رواية حارة القناص الجزء الأول للكاتبة شروق حسن الفصل الخمسون
يا فؤاد تأنى فالنصر قادم، تبقى القليل والعشق آتٍ، رميتُ لكَ أسهمي وبتَ أنت السائق، لتقودني إلى طريقٍ مليءٍ بالعواقب، كنتُ أظن أنى مُنتصر، لكن هُزمتُ أمام عينانٍ أخضعت كل حواسي.
كان فور جالسًا أمام سُفرة الطعام يأكل بنهمٍ، يكاد أن يبكي منذ أن أخبره قاسم بضرورة صيامه غدًا طالما أعلن إسلامه، في البداية لم يُبالي، لكنه صُدم عندما أخبره بقواعد الصيام عند المُسلمين، والذي يبدأ من الفجر حتى آذان المغرب، وبين تلك الفترتين لم يتجرع ولو شربة ماء واحدة، وضع قطعة كبيرة من الدجاج داخل فمه وهو يهمس بحسرة: يا ويلي! كيف سأتوقف عن الطعام طوال تلك المُدة؟
جاء في تلك الأثناء قاسم الذي كان يُطالعه من بعيد بضحكة مكتومة، لن ينسى معالم وجهه عندما أخبره عن كل شيءٍ يخص الصيام، كان مصدومًا للحد الذي جعله أن ينفجر من الضحك، لكن ابتسامته تبددت شيئًا فشيئًا عندما اقترب منه وتوقف بجانبه، تشنج وجه قاسم بسخط والذي تسائل مُستنكرًا: أنت بتتسحر فراخ ولحمة؟
طالعه فور بطرف عينه بحنق لكن فمه لم يتوقف عن مضع الطعام، ووسط سباحته وسط الطعام؛ تشدق ساخطًا بالعربية: سيبني في حالي دلوقتي عشان أنا مش طايق حد.
ضربه قاسم على رقبته من الخلف بخفة وهو يقول: وأنا مال أهلي؟ مش أنت اللي جاي تأسلم في رمضان وأنت أصلًا طِفس ومفجوع؟ اشرب بقى.
مضغ فور الطعام بأكمله ثم تسائل مُتعجبًا: اشرب إيه؟
التوى ثغر قاسم بابتسامة ساخرة وهو يُجيبه: اشرب شاي.
قالها ثم ابتعد عنه بعدة خطوات، وارتمى على الأريكة بإنهاك في انتظار زوجته التي لم تنتهي حتى الآن من التحدث مع الفتيات، امتعض وجه قاسم والذي همس لذاته بسخط: يارب نخلص من أم اليوم دا بقى، بقالهم ساعتين بيتكلموا وأنا عايز اتخمد.
طب ما تتخمد.
هتف بها آلبرت الذي جاوره في الجلسة، ليرد عليه قاسم الذي تنهد بضيق: لأ هنتخمد سوا، مبعرفش أنام من غيرها.
ضيَّق آلبرت عيناه بخبثٍ أثناء قوله المُشاكس وهو ينكزه في كتفه: يا سيدي يا سيدي، اوعدنا يارب.
أخرج قاسم من فمه ضحكة ساخرة ثم استدار له بجسده قائلًا بقنوط: ما هو أنت اللي حلوف صحيح، إيه اللي غيَّر موقفك من ناحية مهرائيل وخلاها مش طايقاك كدا؟
رد عليها آلبرت ببراءة بعد أن رمش بأهدابه عدة مرات: والله ما عملت حاجة، كل الحكاية إني قولتلها إني هتجوز ريتاليا آخر الشهر دا.
طالعه قاسم بتشنج وهو يُجعد وجهه، ثم تسائل بعدم فهم: مش ريتاليا دي سكرتيرة ميلانو اللي أنت قولتلي عليها؟
أومأ له آلبرت بالإيجاب وعلى ثُغره ترتسم ابتسامة خبيثة مُحملة بعبق الكُره والإنتقام، وعلى الفور فهم قاسم ما يدور برأسه فابتسم بخفة أثناء قوله: لأ جدع، طِلعت ظلمتك.
جاء في تلك اللحظة فور مُمسكًا بطبقٍ كبير من الطعام ثم وضعه على الطاولة، استدار له آلبرت يُطالعه ببرود وبعدها حوَّل أنظاره عنه دون أن ينبث بكلمةٍ واحدة، اقترب منه فور ببطئ حتى جلس بجانبه ثم ناداه بصوتٍ خفيض: أخي!
رد عليه آلبرت بملامح جامدة: ابتعد عني فور لا أريد رؤية وجهك أمامي.
استند قاسم بظهره يرتاح أكثر على الأريكة وعيناه تُتابع حوارهم بصمتٍ دون التدخل، بينما فور لم يُبالي بحديث أخيه واقترب أكثر وهو يتحدث برجاء: رجاءً أخي لا تحزن، أنت تعلم بأني أُحِبك كثيرًا أليس كذلك؟
ربَّع آلبرت ذراعيه أمام صدره بملامح وجه واجمة دون أن يُجيبه، فزفر فور بضيق أثناء قوله: حسنًا ما الذي تريده لتُسامحني؟
وكالعادة الإجابة هي الصمت، يئس فور من محاولته لمُصالحة شقيقه الذي ظل يُعامله وكأنه هواءً منذ يومين، وقف من مكانه بملامح وجه مُقتضبة حزينة ثم سار عدة خطوات مُبتعدًا عنه، اعتدل قاسم في مكانه ثم نكز آلبرت بقوة في جانبه أثناء همسه الغاضب: ما تتلم يلا بقى وفُكك من الجو دا وصالح أخوك.
امتعض وجه آلبرت بضيق ثم نفخ بغضب، وقبل أن يخرج فور من الغرفة بأكملها تحدث بصوتٍ جامد بعد أن وقف من مجلسه: سأُسامحك لكن بشرط!
توقف فور في مكانه واستدار له يُطالعه بلهفة وهو يقول: شرط ماذا؟
صمت لثوانِ مرت على فور وكأنها دهورًا، ليتخلى آلبرت عن صمته قائلًا وهو يفتح له ذراعيه: عناق.
اتسعت ابتسامة فور بسعادة ثم هرول إلى شقيقه دافعًا جسده إلى أحضانه بقوة ثم قبَّل كل إنش في وجهه بجنون وهو يردد بسعادة: أحبك أخي. أُقسم بأني أحبك كثيرًا. أحبك أكثر من ليونيد الأحمق.
علت ضحكات آلبرت بسخط أثناء مُحاولته للإبتعاد عن قُبلات أخيه الهستيرية، ليتشدق من بين ضحكاته بضحكٍ ممزوج بالحنق: يا أحمق ابتعد عني.
دخل عليهم صهيب مُمسكًا بهاتفه واضعًا إياه على أذنه وهو يصرخ بغضب: أنت بتهزر يا يحيى؟ رجالة إيه اللي راحوا وراكم لبيت ناس غريبة؟
أتاه صوت يحيى من على الجانب الآخر وهو يحك عنقه بضيق: يا صهيب لو كُنا سيبنا وليد لوحده كانوا صفوه، ولما لاقوه كانوا بُعاد عن بيت هارون.
انتفض قاسم من مكانه ثم اتجه نحو أخيه بخطواتٍ سريعة، وبعدها انتشل منه الهاتف مُتحدثًا بصوتٍ غاضب: الناس اللي انتوا عندهم دول يعرفوا حاجة عن اللي بنعملوا يا يحيى.
ابتلع يحيى ريقه بتوتر أثناء نظره للشباب المُتجمعين أمام ناظريه، لطم رائد على وجهه والذي استمع للحديث بأكمله بسبب فتح يحيى لمكبر الصوت، وبعدها همس بفزع: قاسم لو عِرف هيقتلنا كُلنا.
صدح صوت قاسم مُجددًا لكن تلك المرة بصراخٍ مُهتاج: انطق يا يحيى ومتعصبنيش، الناس اللي أنت عندهم يعرفوا حاجة؟
وبهمسٍ خافت أردف: أيوا.
وبعدها لم يسمع أي منهم إلى شيء سوى صوت صرخات قاسم وسبابه المُهتاج الذي نال كل منهم جميعًا، نظر الجميع إلى بعضهم البعض بتوتر من حِدة الموقف، فبرر يحيى ما حدث بقوله الهاديء مُحاولًا امتصاص غضبه بقدرِ الإمكان: يا قاسم اهدى واسمعني، أنا...
قاطعه صوت قاسم بفظاظة صارخًا: أفهم إيه؟ أنت عارف لو مختار ورجالته وصلوا ليكم هيعملوا فيكم إيه؟ هتعرض ناس ملهاش ذنب للخطر عشان سيادتك أنت والغبي التاني اللي ميتبلش في بُوقه فولة، انتوا عايزين تجننوني؟
حمحم يحيى شاعرًا بخطورة حديثه وصحته، فلو وصل إليهم مختار سيتسبب في أذية أصدقائه وهُم الذين استقبلونهم في منزلهم بكلِ ودٍ وحب، لم يجد حديثًا يُجيبه به، فاقترب مدثر من يحيى وتحدث بالجانب من سماعة الهاتف ليسمعه: الرجالة لما وصلوا ل وليد كان في الشارع هو و سليم بعيد عن البيت بمسافة كبيرة، يعني صعب يوصلوا للمكان اللي إحنا فيه دلوقتي.
جائه صوت قاسم والذي ضيَّق ما بين حاجبيه بسخط وهو يتسائل: أنت مين؟
رد عليه مدثر بثباتٍ عكس فؤاده الذي يقرع خائفًا على صديقه: أنا مدثر الطحاوي كنت معاهم وجيت هنا بسرعة عشان أبلغهم.
شدَّ قاسم على خصلاته بنفاذ صبرٍ وهو يُغمض عيناه غاضبًا، وبعدها تحدث بصوتٍ مكتوم قائلًا بعد ثوانٍ من الصمت: حاولوا تلحقوهم بأي شكل من الأشكال، وياريت وشوشكم متظهرش عشان ميكونش فيه أي خطر على حياتكم.
أجابه مصعب تلك المرة مُتحدثًا بثقة: متقلقش كل حاجة هتبقى تمام.
أومأ قاسم بصمتٍ وكأنه يراه ثم أردف بنهيج: ماشي، وخليك معايا يا يحيى واتصل بيا بعد ما تخلصوا على طول.
رد عليه يحيى بهدوء: حاضر، يلا سلام.
أغلق قاسم الهاتف بغضب ثم أعطاه لشقيقه تزامنًا مع صراخه المُهتاج: مختار الأرماني مش ناوي يجيبها لبر، وديني ما هرحمه ابن ال.
كانت الفتيات قد تجمعن بدايةً من الحديث عندما ارتفع صوت صراخ قاسم، طالعت أهلة وجه قاسم الأحمر نتيجة لغضبه، وعيناه التي باتت حادة مُخيفة، ابتلعت ريقها بهدوءٍ ثم زفرت بإنهاك وتعب وهي تهز رأسها بيأس، رغم أن لا ذنب لها فإنها بشكلٍ أو بآخر لها علاقة بما يحدث، ففي النهاية مختار الأرماني هو والدها.
اقترب آلبرت من قاسم ثم ربت على كتفه مُتحدثًا بقوة: متقلقش كل حاجة هتبقى كويسة، استنى شوية بس وهنبقى نكلمهم نطمن عليهم.
كوَّر قاسم قبضته بغضب وود في تلك اللحظة تحطيم كل شيءٍ أمامه، الغضب الذي يحتبسه داخل صدره كبير ويفوق تحمله، أصدقائه في خطر هُناك وهو هُنا عاجز عن مُساعدتهم بأي شكلٍ من الأشكال، رغم أن صهيب استغل حديثه وقام بمهاتفة العميد مُغازي لإرسال قوة حيث حارة هارون، لكنهم بالطبع سيأخذون وقتًا للوصول لهم.
تركهم قاسم يقفون ينظرون لبعضهم البعض بحيرة ثم اتجه نحو الخارج بخطواتٍ تعكس الغضب الذي يشعر به، نفخ صهيب بضيق وكذلك آلبرت، بينما تحرك فور ليلحق ب قاسم فأوقفته أهلة قائلة بصوتٍ هاديء لكنه به لمحة من الخوف: خليك أنت يا فور أنا هروح وراه.
طالعها فور بتردد، فسددت له ابتسامة طفيفة قبل أن تذهب من أمامه وتتبع قاسم الذي خرج إلى الحديقة الخلفية للقصر، واختارها تحديدًا لأنها مخفية عن الأنظار بعضِ الشيء، دارت بعيناها في المكان حتى رأته يقف أمام المسبح ينظر له بشرود، لكن صدره الذي يعلو ويهبط أوضح لها مدى غضبه الشديد، لكن ما لا تعرفه بأنه غضب ممزوج بالخوف على رفاقه.
اقتربت منه رويدًا حتى توففت على مسافة قريبة منه ونادته بخفوت: قاسم؟
استدار لها بوجهه مُجيبًا إياها بهجوم: عايزة إيه؟
ابتلعت باقي كلماتها من طريقته الفجة، فأوضح لها عقلها الباطن بأن مُعاملته تلك ناتجة عن فعلة أبيها بهم، حاولت التحكم بتلك الغصة التي تتشكل داخل حلقها فتراجعت قائلة بخفوت: خ. خلاص.
قالتها ثم استدارت لتعود من حيث أتت، لكن تلك المرة بقلبٍ مكلومٍ مُتألم، سارت عدة خطوات ا بعيدًا، وما كادت أن تبتعد خطوة أخرى وجدت يد غليظة تُمسك بخاصتها، استدارت له تُطالعه بحدقتين مُملئتين بالدموع من فظاظته معها، فزفر هو بضيق قبل أن يجذبها لأحضانه قائلًا وهو يُربت على ظهرها بحنان: متزعليش مني بس أنا متعصب دلوقتي.
وبترددٍ واضح سألته بارتعاش: متعصب مني؟ أنا مليش ذنب.
أغمض عيناه بألم على حالتها، فأحاط بوجهها ثم قرَّب شفتيه منه طابعًا قُبلة طويلة على جبينها قبل أن يتحدث بانهاك: أنتِ ملكيش ذنب يا حبيبتي والله أنا عارف، متحطيش التفكير دا في دماغك ومتخوفيش نفسك على الفاضي.
هبطت دمعة شاردة من إحدى عينيها ثم أردفت بخوف: خايفة تسيبني.
هز رأسه بسرعة ينفي ما تُفكر به وهو يقول بحب: وأنا خايف من حُبي المريض ليكِ، أنتِ بقيتي إدمان ليا وأنا حابه ومش عايز أتعالج منه.
بضعة كلمات منه كانت كالبلسم الذي ربت على فؤادها ليُداوي جروحه، استمعت إلى زفرته الحادة فربتت هي تلك المرة على ظهره وهي تقول بمؤازرة: متقلقش هما هيكونوا كويسين.
آمن على حديثها بقلبٍ مُتمني: يارب. يارب.
وصل الشباب إلى المنطقة الزراعية التي أخبر سليم بها مدثر قبل ذهابه لمُناداة الرجال، أخرج يحيى سلاحه من جيب بنطاله ثم أردف بعينان حادتان: هندخل بالراحة علشان ميحسوش بينا.
أمسك يعقوب جيدًا بعصاته الخشبية الغليظة، ثم تشدق بمكرٍ: لأ إحنا عايزينهم يحسوا بينا، مهما حصل معلش لازم ياخدوا ضيافتهم في حارة هارون.
ابتسم جميع إخوته بمكرٍ مُماثل له، فتحدث حمزة قائلًا بضحك: رغم إن الحاج هارون هيبقى ليه رأي تاني في الموضوع دا بس يلا، أهو كله بثوابه.
سار عمران بخطوات سريعة خلف يحيى ورائد ومدثر الذين سبقوهم وهو يقول بمشاكسة: احنا بنكون قاعدين في حالنا والمشاكل هي اللي بتتحدف علينا، مش ذنبنا يا ولاد.
بينما بادر كان يُقاوم بكل قوته وهو يصرخ بهم: أنا مش عايز آجي معاكم يا شوية بلطجية سيبوني.
جذبه مصعب معه بكل قوته والذي تشدق بحنق: ما تتنيل امشي يالا بدل ما أكسر الشومة دي فوق دماغك اللي شبه البقلاوة دي!
سار معه بادر بعد أن لكمه في معدته تزامنًا مع قوله المُتشنج: يا جدع اتلم بقى وبطَّل تنمر، ولادك هيطلعوا نسانيس بسببك.
توقف يحيى فجأة واستدار لهم مُشيرًا بإصبع سبابته على فمه للصمت، ثم عاد بأنظاره لنفس النقطة التي تركها منذ قليل، نظر الجميع لأُفق عيناه فوجدوا مجموعة كبيرة من الرجال المُسلحين يرتصون أمام كُلٍ من وليد وسليم الواقفين في موقف لا يُحسد عليه، نظر يعقوب ل يحيى بجدية وهو يقول: المكان هنا إحنا حافظينه، هنلف من الناحية التانية عشان نهجم عليهم على غفلة ونشتتهم، وأنت و رائد ومدثر وسيف هتروحوا من قُدام على أساس إن دا عددكم كلكم، وإحنا ال 11 هنهجم عليهم من ورا.
نالت الفكرة استحسان الجميع وبالفعل بدأوا في تنفيذها، أخذ يعقوب إخوانه ومعهم عُدي، إسحاق، سليمان، ورياض ثم استداروا إلى الجهة المُعاكسة لاستخدام عنصر المُفاجأة، بينما اقترب منهم يحيى ومعه مدثر، سيف، ورائد حتى وصلوا إليهم، رفع الرجال أسلحتهم على وجوههم ليتحدث يحيى بنبرة ساخرة: متخافوش يا رجالة إحنا مش جايين نتخانق.
طالعه أحدهم بصدمة مُرددًا: يحيى؟
لوى يحيى ثُغره مؤكدًا بثقة وهو يُطالع الجميع بكُره: آه يحيى يا وائل، إيه مستغرب إني عايش مش كدا؟
نظر إليه وائل بعدم فهم، ليبتسم يحيى بانتصار بعد أن بدأ في تشتيتهم، فاستطرد حديثه مُكملًا بسخرية: ما هو أنا مستحيل كنت أكمِّل مع واحد زي مختار الأرماني، فيه ناس أنضف بكتير للأسف.
احتدت عيني وائل بغضب أثناء قوله الحاد: بس أنت كدا خاين!
شهق يحيى بسوقية وهو يرفع إحدى طرفي شفتيه: لأ حوش يا ولا الإيمان والتقوى اللي بيخر منك؟
طالعه الرجال بغضب، فاستطرد هو حديثه قائلًا بغضب: انتوا روحتوا واشتغلتوا مع مختار الأرماني وشاركتوه في كل جرايمه، ودلوقتي هتشتركوا في جريمة أكبر، جايين تاخدوا وليد ل مختار الأرماني وانتوا عارفين مليون في المية إنه هيقتله.
لم يُبالي وائل بحديثه هذا وأردف ببرود: ميخصناش، احنا بننفذ الأوامر بس.
وإحنا مش بننفذ أوامر حد، إحنا ماشيين بمزاجنا.
صعدت تلك الكلمات فجأة من فاهِ يعقوب بنبرة خبيثة، وما كاد الرجال أن يستوعبوا ما يحدث؛ حتى شعروا بالعُصي الغليظة تهبط فوق رؤوسهم بعنف، وبدون أي مُبالغة فقد الجميع وعيهم نتيجة لعنفهم المُبالغ به!
طالعهم وليد بفخرٍ ثم صاح بسعادة: نردهاكم في الأفراح يا رجالة.
استدار له رياض والذي أردف بحماس: شوفتني وأنا بضربه على دماغه بالخشبة؟
قهقه وليد عاليًا وهو يُوميء له بالإيجاب، ثم أجابه بمراوغة: كنت جامد ياض، لأ فخور بيك.
طالعه رياض بغرورٍ زائف، بينما مدثر تشدق وهو يتنهد بتعب: وأخيرًا خلصنا! ياه الإنسان حاسس إنه مُتعب بشكل!
تشنج وجه سليم والذي تشدق باستنكار: تعب إيه يا أبو تعب؟ دا أنت كنت واقف جنبي هنا متحركتش.
جعد مدثر جبينه بضيق وهو يقول: لأ بقولك إيه أنا مبحبش حد يستقل بقدرتي ومجهودي، أنت مش عارف أنا عملت إيه!
عملت إيه؟
تسائل بها سليم، ليُجيبه مدثر بثقة: جريت عشان أقولهم إنكم في خطر يا ناكر للجميل.
أكد إسحاق على حديثه والذي اقترب منه ليُربت على ظهره بمأساة: أنا شاهد على دا، أنت تعبت أوي ياض بس هما اللي معندهمش دم.
استدار مدثر ل إسحاق مُحتضنًا إياه وهو يقول بتأثر: أنا مليش غيرك والله، غير كدا هما صحاب فكسانة وأنت الأصل يا حبيب قلبي.
ضحك إسحاق بصخبٍ وبادله العناق، بينما رائد تقدم من يحيى وتحدث بإرهاق: كلم قاسم وكلمه عشان زمانه قالب الدنيا.
اتسعت عيني وليد بصدمة وتشدق بغير تصديق: هو قاسم عِرف؟
لوى سيف شفتيه بسخرية قائلًا: دا أنت يومك مش معدي، دا حالف يقطعلك لسانك من لغاليغو.
ابتلع وليد ريقه بتوتر ثم قال: يا مراري أنت بتهزر؟ بس أكيد أنت مقولتلوش إني قولتلكوا حاجة صح؟
ابتسم سيف ببلاهة قائلًا: لأ قالوله.
يا مصيبتي!
هو يا مصيبتك فعلًا.
كان ذلك صوت قاسم الذي أتاه عبر هاتف يحيى بعد أن هاتفه ليُطمئنه على الوضع.
نظر وليد للأوجه من حوله علهم ينقذوه، لكنه وجدهم يكتمون ضحكاتهم بصعوبة على ردة فعله، وفي تلك اللحظة علم بأنهم لن ينقذوه و قاسم لن يرأف به عند رؤيته، لذلك تشدق مُسرعًا: على فكرة أنا مليش دعوة هما اللي جرجروني في الكلام وأنا كنت قاعد مُحترم.
أتاه صوت قاسم الذي تحدث بحدة: والله؟ يعني مش أنت اللي انسحبت من لسانك وحكيتلهم كل حاجة؟
وبغباء أجابه وليد وهو يهز رأسه بالنفي: لأ طبعًا مش أنا، هو أنا عيل صغير عشان ينضحك عليا بسهولة؟
زفر قاسم بضيق وأخيرًا شعر بالراحة تتخلله، بينما أهلة تجلس بجانبه على الأرجوحة تضحك بصمتٍ على الحوار الفُكاهي الدائر بين كليهما، تنهد قاسم بدوار يُصيبه دائمًا عند توتره، ثم أردف بهدوء: لازم تختفي دلوقتي يا وليد نهائي، رُوح أي فندق يكون مشهور ومشغول ال24 ساعة علشان أكيد مختار هيبعت ناس تانية لما يلاقي رجالته اتأخروا.
أومأ له وليد وهو يقول بثبات: هعمل كدا فعلًا لحد ما الأمور تهدى شوية.
وافقه قاسم بقوله: تمام. وأنا كلها أسبوعين وجاي، ومتروحش من غير رائد ويحيى عشان يكونوا معاك دايمًا.
حاضر.
يلا سلام، ولو عوزت أي حاجة كلمني ومتحملش هم.
قالها قاسم بجدية، ليبتسم وليد بامتنان قائلًا: ربنا يخليك يا قاسم، سلام يا باشا.
أغلق يحيى الخط والجميع يبتسم بانتصار على نجاح خطتهم ونجاتهم جميعًا سالمين، وبعد قليل أتت قوات الشرطة وقامت بالقبض على جميع رجال مختار الذين استفاقوا، وأثناء الضجة الموجودة ضرب وليد على صدره شاهقًا بصدمة: يالهوي البت لسه محبوسة!
وبالعودة إلى قاسم وهلاله الحبيب.
أرجع رأسه للخلف بإنهاك وهو يهمس: آه دماغي كانت هتنفجر.
اعتدلت أهلة في جلستها وانمحت الابتسامة عن وجهها وهي تسأله بقلق: مالك يا قاسم؟
رد عليها بهدوء وهو على نفس حالته: مفيش حاجة متقلقيش، أنا لما بتعصب أو بتوتر بصدع.
طالعته بصمت قبل أن تجذب رأسه إليها، طالعها بتعجب وهو يقطب جبينه بعدم فهم، لتوضح له فعلتها وهي تبتسم برقة: هعملك مساج عشان ترتاح.
ولم تُعطيه الفرصة للحديث بعد ذلك، بل وضعت رأسه على صدرها وأحاطته بذراعها، وباليد الأخرى قامت بدسها بين خصلاته التي طالت عما كانت عليه من قبل، وبدأت في تدليك فروة رأسه ببطئ، أغمض عيناه براحة وشعر بالراحة تتغلغل بين أوردته، رفع ذراعاه وقام بلفهما حول خصرها ليُقربها منه أكثر مما جعلها تبتسم بحنان على فعلته.
محكتيش ليا بقى، أنتِ و يمنى وملك اتعرفتوا إزاي.
سحبت أهلة نفسًا عميقًا من داخل رئتيها ثم زفرته على مهل ثم بدأت بقص ما حدث لها: في اليوم اللي قررت أهرب فيه من مختار كان السواق واخدني فيه للقصر، بس جاله مُكالمة إنه يطلع على مخزن من مخازن العيلة بس لحد دلوقتي مش عارفة ليه، هو ركن العربية وقفلها عليا ونزل ودخل المخزن، وقتها أنا كنت يأست من الحياة كلها وقررت أهرب، كنت دايمًا بشوف السواق بيعين نسخة احتياطية من المفاتيح في صندوق العربية وكان سهل عليا إني أجيبه بما إني كنت وقتها وصلت ل 15 سنة، ونزلت وهربت، وقتها لقيت يمنى كانت بتجري وبتعيط جامد أوي، أنا خوفت منها في الأول بس هي كانت أصغر مني ب3 سنين فصعبت عليا، ولما سألتها بتعيط ليه مكنتش بترد عليا، فقدت النطق لشهرين تقريبًا من الصدمة اللي اتعرضت ليها لما شافت باباها اتقتل قدام عنيها من مختار الأرماني وصادق مهران، قعدنا في الشارع أسبوع كامل كنا بناكل من الزبالة والله يا قاسم، لحد ما ماما نبيلة شافتنا وصعبنا عليها وأخدتنا عندها، وقتها ملك كانت هناك، كانت بنت جارتها وجارتها دي ماتت وكانوا فُقرا خالص، لحد ما قررت تربيها هي كمان، هي مش بتنتقم معانا وملهاش أي عداوة مع عيلة الأرماني، هي بس بتكرههم من حقدنا وكرهنا ليهم، وبس. من وقتها ماما نبيلة هي كل حياتنا ومهما عملنا مش هنوفيها حقها.
كان قاسم يستمع إليها بتأثر، فشدد من الإحاطة بخصرها وهو يقول بحنان: هعوضك عن كل الأذى اللي شوفتيه، أوعدك إني هعمل كل اللي أقدر عليه عشان يسعدك.
كان الجو شاعريًا للغاية، حبيبان يجلسان على الأرجوحة أسفل ضوء القمر المُنير بجاذبية تخطف الأنفاس، لفحات الهواء الباردة تضرب بشرة وجوههم الصافية، السماء السوداء مُزينة بالنجوم اللي أعطت للقمر دلالًا ووقارًا، وهو يضع رأسه على صدرها موضع قلبها يستشعر دقاته العنيفة في حضرته، وفؤاده يتاغم في طربه مع خاصتها، وكأن بينهما تَرابط جمع بين كليهما.
قاسم.
نادته أهلة بها ببعضٍ من التردد، ليُهمهم هو على ندائها وهو يقول: عيونه.
أغمضت أهلة عيناها برهبة شديدة ولا تعلم بما تبدأ حديثها أو ماذا تقول، لكنها حاولت ضبط أنفاسها اللاهثة وأخرجت من فاهها ما يريد فؤادها النُطق به: بحبك.
توقفت أنفاسه عقب ما استمع إليه، شعر بفراشاتٍ تُحلق داخل معدته بقوة، لو قيل له أن الحديث مع مَن تُحِب يُشعرك بأنك تطير عاليًا لِما كان سيُصدق، لكن الآن! الآن يشعر بأنه طائر يُحلِّق بجناجيه دون الشعور بجسده!
ابتعد عنها مُطالعًا إياها بعدم تصديق وهو يُردد بتيهة: أنتِ. أنتِ قولتي ليه؟
ابتلعت أهلة ريقها بصعوبة، والآن فقط شعرت بحجم الكارثة التي هبطت فوق رأسها، هبت من مكانها تقف بعيدًا عنه ثم أردفت بتوتر: م. مفيش، قصدي يعني.
اقترب منها على بغتةٍ ثم أحاط بوجهها قائلًا بأعين مُتلهفة: قوليها يا أهلة تاني.
طالعت لهفته وأعينه المُلتمعة، نظراته الراجية على ترديد كلمتها وكأنها طوق النجاة بالنسبة له، تشبكت نظراتهما معًا، وتنساجت أفئدتهم بخيوطٍ واهية لكنها متينة، وبصوتٍ عاشق تفوهت قائلة: أنا بحبك يا قاسم، بحبك أوي.
وفي اللحظة التي تلتها كانت تُحبس بين أضلاعه، يُحيطُ بخصرها بقوة وكأنه يُريد إدخالها داخل ضلوعها، يُريد احتجازها بين ثنايا قلبه ويُحيط بها بأسوارٍ عالية حتى لا تهرب، وكذلك هي. شددت من عناقه وكأنه آخر أمل لها، وقد كان ذلك بالفعل!
خرج صوت قاسم مكتومًا نتيجة لدفنه لوجهه بين ثنايا عنقها وهو يقول: وأنا بموت فيكِ يا روح وقلب قاسم.
تم نقل أنس الأرماني إلى المشفى بعد أن وجدوه مُلقيًا على الأرض في حالة يُرثى لها، ذهب معه مختار الأرماني والذي قرر تنفيذ خطته الدنيئة بعد أن يطمئنوا جميعًا على صحة ابن شقيقه، استقبلوهم الأطباء على وجهٍ من السرعة لعلمهم بصلة القرابة بين المريض وصاحب المشفى والذي لم يكن سوى مختار.
تم إدخاله إلى غرفة الطواريء عندما وجدوا مادة بيضاء تخرج من داخل فمه، زادت شكوكهم حول فكرة تسممه، وقف نادر بالخارج وعقله كاد أن ينفجر من شدة الخوف، ناهيك عن ارتعاشة جسده التي ظهرت فجأة، كانت ريماس تُتابع كل ما يحدث بضحكة شامتة، تتيقن بأنه سيلقى مصرعه تلك الليلة، وهذا كل ما تريده، تلك العائلة الحقيرة التي أفقدتها أعز ما تملك، والدها، وشقيقتها أيضًا، الجميع تركها وغادر وظلت بين عميّن جشعين، لكن هي لن تصمت وستأخذ بثأرها من الجميع، وكأنها ليست المُخطئة!
مرت نصف ساعة ولم يخرج أحد لطمئنتهم، ليصرخ نادر بغضب ناتج عن قلقه: محدش بيخرج عشان يطمننا ليه؟
اقتربت منه ريماس بتروٍ شديد حتى وقفت بجانبه، وببطئ ربتت على كتفه قائلة بنظراتٍ ذات مغزى: متقلقش يا عمي، أكيد هيبقى كويس. وكويس أوي كمان.
كان حديثها يخفي كوارث كُبرى لكن لم يفهم أحد مغزاه سواها، مرت عشر دقائق أخرى حتى خرج الطبيب أخيرًا من غُرفة العناية، هرول إليه نادر بتلهف وهو يقول: طمني يا دكتور أنس عامل إيه دلوقتي؟
هز الطبيب رأسه آسفًا قبل أن يُبلغه بيأس: للأسف مقدرناش نعمله حاجة، البقاء لله.
فتح نادر عيناه على آخرهما يُطالع الطبيب بعدم تصديق، وبعد ثانيتين أصابته حالة من الهياج العصبي فأمسك الطبيب من ثيابه يهزه بعنف وهو يصرخ به: أنت اتجننت؟ أنت بتقول إيه؟
فزع الطبيب من هجومه المُفاجيء فبرر مُسرعًا: يا نادر بيه السم كان انتشر في جسمه كله ومقدرناش نلحقه، فيه حد كان بيحطلوا السم دا بقاله فترة كبيرة ودا نوعه نادر جدًا عشان بيبقى بطيء المفعول وأثره مش بيظهر على المريض إلا في الأيام الأخيرة بس.
أبعده مختار عن الطبيب قائلًا بأسى: قدر الله وما شاء فعل، شد حيلك يا نادر.
هبطت دموع نادر وهو يُطالعه بتيهة وعدم تصديق، وبصوتٍ هامس أردف: ابني! ابني مات! طب. طب ليه؟
بينما ريماس اطمئنت على نجاح خطتها وثُغرها يرتسم عليه ابتسامة النصر، لكنها لم تشعر بتلك الدمعة الشاردة التي هبطت من داخل حدقتاها، كانت دمعة مُتحسرة قبل أن تكون حزينة، لقد عاشت وسط عائلة أقل ما يُقال عنها بأنها قذرة، زرعت بها فكرة الغرور والكره لكل مَن حولها، حتى باتت نسخة مُصغرة منهم، ضميرها كان يُؤنبها أحيانًا على أفعالها وأحيانًا أخرى تشعر أنها بدون ضميرٍ من الأساس، وتلقائيًا هبطت يداها نحو جوفها تُمسد عليه بلُطف، ينمو بداخلها صغير أقسمت على جعله أفضل ما يكون، ستبتعد عن هُنا نهائيًا وتقوم بتربية صغيرها، لقد أخطأت وهو سيدفع الثمن طيلة حياته، لكن على الأقل تستطيع تربيته بشكلٍ صحيح أليس كذلك؟
رحلت من المشفى نهائيًا بعد أن زارت شقيقتها المحفوظة داخل ثلاجة الموتى، رحلت بعد أن قبلت جبينها وهمست لها بصوتٍ يائس: ربنا يرحمك يا ريمانا، ربنا يرحمك ويتقبل توبتي.
صعدت إلى سيارة الأجرة التي جائت بها، وبنفس تلك السيارة توجد حقيبتها التي جلبتها معها للرحيل تمامًا عن ذلك العالم القذر، ستبتعد هي وصغيرها وتقضي حياتها في التكفير عن ذنوبها، أخرجت هاتفها وقامت بكتابة رسالة نصية إلى أحد الأرقام كانت فحواها: أنا آسفة.
وبعدها قامت بطلب أحد الأرقام وانتظرت قليلًا حتى أتتها الإجابة، لتردف بعدها بصوتٍ ثابت: عايزة أبلغ عن عملية غير مشروعة هتتم بعد ساعة من دلوقتي في مستشفى الأرماني.
عاد وليد مُهرولًا حيث ترك تلك الفتاة فوجد جميع مَن بالشارع يظهر على وجوههم الهلع والخوف، تجاهلهم جميعًا واتجه نحو الفتاة التي تمتلك شامة فوق شفتها، فتح البوابة الحديدية الكبيرة التي أغلقها عليها فوجدها تجلس على الدرج واضعة كفها أسفل ذقنها، زفر بارتياح عند رؤيتها سالمة ثم تقدمها منها وهو يتسائل:
أنتِ كويسة؟
رفعت عيناها السوداوتان الحادة تُطالعه بحنق، ثم هبت من مرقضها مُتحدثة بتشنج: والله لسه فاكرني؟ بقالك نص ساعة حابسني في مدخل بيت مهجور لحد ما قربت أتلبس خلاص؟
قطب وليد جبينه بتعجب وهو يقول: ومفتحتيش وخرجتي ليه أنا مش قافل الباب بحاجة.
نظرت خلفه على الباب بغضب، فاستدار هو ناظرًا حيث تقع عيناها، فوجد البوابة الحديدية خالية من أي عنصر مُساعد يُساعدها على فتحها، بمعنى أصح لا يوجد بها أُوكرة من الداخل، بل من الخارج فقط، رسم وليد ابتسامة بلهاء على ثُغره وهو يعود بأنظارها مُجددًا أثناء قوله: طبعًا لو حلفتلك إني مكنتش أعرف هتصدقيني صح؟
فتحت فاهها لتُجيبه، لكنها ابتلعت كلماتها بفزع عندما استمعت إلى أصوات غريبة تأتي من الأعلى، قطب جبينه بتعجب قبل أن يتسائل باستغراب: مش أنتِ قولتي البيت دا مهجور؟
ابتلعت ريقها برعب وهي تُجيبه قبل أن تهرول راكضة إلى الخارج: هو مهجور من الناس بس مسكون بحاجات تانية.
فتح عيناه بصدمة حتى كادت أن تخرج من محجرها، وبعدها تبعها مُهرولًا وهو يصرخ بفزع: يعني إيه مسكون بحاجات تانية الله يخربيتك.
وقفت بعيدًا عن المنزل وصدرها يعلو ويهبط بنهيج، وضعت كفها موضع قلبها ثم تمتمت بنهيج: دا أنت شؤم على البشرية، في الساعة اللي شوفتك فيها كنت هتقتل وهتلبس الاتنين مع بعض.
تشنج وجه وليد باستنكار قبل أن يُجيبها: أنا طول عمري متداري وبعمل كل حاجة من تحت لتحت من غير ما يتشك فيا، فمتخلنيش أخلص عليكِ وأتاوي جثتك.
فرغت فاهها بصدمة وعادت خطوتان للخلف أثناء قولها المُتلعثم: أنت. أنت قصدك إيه؟
وما كاد أن يُجيبها؛ حتى استمع إلى صوت أنثوي غليظ يُنادي الأخرى أثناء اقترابها منهم: بت يا نرجس واقفة هنا بتعملي إيه؟
نظرت نرجس لزوجة أبيها بتوتر وهي تقول: مفيش يا مرات أبويا دا أنا كنت مستخبية.
لم تقتنع الأخرى بحديثها وظهر ذلك على معالم وجهها الحادة، نقلت أبصارها حيث وليد الذي يُتابعها ببرود ثم أشارت له بسبابتها وهي تتسائل بحدة: أومال مين الجدع اللي أنتِ واقفة معاه دا؟ انطقي!
صرخت بالأخيرة بصوتٍ جهوري قصدت به إحراجها أمام المارة الذي انتبهوا لصوتها العالي، ابتلعت نرجس ريقها برعبٍ وشعرت برغبة عارمة في البكاء من فكرة إهانتها بهذا الشكل أمام الجميع، وبالطبع لم تجد ما تقوله، فجاءتها الإجابة من وليد والذي أردف بنبرة جامدة:
وأنت مالك؟
فتحت عيناها بصدمة قائلة: إيه؟
ليؤكد لها حديثه بوقاحة: أيوا أنتِ مالك عايزة تعرفيني ليه؟ هتطلعيلي بطاقة؟
احتدت نظراتها تزامنًا مع صعود صوت صرخاتها الغاضب: أنت قليل الأدب ومتربتش.
التوى ثُغر وليد بضحكة ساخرة وهو يقول بخبث: أيوا أنا فعلًا متربتش عرفتي إزاي؟ ولو عايزاني أثبتلك عملي أنا معنديش مشكلة.
قال جُملته الأخيرة بعد أن انمحت سُخريته وحلَّ محلها نبرة التهديد التي ظهرت واضحة في صوته، حديثه أخافها وشجعها على التراجع وعدم الحديث معه، فاستدارت إلى نرجس التي شحب وجهها بخوف، ثم أمسكتها من معصمها بقوة آلمتها ثم جذبتها خلفها بقوة بعد أن تشدقت بعنف: امشي فضحتينا، كلامي مش معاكِ، كلامي مع أبوكِ اللي معرفش يربيكِ.
طالع وليد أثرهما بغضبٍ جامح من تلك المرأة السليطة والتي يبدو على محياها الشر، وظهر ذلك في مُعاملتها الحقيرة التي أوضحت مدى عناء المسكينة الأخرى معها، نفخ بغيظ جاذبًا خصلاته بسخط تزامنًا مع دخول نرجس وزوجة أبيها إلى منزلهما البسيط.
أتى الشباب من خلفه بعد أن أنهوا جميع الاجراءات مع قوات الشرطة وتسليمهم لرجال مختار لهم، فتقدم يحيى من وليد قائلًا: يلا يا وليد نروح نشوف فندق تقضي فيه ليلتك النهاردة لحد ما الصبح يطلع.
أومأ له وليد وبالفعل ذهب هو ومعه السادس عشرة رجلًا بعد نقاشات كثيرة بينهم على ضرورة قدومهم معه، لكنهم أصروا على الذهاب معه حتى يجدوا له مكان آمن يبيت به، وصلوا جميعًا إلى فندق كبير خمسة نجوم به الكثير والكثير من الزبائن وخدمته مُتاحة أربعة وعشرون ساعة كما أخبره قاسم.
كان دخولهم يُشبه دخول رجال العصابات للإستيلاء على المكان، سبعة عشر رجلًا بأجساد رشيقة يدلفون معًا داخل الفندق بملامح وجه جامدة للغاية، نظر الجميع لبعضهم البعض بقلق ظنًا منهم بأنهم أحد المسؤلون ذو المكانة الرفيعة في البلدة، وكذلك توترت معالم رجل الاستقبال الذي يجلس أمام جهاز الحاسوب عندما وجدهم أمامه، ابتلع ريقه بصعوبة ثم تسائل بثباتٍ طفيف:
أقدر أساعد حضرتك إزاي يا فندم.
وعلى غير المُتوقع تحدث يحيى مُبتسمًا: عايزين نحجز أوضة هنا في الفندق.
نظر الآخر إلى الكم الهائل من الرجال بأعين غير مُصدقة، وبتلقائية شديدة رفع سبابته أمام وجهه وهو يقول: أوضة واحدة؟
أكد له يحيى بقوله: أيوا بالظبط أوضة واحدة.
ليكم كلكم يا فندم؟
أجابه يحيى ببساطة: لأ لواحد بس.
حك الرجل جبينه بحيرة وعيناه مازالت تمر على عدد الرجال الكبير، فأخفض يديه ووضع أصابعه على لوحة المفاتيح الخاصة بالحاسوب وهو يقول: اسم حضرتك وبطاقتك يا فندم.
فتح يحيى فاهه ليتحدث، لكن قاطعه وليد قائلًا بثقة وهو يضع بطاقته أمامه: رائف سعيد المحمدي.
بدأ الرجل بكتابة اسمه ولم ينتبه لردات فعل الجميع وصدمتهم المُرتسمة بوضوح على وجوههم، قطب رائد جبينه باستغراب شديد وهو يسأله: مين رائف سعيد المحمدي؟
أجابه وليد وهو يهز كتفه ببساطة: أنا.
تجعد وجه سليم الذي تسائل بعدم فهم: هو أنت مش اسمك وليد سعيد فريد؟ مين رائف سعيد المحمدي؟
رد عليه بخبثٍ ونظرات المكر تدور داخل مقلتاه: وليد سعيد فريد هو اسم مستعار كنت بستعمله عشان لو مختار الأرماني كشفني وحَب يدوَّر عليا زي دلوقتي ميلاقنيش، أما رائف سعيد المحمدي فهو اسمي الحقيقي.
وتلك المرة تحدث يحيى بغيظ: يا ابن الغدارة!
علي طاولة الطعام.
كان فور يُجلس وهو يُطالع صهيب الذي سحب حبيبة يدعوها لتناول الطعام، مد يده لأخذ قطعة من الدجاج فصرخ به فور غاضبًا: هذه لي.
طالعه صهيب باستفزاز ثم أخذ قطعة الدجاج بالرغمٍ عن الآخر الذي طالعه بحقد، ثم أعطاها ل حبيبة وهو يقول بابتسامة حنونة: خُدي وكلي كويس يا بسكوتة عشان تعرفي تصومي بكرة.
نظرت حبيبة إلى فور بتردد، فأردفت ترفض الطعام بقولها: لأ خلاص مش عايزة طالما هو هيتضايق.
فتح صهيب فاهه ليتحدث، لكنه صمت عندما صدح صوت مهرائيل التي هبت من على الأريكة مُنتشلة قطعة الدجاج من يد صهيب، ثم وضعتها على الطبق الخاص ب حبيبة أثناء قولها الساخط: هو إيه اللي هيزعل، هو هيشتغلنا هو وأخوه ولا إيه؟ متخافيش يا حبيبتي وكُلي هما كلهم دماغهم تعبانة كدا.
رفع آلبرت حاجبيه باستنكار أثناء مُطالعته لها، بينما هي سددت له نظرة نارية وهي تُكمل حديثها: كُلي يا ماما علشان تغذي اللي في بطنك، واتوحمي على حاجة عِدلة الله يسترلك، أديكِ شايفة الأشكال اللي بتظهر قدامنا فجأة.
ماذا تقصدين؟
تسائل بها آلبرت، لتُجيبه مهرائيل بابتسامة مُستفزة: اللي على راسه بطحة يا عسل.
نفخ آلبرت بغيظ وطالعها بحنق وهو يهز رأسه بيأس، جاء بتلك اللحظة قاسم ومعه أهلة وعلى شفتيهم ترتسم ابتسامة طفيفة، جلست أهلة بجانب حبيبة مُسددة لهم ابتسامة مُحبة، وعلى الجانب الآخر جلس قاسم بجانب فور قائلًا بضحك: كُل كويس عشان تعرف تصوم.
نفخ فور بغيظ أثناء ابتلاعه للطعام، ثم تشدق برجاء: هل يجب عليَّ أن أصوم؟ حقًا هذا الأمر صعبٌ للغاية.
أكد له قاسم بقوة: لازم تصوم يا فور، لازم جدًا كمان.
سحبت أهلة يد حبيبة ثم أردفت بهدوء: هاخد حبيبة عشر دقايق وهنيجي تاني.
أومأ لها قاسم بحنان لعلمه بما تريد أن تفعله، بينما أهلة استدارت نحو مهرائيل التي تُحاول عدم إظهار حُزنها ظنًا منها بأنهم سيذهبوا وحدهم، ثم تشدقت بابتسامة هادئة: تعالي معانا يا مهاميهو.
اتسعت ابتسامة مهرائيل ثم هبت من مكانها وذهبت معهم بحماس، صعدوا إلى غرفة أهلة فاتجهت نحو الخزانة وفتحتها ثم أخرجت منها عدة ثياب تخص المُحجبات، اقتربت حبيبة منها ثم تسائلت بتعجب: إيه الهدوم دي كلها؟
وضعت أهلة الفساتين التي أتت بهم على الفراش، ثم استدارت إلى حبيبة قائلة بحب: الدريسات دي كلها ليكِ، جبتهم وأنا بجيب هدوم مُحجبات ليا علشان نلبس اللي نفسنا فيه في رمضان من غير ما نشيل ذنب، وبإذن الله هنلبسهم دايمًا.
اتسعت ابتسامة حبيبة وهي ترى كل تلك الثياب التي أتت بها من أجلها هي، لم تُجرب ذلك الشعور من قبل سوى من صهيب، والآن أهلة تجعلها تعيش ذلك الشعور مُجددًا، بمشاعر جديدة من الحب والود والحنان، أدمعت أعين حبيبة تأثرًا فذهبت إليها مُسرعة ثم عانقتها على بغتةٍ وهي تهمس: أنا بجد بحبك أوي.
قبَّلت أهلة رأسها بحنان وهي تُشدد من احتضانها، ثم همست لها بمشاعر أخوية بحتة: وأنا كمان بحبك أوي.
استمعوا إلى صوت شهقات خافتة تأتي من جانبهم، فابتعدوا ناظرين إلى مصدر الصوت فوجدوها مهرائيل، قطبوا جبينهما بتعجب ثم اقتربوا منها بقلق، فتحدثت أهلة بقلق: مالك يا مهرائيل.
ردت عليها مهرائيل بقهر: أختي اللي منها لله من ساعة ما اتجوزت معبرتنيش بشراب حتى، والله لهروح أنكد عليها هي وجوزها دلوقتي.
قالت كلماتها الأخيرة ثم هرولت إلى غرفة شقيقتها لتُفسد ليلتها هي وزوجها كما قالت، بينما أهلة وحبيبة نظرا لأثرها ببلاهة قبل أن تنفجر كلتاهما في الضحك.
في اليوم التالي وتحديدًا في الساعة التاسعة صباحًا.
ارتمى فور على الأريكة وهو يهمس بإنهاك: فليندقذني أحد أتوسل إليكم، أنا أموت جوعًا.
علت ضحكات قاسم بصخب والذي اقترب منه ضاربًا على كتفه بابتسامة مكتومة: هانت يا بطل، كلها عشر ساعات وناكل.
رفع فور إصبع سبابته قائلًا برجاء: دجاجة واحدة فقط. أقسم بأني سآكل دجاجة واحدة فقط وبعدها سأصوم.
جلس صهيب بجانبه على الناحية الأخرى، ثم تمتم بسخرية: يابني أنت مش عارف الفراخ بكام دلوقتي؟ ولا هما الكام مليون اللي حيلتك مقويين قلبك؟
ابتلع فور ريقه بصعوبة، ثم أجابه بنهيج: لدى كُل منا ملياران فقط.
فتح صهيب عيناه بعدم تصديق وهو يقول بصدمة: ملياران؟ مبتفكرش في الجواز يسطا؟
علت ضحكات قاسم عاليًا والذي ضرب كفه بكف شقيقه الذي شاركه الضحكات قائلة من بين ضحكاته: يخربيت دماغك القذرة.
أنت مش شايف بيقولك كام ياعم؟
تدخل فور في الحديث وهو يهز كتفيه ببساطة: أنا بالفعل سأتزوج.
انتبهت لهم حواس قاسم وصهيب، ليخرج صهيب من تعجبه مُتسائلًا: هتتجوز مين؟
أجابه فور بنظراتٍ هائمة: هايلة.
وفي الجامعة الخاصة ب سهيلة، جلست بجانب مريم قائلة بابتسامة واسعة سعيدة: أنا مبسوطة أوي يا مريم، عُمري ما فرحت بالطريقة دي.
أمسكت مريم كف يدها بحنان وهي تقول: شوفتي الحلال حلو إزاي؟ مش قولتلك لما ترفعي إيدك لربنا وتدعي بثقة وإلحاح ربنا عُمره ما هيرد إيدك وهي فاضية أبدًا! ربك بيستجيب للدعوة في الوقت المُناسب في الوقت اللي أنتِ بتيأسي فيه.
أدمعت عين سهيلة تأثرًا ثم همست شاكرة: الحمد لله بجد، أنا كنت في غفلة والشيطان كان عامي بصيرتي، كنت ماشية في طريق اللي يمشي فيه ميرجعش تاني، لحد ما ربنا بعتلي عائشة الله يرحمها، لو فضلت عمري كله أدعيلها وأشكرها على اللي عملته معايا أنا عمري ما هوفيها حقها.
ربنا يرحمها يارب، عائشة كان قلبها أبيض وسابت أثر كبير على قلوبنا كلنا.
تنهدت سهيلة بحزن على صديقتها الراحلة وبعدها تشدقت بابتسامة طفيفة: في يوم من الأيام هروح أزور بيت ربنا وهعمل عُمرة على روحها، في يوم من الأيام مع الإنسان اللي بحبه واللي هيبقى جوزي بإذن الله.
بعد مرور أسبوع:
استعد آلبرت ومعه جميع أخواته وكذلك قاسم وصهيب لحضور جلسة قضية والدتهم ومعها ميلانو بعد مرور أسبوع كامل، صعدوا إلى سيارتهم وانطلقوا بها إلى مبنى المحكمة العُليا، جلسوا في أماكنهم وعلى وجوه السبعة إخوة يرتسم الجمود بوضوح، ربت قاسم على قدم آلبرت قائلًا بمؤاذرة: لا تقلق، كُل شيء سيكون على ما يُرام.
أومأ له آلبرت بصمت، وبعد عشر دقائق دخل القاضي إلى ساحة المحكمة وجلس على كُرسيه الخاص، وبعده دخل ميلانو ومعه إيلينا بوجهٍ واجم، اسودت وجوه الإخوة السبعة عقب رؤيتهم معًا، لتُسدد لهم إيلينا نظرة مُترجية قابلوها باستخاف شديد.
مرت نصف ساعة أخرى بين حديثٍ وأدلة وغير ذلك، حتى حمحم القاضي أخيرًا وجاء وقت النُطق بالحُكم، انتبهت حواس الجميع عقب إصدار حُكم القاضي وهو ينظر للأوراق بين يديه قائلًا بلغتهم الروسية: بعد النظر إلى الأدلة وكل ما تنتمي له الحقائق والبراهين، قررنا نحن على المُتهمين ميلانو شيفت وإيلينا چاكي بالإعدام.
وبرغم مرارة وصعوبة ما استمعوا إليه، إلا أنه كان أقل شيء يقدمونه لوالدتهم الخائنة، ومن هُنا تبدأ حياة جديدة لهم دون وجود أي شوائب.
كانت مهرائيل تقف أمام المسبح تشرب كوبًا من عصيرها المُفضل، أغمضت عيناها تتلذذ بمذاقه لكنها فتحتهما فجأةً عندما شعرت بمن ينتشل الكوب من بين يديها، تجعد وجهها بسخطٍ عندما وجدت آلبرت يتجرع من الكوب بتلذذ، وعندما ترابطت أبصارهما؛ ضرب كتفه بخاصتها وهو يقول بمشاكسة: كيف حالك جروي المُزعج.
طالعته بنظراتٍ ضائقة وكأنها تُعاتبه دون حديث، بينما هو ارتشف القليل من العصير مُجددًا ثم أكمل بخلث: أتتذكرين تلك الفتاة ريتاليا؟ تلك التي أخبرتكِ بأنني سأتزوجها.
تصنعت مهرائيل التفكير وبعدها قالت ببرود: قصدك البت أم شعر أصفر وعيون زرقا وطويلة وكير ي؟
ضحك آلبرت وهو يوميء لها: أيوا هي.
نفت مهرائيل برأسها قائلة: لأ مش فاكراها.
اتقبض عليها.
حاولت مهرائيل عدم إظهار سعادتها والثبات على موقفها، فأردفت بجمود ظاهري: بركة، عقبالك أنت كمان، عشان تتجوزها في السجن يا خفيف.
علت ضحكاتها على مُشاكسة تزامنًا مع طرق فؤادها بقوةٍ رغمًا عنها، لقد سيطر هذا المُختل على كيانها دون أن تشعر، وهي البهاء التي سلمته مفاتيح قلبها، اقترب منها آلبرت خطوتان بعد أن توقف عن الضحك، ثم همس أمام وجهها بحب: لن أتزوج غيركِ جروي الصغير، هذا وببساطة لأنني أُحِبك.
شلت الصدمة جسد مهرائيل التي طالعته بعدمِ تصديق، وهو كالعادة لم يرأف بحالتها، بل اقترب أكثر مُحيطًا بوجهها ثم تشدق بتساؤل: أخبريني كيف استطعتي أن تهدمي حصوني، آرقتِ نومي، وأزعجتِ قلبي، وتشتاق لكِ عيني.
ارتعش جسد مهرائيل وابتعدت عنه خطوتان إلى الخلف، وبتلعثم وأنفاسٍ ثقيلة تسائلت بخوف: آلبرت. أنت بتضحك عليا ولا بتتكلم بجد؟
كان يعلم بأنها لن تصدقه، فابتسم لها بخفة ثم أردف بهدوء: أتحدث بكلِ جدية وأنا بكامل قواي العقلية، في اللحظة التي ظننتِ بها بأنني مللت، كنتُ قد مِلتُ ووقعت.
وعلى الجانب الآخر:
وقف فور أمام رجل السِجل وبجانبه كُلًا من قاسم وصهيب وجون كذلك، وهو يُفكر في اسمٍ جيد حتى يتناسب مع ديانته الجديدة، تأفف الرجل عندما طال صمته فتشدق بنفاذ صبر: هيا سيدي رجاءً، يوجد الكثير في الصف وأنت مازلت تُفكر؟
رفع فور أنظاره إليه ثم أردف بحماس: أريد تغيير اسمي إلى يونس.