قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية جميلتي الصهباء للكاتبة علياء شعبان الفصل الحادي عشر

رواية جميلتي الصهباء للكاتبة علياء شعبان الفصل الحادي عشر

رواية جميلتي الصهباء للكاتبة علياء شعبان الفصل الحادي عشر

أراهُ من بعيدٍ ويراني، أنوي حازمة علي أن أخوض معركة أحلامي. انسل السيف من غمدهِ تأهبًا لبناء كياني. حُبًا ووجدًا وأماني.

رفعت عنود جانب شفتها العُليا قليلًا وقد حركت جفنها الأيمن حركة بطيئه مُحاولة إدراك ما سمعتهُ لتردف بنبرة متوجسة: just a minute، you are not serious!
( بتهزري؟! )
أومأت فداء برأسها إيجابًا تؤيد عباراتها المصدومة، فيما صدحت بيسان بشهقة رقيقة لتقول بنبرة مُتلعثمة: بتحبي حرامي!، إنتِ بتهزري أكيد؟

ذمت فداء شفتيها إعتراضًا علي حديثهما لتواليهما ظهرها بحثًا عن ملابس اُخري بعدما أعلنوا عن رفضهم لما ترتديه. لتجد يد عنود تقبض علي ذراعها ومن ثم تديرها لها من جديد هاتفة: إنتِ مجنونة؟، بابي لو عرف ممكن يجرا له حاجه. إنتِ لازم توقفي المهزلة دي حالًا!

فداء برفعة حاجب وهي تتخصر أمامها: هو حرامى أه، بس راجل جدًا. لأ وشبه الأتراك كدا. ياختي عليه وعلي حلاوته بينور في الضلمة.
عنود بصرخة حادة: What!
رمقتها فداء بحنقِ لتمد يدها حيث خصلات شعرها وتبدأ في تشعيثهم بغير ترتيب قائله: يالا يا بت إمشي من وشي، روحي عن لحام يعد لك لسانك دهون، وانتِ شبه الأجانب كدا.

إستدارت من جديد لتصطدم رأسها ب طرف باب الخزانة، عادت للوراء قليلًا لتردف بنبرة واهنة: أه يا نافوخي. دوخت، هيطلع ليّ مجانص دلوقتي وانا رايحة أقابل التركي.
سمعن طرقات خفيفة علي باب الغرفة، لتتجه عنود حيث الباب تفتحه بثبات، أطال يامن من خلفه ليدلف بهدوء إلى الغرفه وبنبرة هادئة تابع: هستأذنكم. هاخد بيسان علشان ميعاد التدريب!

فداء بثبات: ماشي، لما بيسو تمشي علي رجليها، هاخدكم أحلي مطعم كوارع في الجيزة، اسمه النتن.
أغمضت عنود عينيها ضغطًا لتتوجه بحديثها إلى يامن الذي صدرت منه ضحكة خفيفة وهو يدفع مقعد بيسان أمامه:
إتفضل إنت يا (يامن ) علي التدريب!، وإنتِ بطلي قرف خالص. وخليني أشوف لك حاجه تلبسيها قبل ما أروح الشركة.

ترجل يامن خارج الغرفه ومعه بيسان، إلتفتت عنود إلى شقيقتها ترمقها بقنوط من أساليبها في الحديث والتي باتت تزعجها، لتصرخ فجأة دون سابق إنذار: بقيتِ رد سجون قلبًا وقالبًا وكمان مقرفه، كفاية ألفاظ حواري جالي تلبك معوي وتلوث سمعي، ويالا قدامي أشوف لك فستان. مش علشان أنا راضية عن المشوار دا، لأ علشان أنا عارفه إنك هتنفذي اللي في دماغك.

جذبتها من ذراعها لخارج الغرفة، لتردف فداء بنبرة باردة وهي تبتسم ببلاهة: أصل إنتِ ما شوفتيش الواد وحلاوته!، إحنا لو علقناه في سقف المخزن الضلمة، هينور ولا أحسنها لمبة ألووز. لأ وعندهُ خرم في دقنه. تصدقي بالله أنا شايفه ولادي فيه.

أطبقت عنود أسنانها كاظمة غيظها وهي تسحبها خلفها حيث غرفتها وما أن دلفتا حتى إتجهت عنود إلى الخزانة وقامت بإخراج فستان من اللون الأزرق يصل إلى الركبه، مُطعم خام الدانتيل من الأعلي وينسدل في اتساع حتى الركبة.

جدحتها فداء باستنكار عندما رفعت شقيقتها الثوب أمام مرأي عينيها لتردف بنبرة ساخطة: لمين الفستان دا؟
عنود ببساطة: ليكِ! مش حلو؟
فداء بحنق: حلو ليكِ انتِ ياختي، أما أنا مش بستريح غير في البناطيل.
عنود بإبتسامة خفيفة: فداء، انتِ كدا بتضري نفسك حبيبتي؟!

رفعت فداء كتفيها عاليًا وهبطت بهما ثانية لتردف بنبرة سادرة: مش عارفه يا عنود!، بس انا بحبه وعندي ثقه فيه يعني مش مُقنعه إن اللي بيعمله دا، حُبًا فيه. أكيد له أسبابه!
عنود بملامح مُسترخية ونبرة مهتمة أردفت: وأيه السبب اللي هيخلي واحد شبه الأتراك وحلو، حرامي؟ هل ظروفه ماديًا صعبه، ما عندوش بيت؟
قطبت فداء ما بين حاجبيها في تذبذب جليّ فهمته عنود التي أضافت بنبرة ثابتة: لأ، مش كدا؟

أجابت فداء علي سؤالها بهزة من رأسها ومن ثم تابعت بحسم: شيك جدًا، لطيف في التعامل. عنده بيت جميل في حي شعبي وفي رجاله بتحرس البيت كمان و.
ومن ثم أضافت بنبرة ناعمة متهللة: وكمان عندهُ موتوسيكل أحمر.

إبتسمت عنود رغمًا عنها وهي تري بؤبؤي عين شقيقتها توهجا بلمعة فرح وحماس يرتبطان إرتباطًا وثيقًا بشعورها الجديد حيث أنها باتت تتصرف دون سابق تفكير أو حسابات منها، فقط تسعى وراء دقات قلبها، استفاقت من ذروة إندهاشها بهذا الشعور الغريب ناحية شقيقتها، فقد ظنت فيما مضى بأن فداء لن تعشق أبدًا خاصةً بعد فيض الانهيار والألم التي عانته في عام السجن هذا، إنتبهت لكلمات شقيقتها الحاسم تقول:.

بس ما تقلقيش يا عنقودتي، أنا قررت هسأله النهاردا. انما ما قولتليش إيه حكاية قُصي دا؟، وبسهولة كدا سامحتيه؟

رفعت فداء أحد حاجبيها تطالع شقيقتها بتحدِ، أصدرت عنود قهقه خفيفة وهي تتابع باستنكار: أوعي دماغك تاخدك لمكان مستحيل أكون فيه؟، سامحته علشان المصلحة اللي بينا وإنه شريكي. لكن أنا حسابي معاه مخلصش، وما تنسيش إن عنود العامري مُستحيل تتنازل عن جمالها ورونقها في سبيل نكبات وأوجاع الحُب!

( داخل اليلا مقر الشركة )، وصالحتها وقبلت بسهولة كدا؟
أردف فايز بتلك الكلمات في تساؤل، إلتفت قُصي إلى صديقه ليقول بنبرة واثقة وهو يُرتب رابطة عنقه: إنتِ بتتكلم مع قُصي الدمنهوري يا صاحبي؟
فايز بضحكة ساخرة من جانب شفتيه: وبتكلم بردو عن عنود العامري، بنت سالم العامري القاضي المُحترم وأخت فداء العامري. كُل البيانات دي تؤكد إنها مش من النوع اللي بتعرفه!

قُصي وهو يربت علي كتف صديقه بثبات: إطلاقًا، هي ميكس رقه علي جبروت، ورفعة حاجب أحلي من سنين عُمري كلها. وعلشان هي مش شبه النوعيات دي، أنا إعتذرت لها.

حدق فايز به وهو يفغر فاهه مشدوهًا، وضع إصبعة السبابة داخل فتحة أذنه وبنبرة مذبهلة تابع: لحظه. لحظه. قولت أيه؟، قُصي بنفسه بيبرأ بنت من إتهاماته السابقة؟ بركة ياخويا وأخيرًا العُقدة إتحلت! لأ دا أنا أجيب بيبسي ونسهر ونعربد بقى؟

صدحت قهقه عاليه صادره عن هذا القاس الوسيم، ليردف بنبرة مستنكره: دا أخرك في العربده؟ تجيب بيبسي وتسهر؟

لم يستمع إلى رد صديقهُ وهو يجدها تدلف من الباب الرئيسي لليلا. تابع خطوات قدميها الواثقه نحوهما. نفس رفعة الحاجب التي لا تتنازل عنها، حتى خُصلات شعرها الغجرية تؤازر صاحبتها ف تتطاير خلفها بعنجهية وثقة، سرح بخياله بها يدقق النظر إلى قسمات وجهها بإمعانِ. حاول ترتيب أفكاره داخله لوهلة وهو يرمقها بنصف عين، هل بترت قسوته ناحية الفتايات فجأه وبسببها كما ذكر صديقه؟! مَن هذه لتُثير داخله فوضي أفكار. هل أثارت بحق جلبه في أفكاره فحسب. ليُقاطعه صوت فايز الذي إقترب منه مُناديًا بتقطيبه مريبة: إنت نمت وعينك مفتحه ولا أيه؟

رمقتهُ عنود بريبة حيث ثبتت مُقلتيه بها، ليلاحظ فايز ذلك ومن ثم بادر بإيقاظه من شروده لخوفها من التحديق بها. تنحنح قُصي قليلًا وهو يرتب رابطة عنقه علي مهل وبنبرة آسفه تابع: انا أسف سرحت شوية.
فايز بضحكة ساخرة: طيب لما تسرح بعد كدا، إبعد عينك من علي البونية، خوفتها!
جدحه بنظرة تهديدية مُستترة، ليلتفت إليها وبنبرة هادئة تابع: تحبي نبدأ منين؟

جلس إلى مقعده في ذهول من أمره، مال بجسده جانبًا يُطالع ثوبها وهيئتها بنظرة مُريبة لاحظت علامات الاستفهام التي عششت حول عقل صديقها لتردف بنبرة مُتلعثمة:
ما خلاص يا عم مُنير. قولت لك عنود الزفته هي اللي أصرت إني ألبسه.
منير وهو يعدل من وضعية نظارته الطبية قائلًا بتوتر: معلش يا فداء. مش متعود عليكِ أنثي يا صديقة الكفاح!
فداء مُتصنعه البكاء: ولا انا والله.

رفعت وجهها إليه فجأه تجدحه بنظرات حادة أعقبها إطباقة منها علي ياقة قميصه وراحت تردد بتهديد: آسر هييجي من هنا، وبعد ما تتعرفوا تتحجج بأي حاجه وتخلع. دا لو باقي علي حياتك يا منير!
منير بتلعثم: ح. ح. حاضر.

تنشقت الهواء داخلها وهي تعود بظهرها تسند إلى المقعد بأريحية شديدة وقد ظهرت علي مُحياها إبتسامة ظافرة. تسايرت الإبتسامة عن وجهها ليحل محلها العبوس القاس وهي تجد هذه الشيطانة تتأبط ذراعه ويتجهان معًا ناحيتها.
اصطكت اسنانها بقوة لترفع قدمها من أسفل الطاولة ومن ثم تهبط به علي قدم مُنير تدهسه ليصرخ هو متأوهًا وما أن همّ بالحديث حتى جدحته بحذر لتقول بنبرة خفيضة: عاااااا. هتشل، بنت المبقعه دي تاني!

ألقي آسر السلام بإبتسامة هادئه، أرجع أحد المقاعد للخلف قليلًا حتى أجلسها ومن ثم جلس هو إلى المقعد المجاور لها. كانت ترمقهما بنظرة حانقة بينما أردف آسر وأخيرًا بعد أن لاحظ هيئتها الجديدة عليه: جميل الفستان يا فداء.
إنفرجت أسارير وجهها بطفولة وراحت تهتف بنعومة هادئة: بجد يا آسر؟

أومأ لها بإبتسامة هادئه. كانت نجوي ترمقها شزرًا بين الحين والآخر. لم تحسب فداء لهذا مُطلقًا. فقد ظنت بأنها ستتمكن من الحديث معه علي إنفراد تام. هنالك الكثير والكثير الذي تود معرفته، في تلك اللحظه تابع فايز بنبرة هادئه: إتشرفت بمعرفتك يا أستاذ آسر؟
آسر بإبتسامة هادئه: دا شرف ليا يا مُنير.

انسلت فداء من بينهم في هدوء لتقف علي مسافة منهم، ضغطت علي عدة أزرار في هاتفها وإنتظرت رد المُستقبل عليها وما هي إلا ثوانٍ حتى رددت إحداهن بنبرة عالية قليلًا: فداء؟ إزيك يابت وحشاني!، كدا تقوليلي هعدي عليكِ ولا تسألي؟!
فداء بنبرة قانطة: مش وقته يا أم شريف، أنا عوزاكِ ضروري. مسألة حياه أو موت.

أم شريف بثبات: إشجيني بالعنوان وأكون عندك دوغري.

والله ليك وحشه يا جمال؟ تعالي علي مكتبي علشان نتكلم براحتنا.
أردف سالم بتلك الكلمات وهو يترجل خارج غرفة التدريب الخاصة بابنته مُستقبلًا صديق عمره بحفاوة شديدة. افتر ثغر جمال عن إبتسامة عريضة قائلًا: يا جدع يا طيب. إعملها انت وإسأل مرة؟

صدح صوت سالم في جنبات القصر يأمر إحدي الخادمات بإحضار قهوتهما المفضله، ربت علي كتف صديقه يقوده معه إلى حجرة المكتب قائلًا: والله غصب عني. أنا مقصر الأيام دي مع الكُل.
(علي الجانب الاخر )، تهللت أسارير وجهها وهي تقف علي قدميها لفترة مُرضية وليس هذا فحسب بل تمكنت من السير علي مدى كعبين. إبتعد بجسده عنها ثم مد كفيه إليها يهتف بنبرة مُحفزة:.

ها؟ تعالي يا بيسان. حاولي تمشي خطوتين تاني علشان أنفذلك مشروع الحضانة اللي عاوزاه!

رمقته بنظرة مليئه بالإصرار والسعادة، أمدت هي الأخر كفيها إليه حتى تشابكوا معًا ليعاونها علي السير فتستجيب، وهنا شعر بلذة انتصار فأخيرًا قذفت بيسان داخله شعورًا يُحييه كطفلة تتعلم السير مؤخرًا. يجد بها صغيرته التي لم ينجبها بعد.

أصدرت قهقهة رقيقة بعد أن تغلبت علي مرضها الذي حدث إبان تعرضها لحادثة جعلتها أسيرة ل مرضها وعاجزة عنه، إرتمت بين أحضانه تحتمي به حتى لا يهوى جسدها أرضًا ليلتقطها هو بحُب جارف وهو يتنشق عبير شعرها الأصهب الهاديء بنفحاتها الخاصة...

تلاقت نظراتهما لترمقه بنظرة طفولية فجّة، أذابت داخله ذوبانا. هذه النظرة منها تجعله يغرق في بحر عشقها الأبدي المُر. وهنا أردفت بيسان بفرحة: يامن؟ أنا كدا هعرف أمشي تاني!
أومأ يامن برأسه إيجابًا ومازال يحتضنها غير عابئًا برفضها لحُبه، هو فقط يَود الطبطبه علي قلبه بوجودها. كبا لون وجهه إبان نطقها بهذه الكلمة وسط جملة ما حيث تابعت بهُيام أغاظه: يعني خلاص هقدر أشوف إبراهيم وأخرج معاه؟

أغمض عينيه بحنق ونفاذ صبر. فقد شاظ به الغضب وفاقت أقاويلها قدرة إحتماله، فقلبه يتهشم وهي لا تُبالي بإستغاثاته، قام بإجلاسها إلى مقعدها ليتدهور به الحال قائلًا بصوتٍ أجشٍ: إنتِ ناوية تجننيني؟ ردي عليا!
رمقته بيسان بعينين جاحظتين، فيما ثبتها بذراعيه وراح يهزها صارخًا بنبرة ثائرة. رُجت جدران المكان علي أثرها: إبراهيم مات يا بيسان. مااااات، فوقي بقى. ماااااااات.

تلألأت قطرات الدموع في عينيها، لتصرخ به بنبرة واهنة: إنت كذاب. عاوزة يموت ليه؟

جثى علي رُكبتيه ليقترب من وجهها يرمقها بعينين يستشيطا غضبًا، فقد شعرت بعبق نبراته الحرارية علي ملامحها وهو يصرخ بحنق: علشان هو ميت. ميت من زمان. وعلشان أنا بحبك، حتى أنا كمان قلبي مات حُزن وفقدان أمل بسببك. فوقي يا بيسان. إنتِ من حقي أنا!

دفعته بيسان بقوة بعيدًا عنها، فقد إرتعشت أطرافها وهي تصرخ به باكية. بل أصبحت حالتها مُنهارة تمامًا لتردف: أنا بكرهك. ومش هحب حد غيره، أنا ممكن أموت لو بعد عني.

إنهارت حالته أكثر وراح يضرب علي مسندي المقعد بكلتا ذراعيه. إنكمشت علي نفسها فزعًا ونبرة بكائها تزداد ليهتف ثائرًا: طيب وانا؟ ما أنا طول عُمري بموت في بعدك عني!، طول عُمري علي الرف في حياتك مستني الفرصة، وإنتِ عُمرك ما حسيتي بقلبي، إرحميني يا بيسان. الله يلعن دا حُب!

تجمع الخدم علي صوته الجهوري يرج القصر رجًا. هرعت مني لداخل الحجرة ليتبعها سالم والباقية. أسرعت بإبعاد إبنها عن مقعد بيسان وأخذت تصرخ به باستهجان من طريقته معها: انت أكيد إتجننت؟ أيه اللي إنت عملته دا؟
دفنت بيسان وجهها في ملابس مني، تبكي بشهقات صغيرة مُتقطعه. رمقها يامن بنظرة ضعيفه لا تقوى علي المُجادله ومن ثم أسند ظهرها إلى إحد الحوائط مُستسلمًا لأوجاعه التي لا تنتهي...

سالم وهو يهرول إلى ابنته بقلق: بيسان؟
إلتفت ببصره إلى يامن ومن ثم جدحه بنظرة لائمة ليقول: هي دي الأمانة يا دكتور؟

مالت نجوى علي أذن آسر تبتلعها بمجموعة من الكلمات الغامضة، هزّ آسر رأسه بهدوء وثبات، تنحنحت فداء قليلًا قبل أن تقول بهدوء: محتاجة حاجه يا أنسه نجوى؟!
لأ، شكرًا.
بترت عباراتها هنا وبالأخص عندما تابع آسر بنبرة ثابتة قائلًا: بعد إذنك يا فداء. ممكن توريها مكان التواليت؟

إنفرجت أسارير وجهها وكأنها فازت بفرصه للانتقام مُقدمة لها علي طبق من ذهب، أومأت برأسها لتقف في مكانها علي الفور وبنبرة ثابتة قليلًا تابعت: تعالي معايا.

وافقت نجوى علي مضض فهي لا تطيق وجود فداء إلى جوار حبيبها أبدًا. إتجهت بها إلى دورة المياه الخاصة بالسيدات وما أن دلفت الفتاة للداخل. حتى جاءت هذه السيدة التي تُدعى أم شريف والتي كانت صديقتها بهذا العام الجاف عليها، هتفت فداء بنبرة سعيدة للغاية قائله وهي تحتضنها: حبيبتي يا أُم شريف. وحشتيني!

أم شريف بنبرة عالية قليلًا: وانتِ كمان، خير أيه المصلحة المرة دي؟!
فداء وهي تذم شفتيها غيظًا وتشير إلى باب المرحاض: بت شبه دود المِش بتاعك أقسم بالله، عاوزه أخلص منها لمدة ساعة كدا، بس علميها لي الأدب. زيّ ما كُنتِ بتعملي مع البنات في السجن.
أُم شريف وهي تتخصر أمامها وتحرك حاجبيها بثقة: عاوزة أنهي حركة فيهم؟

رمقتها فداء بنصف عين لتفكر لوهلة ومن ثم إبتسمت بتذكر لتردف: عارفه يا وليه، البت اللي كانت اسمها سميرة المايعة؟ لما عملتلها سوبلكس علي دماغها وجالها حول في عنيها وأغمن عليها؟

أم شريف بتركيز ومناصرة لحديثها: أه. لما ضربتها علي راسها فلقتها نُصين؟
تجهمت معالم وجه فداء فجأه، لترفع أحد حاجبيها قائله بمكر: فلقتها دي اللي هي split يعني؟

وضعت السيدة يدها أسفل ذقنها تحكها باستنكار ومن ثم أردفت بهتاف حاد: وانا مالي يا فتاء!، لب ولا سوداني يوووه؟
صرت فداء علي أسنانها لتقول بنبرة ساخطة: يا وليه حرام عليكِ مليون مرة أقولك اسمي فداء. دا انا جالي فتاء منك انتِ ومِشك، إنتِ لو فتحتي بطني كدا. هتلاقيها ممششة بسببك. وبعدين انتِ ليه مش قايله لي المصطلح الجديد دهون علشان أضيفه لقاموسي!
أم شريف بغيظ: قال يعني أنا كُنت بشوف وشك؟

إرتخت عضلات وجهها لتقترب من السيدة ثم تحاوط كتفيها بذراعها قائله بنبرة هادئه: في أيه يا أم شريف؟ دا أنا تلميدتك ومن علمني حرفًا. صرت له عبدًا. ما تخليش النجوى من الشيطان دي تُدخل ما بينا!

لانت السيدة تستمع إلى كلماتها بتفاخر وكأنها علمتها ما لا يُمكن تدريسه بأي مكان. أو بالفعل هو كذلك!

في تلك اللحظه ترجلت نجوى خارج المرحاض، وهنا رفعت فداء صوتها عاليًا وكأنها في عراك مع هذه السيدة السمينة، لتتصنع الدهشة وهي تهتف بنجوى في إغاثة: إلحقيني يا عجوة. الست دي بتزعقلي.
فتحت نجوى عينيها واسعًا لتجد السيدة تقترب منها مرددة بنبرة غليظة: بقى هي دي اللي بتهدديني بيها؟ طيب تعالي ياختي.

أسرعت أم شريف بالقبض علي ساعدها ومن ثم تعثرت قدماها لتضربها السيدة علي راسها فتسقط أرضًا وهي تصرخ بتاوه، تصنعت فداء الفزع لتهتف هلعًا:
الست دي متوحشة. انا هروح أبلغ آسر.
وقبل أن تلتفت مُغادرة المرحاض وجدت السيدة تُلقي بجسدها السمين علي الفتاة التي دُست أسفلها. فغرت فداء فاهها لتقول بصدمة: البت ماتت،!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة