قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية جميلتي الصهباء للكاتبة علياء شعبان الفصل السابع عشر

رواية جميلتي الصهباء للكاتبة علياء شعبان الفصل السابع عشر

رواية جميلتي الصهباء للكاتبة علياء شعبان الفصل السابع عشر

زادني الشوق حنينًا. بين ليلة وضُحاها. أمُج بين أضغاث أحلامي مُنذ ليلة فراقنا ولا أجدها. يتراءى ليّ كفها وهي تتركني جسدًا بلا روح. أصبحت على يقين تام، بأنني في هذه اللحظة أتنفس عشقها.

أغمضت عينيها بشيء من السلام وقد داعب الهواء جفنيها وكأنها تتذوق إعترافه لها لتداوي به حُطام قلبها الواهي أثر ضعفها تجاهه يومًا ما. بادلتهُ الكثير والكثير ولكنه لم يستجب واليوم قادهُ قلبه بحثًا عنها فقد جعلته بصمتها يأتي إليها صاغرًا يبحث عن غذاء روحه وإنعاشة قلبه بجوارها.

إبتلعت غصة في حلقها وأخذت تفرك كفيها بتوترِ. هل أصابه الجنون؟ بالأمس يربط اسمه بغيرها واليوم عاشقًا لها!، قطع شرودها صوته مرددًا بنبرة أوقدت نيران الحُب داخلها من جديد: فداء؟ خلينا ننسى اللي فات.
فتحت عينيها قليلًا، تجهمت معالم وجهها عبوسًا تتقمص دور القوة الذي يُلازمها في أوقات مهامها الشاقة لتردف بنبرة حادة: وهو أيه اللي فات؟، إنت ما غلطتش في حاجه يا آسر. الغلط كُله عندي. عارف ليه؟

ضيق عينيه مُترقبًا يتفحص تشنجات وجهها والتي تنم عن رقة مشاعرها وتأثرها بما مر رغم قناع القوة الذي يُخفي ذاتها الحقيقية فيما استأنفت هي بنبرة أكثر حزمًا: علشان من البداية ما كانش ينفع أثق في واحد ما أعرفهوش كُل اللي جمعني بيه موقف لا يُذكر. انا مش عارفه إزاي كُنت طايشة للدرجة دي. انا بسأل نفسي. إنتِ مين علشان تدخلي حياة واحد ما يعرفكيش وتجبريه إنه يحبك وتفرقي بينه وبين حبيبته. إنت مالكش ذنب. أنا أسفه إني كُنت في حياتك وانا غير مرغوب بيا، وانت مش واخد بالك علمتني ما كُنش عفوية وأحب كُل الناس أو أصدق أي حد، شُكرًا.

بادلته إبتسامة لم تصل إلى عينيها وما أن همّت تخطو قدماها للأمام تتجاوزه حتى هتف بلهجة صارمة: بس انا عايزك وبحبك!، وإنتِ مُجبرة تفتحيلي قلبك تاني. علشان مش هفرط فيكِ لحظة. أفتحي ليّ قلبك برضاكِ أو هكون فيه غصب عنك.

يعلم جيدًا بأنها من هؤلاء اللواتي لاينصعن أو يرضخن لأحد أبدًا. عنادها يجعلها تكسر ألف حاجز بينهما لتكون معه وعلى النقيض تُقيم الحصون بينهما كي لا يلتقيا حتى لو إنهار قلبها من فرط الشوق إليه. أراد أن يُثير حنقها في هذه اللحظة حتى يطول حديثهما لتلتفت إليه وبلهجة حانقة تابعت: غصب عني!، دي كلمة كبيرة أوي. وطالما قولتها يبقى ما عرفتنيش لحظة.

آسر بضحكة خفيفة من جانب ثغره: أنا عارفك أكتر منك، إنتِ هبلة يا فداء، يوم ما تفكري تظهري قوتك قدامي علشان أقول دي قوية وبتتحداني. لأنك في الواقع كتاب مفتوح حافظ كُل سطوره صم، ومنقوش كُل ثغرة وكُل نُقطة قوة في عقلي.

استأنف بنبرة واثقة طرحت بقوتها أرضًا وقد صدرت من عينيه غمزة تؤيد صحة كلامه: تحبي أسمع لك!
تقلصت قسمات وجهها بشكل لا إرادي لكم أهلكتها ثقته وهو يُلقى على مسامعها ما تعلمهُ جيدًا. لتقترب منه أكثر وبكلا كفيها راحت تدفعه بحدة في صدره وهي تصرخ غيظًا: إنت مُستفز.

إلتقط معصميها بين قبضتيه وراح يشدد عليهما بثبات وحنكة ليُثبتهما حيث صدره ومن ثم أردف وهو يُشير بعينيه إلى جانب صدره الآيسر حيث يقبع كفها: كدا وجعتي ليّ قلبي!
صرت على أسنانها وهي تلاحظ بروده الوافر، أخذت تضرب الأرض بقدميها ك طفلة ناقمة على ما يحدث معها. يتسلى هو بمقتها الكاذب عليه لتصرخ في ضراوة: بكرهك. والله العظيم بكرهك. سيب إيدي وإلا هستخدم معاك العُنف.

ضحك آسر ملء شدقيه مما أثر جنونها في هذه اللحظة. ترمقه بعينين جاحظتين لقد بلغ حنقها منه، ذروته، ليُحرر كفيها بهدوء شديد فيما أخذت تصرخ به بجنونية جامحة: إنت بتضحك ليه؟ ها. بتضحك ليه دلوقتي، آسر! إنت جاي لحد بيتنا علشان تجنني؟
وهنا صاحت بنبرة ناقمة وقد أوشكت على بُكائها الطفولي: يا عمتو! أطلبي البوليس وقولي لهم في مُتحرش هنا.

نحت ببصرها إليه من جديد وقد فردت كتفيه بتحدِ وحاجبين مرفوعين: طالما مش عاوز تمشي بالذوق.
رمقها آسر بنظرة غامضة وبنبرة ثابتة تابع: أنا مُتحرش!
هزّت رأسها بكُل ثقةً وثبات: بالظبط.

أخذ يقترب منها بخُطوات وئيدة فيما تتقهقر هي للوراء بفزع وراحت تبتلع ريقها فقد تمادت في مُداهمته. بينما أمد هو ذراعيه يُحاصر خصرها بقوة. حدقت إليه في ذهول وهي تفغر فاهها وقد تجمد الكلام في حلقها لتردف بتلعثم: على فكرة يعني. كدا عيب. ودي مش أخلاقك يا آسر. وبعدين أنا بكلمك بذوق إنت اللي استفزتني.

أخذت تنهال عليه بكلمات غير مُرتبة فيما قرّب وجهه من وجهها ثم باغتها بُقبلة على صدغها الأيمن. تحول حديثها إلى غمغمات وهي تجده يلثم صدغها الآخر لتتابع بنبرة أكثر إنكماشًا: إنت عايز تغرغر بيّا! أنا عارفه الحركات دي، إنت طمعان فيا؟ شوف ظهرت على حقيقتك وأنا مش هسكت.

ثبت مُقلتيه في عينيها مُباشرة وأخذ يُداعب وِجنتها بأطراف أنامله ليردف بنبرة هادئة: أيه الفيلم الهندي دا؟ انا بصراحة طمعان في خدودك من زمان. وعلشان لما تطلبي البوليس وتقولي لهم مُتحرش متكونيش كذابة.
اومأ برأسه سلبًا يُقنعها بحُجته: وانا بصراحة ما يرضينيش إن حبيبتي تبقى كذابة.
في تلك اللحظه قطع حديثهما صوت (مُنى) والتي أردفت تحث خُطاها إليهما: فداء مالك؟

تنفست الصعداء مؤخرًا وهي تتملص من قوته، تهرع إلى عمتها حتى تحتمي بوجودها لتهتف بغيظِ: شوفتي يا عمتو. كان بيتحرش بيّا.
أدركت منى أن هذا الإدعاء ضمن مكائد فداء تجاه شخصًا لا تطيق وجوده أو ربما أنهكها بكثرة فأعتزلته. إفتعلت منى الدهشة متوجهة بالحديث إليه: حصل الكلام دا يا أستاذ؟
إقترب آسر من مُنى ثم مد ذراعه إليها وبإبتسامة عذبة تابع: أنا آسر. أعتقد إنك عرفاني، أنا سعيد بمقابلتك يا سيدتي الجميلة.

رمقتهُ منى بإبتسامة حانية، ليرفع هو كفها يلثم ظاهره بثبات. فغرت فاهها وهي تجوب ببصرها بينهما وبنبرة مشدوهة تابعت: ثبتك بكلمتين. كلمتين مافيش غيرهم، وانا اللي كان عندي أمل فيكِ تنفذيني منه!، أنا غلطانة إني جيث أشوفك يا بنت العامري.

مُنى وهي تتعمد إغاظتها، ترى علامات الحُب في وجه صغيرتها ولكنها تأكدت أنه هناك ما لا تقبله فداء به: ربنا يحميه ل شبابه. كفاية إدعاءات مُخزية يا فداء. وبعدين مش أستاذ آسر دا اللي كُنت بتعيطي علشان خطب!، وهنا إلتفتت تقصد توجيهه ل نُقطة ما: بجد يا أستاذ آسر. أول مرة أشوف صداقة قوية كدا. أول ما حست إن خطيبتك هتاكل الجو زعلت.

ضغطت فداء على إصبعيها تتوسل إليها أن تصمُت. تنحنحت قليلًا وهي تربت على كتفها بثبات ظاهري: جيبتك يا عبد المُعين تعيني!، أدخلي يا مُنى جوا حبيبتي. مراد بينده عليكِ.
أومأت منى برأسها إيجابًا وهي تلوح له بكفها قبل ان تُغادر: فرصة سعيدة. خلينا نشوفك تاني.
إلتفت آسر لها بإبتسامة ظفر في حين بادلته هي إبتسامة بلهاء وراحت تقول بتوتر: عمتو بتهزر. أصل انا هعيط ليه يعني؟

آسر وهو يضع كفيه في جيبي بنطاله: خُلاصة الكلام. هننسى اللي فات!
فداء بإبتسامة باردة: صدقني. مُحاولاتك معايا هتكون فاشلة مع مرتبة الشرف. وعلشان أريحك، أنا مرتاحة في غيابك، وعلشان تكون مرتاح أكتر. أنا مش متواجدة حاليًا في القصر أنا كُنت جاية أشوف عمتو وراجعة من مكان ما جيت. بعد إذنك.

رفض كبريائها الاستسلام له، رغم مُعاناتها الضارية في امتلاك قلبه في وقت سابق أحبته فيه بلا أمل وما أن سلك الأمل طريقه إليها كان داخلها قد إنطفأ وكحل الوجع جنباته.

أچيب الوكل إهنه يا بِسة هانم ولا ناكول بالبرندا؟
أردف مُصطفى بتلك الكلمات في تساؤل وقد اصطبغ وجهه من ذاك الطلاء وردي اللون، رمقتهُ بيسان بحنق قائلة: بِسة؟ اسمي بيسو يا مُصطفى!
لوى مُصطفى شدقه بإعتراض ضاري، ل يُلوح بكفه في لا مُبالاة وهو يقول: هي كُل اسامي أهل البندر مايعة إكدة!، عدم اللامؤاخذه يعني. بس هي بِسة حلوة ولايجه عليكِ علشان وشك بريء وجمر زيّ نرچس وهي لسه مولودة.

بيسان بتركيز وإندماج داخل جُعبة حديثه الكوميدي: نرجس! دي القُطة بتاعتك؟
افتر ثغرهُ عن إبتسامة عريضة ليهتف: فتح الله عليكِ يا أُخت بِسة. ما أنا عندي البِسة بتاعتي وزغلول الديك، بس عندي سؤال يؤرق نومي كُل مساء يعني.

أطلقت بيسان ضحكة هادئة لتهزّ رأسها تحثه على استكمال حديثه ليقول بشرود: هو ليه إنتِ وأُخت التؤم، شعركم أحمريكا!، وليه فداء هانم راجل كدهون في نفسويتها وانتِ أُنثى كاملة الأنوثة ما شاء الله!

بيسان بضحكة خفيفة: مين قال كدا. بالعكس فداء أُنثى وقمراية، إنت ما شوفتهاش بقى وهي لابسه فساتين اوووه. أختي حبيبتي ربنا يخليها ليّ.

إمتد بصرها إلى يامن الواقف على عتبة الصالة وقد وجه حواسه كُلها إلى هاتفه النقال، لاحظت هذه الإبتسامة التي لازمت وجهه مُنذ لحظات لتقول بنبرة جامدة: يامن تحب تاكل ناو ولا هتستنى أخواتي؟ يامن!

تجرعت غيظها داخلها ف لم يلتفت ل حديثها او ينتبه له من الأساس، ألقت بالفُرشاة داخل صندوق الطلاء. وقد عبرت قسمات وجهها عن الإمتعاض وهي تهتدي في مشيتها إليه وما أن وقفت أمامه حتى تابعت بإنفعال خفيف: يامن، أنا بكلمك! أنت ما سمعتنيش!
رفع يامن بصره إليها وبنبرة آسفه تابع: أنا أسفة. ما أخدتش بالي.
نحت ببصرها إلى الهاتف القابع بين كفيه وبنبرة جامدة أردفت: بتكلم مين؟

لم يتسنى له الإجابة لتلتقط الهاتف على غفلة منه وتنظُر إلى شاشته بحنق وإنفعال لتجدهُ يُراسل إحداهن وقد أرفقت بين سطور محادثتهما صورة لها. لم تفهم الحديث الدائر لكونه باللُغة الفرنسية ولكن قد أزعجتها صورة الفتاة وطريقة لبسها لتُلقي الهاتف بين كفيه مُجددًا بعد أن كبا لون وجهها ومال للصُفرة الفاقعة حنقًا: إتفضل فونك. أسفه إني إتدخلت في خصوصيات معاليك.

وقبل أن تتحرك من أمامه قبض على ذراعها قائلًا بنبرة هادئة: ما فهمتيش الكلام مش كدا؟، حبيبتي دي دكتورة وبتبعت ليّ تقارير الحالات علشان أدونها.
أغمضت عينيها بإختناق وبنبرة باردة تابعت: أولًا أنا مش حبيبتك. ثانيًا أعذرني ل جهلي ما كُنتش أعرف إن صورتها من ضمن التقارير اللي بتدونها.

استطاعت التخلص من قبضته ثم ذأبت في سيرها للداخل. كور قبضة يده بإنفعال لم يفتيء أن جعلها تثق به أكثر والآن دون قصد منه عادت هي إلى أدراجها تضع الحدود بينهما.

الواحد إتهد حيله النهاردا. ماكُنتش أعرف إن الشغل والقواضي هياخدوا كُل وقتي. انا حاسس إني مضيع حق بناتي عليّا يا جمال.

أردف سالم بتلك الكلمات في ثبات وهو يقف أمام الباب الرئيسي ل محكمة الجنايات العُليّا وقد أخذهما الحديث عن بعض أمورهما العائلية ليردف جمال بهدوء وقد ائتلف معه في رأيه: عندك حق. انت ترجع القصر تستريح، وبُكرا تكون عندي في البلد تقضي معاهم الأجازة وبالمرة تشوف الأمور ماشية إزاي.

سالم بضحكة خفيفة وهو يتذكر ما فعلته تلك المُشاكسة: انا عارف طبعًا ماشية على أكمل وجه، وفداء هانم بتجري ورا الستات علشان تعاقبهم.
جمال وقد عَلت ضحكته قليلًا: والله ياريت كُل الناس زيّ فداء بنتك يا سالم، عليها عفوية تودي في داهية بس بنت حلال وأصيلة. أنا مش عارف أخد موقف ضدها. ماليش أي رد فعل غير إني بضحك على أي تصرف بتعمله.

سالم وهو يضرب كفًا بالآخر: الله يهديها ل نفسها. وانت لما توصل البلد كلمني.
جمال بثبات: إن شاء الله.

غابت الشمسُ عند الأصيل، إمتلأت صالة الاستقبال بهذا الجمع من الشباب والفتايات. إنتابهم حالة صمت مُخزية جراء ما حدث ل (عنود). قد أثقلت الهموم كاهلها وكيف ستُنجز التصاميم الخاصة بالعرض في أسبوعين فقط!، ألقت بنفسها بين أحضان بيسان وأخذت تجهش في البُكاء دون توقف لتلثم بيسان جبينها بشفقة وحنو: علشان خاطري كفاية عياط. صدقيني كُل حاجه وليها حل.

عنود وقد عَلت شهقاتها رويدًا رويدًا: حل أيه؟ الشغل اللي أخذ معايا شهرين، هخلصه تاني في أسبوعين!
تنهد قُصي تنهيدًا ممدودًا بعُمق وهو يرمقها بنظرة ثائرة لحالتها وراح يقول بثبات: يا عنود. العياط مش حل.
عنود وهي ترمقهُ بحنقِ: إنت مش هتحس بيّا علشان مش في دماغك العرض أساسًا، إنت واخد الشراكة دي نزوة. تضيع بيها وقتك.

إبتلع إهانتها على مضض رفقًا بحالتها وقد تجرع غيظه داخله وظل رابط الجأش وكأنه مُتقبلًا لما تقوله ليتابع ببرود: طيب إهدي وخلينا نفكر في حل ينقذ نزوتي وحلمك.
يامن بشرود قليلًا: حتى لو بدأت تنفذ تصاميم جديدة ف هتتسرب زيّ غيرها، لأننا ما وصلناش للجاسوس لحد دلوقتي.

مُصطفى وهو يهتف بحماس: أنا عندي فكرة حلوة جوى.
فداء رافعة أحد حاجبيها: جول يا آخر صبري إنت. أنا عاوزة أنبهر.
مُصطفى بثقة: إحنا نخيط چلاليب صعيدي وكلسونات. والإشاربات اللي بيبقى فيها ترتر وهتعجبهم جوي. اسمعوا مني أنا أفكاري جُهنمية.
مسحت عنود على وجهها وهي تبتعد عن شقيقتها قليلًا تحاملت على ساعدها ثم وقفت مكانها وراحت تقول بإرهاق: لو سمحتي يا طنط حُسنية. ممكن تقولي ليّ أوضتي فين علشان تعبانة!

حُسنية وهي تعاونها على السير: تعالي يا بنتي، ربنا يفرچ كربك ويزيل همك، وما يضيع لك تعب.
في تلك اللحظة صدح صوت الهاتف الخاص ب (بيسان) لتجده والدها. كعادة كُل يوم يطمأن على شقيقتها من خلالها. ذأبت في سيرها حيث الحديقة الخلفية للقصر لتُجيبه بهدوء:
أزيك يا بابا! واحشنا، فداء كويسة وعنود كمان، تيجي بالسلامة يا قلبي، مستنيينك.

تنهدت بقوة وهمّ وهي تنهي اتصالها مع والدها تشعر بأن حُزنها يخنقها. تستقبل أوجاعها برحابة صدر إلا أن تمس شقيقاتها بسوء. ف سعادة شقيقاتها مُرتبطة بها ولا يُرضيها غير ذلك.
أخفضت بصرها وهي تجد أحدهم قد أحاط خصريها بذراعيه ومن ثم تابع هو بنبرة حانية: لسه زعلانة!
حاولت أن تتملص من ذراعيه كي تلتفت إليه تنهره بإنعدام رغبة في أن يجمعهما حديث واحد لتقول بإنفعال حاد: يامن، إبعد إيدك عني!

مال يامن إليها يلثم وجنتها وبنبرة حانية أردف: مُلخص الحوار اللي دار بالفرنسي، إنها حابه تاخد رأيّ في فستانها اللي هتقابل بيه حبيبها وهو بيعترف لها ب حُبه. لا أكثر ولا أقل، وبعدين مافيش داعي ل كُل الغيرة دي.

ظلت تنظُر أمامها بعد أن استسلمت ل شدة ذراعيه على خصريها ولم تعد تنبس ببنت شفةٍ، حرر خصرها بثبات ثم استدار مواجهًا لها ليجد الدمع قد جال في مُقلتيها ليبادلها إبتسامة حانية قائلًا: مش مصدقاني؟
بيسان وهي تلوي شدقها بطفولة: ومُستحيل أصدق أي حاجه هتقولها تاني.
فتح عينيه واسعًا يتصنع الصدمة، ومن ثم نكس ذقنه بحُزن وهو يقول: حتى لو قولت لك إني بعشقك!، وانا اللي كُنت فاكر إنك بتبادليني نفس الشعور؟

جرى دمع غاسق من عينيها لوهلة. وفجأة تبدل حالها من اعترافه لها لتقول بنبرة مُتلعثمة: هو بصراحة يعني. انا قُلت كدا يعني من زعلي وبس.
يامن مُضيقًا عينيه بنشوة: قصدك أيه؟
رمقتهُ بيسان شزرًا. ومن ثم أشاحت بوجهها بعيدًا عنه لتهتف بسخط: يعني عاوز تفهمني إنك مش فاهم؟، ولا إنت بتحرجني بس!
افتر ثغرهُ عن إبتسامة عريضة وراح يفرد ذراعيه واسعًا وبنبرة هائمة بها أردف: خش في لحم أخوك يا فواز!

أطلقت بيسان إبتسامة هادئة وراحت تدفن وجهها بين ضلوعه فيما شدد هو على خصرها بسعادة غامرة ليهمس في أذنها بلهفة وهُيام: بعشق أمك.
على الجانب الأخر
جلست فداء إلى مقعدها وقد شردت فيما قاله مُصطفى لوهلة. رمقها قُصي بثبات وبنبرة هادئه تابع: بتفكري في أيه؟
فداء وهي تهتف بثبات: في فكرة مُصطفى، ك فكرة عامة مش وحشة!
قُصي وهو يكز على اسنانه بغيظ: بيقولك كلسونات؟! انتِ مُدركة وواعية ل مضمون الفكرة!

فتحت فداء فاهها ل تُجيبه مُفسرة عن وجهة نظرها، لتجد جمال يدلف إلى داخل القصر وقد اصطحب معه شخصًا ما حينما أردف بحفاوة شديدة: أدخل يابني. نورت القصر.
ظهر أمامها في الحال. أصبحت في حالة صدمة لم يسبق أن وقعت بها لتجده يرمقها بنظرة ثابتة وقد افتر ثغرهُ عن إبتسامة نصر لم يفهمها سواها وهو يردد: السلام عليكم؟
فداء بنبرة خافتة: آسر!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة