب: ألسنا توأمان؟ إذًا عليك انتظاري حتى أتزوج أنا أيضًا وبعدها نأتي بطفلان سويًا في نفس الوقت حتى يصيرا توأمان مثلنا.
فرغ چون فاهه بصدمة، وما كاد أن يتحدث حتى استمع إلى صوت أخيه المُتخاذل: لم أكن أتوقع هذا منك يا أخي، لقد غدرت بي وطعنت فؤادي بلا شفقة، تبًا لك.

قال كلماته ثم دفعه وذهب من أمامه وخرج من الغرفة بأكملها، بينما الجميع يُتابع أثره ببلاهة، تقدم آلبرت من چون مُربتًا على كتفه ثم تحدث بيأس: لا تحمل همًا چون أنا سأحل أمره.
وفي تلك اللحظة لاحظ قاسم غياب الفتاتان، فمال على أُذن شقيقه يهمس له: مراتي ومراتك مش موجودين.
نظر صهيب حوله فلم يجدهما بالفعل، ليهمس بنفس طريقة شقيقه: استر ياللي بتستر، استرها علينا يارب.

وفي الثانية التي تلت حديثهما، وجدا الباب يُفتح وتدخل منه كُلًا من أهلة وحبيبة بملامح وجه ثابتة لا يظهر عليه شيء، وما إن رأوا لوسيندا حتى ذهبوا لها مبتسمين بود، اقتربت منها حبيبة ثم احتضنتها بحب قائلة: ألف مبروك يا لوسيندا، ربنا يتمملك على خير يا حبيبتي.
بادلتها لوسيندا العناق وهي تقول بود: الله يبارك فيكِ يا بيبة عقبالك.

ابتسمت حبيبة بتوتر قبل أن تفسح المكان ل أهلة التي اقتربت تحتضن لوسيندا بحنان: أجمل واحدة هتجيب بيبي يا روح قلبي.
احتضنتها لوسيندا بقوة قائلة وهي تضحك: حبيب قلبي وأيامي والله، وأنتِ هتبقي أجمل خالتو في الدنيا والله.
ربتت أهلة على خصلاتها بحنان ثم ابتعدت عنها بعدما اقترب منها چون الذي تحدث بحب: ارتاحي الآن حبيبتي.

اعتدل آلبرت واضعًا كفيه داخل جيب بنطاله ثم أردف بصوتٍ هاديء: سأهبط لأجلب لكم الطعام وأُنهي أوراق الخروج.
هبت مهرائيل الجالسة من مجلسها ثم تشدقت ببعضٍ من الضيق: خُدني معاك يا آلبرت أصل الجو بقى خنقة.
تفوهت بجُملتها الأخيرة بغضبٍ متواري وهي تُطالع كُلًا من أهلة وحبيبة اللتان طالعاها بتعجب!
خرج آلبرت ومعه مهرائيل، بينما مال قاسم على أُذن أهلة هامسًا بعبث: عقبالك يا كفاءة، هتبقي أجمل مامي في الدنيا.

عضت أهلة على شفتيها بخجل، لكنها قررت مُشاكسته فأردفت بمكر وهي تتصنع التفكير: بس تفتكر جوزي هيكون بيحب الخِلفة؟
تشنج وجه قاسم وهو يُردد كلمتها التي أثارت غيظه: جوزك؟
أكدت له ببراءة زائفة: أيوا جوزي، مش احنا هنتطلق؟ وبما إننا هنتطلق فأكيد هتجوز تاني.
ارتسمت ابتسامة صفراء على وجهه مُجيبًا إياها وهو يجز على أسنانه بغضب: جوزوكِ لقرد أقرع، أعور، أعمي يا بعيدة.

قال جُملته ثم تركها وخرج من الغرفة بغضب، بينما هي لحقت به وهي تضحك بصخبٍ ثم تحدثت من بين ضحكاتها: يا قاسم استنى متبقاش قموصة بقى!
بينما حبيبة ذهبت للوقوف بجانب صهيب ثم تحدثت بابتسامة متوترة مُتسعة: إزيك؟
حاول صهيب كتم ضحكاته بصعوبة فأجابها ببعضٍ من الجدية: الحمد لله كويس، أنتِ أخبارك إيه؟
أجابته بنفس تلك الابتسامة التي زادت من ريبته: الحمد لله بخير، عامل إيه؟

وتلك المرة قطب جبينه بتعجب وهو يقول بريبة: لأ أنا كدا بدأت أقلق بجد، استرها يارب.
ردت عليه حبيبة بتلعثم: ل. لأ مفيش حاجة. بقولك إيه أنا جعانة.
ورغم عدم اقتناعه أومأ لها ومازال القلق يرتسم على وجهه: تعالي إما أأكلك وربنا يستر.

أنهى آلبرت جميع الاجراءات ومعه مهرائيل، فوقف كلاهما في حديقة المشفى ينظران لمظهر الغروب بصمت، بعد أن نجحت مهرائيل بإصابة رأسه بالصداع المُزمن بسبب كثرة حديثها!
ظل الصمت دائر بين كليهما حتى خرج آلبرت آخيرًا عن صمته قائلًا: أُفكِر بأن أُقدم خدمة كبيرة للبشرية.
طالعته مهرائيل بتعجب ثم تسائلت: خدمة إيه؟
وتلك المرة استدار إليها آلبرت بكامل جسده وهو يقول بأعين مُلتمعة: أتزوجكِ.

حلَّ الليل على الجميع واجتمع الجميع بغرفة المعيشة للقصر بعد أن عادوا للمشفى، هجم آندريه، ليونيد، ستيفن، إيغور على شقيقهم چون يحتضنون إياه وهم يصرخون بحماس، علت الضحكات والبسمات بين الجميع وسط جو عائلي مليء بالدفيء والحب.

تحرك جون من مكانه مُتجهًا نحو فور المُمتعض، وبدون أي حديث قام باحتضانه بقوة، وبعدها همس له بحب: أعتذر حقًا لا تحزن، طفلي سيكون هو طفلك بكل تأكيد، ستكون أنت أباه الثاني وعمه العزيز، أنت المُفضل لدي دائمًا وأبدًا، لذلك ستكون المُفضل عند طفلي دون شك.
تبدد غضب فور تدريجيًا عقب سماعه لكلمات المُربتة على فؤاده، وبحذر شديد تسائل بعد أن ابتعد عنه: هل ستجعلني ألعب به؟

علت ضحكات الجميع بصخب، لكن چون أومأ ضاحكًا: بالتأكيد ستلعب به كيفما شئت.
اتسعت ابتسامة فور بكل سعادة واقترب منه ليُعانقه أثناء حديثه السعيد: أنا أحبك أخي.
قطع هذا الجو صوت صقفات أهلة التي وقفت من مكانها قائلة بتهليل: انتباه. انتباه. انتباه. عايزة أقول حاجة.
تحولت معالم وجه الجميع إلى الدهشة، فأكملت هي بابتسامة واسعة: حبيبة حامل.

بصقت حبيبة المياه التي ترتشفها، بينما تحول وجه الجميع إلى الصدمة، فاستغل فور صدمتهم وقرر أن يضرب بقنبلته هو الآخر: وأنا أيضًا.
استمع إلى شهقة عالية كان مصدرها مهرائيل التي رددت بعدم تصديق: أنت كمان حامل؟
نفى فور مُسرعًا وتحدث بريبة: لقد. لقد أعلنت إسلامي.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة