قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية حارة القناص الجزء الأول للكاتبة شروق حسن الفصل الخامس عشر

رواية حارة القناص الجزء الأول للكاتبة شروق حسن الفصل الخامس عشر

رواية حارة القناص الجزء الأول للكاتبة شروق حسن الفصل الخامس عشر

غارق أنت في وحدتك، تشكو همك لجدران غرفتك الصمَّاء، تتخذ منكَ خليلًا، تبكي ليلًا وتتصنع الشجاعة نهارًا، لا أحد يستمع لضجيجك المُتألم، وفي النهاية تُصبِح أنتَ الوَحش الغادر وهم الأبرياء المُظلومون.

انتفضت يُمنى من مكانها على يد تُكمم فمها بقوة، ارتعش جسدها وحاولت الإفلات مُستخدمة مهارتها القتالية التي تعلمتها هي وشقيقتها في الفترة الأخيرة، لكنها هدأت عندما استمعت إلى صوت يحيى الهامس في أُذنها يُطمئنها بخفوت: بس إهدي دا أنا.
يحيى؟

همست اسمه بخفوت، ليُديرها له بخفة وهو ينظر حوله يُراقب الوضع بقلق، أمسك بوجهها بين يديه لتنظر له ثم أردف على عجالة: اسمعي كلامي دلوقتي ونفذيه بالحرف الواحد لو عايزانا نخرج عايشين من هنا، ماشي؟

هزت رأسها له بنعم وبدأ العرق يتصبب من جبينها وجسدها كعادتها عندما تخاف أو تتوتر، ليستطرد هو حديثه وهو يُشير لأحد الحوائط: الشباك اللي هناك دا هتفتحيه، هو مش شباك زي باب سِري كدا، هتنطي منه مسافة صغيرة خالص ومتخافيش مش هتتأذي، هتلاقي نفسك بقيتي ورا الشركة، وأول ما تخرجي اجري هتلاقي عربية سودة فيها صهيب باشا وچون، أنا عارف إن الخطة اتغيرت بس أنا بعمل كدا عشان أمانك أنتِ.

أومأت له وهي تشعر بأن حلقها قد جَف من الهلع، كادت أن تذهب؛ لكنها اِلتفتت له تسأله بخوف: طيب وأنتَ؟
طمأنها بابتسامة حنونة: هاجي وراكِ على طول بس لازم أعمل حاجة كدا الأول.

هزت رأسها بالإيجاب مُهرولة تجاه الشُرفة الموجودة في نهاية الرواق، فتحتها على مهل ثم صعدت عليها لتقفز للأسفل مثلما أخبرها، لكن قبل أن تفعل؛ استدارت له لرؤيته، فوجدته مازال يقف يُحدق بها بابتسامة خفيفة ونظرات لم تعرف ماهيتها، أهي حزينة! أَم. مُودعة!

نفضت تلك التراهات عن رأسها ثم قفزت للأسفل، كانت المسافة صغيرة بالفعل فلم يُصيبها أي أذى، ظلت تركض للأمام بسرعة عالية دون أن تنظر خلفها، ظلت هكذا قرابة العشر دقائق حتى رأت السيارة السوداء تقف على بُعد صغير منها، أكملت طريقها حتى وجدت باب السيارة يُفتح ويخرج منه صهيب الذي أردف بتعجب شديد: يُمنى؟ .

كان يُمسك بسلاحه بيده وهكذا جون، عندما لمح كليهما طيف يهرول تجاههم ظنًا منهم بأنه أحد الرجال، لكن تحولت نظراتهم للتعجب عندما وجدوها أمامهما، اقترب منهم يمنى وصدرها يعلو ويهبط بتعب، ابتلعت ريقها بصعوبة وبعدها أردفت بأنفاس لاهثة: اتكشفنا. اتكشفنا.
رددتها مرتين تلقائيًا، لتتحول معالم وجه للصدمة، خرج چون من السيارة، والذي كان يُتابع الحديث كاملًا قائلًا بصراخ: اللعنة! كَيف كُشِفنا!

هزت رأسها بالنفي دلالة على جهلها، أرجعت خصلات شعرها المُلتصقة بجبينها للخلف، ثم أردفت بعدم تصديق: أنا مش عارفة إيه اللي حصل، أنا دخلت المكتب ل مختار الأرماني زي ما اتفقنا بس ملقتش حَد في المكتب، دخلت وفضلت أدَّور في الأدراج على حاجة يمكن تفيدنا بس ملقتش، بعدها لقيت رجلين واقفين قدامي وفي إيدهم مسدسات، أنا من الصدمة وقفت مكاني ومعرفتش أعمل إيه، بس يحيى جِه من وراهم وضربهم على راسهم بعصاية حديد، وجرينا بعد ما سِمعنا صوت جاي من المستودع ومعرفش الصوت دا مصدره كان إيه.

شدَّ صهيب على خصلاته بغضب، لا يعلم أعليه القلق على يحيى، أم القلق على شقيقه الذي مازال موجودًا بالداخل!
استدار صهيب ل چون ثم سأله بترقب: هل أنت متأكد بأنك قُمت بتعطيل كل كاميرات المُراقبة؟
أكد له چون حديثه قائلًا بثقة شديدة: نعم، أنا واثق من ذلك مائة بالمائة أُقسِم.
شرد صهيب قليلًا بتفكير، وبعدها أردف بغموض: إذن بيننا خائن.

هدأت ضربات قلب يمنى قليلًا بعدما انتظرت عدة دقائق لترتاح من أثر الركض، وبعدها اقتربت منه قليلًا وهي تسأله بعدم فهم: يعني إيه مش فاهمة! مستحيل يكون بينا حد خاين، كلنا بيجمعنا نفس الهدف ونفس الانتقام من عيلة الأرماني.
هزَّ صهيب رأسه بتيهة وللحظة شعر بالخطر يُحاوطهم من كل جانب، استفاق على صوت چون الذي أردف بقلق: مازال أخي و قاسم بالداخل! ما تلك المُصيبة التي حلت على رؤسنا؟

أكملت له يمنى جُملته مُردفة بخوف: و يحيى كمان معاهم جوا.
أخرج صهيب هاتفه من جيب بنطاله الخلفي، ثم طلب رقم أخيه وانتظر لثوانٍ مرت عليه أحر من الجمر، فُتِح الخط من الناحية الأخرى حتى أتاه رد أخيه الهامس: حصل حاجة يا صهيب؟
رد عليه صهيب بلهفة: قاسم أنت كويس؟ اخرج من الشركة بسرعة.
حك قاسم جبينه بحدة ثم أجابه بضيق: يمنى مش موجودة وشكلها اتخطفت.

كاد صهيب أن يُجيبه؛ لكن أجاب بدلًا عنه يمنى التي أجابته بلهفة: أنا موجودة معاهم يا قاسم، المهم ت...
لم تكد أن تُكمِل حديثها فأُغلِق الهاتف تلقائيًا، نظر الجميع لبعضهم بقلق، فاستدار صهيب للجهة الاخرى من السيارة ثم صعد بها جالسًا أمام المِقوَد أثناء صراخه عليهم: اركبوا بسرعة.

نفذوا حديثه وصعد چون جالسًا على المقعد المُجاور له، و يمنى جلست بالخلف، وبعدها انطلقوا للمكان الماكث به أهلة وملك مُنفذين الخِطة البديلة التي اتفقوا عليها عِند فشل خطتهم تلك.
علي الجانب الآخر. تنهد قاسم بإرتياح، ثم استدار ل فور الذي يُتابعه بإهتمام قائلًا براحة: الحمد لله يمنى مع صهيب وچون.
تنفس فور الصعداء، لكن ثوانٍ وتسائل بتعجب: وما الذي ذهب بها لهناك؟

هزَّ قاسم رأسه بجهل وبعدها شرد بغموض يُفكر في حلٍ لتلك المُعضلة، رفع أنظاره ل فور الذي يُراقب ردة فعله الغريبة له، ثم أردف بشر: لو اللي في بالي صح أنا مش هرحم حد، يلا بينا.
سار قاسم في الطُرقة بخطواتٍ سريعة، وجاوره فور الذي تسائل متعجبًا: ما الذي يدور في خاطرك قاسم أخبرني؟
طالعه قاسم بطرف عينيه مُجيبًا إياه بغموض: شوية وهتعرف.
حسنًا.

تمتم بها فور بصوتٍ خفيض وصمت لدقيقة واحدة، وأثناء هبوطهم للدرج مُسرعين تسائل بقلق: وماذا عن يحيى؟ أين هو؟
هو كان مع يمنى، وطالما يمنى وصلت ل صهيب فهو معاها.
هزَّ فور رأسه باقتناع، وبعدها خرجوا من الشركة نهائيًا وساروا مسافة ليست بالبعيدة؛ حتى وصلوا إلى السيارة التي تجلس بها كُلًا من أهلة وملك، خرجت أهلة من السيارة مُسرعة وأول من تسائلت عنها هي شقيقتها لتردف بجزع: فين يُمنى؟

مازحها فور قائلًا: لقد خُطِفَت.
تصنمت أهلة في مكانها عندما استمعت لحديثه الصادم لها، نكزه قاسم بحدة ثم استدار لها مُطمئنًا إياها: متقلقيش هي دلوقتي مع صهيب.

لم يكد أن يُنهي جُملته، حتى وصلت سيارة صهيب لتقف أمامهم مُباشرةً، خرجت يمنى من السيارة لتطمأن على أخواتها، فجذبتها أهلة لأحضانها مُشددة من عناقها، لا يعلم ذلك الأحمق چون ما فعله بها عندما مازحها بتلك الطريقة التي جعلتها تفقد تنفسها لثوانٍ، تمتمت بالحمد وهي تُغمض عيناها براحة، شعرت بأن روحها قد عادت إليها من جديد عند عودة شقيقتها سالمة، أخرجتها من أحضانها ثم تسائلت بهدوء نسبي: أنتِ كويسة صح؟

أومأت لها يمنى بالإيجاب، فدارت بعيناها بين الموجودين حتى توقفت على قاسم الذي اقترب منها آمرًا إياها بجمود: هاتي تليفونك.
نعم؟
تسائلت بها يمنى باستنكار، ليأمرها مُجددًا بصوت آمر حاد: بقولك هاتي الزفت اللي معاكِ.
قطبت أهلة جبينها بضيق من طريقته بالتعامل مع شقيقتها، فسألته بسخط: في إيه يا قاسم بتكلمها كدا ليه.
طالعها بطرف عينه ثم أردف بحسم: اسكتِ أنتِ.

اغتاظت أهلة من حديثه الجديد كُليًا عليها، فاستدارت ل يمنى التي تُحدجه بحقد: إديله التليفون يا يمنى خلينا نخلص.
شددت يمنى على هاتفها صارخة أمام وجهيهم بعناد: مش هديله حاجة احنا مش شغالين عنده، هو بيتعامل معانا كأننا خدامين وهو بيصرف علينا كدا ليه؟

شهق صهيب بردح مُتدخلًا في الحوار قائلًا: لأ بقولك إيه يا حبيبتي، اقفي عِوج واتكلمي عِدل يا عين أمك وملكيش دعوة بأخويا آه، هو عشان الواد غلبان وطيب هتيجوا عليه كدا؟
نفخت ملك بغيظ وبعدها قالت بعقلانية: يا جماعة احنا لو ممشيناش دلوقتي هنموت كلنا ونبقى نتخانق في الآخرة بقى.
يا عاقل أنت يا عسل.
أردف بها رائد بمزاح، لتُنزِل ملك رأسها للأسفل بخجل قائلة بخفوت: الله يكرمك.

قاطعت يمنى حديث الجميع ناظرة حولها بترقب حذر، وعلى بغتة صاحت بخضة: فين يحيى؟
نظر الجميع حولهم وبالفعل لم يجدوه! سألها قاسم قاطبًا لجبينه بشك: هو مش كان معاكِ؟

هزت رأسها بالإيجاب ثم بدأت بقص كل ما حدث معها من جديد له وللجميع وقلبها يتآكل من الخوف عليه، ضرب قاسم على جبينه بضيق ناظرًا للشركة البعيدة عنهم والتي تقع على مرمى أبصارهم، حوَّل انظاره لشقيقه ثم أردف بحسم وهو يُخرِج سلاحه من جيب بنطاله: صهيب تعالى معايا.

أومأ له صهيب بجدية مُخرجًا سلاحه هو الآخر، وسار معه عدة خطوات لم تتعدى العشرة، وبعدها تصنم الجميع من صوت الإنفجار الذي دوى عاليًا، انفجار هائل حطَّم شركة الأرماني من أولها لآخرها، و يحيى بالداخل!
صرخت يمنى بجزع مُنادية على اسمه بصراخ: يحيى لأ.

وضعت أهلة يدها على فمها تكتم صرختها المصدومة، وكذلك ملك التي هبطت دموعها تلقائيًا! هرولت يمنى تجاه الأنفجار فسد قاسم عليها الطريق مانعًا إياها من إجتيازهم، ثم أردف بضيق: استني هنا أنتِ اتجننتي ولا إيه! راحة فين؟
دفعت جسده الذي يسد عليها الطريق ثم صرخت به بقهر ودموع تتسابق على وجنتها: سيبني. وسَّع بقولك! يحيى جوا لو ملحقناهوش هيموت، هو اللي أنقذني مش هسيبه.

أغمض قاسم عيناه بضيق ناظرًا لموقع الشركة المُشتعلة، عُكِست النيران بعينه ليظهر لهيبها داخلها، يُشبه تمامًا لهيب قلبه الذي يشتعل الآن، نظر قاسم لشقيقه الذي كان جامدًا مثله هو الآخر، سدد له صهيب نظرة مُطمئنة لكن لم يهدأ قلقه حتى الآن.
نظر قاسم لساعة يده فوجدها مازالت خضراء والهدف لا يتحرك، استدار ل چون الذي يرتدي نفس ساعة اليد التي يرتديها الشباب جميعًا متشدقًا بُجملة واحدة: لا تقلق.

وجدت أهلة الجميع واقفًا كالأصنام، لذلك ذهبت لتقف أمام قاسم مُردفة بحدة: انتوا هتسيبوه كدا؟ خدتوا مصلحتكم منه وبعد كدا خلاص؟
لم يُجيبها قاسم ؛ بل ظلت نظراته مُعلقة على النيران، ذلك الحريق الناشب لم يكونوا هُم فاعليه، لكنه أشعره بالانتصار، وهُنا فكَّر قليلًا! مَن الذي افتعل ذلك الحريق؟

شهقت يمنى ببكاء وصل إلى مسامعهم جميعًا، فذهبت إليها أهلة ساحبة إياها لأحضانها، ثم مررت كفها على ظهرها لتُهدأها، مُتمتمة لها بحنان: اهدي بس إن شاء الله هيبقى كويس.
دفنت يمنى وجهها بها ثم أجابتها ببكاء: هو مات يا أهلة، الشركة كلها ولعت وهو لسه جوا.

لم تجد أهلة الكلمات المُناسبة لمواساتها، بل اكتفت بتسديد نظرة نارية تجاه جميع الشباب وبالطبع جميعهم تجاهلوها ببرود، اقتربت ملك من شقيقاتها وبعدها أردفت بصوت مبحوح خائف: هو احنا مش هنمشي؟

في تلك الأثناء. ظهر يحيى من بعيد بملامح وجه مليئة بالغبار الملوث، ووجه أسود مليء بالدخان، وشعره الأشعث الذي جعله يبدو وكأنه خارج من عِراكٍ ما، ناهيك عن قميصه المُمزق وبنطاله المقطوع من ناحية ومُمزق من ناحية أخرى، وبيده حذائه الموروث عن أجداده بالطبع، رفع يده مُحييًا إياهم بوجه مُتشنج من الألم وعين مُنغلقة والأخرى مفتوحة: مساء الخير يا شباب.

صرخت ملك بهلع وهي تختبيء خلف شقيقاتها: سلامٌ قولًا من ربٍ رحيم، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، انصرف انصرف.
نظر إليها يحيى متشدقًا باستنكار: وحياة خالتك! شوفتي عفريت!
استعاذت ملك مرة أخرى بصوتٍ عالٍ قائلة بخوف: لا تأذيني ولا أأذيك، انصرف انصرف.
تركتهم يمنى بعد أن ابتعدت عن أحضان أهلة، ثم هرولت إليه لتقف أمامه مباشرةً، قائلة بلهفة وهي تمسح دموعها: يحيى! أنت كويس يا يحيى؟

تحولت معالم وجه يحيى من الألم إلى الهيام وهو يُجيبها ب وَلَه ودون وعي: أنا كويس يا قلب يحيى؟
إيه؟
سألته بتعجب، ليُحمحم هو قائلًا بجدية: إحم. قصدي أنا كويس يا أستاذة يمنى بس شوية مشاكل في قلبي وإن شاء الله هتتحل.
أومأت له بدون فهم بعد أن تنهدت براحة واطمئن قلبها، ابتعدت قليلًا عندما اقترب منه قاسم ثم فتح ذراعاه مُحتضنًا إياه مُتمتمًا بفخر: عاش يا وَحش، كنت عارف إنك قدها.

تأوه يحيى بخفة وهو يقول بمزاح: متحضنش بس أوي وحياة والديك أصل أنا مدغدغ.
قهقه قاسم عاليًا، ثم ربت على كتفه بقوة أثناء قوله المُشاكس: لأ اِجمد كدا لسه اللي جاي دمار.
رسم يحيى على وجهه إمارات البكاء ثم تمتم بحسرة: حسرة عليا وعلى شباب اللي هضيع، حسبي الله ونعم الوكيل في كل اللي بيأذي بسكوتة زيي.
ضحك صهيب عاليًا، وبعدها أردف بعبث: طيب يا بسكوتة طريقنا لسه طويل، يلا اِركب عشان نمشي من هن...

صرخ الجميع بهلع عندما استمعوا إلى صوت طلقات النيران تصدح حولهم في الأرجاء، وعلى بُعد كبير منهم نسبيًا لمحوا على مرمى بصرهم سيارات مُدرعة في طريقهم إليهم، صرخ بهم قاسم عاليًا يأمرهم بحدة: بسرعة اركبوا العربيات.

تفرق الجميع بعشوائية في سيارات مُختلفة، فصعدت أهلة جانب قاسم الذي اتخذ مقعد السائق، وبالخلف صعد كُلًا من فور ورائد وملك، أما بالسيارة الأخرى، صعد صهيب أولًا للقيادة، وبجانبه چون الذي حمل حاسوبه على قدمه، وبالخلف جلست يمنى وبجانبها يحيى المُحطم تقريبًا، والذي أردف بتحسر على ذاته: منكم لله يا بُعدة، كان زماني فاتح عربية فول وطعمية بدل القرف اللي أنا فيه دا.

صرخ به صهيب بانفعال وهو يُزيد من سرعة السيارة: اسكت الله يخربيتك هنموت كلنا.
وضع چون يده على صدره بخضة قائلًا: ومُصيبتاه! لم أتزوج بعد لأموت الآن.
ضربه صهيب بقوة على صدره أثناء انتقاله ببصره على المرآة: وهو دا وقته أنت كمان! انتوا عايزين تشلوني! تجلطوني! تموتوني!
سخرت منه يمنى قائلة: خلاص يا أو ر.

طالعها صهيب بحدة من المرآة الأمامية، ثم تشدق ساخطًا: أنت بالذات يا بومة يا وش الفقر مش عايز أسمع صوتك، من ساعة ما عرفتك وأنا مش لاقي في حياتي غير المصايب.
اعتدل يحيى بصعوبة مكانه، وبعدها عاتبه بضيق: لو سمحت يا صهيب باشا متكلمهاش كدا، هي طيبة وغلبانة والله بس لسانها دبش حبتين وعلى قلبي زي العسل.

حدجته يمنى بأعين مُلتمعة ثم شكرته بإمتنان: ربنا يخليك يا يحيى والله، أنا لو عندي أخ مش هيدافع عني زيك كدا.
أخ!
رددها يحيى باستنكار، فأومأت له مؤكدة على حديثها مما زاد من غيظه أكثر، لذلك عاد بأنظاره تجاه صهيب الذي يكتم ضحكاته على معالم وجهه المُتشنجة، ثم أردف بسخط: بقولك إيه يا صهيب بيه! اِقلب العربية بينا ونموت كلنا أحسن بدل المرار الطافح اللي احنا فيه دا.

علت ضحكات كُلًا من جون وصهيب، لكنهم ابتلعوا باقي ضحكاتهم عندما زادت كمية الطلقات والسيارات التي مازالت تُلاحقهم، نظر صهيب في المرآة الجانبية مُدققًا في ملامح صاحب السيارة القريبة منهم، ثم همس بدهشة: أنس؟
وفي السيارة الأخرى، ولول فور واضعًا يده فوق رأسه أثناء صراخه بلغة غريبة: ياللهول. ياللهول. ياللهول.
ورغم الخوف المُسيطر على الجميع، تسائلت ملك بتعجب: هو بيقول إيه؟

قلده رائد لاطمًا على وجهه بصراخ: يالهوي يالهوي يالهوي.
هي دي الترجمة؟
تسائلت ملك ببلاهة، ليؤكد لها رائد بثقة: آه طبعًا أنتِ مش واثقة فيا ولا إيه!
أجابته صراحةً دون مُراوغة: بصراحة لأ.
راقب قاسم السيارات التي اقتربت منهم بشدة من المرآة، ففتح الدُرج الصغير الموجود بالسيارة ثم أخرج من سلاحه المليء بالطلقات، وبعدها أمر أهلة بحسم: انزلي تحت بسرعة.
ليه!

سألته بغباء غريب عليها، ليُعيد جملته لكن بصراخ تلك المرة عندما بدأت الطلقات تهبط فوقهم بكثرة: بقولك انزلي بسرعة هو إيه اللي ليه؟
كادت أن تعترض؛ لكنها صرخت عندما أصابت إحدى الطلقات المرآة المُجاورة لها، لذلك هبطت للأسفل دون جِدال، بينما كَزَّ قاسم فوق أسنانه مُتمتمًا بغيظ: يا ولاد الباردة العربية لسه جديدة.

أخرج قاسم يده المُمسكة بسلاحه خارج نافذة السيارة، ثم أطلق عليهم عِدة طلقات مُتتابعة دون أن يرف له جِفن، ولحُسن حظه أصاب سيارة من الثلاث سيارات التي تُتابعهم بعدما أطلق الرَصاص على عجلاتها لتنفجر وتنحرف عن مسارها، جاورته سيارة أخرى وبسرعة شديدة أخرجَ ماسك وجهه الخاص بالقناص ثم وضعه على وجهه، فلم يراه السائق، والذي كان أنس الأرماني، صديق قاسم قديمًا والذي قام بإهانته عِدة مرات سابقًا.

اشتعلت عيناه بالحِقد على ذلك المُتعجرف؛ فنظر إليه بغموض ثم صوَّب عليه، وقبل أن يُطلِق أنس كان هو يُطلِق لتستقر الرصاصة بذراع الآخر، كان يود قتله، لكن فكَّر في تعذيبه أولًا، يُريد أن يراه مُتحسرًا على أملاكه التي سيقوم بهدمها واحدةً تلو الأخرى، وهو فقط سيستمتع بذلك، كما استمتعت عائلته سابقًا، وهو حاليًا!

لم يستسلم أنس، بل أكمل القيادة رغم آلام يده الشديدة، وقام بالتصويب على زجاج السيارة الخلفي، لكن حظه العثر جعل رصاصاته ترتد للخلف مُجددًا، فزُجاج السيارة مصنوع من الفوم المُقاوم للرصاص، مما جعل الآخر يكز على أسنانه بحقد.

مرت دقيقتان وبدأت السيارات الُلاحقة لهم تتكاثر أكثر! لذلك دون تردد أخرج جميع الشباب كُل أسلحتهم ثم قاموا بتعميرها، ليقول جون بجدية موجهًا حديثه ل صهيب: افتح زُجاج النافذة يا صديقي، لقد حان وقت العبث.
مازحه صهيب أثناء ضغطه على أحد الأزرار لتبدأ النافذة بالفتح تدريجيًا: أوه عزيزي چون، لقد اشتقت لتلك الجولات الشيقة كثيرًا.
غمزه چون مُشاكسًا إياه: فلنبدأ المرح الآن.

كذلك أنزل رائد رأس ملك لتكون بالأسفل هي الأخرى، ثم جلس مكانها بجانب النافذة؛ لتُصبح مُحاطة بين رائد وفور اللذان يتبادلان تبادل الطلقات كما يفعل قاسم بالأمام.
صرخت ملك ب أهلة صائحة بها: منك لله يا بعيدة، مش لاقية غير قتال القُتلة دا وتتخطبي ليه؟ الرجالة خلصت خلاص!
حدجها قاسم بطرف عينه بمقط، ثم أردف بعدها بقنوط: أنتِ عارفة لو مقفلتيش بوقك دا! هفرغ المسدس دا في دماغك وأخلص من سماجتك.

ابتلعت ملك ريقها بقلق، وبعدها قالت بتلعثم: مش. مش قصدي عليك على فكرة.
وعلى ما يبدو أن قاسم وصهيب وكذلك الشباب تخلصوا من السيارات جميعًا، فاضطر أنس إلى التوقف هو الآخر بعدما خسر رجاله وخسر قوته بسبب نزفه للدماء، وهكذا استطاعوا النجاة دون خسائر.

وصلوا إلى طريق نائي قريبًا من النيل، ولأن الساعة كانت مُتأخرة فلم يكن هناك كثيرًا من المارة سوى عددًا محدودًا للغاية، هبط الجميع من السيارات بأنفاس لاهثة من المجهود الذي بُذِل، والفتيات من الصراخ.
في تلك الأثناء تثائب يحيى بنعاث، ثم فتح عينه قليلًا مُزعجًا من الضوء القادم من عمود الإنارة، وبعدها تشدق بتحشرج من أثار النوم: إيه دا احنا لسه موصلناش!

لوى رائد شفتيه باستنكار وأردف ساخرًا: صباح الخير ياخويا، نِمت واتهنيت يا سِيد الناس؟
ابتسم يحيى بتوهان أثناء إيماءته له، ثم تحدث بهيام: حِلمت أحلى حِلم في حياتي، اتجوزت فيه ياض يا رائد عقبال عندك.
هُنا تدخلت ملك في الحديث قائلة بتلقائية وابتسامة واسعة ظهرت حمقاء على ما تقوله: طالما حِلمت إنك بتتجوز يبقى هتموت.

ابتلع يحيى ريقه أثناء وضعه ليده على رقبته، ثم قال بخوف: حَد يسكَّت الكائن دا ومشوها من هنا الله يستركم.
استدارت لها يمنى قائلة لها بمزاح: اسكتي أنتِ كلامك بيعمل مشاكل.
طالعتهم ملك بغيظ، فاستدارت ل قاسم الذي يُتابع حديثهم بملل تشكو له بضيق: شايف يا أبيه بيكلموني إزاي!
تأفق قاسم بضيق، ثم أردف بنفاذ صبر: مكانوش خطفوكِ أنتِ وخِلصت منك!
قطبت ملك جبينها بضيق ثم سألته: قصدك إيه يا أبيه!

تجاهل قاسم حديثها قبل أن يفتك برأسها اليابس هذا، ثم استدار ل چون المُنشغل في هاتفه بطريقة مُثيرة للفضول، لذلك سأله بتعجب: ما بِكَ چون؟
رفع جون أنظاره له ثم أردف بضيق: لوسيندا مُختفية منذ عشرة أيام تقريبًا ولا تُجيب على هاتفها.
ما أنا قولتلك إنها واخدة إجازة أسبوعين.
وضَّح له قاسم سبب اختفائها، ليهز چون رأسه بشرود: لا. أشعر بأن هُناك شيء سيء يحدث لها، أريد الذهاب إليها والإطمئنان عليها.

اومأ له قاسم لعلمه بشدة حبه لها، لكنه اقترح بهدوء: خلاص ماشي بس روح الصبح، مينفعش تروح لواحدة بيتها بالليل كدا.
وافق چون مُستسلمًا، لكن قلبه يحثه على الذهاب إليها الآن، وبين صراع قلبه وعقله؛ انتصر عقله بالنهاية وسينتظر حتى الصباح ويُهاتفها مُجددًا، وإن لم تُجيب سيذهب لها دون أدنى شك وليحدث ما يحدث.
انظر جون؟ الحاسوب يعرض شيئًا ما.

هتف بها فور سريعًا، ليذهب إلى الحاسوب مُسرعًا، وحتى يراه الجميع وضعه على مُقدمة السيارة فالتف الجميع حوله، وهُنا اتضح الخبر الإعلامي الذي يُنقل عن لسان المُذيعة بعدما نشرته أهلة في الجريدة، وتبعته باسمها المُستعار والذي كان؛ المجهولة النارية:.

هُنا وقد اتضح أن عائلة الأرماني جميعها مُشتبه بها في تجارة أعضاء المرضى، وذلك بعد أن تم رفع الكثير من الدعوات ضدهم من أهالي الضحايا، كما قام المواطنون بسحب جميع ملفاتهم من المشفى الخاص، مما أدى إلى انخفاض أسهم المشفى بطريقة ملحوظة قد تؤدي إلى إفلاسهم
كتب ذلك الخبر المجهولة النارية.

اتسعت ابتسامة الجميع بشماتة ظاهرة للعِيان، استدار قاسم ل أهلة يُطالعها بأعيُن مُلتمعة من السعادة، ثم غمز لها قائلًا بمشاكسة أحبتها هي: كفاءة.

وانتقلت الأخبار إلى المذيعة التي تليها والتي بدأت حديثها قائلة: يبدو أن اليوم يحمل خسارة فادحة لعائلة الأرماني الشهيرة، منذ قليل جائتنا أخبارًا عن إنفجار تم في مصنع الأغذية الخاصة بهم، ولحُسن الحظ بأن المبنى كان يخلو من العُمال، يبدو أن المجرم درس الوضع جيدًا قبل تنفيذ خطته.
تسللت الدهشة على أوجه الفتيات، فتسائلت يمنى بتعجب يشوبه الدهشة: إيه دا؟ مين اللي عمل كدا كمان!

أجابها رائد بثقة: احنا طبعًا، قررنا نضرب عيلة الأرماني من كل الجهات بحيث ندمرهم الأول قبل ما نخلص عليهم، دا غير إن مخزن الأغذية دا كان فاسد أساسًا، وقريب أوي مصنع الأدوية هيحصله إن شاء الله.
اقتربت منه أهلة قليلًا حتى باتت قريبة منه، ثم همست له بعبث أُنثوي ماكر: مش أنا لوحدي اللي كفاءة ها؟
أجابها بنفس الهمس بمكر أثناء نظره لعيناها مُباشرةً: تؤ أنتِ لوحدك اللي كفاءة، لأنك كفاءة فعلًا.

سددت له ابتسامة صغيرة وظلت تنظر لعيناه دون وعي، وهو كذلك، ثبَّت نظره على عيناها، بها شيء غريب يجذبه تجاهها، عيناها البُنية المُمتزجة بخيوط من العسل الصافي ظهرت واضحة عندما تعامد ضوء عمود الإنارة عليها، وهو فُتِن بهما.

لم تمر سوى ثوانٍ ملحوظة وبدأ المُذيع الآخر ينقل الخبر الآخر ببث مُباشر، وهو نشوب حريق هائل بالشركة الخاصة بعائلة الأرماني، ورغم سعادتهم إلا أنهم لا يعلموا حتى الآن مَن تسبب بذلك الحريق، وعند تصوير موقع الشركة الذي بقى رمادًا؛ ظهر الشعار، الشعار الذي جعل كُلًا من چون وفور يتصنمون أماكنهم للحظات، هم في كارثة كبيرة حقًا إن كان ما يروه حقيقة، نظر جون ل فور بصدمة لم تكن متوقعة بتاتًا الآن، أخوتهم هُنا. بمصر!

عاد الجميع لمنازلهم، أوصل قاسم الفتيات وجلس بجانبه يحيى الذي أصر عليه قاسم للمبيت معهم الليلة حتى تتحسن حالته الهالكة.
راقب يحيى أثر يمنى بهيام، ثم نظر للسماء الحالكة يدعو الله برجاء خالص: يارب لو مش من نصيبي خُدها واجمعني بيها في الآخرة.
نظر له قاسم باستنكار ثم أردف أثناء ضغطه على دواسة البنزين: يخربيت اللي مفهمك إن دي رومانسية، دا أنت لطخ.

جعد يحيى وقعه بضيق قائلًا بحنق: أومال عايزني أدعيلها ربنا يسعدها مع غيري وأنا اتقهر هنا! لأ تموت أحسن واتجوزها أنا في الآخرة.
هز قاسم رأسه بيأس، ومع ذلك اقتنع بإجابته البلهاء تلك!

انقضى الليل سريعًا وأتى الصباح مُهللًا بتلك الأحداث التي حدثت ليلة أمس، بينما كان عقل جون مشغولًا على حبيبته، حتى أنه لم يذق طعم النوم طيلة الليل، أمسك بهاتفه وحاول الاتصال عليها لعشر مرات أخرى حتى يأس، وبالمرة الأخيرة فُتِح الخط على بغتة، ليتحدث هو سريعًا دون الإستماع للطرف الآخر: لوسيندا أين أنتِ واللعنة! لقد قلقت عليكِ كثيرًا.

أتته الإجابة لكن ليست من لوسيندا نفسها، بل من شقيقتها التي تبكي بأسى: أنا مش لوسيندا أنا أختها مهرائيل.
قطب جون جبينه بقلق وهو يسألها بهلع: وأين هي لوسيندا؟
أجابته ببكاء: بابا حابسها في أوضتها ومش راضي يطلعها منها، مصمم يجوزها لابن عمي وهي مش راضية عشان بتحبك أنت.
ماذا؟
صرخ بتساؤل، لتستطرد مهرائيل حديثها تبكي نحيب: لو بتحبها فعلًا تعالى واتقدملها، بابا ممكن يوافق لو أنت معاك فلوس أكتر من ابن عمي.

حكَّ جون جبينه بغضب، ثم تشدق بعصبية: حسنًا اغلقي وأنا قادم الآن.

تثائب قاسم على الفراش بضيق، فنظر للهاتف الموضوع جانبه فوجد أن المتصل هو شقيقه، فتح الخط مجيبًا إياه بتكاسل: صوفيا ماتت يا قاسم.
كانت تلك الكلمات تصعد جامدة من فم صهيب قبل أن يُغلِق الهاتف نهائيًا!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة