قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية حارة القناص الجزء الأول للكاتبة شروق حسن الفصل الثالث والأربعون

رواية حارة القناص الجزء الأول للكاتبة شروق حسن الفصل الثالث والأربعون

رواية حارة القناص الجزء الأول للكاتبة شروق حسن الفصل الثالث والأربعون

كان الشباب يحملون الأطباق بين أيديهم بعد أن أمرتهم چيهان بمساعدتها، تأفف رائد أثناء وضعه للطعام على الطاولة بقوله: يعني الواحد عشان ياكل لازم يتذل كدا؟ والله حرام.
جائه الرد من جيهان التي ضربته بقبضتها على ظهره وهي تقول بحنق: أومال عايز تاكل كدا من غير ما تعمل بلُقمتك؟ اخلص يا ولا ادخل هات باقي الأطباق.

طالعها رائد بضجر ثم استدار برأسه تجاه يحيى الجالس على الطاولة يأكل بنهم، ليُشير إليه بسبابته قائلًا بغضب: إشمعنى يحيى جاب طبقين وبعد كدا قعد؟
نظرت چيهان حيث يحيى اللامُبالي، ثم ذهبت إليه تجذبه من ياقة ثيابه أثناء قولها الحانق: وأنت قوم يا منيل هات طبقين الفول من جوا.

رفع يحيى أنظاره إليها مُطالعًا إياها هي وابنها بضيق، ثم هبَّ من مكانه زافرًا بسخط: أنا مش عارف الناس إيه اللي جرالها؟ مفيش احترام للضيف كدا خالص؟ لا حول ولا قوة إلا بالله.
رفعت چيهان حاجبيها باستنكار وبعدها تحدثت باستفزاز: خلصت؟ ادخل بقى هات باقي الأطباق بدل ما أحلف عليك ما أنت واكل.

لوى يحيى شفتيه بغيظ ثم استدار ل رائد دافعًا إياه أمامه باتجاه المطبخ، وبعدها تحدث بصوتٍ حانق: يلا ياخويا نجيب باقي الأكل من جوا، أصل أنت وأمك هتذلوني.
قالها ثم دلف كلاهما إلى المطبخ لجلب بقية الصحون، بينما التفت چيهان نحو سيف الذي يُطالع الجميع بابتسامة خجولة حَرجة، رسمت جيهان على فاهها ابتسامة واسعة أثناء اقترابها منه وهي تقول: منور يا حبيبي.
رد عليها سيف مُبتسمًا بخفوت: بنورك يا طنط تسلمي.

طالعته چيهان بحنان قبل أن تُشبِّك أصابعها معًا وهي تقول بحسرة: عيني عليك يابني! إيه بس اللي جمعك مع جوز التيران دول! هيبوظوك وأنت لسه قلبك طيب.
قطب جبينه بتعجب وهو يتسائل باستغراب: إزاي مش فاهم؟
اقتربت منه چيهان للجلوس بجانبه، ثم تحدثت بصوتٍ خافت هاديء حتى لا يسمعونها زوج الثيران كما تقول: أصل بيني وبينك العيال دول متربوش.

حدجها مُستعجبًا، لتُوميء له برأسها وهي تؤكد له: أيوا اسمع مني، الواد رائد دا أساسًا مش ابني وأنا متبنياه، و يحيى صاحبه، يعني طبيعي يبقى زيه.
فرغ فاهه وهو يضحك بدهشة حقيقية، لتُكمل حديثها بهمس وهي تُمسك بمعصمه: اهرب. اسمع مني أنت متنفعش مع الأشكال دي.
ضحك سيف عاليًا ثم أردف من بين ضحكاته: يا طنط بتقولي إيه بس؟ والله رائد ويحيى محترمين جدًا.

في تلك الأثناء أتى كُلًا من رائد ويحيى الذين تسائلوا بتعجب: ضحكونا معاكم!
تجاهلتهم چيهان التي طالعت سيف بنظرات ودودة ثم أخبرته قائلة: ما بلاش بقى كلمة طنط دي وقولي يا چيجي زي العيال دي.
توترت أنظار سيف الذي طالع أصدقائه لينجدوه، لكنهم وقفوا مُبتسمين للموقف بأكمله، فعاد هو بنظراته نحو چيهان قائلًا بحرج: بس. بس مش هينفع، حضرتك في مقام والدتي ومينفعش أقولك كدا.

استدارت چيهان برأسها نحو الشابين قائلة: شايفين الأدب والأخلاق؟ اتعلموا يمكن تتربوا.
امتعضت وجوههم بسخطٍ، فعادت بنظراتها نحو سيف الذي يضحك بخفة، ثم تحدثت بحنان: لأ يا حبيبي هينفع وأنا هكون مبسوطة بدا، وبعدين أنا لسه صغيرة، إيه طنط اللي بتقولهالي دي؟
تدخل يحيى في الحديث بقوله الحانق: يابني قولها يا چيچي وانجز عايزين ناكل.
طالعها سيف بتردد قبل أن يتشدق بحرج: حاضر يا چيچي.

ربتت چيهان على قدمه بحنوٍ بالغ ثم هبت من مجلسها تقول له بود: ايوا كدا، يلا قوم بقى علشان نتسحر.
وقف معها سيف ثم سار معها عدة خطوات ليجلس على مقعد السُفرة العريضة بجانب يحيى الذي يجلس بالمنتصف بينه وبين رائد، ولم تمر سوى ثوانٍ حتى خرج محروس من غرفته مُتثائبًا وهو يتشدق بضيق: قولتلك يا چيچي نتسحر قبل ما ننام بس أنتِ مش بتسمعي الكلام.

أجابته چيهان وهي تضع خُبزًا أمامه بعد أن جلس مُترأسًا الطاولة: ناكل قبل ما ننام ونفضل طول النهار جعانين يا محروس؟
هز محروس رأسه بيأس قبل أن يتثائب مُجددًا، لكنه انتبه الآن من وجود سيف الذي يشعر بالخجل من اقتحامه لخصوصيتهم بهذا الشكل، عكس يحيى الذي يأكل دون أن يُبالي بمن حوله:
إيه دا سيف؟ عامل إيه يا ابني؟
رد عليه سيف وهو يبتسم بمُجاملة: الحمد لله يا عمو بخير، معلش بقى أسف على الإزعاج.

هز محروس رأسه نفيًا وهو يُعاتبه: إزعاج إيه بس هزعل منك، دا أنت زي ابني وأبوك الله يرحمه كان عِشرة عُمر يا راجل.
تسلملي يا حَج ربنا يخليك.
قالها بهدوءٍ ناظرًا إليه بامتنان، لينتبه على صوت چيهان الذي تسائل باهتمام: أومال فين الست والدتك مجتش معاك ليه؟
أجابها ضاحكًا بعد أن ابتلع الطعام الذي بحلقه: لأ ماما زمانها رايحة في سابع نومة، هي بتصلي العشا وتنام على طول بسبب دواها.

ردت عليه چيهان بحنان: ربنا يشفيها ويبارك في عمرها يارب.
آمن الجميع على دعائها، وفضَّلوا تناول الطعام بصمت، بعد فترة من الوقت رفع رائد أنظاره لوالدته يتسائل بانتباه: أومال فين سهيلة يا ماما؟
أجابته والدته وهي تلوك الطعام داخل فمها: قالت إنها مش جعانة وقاعدة بتذاكر في أوضتها.

أومأ لها رائد بصمت وفؤاده يطرق بقلق على حالة شقيقته، يعلم بأنها تتعامل باعتيادية مع الجميع، لكنه يفهم الحزن الذي تُخفيه عنهم، وهو سيعمل على تخفيفه.

وبالذهاب إلى قصرِ عائلة تشارلي.
نجد أن الجميع قد انتهوا من تناول الطعام (السحور) ثم تفرقوا إلى غرفهم بعد أن ألقى كُلًا من قاسم وصهيب نظرة مُفتخرة على المنزل الذي حولوه إلى مكان مليء بالزينة الرمضانية والفوانيس المُبهجة للنفوس.

جلست أهلة على الأريكة أمام المدفئة وبجانبها قاسم يعبث بهاتفه وهو يُدلك فروة رأسها بحنان بعد أن أخبرته عن صداع رأسها، فقرر تخفيفه ولو قليلًا وأتى بطبقٍ من الطعام المُفضل لها ورق عنب ليُطعمها إياه حتى يأتي موعد آذان الفجر.
مطَّ قاسم شفتيه بصمتٍ مريب وهو ينظر لتلك الرسالة التي بعثها إليه وليد، لم يترك ذاته لرأسه تُفكر أكثر، بل قام بمهاتفته على الفور والنقاش حول ما علمه.

في تلك الأثناء كانت أهلة شاردة في قاسم تُطالعه بابتسامة هائمة وكأنها لم ترى رجلٍ قط، تنظر لوجهه البشوش، عيناه الحادة القاتمة، وتستمع لصوته العميق الآجش، تستشعر حنانه المُغلف بالحب، كل شيءٍ به يؤسرها وهي باتت كالسجينة تحت ملكوت يده.

انتبه لنظراتها وهو يتحدث بالهاتف، فأرسل إليها ابتسامة صافية شغوفة زادت من نبضات فؤادها أثناء تدليكه لرأسها بحنان، انتقلت عدوى ابتسامته لها فابتسمت هي بالمقابل له، وبعدها سمعته يتحدث للطرف الآخر بقوله الخبيث:
امممم. يعني هو دلوقتي عِرف كل حاجة واللعب بقى على المكشوف!

انتظر قليلًا حتى استمع للطرف الآخر، فانحني بجسده قليلًا يلتقط إصبعًا من طبق الطعام الذي أمامه ثم وضعه داخل فمها وكأنها طفلة لا تقدر على تناول الطعام وحدها، وبعدها تشدق بخبث:
لأ متعملش حاجة، وطالما عِرف يبقى يا مليون أهلًا وسهلًا، دا الغالي ولازم نوجب معاه برضه.

كانت أهلة تتابعه باهتمام وهي تلوك الطعام داخل فمها، حديثه غير مفهوم لكنه مُقلق بعض الشيء، جفلت على مد قاسم يده بالطعام مرة أخرى، لتقول بهمس: شبعت والله.
رمى لها نظراتٍ مُحذرة فاضطرت إلى تناول الطعام رغمًا عنها، فحاول قاسم إخفاء ابتسامته التي ظهرت ثم تشدق بجدية ل وليد:.

طيب تمام يا وليد أنت كدا عملت اللي عليك وزيادة، المهم دلوقتي تخلي بالك كويس أوي عشان أكيد مختار شك فيك بنسبة مليون في المية، ولو حسيت بأي خطر على حياتك انسحب فورًا من غير تفكير، أنا معنديش استعداد أخسرك لأجل مصالحي.
انتظر قليلًا ليستمع للطرف الآخر، وبعدها ابتسم بخفة وهو يقول بامتنان: تسلم يا وليد، سلام.

أغلق الهاتف ثم مدَّ يده مرة أخرى لإلتقاط الطعام، لتزفر أهلة بضيق وهي تتذمر: والله شِبعت حرام بقى.
أصمتها بتحذيرٍ وهو يقول بقوة: اصمتي يا امرأة، كُلي كويس عشان تعرفي تصومي بكرة بدل ما تقعي مني.
تناولت ما بيده من طعام ثم قالت وهي تُقلبه داخل فمها: يعني هي دي أول مرة أصوم؟ وبعدين أنا مكنتش بتسحر أصلًا أنت تحمد ربنا.

قرصها قاسم من خدها بخفة قائلًا بمشاكسة: كُلي يا هولا ومتجادلنيش عشان هتاكلي يعني هتاكلي.
طالعته أهلة بيأس أثناء ابتلاعها للطعام، ليُقرر أن يرفق بها قليلًا، فأبعد الطعام عنها ثم استدار لها بجسده بأكمله متشدقًا أثناء امساكه بكفها: ها قوليلي بقى! حاسة إن بقى فيه تغيير في حالتك بعد ما اتعالجتي من الكتمان؟

طالعته أهلة قليلًا بصمتٍ ثم أومأت له بالإيجاب وهي تتنهد بعمق، ثم أردفت بنظراتٍ شاردة: بقيت أحسن بكتير، حاسة كإنه جبل واتشال من على قلبي، كنت زي الغريق اللي مش لاقي طوق النجاة واتعلقت بقشاية.
طالعها بحنوٍ بالغ، فمرر إصبع إبهامه على كفها من الداخل مُتسائلًا بترقب: والوسواس؟
أجابته بعد أن زفرت بضيق: بدأ يقل.

تسائل مُجددًا وكأنه لا يمل من السؤال على صحتها: طيب أنت كنتِ بتتقرفي وبتجيبي اللي في بطنك كتير، دلوقتي بقيتي بترجعي قد إيه؟
استشعرت حنانه ونبرته القلقة، فردت عليه بابتسامة خافتة: يعني أنا في الأول كان ممكن أجيب اللي في بطني حوالي خمسين مرة في اليوم، حرفيًا كنت بتقرف من أي حاجة لدرجة إني لما بغير هدومي كان ممكن أرَجَّع بسبب إني مقروفة من إن الهدوم دي، يمكن تكون مش مغسولة كويس أو لسه مش نضيفة.

ودلوقتي؟
تسائل بترقب لتُجيبه بارتياح: دلوقتي ممكن 10 مرات أو 15 مرة في اليوم.
ومن إيه التغير دا؟ إيه الفرق يعني؟

في الأول كنت بكتم في نفسي دايمًا، مش بعرف أعبر عن حزني أوي زعلي فبضطر إني أفتكر كل الذكريات البشعة اللي أنا مريت بيها، مكنش قدامي فرصة في التعبير عن اللي واجعني فكنت بتقرف، لكن دلوقتي الموضوع اختلف، بقيت بعرف أعيط وببين مشاعري، رغم إني لسه متعالجتش من الوسواس بس أثاره لسه عندي وعايزة دا كله ينتهي.

كان يستمع إليها بكل ذرَّة في وجدانه، عيناها المُلتمعة بسعادة بثت الفرح داخل فؤاده، اقترب منها قليلًا ثم ضمها إليه قائلًا وهو يُقبِّل جبينها بحنان: هتتعالجي وهتبقي كويسة وأحسن من الأول، كلها أسبوع وهترجعي تستكملي رحلة علاجك.

كانت قلقة بشأن هذا الأمر، سيُكشَف كل شيءٍ كانت تُخفيه عن الجميع، تخشى أن يعلم به قاسم فيتركها وحدها لتنتكس بدونه، ابتلعت ريقها بصعوبة تُحارب تلك الأفكار التي لا تنفك أن تحوم داخل عقلها، وحينها لم تجد ما يُطمئنها سوى مُبادلته لعناقه الدافيء الجميل، ودت لو تظل هكذا حتى لو ألف عامٍ وتبقى لجواره، لكن كل أحلامها ذهبت هباءً عندما ابتعد بجسده عنها دون حتى الحديث!

تابعته بعيناها بتعجب، لتجده قد ذهب نحو أحد الأدراج وقام بفتحه، وبعدها قام بإخراج صندوق متوسط الحجم مُغلف ومربوطٍ بشريطة لامعة بُنية اللون، عاد بخطواته لها ثم جلس أمامها راميًا إليها ابتسامة مُتسعة، لتتسائل هي بتعجب: إيه دا؟
أجابها وهو يُراقب وجهها الذي تحول للسعادة عقب إجابته: وعدتك إني هجيبلك بوكس رمضان، ودلوقتي أنا بوفي بوعدي ليكِ.

نظرت إليه بسعادة ثم حوَّلت أنظارها نحو ذلك الصندوق المُغلف تُتابعه بأعيُن مُلتمعة، بينما هو مدَّ يده بالهدية قائلًا بحب: كل سنة وأنتِ طيبة وفي حياتي يا هولا.
ظلت أهلة صامتة لثوانٍ وهي وحدها مَن تستمع لصخب فؤادها، وبعد مُدة قليلة مدت يديها لأخذ الصندوق بعد أن هتف بإصرار: مش هتاخدي هديتك تشوفيها؟

التقطت أهلة هديتها وعلى ثغرهها ترتسم ابتسامة واسعة سعيدة، وبتروٍ شديد قامت بإزالة الرابطة من حول الصندوق، وبعدها قامت بفتحه، لتُصدم من جمال الهدية التي جعلت الدمعات تترقرق داخل حدقتاها بسعادة!

فقد كان الصندوق يحتوي على مصفحين متوسطي الحجم، واحدٌ من اللون الأسود، والآخر من اللون الوردي المُبهج، لكن صفحاته تحتوي على ألوانًا مُختلفة لتسهيل الحفظ، وبجانبهم يوجد كتابين صغيرين يقصان قصص الصحابة وغزوات الرسول، لكن ما شغل انتباهها أكثر هو ذلك الإسدال والذي كان أبيض اللون ومنقوشًا بنقوشٍ سوداء زادته جمالًا، وموضوعًا أسفله فانوسًا من اللون البُني الداكن يحتوي بداخله على هلالٍ من اللون الذهبي اللامع، ومن الخارج منقوشًا عليه أَهِلَّة القاسم بخطٍ ذهبي مُزخرف جميل، وأخيرًا رأت مسبحتان مُتجاورتان، واحدة من اللون الأسود، والأخرى من اللون الأبيض، وفي النهاية وجدت ورقة مُدون عليها بخط يدٍ جميل ومُهندم:.

عيناكِ كنجمتين وجدتني ضالًا شريدًا؛ فهديتني.
رفعت أنظارها إليه تُطالعه بدموعٍ وعدم تصديق، هل فعل هذا كله لأجلها هي! كان هو ينتظر ردها لكنه لم يجد سوى دموعٍ تُزين حدقتاها، ليقترب منها مُجففًا دموعها مُتشدقًا بعتاب: وليه الدموع دي بس؟

وبدون أي كلمة ألقت ذاتها داخل أحضانه بعد أن وضعت الصندوق جانبًا، أحاطت عنقه بكلِ قوةٍ لا تريد تركه ولو للحظة واحدة، بينما هو أحاط بخصرها يضمها إليها بشوقٍ وعشقٍ يتزايد دون إرادة منه، لقد امتلكته بالمعنى الحرفي ولا يجد طوق نجاة من عينيها، لقد آسرته!

استمع إلى صوت شهقاتها الخافتة التي صعدت رغمًا عنها، ليُهدهدها بحنانٍ أثناء قوله المُشاكس: هي الهدايا بتعيطك أوي كدا؟ على كدا بقى وفرتي عليا جامد ومش هجيبلك هدايا تاني.

ضحكت رغمًا عنها ضاربة إياه بقبضتها الصغيرة على ظهره، لتستمع إلى صوت ضحكاته يعلو تدريجيًا عليها، وللمرة التي لا تعلم عددها أخرجها من حزنها واحتوى تعبها دون كللٍ أو مللٍ منه، قبَّل جانب عنقها برقة ثم أبعدها عنه قائلًا وهو يُجفف عبراتها المُناسبة: قومي يلا اتوضي واجهزي علشان الفجر قرَّب يأذن.

أكملت مسح عبراتها العالقة بين أهدابها ثم وقفت في مكانها في نية للتوجه إلى المرحاض لتتوضأ، لكنها توقفت في مكانها ثم انحنت عليه مُقبِّلة وجنته وهي تقول بامتنان قبل أن تذهب مُسرعة إلى المرحاض: ربنا يديمك ليا.
قالتها ثم هرولت خجلًا، ولسوءِ حظها لم ترى ابتسامته الهائمة التي تشكلت على وجهه، وبهمسٍ عاشق تحدث: ويديمك ليا يا روح قلبي.

مرت بعض الدقائق وخرجت أهلة من المرحاض مُرتدية الإسدال الذي جلبه لها قاسم وكم كان رائعًا عليها بحق! اتسعت ابتسامته عند رؤيتها فاقترب منها حتى وقف قبالتها وهو يقول بمشاكسة: شايفة وشك في الحجاب منور إزاي؟

استدارت أهلة نحو المرآة تُطالع مظهرها بتمعن، بات وجهها طفوليًا وجميلًا يحمل من الرقة ما جعل فؤاد الآخر ينبض بقوة، عادت بأنظارها له فوجدته يمد يده لها بزجاجة المياه وهو يقول: خُدي اشربي بسرعة فاضل دقيقيتن.

وبالفعل قامت بشرب المياه وانتظر كلاهما لعدة دقائق ثم بدأ قاسم بالصلاة، هو إمامها وهي تقف خلفه، صوته شجن يبث الراحة للقلوب، ينتقي من الآيات ما يُريح الأنفس والعقول، كانت تستمع إليه بكل ذرَّة بوجدانها، تتمعن في معاني الكلمات بكلِ انتباهٍ حتى انتهوا من صلاة الفجر، وبعدها رفع هو يده للأعلى يُناجي المولى عز وجل، يدعو لذاته أحيانًا، ولشفاء والدته تارةً، وأن يحمي أخيه أحيانًا اخرى، حتى أنهى دعائه بقوله الهامس المُترجي:.

وفؤادي يا الله بات مُتعلقًا بها، فأرني بها عجائب قُدرتك وأدخل السعادة لقلبها، وأدخِل السرور بداخلها ليتغلغل بين أوردتها، فإنه يعز عليَّ ضعفها وحُزنها، وأنقذ عبدٌ فقيرٌ جاء لبابكَ راجيًا، واجعلها من عبادكَ الصالحين فتدخل الجنة راكضة.
أنهى دعائه ثم استغفر قليلًا فوجدها تفعل المثل، وما كاد أن يتحدث حتى وجدها تمد يدها له بالمسبحة تطلب منه بابتسامة واسعة: خُد سبَّح ربنا.

أخذ منها المسبحة السوداء وجلسا معًا على سجادة الصلاة يُسبحان معًا، لتنطلق بعدها صوت الأمطار تهبط بكثافة من حولهم في الأرجاء، وأصوات السماء التي تُفتح مُسببة الرعد الذي يصدح بضجة عالية، وكأن إل ههم يُخبرهم بوجوده، يُخبرهم بأن يدعوه ليستجيب لهم، أبواب السماءُ مُنفتحة ودعواتهم تُستجاب بسرعة عالية.

اليوم الأول من رمضان الذي تصومه بكلِ خشوع، تقف في المقابر وسط الآلاف من الأموات الذين غادروا تلك الحياة تاركين ندوبًا في أفئدة أحبائهم، وضعت سهيلة الورود المُممسكة بها على قبر صديقتها الحبيبة الراحلة، تُطالعه بنظراتٍ مُشوشة بسبب تلك الدموع التي احتلت عيناها، وبقلبٍ مكلومٍ همست باشتياق: وحشتيني يا عائشة.

ومع همستها الأخير هبطت دمعة شاردة من عيناها بعد أن تمردت في أسرها، اقتربت سهيلة أكثر حتى وضعت كفها على صخورِ القبر وكأنها تلمس صديقتها، وبابتسامة واسعة مليئة بالألم أردفت: أنا جيتلك النهاردة أول واحدة، جيتلك وأنا متغيرة من جوا ومن برا، أنا لبست الخمار يا عائشة.

عضت على شفتيها تُحاول منع ذاتها من البكاء، لكن محاولتها بائت بالفشل عندما ارتفعت شهقاتها لتعلو رغمًا عنها وهي تستكمل حديثها بقولها الباكي: فكرت في الخطوة دي كتير قبل ما أخدها، وبحثت كتير علشان ألبسه صح، كنت هبدأ بالحجاب الأول بس. بس أنا عايزة أكون زيك، عايزة لما أموت أكون مُبتسمة وفرحانة زي ما شوفتك، أنتِ وحشتيني أوي، وحشني الكلام معاكِ وضحكنا مع بعض، سيبتي فراغ كبير في حياتي أنا مش عارفة أتعود عليه.

تمالكت نفسها قليلًا فرفعت كفها لمسح دموعها، ثم أردفت ببسمة مُمتزجة بدموعها: فاكرة لما كنتِ بتقوليلي إنك عايزاني أعمل كل حاجة ترضي ربنا عشان يوم القيامة ندور على بعض وندخل الجنة سوا؟ أنا دلوقتي بعمل كل حاجة أقدر عليها عشان أدخل الجنة، بقيت أحفظ قرآن، ومحافظة على صلاتي، مبقتش أسمع مسلسلات ولا أفلام، سيبت كل حاجة وحشة أنا كنت بعملها، يوم القيامة لو ملقتنيش في الجنة يا عائشة ابقي نادي عليا، اطلبي من ربنا إنه يشفعلي.

ابتلعت ريقها بصعوبة بالغة وقد استحكمت غصتها الباكية على حلقها، وبدون إرادة منها انفجرت باكية، وضعت كفها على وجهها لتُخفية قائلة من بين شهقاتها العالية: أنتِ وحشتيني أوي يا عائشة، وحشتيني أوي ونفسي أشوفك وأحضنك ولو لمرة واحدة بس.

أخفت وجهها وظلت كما هي تبكي، ذكرياتها القليلة مع صديقتها تُحيي بداخلها الكثير والكثير من المشاعر المُشتاقة، تلك المشاعر التي ظنتها ستخفت تدريجيًا مع مرور الأيام، لكن الأيام لم تُزيدها إلا شوقًا، شعرت بمن يُربت على ظهرها ويُحيط بكتفها، لكنها لم ترفع وجهها وظلت تُخفيه عن الأنظار، رفضت رفع وجهها حتى لا يراها أحد بهذا المظهر البشع، لقد انهارت بما فيه الكفاية.

لكن مهلًا! تلك الرائحة هي تعرفها جيدًا! تلك الرائحة التي ظلت عالقة بذهنها حتى الآن! رائحة المِسك التي تخص صديقتها والتي استنشقتها يوم وفاتها! حينها كانت الغرفة تفوح بتلك الرائحة حتى تركت أثرًا داخل فؤادها، كيف تشمها الآن؟ كانت مازالت تلك الأيدي تُربت على ظهرها لتُهدهدها، لكن ما إن رفعت وجهها لترى الفاعل؛ حتى صُدمت عندما لم تجد أحدًا يُحيطها، المكان فارغ بالكامل ولا يوجد سواها!

طرق فؤادها ببعضٍ من الخوف ومازالت تنظر حولها بسرعة علها تلمح أحدًا، لكنها لم تجد ظل شخصٍ واحد حتى، وتلك الرائحة! تلك الرائحة مازالت تحوم حولها؛ وكأن روح صديقتها موجودة معها الآن وأتت لمواساتها، ولو كانت في موقف آخر لهرولت بعيدًا عن المكان بأكمله، لكنها ابتسمت سعيدة مُرددة بعدم تصديق: عائشة؟ عائشة أنتِ معايا وسمعاني صح؟

ولأسفها الشديد لم تحصل على جواب، وكيف ستحصل على جوابٍ من شخصٍ ميت؟ لكنها رمت كل هذا خلف ظهرها وتحدثت بسعادة بعد أن جففت دموعها: لو شيفاني بُصي الخمار حلو عليا إزاي؟ أنا بجد مبسوطة وفرحانة أوي، أنتِ أول واحدة تشوفيني، أنا خرجت من البيت بدري أوي عشان محدش يشوفني وتكوني أنتِ أول واحدة.

قالت كل حديثها بحماسٍ دفعةٍ واحدة وكأنها تخشى ذهاب صديقتها قبل أن تبوح بما يختلج صدرها، لكن كل هذا الحماس خفت تدريجيًا عندما تداركت الأمر، وعادت الدموع لتحتل عيناها مجددًا، وبعدها همست بصوتٍ مبحوح: أنا طلعت صدقة جارية كتير على روحك، وختمت القرآن مرتين، وبإذن الله لو روحت عملت عُمرة هعملك معايا، أنا بحبك أوي وعايزاكِ معايا على طول.

وظلت تتحدث مع صديقتها لدقائق أو ربما لساعاتٍ، لا تدري، لكنها اشتاقت لها وبقوة، قصت لها حياتها وما حدث طوال فترة غيابها، كذلك روت لها على فور وأنها باتت لا تُحدثه، بل إنها تركت الأمر لخالقها وإن كان خيرًا لها فسيأتي دون مجهودٍ منها، وتمر الساعات وهي هكذا، تجلس وتحكي وتبكي أحيانًا، لكن الشعور الطاغي على فؤادها هو الاشتياق.

مرارة الفراق قاسية، خاصةً وإن كان الراجل قطعة من الروح وفلذة من الكبد.

أنهت نبيلة صلاة الصبح وبعدها قرأت وِردها اليومي، وبعدما انتهت من قرائته وضعت المصحف جانبًا، ثم مدت يدها أسفل الفراش لتُخرِج صندوق صغير يحتوي على بعض الأشياء التي تتخذها كَذكرى لها، أمسكت نبيلة بإحدى الصور ثم نظرت لمن بها، فتاة شابة تعدت الثامنة عشر من عمرها تحتضنها وعلى ثُغرها ابتسامة واسعة، هبطت دموع نبيلة بصمتٍ وهي تهمس بقلب أمٍ مفطور: وحشتيني يا حبيبتي، وحشتيني أوي يا نور عيني.

قالتها ببكاءٍ ثم رفعت الصورة إلى فمها لتُقبلها بحنان شديد، لكن عيناها قد لمحت صورة أخرى لأكثر رجل تبغضه، وهو زوجها، زوجها الذي تسبب في دمارهم بسبب فسقه وجبروته، وبعد وفاة ابنتها عاد نادمًا يبكي، وكأنه لم يقوم بتدمير الجميع عندما اجتمع مع رجالٍ فاسدون تسببوا في تجرعه للمواد المُخدرة، ليتحول حينها كالثورِ الهائح ويَطيح بالجميع دون النظر إلى هيئته الجسدية أو سِنه الصغير.

وبصوتٍ مبحوحٍ أردفت: ربنا يجحمك زي ما أنت حولت حياتنا لجحيم.
همست بها من كل قلبها، فؤادها مكلومٌ وربها سميع، وفي تلك الأثناء دخلت عليها يمنى التي تحدثت بتلقائية: ماما فين ال...
لكنها قطعت حديثها بجزع عندما أبصرت والدتها التي تمسح دموعها بسرعة حتى لا تراها، لكن الوقت قد فاتَ ورأتها، اقتربت يمنى من والدتها ثم تسائلت بقلق وهي تجلس أرضًا جانبها: مالك يا ماما بتعيطي ليه؟

نفت نبيلة برأسها وهي تُربت بيدها على وجهها بحنان: مش بعيط يا حبيبتي أنا كويسة.
لم تُصدقها يمنى بالطبع، وازداد تأكدها عندما رأت الصورة التي تُمسكها بين يدها، لتلتقطها منها وهي تنظر إليه بابتسامة قائلة: أختي؟
عادت الدموع لتتكون بعينيّ نبيلة مُجددًا، ثم أومأت لها باشتياق وهي تقول: أيوا هي.

عادت يمنى بأنظارها نحو الصورة مُجددًا تُطالع وجه تلك الفتاة، وجهها أبيض وخديها مُملتيء قليلًا، تُشبه والدتها إلى حدٍ كبير، خاصةً بعيناها العسلية التي تمتاز بها، وبحنينٍ بالغ همست: ربنا يرحمها.

ورغمًا عنها تشكلت الدموع داخل عيناها، تُذكرها تلك الفتاة بمعاناة شقيقتها أهلة، لقد عانت مثلها تمامًا أو أكثر قليلًا، رفعت ناظريها إلى نبيلة فوجدت دموعها تبهط بصمت، لتضع يمنى الصورة جانبًا ثم ضمت ذاتها إلى والدتها التي أحاطتها بحب وهي تهمس قائلة: متزعليش يا ماما، هي أكيد في مكان أحسن من هنا، ادعيلها بس ربنا يرحمها، وإحنا كمان مش ناسينها في دعائنا.

ربتت نبيلة على ظهرها بحنانٍ قائلة: ربنا يخليكوا ليا ويبارك فيكم يا حبيبتي.
ابتعدت عنها يمنى وهي تمسح دموعها ثم أردفت بمزاح: فرفشي بقى لأحسن ملك تدخل علينا دلوقتي وتشوفنا بنعيط تقلبها مناحة.
ضحكت نبيلة بخفة تُوافقها الرأي: على رأيك، رغم إن دماغها جذمة قديمة إلا إنها أحسن واحدة فيكم.

أومأت لها يمنى موافقة إياها وهي تقول بحب: معاكِ حق، ملك قلبها أبيض رغم تصرفات العيال اللي هي بتعملها، وبتحبنا كلنا ولا كإننا حياتها كلها.
وما إن أنهت حديثها حتى وجدت ملك تدخل عليهم الغرفة قائلة بطريقة سوقية بعض الشيء: يامّا! هنعمل أكل إيه النهاردة؟
طالعتها نبيلة باشمئزاز وحاولت بقدرِ الإمكان ألا تضحك: يامَّا؟ تصدقي يا بت أنتِ لو متربية في الشارع هتتكلمي أحسن من كدا.

جعدت ملك وجهها بسخط وردت قائلة مُتجاهلة حديثها: أيوا مقولتيش هنعمل أكل إيه النهاردة؟
كتمت يمنى ضحكتها بصعوبة، لتستمع إلى صوت نبيلة الحانق وهي تُشيح بيدها أمام وجه الأخرى: المطبخ عندك، ادخلي أنتِ وأختك اعملوا اللي انتوا عايزينه.
فتحت ملك فاهها بعدم تصديق وهي تقول بصدمة: إيه؟ إحنا اللي هنطبخ؟
لتُجيبها نبيلة ساخرة: أومال أنا اللي هطبخ؟ يعني مش عيب يكون معايا شحطتين زيكم وأنا اللي أقوم أطبخ؟

نظرت إليها يمنى بضيق قائلة باعتراض: في إيه يا ماما؟ على الأقل راعي إني كنت بواسيكِ من شوية.
دفعتها نبيلة من كتفها بخفة وهي تقول مُستنكرة: شكرًا ليكِ يا عين أمك، قومي يلا بقى واطبخي أنتِ والهطلة التانية.
نظرت الفتاتان لبعضهما بجهلٍ، لتستكمل نبيلة حديثها بخبث: لو مقومتيش أنتِ وهي؛ هقول ل يحيى يجي ياخد حاجته، وهرفض رائد اللي جِه يتقدم ل ملك.

طالعتها الفتاتان بصدمة، لتهب يمنى فجأة من مكانها قائلة وهي تدفع شقيقتها التي مازالت على صدمتها أمامها وهي تقول بلهفة: ياخد حاجته إيه بس يا ست الكل؟ إحنا أساسًا كُنا هنعمل الأكل بس بنهزر معاكِ.
نظرت نبيلة لهم بنظرة جامدة مُحذرة، وما إن اختفوا عن ناظريها؛ حتى ارتسمت على شفتيها ابتسامة حنونة، وبهمسٍ خافت دعت لهم برجاءٍ بقولها: يارب احفظهم ليا يارب ومتورنيش فيهم حاجة وحشة قادر يا كريم.

أصواتُ النسيم العليل تلفح الوجوه والأماكن؛ فتُسبب انتعاشها، لفح الهواء البارد بشرة أهلة النائمة بعمق، نظرت جانبيها فلم تجد قاسم موجودًا في مكانه بالأساس، اعتدلت من مضجعها وتثائبت بكسلٍ وهي تفرد ذراعيها ليتبخر كسلها، نظرت لما ترتديه فوجدت ذاتها ترتدي ثياب قاسم، ذلك المُتذمر الحنون والذي يغضب عند ارتدائها لثيابه، ضحكت بخفة عندما تذكرت ردات فعله في الآونة الأخيرة، وتلك المرة قررت اغاظته مرة أخرى والهبوط بثيابه لتتبختر أمامه، ولكن قبل هذا توضأت وصلت فرض الظهيرة أولًا قبل الهبوط.

هبطت أهلة للأسفل فوجدت الفتيات وحدهن من يجلسن بغرفة الصالون، ولا يوجد أثرًا للرجال حولهن، اقتربت منهم ببطئء فوجدت مهرائيل تجلس بجانب لوسيندا تُربت على ظهرها بقلق، وما إن باتت مُجاورة لهم حتى تسائلت باستغراب: مالك يا لوسيندا؟
رفعت لوسيندا أنظارها الزائغة لها، فتصنعت الابتسامة وهي تُخبرها بهدوءٍ زائف: مفيش يا أهلة أنا كويسة.

نفت مهرائيل حديثها والتي صاحت بضجر: لأ مش كويسة، وقولتلك تعالي نروح لدكتور وأنتِ مش موافقة، أنتِ بقالك أسبوع تعبانة ودايخة وأنا ملاحظة ومتكلمتش.
ابتلعت لوسيندا ريقها بصعوبة والتي ردت عليها بوهن: مفيش حاجة يا مهرائيل، دا من القلق والتوتر على جون بس مش أكتر.

تلك المرة تدخلت أهلة مُتحدثة بقولها الصارم: حتى ولو، أنتِ لازم تكشفي وتشوفي سبب حالتك دي إيه، افرضي جوزك فاق دلوقتي ولقاكِ بالحالة دي؟ يقول علينا كُنا بنعذبها؟
قالت جُملتها الأخيرة بمزاحٍ علها تُخفف الأجواء، لكن التوى ثُغر لوسيندا بابتسامة ساخرة وهي تُجيبها بدموع: وهو فين جوزي دا بس؟ بقاله أسبوعين على حالته دي وأنا قلبي واجعني مبقتش قادرة أعمل حاجة.

ادمعت عين مهرائيل حُزنًا على شقيقتها، بينما أهلة اقتربت منها حتى جلست بجانبها، ثم أمسكت بكفها تضغط عليه لتدعمها: چون هيبقى كويس والله صدقيني، لو فيه خطر على حياته كان قاسم هيقولنا أو هيبان عليه القلق على الأقل، أنتِ عارفة إن چون مكانته كبيرة عنده زي صهيب بالظبط، هي بس مسألة وقت مش أكتر وبإذن الله هتلاقيه فاق قُريب.

آمنت لوسيندا على دعائها وهي تضغط على عينيها بتمني، تريد زوجها جانبها وتتمتع بحنانه التي فقدته الأيام الأخيرة، تلك الأيام التي شعرت بها بأنها يتيمة من دونه، كانت تقضي ليلتها تبكي بجانبه عله يرأف بحال قلبها المسكين، وللأسف الشديد لم يكن ليستجيب لها.
استفاقت على صوت شقيقتها مهرائيل التي مدت يدها لها بالطعام قائلة بترجي: خُدي كُلي بقى أنتِ محتطيش حاجة في بُوقك بقالك كام يوم.

وبيأس شديد مدت لوسيندا يدها لتأكل، لكن خارت قوتها وشعرت بالدوار والتقيؤ، أغمضت عيناها بقوة فشعرت مهرائيل بالرعب على حالتها، لذلك شارعت هي على اطعامها بيدها عدة لُقيمات حتى تَستعيد قوتها الواهية، تناولت لوسيندا الطعام من يدها حتى لا تُقلقها، بينما أهلة تُمسد على خصلاتها بحنانٍ لتُقلل من توترها.

بينما حبيبة كانت تُتابع كل شيء بقلقٍ بالغ، حالة لوسيندا أثارت ريبتها وخوفها، تخشى أن يُصيبها مكروه أو تنتكس بسبب حالة زوجها، وظهر هلعها على كفيها المُرتعشين بقوة.
انتبهت إليها أهلة لترفع يدها لها وتقوم بالإمساك بكفها المُرتعش حتى تُطمئنها، ابتسمت لها حبيبة بامتنان ثم اقتربت منه حتى جلست بجانبها، كانت كُلًا من لوسيندا ومهرائيل مُنشغلتان معًا، لذلك استدارت أهلة ل حبيبة تسألها بحنان: عاملة إيه؟

ردت عليها حبيبة بابتسامة عريضة: الحمد لله كويسة.
صمتت قليلًا ثم مدت إصبعها لها تقول بسعادة طفولية: شوفتي صهيب جابلي إيه؟
نظرت أهلة للأسفل حيث تُشير، فوجدتها ترتدي مسبحة تُشبه خاصتها لكن من اللون الوردي، ابتسمت لها أهلة باتساع ثم مدت إصبعها هي الأخرى لتُريها خاصتها وهي تقول: وأنا كمان قاسم جابلي واحدة، وكمان جابلي إسدال وفانوس.

صفقت حبيبة بيدها بحماس وهي تصرخ بسعادة: إيه دا بجد؟ و صهيب جابلي كدا كمان.
نظرت إليهما الفتاتان باستغراب، لتتسائل مهرائيل بتعجب وهي تقطب جبينها: جيبتوا إيه؟
فكرت أهلة قليلًا ثم هبت من مكانها قائلة بخبثٍ وهي تسحب حبيبة خلفها: هتشوفوا دلوقتي، خليكم هنا خمس دقايق وجايين.

بينما الشباب اجتمعوا معًا قاسم، صهيب، آلبرت، فور، آندريه، ليونيد، وإيغور أمام أحد الشركات، نظر قاسم ل آلبرت بطرف عينه وهو يقول: مُتأكد من اللي أنت عايز تعمله دا؟
نظر آلبرت أمامه بشرود ثم أومأ له قائلًا بصوتٍ جامد خالٍ من المشاعر: سأحرق فؤاد إيلينا اليوم، بِنا لننطلق.

أنهى جُملته ثم انطلق نحو شركة ميلانو شيفت وخلفه أخواته، ليسير في النهاية صهيب و قاسم الذي هز كتفيه بلامبالاة وهو يقول بعبث: ما إحنا كدا كدا اتكشفنا وكل حاجة بقت على المكشوف، يلا بينا نهد الدنيا فوق دماغ اللي جابوهم.
تحولت نظرات صهيب إلى المكر أثناء إخراجه لسلاحيه من جيب بنطاله الخلفي، وبعدها تشدق بمكرٍ: والله وهنرجع لزمن الشقاوة من تاني.

ضحك قاسم بخفة ثم اتبع آلبرت وأخواته، أراني قد نسيت بأن أُخبركم عن سبب وجودهم هُنا؟ حسنًا، دعوني أخبركم أن تلك الشركة تعود إلى ميلانو شيفت وعائلة الأرماني معًا، وهم هُنا الآن للهجوم عليها في وضح النهار وتدميرها كليًا، سبعة رجال قادمون لتدمير شركة مليئة بعشرات الرجال، لكن هُم ليسوا رجالٌ عاديون، بل هُم كالوحوش ومُدربون على أعلى مستوى، لذلك الخوف كله ليس عليهم؛ بل على ضحاياهم المسكينة.

وكانت أول رصاصة تصعد من سلاح آلبرت الذي ضربها في رأس رجل الأمن فوجع صريعًا في الحال، كما عاونه فور الذي كان يسير على يساره وأطلق النيران داخل صدر الرجل الآخر الذي يُجاوره، ملامحه كانت جامدة غير التي يظهر بها دائمًا، كان مُخيفًا.

ومن بعد انطلاق تلك الرصاصتان؛ تم تبادل الطلقات بين الطرفين، لتتشتت المجموعة كُلٌ منهم وحده وقاموا باصتياد فرائسهم، جميعهم مُدربون على أعلى مستوى لذلك كانوا كالدجاجات أمامهم، لمح قاسم أحدهم قد صعد للأعلى وسيبدأ في الإطلاق، فابتسم بسخرية وهو يُصوب تجاه رأسه، وفي الثانية الأخرى كان الرجل يسقط صريعًا بعد أن استقرت رصاصة قاسم داخل رأسه.

آندريه وليونيد تولوا مهمة الجزء الخلفي من الشركة وقاموا بالقضاء على جميع الرجال، كان عددهم تقريبًا ثمانية، ولم يأخذوا بأيديهم ثلاث دقائق تقريبًا، وفي الأمام كان هُناك آلبرت وفور اللذان قضيا على نصف الرجال تقريبًا دون أن ترف جفونهم، بينما قاسم وصهيب يصطادون المَاكرون الذين يُحاولون مُحاربتهم في الخفاء، و إيغور دلف للشركة من الداخل يقتل كل من يظهر أمامه دون تفاهم، تزامنًا مع زرعه للقنابل في الطرقات والغُرف.

بينما وفي الغرفة الكبيرة ذات الطابع الكلاسيكي الفخم، كان يجلس بارتعاب على مقعده الوثير ينظر لشاشة المراقبة بكل فزعٍ، لقد أنهو على خمسين رجلٍ تقريبًا ولا خسائر لديهم، وبسبب توتره وخوفه لم يرى الشاشة الأخرى والتي يظهر بها إيغور بوجهٍ واجم قاتم، وجهه يُماثل الجحيم وغضبه بارز على جميع انفعالات جسده، يبدو أن نهاية هذا الحقير الليلة لا محالة.

كاد ميلانو أن يُبلل بنطاله من الخوف، وما زاد رُعبه هو انفتاح الباب على بغتة وظهور إيغور من خلفه بابتسامة قاتمة وهو يهمس بفحيح: مرحبًا يا حقير؟

وبالخارج. أنهوا بالفعل جميع الرجال أو هكذا ظنوا، فاجتمعوا في نقطة تلاقي جمعتهم أخيرًا، وما كاد آلبرت أن يفتح فاهه للتحدث، حتى رفع قاسم يده للأعلى مُطلقًا على أحدهم على بغتة ليلقى مصرعه في الحال، وبعدها عاد بأنظاره نحو آلبرت مُتحدثًا بابتسامة هادئة: تحدث عزيزي.

وبالفعل بدأ آلبرت بالحديث، حيث وجَّه حديثه للجميع بصوتٍ غليظ: اللواء سيرسل لنا القوات بعد عشر دقائق تقريبًا، وفي تلك الأثناء سندلف للداخل، من يُعطلكم عن امحوه من الحياة كُليًا، ولا بأس ببعضِ المتعة مع الحقير الآخر.

ارتسمت ابتسامة خبيثة على ثُغر الجميع، ليست ابتسامة عادية، بل تُخفي خلفها شرًا يُدمر الأرض واليابس، وفي الثانية التالية كانوا جميعهم يدلفون إلى بهوِ الشركة، آلبرت وقاسم في المقدمة، والبقية مُرتصون على الجانبين، وكلتا يديهم مُمسكة بسلاحٍ مُدمر.

وبالفعل قد وصلوا لوجهتهم، حيث غرفة مكتب ميلانو والذي وجده راكعًا على ركبتيه أرضًا يبكي أمام إيغور، بعد أن استعمل معه أبشع وسائل التعذيب في الخمس دقائق تلك! حيث قام بجذب آله معدنية حادة ثم قربها من أصابع يده وقام بخلع أظافره الخمسة واحدة تلو الأخرى بكل تلذذ، وذلك بالتأكيد بعد أن أبرحه ضربًا ليشفي غليله.

تحول وجه جميع أخواته إلى الغضب، ليتحدث آندريه بسخطٍ بعد أن اقترب منه ودفعه من ظهره: هييييه يا رجل، هذه مهمتي أنا.
استدار له إيغور بنصف رأسه وهو يقول ببرود: أعتذر منك يا أخي، لكن الأمر مُمتع حقًا.
اقترب فور من ميلانو الذي يرتمي أرضًا يبكي بألم، ثم انحنى له جالسًا القرفصاء أثناء قوله المُشمئز: أتعلم ميلانو؟ أنت الوحيد التي تُغلِق شهيتي عند رؤيتي لوجهك.

قلب أخواته أعينهم بيأسٍ من بلاهة شقيقه، فاقترب منه آلبرت ليوقفه، ثم طالع الآخر باستحقار وهو يقول: اعتدل ولا تنحني، فهو الذي سينحني لنا حتى نقتله بدلًا من تعذيبه.
وهُنا صدح صوت ميلانو الباكي يُصيح بهم برجاء: أُقسم أنا لم أفعل شيء، إيلينا مَن اتحدت مع مختار الأرماني ليُرسِل لها دواء فاسد، كانت تضعه لأبيكم في كل طعامه حتى تسمم ومات.

كان يظن بأنه سيُخمِد من غضبهم عند تفوهه بالحقيقة، لكن هذا لم يُزيدهم إلا غضبًا وحقدًا، وبسرعة شديدة انطلق إليه ليونيد يهبط فوق جسده باللكمات والضربات الموجعة المُميتة، كان يسبه بأبشع الألفاظ، يتذكر والدهم الحبيب وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة بكلِ ألم، وبعد هذا أطلقت والدتهم النيران عليه لتتأكد من موته.

بعد أن أنهى ليونيد جرعة غضبه، ترك جسد ميلانو الهامد فاقدًا للوعي، لكنه بصق عليه بكل كرهٍ، استمعوا جميعًا إلى زفرة قاسم المغتاظة وهو يقول بملل: لم تتركوا لي شيئًا لأفعله؟ أنتم أوغادٌ حقًا.

قال تلك الكلمات عندما استمع إلى صوتِ صافرات الشرطة، حتى مُتعته ذهبت من بين يديه الآن ولم يبرحه ضربًا مثلهم، طالعهم جميعًا بسخط قبل أن يلتف بجسده ويذهب من أمامهم، ولحق به أخيه صهيب والذي تمتم بضحكة مكتومة: استنى يا قموصة خُدني معاك.

كانت لوسيندا تستند برأسها على كتف مهرائيل علها تُقلل من صداع رأسها ولو قليلًا، في نفس الوقت الذي هبطت فيه الفتاتين من الأعلى وهم يرتدون الإسدال الخاص بكلِ واحدةٍ منهم، اعتدلت لوسيندا في جلستها ثم قطبت جبينها بتعجب وهي تتسائل: لابسين كدا ليه؟
ردت عليها حبيبة بابتسامة واسعة: عشان إحنا في رمضان ومينفعش أي راجل يشوفنا بشعرنا عشان حرام.

ضحكت أهلة بخفة وهي تُصحح حديثها: هو عمليًا وعلميًا إن الحجاب فرض علينا، بس ربنا يهدينا ونلبسه إحنا الاتنين، بس دلوقتي إحنا عاملين احترام للشهر الكريم اللي إحنا فيه وربنا يثبتنا.
طب وأنا؟
نطقت بها مهرائيل بحماس، لتقطب أهلة جبينها بتعجب وهي تتسائل: وأنتِ إيه؟
ردت عليها مهرائيل بحماسة بعد أن شبكت كفيها معًا: لبسوني زيكم ومش هعمل صوت.

نظرت إليها أهلة بصمتٍ لبعض الوقت، ثم هزت رأسها يائسة: أنا حقيقي فقدت الأمل فيكِ خلاص.
في تلك الأثناء دخل الشباب جميعهم معًا، وبدونِ أي حديث ارتمى كل واحدٍ من على الأريكة بإنهاك، بينما اتجه صهيب نحو حبيبة هامسًا في أذنها بحب: إيه الحلاوة والجمال يا بسكوتة؟ الحجاب هياكل منك حِتة.
بجد يا صهيب؟
تسائلت بسعادة، ليؤكد حديثه بإيماءة مؤكدة قائلًا: بجد يا روح صهيب.

بينما قاسم لف ذراعه حول كتف أهلة ثم أخذها إلى أحد الأركان الغير مرئية دون الحديث، استعجبت هي من فعلته وكادت أن تسأله عن سبب فعلته؛ لكنه سبقها في الحديث وهو يسألها بحيرة:
هو فعلًا البسبوسة بتفطر؟
قطبت جبينها بدهشة ثم أكدت له قائلة: أكيد طبعًا.
مال على وجنتها يُقبلها بحنانٍ ثم ابتعد يُطالع وجهها المُنصدم وهو يتسائل بعبث: يعني لما بوستك دلوقتي بقيت فاطر؟

ضحكة غير مصدقة ارتسمت على وجهها قبل أن تتشدق بدهشة: بجد أنت مش طبيعي.
هز كتفه بلامبالاه وهو يُجيبها: ما طبيعي أبقى مش طبيعي، وهو أنا بقى فيا عقل من ساعة ما حبيتك؟
إن قيل لها بأنها ستسمع تلك الكلمات يومًا وتعجبها؛ كانت ستضحك ساخرة، لكن الآن الأمر مُختلف بالفعل، لقد أخفضت رأسها خجلًا ولم تجد القدرة على الرد، هذا الرجل خطر على قلبها وبشدة.

أراد قاسم أن يُكمل كلماته العابثة معها، لكن توقف عندما استمع إلى صوتِ صرخات قادمة من الداخل، قطب جبينه بتعجب ثم هرول لمصدر الصوتِ مُسرعًا هو و أهلة، فوجدوا لوسيندا تركض مُسرعة إلى الأعلى وخلفها جميع الرجال.
انقبض قلب قاسم فزعًا، فاستدار ل مهرائيل يسألها بفزع: هو في إيه؟

التقطت مهرائيل هاتفها وهاتف شقيقتها الذي وقع أرضًا أثناء ركضها، ثم أخبرته بابتسامة سعيدة قبل أن تُهرول خلفهم: المُمرضة بتقول جون فاق.
تهللت أساريره فلحق بهم نحو الأعلى ومعه زوجته، وصل إلى أعتاب باب الغرفة فوجد لوسيندا مُرتمية داخل أحضان چون الذي يضمها بوهن، وصوت بكائها يصعد عاليًا.

هلَّ الليلُ وكانت تلك أول ليلة رمضانية تمر على الجميع، صوت الشيوخ في صلاة التراويح يصدح في الأرجاء فتبث البهجة في القلوب، نسماتُ الهواء العليل تضرب الوجوه فتُسبب الانتعاش، وأصوات الأطفال في الشوارع وصرخاتهم رغم ازعاجها تُعطي للأجواء ملمسًا خاص برائحة الأطفال.

وبالأسفل وسط أجواء الصرخات تقف الفتاتان معًا، أمسك ملك بقطعة من السلك وجعلت أحد الأطفال يشعلونها، وبكل عفوية وروح طفولية قامت باللعب ونثر شرارات النيران من حولها.
وعلى بُعدٍ منها كانت يمنى تُسجل تلك اللحظات بكل سعادة حتى تُرسلها إلى أهلة، بينما ملك هرولت من أحد الأطفال وهي تُصيح به بحنق: يا عم متهزرش معايا تاني يا عم هتحرقلي الإسدال.

وقف الطفل أمامها يهتز بخفة مُشيرًا لأحدِ الأركانِ وهو يقول: عمو ده هو اللي قالي.
نظرت ملك لما يُشير، فوجدت أمامها رائد يضحك بصخب، ومن خلفه يحيى وسيف اللذان يبتاعان صواريخًا وسلك زائد حتى يلعبوا معًا.
تخصرت ملك مكانها والتي أردفت بضيق: أنت رخم على فكرة، الواد كان هيشَيَّط ليا هدومي.
رد عليها ببراءة: أنا قولتله هزر معاها بس، مكنتش أعرف إنه هيسخف معاكِ كدا.

ظل وجهها مُمتعضًا بضيق حتى بعد حديثه، لتجده قد أخرج من خلف ظهره كومه سلك كبيرة أثناء قوله المُشاكس: توريني ضحكتك الحلوة وأديكِ السلك دا؟
اتسعت ابتسامة ملك تلقائيًا ثم مدت يدها لأخذه منه، وهو أعطاه لها بصدرٍ رحبٍ بعد أن رأى ابتسامتها التي تُحيي فؤاده.

بينما يحيى اتجه نحو يمنى يُعطيها علبة الصواريخ ونصف السلك وأخذ هو النصف الآخر، ليردف هو بعدها دون النظر إليها: خُذي يا أخت يمنى، فلنلعب ونمرح ونُحيي شعائر رمضان.
قهقهت يمنى على طريقة تحدثه، ويا ليتها لم توافق على اللعب، فها هي تُهرول صارخة أمامه بعد أن أشعل السلك وهرول خلفها مُصرًا على إشعال النيران بها!

بينما ملك تلعب مع الأطفال بعد أن تجاهلها رائد عندما وجد أن اللعب مع الصغار أمتع بكثير، ليس وحده، بل اشترك سيف في هذا أيضًا، وانطلقت ضحكاتهم تعلو في الأرجاء، بينما يمنى هي الوحيدة التي تصرخ بفزع!

وبالعودة إلى روسيا.
كان الجميع مُتجمعًا بغرفة چون لقد اطمئنوا عليه وانتشرت الراحة في قلوبهم بعد أن أخبرهم قاسم باستقرار حالته، لم تتركه لوسيندا ولو للحظة واحدة، وكأنها تخشى أن يكون هذا كله حُلمًا جميلًا وستستيقظ منه بعد قليل.
بينما فور تحدث بيأس أثناء زفرته المُرتاحة: آه يا أخي لقد كنت قلقًا عليك بشدة.

طالعه چون بحب وهو يبتسم بحنان، ففتح فاهه للتحدث ومواساته، لكن توقف عن الحديث وانمحت بسمته عندما أكمل فور حديثه بقوله المُمتعض: لكن تبًا لك، لقد قلت عدد مرات طعامي وقل وزني بسببك.
أنهى حديثه وبعدها شعر بوسادة ثقيلة تُرمى على وجهه وصوت چون يصعد بعدها حانقًا: للخارج أيها القذر.
كان الجميع يُراقب الحديث الدائر بضحك، حتى رن هاتف قاسم برقم وليد، وبالطبع أجاب على الفور مُتسائلًا بترقب: خير يا وليد؟

أجابه وليد من الطرف الآخر قائلًا: صفوت الأرماني مات.

جلس كُلًا من يحيى، رائد، سيف على درج أحد المنازل للإستراحة قليلًا، بعد أن صعدت الفتيات للأعلى بعدما نادتهم والدتهم للصعود، رن هاتف يحيى باسمٍ جعل ابتسامته تتسع تدريجيًا وهو يُجيب بسعادة: أهلًا أهلًا، بادر هارون بذات نفسه بيتصل عليا؟
وصله صوت ضحكات بادر والذي أردف باشتياق: تصدق ياض كنت واحشني وجيت على بالي النهاردة؟
رد عليه يحيى بود: والله وأنت كمان، رمضان كريم يا صحبي.

فأتاه رد جابر بقوله: الله أكرم يا حبيب أخوك، المهم أنت معزوم عندي بكرة ومش هقبل أي أعذار.
معزوم عندك فين؟
رددها يحيى باستغراب، ليأتيه جواب بادر ساخرًا: في عشة الفراخ يا يحيى، هتكون معزوم عندي فين يعني؟ أكيد في البيت يعني.
فكَّر يحيى قليلًا لعدة لحظات، حتى أجابه مُبتسمًا: دعوتك مقبولة يا صحبي وهاجي أفطر معاك بكرة.
إخس عليك يا خاين يا خسيس! أنت مصاحب حد غيرنا يلا؟ لأ وكمان رايح تفطر عنده بكرة؟

حمحم يحيى بتوتر والذي تشدق مُتسائلًا: ينفع أجيب واحد صحبي معايا؟
لم يُمانع بادر، فتدخل سيف قائلًا بضجر: طب واشمعنى أنا؟
صحح يحيى حديثه: ينفع أجيب اتنين صحابي معايا.
رد عليه بادر ضاحكًا: هاتهم يا عم، المهم متجيبش أكتر من كدا علشان منطردش ونفطر كلنا على موائد الرحم ن.
ضحك يحيى عاليًا فنفى له بقوله: لأ متخافش هما اتنين بس.
طيب يا صحبي، هستناك بكرة سلام.

كان الصمت يعم المكان عندما علم الجميع بموت صفوت الأرماني، والذي يُعتبر الشقيق الأكبر ل مختار الأرماني، لتخرج أهلة عن حلقة الصمت تلك وتتسائل بترقب: وبعدين؟
هز قاسم كتفه مُجيبًا إياها بجمود: ولا قبلين، يروح في داهية، بس أهم حاجة نفكر في الخطوة الجاية.

وللمرة الثانية على التوالي يصدح هاتف قاسم، وتلك المرة هب مُنتفضًا من مكانه والجميع خلفه، عندما رأى رقم الطبيب المسؤول عن حالة والدته يُهاتفه في ذلك الوقت: مرحبًا أيها الطبيب، هل حدث شيء؟
جائه رد الطبيب من الناحية الأخرى وهو يهتف بسعادة: دكتور قاسم، لقد استعادت والدتك وعيها.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة