قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية حارة القناص الجزء الأول للكاتبة شروق حسن الفصل التاسع والثلاثون

رواية حارة القناص الجزء الأول للكاتبة شروق حسن الفصل التاسع والثلاثون

رواية حارة القناص الجزء الأول للكاتبة شروق حسن الفصل التاسع والثلاثون

داائمًا ما يُقال أن المصائب تأتي على هيئة أفعال، لكن بالنسبة له كانت هي المُصيبة الأكبر في حياته، كان قد بدأ يشعر بأن فؤاده بدأ يميل لها، لكن بعد فعلتها تلك؛ سبَّها وسبَّ أباها وتلك الصدفة التي جمعتهما معًا.
طالعها آلبرت بنظرات حارقة بثت الشعور بالخوف داخل جسدها، ورغم ذلك لم تصمت، بل تحدثت قائلة بخوف: إلحقني يا آلبرت عايز يقتلني.

صعدت الكلمات من فمِ آلبرت بفحيح أثناء قوله: إن لم يقتلكِ هو سأقطع أنا رأسكِ الغبية وأفصلها عن جسدكِ الحقير.
ابتلعت مهرائيل ريقها بصعوبة أثناء مُحاولتها بقدر الإمكان في كتم دموع خوفها، لذلك أردفت بإرتعاشة ظهرت واضحة على نبرتها: وأنا عملت إيه يعني؟
طالعها آلبرت بسخط ثم حوَّل أنظاره للرجل الآخر دون أن يُجيبها مُتحدثًا بجمود آمرًا إياه: اتركها.

حدجه الآخر بإستنكار ساخرًا: بكل تلك السهولة؟ أعطني ما أخذت وسأتركها لك.
ارتسمت ابتسامة جانبية مُتهكمة على ثُغر آلبرت وهو ينظر حوله ببرود، وبعدها عاد ببصره نحو ذلك الواقف ويُوجه سلاحه نحو رأس الأخرى، ليهتف ساخرًا: لا أرى أصدقائك في الأرجاء، يبدو بأنهم لم يتوقعوا بأنني سأصل بتلك السرعة، صحيح؟

كان الآخر يكاد أن ينصهر من شدة الخوف، خاصةً وهو يعلم بقوة خِصمه المُقابل له وبعدم رحمته بالمرة، استغل آلبرت توتره ببراعة فرفع سلاحه بسرعة البرق مُطلقًا به على ذراعه، ارتفعت صرخات الآخر والذي ترك سلاحه ليقع منه وبعدها هرولت مهرائيل إلى آلبرت راكضة لأحضانه وهي على مشارف البكاء.

التقطها آلبرت بين ذراعه وبالذراع الآخر رفع سلاحه وقام بالتصويب على جسد الآخر مُطلقًا عليه عدة طلقات ليقع صريعًا في الحال، طالعه آلبرت بإشمئزاز هامسًا بسخط: تجبرونني على فعل أشياء لا أُحِبها.
قالها وهو ينظر لجثته بشرود، لطالما كان يكره القتل والدماء، لكن عمله أجبره على ذلك، كَوْنه مُجندًا يعمل لصالح وطنه يُتيح له القتال مُعظم الأوقات، وتلك المرة كان الأمر مُتعلقًا بها، وبالطبع لن يصمت!

استمع إلى صوت همهمات كانت هي مصدرها، فنظر إليها ليجدها تمسح أنفها في ثيابه، كذلك فعلت الأمر ذاته مع دموعها، جزَّ آلبرت على أسنانه بغيظ شديد فأبعدها عنه مُمسكًا إياها من ياقة ثيابها من الخلف، وبعدها تحدث ساخطًا:
قولي لي ماذا أفعل بكِ ها؟ هل أقتلكِ وأتخلص من غبائك، أم أترككِ لهم ليقتلونكِ هُم؟
مسحت مهرائيل بقية دموعها في ثيابها وبعدها أجابته ساخطة: متزعقليش، وبعدين ما اللي حصلي دا كله بسببك.

تشنج وجه آلبرت باستنكار صارخًا: بسببي أنا؟
أكدت على حديثه مُكملة بحدة: آه بسبب أنت يا بريء، مش أنت اللي خدتني معاك؟
صرخ بها بعدم تصديق: ألم تستعطفيني لتأتي معي؟
تخصرت في مكانها قائلة: وهو أنا أي حاجة أقولك عليها تنفذها؟ وبعدين يا بني آدم أنا كنت هموت أنت مُتخيل؟ حسبي الله ونعم الوكيل فيك يا آلبرت، معرفتك هباب زي وشك.
وجهي؟

قالها بتعجب ثم دفعها أثناء تَحسُسه على وجهه، طالعته هي ببلاهة وبعدها وجدته يتحدث مُغتاظًا: وجهي وسيم أيتها العمياء، فلتنظري لأنفك الكبير.
جعدت مهرائيل وجهها وهي تُتمتم بحنق: لو سمحت ملكش دعوة بأنفي وخليك في أنفك، الناس كلها بتورث مناخير أهلها وأنا أهلى مشهورين بمناخيرهم.

ظل آلبرت يُطالعها عدة ثواني بصمت تعجبت له، وما زاد تعجبها هو خجلها منه! حمحمت بحرج فوجدته قد خرج عن صمته بقوله الوقح: لن أكذب عندما قُلت عنكِ فاحشة، لذلك سأُغير لقبك من جروٍ أحمق إلى فاحشة مُزعجة.
فتحت مهرائيل فاهها بعدم تصديق ثم تحدثت باعتراض: هي مين دي اللي فاحشة، لأ خلاص خلينا في الجرو أنا مش زعلانة.
طالعها بلامبالاة ثم استدار مُوليًا لها ظهره أثناء قوله البارد: هيا أيتها الفاحشة لنذهب.

ضربت مهرائيل قدميها بالأرض مُغتاظة، فاتبعته صائحة باعتراض: يوه بقى! لأ أنا مش بحب الاسم دا غيَّره.

لم يُجيبها آلبرت بل خرج من المنزل ناظرًا في كل الإتجاهات حتى يُؤمِّن طريقهم، وبالفعل لم يجد أحدًا، لكن لسوء حظه التقطت عيناه مشهدًا لأربع سيارات مُصفحة كبيرة قادمة باتجاههم ويبعد بينهم مسافة كبيرة بعض الشيء، لذلك عاد مُهرولًا إليها ثم أمسك بكفها وبعدها تحدث بفحيح أرعبها: أُقسم إن استمعت إلى صوتك سأقتلك مهرائيل، ههل سمعتِ.
اتسعت ابتسامة مهرائيل بهيام ثم أردفت قائلة بسعادة: أول مرة تنطق اسمي.

جز آلبرت على أسنانه بغيظ فأخذها ساحبًا إياها خلفه ثم هرول بها من الجهة المُعاكسة للسيارات في نية للذهاب إلى سيارته قبل اكتشافهم لهروبها، حينها سيقعون في مأزق كبير بالفعل، خاصةً وأن عددهم كبير للغاية.
هرولت معه مهرائيل والتي تحدثت بفزع: في إيه بتجري كدا ليه؟

لم يُجيبها آلبرت بل ظل يُسرع في خطواته حتى ابتعدوا مسافة لا بأس بها من الكوخ الجليدي، وهي بصعوبة بالغة تُحاول مسايرة خطواته السريعة، وأخيرًا وصلوا إلى سيارة آلبرت، فتح باب سيارته ثم دفعها للداخل وبعدها استدار هو وصعد بجانبها، وما إن سار بها حتى استمع إلى صوت الطلقات تصدح في الأرجاء.

صرخت مهرائيل بفزع وهي تسد أُذنيها، بينما هو أخرج سلاحه من صندوق السيارة واستعد لمُقاتلتهم، لمح آلبرت في المرآة الأمامية سيارة واحدة من أصل أربعة تتبعه، لتتشكل ابتسامة خبيثة على ثُغره هامسًا لذاته: حقًا؟ قيمتي بقيمة سيارة واحدة يقبع داخلها أربعة من الأوغاد!
ابتلعت مهرائيل برعب وزادت ضربات قلبها بهلع، اقتربت منه ثم أمسكت بكفه الموضوعة على المقبض قائلة بارتعاش: أنا. أنا خايفة.

حوَّل أنظاره إليها واستشف خوفها من نبرتها، فترك المقود لثوانٍ ثم جذبها لأحضانه حتى باتت رأسها مُستقرة على صدره، صُدمت من فعلته فرفعت أنظارها إليه لتجده يغمز لها بمشاكسة عقب قوله: لا تخافي عزيزتي، أريدك أن تستمتعي فقط.

أنهى حديثه فوجد السيارة قد باتت على مقربة شديدة منه وبعدها استمعوا إلى صوت الطلقات تهبط فوق رؤوسهم، أخرج آلبرت يده من نافذة السيارة ثم أطلق عليهم هو الآخر، كانت المواجهة غير عادلة، فأربعة مُقابل واحد كثيرون، لكن خصمهم ليس بالسهل، بل كان آلبرت تشارلي.

استطاع آلبرت خلال ثلاث دقائق أنا يُصيب أحدهم في رأسه بعد أن أخرج جزئه العلوي من نافذة السيارة كي يستطيع الوصول إليه، وبعدها قام بإصابة السائق في ذراعه مما أدى إلى تعثرهم في السير، وأخيرًا خرج آلبرت من المنطقة الجليدية ووصل إلى الأرض الأسفلتية، مما ساعده على زيادة سرعة سيارته أكثر وهروبهم من بين أيديهم.

ارتسمت ابتسامة انتصار جلية على ثُغره وهو يرى اصتطدام السيارة الأخرى في أحد الأشجار، ليهمس لذاته بفخر: فعلتها مُجددًا آلبرت، تبقى خطوتان واجب التنفيذ.
أخفض رأسه قليلًا ظنًا منه بأن مهرائيل قد تكون خائفة أو تشعر بالهلع، لكن فاجئته مرة أخرى عندما وجدها ذاهبة في ثُبات عميق!
طالعها بدهشة ثم هز رأسه بيأس هامسًا: جروٌ أحمق وفاحشة كبيرة.

أصبح الفؤاد يهوى اقترابك وينبذ الابتعاد، وكأن حلقات من الشوق دارت حول وجداني حتى جعلته مُحتجزًا بين ثناياك، نُسِج الشعور من الشوق والحرمان حتى أصبح يسكن بداخلي، سار اشتياقك داخل دماء أوردتي الجارية، ووُشِم اسمك على جُدران جسدي العاشقة، أي سحرٍ قد فعلتيه بي! وأي تعويذة قد رميتيها عليّ! أظن بأنها تعويذة العشق، فكيف لعينين أن تكونا سببًا في هزيمتي، وكيف لضحكاتٍ أن تُؤرق سكينتي!

كان قاسم ينظر ل أهلة من الحين والآخر بترقب، كان يتلهف لشفاها، لكنه الآن يخاف من انهيارها، المواجهة مطلوبة لكن النتيجة مُقلقة، قام بركن سيارته على جانب الطريق واقفًا أمام إحدى البُحيرات العذبة، منظرها يبث الراحة والسكينة في النفوس، لكن رؤيته لمحياها تُشعل فؤاده أكثر من أي مظهر جذاب قد رآه في حياته، هل يُعقل بأنه قد وقع صريعًا بها، أم أنه مُجرد تعلُق؟

ارتسمت ابتسامة صغيرة على ثُغره مُتذكرًا مشاكستها الدائمة معه، كان في البداية يظنها قاسية القلب كما كانت تُظهِر للجميع، لكنها في الحقيقة رقيقة هَشة كالأطفال، يُؤلمه وجعها وسيحاول سحبه من داخل جسدها، حتى لو تسرب الألم إلى جسده هو!

مال عليها قليلًا مُمسدًا بكفه على خصلاتها السوداء التي تُشبه عينياها، فلم يشعر بذاته سوى وهو يهبط على وجنتها مُقبلًا إياها برقة، وفي تلك اللحظة شعر بمضخات عنيفة تضرب داخل صدره، ما الذي تفعله به بحق الله؟ هكذا همس لذاته وهو يستند برأسه على خاصتها مُغمضًا عينيه براحة، وإن جئنا للحق؛ ف قُربها يُسكره.

ظل جالسًا هكذا لبضعة دقائق وربما لساعات! تجلس بأحضانه وعيناه ترى البُحيرة والثليج، لا يُوجد شيئًا رائعًا مثل هذا، اعتدل مُسرعًا في جلسته ثم مد يده ليُخرج من صندق السيارة دفترة الذي لا يتحرك بدونه، وبهدوءٍ شديد قام بفتحه وبدأ بتدوين ما يأتي على باله:.

عَبرتُ كل العوائق والحواجز القاتلة، كنتُ كطفلٍ يهفو لمُلاقاة جائزة وصوله واحتساب صبره، لكنني ألم أجد شيئًا، فوجدتكِ وميضًا يُنير ظُلمات حياتي، ووجدت بسماتك تشفي من جراح فؤادي، حتى أن عيناكِ كانت كالنجوم تهديني إلى صراطي.
رقيقة تتركين أثرًا طيبًا على النفس، لكن لِمَ أحدثتِ الخراب في نفسي وأنا العاشق لعينيكِ؟
حتى الآن لم أجد مخبئًا منكِ سواكِ.

ثلاثة جُمل عادية وبسيطة لكنها جمعت شمل فؤاده المُشتت، هذا ما فعلته به تلك الدخيلة بقلبه، أغلق الدفتر مُجددًا ثم وضعه داخل الصندوق وأغلق عليه جيدًا، اعتدل في جلسته وما كاد أن ينطلق بالسيارة حتى وجد صوت هاتف أهلة يصدح عاليًا، انتشله سريعًا من جيب بلوزتها ثم كتم صوته تزامنًا مع نظره لشاشته، قطب جبينه بتعجب عندما وجد أن المُتصل لم يكن سوى حبيبة، لذلك رد عليها بهدوءٍ وصوتٍ خافت: آلو؟

أتاه صوت حبيبة المُتحشرج قائلة: لو سمحت يا قاسم عايزة أكلم أهلة.
نظر قاسم جانبه لزوجته النائمة بحيرة، ثم أجابها بيأس: مش هينفع دلوقتي يا حبيبة، أهلة نايمة.
تجمعت الدموع بحدقتي حبيبة وبعدها أردفت ببكاء: مليش دعوة صحيها أنا عايزة أكلمها.
فرغ قاسم فاهه من بكاؤها فتسائل باستغراب: هو فين جوزك؟
صحي أهلة أنا عايزة أكلمها.

قالتها مُتجاهلة حديثه، ليتنهد هو بيأس ثم مال على أهلة قليلًا يهزها برقة وهو يُناديها: أهلة! هولا اصحي. أهلة.
تحركت أهلة بضيق في مكانها فاستغل قاسم تململها ثم فتح مُكبر الصوت قائلًا: خُدي يا حبيبة هي معاكِ أهي.
أنهى حديثه ثم وضع الهاتف بالقرب من أُذن أهلة ليصله بعد ذلك حديث حبيبة الباكي: آلو يا أهلة.
أجابتها أهلة بتحشرج وعدم استيعاب: في إيه يا حبيبة مالك؟

أتاها صوت حبيبة تبكي بصوتٍ منخفض ثم أجابتها بحزن: أنا. أنا عملت كل اللي قولتيلي عليه، بس هو واحشني أوي وعايزة أقعد معاه أعمل إيه؟
ردت عليها أهلة ببعضٍ من الحدة بعدما اعتدلت في مكانها: لو قربتيله يا حبيبة هشُقك، خليكِ ثابتة على موقفك وعرفيه إنك تقيلة وإن زعلك من بالساهل.
لوت حبيبة شفتيها ببكاء مُجيبة إياها: طيب أنتِ هتيجي إمتى؟ محدش موجود هنا وحاسة إني لوحدي من تاني.

ردت عليها أهلة بحنان: أنا جاية في الطريق يا حبيبتي، نُص ساعة بالظبط وهكون عندك متخافيش، بس المهم ملكيش دعوة باللي اسمه صهيب دا.
ابتسمت حبيبة بحنان ثم أومأت برأسها مُجيبة إياها برقة: ماشي هستناكِ، سلام يا هولا.

كل هذا وكان قاسم يستمع للحديث بصدمة وهو يسير بالسيارة، طالعها بدهشة ثم عاد بأنظاره للطريق مُجددًا قائلًا بعدم تصديق: نهارك أحمر! أنتِ بتتفقي على أخويا قُدامي كدا عادي؟ عايزة تخربي بيته يا اللي منك لله؟
فركت أهلة عيناها ثم أجابته بسخط: أخوك هو اللي باديء وجاي على البت الغلبانة، خليه يتعلم الأدب شوية.
هز قاسم رأسه بيأس ثم تحدث هامسًا: ربنا يهديكِ يا أهلة.
نظرت له أهلة بعدم فهم مُتسائلة: بتقول حاجة؟

وعلى بغتة جذبها له مُحيطًا إياها من خصرها بذراعه اليُمنى، ثم قبَّل أعلى رأسها وهو يُجيبها بعد أن تنهد مُطولًا: بقولك نامي يا حبيبتي لحد ما نوصل وارتاحي.
ابتسمت أهلة بخفة على حركته اللطيفة والتي باتت تُفضلها، ثم رفعت ذراعها تُحيط به من خصره أثناء اغماضها لعينيها براحة واستسلام.

إلى عزيزتي المفقودة.

اليوم الثالث لفقدانك أشعر بالفراغ، بعد أن احتضن جسدكِ الغبار وانقطعت بيننا الأخبار ظللتُ أبكي قهرة لخسارتك، كنتِ خير عَونٍ لي ومصدر بهجة في حياتي، كيف أتعايش مع فكرة فُقدانك! كُنت أخشى العُزلة، الآن بِتُ أشتاقها لأتذكر أيامنا الجميلة معًا، لقد انتقلت روحكِ إلى السماء مُهللة بحُسن خاتمتها، ورغم سعادتي بكِ؛ إلا أن غصة البكاء دائمًا ما تنتابني، أتذكر وعودنا معًا، نصائحكِ الغالية، خوفكِ عليّ من عمل أي فعل متهور، كل تلك الذكريات محفورة داخل ثنايا عقلي وحنايا فؤادي، حديثك موشومٌ داخل وجداني، إلى مَن سأهرب عِند حُزني وحاجتي! إلى مَن سأبكي ومَن سيُريحني! صديقتي الغالية لن أنساكِ أبدًا، سأظل أدعو لكِ ليل نهار حتى يأتي موعد لقائنا معًا، اسأل الله أن يرزقني خاتمتكِ يا رفيقة دربي.

في تلك الأثناء كانت سهيلة تجلس على سجادة الصلاة تقرأ وِردها اليومي الذي باتت مُداومة عليه باستمرار، أخذها الوقت وقامت بقراءة ثلاثون جُزءً كاملًا على روح صديقتها الراحلة، دموعها تهبط قهرةً على رحيلها لكن ما باليد حيلة، كانت ونعم الصديقة والرفيقة، لطالما تمنت أن تحصل على شخصٍ يُشبهها منذ زمن، وعندما جاءت إليها رحلت مُسرعة تاركة معها حُبها وشغفها، أغلقت كتاب الله ثم وضعته جانبًا رافعة كفيها إلى السماء تدعو برجاءٍ وموعها تهبط مُتسابقة على وجهها:.

اللَّهمَّ إنَّها في ذمَّتِكَ وحبلِ جوارِكَ فقهِا من فتنةِ القبرِ وعذابِ النَّارِ أنتَ أهلُ الوفاءِ والحمدِ، اللَّهمَّ فاغفر لها وارحمها إنَّكَ أنتَ الغفورُ الرَّحيمُ.
اللهمّ شفّع فيها نبيّنا ومصطفاك، واحشرها تحت لوائه، واسقها من يده الشريفة شربةً هنيئةً لا تظمأ بعدها أبدًا.
اللهمّ إنّها كانت مُصليةٍ لك، فثبّتها على الصّراط يوم تزلّ الأقدام، اللهمّ إنّها كانت صائمةً لك فأدخلها الجنة من باب الريان.

اللهمّ ارزقها بكلّ حرفٍ في القرآن حلاوةً، وبكلّ كلمة كرامةً، وبكلّ آية سعادةً، وبكلّ سورةٍ سلامةً، وبكل جُزءٍ جزاءً.
انتهت ثم أخفضت كفيها تُمسد بهما على وجهها لتمسح دموعها، ثم همست بتحشرج قائلة: اللهم تقبل مني يارب العالمين، ربنا يرحمك يا عائشة ويُرزقك أعلى المنازل.

دخل في تلك الأثناء رائد عليها ليجدها على حالتها تلك، ورغم سعادته بقربها من الله إلا أنه حزين عليها، رسم على ثغره ابتسامة صغيرة ثم اقترب منها جالسًا بجوارها، رفعت أنظارها الدامعة إليه فوجدته يسحبها لأحضانه مُربتًا على ظهرها دون أن يتحدث، وكأن هذه كانت نقطة الانفجار بالنسبة لها، ظلت تبكي كثيرًا مُتمنية وجود صديقتها وتُتمتم ببعضِ الكلمات التي لم يفهمها، لكن علم مقصدها من الحديث، كان يُحدثها من الحين والآخر ويُطمئنها بقبلاته أعلى جبينها، وهي تستمع إليه بشهقات قلت تدريجيًا عقب حديثه المُفعم بالإحتواء.

ربنا سبحانه وتعالى بيقول وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ،.

ربنا بيبشر عباده الصابرين على الإبتلاء، دول هُما أهل الاهتداء، وأهل الصلوات، وأهل الرحمة، كل دا ربنا جعله لأهل الصبر. وربنا اختارك إنك تكوني من الصابرين والأعلى منزلة، منقدرش نغير أقدارنا بس نقدر ندعو لربنا إنه يكون رحيم بقلوبنا.
طالعته سهيلة بدموع ثم تحدثت بتحشرج: بس الابتلاء المرادي صعب عليا أوي يا رائد.

جفف رائد دموعها بأصابعه، ثم تحدث بصوتٍ حاني: الابتلاء كبير على قلبك وأجرك أكبر، كُلنا جايين الدنيا زيارة صغيرة وهنمشي تاني، الابتلاء دا رغم إنه صعب بس غيرك للأحسن، بقيتي مواظبة على صلاتك، بقيتي محافظة على قراءة القرآن، لبسك بقى مُحتشم أكتر، أسلوبك بقى مُختلف، الابتلاء دا غيرني أنا كمان للأحسن، لما أشوف أختي الصغيرة قدامي بقت تصلي بقيت أخجل من نفسي وأقوم أصلي كمان، كنت مهمل في حق ربنا وبعصيه دايمًا، كنت بكلم بنات كتير بس ربنا هداني، كنت بعمل الذنب من غير ما أندم عليه، ورغم كدا ربنا رحيم بينا، مموتناش قبل ما نتوب، مقابلناش ربنا واحنا مليانين ذنوب ومعاصي، اللي عايز أقولهولك إن على حسب درجة الإبتلاء بيكون التغير، واحنا الحمد لله اتغيرنا للأحسن.

كانت سهيلة تستمع إليه بإنتباه شديد، أراحها حديث شقيقها رغم أنه لم يتحدث بتلك الطريقة النصوحة من قبل، لكن تغييره يظهر أمام عيناها، أنهى رائد حديثه فوجد سهيلة قد اعتدلت مُستندة بركبتيها على الأرض ثم ارتمت داخل أحضانه مُتمسكة به بقوة، وبعدها خرج صوتها هامسًا بإمتنان: ربنا يديم وجودك معايا يا رائد، أنا محظوظة إن عندي أخ زيك.
قبّلها رائد من وجنتها قائلًا: ويديمك ليا يا حبيبة أخوكِ.

رسمت سهيلة ابتسامة خفيفة على ثُغرها، بينما انتفض رائد من مكانه قائلًا بهلع: يا نهار أحمر عليا وعلى سنيني!
فزعت سهيلة والتي تحدثت مُتسائلة بقلق: في إيه؟
أجابها رائد قبل أن يهرول من الغرفة راكضًا للخارج: البنات برا كانوا جايين يشوفوكِ وقاعدين على سُفرة الأكل، زمانهم خلصوها ولاد المفاجيع.
طالعت سهيلة أخيها بيأس وهي تضحك بخفة ثم خرجت خلفه لرؤية الفتيات اللواتي اشتاقت لهن.

دائمًا الحب ما يتغلب على رغبة العناد والتفكير، وهذا ما حدث معها، شعرت حبيبة أنها بحاجة ماسة إلى دعم صهيب واحتوائه، تشعر بأنها فارغة بدونه وأن ذنبه ليس بالكبير لمقاطعته، عضت على أظافرها تُفكر في حديث أهلة جيدًا، ماذا إن علمت بما تريد أن تفعله! بالطبع ستلتهما أو تقتلها أيهما أقرب.

نفخت بضجر من كثرة التفكير ثم سحبت نفسًا عميقًا من رئتيها ثم زفرته على مهل وقررت الخروج والتمتع بحنان زوجها لها، لذلك اتجهت نحو باب الغرفة ثم قامت بفتحه والخروج من الغرفة ثم هبطت إلى الأسفل واتجهت إلى غرفة الصالون التي من المفترض أن يجلس بها الآن، تقدمت بخُطى بطيئة نحو الداخل فوجدته يتحدث في الهاتف بانتباه شديد حتى أنه لم يراها:.

تمام يا فندم، المُهمة هتبدأ من بكرة الصبح وكل اللي حضرتك طلبته هيتنفذ بالحرف الواحد، مش هسيب مكان واحد غير ما أدور فيه وبإذن الله هنوصل للي عايزينه، تمام سلام يا فندم.

أنهى حديثه مُغلقًا الهاتف ثم استدار ليجد حبيبة تقف على أعتاب الغرفة بخجلٍ واضح، رفع حاجبيه ساخطًا من أفعالها الطفولية التي من المفترض ألا تليق بعُمرها لكنها راقت لها كثيرًا، ابتلعت حبيبة ريقها بخجل ثم اقتربت منه على استحياء مُخفضة رأسها للأسفل حتى وقفت قبالته مُباشرةً، وبعدها تحدثت بصوتٍ خفيض وهي تعبث بأظافرها قائلة:
بُص أنا عارفة إنك غلطان وأنا لسه مسامحتكش بس أنت وحشتني.

ضحك بعدم تصديق أثناء قوله الساخط: يا بنتي بقى ركزي يا بنتي، أنا برضه اللي غلطان؟
أومأت له مؤكدة على ما قاله وهي مازالت تُخفِض رأسها أرضًا، وبعدها قالت برقة: أيوا أنت غلطان وأنا هسامحك شوية وبعد كدا مش هكلمك تاني.

أنهت حديثها ثم اقتربت منه واقفة على أصابع قدميها ثم ضمت ذاتها إليه مُحتضنة إياه بإشتياق شديد، كان مُنزعجًا منها ومُقررًا معاقبتها على فعلتها، لكن قلبه لم يُطاوعه على فعلها، بل وجد نفسه تلقائيًا يُحيط بها من خصرها مُقربًا إياها منه بعشقٍ شديد، دفنت حبيبة ذاتها أكثر داخل أحضانه وبشجاعة جديدة كُليًا عليها همست له بحب: بحبك يا صهيب.
رد عليها صهيب بصوت آجش مليء بالمشاعر: وأنا بعشقك يا حبيبة قلب صهيب.

عاتبته برقة قائلة: بحبك بس لسه زعلانة منك.
ليُجيبها باعتذار نابع من قلبه: حقك على عيوني والله يا حبيبة، يشهد ربنا إنك الجوهرة الغالية في حياتك ومقدرش على زعلك، سامحيني عشان خاطري.
ردت عليه قائلة بحب: مسمحاك من لما حاولت إنك تصالحني بس أنا قلبي كان واجعني أوي، كنت خايفة يكون كل دا وهم وعايشة فيه وأنت مبتحبنيش، بس محاولاتك معايا ومصالحتك ليا خلتني أرمي أي زعل ورا ضهري وأجيلك.

مسح على خصلاتها بحنان وهو يُجيبها بعشق: خليكِ مُتأكدة إنك دايمًا الحاجة الوحيدة اللي في حياتي وإني لا يمكن أفرط فيكِ أبدًا، أنا بقيت بهرب من تعبي ليكِ وبرمي حُمولي أول ما أشوف ضحكتك.
ابتسمت حبيبة بشغف شديد أثناء اغماضها لعينيها براحة، لتستمع بعدها إلى صوتِ صهيب المُشاكس لها: بس بقينا نعرف نتكلم ونزعل ونزعق كمان أهو.

ابتعدت عنه حبيبة ثم أردفت بحماس وهي تُصفق بيدها: بس إيه رأيك فيا! أهلة هي اللي معلماني ولما تيجي هقولها عشان تفرح بيا.
جعد صهيب وجهه ساخطًا ثم تحدث بحنق: بقولك إيه يا بسكوتة أنتِ عاجباني وأنتِ كدا، متخليش ست أهلة تبوظلك برائتك.
جعدت حبيبة وجهها بضيق ثم تشدقت بقولها: لأ أهلة صحبتي وبحبها وهي بتعلمني حاجات حلوة.
حاجات حلوة إيه دي هي اللي مبوظاكِ.

قالها صهيب باغتياظ، ليأتي في تلك اللحظة قاسم وخلفه أهلة التي تحدثت بسخط: جرا إيه ياخويا هي أي مصيبة تحصل معاك تيجي تقول أهلة؟ بقولك إيه ابعد عني ومتخلنيش أحطك في دماغي عشان مش هسيبك بعدها.
فتح صهيب فاهه بصدمة وهو يُشير تجاه نفسه قائلًا: أنتِ بتهدديني؟

أومأت له أهلة بالإيجاب وأكدت له بقوة قائلة: آه بهددك واعتبره زي ما تعتبره، مراتك كل يوم هعلمها إزاي تثق في نفسها وتدافع عن نفسها عشان تعرف تتعامل معاك.
رد عليها صهيب باهتياج: وهو أنا كنت معلقلها المشنقة ولا ماسكلها الحزام؟ ما تشوف مراتك يا قاسم!

لم تهتم أهلة بصراخه بل اقتربت منه خطوتين حتى توقفت على مقربة منه، وبعدها صاحت مُحذرة: أول حاجة صوتك ميعلاش عليا وأنا واقفة قدامك، تاني حاجة مراتك صحبتي وزي أختي وهعلمها اللي أنا عايزاه طالما في مصلحتها ومش بيضرها، تالت حاجة لو مش عاجبك عندك القصر مليان حيطان اختار اللي تعجبك فيهم واخبط راسك فيها، رابع حاجة أنا لحد دلوقتي محترماك عشان أخو قاسم مش أكتر، لكن قسمًا بالله لو كنت واحد غريب أنا مكنتش هخلي فيك حِتة سليمة.

فرغ صهيب فاهه فاستدار ناظرًا نحو أخيه الذي جلس بملل على الأريكة مُتناولًا بين يديه ثمرة من الموز ليأكلها دون أن يبالي بشجارهم المُعتاد، اغتاظ صهيب فصرخ حانقًا: ما تتكلم ما عم أنت أنا زهقت منك ومن مراتك ومش عايز أتكلم عشان هي واحدة ست بس.

طالعته أهلة بتشنج، ثم أمسكت بيد حبيبة ثم جلست على الأريكة بجانب قاسم مُربعة صدرها أمام صدرها بعناد، طالعها قاسم بضحك وهي يهز رأسه بيأس على مُعاندتها مع أخيه وكأنهم وُلِدوا فوق رؤوس بعضهم البعض.

في تلك الأثناء رن هاتف قاسم بمكالمة فيديو مرئية وكان المُتصل هو يحيى اتسعت ابتسامته ثم هب من مكانه فجأة وسط أنظار الجميع المتعجبة ثم قام بتوصيل هاتفه على شاشة التلفاز الكبيرة الموجودة أمامهم وفتح الهاتف، ظهر أمامه رائد ويحيى ومن خلفهم كان يقف الفتيات يمنى، ملك، سهيلة، اتسعت ابتسامة أهلة باشتياق والتي هبت من مضجعها لتقف أمام شاشة التلفاز قائلة باشتياق: ملك. يمنى. سهيلة وحشتوني أوي أوي.

أدمعت أعين ملك بقوة لرؤيتها لشقيقتها بعد غياب أسبوع كامل قضته مُغتربة في بلدٍ بعيدة، لذلك تحدثت باشتياق وصوت مبحوح: وأنتِ كمان يا أهلة وحشتيني أوي ووحشتني القعدة معاكِ.
ظهر التأثر على وجه أهلة والتي بدورها أردفت بحنو: خلاص يا حبيبتي قربنا نرجع صدقيني، ماما عاملة إيه! وحشتني هي كمان أوي.
تتلك المرة ردت عليها يمنى بحنين: كلنا بخير يا أهلة، فاضل أنتِ بس تكوني موجودة بينا.

قاطع رائد ذلك الحديث مُغتاظًا: ما خلاص بقى إحنا متصلين بيهم عشان نعيط! خلونا نتكلم مع الرجالة بقى.
ضحك قاسم قائلًا: عامل إيه يا رائد وحشتني يا جدع.
رد عليه رائد بقول يعكس اشتياقه الشديد له: وأنت موحشتنيش ومش عايزكم ترجعوا على طول أنا كدا مرتاح.
وعقب حديثه شعر بنكزة قوية على كتفه كان مصدرها ملك التي تحدثت حانقة: وأنت مالك محدش طلب رأيك.

استدار لها رائد برأسه ثم تحدث مُحذرًا إياها: إيدك لو اتمدت تاني هجيبك من شعرك.
تدخلت يمنى قائلة بقوة: لو جدع اعملها وربنا أنت حر.
طالعتهم أهلة بفخر ثم ربتت على صدرها بخفة قائلة بتأثر: تربيتي.
في تلك الأثناء دخلت مهرائيل ومعها آلبرت والتي ما إن رأت الفتيات يظهرن على الشاشة حتى هرولت لتقف أمامها وهي تقول بسعادة: وحشتوني أوي.

ردت عليها يمنى بسعادة هي الأخرى: وأنت كمان وحشتينا أوي يا مهاميهو، أومال فين لوسيند؟
تحول وجه لوسيندا بحزن وهي تُجيبها: قاعدة جنب چون مش بتسيبه.
تنهد يحيى بضيق ثم تسائل بحزن: هو حالته عاملة إيه دلوقتي يا قاسم؟
أجابه قاسم بهدوء: الحمد لله كويس، حالته بتتغير للأحسن بس محتاج وقت مش أكتر.
بالطبع كان الجميع على علم بما حدث لصديقهم چون، فقد أخبرهم قاسم بما حدث بأكمله وطمأنهم على حالته أيضًا.

دخل عليهم فور حينها حاملًا لطبقٍ من الشطائر يلتهمها دون رحمة، لكنه توقف عن مضغ الطعام داخل حلقه عندما رأى صورتها تُزين شاشة التلفاز، وأول شيء كان قد نطقه هو: هايلة؟

إلتف الجميع إليه يُطالعونه بتعجب، بينما طرق فؤاد سهيلة يطرق بقوة بين جنبات صدرها، لقد اشتاقته حد اللعنة لكنه مُحرَّم عليها، لذلك ستُحاول بشتى الطرق أن تنساه وتعتبره مثل أخيها لا أكثر، أخفضت سهيلة أنظارها تغض بصرها عنه ثم تحدثت بخفوت قائلة: ا. ازيك يا فور عامل إيه؟
أجابها فور بسعادة عارمة: أنا بخير كثيرًا الآن.
تدخل رائد في الحوار بقوله الهاديء: واحشني يا فور، عامل إيه يا صحبي؟

رد عليه فور باشتياق شديد: وأنا أيضًا اشتقت إليك يا صديقي واشتقت لتناول الطعام معك، بِتُ لا أحب أن آكل وحدي.
ضحك رائد بخفة قائلًا بسخرية أثناء نظره لطبق الطعام الذي بين يديه: لأ واضح يا حبيبي متحلفش بس.
لمحت أهلة حزن سهيلة الواضح فتسائلت بريبة: مالك يا سهيلة حاساكِ زعلانة ليه؟

ابتلعت سهيلة ريقها بصعوبة وهي تحاول بقدر الإمكان ألا تبكي أمامهم، لذلك أجابتها بصوتٍ خرج مهزوزًا رغمًا عنها: م. مفيش حاجة. هو بس من ضغط المذاكرة مش أكتر.
لم يقتنع أيًا منهم باجابتها تلك، فقررت أهلة الإتصال بها عندما تكون وحدها حتى تعلم ما بها، نظر قاسم ل يحيى قائلًا بترقب: هتنفذ اللي اتفقنا عليه إمتى يا يحيى؟

رد عليه يحيى بهدوء: هنقفل معاكم وهنروح ننفذ على طول، وليد عِرف يجيب مختار الأرماني لحد عندنا ويعرفه طريق المطعم الجديد.
أومأ له قاسم بشرود وظل يفكر مليًا في الخطوة القادمة، صعبة لكنها مهمة وللغاية، وبعدها ظل الجميع يتحدثون لبعض الوقت حتى جاء موعد تنفيذ الخطة وسيضطرون للإغلاق، وقبل أن يغلقوا الهاتف تحدث رائد بتذكر: آه يا قاسم قبل ما أنسى صحيح. ابقى اتصل كل يوم ب يحيى واتطمن عليه.

تعجب الجميع من طلبه فتسائل قاسم بريبة: ليه مش فاهم؟
جائه رد رائد المُشاكس بقوله: أصله خير اللهم اجعله خير بقاله كام يوم محترم.
تجعد وجه قاسم بقلق والذي رد عليه بدهشة: يا ساتر يارب! يحيى محترم؟
أومأ له رائد بحسرة، ليستمع بعدها إلى صوت يحيى المتشنج يصيح بهم: جرا إيه يا خفيف أنت وهو، يلا ياض عشان نمشي من هنا بدل ما أقل منك.

قال جملته الأخيرة إلى رائد الذي انهمك في الضحك ثم أغلق الهاتف بوجه الجميع بغيظ تاركًا إياهم يضحكون على غيظه.
وبعدها اتجه كُلًا من رائد ويحيى ويمنى وملك إلى المطعم الخاص بهم لتنفيذ خطتهم القادمة.

وصل الشباب ومعهم الفتيات إلى المطعم قبل وصول مختار الأرماني بنصف ساعة، وبالطبع لن يظهر يحيى أمامه لأنه ميت في نظره، قاموا بالإتفاق على كل شيء وكيف سيضعون الجهاز أسفل طاولتهم للتصنت عليهم، ف رائد هو مَن سيخرج مُرتديًا زي النادل ويضع على فمه ماسك يخفي نصف وجهه حتى لا يتم كشفه.

وبالفعل وصل مختار الأرماني ومعه وليد وجلسوا على أحد الطاولات، وبعد دقائق قليلة خرج إليهم رائد بملامح وجه غير ظاهرة قائلًا بعملية: حضرتك تطلب إيه يا فندم؟
أملاه مختار ما يريد فإستغل هو ذلك وقام بإلصاق جهاز التصنت في ظهر الطاولة من الأسفل، أومأ له وليد في الخفاء وأملاه طلبه، ليذهب رائد من أمامهم مُسرعًا قبل أن يُكشف.

دخل رائد إلى غرفة المكتب مسرعًا، فوجد يحيى جالسًا على مقعد المكتب وتقف بجانبه يمنى وملك، قام بتفعيل الجهاز فوقف بجانبه رائد يستمع إلى حديث وليد والذي تسائل بهدوء:
وحضرتك شاكك في إيه يا مختار بيه؟
نظر مختار أمامه بغموضٍ مُخيف ثم همس قائلًا بشر: قاسم طاحون متفق مع صهيب.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة