قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية جميلتي الصهباء للكاتبة علياء شعبان الفصل العشرون

رواية جميلتي الصهباء للكاتبة علياء شعبان الفصل العشرون

رواية جميلتي الصهباء للكاتبة علياء شعبان الفصل العشرون

قوة الحُب لا تُحارب او تُدفن وإلا وضعت نفسك بالمهالك. ف تُصبح مهووسًا بمعاملات الحُب. رغمًا عنك. أصبحت عاشق أفقده الحنين صوابهُ. إن لم يكُن بين الناس ف أمام نفسك هالك...

أجرى العديد من الاتصالات بها وباءت مُحاولاته جميعها بالفشل، أراد أن يُرمم ما هُدم ولكن حجر الأساس مفقود مُنذ فترة، نكس ذقنه يائسًا. لا يدري ما هذا الحنين لها؟، داخله شعورًا يعرفه جيدًا ولكن ابنة خالته هي أولى بمشاعرهِ فإن ترك زمام قلبه في مكان آخر، من سيحفظ قلب هذه التي رباها وعنها مسؤولًا...

إرتخت مفاصل جسده وهو يهوى به على الأريكة ليجد هاتفه يصدح بإتصال ما. دقات قوية اجتاحت قلبهُ لينتفض مُتجهًا بذراعه حيث الهاتف النقال وما أن نظر إلى هاوية المُتصل حتى تنهد بيأس وقد خابت آماله بها، تقلصت قسمات وجهه حنقًا وهو يرى هذا الوغد يتصل به بعد مدة طويلة لا يتذكر منها سوى أخر لقاء جمعهما وهو يحذره من الإقتراب منها. رفع الهاتف إلى أذنه وبنبرة جامدة تابع: خير يا شكري!

شكري بقهقهة ساخرة: أيه دا؟، شُكري حاف كدا؟
آسر ببرود صقيعي: خلاص، غمسها بالجبنة!
شكري بنبرة حادة قليلًا: مالك يا عم آسر ما بقيتش عاجبني ولا الشغل معاك بقى مُريح؟، بقيت مُرهف الحس وبتتعاطف مع الناس وتبوظ ليّ مُخططاتي.
تشنجت فرائصه ليهتف بنبرة مُنفعلة: شغل معايا؟ كان في وخِلص، الله العالم كُنت بتفتري على كام واحد، وانا سمعت كلامك وكلت حق كام واحد. كُنت فاكرك شريف ومظلوم طلعت شيطان وابن ك.

شُكري وهو يردعه بنبرة حانقة: تؤ تؤ تؤ. عيب يا آسر بيه. دا انا حتى كُنت عاوزك في شغل ضروري. هي فداء العامري غيرتك ولا أيه؟، معلش ما هو الحُب بيعجز.

آسر وقد تأجج داخله نارًا ليهتف بنبرة تعبق بحرارة عميقة: لا يا روح الحجة. الحُب بيقوي وأوي كمان، سبق وحذرتك إن فداء خط أحمر وسيرتها يوم ما تيجي على لسانك أكون قاطعه لك. ولا صحيح إنت فاكر إن البلاوي اللي انا أعرفها عنك وإنك حاولت تعتدي على فداء، في صالحك! كُل عيش وأمشي جنب الحيط علشان آسر لو حطك في دماغة هخليك تهرب برا مصر زيّ النسوان وب فضيحة، أنا ساكت عنك طول ما إنت بعيد عنها، لكن لو لاحظت إنك عديت من جنبها في نفس الشارع وما غيرتش طريقك. همحيك من على وش الدُنيا.

تداعى شُكري البرود رغم ان داخله يتآكل من شدة الحنق ل يُردد بغيظِ: براو. براو يا آسر. أوعى تكون فاكر إن ورشة تصليح العربيات ولا صالة تأجير الموتوسيكلات اللي عندك دول، هيخلوك تعيش في رفاهية؟! هييجي وقت وهتفلس لكن لو إشتغلت معايا، هتقبض في كُل عملية مبالغ ترفعك ل فوق. فوووق اوي.

آسر بضحكة ساخرة: كانت رفعتك يا ابن نجيب، المال الحرام لا يُغني ولا يُسمن من جوع. هتيجي إنت تعمل منه سلالم أطلع عليها ف ترفعني! الله الغني علشان دي سلالم ضعيفة لو نفخت فيها هتطير. لأخر مرة هحذرك. فداء وكُل اللي يخُصها خط أحمر ورقمك مش عاوز أشوفه على تليفوني تاني.

لم يتسنى ل شُكري الرد حيث أسرع آسر بإغلاق الهاتف ولم يعبأ به او لغضبه قط، أسرع بإلقاء الهاتف جانبًا. قطب ما بين حاجبيه في شيء من الحيّرة بشأن ما قاله. أي حُب قصد؟ ولماذا لم ينفِ هذا الخبر من فم ذاك الأحمق! لماذا أحب الشعور الناتج عن هذا الخبر وتمادى في الدفاع عنها بكُل ما أوتي من قوة، تمدد بطول جسده على الأريكة بعد ان قرر نفض هذه الأفكار عن رأسه. تراخت جفونه ب ثُقلِ ليغلقهما بإرهاق وقد كحل السُهاد عينيه ل يغط في سُبات عميق، لا يعلم أي وقت من الليل هذا بالتحديد عندما وجدها تدفع ذراعه في قوة وهي تهتف بحدة وحنق مردفة: وايه كمان؟!

فتح عينيه نصف إستفاقة، ليردد بنبرة حادة قليلًا: إنتِ إزاي تصحيني بالطريقة دي؟

عقدت نجوى ذراعيها أمام صدرها، وقد عبرت قسمات وجهها عن الإمتعاض وهي تردف بنبرة ساخطة من أحلامه التي لا تخلُ منها: وإنت مش سامع نفسك ولا أيه؟، ولما إنت بتحبها خطبتني ليه؟
إنعقد حاجبيه في حيّرة من أقاويلها، افتر ثغرهُ عن إبتسامة خفيفة ليردف بتوجس: بحب مين؟!

اجتاح ثغرها إبتسامة ساخرة من جانب فمها لتهتف بسخطِ: فداء هانم، اللي أقسمت في حلمك إنك هتحميها من أي حد يفكر يأذيها وإن شكري نهايته على إيدك. دا غير إنك صرحت بمدى إشتياقك ل طفلة منها وتكون على اسم والدتها ملاك. ها أيه رأيك في الكلام؟!

رمقتهُ شزرًا ما أن أنهت حديثها، انتصب واقفًا في مكانه ليتنحنح قليلًا قبل أن يُردف بثبات: أظن إن مش بإيدي، أتحكم في أحلامي يا نجوى!
نجوى بحدة ونبرة عالية بعض الشيء: الأحلام ناتجة عن التفكير المُستمر بحاجة ف بتحلم بيها. يعني الأحلام اكتر حاجة صادقة في الانسان. ممكن تفهمني إنت خطبتني ليه؟

آسر بنبرة صارمة: مش علشان بحبك، لأن زيّ ما قولتي في الحقيقة انا حبيتها هي. بس جيت على قلبي وعليها علشان ما أكسرش فرحتك وإنتِ مش عارفه تتغاضي، أنا طول الوقت بقول إنك اولى بحُبي وإهتمامي ومش هآمن عليكِ مع حد غريب. بس أنا مش هقدر أكمل يا نجوى. دا بيتك وهتفضلي فيه مُعززة مُكرمة لحد ما تلاقي اللي أحسن مني، إنتِ من النهاردا بنت خالتي وبس!

أنهى حديثه الصارم لها فقد وجب الإلتفات إلى قلبه قليلًا والبحث عن ذاته الضائعة، أسرع بإلتقاط سترته المُلقاه على ظهر الأريكة ومن ثم إتجه صوب الباب يفتحه بثبات لتلتفت إليه مُردفة بحنقِ: دا آخر كلام عندك؟!
آسر وهو يترجل خارج الغرفة دون أن يلتفت لها. فقد إنشغل كُليًا في إرتداء سترته ليردد بنبرة ثابتة: بعون الله. آخر كلام.

روى لها ما حدث في هذه الليلة بالتحديد والتي على أثرها أنهى ما ربطه بإبنتة خالته، كان لا يزال يحملها بين ذراعيه. أطلقت فداء قهقة عالية لتضرب كفها بالأخر في خفة قائلة:
يعني كسرت قلب البنت؟ وانا اللي فاكرة بعد سوستة الفُستان في حاجات تانية!

في تلك اللحظة أنزلها حتى لامست قدماها الأرض ليقول بصوتٍ جهوري فيه لهجة حازمة: هو دا اللي لفت إنتباهك من الحلم كُله؟، طيب واسم بنتنا!، مافيش أي إحساس خالص البعيدة مش بتحس؟

فداء وهي تتخصر أمامه وبنبرة حانقة أردفت: بنت مني! وعلى اسم (ماما) كمان!، وقدرت تجيب اسم أمي على لسانك! لو أمي كانت عايشة عُمرها ما كانت هتسمح لك تأذي قلبي كدا ولا كانت هتقبل بوجودك تاني بينّا، أمي كانت هتحميني منك.
آسر وهو يحاوط كتفيها بذراعه، يُحاول التخفيف عنها: ما قولتليش يا حُبعمراي، ست الكُل كانت موناليزايا كدا؟ أصل الإصدار دا ما يجيش من فراغ. إصدار فرنسي أصلي.

رفعت فداء أحد حاجبيها ثم طالعته بنظرة مُتحدية: أفهم إنك بتعاكس!، بحذرك تجيب سيرة أمي تاني على لسانك. وبعدين الإصدار الفرنسي الأصلي هيرضيه الإصدار المصري الباهت!

رفع آسر كفه إلى رأسها وأخذ يضرب عليه من الخلف في خفة عدة مرات ليقول بنبرة ساخرة: ما كُنت إصدار تُركي، والحلوة كانت واقعة.
فداء وهي تهتف به في حنقِ: كُنت، قبل ما تبهت من أول إستعمال.
في تلك اللحظة قطع حديثهما الصارم والذي يقوم على استسلام أحد أطرافه من شدة الاستفزاز. ليهتف مُصطفى الذي يقف على حافة القناة مُتأهبًا للقفز: يا آسر بيه! يا احمريكا. تعالوا نعوم، دا الماية حلوة جوي.

نحى آسر ببصره إليها ومن ثم عاد ينظر إليها بثبات ليفتر ثغرهُ عن إبتسامة عابثة وبنبرة ثابتة أردف: قبل ما أبهت!، والله؟
فداء وهي تُطالعة بثبات: أه.

وهنا مال آسر بجذعه العُلوي قليلًا ومن ثم قام بحملها على كتفه لتدلى رأسها خلف ظهره فيما طال شعرها حتى ما بعد الرُكبه من الخلف. أخذت تصرخ به في إستغراب مما يفعلهُ بينما ذأب هو في خُطواته حتى القناة ليقفز بها. لتصرخ فداء هلعًا: لا لا لا لا، يا لهووووي. إلحقوني المجنون دا هيغرقني.
مُصطفى وهو يُصفق في إستمتاع: يا أبن الأية؟ عملتها أزاي ديه!، دا أنت ولا چون سينا في زمناته!

تشبثت بعُنقه في هلع، أخذت تسعل عدة مرات مُتتالية، فيما أردف هو بضحكة خفيفة: يالا يا حُبي، نعمل سباق بقى ونشوف أنهي مُنتج اللي هيكسب!
حدقت فداء به في هلع وخوف. ابتلعت ريقها بصعوبة لتصرخ به بنبرة ساخطة: سباق أيه؟ انا ما بعرفش أعوم اصلًا!
رفع آسر كفيه ليفك قبضة كفيها عن عُنقة ومن ثم أسرع مُبتعدًا في المسافة عنها. وهنا صرخت به توبخه: ما تسيبنيش! سبتني! أصبر عليا لما أخرج هقتلك يا آسر.

ثقلت حمولة جسدها في هذه اللحظة لتغوص رأسها داخل المياة ثم تُخرجها هي على الفور وما أن همّت بتوبيخه مُجددًا حتى عادت رأسها تغوص من جديد مُعلنة عن سيمفونية جديدة خاصة بها وحدها: بؤ بؤ بؤ، هقت. بؤ بؤ بؤ.
مُصطفى وهو ينظُر لها بعينين جاحظتين: إلحج. أحمريكا بتجولك بؤ بؤ بؤ، لتكونش بتغرج بچد!

غاص جسدها تحت الماء ل فترة أطول عن المُعتاد. ليضرب آسر كفًا بالآخر مُردفًا بحيّرة: مش فاهم انا. مالها البت دي، بقيت أُنثى في نفسها كدا. انا ما بقاش عاجبني حالها والوضع دا ما يتسكتش عليه.
مُصطفى وقد فتح عينية واسعًا بترقب: فداء إختفت. تكونش عملالي فخ، وهتطلع من أي حتة تضربني بالجفا؟!
آسر وقد اضطرب قلبه فزعًا: فداء؟ لا يا عم دي شكلها غرقت بجد.

غطس بجسده أسفل الماء حتى وجدها تُعافر في أن تطفو بوجهها. إقترب منها على الأثر ثم وضع كفيه حول خصرها ورفعها حتى سطح الماء ل تسعل هي بإرهاق وبنبرة قاربت على البُكاء أردفت: إنت علشان مالقيتش بنزين في البلد تحرقني، قررت تغرقني صح! إنت عاوزني أموت. وإنت يا بغل المعيز فرحان وانا بغرق ورحمة ماما لأوريكم. خرجني يا آسررررر!

آسر وهو يحتضنها بقوة يلثم جبينها بتأنيب ضمير: أقسم بالله ما كُنتش أعرف إنك ما بتعرفيش تعومي، حقك عليّا. لما إنتِ تموتي. مين هيجيب ليّ ملاك!
أخذت تضرب صدره بقبضتها، حاولت مليًا التملص من بين ذراعيه لتصرخ به في حدة: بقولك خرجني من الترعة دي!، وإلا هصرخ وألم عليكم البلد.
مُصطفى بنبرة ثابتة بلهاء: من هنا ورايح، هحمي جفايا منك. الراچل ما بيضربش على جفاه وهجول ل أبويا العُمدِة.

قام آسر، برفع خصرها إلى حافة القناة لتجلس عليها تتنفس الصعداء. فيما أسرع آسر بنزع ملابسه الخارجية عنه مردفًا بحسم: بما إننا إتغرقنا. ف ناخد جولة سباحة بالمرة، بعد إذنك يا قلبي. حطي ليّ الهدوم دي علي شجرة من الشجرات دي تنشف.

وهنا أسرع مُصطفى بنزع ملابسه عنه ليضعها على الحافة وبنبرة سعيدة اردف: واني كمان. علشان هعمل سباج أنا وآسر بيه.
فداء وهي تصر على اسنانها غيظًا: كُنت الخدامة الفلبينية اللي إشتريتوها!
آسر وهو يغمز لها بعينية يشق الطريق داخل القناة: طول ما قلبي مش راضي عنك، هتدوقي العذاب ألوان.

صرت على أسنانها بعصبية مُفرطة. إستندت على ساعدها وقد تجرعت غيظها داخلها، مالت بجذعها العلوي تلتقط الملابس بين ذراعيها ولكنها بدلًا من أن تطولهم الشمس قد قررت أخذ الملابس والذهاب إلى القصر ليفتر ثغرها عن إبتسامة ظفر: وروني بقى هتروحوا إزاي. ب اللبس الداخلي.
بدئا السباق ولم ينتبها لما فعلته حيث لملمت جميع ثيابهما وإنطلقت بها إلى المنزل كنوع من العقاب على ما فعلانه بها...

طرقات خفيفة على باب الغرفة، رفعت بصرها عن الأوراق امامها وبنبرة مُرهقة أردفت: أُدخل!
كانتا يداه مشغولتين بحمل بعض الاطعمة وكوب اللبن، قام بإزاحة باب الغرفة بقدمه في خفة ومن ثم أردف بنبرة حانية وهو يدلف إلى الداخل: أسف على الإزعاج. جايب لك العشا.
عنود وهي تفغر فاهها بشدوه: عشا تاني، أنت مش ملاحظ. إني إتعشيت تلات مرات!

قُصي وهو يضع الطعام والكوب على الطاولة: نعتبره العشا الرابع. ها بقى وصلتي ل فين؟
فداء وهي تُقلب صفحات الأچندة أمامه: يا دوب تلات تصاميم، بس الموضوع مُرضي بالنسبة ليّ. حاجات جديدة كانت في دماغي وعلى التنفيذ.
قُصي وهو يبادلها إبتسامة إعجاب: يعني نقول مبروك على الفوز في العرض؟!
تنشقت عنود الهواء داخلها ومن ثم أخرجت زفيرًا مهمومًا لتردف بنبرة هادئة: يارب. أتفرج كدا وقولي رأيك؟

نالت التصاميم التي تفننت في ابتداعها إعجابه، ف لم تستهلك سوى سويعات قليلة في تصميمهم. وضع الأچندة على الطاولة وبنبرة ثابتة أردف: أيه رأيك لو تدخلي الشُغل الصعيدي في كام تصميم، بس طبعًا بلمستاتك إنتِ. هتطلع حاجه راقية وجديدة. ونوع جديد عليهم وكُل ما هو مُبهر. مرغوب!

شردت عنود قليلًا قبل ان تُتابع بنبرة سادرة: الفكرة حلو طبعًا. بس مش عارفة هقدر أنفذها ولا لأ. بس هحاول ما تقلقش. المهم إني محتاجة مجموعة من الشركة ويكون موثوق فيهم. علشان أهل القرية مش مُتمكنين إلا بالخياطة والتطريز. اما بخصوص القص والتقفيل ف هحتاج ناس من الشركة، ممكن تطلب دا من المدير التنفيذي ويديهم العنوان في مُهمة مستعجلة!

قُصي وهو يوميء برأسه مُتفهمًا: انا بنفسي هقوم بالمُهمة دي، لأني محتاج اشوف الأمور جوا الشركة ماشية إزاي.
عنود بثبات وهي تلتقط كوب الحليب لترتشف منه رشفة صغيرة: تمام جدًا.
سار قُصي صوب الباب وما ان همّ بالترجل حتى هتفت هي بهدوء: أه صحيح. قُصي!
إلتفت لها بتوجس، لتستأنف هي حديثها بثبات: إنت عن قُرب شخصية جميلة جدًا، محتاجه اللي يفهمها.

قُصي بإبتسامة خفيفة: كفايا عليا، إنتِ تفهميني. أي حد تاني. ما يهمش.

باااابي؟!
حاولت جاهدة ان تهرع في خُطواتها إلى والدها ولكنها تعثرت أكثر من مرة، ف لم تتخطَ مرحلة العَدوِ بعد. مشى والدها حثيثًا إليها حتى إستقرت بين ذراعيه ليلثم جبينها مردفًا بحُب: الحلوة بتاعتي! وحشاني جدًا يا بيسان.
بيسان بسعادة وهي تميل برأسها على كتفهِ: وإنت كمان يا بابي. مُفتقداك كُل دقيقة وثانية.
سالم وهو يربت على خصيلاتها الناعمة بحنان: أنا عارف إني مقصر معاكم، وأخذت أجازة خلاص.

بيسان وهي تبتعد عنه قليلًا لترى وجهه: كُلنا عارفين. حساسية شُغلك يا قلبي ومش هنلومك.
في تلك اللحظة ترجل يامن خارج الصالة ل يحتضن خاله بحُب: واحشنا يا سُلم؟!
سالم وهو يربت على ظهره بحنو: إنت اللي واحشني يا اخو البنات. وانت معاهم بكون متطمن لأبعد حد. مش هنسى يوم ما قولت ليّ انا همشي نور يا خالي ما حدش هياخد باله من بيسان غيري. طلعت قدها يا ابن مُنى.

خلاص يا مُنير اللي يريحك، بمُجرد ما نخلص من موضوع أُختي هتيجي البلد ومعاك الطاقم كامل علشان نكمل الحملة. أنا عارفه إني معطلاك. بس مش هقدر أعمل أي حاجة غير لما أُختي تبقى في احسن حالاتها. مع السلامة.

أنهت فداء اتصالها وهي تقف أمام باب القصر فقد تأخر الوقتِ ولم يأتيا حتى الآن، إلتفتت بجسدها ل تدلف داخل القصر ومن ثم إنضمت إلى والدها الذي إحتضنها هي وشقيقتها وبنبرة هادئة اردف: أمال فين عنقودة!
تبادل الجميع نظرات تساؤلية، فلم يعلم حتى الآن ما مرّت به ابنته لتردف فداء بهدوء: جوا يا بابا. يالا نُدخل بقى.

أسرع جمال بمُصافحة صديقه بحرارة وفرحة، ليجلس الجميع حيث حجرة الصالون وما هي إلا ثوانِ حتى جاءت عنود مهرولةً ليُقابلها والدها بذراعيه المفتوحتين وهنا تابعت بفرحة: بابي! إنت وحشتني أوي وانا بجد محتاجه لك.
إنهمرت قطرات الدموع من عينيها حتى بللت بذلته ليقبض على كتفيها برفق ومن ثم يبعدها قليلًا وينظُر إلى عينيها بقلقِ: عنود! بتعيطي ليه؟ في حاجه مخبياها عني؟

تنحنح قُصي في عباراته قليلًا ليردف بنبرة مُتوترة: الموضوع هيعدي، بس بنتك حساسه شوية يا عمي.
سالم وهو ينظُر له بترقب: وأيه هو الموضوع؟
في تلك اللحظة أسرع جمال صوب صديقه ليربت على كتفه مردفًا بهدوء: أقعد بس يا سالم، وهنتكلم بهدوء.

بدأ قُصي بسرد المشكلة التي واجهتهما بإختصار شديد، تفهم سالم ل دموع ابنته ف كُل مجهود ينتزع طاقة ووقت صاحبه ثم يُقابل بالسطو او ضعف التقدير، ينهي الحماسة في خلجات صاحبه. حاول قُصي التخفيف من لمحات الحُزن الساكنة في القصرِ. ليهتف بثبات: أيه رايكم بُكرا هدبح خروف بنفسي وهعمل لكم حفلة شويا. علشان نبعد العين عننا، ما شوفتوش قُصي الدمنهوري وهو بيدبح. بيكون ولا أحسنها جزار.

حُسنية وهي تُقاطعهم بإبتسامة حانية: ديه بكاش أوعاكم تصدجوا إلا بعد التنفيذ، يالا بجا يا چماعة الوكل على السُفرة بيناديكم.

إنتقل الجميع إلى مائدة الطعام الكبيرة، وهنا اردف جمال ما أنا لاحظ تغيُب آسر: أمال فين ضيفنا؟ ناديه يا حُسنية من أوضته!
حُسنية بإستغراب: آسر بيه برا الجصر من صباحية ربنا.
فركت فداء كفيها في توترِ وقلقِ، لم تتحمل غيابه أكثر من ذلك لتنهض في مكانها وبنبرة ثابتة أردفت: بعد إذنكم. هخرج أعمل اتصال مهم.
جمال بحيّرة: تلاقيه بدأ في مشروعه والوقت خده. لما يوصل نعشيه. يالا يا جماعه بسم الله.

ذأبت فداء في سيرها حتى باب القصرِ، أخذ صدرها يعلو ويهبط خوفًا عليه، لقد تأخر الوقت كثيرًا ولم ياتِ بعد؟!، نهشت مخاوفها لحم رأسها. لتسير ذهابًا وإيابًا وقد استبدت بها الهواجس وإعتصرت قلبها...

قررت في هذه اللحظة أن تعود إلى القناة بحثًا عنهما علها تجدهما مازالا في سباق السباحة وقد أخذهما الوقت دون ان يلاحظاه وهنا مرّت من أمامها عربة يجرها حِمار لتقف أمام باب القصرِ، صدح صوت النساء يغنين هذه الأُغنية التي تسمعها فقط عبر الاعمال السينيمائية بالتلفاز والتي هي من تراث أفراح الوجه القبلي: ع الزراعية يارب اجابل حبيبي، يشيل عني الجولة ويخاف عليّا من الهوا الطاير يلغيني لولولولوي.

لم يكُن هذا ما لفت انتباهها ولكنها سمعت صوت مُصطفى يعلو بهذه الأغنية فوق صوت النساء. استدارت على الأثر لتجدهما ينزلا من عربة تنقل السيدات في زيارة ل بيت إحدى العرائس. فغرت فاهها وهي تُحدق بهما فتجد آسر قد أحاط الجذع السُفلي منه ب شال لإحدى السيدات وآخر ألقاهُ على جذعه العُلوي فيما إرتدى مُصطفى عبائه فلاحية ل سيدة ما في طرفها كروشية بشكل الزهرة وتقصر عن قامته، سارت العربة في طريقها من جديد فيما وقف مُصطفى أمامها وهو يدور ب العبائة مردفًا: چلبية أحسن من اللي كانت عندي يا خطافة الهدوم!

آسر وهو يقترب منها بهدوء: أنا مافيش جلبيات جات عليّا. ف أخذت الطُرح منهم. تحسيني راجع من الحج مش كدا.

مُصطفى وهو يتجه صوب باب القصرِ: يالا بينا يا صديق التعري، نجول لأبويا العُمدِه. كُنت فاكر إن مولد سيدي العريان بيكون في الطلافزيون بس. تاريها الظروف بتعمل للعريان مولد.

وضعت فداء كفيه على فمها ما أن قبض على ياقة ثوبها. ليهتف بها بلهجة صارمة أرعبتها: بتمشيني في البلد من غير لبس يا بنت العامري.
فداء وهي تبتلع ريقها بصعوبة ثم تصرخ بفزعِ: يا باااااااا با.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة