قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية جميلتي الصهباء للكاتبة علياء شعبان الفصل الثامن عشر

رواية جميلتي الصهباء للكاتبة علياء شعبان الفصل الثامن عشر

رواية جميلتي الصهباء للكاتبة علياء شعبان الفصل الثامن عشر

نقمة الحُب تكمن في أن يكون حُبًا مبتورًا ل أحد طرفيه. ونعمته تجتليّ في فيض من المشاعر تجتاح وجدانك وتُرسخ عقيدة العشق فيه...

ثارت خلجات وجهها في شدوه وعجز في الاستيعاب، كيف وصل إلى داخل القصر؟، حظى بحفاوة شديدة من قِبل جمال الدمنهوري وكأنه أحد أفراد عائلته. أدركت لتوها بأنها عشقت رجلًا لا يستعصي عليه امرًا واحدًا. أحبت ما فعله لأجلها وأنه اختار المواجهة المُباشرة ولكن تظل علامات الاستفهام تحوم حول عقلها تتسائل ما الدور الذي تقمصه ل يصل إلى هنا.

هبّت في مكانها واقفة، بينما بادلها هو نظرة ثاقبة وهو يجوب ببصره بينها وبين قُصي الذي تابع بتساؤل: ما أتعرفناش؟
جمال بثبات وهو يحثه على الجلوس: أتفضل يابني. ارتاح على الكنبه.

أومأ آسر برأسه في خفة ليجلس إلى الأريكة في ثبات وقد تأجج شعوره حنقًا يتوعد لها بالكثير بينما استأنف جمال حديثه: أستاذ آسر. بيدرس ظاهرة التعداد السُكاني ضمن مشروعه وإختار القرية هنا علشان يطبق الدراسة الميدانية فيها. وبعدين دا جاي من طرف (أم يامن). هي بنفسها كلمتني ووصتني عليه، هينورنا ل فترة.

حدقت فداء إليه في صدمة، ليفتر ثغرها عن إبتسامة بلهاء وهي تردف بنبرة سادرة: عمتو! هي اللي كلمتك ووصتك على الأستاذ.
هزّ جمال رأسه إيجابًا فيما أردف آسر بلهجة صارمة حاول إخفاء حدتها بإبتسامة صفراء فقال: إن شاء الله مش هطول وأزعجكم. بمُجرد ما أخلص مُهمتي وتنتهي زيّ ما أنا عاوز، همشي أصلي بصراحة بحب الدقة في شغلى وما أعرفش الاستسلام.

جمال وهو يربت على كتفه بإعجاب: ربنا معاك يابني ويوفقك.
تشوشت الأفكار في ذهنها اينذاك لا تفهم كيف كفل ل نفسه إنضمام عمتها إلى صفه، لم تكُن صدمتها إلى هذا الحد فحسب لتفتح عينيها واسعًا وهي تجد صوت يامن يهتف بنبرة مُرحبة ليصافحا بعضهما وبقت هي في حالة ذهول من أمرها حينما أردف يامن مازحًا: أوعى تكون توهت يا عم آسر، مستنيك من بدري يا صاحبي.

جمال بضحكة وقورة: وانا أقول مدام منى موصياني عليك ليه! ربنا يديم صداقتكم يا ولاد.
في تلك اللحظه وصل مستوى صدمتها لذروته ف بالأمس تقاتلا واليوم أصدقاء دون صداقة، لاشك بأن هناك أمور كثيرة تُحاك من خلفها، جدحتهما بنظرة حانقة ثم رددت وهي تتجه صوب الدرج: بعد إذنك يا عمي هطلع أستريح عندنا شُغل كتير بكرا.

ائتلف جمال مع رأيها ليردف بنبرة هادئة: عندك حق يابنتي. يالا يا شباب كُل واحد يستريح ونسيب الضيف كمان يرتاح من السفر وبكرا نشوف هنعمل أيه في حكاية عنود.

في صباح اليوم التالي، قامت حُسنية بفرد ملاءة أرضًا وسط بقعة الحديقة، وبدأت الفتايات يضعن أطباق الطعام عليها. فقد قرروا جميعًا تناول وجبة الإفطار في حديقة القصر ما أن تلتصق الشمس في كبد السماء، تحركن على قدم وساق في شيء من الهمّة يضعن الطعام أرضًا حتى إمتلأت السُفرة ذات الطابع البلدي بكُل ما لذ وطاب.

هاتي أنا هوديه وأقعدي إنتِ إرتاحي.
أردف قُصي بتلك الكلمات في ثبات وهدوء، إلتقط الطبق بين كفها لترفع بصرها إليه وبإبتسامة باهتة رددت: أنا كويسة. مافيش حاجه.
ظلت مُتشبثة بطرف الطبق بأناملها الصغيرة ترفض معاونته لها. لا تعلم سبب مقتها عليه ولكنها أبدًا لا تطيق وجوده مُنذ أول مرة خاض في شخصها وهنا أردف قُصي بثبات ولهجة آمرة: تمام. أقعدي انتِ علشان لسه وراكِ تصاميم كتير. حنا بنريح الزبون.

تبدلت نغمة صوته في جُملته الأخيرة مازحًا، لتوميء برأسها في شيء من الفتور وقد افتر ثغرها عن إبتسامة خفيفة. وما ان همّت بالذهاب حتى فرد ذراعه أمامها يمنعها من السير وبنبرة حانية أردف: انا معاكِ دايمًا وفي أي وقت حتى لو إنتِ مستغنيه عن وجودي. بس حاولي في أوقات ضعفك تفكري بطريقة صحيحة. الإندفاعية في الحقوق بتخلي الانسان محقوق. لمجرد إنك ما فكرتيش بطريقة سليمة، خسرتي كُل حاجه وانا مش هقبل أشوفك خسرانه.

لانت ملامحها لكلماته قليلًا، جرى دمع غاسق من عينيها وبنبرة فاترة تابعت: في أمل ألحق العرض يا قُصي؟
تنشق الهواء داخله بثبات جمّ، اومأ برأسه يُطالعها بنظرة حانية يُخالطها التحدي ليردف: الأمل في ربنا دايمًا موجود، صدرت منه غمزة قد ذيلت كلماته الصادقة ليقول بثبات وهو يتجه بالطعام حيث موضعه: ثقة في الله، نجاح.

إنضم الجميع إلى مائدة الطعام الأرضية بدعوة من (جمال) الذي سعد بحرارة ل هذا الجمع من الشباب يُذكرونه بأيام الصبا. بدأوا في تناول طعام الإفطار وقد عم الإبتهاج الحديقة الصغيرة ليهتف جمال متوجهًا بحديثه إلى مصطفى: تعالى يا مُصطفى إنت كمان أقعد جنبي.
سار مُتجهًا إليهم وبنبرة مُصرة أردف: انا عايز أجعد چنب فداء، علشان أنا بحبها جوي وچايب لها هدية.

نحت فداء ببصرها إليه وبنبرة هادئة تابعت: تعالى يا مصطفى أقعد جنبي، دا أنا مُتحمسه جدًا أعرف الهدية.
رمقها آسر بنظرة جامدة وكأنه يحسب عليها أخطائها. لاحظت نظراته الثاقبة بها لتتعمد تجاهله وكأنه غير موجود.

جاب جمال ببصره بينهم وفي داخله شيء من لهفة الماضي، ليجد يامن يمد يدهُ إلى فمِ بيسان يُطعمها ويتبادلا نظرات قد عهدها سابقًا وعلى علم شديد بها. غابت الإبتسامة عن وجهه لينكس ذقنه أرضًا يتذكر هذه التي عشقها مُنذ الوهلة الأولى، أنجب منها طفليهما ولكنها لم تعد تطيق حياة الريف معه، داخل منزل صغير وضئيل الإمكانيات فقد تزوجها رغم فقره الشديد في السابق ولكنه أرادها إلى جواره، حاول مليًا أن يُرضيها بكُل الطُرق ولكن طموحها الجامح أوقعها في أخطاء لا تُغتفر عندما قررت الهرب مع آخر. وقد تركت ابنها خلفها وهو بعُمرِ العاشرة ولم تأبه ل كلام الناس وهم يلقون أقذع القصص والروايات على مسامع زوجها وطفلها. أدرك قُصي في هذه اللحظة بأن الطموح يطرح بصاحبه أرضًا، لا يرفع من شأنهِ بمثقال ذرة. قد يكون مُخطئًا بشأن مفهومة المتقوقع على ذات والدته عن الطموح، لأن الأمر يتوقف على ذاك الذي يكبحه ولا يكبته.

تنهد في هذه اللحظة تنهيدًا ممدودًا بعُمق قبل أن يتناول لقيمة صغيرة إلى فمهِ ومن ثم نحا ببصره إلى صغيره الذي عانى الكثير في طفولته. تعلقه بأم آثمة قطعت حبال الوصل معه فجأة وبغير حق، بُكائه المرير وشعور النقص في حُضن كان في السابق يحتويه، سعى جمال بكُل ما أوتي من قوة لتعويضه ولكنه بقى ذاك الذي فقد الثقة بمن حوله وظن بأنهم راحلون لا محال. حانت منه إلتفاتة إلى وجه إبنه الشارد في هذه التائهة التي تعسرت أمامها السُبل وصاحبها إحساس بالضيقِ والعجز، تلك النظرة من عين ابنه لا تُنبيء إلا بشيء واحدٍ. وحيدهُ يُكن لها حُبًا عميقًا بل وقع في حبائلها وتاه.

اصبح الجو العام ما هو إلا حالة من الصمت المُريب. تنحنح جمال في باديء الأمر بعدما قرر الخوض في بعض الأحاديث ليقطع هذا الشعور القاتم بحزنهم ليردف: تعرفوا يا ولاد. انا بقدس الصداقة أوي، سالم أكد ليّ إن الدُنيا لسه بخير، وليلاتي بحمد ربنا إن صداقتنا دايمه. بالمُناسبة بقى آسر ويامن. إنتوا صحاب من أد أيه؟

انتبه آسر ل حديثه، تبادلا الإثنان نظرات تساؤليه. وبدأ آسر يستجمع أفكارهُ ليُجيب عن الأسئله رمقته هي بإبتسامة ظفر وتشفِ ظنًا منها بأنه سيتعثر في الإجابة ولن يفلح هذه المرة.

شرد قطبي السؤال في هذه اللحظة التي شهدت على صداقتهما، أجل مُنذ ثلاثة ساعات تقريبًا صدح هاتف (يامن) برقم والدته والتي ظلت تُلقي على مسامعه بعض النصائح حتى لا يقع في فخ الإرتباك، نشدته بوعدهُ لها وأنه سيمتنع عن مُشاجرة (آسر). بل ويُمثل أمام الجميع بأنهما على علاقة وطيدة مُنذ أمد وقبل أن تُنهي اتصالها معه رددت جُملتها التي جعلته ينصاع لما ترغب به صاغرًا: سبق وحصل اشتباك بينك وبين آسر، هتتخطى الموضوع دا وهتظهر قدامهم إنه صاحبك. فداء بتحبه بجد وهو كمان ولأنها عنيدة هنستخدم معاه الهجوم.

يامن بحدة: وإنتِ إزاي تثقي في واحد ما نعرفهوش، وتأمني على فداء معاه.
منى بتفهم: الولد إترجاني وأقسم ليّ أنه بيحبها وهيحافظ عليها. انا بصراحة ما كُنتش عاوزه أصدقه بس.

صمتت لوهلة وبدأ يتراءى لها صورة عينيه الحزينتين لتردف بهدوء: نفس نظرة عينك بسبب تجاهل بيسان ليك، النظرة دي ل تاني مرة بشوفها في عينيه، زيّ ما كُنت محتاج في يوم إن بيسان تحس بقلبك هو كمان لازم ياخد الفرصة دي. وانت هتساعده غصب عنك، دا لو عاوزني أكلم خالك بخصوص خطوبتك على بيسان.

يامن بنبرة مُتلهفة ومُنفعلة قليلًا: دا صاحبي وصديق الطفولة والعُمر والله، دا واحشني أوي آسر. أول ما يوصل هبوسه يا أحلى أُم.
أعاد جمال طرح سؤاله من جديد، ليتلقى الإجابة منهما في آن واحد: تلات سنين.
لوت فداء شدقها بسُخرية إينذاك لتقضم الخُبز في فمها في شراهة ونبرة خافتة تابعت: تلات مصايب تاخدكم يا كذابين، وحياة أُمي إنت وهو لأفضحكم. ويا تجننوني. يا أجننكم.

مال مُصطفى برأسه قليلًا ناحيتها ومن ثم ربت على كتفها قائلًا بتساؤل: بدري على الچنان يا فداء. تحبي تشوفي المفاچأه دلوجتي!
نفرت عروق آسر في موضعها وهو يجدهُ يضع كفه على كتفها. صر على أسنانه بإنفعال ليهتف بلهجة حادة متوجهًا بالحديث إليها: ممكن طبق المِش اللي قدامك دا يا أنسه فداء؟ أصلي بحبه أوي.

إبتلعت ريقها بصعوبة من حدة نبراته. أعطته الطبق بأيد مُرتعشة ومن ثم همست بالقُرب من الآخر: شيل إيدك دي ل ياكل وياكلني وراك.
نهض مُصطفى من مكانه فجأة ولم يحفل بما قالته ليتجه إلى إحدى الشُجيرات ومن ثم إلتقط (هرة) بيضاء وراح يسير بإتجاهها قائلًا: چبت لك البِسة بتاعتي، هدية. أنا بحبها جوي بس ما تغلاش عليكِ.

كانت تستمع لوقع كلماتهُ على أُذنيها في حالة من الذهول ولكنها لم تُدرك ما قاله بعد إلى أن ألقى الهرة في حِجرِها قائلًا بمرح: ب سبحها بچانسو كُل ليلة. وعشِية ششش
تشابكت عليه الأحرف وبدأ يتلعثم في حديثه ولكنها لم تمنحه فرصة توضيح ما يقوله لتنتفض واقفة وهي تصرُخ صُراخًا مُفجعًا: يااااامامي. حرام عليك. عندي فوبيا من القُطط.

أسرعت بالإبتعاد عن المكان وسط جلجات الجميع وقهقهاتهم المرحة، فيما لوى مُصطفى شدقه مردفًا بحُزن: ما تخافيش، دا انا مششور لها شعرِها.
إلتفتت ببصرها إلى آسر لتجد قهقهاته غطت على الجميع وبنبرة ساخرة تابع: أنا كُنت فاكر إنك أقوى من كدا؟، طلعتي وِرور!

في تلك اللحظة جدحته بنظرة ساخطة لتشيح بوجهها بعيدًا عنه بينما أردف مُصطفى بمرح فاشيًا سر خوفها الحقيقي: دي كمان بتخاف من زغلول الديك جوي، وتجعد تلف في الچنينة زيّ الفروچه الدايخه تهرب منه.
حُسنية بضحكة خفيفة: أجعد يا ولدي، ما تخوفهاش عاد!
بيسان بنبرة وجلة: لأ، الكوكو دا تاني. بليز يا مُصطفى أنا بخاف.
فداء بنبرة ساخطة: أخاف من أيه يا بغل إنت؟

حدقت عيناي مُصطفى وهو يتصنع الصدمة مُتجاوزًا إياها بعينيه وبشهقة مُفزعة أردف: في أيه يا زغلول مالك؟ ألحجي چاي يمتك، ما جولت لك أصبغى شعرك ألوانات وهو هيخاف منك. لأ اوعى، أوعى تُجرُمها من يدها.

هرولت فداء بإتجاهه على الفور، إلتفتت برأسها ولكنها أدركت بأن ما فعله بها مُجرد خدعة، صرت على أسنانها بقوة وما أن إقتربت منه حتى تابعت بنبرة تتصنع البُكاء: بص بسببك إتعورت إزاي؟
أشارت بسبابتها إلى معصمها، ضيق مصطفى عينيه بتأثر وتبكيت ضمير ولتباغته بصفعة مُفاجأة على ظاهر عُنقه وهي تردد بتشفِ: بقى انا تضحك عليا الناس؟ حسبي الله قطعت ليّ الخلف.

جمال مُقاطعًا إياهما بإبتسامة رزينة: يا ولاد كفاية هزار بقى ويالا كملوا أكل.
وما فتيء أن أنهي جُملته حتى وجد ابنه ينهض من مكانهِ ومن ثم أمسك بساعد (عنود) فلم يحتمل حُزنها أكثر من ذلك وهو يرى الدمع والتعب قد تجمدا في محجريهما ليقول بنبرة حاسمة: قومي معايا!
قطبت عنود ما بين حاجبيها في إستغرابِ وبنبرة مُنهكة أردفت بتساؤل: هنروح فين؟
قُصي بثبات: هتعرفي حالًا.

نحا ببصره إلى فداء ومن ثم أردف بإبتسامة صافية أنارت وجهه: بقولك أيه يا فداء. عاوزك تبلغي الستات يحضروا بعد ساعتين في القصر هنا. يامن وبيسان ياريت تجهزوا صالة الحضانة علشان هنحتاجها ضروري.

أنهى حديثه الحاسم على عجلة من أمره، انصاعت لأوامره تجاهها حيث استسلمت ل جذبه لها مُتجهان خارج حدود القصر كاملة وعلامات كثيرة تدور في رأسها تجاه ما ينوي فعله...

مر الكثير من الوقتِ، حضر مجموعة لا بأس بها من السيدات بعد إعلامهن بتقديم مُساعدة ل بنات (سالم العامري). إمتلأت صالة الروضة بالكثير من السيدات وعلت غمغمات كثيرة في المكان يتسائلن بشأن نوع المُساعدة، قررت بيسان ضم أطفالهن إلى زاوية من الصالة حيث حلبه صغيرة تحتوي على مجموعة من الألعاب، جلست بيسان في مُنتصف الحلبة بين الأطفال تُداعب هذا وتبتسم لذاك...

ولكنها لم تستطع إسكات طفل منهم، زودته بالكثير من الألعاب وبدأت بمُشاكسته بإيماءات وجهها ولكنه لا يتوقف عن الصُراخ. تشعث شعرها في تلك اللحظة ليقترب (يامن) منها وراح يزيح خُصلاتها عن وجهها وأعقب هذا قُبلة سريعة على وِجنتها، لم يكُن هذا ما أثار دهشتها حينما فغرت فاهها بشدوه وهي تجد الصغير ينظُر إليهما في حالة سكون وترقُب.

إبتعد يامن عنها قليلًا ليعاود الصغير بكائه من جديد وهنا أسرعت بيسان بتقريب وجهها من يامن ثم قبلته برقة وهي تُتابع إيماءات الصغير بدهشة فقد صمت مُجددًا؟ لاحظ يامن سكوت الطفل ما أن يُقبل أحدهما الآخر ليلثم وِجنتها بتمادِ ورضا قائلًا: الواد دا هيطلع صايع؟ دا عاجبه الحوار!، بس بصراحة انا بأيدهُ وعاجبني الوضع ومش هسيبك النهاردا. وكُله في سبيل إرضاء البيبي الجميل دا.

بيسان وهي تصرخ به في رقة: يامن، إتلم!
على الجانب الآخر
أخذت تتحرك في الحديقة تترقب الطريق، تذهب وتجيء في حيّرة من أمرها، أنزلت الهاتف عن أذنها بشيء من الضجر. فهي تجهل تمامًا. إلى أين ذهبا هؤلاء!، ولا تفهم بالضبط ما الذي يُخطط له قُصي. استدارت لتلتحق بالصالة كي تنتظر وصولهما.

اصطدمت بجسدهِ وقد أصابها حالة من الذُعر وهي تُغمض عينيها بحنقِ قائلة: ممكن أفهم إنت واقف ورايا بتعمل أيه؟، خضتني!
آسر بنظرة غامضة: حد قالك قبل كدا، إن جمالك يقتل؟
جاوبته لما طرح سؤاله بشيء من الثقة وهي تزيح خُصلات شعرها عن وجهها: ما بعدش يا چيمي!

أومأ آسر برأسه مُتفهمًا ليقبض على ذراعها بشراسة وراح يقول بلهجة صارمة: حد قالك بردو إني لما بغير على واحدة بحبها وتستفزني، بحرقها؟ وبدل ما جمالك هو اللي يقتلني. انا أقتله.

إبتلعت ريقها بصعوبة وأخذت تُتأتيء في الحديث قليلًا ومؤخرًا أردفت بنبرة مفهومة نوعًا ما: ت تت تحرقني؟، أنا مش بستفزك! انت اللي ماشي ورايا في كُل مكان.
آسر يتصنع الغضب ليهتف بصوت أعلى: تحبي أحرقك بالبنزين ولا بمياة النار؟
تقلصت قسمات وجهها بشكل لا إرادي ولكنها حاولت التماسك لتردف بنبرة سادرة وهي تتجنب النظر في عينيه مُباشرة: هي نجوى أه كانت كائن لزج. بس إنت عملت فيها أيه؟

قطع حديثها صوت شقيقتها وهي تهتف عاليًا في شيء من السعادة تترجل من سيارة قُصي، همّت فداء بالفرار منه لتجد قبضتة مُحكمة على ذراعها ليُعزز هو تمثيليته مردفًا بحدة:
قولي بحبك لو حابه تفضلي عايشه بدون تشوهات وتساعدي أُختك. انتِ لسه ما تعرفيش آسر. الشاب السادي. قتلت خمسة حرقًا بالنار. وإغتصبت سبعة وإنتِ التامنة لو ما نفذتيش رغباتي.

أغمضت عينيها في فزع، فقد صدقت ما قاله ولم تُفرق بين نبرته المازحة والجدية حتى الآن ولكن علاقته ب (نجوى) والتي إنتهت قبل أن تبدت جعلتها تغوص في خيالات لا وجود لها. حاول جاهدًا كتم ضحكاته داخله وظل رابط الجأش بملامح شرقية قسية فيما أردفت هي بنبرة مُرتعشة ومازالت مُغمضة العينين: ب ب بحبك!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة