قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية حارة القناص الجزء الأول للكاتبة شروق حسن الفصل الحادي عشر

رواية حارة القناص الجزء الأول للكاتبة شروق حسن الفصل الحادي عشر

رواية حارة القناص الجزء الأول للكاتبة شروق حسن الفصل الحادي عشر

هتف بها صهيب الجالس على الأريكة، وأمامه يجلس قاسم المُمسك بقطع الثلج يضع منها على وجهه مكان لكمته، رد عليه قاسم بعبث وهو يضغط على وجهه بالثلج: أحسن تستاهل، محدش قالك تعمل فيها راجل عليا وتضربني يا هوبا.
حدجه صهيب مغتاظًا ثم هتف ساخطًا: ما كان لازم أعمل كدا وأنت عارف إن مختار الأرماني مراقبني وشاكك فيك.

ترك قاسم الثلج من يده على الطاولة التي أمامه، ثم اتجه ناحية الثلاجة يفتحها بتروٍ، فجذب منها شطيرة كان صهيب قد صنعها قبل أن يأتي بدقائق قليلة، وبدأ في أكلها ببرود تحت أنظار صهيب المغتاظة.
كز على أسنانه بسخط ثم تمتم مُستنكرًا: بُص أنا بتكلم في إيه وأنت بتطفح!
تجاهل قاسم حديثه ناظرًا للشطيرة بعدم رضا، ثم أردف بإقتراح: أنا من رأيي تغيَّر نوع الجبنة الرومي دي، مش حلوة.

اغتاظ صهيب منه، فما كان عليه سوى أن يُمسِك بعلبة المناديل وقذفها في وجهه دون أن يُدرِك، رمى له قاسم نظرة نارية ذاهبًا له بغضب، فدفعه للخلف على الأريكة مستندًا بركبته على الأريكة، ليُصبِح فوقه مُباشرةً، أحنى وجهه له ثم تحدث بهمس مُرعب: أنت عارف اللي أنت عملته دا إسمه إيه في قاموس قاسم طاحون؟
تابعه صهيب مُستنكرًا بردة فعله المُبالغة فيه، ثم سأله بسخرية: إسمه إيه إن شاء الله؟

دفعه قاسم ببرود بعيدًا جالسًا على نفس الأريكة، ثم أردف بمزاح: ولا حاجة بس أنا بحب الأكشن.
اعتدل صهيب هو الآخر مُتمتمًا مع ذاته: قال قناص قال! دا أنت تافه.
يبدو أن صوت تفكيره كان عاليًا قليلًا، وتأكد من ذلك عندما نكزه قاسم بغلظة في ذراعه يزجره: اتلم يا حيوان بدل ما أخليك تشوف القناص بجد هيعمل فيك إيه.

تلك المرة قلق صهيب من تعابير أخيه التي تحولت للجدية والغضب، فقرر أن ينحاز لأحد المواضيع الأخرى تجنبًا لغضبه، لذلك أردف يسأله بعبث: عامل إيه مع المُزة؟
أنت عايز تبات النهاردة في المستشفى بجد صح؟
نطق بها قاسم مُحذرًا، مما جعل صوت ضحكات صهيب تتعالى، تبعه صوته المُشاكس وهو يقول أثناء إحاطته لكتفه: في إيه يا قسومتي مش بتطمن على مستقبل أخويا يا جدع!

دفعه قاسم بضجر لكن صهيب رفض الإبتعاد، لذلك صاح مُتأففًا: يابني ابعد أنت خنقتني، أنت ناقص تيجي تقعد على رجلي.
رد عليه صهيب بدلال أقلقه: الحق عليا إنك واحشني يا قاسي! هو أنا موحشتكش ولا إيه!
ابتلع قاسم ريقه بقلق دافعًا إياه ثم سأله بريبة: مالك يلا في إيه! اظبط كدا بقولك بدل ما وعهد الله أبلغ عنك.

قهقه صهيب عاليًا أثناء ابتعاده عنه، ليُجيبه بعبث وهو يُحرِك حاجببه مُشاكسًا إياه: هتبلغ الحكومة على الحكومة!
طالعه قاسم بطرف عينه ولم يُجيبه مُركزًا ببصره على التلفاز، ظن أن أخيه سيصمت؛ لكنه استمع إليه يسأله مرة أخرى بمكر: مش هتقولي برضه المُزة عاملة معاك إيه؟
حدجه قاسم بنارية ثم عنفه قائلًا: يابني ما تبطَّل سفالة أهلك دي! أنت راضع قلة أدب!

رد عليه صهيب بضحك لم يستطيع إيقافه: خلاص ياعم بهزر معاك واللهِ، بس قولي ناوي تعمل إيه بعد كدا.
سحب قاسم نفسًا عميقًا ثم زفره على مهل، وبعدها أجابه بهدوء وعقله شارد في نقطة ما: قولت ل أهلة إن مستشفى الأرماني بتاجر في الأعضاء، وهي هتتكفل بالباقي.
فكَّر صهيب قليلًا ثم سأله بقلق أصبح يُلازمه في الآونة الأخيرة: أنت واثق فيها يا قاسم؟ يعني مش هيجي في يوم وتبيعك!

رد عليه قاسم بثقة نافيًا حديثه: تؤ. أهلة من الكام مرة اللي اتعاملت معاها فيهم عرفت إنها كفاءة وثقة، دا غير مساعدتها إن هي بتنشر الأخبار بأسلوب يولع الدنيا، وكمان هدفنا واحد ودا سبب كافي إني أثق فيها.
هزَّ صهيب رأسه إقتناعًا لحدٍ ما بحديثه، فسأله مُتعجبًا: محاولتش تعرف سبب انتقامها من عيلة الأرماني إيه!

نفى قاسم برأسه قائلًا: محاولتش ومش عايز أعرف، عيلة الأرماني عداوتها كتير، وأكيد أذوها بطريقة زبالة عشان كدا بتنتقم، وزي ما هي بتساعدني دلوقتي أنا كمان هساعدها.
هز صهيب رأسه يُوميء له يشرد مُفكرًا في حديثه، فقاطع شروده صوت قاسم الخبيث المُتسائل: أخبارك إيه مع الكتكوتة؟

وفي ثوانٍ تحولت نظرات صهيب إلى الهيام مُتخيلًا إياها أمامه الآن، ليردف ب وَلَه تلقائيًا: كتكوتة إيه بس! قول شيكولاتاية! بسكوتاية! ملبساية! دي علبة حلويات على بعضها.
ضحك قاسم بخفة من حالة الهيام التي تلبسته، ليغمز له بعدها بمشاكسة: والعة معاك ياخويا، بس براحة على البت مش قدك.

رد عليه صهيب بحنين وهو يتذكر عفويتها وسعادتها معه ليلة أمس: والله أنا حنيْن معاها يا قاسم بس هي اللي دماغها جذمة، دايمًا خايفة من أمها الحرباية وبتعيط وأنا ببقى عاجز مش عارف أعملها حاجة بسبب الزفت اللي اسمه مختار والحراسة اللي حاطتها حواليا دايمًا.

ربت قاسم على قدمه بحنان مُهوِنًا عليه حزنه: وأهو بقيت تتعامل معاها زي ما أنت عايز من بعد ما أبوها مات، المهم حسسها إنك مهتم بيها وابعد أمها عنها بأي شكل وبأي طريقة، وأمها دي حسابها معايا بعدين.
أردف بكلماته الأخيرة بتوعد فهمه صهيب جيدًا، والذي تحدث بحقد ينبع من أعماقه بشدة: والله أنا ببقى شايفها قدامي ببقى نفسي أقتلها بأبشع طريقة، بس بضغط على نفسي وأقول استحمل لسه شوية.

حذره قاسم بقوة قائلًا وهو يرفع سبابته أمام وجهه: متعملش أي تصرف غلط يا صهيب وتبوظلنا الدنيا، وسيب صوفيا ليا أنا وهربيها، دي كلبة فلوس وهحسرها على فلوسها قبل ما تحصَّل جوزها ال.
وافقه برأسه، فوقف صهيب مُتجهًا للمطبخ ثم سأله وهو يعبث بالأواني: تشرب إيه!
تمدد قاسم على الأريكة بإنهاك، ثم أجابه بهدوء: اعمل نسكافيه عشان دايخ.

ملأ صهيب البراد بالماء البارد ثم وضعه على القاعدة الكهربائية قبل أن يقول ل قاسم وهو يُشير له لأحد الأدراج: هتلاقي برشامة للصداع عندك في الدُرج خُدها على ما أجهَّز الأكل.
أخرج صوتًا من فمه يدل على اعتراضه، ثم خرج صوته قائلًا: لأ مش عايز آكل مليش نِفس.
مش باخد رأيك، أنا طالب الأكل قبل ما تيجي وهسخنه بس وناكل سوا.

بدأ العد التنازلي تيك توك. تيك توك. تيك توك.
همست بها يُمنى لذاتها بتحدي، أصابها الأذى هي الأخرى فجاء دورها للإنتقام، وانتقامها مُخالِفًا لهم، لم يكن قتل أو فضيحة، بل شيء أبشع من هذا بكثير بالنسبة لهم، وهو المال.

وقفت تدور حول نفسها في غرفتها الخاصة، تُمسِك بتلك الأوراق التي قامت بسرقتها من الشركة الخاصة للأغذية بعائلة الأرماني ولم تكن عائلة الأرماني فقط، بل عائلة حمدان أيضًا، علاقة وطيدة قذرة تربط بين تلك العائلتين كانت السبب في دمارها، وكما طالها الأذى؛ ستُسببه لهم أيضًا.

أمسكت بهاتفها وقامت بمُهاتفة شخصًا ما، انتظرت قليلًا حتى جائتها الإجابة، لتقول بجمود دون إعطاء فرصة للآخر بإكمال تحيته لها: آخر صفقة أغذية تلزمني، ورقها كله يكون قدامي بكرا بالكتير.
جاءها صوت الطرف الآخر هاتفًا بقلق: بس يا يمنى الوضع ميطمنش، الدنيا اتقلبت من آخر مرة لما شركة الأدوية بتاعة عيلة الأرماني اتفجرت، وجيتي بعدها سرقتي ورق الصفقة والدنيا مش ساكتة.

كانت تستمع له ببرود حتى سألته مُتحدثة بجمود: خلَّصت! اللي قولته يتنفذ، سلام.
أغلقت الهاتف بوجهه وهي مُتيقنة بأنه سيجلب لها أوراق الصفقة دون تأخير، نظرت للخبر الذي كتبته بأعين شرسة كنمرٍ ينتظر فريسته للوقوع للنيْل منها، تلك السطور التي كتبتها بكل عناية وتدقيق لإصابة هدفها في مقتل تُشعِرها بالإنتشاء، وغدًا ستُصيب أول هدف.

خرجت من غرفتها مُتجهة لغرفة أهلة التي وجدتها مُنهمكة في عملها على الحاسوب، رفعت أهلة عينيها لها ثم سألتها بعد أن خلعت نظارتها الطبية واضعة إياها جانبًا: ها خلصتي.
اقتربت يمنى منها حتى جلست مُتربعة على الفراش، ثم مدت يدها لها بالأوراق تَزامنًا مع حديثها الواثق: كل حاجة تمام، وكمان كلَّمت يحيي يجيب لينا ورق الصفقة الأخيرة.

ابتسمت أهلة بتشفي وهي تقرأ ما هو مُدون بالأوراق، وللحقيقة شعرت بالسعادة العارمة لبدأ نجاح أول خطة انتقام لهما، رفعت أنظارها ل يمنى المُتابعة لها بترقب، ثم فتحت لها ذراعها قائلة بحماس لم تعهده قبل: بقولك إيه يا بت أنتِ هاتي حُضن عشان أنا بحبك.
ابتسمت لها يمنى بمرح، ثم اتجهت لها تحتضنها بحب شديد تشاركا فيه، لتقول بعدها بعبث: بعد شهر مش هشوف الأحضان ولا الحب دا كله ها، سي قاسم هياخدك مننا يا نوسة.

قالتها بمرح لتنغزها أهلة في جانبها بضحك، قبل أن تقول بمكر زائف هي الأخرى: لأ أحضان إيه بقى، الموضوع هيبقى أكبر من كدا بكتير.
وتلك المرة فتحت يمنى عينيها بصدمة من وقاحتها، ثم هتفت بعدم تصديق: هي ملك خلطت عليكِ ولا إيه!
ضحكت أهلة بمليء فاهها مُجيبة إياها: يا شيخة اتنيلي خلطت إيه، دا مش بعيد لما يجي يمسك إيدي أجيب اللي في بطني كله عليه من إحساس القرف اللي بيجيلي، وقتها هيطلقني أساسًا.

انمحت ابتسامة يمنى تدريجيًا، ثم أمسكت بيدها وهي تقول لها بإستعطاف: اتعالجي يا أهلة عشان خاطري، متعمليش في نفسك كدا، دا أنتِ حتى مش طايقة لمسة حد ليكِ، زي ما أنا متأكدة إن أنتِ مش طايقة ماسكة إيدي ليكِ دلوقتي.

سحبت أهلة يدها بهدوء من بين كفيها تزامنًا مع تحول وجهها للوجوم والضيق، اعتدلت مكانها ثم هبطت من على الفراش لتقف أمام الشرفة العريضة الموجودة بغرفتها، أرجعت خصلاتها المُنسابة على وجهها للخلف ساحبة شهيقًا عميقًا لكنه مُتألم، ثم زفرته على مهل وكأنها تطرد تلك الذكريات والجروح التي فُتِحت بواسطة يمنى دون قصد منها، راقبتها يمنى بحزن عليها عالمة بكل ما يدور بخُلدها الآن، لكن عليها المحاولة للمرة الألف معها حتى تُشفى من وسواسها المُميت، هبت من مكانها مُتجهة إليها حتى وقفت بجانبها تُثبت أنظارها على مظهر الأشجار الخضراء المُعتمة، لا تدري ما تبدأ به لكنها قالت بهدوء مُنافي لحزنها:.

أنا عارفة إن كلامي زعلك، بس متضايقيش مني أنا خايفة عليكِ وعايزة مصلحتك، إن تروحي لدكتور نفسي تتعالجي من الوسواس القهري اللي عندك دا مش حاجة وحشة وتعيبك، بالعكس أنتِ كدا هتساعدي نفسك إنك تعيشي حياة طبيعية أنتِ تستحقيها، هتقدري تحضنينا من غير ما تبقي مقروفة، هتقدري تسلمي على صحابك من غير ما حاجة تمنعك، والأهم إنك هتعيشي حياة زوجية سعيدة لو اتعالجتي، مش كفاية إنك مش عايزة تتعالجي من الكتمان اللي عندك! يعني لا بتعرفي تحضني حبايبك ولا بتعرفي تعيطي لما تكوني زعلانة!

نعم. ف أهلة مريضة كِتمان مُزمن، لا تستطيع البوح عما بداخلها، لا تستطيع الحديث أو البكاء، منذُ وأن كانت صغيرة كانت تكتم حزنها داخلها كذلك دموعها، فأدى إلى أصابتها بالكِتمان المزمن، فأصبح قلبها هو الذي يُمطر دموعًا لا عيناها، مما يجعلها تشعر فيه بألم شديد لا يُحتمل أحيانًا.

ضغطت أهلة على شفتيها من تلك الحقائق التي ترميها يمنى فوق أذانها بلا رحمة، ورغم صحة حديثها إلا أنها أردفت بجمود: قفلي على الموضوع دا يا يمنى مش عايزة أسمع كلام فيه تاني.
وتلك المرة هدرت بها الأخرى بنفاذ صبر: هو إيه اللي مش عايزة أسمع كلام فيه تاني! حرام عليكِ نفسك يا شيخة!

صرخت بها أهلة بالمقابل وهي تُنفض يدها بعيدًا عنها: حرام عليكِ أنتِ واسكتِ وسبيني في حالي، عايزاني أروح لدكتور نفسي! عايزاني افتكر كل حاجة حصلت معايا! عايزاني أعيش كل الوجع من تاني! لو دا حصل أنا ممكن أنتكس من جديد، ممكن أحاول أنتحر تاني، وأنا مش عايزة دا، مش عايزة أتعالج سبيني بقى وامشي.

هبطت دموع يمنى على حالتها التي تترك أثرًا سلبيًا في نفسها، ودون أن تتحدث اقتربت منها تحتضنها بقوة، تريد أن تمحي كل أثار الحزن من داخلها وهي لا تُعطي لها فرصة واحدة، خرج صوتها مبحوحًا مُتألم وهي تعتذر لها بأسف: أنا أسفة واللهِ، حقك عليا بس أنا مش هاين عليا تكوني كدا.

بادلتها أهلة العناق أثناء إغماضها لعيناها علَّها تجد الراحة المسلوبة من داخلها، لكن كل ما تجده هو الخواء الذي يُحيط بها رغم حب أشقائها ووالدتها لها، ابتعدت عنها راسمة ابتسامة خفيفة لم تصل إلى عيناها، وبعدها ردت عليها بهدوء: مش زعلانة منك يا حبيبتي، أنا عارفة إنك كل اللي هَمك مصلحتي وأنا متأكدة من دا.

في تلك الأثناء انفتح عليهم الباب فجأةً ودلفت ملك بعاصفة هوجاء كعادتها، توقفت مكانها مُتصنمة مما رأته، ثم وضعت يدها على صدرها مُردفة بصدمة مُفتعلة: أختي وأختي مع بعض! وفي أوضة واحدة! وبيتكلموا مع بعض بصوت هادي! آه قلبي. ما تلك الخيانة!

نظرت كلتاهما لها بتشنج من عرضها الدرامي المُبتذل الذي قدمته الآن، رأت ملك نظراتهم المُشمئزة التي يوجهونها لها فحمحمت بحرج بعد أن تقدمت منهم، وقفت أمامهما تُطالعهم بشك ثم أردفت بأعين مُتربصة بتحركاتهم: كنتوا بتتكلموا في إيه قبل ما آجي!
دفعتها يمنى بغيظ من كتفها ثم تخطتها وعادت تجلس على الفراش مرة أخرى، ثم تحدثت بسخط لها: يا شيخة اتنيلي من وشي بقى، أنتِ عاملة زي عفريت العِلبة اللي بيطلع من كل مكان!

تقدمت منها ملك ثم نكزتها في ذراعها بخفة عدة مرات تقول بغيظ: أنتِ متمديش إيدك عليا تاني يا بوز الإخص أنتِ.
طالعتها يمنى بنظرة نارية وتوقفت على كلتا رُكبتيها جاذبة إياها من خصلاتها وهي تقول غضب: لأ بقولك إيه بقى تعاليلي عشان أنا سكتلك كتير.

ارتمت ملك بظهرها على الفراش وفوقها يمنى تضربها على أنحاء مُتفرقة من جسدها، فحاولت ملك مُقاومتها ودفعها بعيدًا عنها، وبعد عِدة محاولات نجحت في إبعادها وتلك المرة أمسكتها من ثيابها تهزها بعنف، وباليد الأخرى جذبت خصلاتها مثلما فعلت الأخرى، ثم تشدقت بغضب: والله ما أنا سيباكِ النهاردة، أنا قِرفت منك ومن سِحنتك.

كل هذا وكانت أهلة تُتابعهم بإستمتاع أثناء إرتشافها لقدح الشاي الذي أعدته لنفسها منذ قليل، صرخت يمنى بألم أثناء مُحاولتها لشن الهجوم عليها مرة أخرى، وبالفعل عاد الشِجار أكثر مما كان عليه.
بعدة عِدة دقائق. كانت كُلًا من يمنى وملك وأهلة تجلسان على الفِراش بهدوء، فصعد صوت يمنى التي تسأل ملك بدهشة أثناء تناولها للفشار: يعني جوزها ضربها قُدام أهله وطردها وهي رِجعتله تاني!

مضغت ملك رقائق الشيبسي بفمها ثم أجابتها وهي تُلوِح بيدها أمام وجهها: آه والله راجل معندوش دم، وهي يا عيني عشان يتيمة ملقتش اللي يقف معاها ويساعدها في مِحنتها.
احتل الأسى معالم وجه يمنى ثم أردفت بحزن على تلك الفتاة: ربنا يكون في عونها يارب، أنا مش عارفة الناس بقت وحشة كدا ليه!
أصدرت أهلة صوتًا ساخرًا من فمها وهي تُجيبها بإستنكار: والله مش عارفة الناس بقت وحشة كدا ليه؟ صدقي إنك أنتِ وهي معندكوش دم!

نظرت كُلًا من يمنى وملك لها ببرائة، فيما أكملت أهلة تعنيفها لهم: انتوا مش هتكبروا أبدًا! مش هتعقلوا يا شوية عيال! من شوية كنتوا بتقطعوا في فروة بعض ودلوقتي قاعدين تنموا على خلق الله! وقدامي! وانتوا عارفين إن أنا أكتر حاجة بكرهها هي النميمة.
تلك المرة تحدثت ملك بضجر وهي تمط شفتيها حانقة: أنا غلطانة، دا كنت هحكيلك البت منى صحبتي عملت إيه لما اكتشفت إن خطيبها بيخونها.

اهتزت نظرات أهلة بارتباك لكنها جاهدت أن تظل ثابتة، لذلك أردفت بلامبالاة مصطنعة: مش عايزة أعرف حاجة واسكتِ بقى.
غمزتها ملك في جانبها وقالت بمشاكسة: يابت! يعني مش عايزة تعرفي!
هزت أهلة رأسها بنفي قائلة: لا مش عايزة أعرف.
وبعدها ياستي رمتله الدبلة في وشه وقامت مشوحة بإيديها كدا في وشه وقالتله يا صفيق وقامت سايباه وماشية.

أنهت ملك حكايتها أثناء تناولها أخر قطعة من المُسليات، وكلًا من أهلة ويمنى يُتابعانها بإنتباه، غزا الإعجاب وجه أهلة ثم أردفت مُفتخرة بردة فعلها: والله جدعة، أنا لو منها كنت لطشته بالقلم الخاين الواطي دا.
أشاحت ملك بيدها بلامبالاة مُتحدثة بتأثر: أصل منى طيبة أوي ومتقدرش تمد إيديها على على راجل، بس قبل ما تمشي رمتله كلمتين خلت ودانه تصفر من الصدمة.
سألتها أهلة بإهتمام قائلة: قالتله إيه قولي.

اقتربت منها ملك بوجهها قليلًا، ثم قالت بصوت خفيض وصل لمسامعهم: قالتله لولا الملامة أنا كنت مديت إيدي عليك، بس أنا مش بمد إيدي على نسوان ومشيت وسابته قاعد مع السنيورة.
ضحكت أهلة عاليًا وهي تقول بإعجاب: واو. انبهرت بجد.
شاركتها يمنى الضحك وفجأة هبت من مكانها قائلة بنعاس: أنا هروح أنام بقى عشان مش قادرة.
أومأ لها كلتاهما، فنظرت أهلة ل ملك عندما طال صمتها: مش هتمشي أنتِ كمان!
أنتِ عايزاني أمشي!

سألتها ملك بلزاجة، فردت عليها أهلة بنبرة ساخطة وصريحة: آه.
استندت ملك بظهرها على الفراش قائلة بسماجة: وأنا مش عايزة أمشي.
لم ترد عليها، بل وقفت من مكانها مُلتفة حول الفراش تقف بجانبها، ثم أمسكتها من يدها مُتجهة بها ناحية الغرفة، حاولت ملك جذب يدها من خاصتها ولكنها فشلت بسبب إحكام أهلة في إمساكها، فصاحت ملك مستنكرة: يوه ما تسيبي إيدي يا أهلة بقى!

أوقفتها أهلة أمام باب الغرفة واستندت هي عليه، ثم صاحت بها بابتسامة صفراء: تصبحي على خير يا ملك يا حبيبتي، ووشك دا مشفهوش في أوضتي لمدة سنة قدام.
أنهت حديثها ثم أغلقت الباب بوجهها تاركها ملك تكز على أسنانها بغيظ، تبعها قولها الحانق بغضب: عيلة قليلة الذوق، مش مقدرين قيمة الجوهرة اللي في إيديهم.

قاطع حديثها مع ذاتها صوت هاتفها الذي صدح برنين خافت، نظرت لشاشته ببرود؛ وفي ثوانٍ تهللت أساريرها بسعادة وهي تُجيب بحماس: وحشتني يا أنس.

نادر الأرماني هينزل مصر بكرا وهو وولاده.
هتف بها صهيب الذي يتناول آخر قطعة من طعامه، ليرفع قاسم عيناه له راسمًا على ثغره ابتسامة خبيثة أثناء قوله الهامس بخطورة: دا يشرَّف وينور، ومتقلقش هياخد واجبه وبزيادة كمان.
التقط صهيب قنينة المياه المُثلجة وهو يُقهقه عاليًا، ثم أردف بخبث يماثله: معاك يا اخويا، ما هو أنا أكيد مش ههنيه على العيشة في مصر.

ضرب قاسم كفه بخاصته ثم غمز له مشاكسًا: أنت كدا أخويا وحبيبي.
لوى صهيب شفتيه بضيق أثناء تذكره لتلك اللزجة التي تُشبه العِلكة كما يصفها: المشكلة إنه عنده بنت تقول للغتاتة قومي وأنا أقعد مكانك.
أرجع قاسم رأسه للخلف يضحك عاليًا بقوة، فأردف من بين ضحكاته الصاخبة: يا معذبهم.
ضحك صهيب بخفة مُشيحًا بوجهه بسخط، ليستمع إلى صوت أخيه يؤكد له بتشجيع: أهي كلها شهرين ونخلص من القرف دا كله، ونعيش مع بعض سوا.

تحولت نظرات صهيب للحنين عقب استماعه لكلمته الأخيرة، وازداد أكثر أثناء تذكره لرؤية والدته منذ ثلاثة أيام، لكم اشتاق لها ولعناقٍ حنون منه! ورغمًا عنه تسللت الدموع لعينه، والتي لاحظها قاسم سريعًا، ليجذبه له يُشدد من إحتضانه، ثم صعد صوته قويًا يُخبره: اجمد ياض كدا لسه قدامنا الطريق طويل.

بادله صهيب العناق بقوة أكبر ثم تحدث بتحشرج: نفسي نرجع أطفال تاني ونكون كلنا سوا مع بعض، أنا وأنت وماما وبابا الله يرحمه.
ظن قاسم أنه لن يتأثر بالحديث، لكنه وجد غشاوة تُغطي عيناه بحزن، دفعه بعيدًا عنه قائلًا بمزاح وهو يُجفف عينه من الدموع: روح منك لله يا بعيد، متعرفش تشوفنا مرتاحين أبدًا؟
ضحك صهيب بخفة قائلًا برجاء وهو يمسك يده: عايز آجي معاك أشوف ماما تاني.

رسم قاسم ابتسامة طفيفة على ثغره ثم أخبره واعدًا إياه: أوعدك إني هاخدك في يوم تشوفها بس بلاش دلوقتي، مختار الأرماني حاطك عينه عليك دلوقتي خصوصًا إن أدوية فقدان الذاكرة مفعولها قرب يخلص.
خرج صوتًا ساخرًا من فم صهيب، تبعه حديثه الشامت بإنتشاء: المغفل مفكر إني لسه باخد الأدوية، لأ ولازم كل يوم يبعت الخدامة بالدوا عشان يتأكد إني باخده.
غمزه قاسم مازحًا بقوله: ميعرفش إنك صهيب طاحون أخو قاسم طاحون.

بادله صهيب يغمز له وهو يقول بتأكيد: ومحدش يقدر يقول غير كدا.
صمت قليلًا ثم هب من مكانه ناظرًا له بمرح: طبعًا مش محتاج أقول إن البيت بيتك، وأنا هروح آخد شاور عشان حاسس إني معفن.
رددها قاسم خلفه بسخرية: حاسس! لأ كتر خيرك.

طالعه صهيب بغيظ ثم ذهب من أمامه وهو يُتمتم ببعض الكلمات الحانقة، نظر قاسم لأثره بابتسامة حنونة وضميرًا مُرتاحًا بعض الشيء، يشعر بالفراشات تُحلّق من فوقه بعد أن شعر أن عائلته على وشك العودة له مُجددًا، خاصةً بعد تحسُّن والدته بشكل ملحوظ بعدما رأت صهيب حي يُرزق أمام عيناها، أخذته ذاكرته ليوم غيَّر حياته كُليًا، حينما اكتشف أن أخيه على قيد الحياة.

وقتها كان قد مرَّ على عمله بمشفى الأرماني عامين تقريبًا، وليستطيع الإنتقام منهم كما يريد عليه الوجود داخلهم، فلم يجد طريقة أنسب من العمل معهم، خرج من العمليات مُنهكًا بعدما أجرى عملية شديدة الخطورة في الدماغ لأحد المرضى، وكان على وشك فقدانه للمريض لولا توفيقه من الله أولًا وبراعته ثانيًا، خلع الماسك الخاص به ثم دلف للمكتب الخاص به بعدما تلقى الدعوات الخالصة من أهل المريض، ولكم ودَّ حينها أن يستمع لها من والدته، قبلها بعدة أيام كان قد بدأ برحلة إنتقامه بعدما استحوذ على ثقة عائلة الأرماني بمهاراته، فعلم عن صفقة أدوية مُسرطنة قادمة من الخارج فقام بالتبليغ عنها، حينها خسروا الملايين من الأموال الطائلة نتيجة لفعلته.

رسم قناع الأسف على وجهه عندما علم بنجاح الأمر، وذهب للمكتب الخاص ب مختار الأرماني ليُواسيه، وذلك بعد إعلانهم عن خسارتهم لكثير من الأموال بسبب غرق شُحنة الأدوية في البحر، وبالطبع لم يخبروهم السبب الحقيقي، وقف أمام مكتبه وكاد أن يدق الباب، فاستمع حينها إلى صوت رفعت الأرماني يصرخ بغضب: ما أنت المفروض مكنتش تحط ثقتك في صهيب، لا هو من لحمك ولا من دمك عشان يصون فلوسك يا مختار.

توقفت يد قاسم في الهواء مُنصدمًا بما سمعه، ليستمع بعدها إلى صوت مختار يهدر بعصبية مفرطة: إلزم حدودك يا رفعت ومتجبش الكلام دا على لسانك تاني، أنت عارف إن لو حد سمعك هنروح كلنا في ستين داهية.
رد عليه رفعت بسخرية غاضبة: على أساس إن احنا مروحناش في داهية دلوقتي يعني! أنت عارف إن احنا حاطين عشرة مليون في صفقة الأدوية اللي اتمسكت دي! عارف ولا مش عارف!

شد مختار على خصلاته بحدة لا يعي كم الأموال التي قاموا بخسارتها، شعر بالدوار يُداهمه جِراء تلك الكارثة التي حلت على رؤوسهم، حينها انتفض رفعت قائلًا بصمت: هي الأدوية بتاعة فقدان الذاكرة صهيب لسه بياخدها؟
أجابه مختار بإهتزاز وهو يؤكد له: آه لسه بياخدها، بتسأل ليه؟
مصيبة ليكون بيغفلنا ومبقاش ياخدها وافتكر كل حاجة، وقتها هنكون رُوحنا في داهية بجد، وخصوصًا بعد ما يعرف إنه مش ابنك.

ثقلت أنفاس قاسم الذي كان يستمع للحديث يُحاول تكذيبه، لكنه هز رأسه نافيًا: لأ أنا متأكد إنه بياخد الأدوية، الخدامة بتأكدلي دا كل يوم.
ارتمى رفعت بجسده على المقعد بعدما شعر بالصداع الشديد، وبعدها تحدث بسخط من أخيه: منك لله يا مختار، ياما قولتلك من عشر سنين ما بلاش تجيب الواد دا وتقتله وخلاص زي أمه، لكن أنت صممت إنك تتبناه بعد ما خدت منه كِليته ومراتك اتعلقت بيه.

قطب مختار جبينه بضيق من تذكيره له بتلك الجريمة التي قام بها منذ سنوات، ثم أردف ساخطًا: خلاص يا رفعت مش كل شوية تقطمني! وبعدين ما أنا استخدمت نفوذي كلها ودخلته الشرطة رغم إنه عايش بكِلية واحدة وبيساعدنا في صفقاتنا.
لوى رفعت شفتيه ساخرًا وهو يُتمتم بحنق: دي الفايدة الوحيدة اللي خدناها منه، غير كدا مش جاي من وراه غير الحوارات والقرف.

كل ذلك وكان قاسم في موقف يُحسد عليه، خاصةً وأن فؤاده يُخبره بأن هذا شقيقه، أخذوا منه كليته مثل والدته! نفس المدة! ونفس الحادثة! يأخذ حبوب لنسيان ذاكرته! كل شيء يؤكد حدثه، حينها عزم على معرفة الأمر كاملًا، وهل بالفعل صهيب الأرماني هو شقيقه أم مجرد صدفة!

حينها انطلق كالصاروخ إلى مكان عمله، لم يعلم بعواقب ما يفعله لكنه كان يريد المجازفة وعدم الإنتظار، كان قلبه يطرق بقوة وكأن هناك من يضرب فوقه بمطرقة من حديد فتُصيبه بالألم، وبالفعل أخبر صهيب عما سمعه، وقتها تحول الحديث إلى شجار وعِراك كان صاحبه صهيب لعدم تصديقه لما يقول هذا المختل من وجهة نظره، فرمى له قاسم بوجهه جملة قاسية لم يستطيع نسيانها حينذاك: ابقئ جرب متاخدش العصير اللي الخدامة بتجبهولك كل يوم وأنت تعرف أنا أقصد إيه!

قال جملته ثم تركه وذهب، فحتى وإن لم يكن أخيه فهو ليس ابنهم، وبالفعل ظل صهيب لا يأخذ العصير لمدة أسبوعان كاملان، كان يشعر بهما بدوار شديد وصور مشوشة تظهر وتختفي أمامه فجأة، وبعد مرور شهر تذكر كل شيء! ولأنه كان صغيرًا جدًا حينها لم يتذكر سوى عائلته فقط، تذكر والده، والدته، وشقيقه!

وبعدما تأكدوا بفعل فحوصات ال DNA بدأت خطتهم للإنتقام من عائلة الأرماني، خاصةً بعدما علم صهيب بإستغلالهم لمركزه وعمله في عملهم القذر والغير شرعي، ظل قاسم قلق من ناحيته من أن يكون يتلاعب به ويتفق معهم، خاف أن يكون اكتسب صفاتهم السيئة؛ لذلك خبأ أمر والدته عنه لمدة عام كامل، وبعد أن وثق به أصبح يأخذه ليزورها في منزله بعد أن يؤمن المكان جيدًا.

عاد من شروده على صوت صهيب الذي يُلوح أمام وجهه بدهشة: إيه يابني بقالي ساعة بكلمك.
انتبه له قاسم فوجده يرتدي تيشيرت قطني أسود اللون وشعره مبلل، كاد أن يتحدث ويُخبره بذهابه، لكن قاطع صوت هاتف صهيب الذي انتشله بخفة فوجدها حبيبة، غمز له بمشاكسة راميًا له الهاتف: الكتكوتة.

اتسعت ابتسامة صهيب ببلاهة وبذات الوقت تعجب من اتصالها به، فتح المكالمة فما كاد أن يتحدث؛ حتى وحدها تُقاطعه بإنهيار: إلحقني يا صهيب ماما قافلة عليا الأوضة وحبساني بعد ما ضربتي.
انتفض جسده بغضب هادرًا بحدة أقلقت هذا الجالس يُتابعه ويتابع إنفعالاته، فهتف صهيب صارخًا وهو يُجيبها: طيب اقفلي وأنا جايلك حالًا.
سأله قاسم بترقب بعد أن وقف من مضجعه بقلق: في إيه!

أجابه صهيب بغضب وهو يكز على أسنانه بحقد: صوفيا شكلها مش هتجيبها لبر، وديني لأوريها.
ربت قاسم على ذراعه قائلًا: طيب اهدى وحاول تتحكم بأعصابك عشان متعملش أي تصرف متهور، وأنا همشي دلوقتي وهكلمك كمان شوية من على الخط التاني تطمني إيه اللي حصل، تمام؟
تمام.

أجابه صهيب الذي انتشل ميدالية مفاتيحه ثم هبط معه للأسفل والغل يتآگل بصدره، وقبل أن يصعد لسيارته ويذهب؛ احتضنه قاسم قائلًا بحنان: هتوحشني لحد ما أشوفك تاني، خلي بالك من نفسك ياض وبلاش تهور، ولو عوزت أي حاجة أخوك موجود.
وكأنه بذلك العناق أخمد جزءً من تلك النيران المُشتعلة بصدره، فبادله العناق بحب أخوي شديد حُرِم منه لسنوات، وأجابه مُنصاعًا: حاضر. يلا مع السلامة وخُد بالك من نفسك أنت كمان.

مرَّ الليل بهدوء وعاد قاسم إلى المنزل وعقله مُنشغل بأخيه، دخل للمنزل فوجد چون جالسًا أمام الحاسوب كعادته، وأمام التلفاز يجلس كلًا من رائد وفور الذي يجلس وأمامه أصنافًا كثيرة من المأكولات، هز قاسم رأسه بيأس ثم تقدم منه قائلًا بعدم تصديق: يابني أنت مش بتتهد! ما تبطل طفح شوية يخربيتك!
نظر فور للطعام ثم عاد بنظره له قائلًا بضجر: يا رجل ما بك تنظر إلى طعامي! أنا لم آكل منذ الصباح لا تظلمني هكذا!

أمسك رائد بورقة مطوية موضوعة على الطاولة، ثم مد يده بها ل قاسم قائلًا ببرائة: أنا فاعل خير بس.
انتشل منه قاسم الورقة ناظرًا لما بها، فتوسعت عيناه بصدمة وشهق رغمًا عنه قائلًا بعدم تصديق: طالب أكل ب2000 جنيه يابن المفجوعة!
اصطنع فور التأثر وهو يقول بأسى زائف: انظر يا رجل. لقد أصبحت الأسعار غالية للغاية، تبًا لهم حقًا.

يا أخي تبًا لكَ أنت ومعرفتك، دا أنا لو كنت مصاحب بقرة كان هيبقى ليها منفعة عنك، على الأقل هنعرف نحلبها.
قهقه رائد عاليًا وبقوة من حديثه الذي صعد منه تلقائيًا نتيجة لصدمته، وكذلك شاركه چون الذي استمع للحديث كاملًا، فحدجه فور بسخط وهو يصرخ به: ما بِك تضحك كالنعجة! أنا أخيك يا أحمق عليك المدافعة عن كرامتي يا عديم الإنسانية.
نظر له چون بإندهاش ثم ردد بتهكم: أين كرامتك تلك فور أنا لا أراها!

هوب هوب جبهتك يا فور يا حبيبي ماشية بتتمغتر قدامي أهي.
نطق بها رائد ضاحكًا، لينفخ قاسم بنفاذ صبر من شجارهم والذي يبدو أنه سيطول، انتبه له چون فترك العِراك جانبًا الآن وتقدم منه يسأله بإهتمام: ما بِكَ حزين؟
حينها انتبه الجميع له مُثبتين أنظارهم عليه يتفحصونه بقلق، فرد عليه قاسم بلامبالاة: لأ مفيش شوية حوارات في الشغل وكدا هي اللي معكننة عليا.

ربت رائد على كتفه ثم اقترح عليه بثقة: اعمل زيي كل ما تكون متضايق أو زعلان اقعد في أوضة ضلمة لوحدك وأنت هترتاح.
رد عليه قاسم ساخرًا وهو يلوي شفتيه باستنكار: بقعد في الضلمة لوحدي بلاقي خيبتي منورة جنبي.
رد عليه رائد مُتمتمًا بصوت خفيض: في دي معاك حق، وأنا كمان خيبتي بتنور وبتجيب صحابها يونسوني.

ضحك بخفة ثم هب من مكانه واقفًا وهو يقول بإنهاك: أنا هقوم أنام بقى عشان مبقتش قادر أفتح عيني، تصبحوا على خير يا أخرة صبري.
ذهب من أمامهم متجهًا لغرفته، وكذلك وقف رائد من مكانه قائلًا بمرح: وأنا هدخل أطمن على نسواني وهنام.
ابتسم له جون بخفة تبعها بقوله اللطيف: عمت مساءً عزيزي.

تركهم رائد هو الآخر ليبقى الأخوان وحدهم معًا ينظران لبعضهم بهدوء دون حديث، اقترب جون بشدة من أخيه ثم همس له بريبة: ماذا فعلت، هل اتصل اليوم أيضًا!
أجابه فور هامسًا هو الآخر وهو يهز رأسه نفيًا: لا لم يُهاتفني منذ أسبوع تقريبًا.

تنفس چون الصعداء مُتمتمًا بالحمد، وما كاد أن يتحدث حتى وجد الهاتف يصدح بصوت عالي، انتشله فور سريعًا ناظرًا لشاشته، فاتسعت عيناه برعب بعد أن رأى اسم المتصل، رمى الهاتف ل چون قائلًا بهلع: ومصيبتاه! وكأنه استمع إلينا.
أمسك چون بالهاتف بارتعاش ورماه على فور الخائف هو الآخر قائلًا: خُذ هذا هاتفك أنت، ليس لي علاقة بك.

رمى له فور الهاتف مرة أخرى وهو يصرخ به بهلع: هذا هاتفك أنت يا حقير، لن أُجيب مهما حدث، أتريد قتلي!
وتلك المرة أمسك چون الهاتف بإرتباك وقلبه يطرق بقوة، ولحسن حظه وجد الهاتف قد أُغلق، ليتنفس الصعداء وهو يقول براحة: حمدًا لله، لقد نجونا.
وما كاد أن يحتفلا على نجاتهما حتى وجدا صوت الهاتف يصدح مرةً أخرى، تلك المرة قرر چون الإجابة، فحاول جعل صوته ثابتًا قدر الإمكان وهو يُجيب بهدوء مصطنع: مرحبًا أخي!

أبعد الهاتف عن أذنه من صراخ الآخر الذي صاح فجأةً بصراخ: كل هذا لتُجيب يا أحمق! أين أنت وأخيك المعتوه هذا!
فتح چون مكبر الصوت ليستمع له فور هو الآخر، ثم أجابه على مهل: لقد أخبرتك يا أخي أننا بنُزهة خارج البلاد قليلًا.
وتلك المرة تحولت نبرته للبرود الشديد وهو يسأله بترقب: نُزهة شهران! شهران وأنتما تتسكعان!

تلك المرة تحدث فور مُمازحًا إياه ليُخفف من غضبه الموجود خلف صوته البارد: كيف حالك ستيفن! لقد اشتقت إليك كثيرًا يا أخي.
أجابه ستيفن بحنق: وأنا لم أشتاق لك، أين أنتما يا فور!
ابتلع فور ريقه ينظر ل جون بقلق، ثم أجابه بتوتر: لقد قال لك چون بأننا في نزهة يا أخي لما لا تصدقني!؟
أجابه جون باختصار شديد وبدون مبالغة: لأنك كاذب.

انتشل الهاتف من يد ستيفن أخيه الأكبر والذي تحدث بشر وصوت قادم من الجحيم: أقسم لكما إن حدث ما يدور برأسي فلن أتهاون في تقطيع أجسادكم القذرة وحرقها دون شفقة.
ارتعش الهاتف بيد چون بينما لطم فور على وجهه برعب متمتمًا مع ذاته بشفقة: لقد انتهى أمرك فور، حسرةً على شبابي الضائع على يد أخوتي القاسيين.

حاول چون إستدراك الامر وأجاب بثبات رغم هلعه: صدقنا ألبرت لم نفعل شيء سيء أبدًا، سنأتي بعد شهران آخران ونتمتع قليلًا أنا وهذا المسكين.
أجابه ألبرت ببرود ونبرة ثاقبة وترته رغمًا عنه: حسنًا انتظركما.
ثم أغلق الهاتف بوجوههم دون إنتظار أي إجابة أخرى، التفت له ستيفن يسأله بإستنكار: أتصدقهما حقًا؟
حدجه ألبرت بنذقٍ ثم أجابه ساخرًا: أتظنني مُغفلًا لتلك الدرجة، أنا فقط أنتظر وسأرى ما يُرتبان له.

التفتا الإثنان على صوت ضجة مُرتفعة تأتي من الخلف، فقلب ألبرت عيناه بملل من أفعال أشقائه الحمقاء عندما وجدهم يرتدون ثيابًا ملونة!
اقترب ثلاثتهم منهم ليُشير لهم ستيفن باستنكار: اترتدون ثيايًا ملونة! هل حدث شيء ما بعقولكم المريضة تلك! نحن سنذهب لمهمة وليس لنزهة يا حمقى.
تحدث اندريه الذي هتف باعتراض: لا أحب تلك الثياب السوداء، تُشعرني بالكئآبة.

وافقه ليونيد في الحديث: وأنا أيضًا، كما أنني لا أحب إرتداء تلك السراويل الطويلة، أحب القصيرة أفضل.
وهُنا صعد صوت إيغور الذي تحدث ببلاهة: وأنا ارتديت مثلهم فقط.
انتفض الجميع بهلع عندما وجدوا آلبرت يدور حوله وكأنه يبحث عن شيء، ابتلع آندريه ريقه بتوتر ثم تسائل: عن ماذا تبحث يا أخي؟
رفع آلبرت أنظاره له يُطالعه بشر وهو يُجيبه بتهديد: عن المُبيد الحشري، أقسم بأني سأقتلكم به أيتها الحشرات الجرباء.

وتلك المرة اعترض إيغور ناطقًا بحنق: بربك أخي لا تكن هكذا! نحن فقط نرتدي ثيابًا ملونة!
أيد ليونيد حديثه بقوله: ماذا سيحدث إن ارتديت أنا الأحمر، و إيغور الأصفر، و آندريه الأخضر؟ أليست مُبهجة بربك؟
وقف آلبرت مكانه واضعًا يده على خصره ثم تحدث مُتهكمًا: تظنون أنفسكم إشارة مرور حقًا؟

قلب ليونيد عيناه بملل، فيما تحدث ستيفن بسخط: اذهبوا وارتدوا ثيابًا داكنة على الأقل، من السهل رؤيتكم تتحركون بتلك الثياب ليلًا.
لم يسمعوا له، لكنهم انتفضوا بفزع عندما وجدوا آلبرت أمسك بالمُبيد الحشري وتحدث بابتسامة شريرة: سأعد لثلاثة، إن وجدتكم أمامي بتلك الثياب سأرمي ذلك على وجوهكم العفنة تلك.

وقبل أن يبدأ بالعد وجد أشقائه يُهرولون من أمامه بفزع تمكن منهم بعد أن رأوا نظرة التهديد التي تلوح بعينه، حدجهم ستيفن بسخرية ثم التفت ل ألبرت قائلًا بشيء من السخرية: لا يقتنعون بفكرة أننا رجال شُرطة مُجندين، معاتيه.
هز آلبرت رأسه بيأس ثم اتجه نحو الخارج، أوقفه ستيفن بسؤاله المُتعجب قائلًا: إلى أين؟
ليرد عليه آلبرت بعبث وهو يُكمِل طريقه: إلى حيث أكون أنا.

انقضى الليل بهدوئه، بأرقه، بألامه، وصرخاته، وصدحت الشمس تشرق من جديد تُدخل البهجة على القلوب.
استيقظ رائد على صوت هاتفه فوجد الساعة العاشرة صباحًا، فرك عيناه بنعاس ثم اعتدل قي مضجعة بأرق، وبعدها أجاب على الهاتف بخمول: الو يا بابا.
انتظر قليلًا يستمع له ثم انتفض من مكانه قائلًا بفزع: مش لاقيينها! يعني إيه خرجت ومش لاقيينها! طيب طيب أنا جاي دلوقتي.

ارتدى ثيابه بإهمال ثم خرج مسرعًا من الغرفة فوجد الشباب جالسين يتناولون طعام الإفطار سويًا، قطب قاسم جبينه من حالته الهوجاء تلك ثم سأله مُستفسرًا: مالك كدا على الصبح.
أجابه بإستعجال وهو يرتدي نعله مسرعًا: أبويا كلمني وقالي إن ستي خرجت من الصبح ولحد دلوقتي مجتش ومش لاقيينها.
هب قاسم من مكانه وذلك الشباب، ثم قال وهو يذهب معه: إيه! طيب يلا أنا جاي معاك.

ذهبوا جميعًا نحو منزل رائد والذي دخله مسرعًا يسأل والدته الباكية: ستي جرالها حاجة يا ماما! لقيتوها!
هزت رأسها بنفي فانتقلت أنظاره لوالده الذي يجلس بحزن يضع رأسه بين كفيه يحاوطها بأسى، فأردف قاسم بعجالة: احنا هنروح ندور عليها يا عمي متقلقش وإن شاء الله نلاقيها.
دعمه جون في ذلك مُضيفًا: وسنبحث في جميع المشافي أيضًا.

التفت إليهم رائد يحدجهم بخوف، ثم تشدق بإرتعاشة ظهرت واضحة في صوته: طيب يلا عشان منضيعش وقت.
وما كادوا أن يتجهوا نحو الباب ليبدأوا برحلة البحث عن لواحظ؛ وجدوها تدلف من باب الشقة وهي تُغني وتدور حولها نفسها بهيام وكأنها فتاة عشرينية وليست كعجوز أصبح لديها أحفاد على وشك الزواج: الدنيا ربيع. والجو بديع. قفلي على كل المواضيع. قفل. قفل. قفل قفل...

توقفت عن الغناء عندما لاحظت وجوههم المُتشنجة باستنكار، وأول من هرع إليها هو محروس الذي سألها بخوف: أنتِ كنتِ فين ياما؟
ألقت عليهم لواحظ نظرة شاملة، ثم تحدثت بحماس وأعين ملتمعة من السعادة: بما إنكم كلكم موجودين فأنا عايزة أقولكم على حاجة.
قطبت چيهان جبينها بتعجب مُتسائلة: حاجة إيه يا حماتي؟
أخفضت رأسها بخجل قبل أن تُتمتم بحرج وصوت خفيض: أنا متقدملي عريس!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة